الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج ابن تيمية رحمه الله
-
المنهج الذي توخى السير عليه شيخ الإسلام فهو كما يأتي:
1-
أورد الخصائص والفضائل التي اختص بها أبو بكر رضي الله عنه مدعما بالأدلة الصحيحة الصريحة التي تبيّن أنه لم يكن في الصحابة من يساريه.
2-
أورد الأحاديث التي وردت في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبيّن أنها مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة.
3-
تعقب رحمه الله بعض الأحاديث التي استدل بها أهل الأهواء وبيّن أنها ليست ناهضة للاستدلال، ثم قام بتصويباته النفيسة علميا، ونقدها تأريخيا وحديثيا نقدا رصينا.
النص المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي [إلا بالله](36)
سئل الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن الشيخ مجد الدين عبد السلام ابن تيمية - رحمهم [الله](37) تعالى - عن رجل شريف متمسك بالسنة لكنه يحصل له أحيانا ريبة في تفضيل أبي بكر (38) وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فيغلب على ظنه أن علياً رضي الله عنه أفضل منهم، ويستدل بقوله صلى الله عليه وسلم:((أنت مني وأنا منك)) (39) .
وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) (40) وهارون كان من موسى بمنزلة رفيعة ولم يكن عنده أعز منه.
(36) ساقط من الأصل.
(37)
ساقط من الأصل.
(38)
في الأصل: ((أبا بكر)) .
(39)
البخاري: الصحيح، كتاب الصلح باب كيف يكتبُ: هذا ما صالح فلان بن فلان.. 2/960 رقم 2552 ورقم 4005.
(40)
البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب مناقب علي 3/1359 رقم 3503 بلفظ:((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) ، وباب غزوة تبوك رقم 4154 وفيه زيادة مفيدة.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1870 رقم 2404.
وبقوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر (41) : ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويُحِبُّه الله ورسوله يفتح الله على يده)) فأعطاها لعلي (42) .
وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه (43) ، وعادِ من عاداه، وأدر الحق معه كيفما دار)) (44) .
وبقوله يوم غدير خم (45) : ((أُذكركم الله في أهل بيتي)) (46) .
وبقوله تعالى: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية [آل عمران 61]، وبقوله تعالى:{هذان خصمان اختصموا في ربهم} (47)[الحج 19] وبقوله سبحانه: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا} [الإنسان 1] ، ويزعم أن هذه السورة نزلت في علي رضي الله عنه أفتونا.
الحمد لله [1/أ] رب العالمين. يجب أن نعلم أولاً أن التفضيل إنما يكون إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد للمفضول، فإذا استويا في أسباب الفضل وانفرد أحدهما بخصائص لم يشركه فيها الآخر كان أفضل منه، وأمّا ما كان مشتركا بين الرجل وغيره من المحاسن فتلك مناقب وفضائل ومآثر لكن لا توجب تفضيله على غيره، وإذا كانت مشتركة فليست من خصائصه.
وإذا كانت كذلك ففضائل الصديق رضي الله عنه الذي ميّز بها خصائص لم يشركه فيها أحد، وأما فضائل علي رضي الله عنه فمشتركة بينه وبين الناس غيره.
وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، لا تبقين في المسجد خوخة (48) إلا سدت إلا خوخة أبي بكر، إن أمنّ الناس عليَّ في صحبته لي وذات يده أبو بكر)) (49) ، أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي سعيد (50)(51) ، وقصة الخلة في الصحيح من وجوه متعددة (52) .
(41) خيبر: لفظ خيبر بلسان اليهود الحصن، وصار يطلق هذا الاسم على الولاية وتشتمل على سبعة حصون ومزارع ونخيل كثيرة فتحها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة، وتقع شمال المدينة بحوالي 164 كيلا.
انظر: معجم البلدان 2/409، مرويات غزوة خيبر ص8.
(42)
البخاري: الصحيح، كتاب المغازي باب غزوة خيبر /1542 رقم 3973.
وهو بلفظ المصنف غير أنه قدم قوله: ((يفتح الله على يديه)) فجعله بعد قوله ((غدا رجلا)) .
(43)
قوله ((اللهم وال)) تكرر في الأصل، بعد قوله:((والاه)) .
(44)
قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب 5/591 رقم 3713، من طريقين عن شعبة. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال، ورجال الإسناد كلهم ثقات.
وأخرجه إلى قوله: ((وعاد من عاداه، وانصر من نصره)) الإمام النسائي في خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بتخريج أبي إسحاق الحويني ص99، 100 رقم (95) قال المحقق: إسناده صحيح، وقد نقل عن ابن كثير في البداية والنهاية (5/210) قوله:((وهذا إسناد جيد)) . وأخرج عبد الله ابن أحمد في زوائده على المسند (1/118) إلى قوله: ((واخذل من خذله)) .
قلت: وتمامه: ((اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)) وفي سنده: شريك بن عبد الله النخعي، وهو سيئ الحفظ، وعمرو ذي مر وهو مجهول.
قال الحافظ ابن حجر: ((وأما حديث ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان)) اهـ.
وقال الذهبي في السير (8/334، 335) : ((هذا حديث حسن ومتنه متواتر)) يعني به الشطر الأول منه فقط.
وقد حسّن الشيخ الألباني رحمه الله الشطرين الأولين: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) ثم قال: ((وأما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي رضي الله عنه: ((وانصر من نصره واخذل من خذله)) ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث:((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) الصحيحة 4/343، 344 رقم (1750) .
قلت: وقد تقدم أن الحديث بشطر ((وانصر من نصره)) أيضاً ورد بسند صحيح رجاله كلهم ثقات، أما قوله:((واخذل من خذله)) فلم أقف عليه بسند صحيح إلا ما أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند (1/118) وفيه: شريك بن عبد الله القاضي النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيرا، وفيه أيضاً عمر بن ذي مر، وقد ترجمه البخاري في الكبير (3/2/329-330) وقال:((لا يعرف)) وكذا قال العقيلي، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول، ولذا فالحديث بهذه الزيادة ضعيف.
والشطر الأخير: ((وأدر الحق معه كيفما دار)) فقد أخرجه الترمذي في جامعه (5/592)(3714) كتاب المناقب، باب مناقب علي رضي الله عنه بلفظ:((اللهم أدر الحق معه حيث دار)) وقال: ((هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمختار ابن نافع شيخ بصري كثير الغرائب)) .
وقال الحافظ في التقريب رقم 6525: ضعيف.
قلت: فهذا الشطر ضعيف لم يثبت من وجه يصح.
فيكون الحديث صحيحا إلى قوله: ((وانصر من نصره)) أما ما عدا ذلك وهو قوله: ((واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيفما دار)) فلم يثبت.
(45)
غدير خم يعرف الآن باسم (الغُرَبَة) ، وهو غدير عليه نخل قليل لأناس من حرب، ويقع شرق الجحفة على ثمانية أكيال.
معجم معالم الحجاز 3/159.
(46)
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1873 رقم 2408.
(47)
الآية في الأصل بالهامش بخط الناسخ.
(48)
الخوخة - بفتح الخاءين - باب صغير كالنافذة الكبيرة، وتكون بين بيتين ينصبُ عليها باب. النهاية 2/86.
(49)
البخاري: الصحيح، كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد 1/558 مع الفتح، رقم 466 و 467.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبو بكر الصديق 4/1854 رقم 2382 بلفظ - وهو أقرب لفظ للفظ المصنف -:((إن أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر)) .
وفي لفظ عنده من حديث عبد الله بن مسعود: ((لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا
…
)) . مسلم: الصحيح رقم 2383.
وفي رواية: ((لا تبقينّ في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر)) . البخاري مع الفتح 1/558، رقم 466 كتاب الصلاة باب الخوخة والممر في المسجد.
(50)
سعد بن مالك أبو سعيد الخدري، الأنصاري، له ولأبيه صحبه، شهد ما بعد أحد، وتوفي بالمدينة سنة ثلاث وستين، وقيل أربع وستين. التقريب ص232.
(51)
البخاري: الصحيح، كتاب المساجد 1/177 رقم 454. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1854 رقم 2382.
(52)
من ذلك: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري، كتاب المساجد باب الخوخة والممر في المسجد 1/178، وفي فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:((لو كنت متخذا خليلا)) 3/1338، وعن عبد الله بن الزبير 3/1338 رقم 3458. ومسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1854، 1855 رقم 2382 و 2383 عن عبد الله ابن مسعود.
وهذا الحديث فيه ثلاث خصائص لم يشرك أبا بكر فيها غيره:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمنّ الناس علينا في صُحبته وذات يده أبو بكر)) بيّن فيه أنه ليس لأحد من الصحابة عليه من حق في صحبته وماله مثل ما لأبي بكر رضي الله عنه.
الثاني: [1/ب] قوله: ((لا تبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر)) ، وهذا تخصيصٌ له دون سائر الصحابة، وقد أراد بعض الكذابين أن يروي لعلي رضي الله عنه مثل ذلك، لكن الصحيح الثابت لا يعارض بالضعيف الموضوع (53) .
الثالث: قوله: ((لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا)) فإنه نص أنه لا أحد (54) من البشر يستحق الخلة لو كانت ممكنة إلا أبو بكر، ولو كان غيره أفضل منه لكان أحق بالخلة لو كانت واقعة.
وكذلك أمره لأبي بكر أن يُصَلِّي (55) بالناس (56) مدة مرضه من خصائصه التي لم يشركه فيها أحد، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن تصلي خلف أحد في حياته بحضرته إلا خلف أبي بكر (57) .
وكذلك تأميره له من المدينة على الحج ليقيم السنة ويمحو أثر الجاهلية، فإن هذا من خصائصه (58) .
وكذلك قوله في الحديث الصحيح: ((أُدع لي أباك أو أخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي)) ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) (59) وأمثال هذه الأحاديث كثيرة (60) تبين أنه لم يكن في الصحابة من يساويه.
(53) قال ابن الجوزي: طرقه كلها باطلة، وقال: هذه الأحاديث من وضع الرافضة قابلوا به حديث أبي بكر في الصحيح. (انظر: الفوائد المجموعة للشوكاني ص316) بينما يرى الحافظ ابن حجر في القول المسدد ص16-18 أن الأحاديث في هذا الباب صحيحة بل بمجموعها يقطع بصحتها.
وقال عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في تعليقه على الفوائد المجموعة ص317 ما نصه: ((وتصدى الحافظ ابن حجر في القول المسدد والفتح للدفاع عن بعض روايات الكوفيين، وفي كلامه تسامح، والحق أنه لا تسلم رواية منها عن وهن)) .
قلت: وأقرب هذه الروايات إلى الصحة ما رواه الإمام النسائي عن طريق شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبواب المسجد فسُدّت إلا باب علي رضي الله عنه.
وإسناده صحيح. الخصائص ص50 (41) .
وهو مخرج في جامع الترمذي 5/641 رقم 3732 كتاب المناقب باب مناقب علي.
وينظر: مجمع الزوائد 9/114، 115، فضائل الصحابة 2/581 رقم 985.
(54)
في الأصل: ((أحدٌ)) وهو لحن؛ لأن (لا) نافية للجنس، وحينئذٍ يكون اسمها منصوباً، فالتنوين لعله من الناسخ. والله أعلم.
(55)
في الأصل ((يُصل)) وهو تحريف؛ وذلك أن الفعل منصوب فيقال ويكتب: (أن يُصَلِّيَ) ، فلعلها من الناسخ. والله أعلم.
(56)
في الأصل: ((في الناس)) .
(57)
البخاري: الصحيح، كتاب الجماعة والإمامة 1/240 رقم 646.
مسلم: الصحيح، كتاب الصلاة 1/316 رقم 420.
(58)
البخاري: الصحيح، كتاب الحج 2/586 رقم 1543. مسلم: الصحيح، كتاب الحج 2/982 رقم 1447.
(59)
البخاري: الصحيح مع الفتح، كتاب الأحكام 13/205 رقم (7217) بلفظ:((لقد هممت - أو: أردت - أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائل أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون)) .
وهو عند مسلم بلفظ: ((ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بكر الصديق 4/1857 رقم2387.
(60)
ومنها حديث: ((ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر الصديق)) ذكر ذلك الناسخ في الهامش بخطه.
قلت: أخرجه بنحوه أحمد في فضائل الصحابة 1/352 رقم 508، وإسناده ضعيف لتدليس ابن جريج، وفيه أبو بكر لم أعرفه.
وأخرجه عبد بن حميد في المنتخب 1/217 رقم 212، وفي إسناده أبو سعيد البكري لم أعرفه، وابن جريج وقد دلس.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنت مني وأنا منك)) (61) فهذه العبارة قد قالها لغيره من المؤمنين، كما قالها -[عليه الصلاة و] (62) السلام - لجليبيب (63) الذي قتل عدة من الكفار:((هذا مني وأنا منه)) (64) .
وفي الصحيحين: ((إن الأشعريين (65) إذا كانوا في السفر ونقصت نفقة [2/أ] عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ثم قسموه بينهم بالسويّة؛ هم مني وأنا منهم)) (66) ، فقد جعل الأشعريين أبا موسى (67) وأبا عامر (68) وغيرهما منه وهو منهم، كما قال لعلي:((أنت مني وأنا منك)) (69) .
وقال تعالى: {والذين ءامنوا من بعدُ وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم} [الأنفال 75] وقال تعالى: {ألم تَرَ إلى الذين تولَّوا قوماً غضب اللهُ عليهم ما هم منكم ولا منهم} [المجادلة 14] وقال تعالى: {ويحلِفون بالله إنَّهم لمنكم وما هم منكم} [التوبة 56] .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا)) (70) ونحو ذلك، وهذا يقتضي أن السليم من هذه الكبائر يكون منا، وهذه العبارة تستعمل في النوع الواحد فيقال: هذا من هذا، إذا كان من نوعه، فكل من كان من المؤمنين الكاملين الإيمان فهو من النبي صلى الله عليه وسلم والنبي منه.
وقوله صلى الله عليه وسلم في قصة بنت حمزة: ((أنت مني وأنا منك)) (71) . وكقوله لزيد ابن حارثة (72) : ((أنت أخونا ومولانا)) (73)، ومعلوم أن هذا ليس مختصا بزيد بل كل من كان من مواليه يطلق عليه هذا الكلام لقوله تعالى:{فإن لم تَعلموا ءاباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} [الأحزاب 5] فكذلك قوله لعلي: ((أنت مني وأنا منك)) (74) وليس ذلك من خصائصه، بل من كان موافقاً للنبي صلى الله عليه وسلم في كمال الإيمان كان من النبي صلى الله عليه وسلم والنبي منه.
(61) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح 2/960 رقم 2552، وقد تقدم، تخريجه ص19.
(62)
ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(63)
قال الحافظ: غير منسوب، (الإصابة 1/253 رقم 1175) .
(64)
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل جلبيب رضي الله عنه 4/1918 رقم 2472 بلفظ:((قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه..)) الحديث.
وهو مخرج في سنن النسائي الكبرى أيضاً.
(65)
الأشعريون هم بنو الأشعر نبت بن أُدد بن ريد بن يشحب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ. (جمهرة أنساب العرب ص397) .
(66)
البخاري:الصحيح، كتاب الشركة باب الشركة في الطعام والعروض 5/153 رقم 2486.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل الأشعريين رضي الله عنهم 4/1944 رقم 2500 بلفظ:((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم)) .
(67)
عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، صحابي مشهور، أمّره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين، توفي سنة خمسين. (التقريب ص318) .
(68)
أبو عامر الأشعري، صحابي، اسمه عبيد، وهو عم أبي موسى الأشعري، استشهد بحنين. (التقريب ص653) .
(69)
البخاري: الصحيح، كتاب الصلح 2/960 رقم 2552، وقد تقدم، تخريجه ص19.
(70)
البخاري: الصحيح، كتاب الفتن باب من حمل علينا السلاح فليس منا، أما قوله:((من غشنا)) الحديث فلم يخرجه في صحيحه.
مسلم: الصحيح، كتاب الإيمان 1/98 رقم 98، وفيه تقديم الشطر الثاني.
(71)
سبق تخريجه ص19.
(72)
زيد بن حارثة الكلبي، شهد بدرا وما بعدها وقتل في غزوة مؤتة وهو أمير. الإصابة 3/25، 26.
(73)
البخاري: الصحيح، كتاب الصلح باب كيف يكتب: هذا ما صالح عليه فلان بن فلان 2/960 رقم 2552.
(74)
سبق تخريجه ص 1246، حاشية 39.
وكذلك قوله: ((لأعطين [2/ب] الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله)) هو من أصح الأحاديث وهو أصح حديث روي في فضائل علي رضي الله عنه أخرجاه في الصحيحين (75)، وقد زاد فيه بعض الكذابين:((إن الراية أخذها أبو بكر وعمر فهربا)) (76) .
وفي الصحيح أنه لما قال صلى الله عليه وسلم: ((لأعطين الراية رجلا)) قال عمر: ((ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ)) (77) ، واستشرف لها عمر وغيره، ولو جاء منهزماً لما استشرف لها، فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين في علي رضي الله عنه تباً لهم؛ فإنه مؤمن تقي يحب الله ورسوله، [ويحبه الله ورسوله](78) ، ولكن ليس هذا من خصائصه، بل كل مؤمن كامل الإيمان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وقد قال تعالى:{فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة 54] وهؤلاء الذين قاتلوا أهل الردة وإمامهم أبو بكر رضي الله عنه وفي الصحيح أنه قال صلى الله عليه وسلم للأنصار: ((والله إني لأحبكم)) (79) .
وفي الصحيح أن عمرو بن العاص (80) سأله: أي الناس أحبّ إليك؟ قال: ((عائشة)) قال: فمن الرجال؟ قال: ((أبوها)) . وهذا فيه أن أبا بكر أحبّ الرجال إليه، وهذا من خصائصه رضي الله عنه (81) .
وكان أسامة بن زيد (82) يسمى الحبّ ابن الحبّ لحبّ النبي صلى الله عليه وسلم له ولأبيه (83) . وأمثال هذه النصوص التي تبين أنه ليس كل شخص عرف أنه يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يجب أن يكون أفضل الخلق؛ فإن هذا الوصف ثابت لخلائق [3/أ] كثيرين، فليس هذا من خصائص الشخص المعين.
وأما قوله: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) (84) فحديث صحيح، وهذا قاله في غزوة تبوك (85) لما استخلفه على المدينة فطعن
(75) البخاري: الصحيح، كتاب الجهاد 3/1086 رقم 2812. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1871 رقم 2407، وقد سبق تخريجه ص! خطأ الإشارة المرجعية غير معرفة..
(76)
قلت: وقد ذكر هذه الرواية الهيثمي في مجمع الزوائد 9/124 من رواية ابن عباس عند الطبراني، وقال:((وفيه حكيم بن جبير، وهو متروك ليس بشيء)) . ومن رواية ابن أبي ليلى عند البزار، ثم قال:((وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح..)) بلفظ: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر فعقد له لواء ثم بعثه فسار بالناس فانهزم حتى إذا بلغ ورجع فدعا عمر فعقد له لواء فسار ثم رجع منهزما بالناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله وبحبه الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرار فأرسل..)) الحديث. مسند البزار 2/135 رقم 496.
قلت: قال الحافظ: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: صدوق سيء الحفظ جدا. فالحديث ضعيف كما ترى.
(77)
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي 4/1871 رقم 2405
(78)
المثبت من الهامش بخط الناسخ.
(79)
البخاري: الصحيح، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم أحب الناس إليّ 3/1379 رقم 3574، 3575. بلفظ:((اللهم أنتم من أحبّ الناس إلي)) قالها ثلاث مرات، يعني الأنصار. وفي حديث آخر:((والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلي)) قالها مرتين أو ثلاث مخاطبا لامرأة من الأنصار. هذا وما وقفت على لفظ المصنف في الكتب الستة. والله أعلم.
(80)
السهمي، الصحابي المشهور، أسلم عام الحديبية، وولي إمرة مصر مرتين، وهو الذي فتحها، توفي بمصر سنة نيف وأربعين.
(التقريب ص423) .
(81)
البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم 7/22 رقم 3662.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بكر الصديق 4/1856 رقم 2384.
(82)
ابن حارثة الكلبي، الأمير، صحابي مشهور، توفي سنة أربع وخمسين بالمدينة. (التقريب ص98) .
(83)
البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب زيد بن حارثة 3/1365 رقم 3524 و3526.
(84)
سبق تخريجه ص 1246، حاشية 40.
(85)
تبوك: موضع بين وادي القرى والشام، خرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع من الهجرة، وهي آخر غزواته، وتبوك الآن مدينة كبيرة وهي قاعدة شمال غرب المملكة، وتبعد عن المدينة حوالي سبع مائة كيل.
معجم البلدان 2/14، شمال غرب المملكة 1/349.
الناس فيه وقالوا: إنما استخلفه لأنه يبغضه (86) ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة استخلف عليها رجلاً من أمته، وكان يكون بها رجال من المؤمنين يستخلفه عليهم، فلما كان عام تبوك لم يأذن لأحد من المؤمنين القادرين في التخلف، فلم يتخلف أحد بلا عذرٍ إلا عاص لله ورسوله، فكان ذلك استخلافا ضعيفا، فطعن فيه المنافقون بهذا السبب، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أني لم استخلفك لنقص قدرك عندي فإن موسى استخلف
هارون وهو شريكه في الرسالة، أفما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى فتخلفني في أهلي كما خلف هارون أخاه موسى.
ومعلوم أنه استخلف غيره (87) قبله، وكان أولئك منه بهذه (88) المنزلة، فلم يكن هذا من خصائصه. ولو كان هذا الاستخلاف أفضل من غيره لم يخف ذلك على علي رضي الله عنه ولم يخرج إليه وهو يبكي (89) ويقول:((أتخلفني في النساء والصبيان)) . ومما بين ذلك أنه بعد هذا الاستخلاف أمّر عليه أبا بكر عام تسع، فإن هذا الاستخلاف كان في غزوة تبوك في أوائلها، فلما رجع من الغزو وأمّر [3/ب] أبا بكر (90) على الحج ثم أردفه بعلي فلما لحقه قال:((أميرٌ أو مأمور)) قال: ((بل مأمور)) (91) ، فكان أبو بكر يصلي بعلي وغيره، ويأمر عَلَى علي وغيره من الصحابة يُطيعون أبا بكر، وعلي يتعاطى نبذ العهود التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، لأن العادة كانت جارية أنه لا يعقد العقود ولا يحلها إلا رجل من أهل بيته، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:((لا يبلغ عني العهد إلا رجل من أهل بيتي)) (92) للعادة الجارية.
ولم يكن هذا من خصائص علي رضي الله عنه بل أي رجل من عترته نبذ العهد حصل به المقصود، لكن علي أفضل بني هاشم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(86) وقد ورد ذلك في حديث سعد بن أبي وقاص عند النسائي في الخصائص ص51 رقم (42) قال المحقق: إسناده صحيح بما بعده، ولفظه:((لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك خلّف عليا في المدينة، قالوا فيه: ملّه وكره صحبته..)) الحديث.
قلت: فيه قتادة وقد عنعن وكان مدلسا، قال إسماعيل القاضي في "أحكام القرآن":((سمعت علي بن المديني يضعف أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب تضعيفا شديدا ويقول: أحسب أن أكثرها بين قتادة وسعيد رجال)) .
وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم 1343 بنفس الإسناد، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 7/196، والخطيب في التاريخ 1/324، 325 من طرق عن قتادة به. وله متابعات صحيحة ذكرت أصل الحديث، انظر: الترمذي: السنن رقم 3731، والنسائي: الخصائص رقم 43، 44، 46.
(87)
انظر: ابن هشام: السيرة 2/302، 3/92، 292، 298، 306، 401، 426، 4/59.
(88)
في الأصل: ((بهذا)) .
(89)
لم أقف على رواية صحيحة فيها ذكر بكاء علي رضي الله عنه، وقد ورد ذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند النسائي في الخصائص ص63 رقم 57، وفيه: قال علي رضي الله عنه: ((يا رسول الله! زعمت قريش أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وكرهت صحبتي وبكى علي رضي الله عنه
…
)) الحديث. قال المحقق: ((إسناده ضعيف)) .
قلت: فيه عبد الله بن شريك وهو متكلم فيه، والحارث بن مالك مجهول. (التقريب رقم 1046، 3384) .
(90)
في الأصل: ((أبو بكر)) .
(91)
النسائي: كتاب الحج، باب الخطبة قبل يوم التروية 5/247 رقم 2993 بلفظ: قال له أبو بكر: أمير أم رسول؟ قال: لا بل رسول.. قال النسائي: ((ابن خُثيم ليس بالقوي في الحديث، وإنما أخرجت هذا لئلا يجعل ابن جريج عن أبي الزبير
…
))
…
الخ (المصدر نفسه) .
وذكره الألباني في ضعيف سنن النسائي وقال: ضعيف الإسناد. رقم 2993.
(92)
قال الحافظ في الفتح 8/320 كتاب التفسير باب {وأذان من الله ورسوله
…
} : ((وأخرج أحمد بسند حسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الحليفة قال: لا يُبَلِّغُها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي، فبعث بها مع علي)) . (المسند 13/434 رقم 13214) .
قلت: وأخرجه الترمذي في سننه 5/275 رقم 3090 والنسائي في خصائص علي (70) ولفظ الترمذي: ((لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهل بيتي فدعا عليا فأعطاه إياه)) . وقال: ((حسن غريب من حديث أنس)) .
قلت: وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات غير سماك بن حرب، فقد قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة فكان ربما يلقن. (التقريب رقم 2624) .
قلت: روايته هنا عن أنس بن مالك رضي الله عنه وليست عن عكرمة.
فكان أحق بالتقديم من سائر الأقارب، فلما أُمر أبو بكر عليه بعد قوله:((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) علمنا أنه لا دلالة في ذلك على أنه بمنزلة هارون من كل وجه؛ إذ لو كان كذلك لم يُقدَّم عليه أبو بكر لا في الحج ولا في الصلاة كما أن هارون لم يكن موسى يقدِّم عليه غيره، وإنما شبهه به في الاستخلاف خاصّة، وهذا أمر مشترك بينه وبين غيره.
وقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أبا بكر بإبراهيم وعيسى، وشبّه عمر بنوح وموسى (93)، لما أشارا عليه في أسارى بدرٍ: هذا بالفدى وهذا بالقتل. وهذا أعظم من تشبيه علي بهارون، ولم يوجب ذلك أن يكونا بمنزلة أولئك الرسل مطلقا، ولكن تشابها بالرسل: هذا في [لينه في الله وهذا](94)[4/أ] في شدته في الله، وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته به من بعض الوجوه كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب.
وأما قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار)) (95) .
فهذا الحديث ليس في شيء من الأمهات إلا في الترمذي (96) وليس فيه إلا: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) (97) وأما الزيادة فليست في الحديث، وقد سئل عنها الإمام أحمد رحمه الله فقال:((الزيادة كوفية)) (98) .
ولا ريب أنها كذب لوجوه:
أحدها: أن الحق لا يدور مع شخص معين بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا مع أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم؛ لأنه لو كان كذلك كان بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم يجب اتباعه في كل ما يقوله، ومعلوم أن عليا كان ينازعه أصحابه وأتباعه في مسائل كثيرة ولا يرجعون فيها إلى قوله، بل فيها مسائل وجد فيها
(93) أحمد: المسند 1/383، وفضائل الصحابة 1/181، والترمذي: السنن 4/213 رقم 1714 كتاب الجهاد، جميعهم عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود.
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وفي الباب عن عمر وأبي أيوب وأنس وأبي هريرة)) .
وله شاهد من حديث عمر أخرجه مسلم في صحيحه 3/1383 رقم 1763. فقول الترمذي: حسن، لعله يعني لشواهده، وإلا فقد صرح هو بانقطاعه. وليس في مسلم تشبيه أبي بكر وعمر بالأنبياء.
(94)
في الأصل بالهامش بخط الناسخ. والعبارة حصل فيها تقديم وتأخير في الأصل.
(95)
ابن تيمية: منهاج السنة 1/501، تقدم تخريجه ص 1247، حاشية 44.
(96)
سبق تخريجه ص! خطأ الإشارة المرجعية غير معرفة.. أما قوله: ((وأما الزيادة فليست في الحديث)) قلت: بلى إن الشطر الأخير: ((وأدر الحق معه حيثما دار)) مخرج في جامع الترمذي أيضاً 5/592 رقم 3714، ص 1231.
(97)
الترمذي: السنن 5/633. وقد سبق تخريجه ص 1247، حاشية 44.
(98)
لم أجد هذا النص.
نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم توافق قول من نازعه، كالمتوفى عنها زوجها وهي حامل، فإن عليا رضي الله عنه أفتى أنها تعتد أبعد الأجلين (99) ، وعمر وابن مسعود (100) رضي الله عنهما وغيرهما أفتوا بأنها تعتد بوضع الحمل (101)، وبهذا جاءت السنة (102) . وسئل النبي صلى الله عليه وسلم وكان أبو السنابل (103) يفتي بمثل قول علي رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:[4/ب]((كذب أبو السنابل قد حللت فانكحي)) (104) قوله لسبيعة الأسلمية (105) لما سألته عن ذلك.
وقوله: ((اللهم انصُر من نصره، واخذل من خذله)) خلاف الواقع؛ فإن الواقع (106) ليس كذلك، بل قاتل معه أقوام يوم صفين فما انتصروا (107) ، وأقوام لم يقاتلوا معه فما خذلوا كسعد ابن أبي وقاص (108) الذي فتح العراق لم يقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية (109) وبني أمية (110) الذين قاتلوه فتحوا (111) كثيرا من بلاد الكفار ونصرهم الله تعالى.
وكذلك قوله: ((والِ من والاه، وعادِ من عاداه)) مخالف لأصول الإسلام؛ فإن القرآن قد بين أن المؤمنين مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض هم إخوة مؤمنون كما قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحبُّ المقسطين. إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات 9، 10] فكيف يجوز أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم للواحد من أمته: ((اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه)) (112) والله تعالى قد أخبر أنه ولي المؤمنين والمؤمنون أولياؤه وأن بعضهم أولياء بعض، وأنهم إخوة وإن اقتتلوا وبغى بعضهم على بعض.
(99) روي عنه بوجه منقطع. (المغني 11/227) .
وانظر أيضاً: التمهيد (فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر) ترتيب المغراوي 10/591 كتاب الطلاق، باب عدة الوفاة تنتهي بوضع الحمل.
(100)
عبد الله بن مسعود الهُذَلي، أبو عبد الرحمن، من السابقين الأولين، ومن كبار العلماء من الصحابة، مناقبة جمة، مات سنة اثنتين وثلاثين، أو في التي بعدها بالمدينة. (التقريب ص323) .
(101)
ابن قدامة: المغني 11/227، 228، والخطابي: معالم السنن بهامش سنن أبي داود 2/729 كتاب الطلاق، باب في عدة الحامل.
(102)
منها ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه 5/2037 (5012، 5013، 5014) كتاب الطلاق باب {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} من حديث سبيعة الأسلمية. ومنها: ((أفتاني النبي صلى الله عليه وسلم إذ وضعتُ أن أنكح)) .
مسلم:الصحيح، كتاب الرضاع، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل 2/1122 رقم 1484 القصة بطولها.
(103)
أبوا السنابل بن بَعْكَك بن الحارث القرشي، قيل اسمه: عمر، وقيل غير ذلك، صحابي مشهور (التقريب ص646) .
(104)
أخرجه باللفظ الذي ساقه المصنف أحمد في مسنده 1/447.
قال الهيثمي - بعد أن ذكر هذا الحديث -: ((ورجاله رجال الصحيح)) .
وأخرجه أيضاً الإمام البيهقي في السنن الكبرى 7/429. وانظر التعليق السابق.
(105)
سُبيعة بنت الحارث الأسلمية، زوج سعد بن خولة، لها صحبة. (التقريب ص748) .
(106)
قوله ((فإن الواقع)) في الأصل بالهامش.
(107)
قلت: كان علي رضي الله عنه قريبا من الانتصار العسكري في صفين، لكنه نزل على تحكيم كتاب الله لما دُعي إليه، وأوقف الحرب، لأنه يرى أو كما قال بعد ذلك:((وكتاب الله كله لي)) أي يحكم لي. فيرى أنه سيحقق ما يريد عن طريق التحكيم بدلا من القتال، لكن التحكيم فشل ولم يخرجوا منه بالنتيجة التي أرادوها منه. ولم يتمكن بعد ذلك من غزو الشام وإدخالها في الجماعة والبيعة، بسبب ظهور الخوارج ودخول الوهن على بعض جيشه.
ويبدو أن الذي يعنيه شيخ الإسلام بعدم الانتصار هو عدم تحقيق الهدف الذي أراده الخليفة علي رضي الله عنه من غزو الشام وهو إدخاله ضمن خلافته.
أما المعروف عن علي رضي الله عنه فإنه لم يَخِبْ في أي معركة دخلها، ولم يُهزم في معركة قط.
وأما الذين لم يدخلوا المعركة أصلا كسعد بن أبي وقاص فذلك بناء على اجتهاده رضي الله عنه، ولا نستطيع أن نقول إنه أراد بذلك خذل عليّ رضي الله عنه، فكيف يترتب عليه خذله رضي الله عنه.
ولا يشك أحد منا أن عليا رضي الله عنه كان أقرب إلى الحق من معاوية رضي الله عنه بدليل حديث عمار.
وهذا الذي قاله شيخ الإسلام بأن معاوية وأصحابه انتصروا وفتحوا البلاد مع أنهم خذلوا عليا يقال بأن أصحاب معاوية ما أرادوا ذلك وإنما كان همهم شيئاً آخر وهو
القصاص، والذي جعلهم يقاتلونه رضي الله عنه أمر خارجي وليس بغضه، فهذا اجتهاد منهم، وهم على اجتهادهم مأجورون، بل كانوا يحبونه بدليل حديث صحيح مروي عن علي أنه قال:((والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق..)) صحيح مسلم 1/64 من الجزء الثاني كتاب الإيمان باب حب علي من الإيمان، وبلا شك فهم كانوا مؤمنين وقد وصفهم الله عز وجل بذلك في كتابه:{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..} . وبهذا ظهر الأمر جليا أن معاوية ومن معه رضوان الله عليهم أجمعين لم يكن قتالهم ناشئاً من العداوة، وإنما ذلك من أجل القصاص لدم عثمان رضي الله عنه، وإلا فهم كانوا يوالونه موالاة المؤمنين بعضهم لبعض ولم يكونوا يعادونه لا قبل تلك المعارك ولا بعدها.
فإذا كان الأمر كذلك فلا معارضة إذاً بين الحديث والواقع، علماً بأن الحديث لم يصح بجميع أجزائه، وإنما صح منه بعض الأطراف دون غيرها. وقد سبق بيان ذلك ص20،21.
(108)
هنا تجنب المؤلف أن يقول: ((خذلوه)) وقال: ((لم يقاتلوا معه)) لأن سعداً جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريقه أحاديث في فضل علي في الصحيحين وغيرهما، ويعتبر مبايعا له، ولكن توقف عن نصرته لأنه لا يرى القتال بين المسلمين، وصح عنه قوله:((ائتوني بسيف له عينان وشفتان يقول هذا مسلم وهذا كافر)) أو كما قال.
(109)
ابن أبي سفيان.
(110)
بنو أمية في دولتهم انتصروا في الجهاد في سبيل الله كمن سبقهم من الخلفاء الراشدين والنبي صلى الله عليه وسلم. لكنهم أيضاً لم ينتصروا في صفين وهي الحرب الوحيدة مع علي رضي الله
عنه، بل كادوا أن يُهزموا فيها لولا أن عليا أوقف القتال عندما طلبوا منه تحكيم الكتاب بينهم.
(111)
في الأصل ((وفتحوا)) .
(112)
وذلك لأنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، مثل ما ورد ذلك في الأنصار:((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) وفي لفظ آخر: ((الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق
…
)) البخاري: كتاب مناقب الأنصار باب حب الأنصار من الإيمان 3/1379 رقم 3572، 3573.
وأما قوله: ((من كنت [5/أ] مولاه فعليٌّ مولاه)) ففي علماء الحديث من طعن فيه كالبخاري (113) وغيره، ومنهم من حسنه كأحمد بن حنبل والترمذي وغيرهما.
فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك أراد به ولاية يختص بها أو لم يرد به إلا الولاية [المشتركة وهي ولاية الإيمان التي جعلها الله بين المؤمنين. وتبين](114) بهذا أن عليا رضي الله عنه من المؤمنين المتقين الذين (115) يجب موالاتهم ليس كما تقول النواصب أنه لا يستحق الموالاة، والموالاة ضد المعاداة ولا ريب أنه يجب موالاة جميع المؤمنين، وعلي من سادات المؤمنين كما يجب موالاة أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ولا يجوز معاداة أحد من هؤلاء، ومن لم يوالهم فقد عصى الله ورسوله ونقص إيمانه بقدر ما ترك من موالاتهم الواجبة، وقد قال تعالى:{إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون. ومن يتولَّ الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة 55، 56] وهذه موجبة لموالاة جميع المؤمنين.
وحديث التصدق بالخاتم في الصلاة كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة، وذلك مبين من وجوه كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع (116) .
وأما قوله في يوم غدير خم: ((أذكركم بالله في أهل بيتي)) فهذا حديث رواه مسلم (117)، وليس هذا من خصائص علي بل هو مساوٍ لجميع أهل البيت [5/ب] : علي وجعفر وعقيل وآل العباس، وأبعد الناس عن هذه الوصيّة الرافضة؛ فإنهم من شؤمهم يعادون العباس وذريته، بل يعادون جمهور أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويعينون الكفار عليهم، كما أعانوا التتار على الخلفاء من بني العباس،
(113) قلت: ما وقفت على طعن الإمام البخاري في هذا الحديث إلا ما جاء في تاريخه الكبير 1/1/375 (1191) في ترجمة إسماعيل بن نشيط العامري، فساق السند والمتن ثم قال:((في إسناده نظر)) . وهذا حكم خاص بالنسبة لهذا السند الذي ساقه، وليس ذلك حكماً عاماً على الحديث. والله أعلم.
(114)
في الأصل بالهامش بخط الناسخ.
(115)
في الأصل ((الذي)) .
(116)
لم أجده.
(117)
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1873 رقم 2408.
فهم يعاونون الكفار ويعادون أهل البيت، وأما أهل السنة فيعرفون حقوق أهل البيت ويحبونهم ويوالونهم ويلعنون من ينصب لهم العداوة.
وأما آية المباهلة [عمران 61] فليست أيضاً من خصائصه رضي الله عنه بل قد دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين كما رواه مسلم (118)، ودعوتهم لم تكن لأنهم أفضل أمته بل لأنهم أخص أهل بيته. كما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أدى زكاة علي وفاطمة والحسن والحسين وقال:((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)) (119) فدعا لهم دعوة خصهم بها.
ولما كانت المباهلة بالنساء والأبناء والأنفس ودعا هؤلاء، ولفظ الأنفس يعبّر بها عن النوع الواحد كما قال تعالى:{لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنت بأنفسهم خيرا} [النور 12] يعني عامة وقال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} [البقرة 54] أي يقتل بعضكم بعضا.
وهذا مثل قوله: ((أنت مني وأنا منك)) ليس المراد أنه من ذاته، ولا ريب أن أعظم الناس قدرا من الأقارب هو علي رضي الله عنه فله مزية القرابة والإيمان ما لا يوجد [6/أ] لبقيّة القرابة والصحابة فدخل بذلك في المباهلة، وذلك لا يمنع أن يكون في غير الأقارب من هو أفضل منه؛ لأن المباهلة وقعت بالأقارب، فلهذا لم يباهل بأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ونحوهم.
وأما قوله تعالى: {هذان خصمانِ اختصموا في ربهم} [الحج 19] ففي الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه أنها نزلت في المختصمين يوم بدر، وأول من برز من المؤمنين علي وحمزة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم برزوا لعتبة وشيبة والوليد بن عتبة (120) .
(118) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب 4/1871 رقم 2404.
(119)
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب 4/1883 رقم 2424.
(120)
البخاري: الصحيح، كتاب التفسير باب {هذان خصمان} 4/1768 رقم 4466.
وهذه فضيلة مشتركة أيضاً بين علي وحمزة وعبيدة بن الحارث، بل سائر البدريين يشاركونهم في هذه الخصومة، ولو قدر أنها نزلت في الستة (121) المبارزين (122)
فلا يدل على أنهم أفضل من غيرهم، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين وأبا بكر (123) وعمر وعثمان [وغيرهم](124) ممن هو أفضل من عُبيدة ابن الحارث باتفاق أهل السنة (125) .
فهذه منقبة لهم وفضيلة، وليست من الخصائص التي توجب كون صاحبها أفضل من غيره.
وأما سورة {هل أتى} (126) وقول من يقول: إنها نزلت لما تصدقوا على مسكين ويتيم وأسير، ويذكرون أن ذلك كان لما تصدقت فاطمة رضي الله عنها بقوت الحسن [6/ب] والحسين. وهذا كذب؛ لأن سورة {هل أتى} مكية بالإجماع، والحسنين إنما ولدا بالمدينة بعد غزوة بدر باتفاق أهل العلم، وبتقدير صحتها (127) فليس هذا ما يدل على أن من أطعم مسكينا ويتيما وأسيرا كان أفضل الأمة وأفضل الصحابة، بل الآية عامة مشتركة بين كل من فعل هذا الفعل، وهي تدل على استحقاقه لثواب الله تعالى على هذا العمل وغيره من الأعمال كالإيمان بالله والصلاة في مواقيتها والجهاد في سبيل الله تعالى أفضل من هذا العمل بالإجماع (128) .
وهذا جواب هذه المسائل والله تعالى أعلم.
واعلم أن كل ما يظن أن فيه دلالة على فضيلة غير أبي بكر (129) إما أن يكون كذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما أن يكون لفظا محتملا لا دلالة فيه، وأما النصوص المفصلة [لأبي بكر](130) فصريحة (131) مع دلائل أخرى من القرآن والإجماع والاعتبار والاستدلال والله أعلم.
(121) في الأصل: ((الستت)) .
(122)
بذلك جاء الحديث، فقد قال أبو ذر رضي الله عنه وكان يقسم فيها قسما -: ((إن هذه الآية {هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في حمزة وصاحبيه، وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر
…
)) الحديث. البخاري 4/1768.
(123)
في الأصل ((أبو بكر)) وهو خطأ؛ لأنه معطوف على (النبي) وهو منصوب اسم (أن) .
(124)
في الأصل بالهامش بخط الناسخ.
(125)
الجملة غير تامة بسقوط خبر (أن)، ولعل الخبر أن يقال: انهم لم يدخلوا في هذه الخصومة، أو ما شابه ذلك، مما تتم به الجملة.
(126)
ذكر الإمام السيوطي في الدر المنثور 6/485: ((وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ويطعمون الطعام على حبه..} الآية قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم)) اهـ.
(127)
في الأصل: ((صحتهما)) .
(128)
ما بعد هذا لا يوجد في مجموع الفتاوى.
(129)
أي على أبي بكر.
(130)
ساقط من النص مصحح في الهامش بخط الناسخ.
(131)
قوله: ((صريحة)) تكرر في الأصل فحذف.