المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌أخي في الله:

ولَمْ يستَطع إذ جَاءهُ الموتُ بغتةً

فِرارًا ولا منه بقوَّتهِ امتَنَعْ

فأصبحَ تبكيهِ النِّساءُ مُقَنَّعًا

ولا يَسْمَعُ الدَّاعي وإن صوتَهَ رفَعْ

ولا يتركُ الموتُ الغَنيَّ لمالِهِ

ولا مُعْدمًا في الحالِ ذا حاجةٍ يَدَعْ

‌أخي في الله:

إنه (كأس الموت! ) وهو حكم الحي الذي لا يموت تبارك وتعالى .. فهل تذكرت أخي أنك ستتجرَّع يومًا هذا الكأس حتى النهاية؟ ! !

أخي: هل خلوت يومًا بنفسك فبكيت عليها! قبل أن يبكوا عليك؟ ! هل خلوت يومًا بنفسك فقلت لها: يا نفس إنَّك (شيء! ) وقد قال الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88].

أخي: (إنه هادم اللَّذات! ) دعاك النبي صلى الله عليه وسلم إلى كثرة تذكُّره!

إذ يقول صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر هاذم اللَّذات» . رواه الترمذي والنسائي/ صحيح النسائي: 1823.

أخي: أتدري ما معنى: (هاذم اللَّذات؟ ! ) إنه: قاطعها ومعدمها! حقًا! إنه مزيل النِّعم .. وقاطع اللَّذات! فهل من مُعتَبر؟ !

أخي: تذكُّرُ الموت يورث صدق الإقبال على الله تعالى، ويمحو عن القلب آثار الدنيا!

ص: 14

قال الدَّقَّاق: (من أكثر من ذكر الموت أُكْرمَ بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرِّضا بالكَفاف، والتكاسل في العبادة).

أخي: ألا تنضم إلى قافلة أهل البصائر؟ ! الذين كان ذكر الموت شعارهم .. ومحاسبة النفس دثارهم .. فهنيئًا أخي لمن كان في ركابهم! وها هم يمرُّون فيملؤون النفس عظَة وذِكرى ..

* فهذا سفيان الثَّوري رحمه الله كان إذا ذكر الموت لا ينتفع به أيامًا! فإن سئل عن شيء قال: لا أدري! لا أدري!

* وقال التيمي رحمه الله: (شيئان قطعا عني لذَّة الدنيا: ذكر الموت! وذكر الموقف بين يدي الله تعالى! ).

* ونظر ابن مطيع رحمه الله ذات يوم إلى داره فأعجبه حسنها! فبكى وقال: والله لولا الموت لكنتُ بك مسرورًا! ولولا ما نصير إليه من ضيق القُبور! لقرَّت بالدنيا أعيننا، ثم بكى بكاءً شديدًا حتى ارتفع صوته!

* وكان محمد بن واسع رحمه الله إذا أراد أن ينام قال لأهله قبل أن يأخذ مضجعه: أستودكم الله! فلعلَّها أن تكون منيَّتي التي لا أقوم فيها! فكان هذا دأبه إذا أراد النَّوم.

أخي المسلم: تلك هي حال الصالحين؛ عرفوا أن لهم يومًا يفارقون فيه دار الغرور! فتذكَّروا ساعة الرَّحيل .. وأعدُّوا الزَّاد للسَّفر الطويل ..

ص: 15

لو كنت تفهَمُ عن زمانكَ قولَهُ

لَعَراك منهُ تفجُّعٌ ونَحيبُ

ألححت في طلب الصبا وضلاله

والموت منكَ وإن كرهت قريبُ

أمعَ الممات يطيب عيشك يا أخي

هيهات ليس مع الممات يطيبُ

أخي: يا ترى ما الذي دهانا؟ ! قد أطبقت الغفلة على القلوب .. وما تركت فيها موضعًا لتذكُّر ذلك اليوم المرهوب ..

أخي: هذا لمن سمع ندائي:

(إخواني ما هذه السِّنة وأنتم منتبهون؟ !

وما هذه الحيرة وأنتم تنظرون؟ !

وما هذه الغفلة وأنتم حاضرون؟ !

وما هذه السكرة وأنتم صاحون؟ !

وما هذا السكون وأنتم مطالبون؟ !

وما هذه الإقامة وأنتم راحلون؟ !

أما آن لأهل الرقدة أن يستيقظوا؟ ! أما حان لأبناء الغفلة أن يتعظوا؟ !

واعلم أن الناس كلهم في هذه الدنيا على سفر! فاعمل لنفسك ما يخلِّصها يوم البعث من سقر!

ص: 16