المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ذكر اسم من أهلكوا بعامة - قصص الأنبياء من البداية والنهاية - ت عبد الواحد - جـ ١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ مَا وَرَدَ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌ذكر احتجاج آدم ومُوسَى عليهما السلام

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ: قَابِيلَ وَهَابِيلَ

- ‌ذِكْرُ وَفَاةِ آدَمَ وَوَصِيَّتِهِ إِلَى ابْنِهِ شِيثَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ إِدْرِيسَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ شئ من أَخْبَار نوح نَفسه عليه السلام

- ‌ذكر حجه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ وَصيته لوَلَده عليه السلام

- ‌ذِكْرُ مُرُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْحِجْرِ مِنْ أَرْضِ ثَمُودَ عَامَ تَبُوكَ

- ‌ذِكْرُ مُنَاظَرَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ

- ‌ذكر هِجْرَة الْخَلِيل عليه السلام إِلَى بِلَاد الشَّام

- ‌ذكر مولد إِسْمَاعِيل عليه السلام

- ‌ذكر مهاجرة إِبْرَاهِيم بِابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ إِلَى جِبَالِ فَارَانَ

- ‌ذكر مولد إِسْحَاق عليه السلام

- ‌ذكر بناية الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

- ‌ذكر ثَنَاء الله وَرَسُوله الْكَرِيم على عَبده وَخَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ

- ‌ذِكْرُ قَصْرِهِ فِي الْجَنَّةِ

- ‌ذِكْرُ صِفَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

- ‌ذكر وَفَاة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وَمَا قِيلَ فِي عُمُرِهِ

- ‌بَاب ذكر ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم

- ‌ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام

- ‌ذكر إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْكَرِيم بن الْكَرِيم عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ (1)

- ‌ذِكْرُ مَا وَقَعَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ فِي حَيَاة إِسْرَائِيل

- ‌بَاب ذكر اسْم من أهلكوا بعامة

- ‌ذِكْرُ فَضْلِ يُونُسَ عليه السلام

الفصل: ‌باب ذكر اسم من أهلكوا بعامة

‌بَاب ذكر اسْم من أهلكوا بعامة

وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أهلكنا الْقُرُون الاولى.." الْآيَةَ (1) .

كَمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: مَا أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمًا بِعَذَابٍ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ الْأَرْضِ، بَعْدَ مَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، غَيْرَ الْقَرْيَةِ الَّتِي مُسِخُوا قِرَدَةً.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أهلكنا الْقُرُون الاولى ".

وَرَفَعَهُ الْبَزَّارُ فِي رِوَايَةٍ لَهُ.

وَالْأَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقْفُهُ.

فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُهْلِكَتْ بِعَامَّةٍ قَبْلَ مُوسَى عليه السلام.

فَمِنْهُمْ: أَصْحَابُ الرَّسِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: " وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تبرنا تتبيرا ".

وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ ق: " كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كذب الرُّسُل فَحق وَعِيد ".

(1) الْآيَة: 42 من سُورَة الْقَصَص.

(*)

ص: 375

وَهَذَا السِّيَاقُ وَالَّذِي قَبْلَهُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أُهْلِكُوا وَدُمِّرُوا وَتُبِّرُوا، وَهُوَ الْهَلَاكُ.

وَهَذَا يَرُدُّ اخْتِيَارَ ابْنِ جَرِيرٍ مِنْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي سُورَةِ الْبُرُوجِ، لِأَنَّ أُولَئِكَ عِنْد ابْن إِسْحَق وَجَمَاعَةٍ كَانُوا بَعْدَ الْمَسِيحِ

عليه السلام.

وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا.

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصْحَابُ الرَّسِّ أَهْلُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى ثَمُودَ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِرَ فِي أَوَّلِ تَارِيخِهِ، عِنْدَ ذِكْرِ بِنَاءِ دمشق، عَن تَارِيخ أَبى الْقَاسِم عبد الله بن عبد الله بن جرداد وَغَيْرِهِ، أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسِّ كَانُوا بِحَضُورٍ، فَبَعْثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا يُقَالُ لَهُ حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، فَكَذَّبُوهُ وَقَتَلُوهُ.

فَسَارَ عَادُ بْنُ عَوْصِ بن إرم ابْن سَام بن نوح وَولده مِنَ الرَّسِّ، فَنَزَلَ الْأَحْقَافَ.

وَأَهْلَكَ اللَّهُ أَصْحَابَ الرَّسِّ وَانْتَشَرُوا فِي الْيَمَنِ كُلِّهَا، وَفَشَوْا مَعَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا.

حَتَّى نَزَلَ جَيْرُونُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَادِ بْنِ عَوْصِ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، دِمَشْقَ وَبَنَى مَدِينَتَهَا، وَسَمَّاهَا جَيْرُونَ، وَهِيَ إِرَمُ ذَاتُ الْعِمَادِ.

وَلَيْسَ أَعْمِدَةُ الْحِجَارَةِ فِي مَوْضِعٍ أَكْثَرَ مِنْهَا بِدِمَشْقَ، فَبَعَثَ اللَّهُ هُودَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن رَبَاح بن خَالِد بن الحلود بْنِ عَادٍ، إِلَى عَادٍ، يَعْنِي أَوْلَادَ عَادٍ بالاحقاف فَكَذبُوهُ، فأهلكهم الله عزوجل.

فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسِّ قَبْلَ عَادٍ بدهور متطاولة فَالله أعلم.

(1) الْآيَتَانِ: 38 - 39: (*)

ص: 376

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ شَبِيبِ ابْن بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الرَّسُّ بِئْرٌ بِأَذْرَبِيجَانَ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي بكر عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الرَّسُّ بِئْرٌ رَسُّوا فِيهَا نَبِيّهم، أَي دفنوه فِيهَا.

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عِكْرِمَةُ: أَصْحَابُ الرَّسِّ بِفَلْجَ وهم أَصْحَاب يس.

وَقَالَ قَتَادَةُ: فَلْجُ مِنْ قُرَى الْيَمَامَةِ.

قُلْتُ: فَإِن كَانُوا أَصْحَاب يس كَمَا زَعَمَهُ عِكْرِمَةُ، فَقَدْ أُهْلِكُوا بِعَامَّةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّتِهِمْ:" إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذا هم خامدون " وَسَتَأْتِي قِصَّتُهُمْ بَعْدَ هَؤُلَاءِ.

وَإِنْ كَانُوا غَيْرَهُمْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَقَدْ أُهْلِكُوا أَيْضًا وَتُبِّرُوا.

وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيُنَافِي مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النقاس: أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسِّ كَانَتْ لَهُمْ بِئْرٌ تَرْوِيهِمْ وَتَكْفِي أَرْضَهُمْ جَمِيعَهَا، وَكَانَ لَهُمْ مَلَكٌ عَادِلٌ حَسَنُ السِّيرَةِ، فَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوا عَلَيْهِ وَجْدًا عَظِيمًا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ تَصَوَّرَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَتِهِ وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَمُتْ، وَلَكِنْ تَغَيَّبْتُ عَنْكُمْ حَتَّى أَرَى صَنِيعَكُمْ.

فَفَرِحُوا أَشَدَّ الْفَرَحِ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ حِجَابٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ أَبَدًا، فَصَدَّقَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَافْتَتَنُوا بِهِ وَعَبَدُوهُ.

فَبَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ نَبيا، فَأخْبرهُم (1) أَنَّ هَذَا شَيْطَانٌ يُخَاطِبُهُمْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ.

(1) ا: وَأخْبرهمْ.

(*)

ص: 377

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَكَانَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي النَّوْمِ، وَكَانَ اسْمُهُ حَنْظَلَةَ بْنَ صَفْوَانَ، فَعَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَوْهُ فِي الْبِئْرِ، فَغَارَ مَاؤُهَا وَعَطِشُوا بَعْدَ رَيِّهِمْ، وَيَبِسَتْ أَشْجَارُهُمْ، وَانْقَطَعَتْ ثِمَارُهُمْ، وَخَرِبَتْ دِيَارُهُمْ.

وَتَبَدَّلُوا بَعْدَ الْأُنْسِ بِالْوَحْشَةِ، وَبَعْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالْفُرْقَةِ، وَهَلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَسَكَنَ فِي مَسَاكِنِهِمُ الْجِنُّ وَالْوُحُوشُ (1) ، فَلَا يُسْمَعُ بِبِقَاعِهِمْ إِلَّا عَزِيفُ الْجِنّ وزئير الاسود (2) وَصَوْتُ الضِّبَاعِ.

فَأَمَّا مَا رَوَاهُ - أَعْنِي ابْنَ جَرِيرٍ - عَنْ مُحَمَّدِ [بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ عَن (3) ] ابْن إِسْحَق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِن أَوَّلَ النَّاسِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ "، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ نَبِيًّا إِلَى أهل قربَة فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنْ أَهْلِهَا إِلَّا ذَلِكَ العَبْد الْأَسْوَدُ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ عَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ فَحَفَرُوا لَهُ بِئْرًا فَأَلْقَوْهُ فِيهَا، ثُمَّ أَطْبَقُوا عَلَيْهِ بِحَجَرٍ أَصَمَّ، قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ الْعَبْدُ يَذْهَبُ فَيَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ يَأْتِي بِحَطَبِهِ فَيَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا وَشَرَابًا، ثُمَّ يَأْتِي بِهِ إِلَى تِلْكَ (4) الْبِئْرِ فَيَرْفَعُ تِلْكَ الصَّخْرَةَ وَيُعِينُهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَيُدْلِي إِلَيْهِ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، ثُمَّ يَرُدُّهَا كَمَا كَانَتْ.

قَالَ: فَكَانَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ.

ثُمَّ إِنَّهُ ذَهَبَ يَوْمًا يَحْتَطِبُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَجَمَعَ حَطَبَهُ وَحَزَمَ حُزْمَتَهُ وَفَرَغَ مِنْهَا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحْتَمِلَهَا وَجَدَ سنة، فاضطجع فَنَامَ (5) ، فَضرب الله على أُذُنه سبع سِنِين

(1) ا: والوحش.

(2)

ط: الاسد.

(3)

سَقَطت من ا.

(4)

ا: ذَلِك.

(5)

ا: ينَام (*)

ص: 378

نَائِما.

ثمَّ إِنَّه هَب فتمطى فتحول (1) لِشِقِّهِ الْآخَرِ، فَاضْطَجَعَ فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أُذُنِهِ سَبْعَ سِنِينَ أُخْرَى.

ثُمَّ إِنَّهُ هَبَّ وَاحْتَمَلَ حُزْمَتَهُ وَلَا يَحْسَبُ أَنَّهُ نَامَ (2) إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَجَاءَ إِلَى الْقَرْيَةِ فَبَاعَ حُزْمَتَهُ ثُمَّ اشْتَرَى طَعَامًا وَشَرَابًا كَمَا كَانَ يَصْنَعُ.

ثمَّ [إِنَّه (3) ] ذهب إِلَى الحفيرة (4) ، إِلَى مَوْضِعِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ، فَالْتَمَسَهُ فَلَمْ يجده.

وَقد كَانَ بدا لِقَوْمِهِ فِيهَا بَدَاءٌ، فَاسْتَخْرَجُوهُ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ.

قَالَ: فَكَانَ (5) نَبِيُّهُمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْأَسْوَدِ مَا فَعَلَ، فَيَقُولُونَ لَهُ مَا نَدْرِي؟ حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ النَّبِي عليه السلام وهب (6) الاسود من نومته (7) بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنْ ذَلِكَ الْأَسْوَدَ لَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ".

فَإِنَّهُ [حَدِيثٌ (8) ] مُرْسَلٌ وَمَثَلُهُ فِيهِ نَظَرٌ.

وَلَعَلَّ بَسْطَ قِصَّتِهِ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَدْ رَدَّهُ ابْنُ جَرِيرٍ نَفْسُهُ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الرَّسِّ الْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ أَصْحَابِ الرَّسِّ أَنَّهُ أَهْلَكَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ بدالهم فَآمَنُوا بِنَبِيِّهِمْ.

اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَدَثَتْ لَهُمْ أَحْدَاثٌ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ بَعْدَ هَلَاكِ آبَائِهِمْ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِمَا ذُكِرَ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ حَيْثُ تُوُعِّدُوا بِالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا، وَلَمْ يُذْكَرْ هَلَاكُهُمْ، وَقد صرح بِهَلَاك أَصْحَاب الرس.

وَالله تَعَالَى أعلم.

(1) ا: وتحول.

(2)

ا: إِلَّا أَنه نَام سَاعَة.

(3)

لَيست فِي ا.

(4)

ا: الحفرة (5) اوكان (6) ا: وَأهب (7) ا: نَومه.

(8)

لَيست فِي ا (*)

ص: 379

قصَّة قوم يس وهم (1) : أَصْحَاب الْقرْيَة أَصْحَاب يس قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا، وَمَا أنزل الرَّحْمَن من شئ، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ،

لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طائركم مَعكُمْ أإن ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَجَاءَ مِنْ أقْصَى الْمَدِينَة رجل يسْعَى، قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * ومالى لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً؟ إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تغنى عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قيل ادخل الْجنَّة قَالَ: يَا لَيْت قوم يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ * وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خامدون " (2) .

اشْتُهِرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ هَذِه الْقرْيَة " أنطاكية "

(1) ط: وَمِنْهُم.

تَحْرِيف (2) الْآيَات: 13 - 29 من سُورَة يس (*)

ص: 380

رَوَاهُ ابْن إِسْحَق فِيمَا بَلَّغَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَعْبِ [الْأَحْبَارِ (1) ] ووهب [ابْن مُنَبّه، وَكَذَا روى عَن بُرَيْدَة بن الخصيب وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة والزهرى وَغَيرهم.

قَالَ ابْن إِسْحَق فِيمَا بَلَّغَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَعْبٍ وَوَهْبٍ (1) ] أَنَّهُمْ قَالُوا: وَكَانَ لَهَا مَلِكٌ اسْمُهُ أَنْطِيخَسُ بن أنطيخس وَكَانَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ.

فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ ثَلَاثَةً من الرُّسُل وهم: صَادِق ومصدوق (2) ، وَشَلُومُ، فَكَذَّبَهُمْ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّهُمْ رُسُلٌ مِنَ الله عزوجل.

وَزَعَمَ قَتَادَةُ أَنَّهُمْ كَانُوا رُسُلًا مِنَ الْمَسِيحِ.

وَكَذَا قَالَ ابْن جرير، عَن وهب، عَن ابْن سُلَيْمَان، عَن شُعَيْب الجبائى: كَانَ اسْم الْمُرْسلين (3) الْأَوَّلَيْنِ: شَمْعُونَ، وَيُوحَنَّا، وَاسْمُ الثَّالِثِ بُولِسَ، وَالْقَرْيَةِ أَنْطَاكِيَةَ.

وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا ; لِأَنَّ أَهْلَ أَنْطَاكِيَةَ لَمَّا بَعَثَ إِلَيْهِمُ الْمَسِيحُ ثَلَاثَةً مِنَ الْحَوَارِيِّينَ كَانُوا أَوَّلَ مَدِينَةٍ آمَنَتْ بِالْمَسِيحِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.

وَلِهَذَا كَانَتْ إِحْدَى الْمُدُنِ الْأَرْبَعِ الَّتِى تكون فِيهَا بتاركة النَّصَارَى.

وَهُنَّ: أَنْطَاكِيَةُ، وَالْقُدْسُ، وَإِسْكَنْدَرِيَّةُ، وَرُومِيَّةُ.

ثُمَّ بعْدهَا القسطنطنية وَلَمْ يُهْلَكُوا.

وَأَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ (4) فِي الْقُرْآنِ أُهْلِكُوا، كَمَا قَالَ فِي آخِرِ قِصَّتِهَا بعد قَتلهمْ صديق الْمُرْسلين ": إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خامدون " وَلَكِن إِنْ كَانَتِ الرُّسُلُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآنِ، بُعِثُوا إِلَى أَهْلِ أَنْطَاكِيَةَ قَدِيمًا فَكَذَّبُوهُمْ وَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ عُمِرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ الْمَسِيحِ آمَنُوا بِرُسُلِهِ إِلَيْهِمْ، فَلَا يمْنَع هَذَا.

وَالله أعلم.

(1) لَيست فِي ا (2) ا: وصدوق.

(3)

ا: الرسولين (4) ا: المذكورون.

(*)

ص: 381

فَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ هِيَ قِصَّةُ أَصْحَابِ الْمَسِيحِ فَضَعِيفٌ لِمَا تَقَدَّمَ ; وَلِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الرُّسُلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

* * * قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَاضْرِبْ لَهُم مثلا " يعْنى لقَوْمك يَا مُحَمَّد " أَصْحَاب الْقرْيَة " يَعْنِي الْمَدِينَةَ " إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ فكذبوهما فعززنا بثالث " أَيْ أَيَّدْنَاهُمَا بِثَالِثٍ (1) فِي الرِّسَالَةِ، " فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مرسلون "، فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ ; كَمَا قَالَتِ الْأُمَمُ الْكَافِرَةُ لِرُسُلِهِمْ، يَسْتَبْعِدُونَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا بَشَرِيًّا.

فَأَجَابُوهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّا رُسُلُهُ إِلَيْكُمْ، وَلَوْ كُنَّا كَذَّبَنَا عَلَيْهِ لَعَاقَبْنَا وَانْتَقَمَ مِنَّا أَشَدَّ الِانْتِقَامِ.

" وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين " أَي إِنَّمَا علينا أَن نُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْنَا بِهِ إِلَيْكُمْ وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ " قَالُوا إِنَّا تطيرنا بكم " أَيْ تَشَاءَمْنَا بِمَا جِئْتُمُونَا بِهِ، " لَئِنْ لَمْ تنتهوا لنرجمنكم "[قيل (2) ] بالمقال، وَقيل بالفعال.

يُؤَيّد الاول قَوْله: " وليمسنكم منا عَذَاب أَلِيم " توعدوهم (3) بِالْقَتْلِ والاهانة.

" قَالُوا طائركم مَعكُمْ " أَيْ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ " أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ؟ " أَيْ بِسَبَبِ أَنَّا ذَكَّرْنَاكُمْ بِالْهُدَى وَدَعَوْنَاكُمْ إِلَيْهِ، تَوَعَّدْتُمُونَا بِالْقَتْلِ والاهانة؟ " بل أَنْتُم قوم مسرفون " أَيْ لَا تَقْبَلُونَ الْحَقَّ وَلَا تُرِيدُونَهُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: " وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل يسْعَى " يعْنى لنصرة

(1) ا: بثالثهما.

(2)

من ا.

(3)

المطبوعة: فوعدوهم (*)

ص: 382

الرُّسُلِ وَإِظْهَارِ الْإِيمَانِ بِهِمْ " قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ " أَيْ يَدْعُونَكُمْ (1) إِلَى الْحَقِّ الْمَحْضِ بِلَا أُجْرَةٍ وَلَا جِعَالَةٍ.

ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ مِمَّا لَا يَنْفَعُ شَيْئًا لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.

" إِنِّي إِذًا لفى ضلال مُبين " أَي إِن تركت عبَادَة الله وعبدت مَعَه مَا سواهُ.

ثمَّ قَالَ مُخَاطبا للرسل: " إِن آمَنت بربكم فاسمعون " قِيلَ " فَاسْتَمِعُوا مَقَالَتِي وَاشْهَدُوا لِي بِهَا عِنْدَ رَبِّكُمْ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: فَاسْمَعُوا يَا قَوْمِي إِيمَانِي بِرُسُلِ اللَّهِ جَهْرَةً.

فَعِنْدَ ذَلِكَ قَتَلُوهُ، قِيلَ رَجَمًا، وَقِيلَ عَضًّا، وَقِيلَ وَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رجل وَاحِد فَقَتَلُوهُ.

وَحكى ابْن إِسْحَق عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: وطئوه بأرجلهم، حَتَّى أخرجُوا قصبته.

وَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: كَانَ اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ " حَبِيبَ بْنَ مُرَى " ثُمَّ قِيلَ: كَانَ نَجَّارًا، وَقِيلَ حباكا (2) ، وَقِيلَ إِسْكَافًا، وَقِيلَ قَصَّارًا، وَقِيلَ كَانَ يَتَعَبَّدُ فِي غَارٍ هُنَاكَ.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاس: كَانَ حبيب الْبحار قَدْ أَسْرَعَ فِيهِ الْجُذَامُ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ فَقتله قومه، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى.

" قيل ادخل الْجنَّة " يَعْنِي لَمَّا قَتَلَهُ قَوْمُهُ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، فَلَمَّا رأى فِيهَا من النضرة وَالسُّرُور " قَالَ

(1) المطبوعة: أَي يدعونكم.

(2)

ا: حِبَالًا.

(*)

ص: 383

يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي ربى وَجَعَلَنِي من الْمُكرمين " يعْنى ليؤمنوا بِمَا آمَنت بِمَا فَيَحْصُلَ لَهُمْ مَا حَصَلَ لِي.

قَالَ ابْنُ عَبَّاس: نصح قومه فِي حَيَاته بقوله: " يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين " وَبعد مماته [فِي قَوْله (1) ]" يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي ربى وَجَعَلَنِي من الْمُكرمين " [رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ: لَا يلقى الْمُؤمن إِلَّا ناصحا.

لَا يلقى غَاشًّا ; لَمَّا عَايَنَ مَا عَايَنَ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ.

" قَالَ: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لى ربى وَجَعَلَنِي من الْمُكرمين (1) ] تمنى وَالله أَنْ يَعْلَمَ قَوْمُهُ بِمَا عَايَنَ مِنْ كَرَامَةِ الله وَمَا هُوَ عَلَيْهِ! قَالَ قادة: فَلَا وَاللَّهِ مَا عَاتَبَ اللَّهُ قَوْمَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ " إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هم خامدون ".

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: " وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا منزلين " أَي وَمَا احْتَجْنَا فِي الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ إِلَى إِنْزَالِ جُنْدٍ مِنَ

السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ.

هَذَا مَعْنَى مَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَق عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ (2) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ جُنْدًا، أَيْ رِسَالَةً [أُخْرَى (3) ] .

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

قُلْتُ: وَأَقْوَى، وَلِهَذَا قَالَ:" وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ " أَي وَمَا كُنَّا نحتاج (4)

(1) لَيست فِي ا.

(2)

ا: أشياخه.

(3)

لَيست فِي ا.

(4)

ا: مُحْتَاجين.

(*)

ص: 384

فِي الِانْتِقَامِ إِلَى هَذَا حِينَ كَذَّبُوا رُسُلنَا وَقَتَلُوا وَلِيَّنَا " إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذا هم خامدون ".

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ جِبْرِيلَ عليه السلام، فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ الَّذِي لِبَلَدِهِمْ، ثُمَّ صَاح بهم صَيْحَة وَاحِدَة فإذاهم خامدون، أَيْ قَدْ أُخْمِدَتْ أَصْوَاتُهُمْ، وَسَكَنَتْ حَرَكَاتُهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ.

وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَرْيَةَ لَيْسَتْ أَنْطَاكِيَةَ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ [أُهْلِكُوا (1) ] بِتَكْذِيبِهِمْ (2) رُسُلَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وَأَهْلُ أَنْطَاكِيَةَ آمَنُوا وَاتَّبَعُوا رُسُلَ الْمَسِيحِ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ إِلَيْهِمْ.

فَلِهَذَا قِيلَ إِنَّ أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلُ مَدِينَةٍ آمَنَتْ بِالْمَسِيحِ.

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنٍ الْأَشْقَرِ (3) ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" السُّبَّقُ ثَلَاثَةٌ: فَالسَّابِقُ إِلَى مُوسَى يُوشَع ابْن نُونٍ، وَالسَّابِقُ إِلَى عِيسَى صَاحِبُ يس، وَالسَّابِقُ إِلَى مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ "، فَإِنَّهُ حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ ; لِأَنَّ حُسَيْنًا هَذَا مَتْرُوكٌ شيعي مِنَ

الْغُلَاةِ، وَتَفَرُّدُهُ بِهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضعفه بِالْكُلِّيَّةِ.

وَالله أعلم.

(1) لَيست فِي ا (2) ابتكذيب.

(3)

ا: الاصفر.

" م 25 - قصَص الانبياء "(*)

ص: 385

قصَّة يُونُس عليه السلام قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: " فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ومتعناهم إِلَى حِين (1) ".

وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: " وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي المومنين (2) " وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة وَالصَّافَّات: " وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يزِيدُونَ * فآمنوا فمتعناهم إِلَى حِين (3) " وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة ن: " فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نعْمَة من ربه لنبذ بالعراء وَهُوَ مذمون * فاجتباه ربه فَجعله من الصَّالِحين (4) ".

قَالَ أهل التَّفْسِير: بعث الله ينس عليه السلام إِلَى أهل " نِينَوَى "

(1) الْآيَة: 98 (2) الْآيَتَانِ: 87، 88

(3)

الْآيَات: 129 - 148 (4) الْآيَات: 48 - 50 (*)

ص: 386

من أَرض الْموصل، فَدَعَاهُمْ إِلَى الله عزوجل، فَكَذَّبُوهُ وَتَمَرَّدُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَنْ أَمْرِهُمْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهَرِهِمْ، وَوَعَدَهُمْ حُلُولَ الْعَذَابِ بِهِمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَتَحَقَّقُوا نُزُولَ الْعَذَابِ بِهِمْ قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ التَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَى نَبِيِّهِمْ، فَلَبِسُوا الْمُسُوحَ وَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ بَهِيمَةٍ وَوَلَدِهَا، ثمَّ عجوا إِلَى الله عزوجل، وَصَرَخُوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَتَمَسْكَنُوا لَدَيْهِ، وَبَكَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ وَالْأُمَّهَاتُ.

وَجَأَرَتِ الْأَنْعَامُ وَالدَّوَابُّ والمواشى، فرغت الابل وفصلانها، وخارت الْبَقر وَأَوْلَادهَا، وثغث الْغَنَمُ وَحُمْلَانُهَا وَكَانَتْ سَاعَةً عَظِيمَةً هَائِلَةً.

فَكَشَفَ اللَّهُ الْعَظِيمُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، عَنْهُمُ الْعَذَاب الذى كَانَ قد اتَّصل بهم سَببه، وَدَارَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: " فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت فنقعها إيمَانهَا " أَيْ هَلَّا وُجِدَتْ فِيمَا سَلَفَ مِنَ الْقُرُونِ قَرْيَةٌ آمَنَتْ بِكَمَالِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ، بَلْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَمَا أرسلنَا فِي قَرْيَة من نبى إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون ".

وَقَوْلُهُ: " إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين " أَيْ آمَنُوا بِكَمَالِهِمْ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ: هَلْ يَنْفَعُهُمْ هَذَا الْإِيمَانُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ،

فَيُنْقِذُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأُخْرَوِيِّ كَمَا أَنْقَذَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

ص: 387

الاظهر من السِّيَاق: نعم.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" لَمَّا آمَنُوا " وَقَالَ تَعَالَى: " وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يزِيدُونَ * فآمنوا فمتعناهم إِلَى حِين "، وَهَذَا الْمَتَاعُ إِلَى حِينٍ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ رَفْعِ الْعَذَابِ الْأُخْرَوِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ لَا مَحَالَةَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ: فَعَنْ مَكْحُولٍ عَشَرَةُ آلَافٍ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا الْعَالِيَةِ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ قَوْلِهِ:" وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ " قَالَ: " يَزِيدُونَ عِشْرِينَ أَلْفًا " فَلَوْلَا هَذَا الرَّجُلُ الْمُبْهَمُ لَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ فَاصِلًا فِي هَذَا الْبَابِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَعَنْهُ: وَبِضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَعَنْهُ وَبِضْعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَسَبْعِينَ أَلْفًا.

وَاخْتَلَفُوا: هَلْ كَانَ إِرْسَالُهُ إِلَيْهِمْ قَبْلَ الْحُوتِ أَوْ بَعْدَهُ؟ أوهما أُمَّتَانِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: هِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي التَّفْسِيرِ.

* * * وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا ذَهَبَ مُغَاضِبًا بِسَبَبِ قَوْمِهِ، رَكِبَ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ فَلَجَّتْ بِهِمْ، وَاضْطَرَبَتْ وَمَاجَتْ بِهِمْ وَثَقُلَتْ بِمَا فِيهَا، وَكَادُوا يَغْرَقُونَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ.

ص: 388

قَالُوا: فَاشْتَوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يَقْتَرِعُوا، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ أَلْقَوْهُ مِنَ السَّفِينَةِ لِيَتَخَفَّفُوا مِنْهُ.

فَلَمَّا اقْتَرَعُوا وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ يُونُسَ فَلَمْ يَسْمَحُوا بِهِ، فَأَعَادُوهَا ثَانِيَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَشَمَّرَ (1) لِيَخْلَعَ ثِيَابَهُ وَيُلْقِيَ بِنَفْسِهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ ذَلِكَ.

ثُمَّ أَعَادُوا الْقُرْعَةَ ثَالِثَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا، لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَإِن يُونُس لمن المرسليمن * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ من المدحضين * فالتقمه الْحُوت وَهُوَ مليم ".

وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ أُلْقِيَ فِي الْبَحْر، وَبعث الله عزوجل حُوتًا عَظِيمًا مِنَ الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ فَالْتَقَمَهُ وَأَمَرَهُ الله تَعَالَى أَن لَا يَأْكُل لَهُ لَحْمًا وَلَا يهشم لَهُ عَظْمًا فَلَيْسَ لَكَ بِرِزْقٍ، فَأَخْذَهُ فَطَافَ [بِهِ (2) ] الْبِحَارَ كُلَّهَا.

وَقِيلَ إِنَّهُ ابْتَلَعَ ذَلِكَ الْحُوتَ حُوتٌ آخَرُ أَكْبَرُ مِنْهُ.

قَالُوا: وَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي جَوْفِ الْحُوتِ حَسِبَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَحَرَّكَ جَوَارِحَهُ فَتَحَرَّكَتْ، فَإِذَا هُوَ حَيٌّ فَخَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا وَقَالَ: يَا رَبِّ اتَّخَذْتُ لَك السجدا [فِي مَوضِع (2) ] لَمْ يَعْبُدْكَ أَحَدٌ فِي مَثَلِهِ.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَار لبئه فِي بَطْنِهِ.

فَقَالَ مَجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: الْتَقَمَهُ ضُحًى وَلَفَظَهُ عَشِيَّةً، وَقَالَ قَتَادَةُ: مَكَثَ فِيهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ.

وَيَشْهَدُ لَهُ شعر أُميَّة بن أَبى الصَّلْت:

(1) ا: فتشمر (2) لَيست فِي ا (*)

ص: 389

وَأَنت بِفضل مِنْك نجيت يونسا * وَقد بَات فِي أَضْعَافِ حُوتٍ لَيَالِيَا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ [أَبِي (1) ] الْحَسَنِ وَأَبُو مَالِكٍ: مَكَثَ فِي جَوْفِهِ أَرْبَعِينَ

يَوْمًا.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مِقْدَارُ مَا لَبِثَ فِيهِ.

* * * وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ الْحُوتُ يَطُوفُ بِهِ فِي قَرَارِ الْبِحَارِ اللُّجِّيَّةِ، وَيَقْتَحِمُ بِهِ لُجَجَ الْمَوْجِ الْأُجَاجِيِّ (2) ، فَسَمِعَ تَسْبِيحَ الْحِيتَانِ لِلرَّحْمَنِ، وَحَتَّى سَمِعَ تَسْبِيحَ الْحَصَى لِفَالِقِ الْحَبِّ والنوى، وَرب السَّمَوَات السَّبْعِ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا بَيْنَهَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى.

فَعِنْدَ ذَلِكَ وَهُنَالِكَ، قَالَ مَا قَالَ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْمَقَالِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ ذُو الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ، الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالنَّجْوَى، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ وَالْبَلْوَى، سَامِعُ الْأَصْوَاتِ وَإِنْ ضَعُفَتْ، وَعَالِمُ الْخِفْيَاتِ وَإِنْ دَقَّتْ، وَمُجِيبُ الدَّعَوَاتِ وَإِنْ عَظُمَتْ، حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ، الْمُنَزَّلِ عَلَى رَسُولِهِ الْأَمِينِ، وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ وإله الْمُرْسلين:" وَذَا النُّون إِذْ ذهب "[أَي إِلَى أَهله (1) ]" مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ونجيناه من الْغم وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ "" فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ " أَي نضيق عَلَيْهِ.

وَقِيلَ مَعْنَاهُ: نُقَدِّرُ مِنَ التَّقْدِيرِ وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ، قَدَرَ وَقَدَّرَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ.

فَلَا عَائِدٌ ذَاكَ الزَّمَانُ الَّذِي مَضَى * تَبَارَكْتَ ; مَا تُقَدِّرْ يَكُنْ، فَلَكَ الْأَمْرُ " فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ " قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُون

(1) لَيست فِي ا (2) الاجاجى: الْملح.

(*)

ص: 390

وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك ; ظلمَة الْحُوتِ وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ.

وَقَالَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ: ابْتَلَعَ الْحُوتَ حُوتٌ آخَرُ فَصَارَت ظُلْمَةُ

الْحُوتَيْنِ مَعَ ظُلْمَةِ الْبَحْرِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون " قيل مَعْنَاهُ فلولا أَنَّهُ سَبَّحَ اللَّهَ هُنَالِكَ، وَقَالَ مَا قَالَ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ، وَالِاعْتِرَافِ لِلَّهِ بِالْخُضُوعِ، وَالتَّوْبَةِ إِلَى وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، لَلَبِثَ هُنَالِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَبُعِثَ مِنْ جَوْفِ ذَلِكَ الْحُوتِ.

هَذَا مَعْنَى ماروى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

وَقِيلَ مَعْنَاهُ: " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ " مِنْ قَبْلِ أَخْذِ الْحُوتِ لَهُ " مِنَ الْمُسَبِّحِينِ " أَيِ الْمُطِيعِينَ الْمُصَلِّينَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا.

قَالَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَبَعْضُ أَهْلِ السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: " يَا غُلَامُ إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يحفضك، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ ".

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسْنَدِهِ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بن

ص: 391

إِسْحَق، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ [قَالَ (1) ] سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ حَبْسَ يُونُسَ فِي بَطْنِ [الْحُوتِ (1) ] أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوت: أَن خُذْهُ وَلَا تخدش لَهُ لَحْمًا وَلَا تكسر لَهُ عَظْمًا.

فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى أَسْفَلِ الْبَحْرِ سمع يُونُس حسا، فَقَالَ فِي نَفسه ماهذا؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: إِنَّ هَذَا

تَسْبِيحُ دَوَابِّ الْبَحْرِ.

قَالَ فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، فَسَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ! قَالَ: ذَلِكَ عَبْدِي يُونُسُ، عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ.

قَالُوا: الْعَبْدُ الصَّالِحُ ; الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ إِلَيْكَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلٌ صَالِحٌ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ فَشَفَعُوا لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ الْحُوتَ فَقَذَفَهُ فِي السَّاحِلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ:" وَهُوَ سقيم ".

هَذَا لَفْظُ ابْنِ جَرِيرٍ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.

ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

كَذَا قَالَ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبى حَاتِم فِي تَفْسِيره: حَدثنَا أَبُو عبد اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [ابْنِ (2) ] أَخِي وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ يزِيد الرفاشى قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّ أَنَسًا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِن يُونُسَ النَّبِيَّ عليه السلام حِينَ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنى كنت من الظَّالِمين.

فَأَقْبَلت [هَذِه](2) الدعْوَة تَحت الْعَرْش، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ من بِلَاد غَرِيبَة.

فَقَالَ:

(1) لَيست فِي ا (2) سَقَطت من ا (*)

ص: 392

أما تعرفُون ذَاك؟ قَالُوا: لَا يَا رَبِّ وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدِي يُونُسُ.

قَالُوا: عَبَدُكَ يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَعُ لَهُ عمل متقبل (1) ودعوة مجابة؟ قَالُوا: يَا رَبنَا! أَو لَا تَرْحَمُ مَا كَانَ يَصْنَعُهُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنَجِّيَهُ مِنَ الْبَلَاءِ؟ قَالَ: بَلَى.

فَأَمَرَ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ فِي الْعَرَاءِ ".

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ.

زَادَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو صَخْرٍ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ قُسَيْطٍ

وَأَنَا أُحَدِّثُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: طُرِحَ بِالْعَرَاءِ، وَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْيَقْطِينَةَ.

قُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا الْيَقْطِينَةُ؟ قَالَ شَجَرَةُ الدُّبَّاءِ [قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ (2) ] وَهَيَّأَ اللَّهُ لَهُ أُرْوِيَّةً (3) وَحْشِيَّةً تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، أَوْ قَالَ هَشَاشِ الارض، قَالَ: فتفسخ عَلَيْهِ فَتَرْوِيهِ مِنْ لَبَنِهَا كُلَّ عَشِيَّةٍ وَبُكْرَةٍ حَتَّى نَبَتَ.

وَقَالَ [أُمَيَّةُ (2) ] بْنُ أَبِي الصَّلْتِ فِي ذَلِكَ بَيْتًا مِنْ شِعْرِهِ؟ فَأَنْبَتَ يَقْطِينًا عَلَيْهِ برحمة * من الله لَوْلَا الله أصبح ضاويا (4) وَهَذَا غَرِيبٌ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَيَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ يَتَقَوَّى بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ ; كَمَا يَتَقَوَّى ذَاكَ بِهَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقد قَالَ الله تَعَالَى: " فنبذناه " أَيْ أَلْقَيْنَاهُ " بِالْعَرَاءِ " وَهُوَ الْمَكَانُ الْقَفْرُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شئ مِنَ الْأَشْجَارِ، بَلْ هُوَ عَارٍ مِنْهَا، " وَهُوَ سقيم "

(1) ا: لم نزل ترفع لَهُ عملا متقبلا (2) سَقَطت من ا (3) الاروية: أُنْثَى الوعل.

وَالْجمع أروى وَانْظُر الْحَيَوَان للجاحظ 3 / 498.

(4)

ا: ألفى ضاحيا (*)

ص: 393

أَيْ ضَعِيفُ الْبَدَنِ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَهَيْئَةِ الْفَرْخِ لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ: كَهَيْئَةِ الصَّبِيِّ [حِينَ يُولَدُ (1) ] وَهُوَ المنفوس لَيْسَ عَلَيْهِ شئ.

" وأنبتنا على شَجَرَة من يَقْطِين " قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَهِلَالُ بن يسَاف وَعبد الله بن طَاوُوس والسى وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: هُوَ الْقَرْعُ.

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فِي إِنْبَاتِ الْقَرْعِ عَلَيْهِ حِكَمٌ جَمَّةٌ ; مِنْهَا أَنَّ وَرَقَهُ فِي

غَايَةِ النُّعُومَةِ، وَكَثِيرٌ وَظَلِيلٌ، وَلَا يَقْرَبُهُ ذُبَابٌ، وَيُؤْكَلُ ثَمَرُهُ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِهِ إِلَى آخِرِهِ، نيا وَمَطْبُوخًا، وَبِقِشْرِهِ وَبِبِزْرِهِ أَيْضًا.

وَفِيهِ نَفْعٌ كَثِيرٌ وَتَقْوِيَةٌ لِلدِّمَاغِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي هُرَيْرَة فِي تسخير الله تَعَالَى لخه تِلْكَ الْأُرْوِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ تُرْضِعُهُ لَبَنَهَا وَتَرْعَى فِي الْبَرِّيَّةِ، وَتَأْتِيهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً.

وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِهِ وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: " فاستجبنا لَهُ فنجيناه من الْغم " أَيِ الْكَرْبِ وَالضِّيقِ الَّذِي كَانَ فِيهِ " وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ " أَي وَهَذَا صنيعنا بِكُل من دَعَانَا وَاسْتَجَارَ بِنَا.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عمرَان (2) بن بكار الكلاعى، حَدثنَا يحيى ابْن صَالح، حَدثنَا أبويحيى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ (3) بْنَ مَالِكٍ - وَهُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " اسْمُ اللَّهِ الذى

(1) سَقَطت من ا (2) اعمر.

(3)

ا: سعيد.

(*)

ص: 394

إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، دَعْوَةُ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ لِيُونُسَ خَاصَّةً أَمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: هِيَ لِيُونُسَ خَاصَّةً وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً إِذَا دَعَوْا بِهَا، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:" فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ " فَهُوَ شَرْطٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ دَعَاهُ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ أَبُو خَالِدٍ: أَحْسَبُهُ عَنْ مُصْعَبٍ - يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ - عَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

" مَنْ دَعَا بِدُعَاءِ يُونُسَ اسْتُجِيبَ لَهُ ".

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ: يُرِيد بِهِ: " وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ ".

وَهَذَانِ طَرِيقَانِ عَنْ سَعْدٍ.

وَثَالِثٌ أَحْسَنُ مِنْهُمَا: وَقَالَ الامام أَحْمد: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عُمَيْر، حَدثنَا يُونُس بن ابى إِسْحَق الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي وَالِدِي مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ - وَهُوَ ابْن أَبى وَقاص رضى الله عَنهُ - قَالَ: مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي ثُمَّ لَمْ يرد عَلَيَّ السَّلَامَ، [فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: هَلْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ شئ؟ قَالَ: لَا.

وماذاك؟ قُلْتُ لَا، إِلَّا أَنِّي مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ آنِفًا فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي ثمَّ لم يرد عَلَيَّ السَّلَامَ (1) ] قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى عُثْمَانَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: مَا مَنعك أَن لاتكزون رددت على

(1) سَقَطت من.

(*)

ص: 395