المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر مرور النبي صلى الله عليه وسلم بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك - قصص الأنبياء من البداية والنهاية - ت عبد الواحد - جـ ١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ مَا وَرَدَ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌ذكر احتجاج آدم ومُوسَى عليهما السلام

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ: قَابِيلَ وَهَابِيلَ

- ‌ذِكْرُ وَفَاةِ آدَمَ وَوَصِيَّتِهِ إِلَى ابْنِهِ شِيثَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ إِدْرِيسَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ شئ من أَخْبَار نوح نَفسه عليه السلام

- ‌ذكر حجه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ وَصيته لوَلَده عليه السلام

- ‌ذِكْرُ مُرُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْحِجْرِ مِنْ أَرْضِ ثَمُودَ عَامَ تَبُوكَ

- ‌ذِكْرُ مُنَاظَرَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ

- ‌ذكر هِجْرَة الْخَلِيل عليه السلام إِلَى بِلَاد الشَّام

- ‌ذكر مولد إِسْمَاعِيل عليه السلام

- ‌ذكر مهاجرة إِبْرَاهِيم بِابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ إِلَى جِبَالِ فَارَانَ

- ‌ذكر مولد إِسْحَاق عليه السلام

- ‌ذكر بناية الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

- ‌ذكر ثَنَاء الله وَرَسُوله الْكَرِيم على عَبده وَخَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ

- ‌ذِكْرُ قَصْرِهِ فِي الْجَنَّةِ

- ‌ذِكْرُ صِفَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

- ‌ذكر وَفَاة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وَمَا قِيلَ فِي عُمُرِهِ

- ‌بَاب ذكر ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم

- ‌ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام

- ‌ذكر إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْكَرِيم بن الْكَرِيم عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ (1)

- ‌ذِكْرُ مَا وَقَعَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ فِي حَيَاة إِسْرَائِيل

- ‌بَاب ذكر اسْم من أهلكوا بعامة

- ‌ذِكْرُ فَضْلِ يُونُسَ عليه السلام

الفصل: ‌ذكر مرور النبي صلى الله عليه وسلم بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك

وَادِي عُسْفَانَ (1) ] قَالَ: " لَقَدْ مَرَّ بِهِ هُودٌ وَصَالح عليهما السلام على بكرات خطمها الليف، أزرقهم الْعَبَاءُ، وَأَرْدِيَتُهُمُ النِّمَارُ يُلَبُّونَ يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ ".

إِسْنَادٌ حَسَنٌ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ عليه السلام مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ، وَفِيهِ نُوحٌ وَهُودٌ وَإِبْرَاهِيمُ.

‌ذِكْرُ مُرُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْحِجْرِ مِنْ أَرْضِ ثَمُودَ عَامَ تَبُوكَ

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ عَلَى تَبُوكَ، نَزَلَ بِهِمُ الْحِجْرَ عِنْدَ بُيُوتِ ثَمُودَ، فَاسْتَقَى النَّاسُ مِنَ الْآبَارِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا ثَمُودُ، فَعَجَنُوا مِنْهَا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُول الله فأهراقوا الْقُدُور، وعفلوا الْعَجِينَ الْإِبِلَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ عَلَى الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا النَّاقَةُ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبُوا [فَقَالَ (1) ] :" إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ ".

وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْحِجْرِ: " لَا تَدْخُلُوا على هَؤُلَاءِ، المذبين إِلَّا أَنْ تَكُونُوا

بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُم ".

(1) سقط من ا.

(*)

ص: 163

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا مَرَّ بِمَنَازِلِهِمْ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ رَاحِلَتَهُ، وَنَهَى عَنْ دُخُولِ مَنَازِلِهِمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا (1) فَتَبَاكَوْا خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ ".

صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هرون، حَدثنَا المَسْعُودِيّ، عَن إِسْمَعِيل بْنِ أَوْسَطَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ الانباري عَنْ أَبِيهِ - وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ وَيُقَالُ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ تَسَارَعَ النَّاسُ إِلَى أَهْلِ الْحِجْرِ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَادَى فِي النَّاسِ:" الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ".

قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُمْسِكٌ بَعِيرَهُ وَهُوَ يَقُولُ: " مَا تَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ عضب اللَّهُ عَلَيْهِمْ " فَنَادَاهُ رَجُلٌ: نَعْجَبُ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: " أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؟ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ، فَاسْتَقِيمُوا وَسَدِّدُوا ; فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا وَسَيَأْتِي قَوْمٌ لَا يَدْفَعُونَ عَنْ أنفسهم شَيْئا ".

إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.

* * * وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ قَوْمَ صَالِحٍ كَانَتْ أَعْمَارُهُمْ طَوِيلَةً، فَكَانُوا يَبْنُونَ

(1) ا: فَإِن لم تَكُونُوا.

(*)

ص: 164

الْبُيُوتَ مِنَ الْمَدَرِ فَتَخْرَبُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ، فَنَحَتُوا لَهُمْ بُيُوتًا فِي الْجِبَالِ.

وَذَكَرُوا أَنَّ صَالِحًا عليه السلام لَمَّا سَأَلُوهُ آيَةً، فَأَخْرَجَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ مِنَ الصَّخْرَةِ، أَمَرَهُمْ بِهَا وَبِالْوَلَدِ الَّذِي كَانَ فِي جَوْفِهَا، وَحَذَّرَهُمْ بَأْسَ اللَّهِ إِنْ هُمْ نَالُوهَا بِسُوءٍ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ سَيَعْقِرُونَهَا وَيَكُونُ سَبَبُ هَلَاكِهِمْ ذَلِكَ.

وَذَكَرَ لَهُمْ صِفَةَ عَاقِرِهَا وَأَنَّهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ أَصْهَبُ.

فَبَعَثُوا الْقَوَابِلَ فِي الْبَلَدِ مَتَى وَجَدُوا مَوْلُودًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَقْتُلْنَهُ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا.

وَانْقَرَضَ جِيلٌ وَأَتَى جِيلٌ آخَرُ.

فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَعْصَارِ خَطَبَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ عَلَى ابْنِهِ بِنْتَ آخَرَ مِثْلِهِ فِي الرِّيَاسَةِ، فَزَوَّجَهُ، فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا عَاقِرُ النَّاقَةِ، وَهُوَ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ.

فَلَمْ تَتَمَكَّنِ الْقَوَابِلُ مِنْ قَتْلِهِ لِشَرَفِ أَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ فِيهِمْ، فَنَشَأَ نَشْأَةً سَرِيعَةً، فَكَانَ يَشِبُّ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي شَهْرٍ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ خَرَجَ مُطَاعًا فِيهِمْ رَئِيسًا بَيْنَهُمْ.

فَسَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ عَقْرَ النَّاقَةِ وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَهُمُ التِّسْعَةُ الَّذِينَ أَرَادُوا قَتْلَ صَالِحٍ عليه السلام.

فَلَمَّا وَقَعَ مِنْ أَمرهم مَا وَقع من عقر النَّاقة، بولغ ذَلِكَ صَالِحًا عليه السلام، جَاءَهُمْ بَاكِيًا عَلَيْهَا، فَتَلَقَّوْهُ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا لَمْ يَقع من مَلَأٍ مِنَّا.

وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا هَؤُلَاءِ الْأَحْدَاثُ فِينَا.

فَيُقَال إِنَّه أَمرهم باستدراك سقها حَتَّى يُحْسِنُوا إِلَيْهِ عِوَضًا عَنْهَا، فَذَهَبُوا وَرَاءَهُ فَصَعِدَ جَبَلًا هُنَاكَ، فَلَمَّا تَصَاعَدُوا فِيهِ وَرَاءَهُ تَعَالَى الْجَبَلُ حَتَّى ارْتَفَعَ فَلَا يَنَالُهُ الطَّيْرُ، وَبَكَى الْفَصِيلُ حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ.

ثُمَّ اسْتَقْبَلَ صَالِحًا عليه السلام وَرَغَا ثَلَاثًا،

ص: 165

فَعِنْدَهَا قَالَ صَالِحٌ: " تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّام، ذَلِك وعد غير مَكْذُوب " وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يُصْبِحُونَ مِنْ غَدِهِمْ صُفْرًا، ثُمَّ تَحْمَرُّ وُجُوهُهُمْ فِي الثَّانِي، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَسْوَدُّ وُجُوهُهُمْ.

فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَتَتْهُم صَيْحَة فِيهَا صَوت كل صَاعِقَة، فَأَخَذتهم فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ.

وَفِي بَعْضِ هَذَا السِّيَاقِ نَظَرٌ وَمُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ مَا يُفْهَمُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي شَأْنِهِمْ وَقِصَّتِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَا.

وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم بِالصَّوَابِ.

ص: 166

قصَّة ابراهيم الْخَلِيل هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ تَارَخَ (1)" 250 " بْنِ نَاحُورَ " 148 " بْنِ ساروغ " 230 " بن راغو " 239 " ابْن فالغ " 439 " بن عَابِر " 464 "(2) ابْن شالح " 433 " بْنِ أَرْفَخْشَذَ " 438 "(3) بْنِ سَامِ " 600 " بْنِ نُوحٍ عليه السلام.

هَذَا نَصُّ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِهِمْ، وَقَدْ أَعْلَمْتُ عَلَى أَعْمَارِهِمْ تَحْتَ أَسْمَائِهِمْ بِالْهِنْدِيِّ كَمَا ذَكَرُوهُ [مِنَ الْمُدَدِ](4) وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى عُمُرِ نُوحٍ عليه السلام فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.

وَحَكَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ [إِبْرَاهِيمَ (4) ] الْخَلِيل من تَارِيخه عَن إِسْحَق بْنِ بِشْرٍ الْكَاهِلِيِّ صَاحِبِ كِتَابِ الْمُبْتَدَأِ، أَنَّ اسْمَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ " أُمَيْلَةُ ".

ثُمَّ أَوْرَدَ عَنْهُ فِي خَبَرِ وِلَادَتِهَا لَهُ حِكَايَةً طَوِيلَةً.

وَقَالَ الكلبى: سمها " بونا " بنت كربتا بن كرثى، من بنى أرفخشذ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ.

وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام يُكْنَى " أَبَا الضِّيفَانِ "

قَالُوا: وَلَمَّا كَانَ عُمُرُ تَارَخَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ سنة ولد لَهُ إِبْرَاهِيم عليه السلام، وتاحور وَهَارَانُ، وَوُلِدَ لِهَارَانَ " لُوطٌ ".

وَعِنْدَهُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام هُوَ الْأَوْسَطُ، وَأَنَّ هَارَانَ مَاتَ فِي

(1) ط: تسارخ وَهُوَ تَحْرِيف.

(2)

ا: 443 (3) ا: 893.

(4)

لَيست فِي ا.

(*)

ص: 167

حَيَاةِ أَبِيهِ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا، وَهِيَ أَرْضُ الْكَلْدَانِيِّينَ يَعْنُونَ أَرْضَ بَابِلَ.

وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ والاخبار، وَصحح ذَلِك الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر، بعد ماروى مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ بِغُوطَةِ دِمَشْقَ، فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا بَرْزَةُ، فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ قَاسِيُونَ.

ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وُلِدَ بِبَابِلَ.

وَإِنَّمَا نُسِبَ إِلَيْهِ هَذَا الْمَقَامُ لِأَنَّهُ صَلَّى فِيهِ إِذْ جَاءَ مُعِينًا لِلُوطٍ عليه السلام.

قَالُوا: فَتَزَوَّجَ إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ، وناحور " ملكا " ابْنة هاران يعنون ابْنة أَخِيهِ.

قَالُوا: وَكَانَتْ سَارَةُ عَاقِرًا لَا تَلِدُ.

قَالُوا: وامنطلق تَارَخُ بِابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ وَامْرَأَتِهِ سَارَةَ وَابْنِ أَخِيهِ لُوطِ بْنِ هَارَانَ، فَخَرَجَ بِهِمْ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ إِلَى أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ، فَنَزَلُوا حَرَّانَ فَمَاتَ فِيهَا تَارَخُ وَلَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ سَنَةً.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ بِحَرَّانَ، وَإِنَّمَا مَوْلِدُهُ بِأَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَهِيَ أَرْضُ بَابِلَ وَمَا والاها.

ثمَّ ارتحلوا قَاصِدين أَرض الكنعانين، وَهِيَ بِلَادُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،

فَأَقَامُوا بِحَرَّانَ وَهِيَ أَرْضُ الْكَشْدَانِيِّينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْجَزِيرَةِ وَالشَّامِ أَيْضًا.

وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ.

وَالَّذِينَ عَمَّرُوا مَدِينَةَ دِمَشْقَ كَانُوا عَلَى هَذَا الدِّينِ، يَسْتَقْبِلُونَ الْقُطْبَ الشَّمَالِيَّ وَيَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْفَعَالِ وَالْمَقَالِ.

وَلِهَذَا كَانَ عَلَى كل بَاب

ص: 168

مِنْ أَبْوَابِ دِمَشْقَ السَّبْعَةِ الْقَدِيمَةِ هَيْكَلٌ لِكَوْكَبٍ مِنْهَا، وَيَعْمَلُونَ لَهَا أَعْيَادًا وَقَرَابِينَ.

وَهَكَذَا كَانَ أَهْلُ حَرَّانَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَانُوا كُفَّارًا، سِوَى إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَامْرَأَتِهِ وَابْنِ أَخِيهِ لُوطٍ عليهم السلام.

وَكَانَ الْخَلِيلُ عليه السلام هُوَ الَّذِي أَزَالَ اللَّهُ بِهِ تِلْكَ الشُّرُورَ، وَأَبْطَلَ بِهِ ذَاكَ الضَّلَالَ ; فَإِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى آتَاهُ رُشْدَهُ فِي صِغَرِهِ، وَابْتَعَثَهُ رَسُولًا وَاتَّخَذَهُ خَلِيلًا فِي كبره، قَالَ الله تَعَالَى:" وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالمين (1) ".

أَيْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ.

وَقَالَ تَعَالَى: " وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا، إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ، وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يبدى اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ، إِنَّ الله على كل شئ قَدِيرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ

تُقْلَبُونَ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء، ومالكم مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * وَالَّذين كفرُوا بآيَات ولقائه أُولَئِكَ يئسوا من

(1) سُورَة الانبياء 58.

(*)

ص: 169

رحمتى وَأُولَئِكَ لم عَذَابٌ أَلِيمٌ " فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ، فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يكفر بَعْضكُم بِبَعْض وبلعن بَعْضُكُمْ بَعْضًا ; وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَق وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (1) ".

ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى مُنَاظَرَتَهُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

* * * وَكَانَ أَوَّلُ دَعْوَتِهِ لِأَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِمَّنْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، لِأَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِإِخْلَاصِ النَّصِيحَةِ [لَهُ] (2) كَمَا قَالَ تَعَالَى: " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صديقا نَبيا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صراطا سويا * يَا أَبَت لاتعبد الشَّيْطَان إِن الشَّيْطَان كَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ؟ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دون الله وأدعو ربى ; عَسى

أَن لَا أكون بِدُعَاء ربى شقيا " (3) .

(1) سُورَة العنكبوت 16 - 27.

(2)

سقط من ا.

(3)

سُورَة مَرْيَم 41 - 48 (*)

ص: 170

فَذكر تَعَالَى مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ وَالْمُجَادَلَةِ، وَكَيْفَ دَعَا أَبَاهُ إِلَى الْحَقِّ بِأَلْطَفِ عِبَارَةٍ وَأَحْسَنِ إِشَارَةٍ ; بَيَّنَ لَهُ بُطْلَانَ مَا هُوَ عَلَيْهِ من عبَادَة الاوثان الَّتِي لَا تَسْمَعُ دُعَاءَ عَابِدِهَا وَلَا تُبْصِرُ مَكَانَهُ، فَكيف تُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا أَوْ تَفْعَلُ بِهِ خَيْرًا من رزق أَو نصر؟ ثمَّ قَالَ [لَهُ] (1) مُنَبِّهًا عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ النَّافِعِ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا مِنْ أَبِيهِ:" يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سويا " أَيْ مُسْتَقِيمًا وَاضِحًا سَهْلًا حَنِيفًا، يُفْضِي بِكَ إِلَى الْخَيْرِ فِي دُنْيَاكَ وَأُخْرَاكَ.

فَلَمَّا عَرَضَ هَذَا الرُّشْدَ عَلَيْهِ وَأَهْدَى هَذِهِ النَّصِيحَةَ إِلَيْهِ، لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ وَلَا أَخَذَهَا عَنْهُ، بَلْ تَهَدَّدَهُ [وَتَوَعَّدَهُ] (2) قَالَ:" أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيم؟ لَئِن لم تَنْتَهِ لارجمنك " قيل بالمقال وَقيل بالفعال.

" واهجرني مَلِيًّا " أَيْ وَاقْطَعْنِي وَأَطِلْ هِجْرَانِي.

فَعِنْدَهَا قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: " سَلام عَلَيْك " أَيْ لَا يَصِلُكَ مِنِّي مَكْرُوهٌ وَلَا يَنَالُكَ مِنِّي أَذًى، بَلْ أَنْتَ سَالِمٌ مِنْ نَاحِيَتِي.

وَزَادَهُ خَيْرًا فَقَالَ: " سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بى حفيا ".

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَيْ لَطِيفًا، يَعْنِي فِي أَنْ هَدَانِي لِعِبَادَتِهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ.

وَلِهَذَا قَالَ: " وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وأدعو ربى، عَسى أَن لَا أكون بِدُعَاء ربى شقيا ".

(1) من ا.

(2)

لَيست فِي ا.

(*)

ص: 171

وَقَدِ اسْتَغْفَرَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام كَمَا وَعَدَهُ فِي أَدْعِيَتِهِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ] (1) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيم "(2) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ [لَهُ (1) ] أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رب إِنَّك وَعَدتنِي أَن لَا تخزيني يَوْم يبعثون فأى خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ.

ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذبح مُتَلَطِّخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ ".

هَكَذَا رَوَاهُ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ مُنْفَرِدًا.

وَقَالَ فِي التَّفْسِيرِ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ (3) ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ بِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّار عَن حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(1) سقط من ا (2) سُورَة التَّوْبَة 214 (3) ط: ابْن أَبى ذُؤَيْب محرفة.

(*)

ص: 172

بِنَحْوِهِ، وَفِي سِيَاقِهِ غَرَابَةٌ.

وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً؟ إِنِّي أَرَاك وقومك فِي ضلال مُبين " هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ آزَرُ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ النَّسَبِ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَلَى أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ تَارَحُ.

وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَقُولُونَ تَارَخُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، [فَقِيلَ: إِنَّهُ لُقِّبَ بِصَنَمٍ كَانَ يَعْبُدُهُ اسْمُهُ آزَرُ] (1) .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْمَهُ آزَرُ.

وَلَعَلَّ لَهُ اسْمَانِ عَلَمَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا لَقَبٌ وَالْآخَرُ عَلَمٌ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

* * * ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: " وَكَذَلِكَ نرى إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى القم بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ، فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قوم إنى برِئ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ؟ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاء ربى شَيْئا، وسع ربى كل شئ

(1) لَيست فِي ا.

(*)

ص: 173

عِلْمًا، أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ؟ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا؟ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مهتدون * وَتلك حججتنا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نشَاء إِن رَبك حَكِيم عليم (1) ".

وَهَذَا الْمَقَامُ مَقَامُ مُنَاظَرَةٍ لِقَوْمِهِ، وَبَيَانٌ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْرَامَ الْمُشَاهَدَةَ مِنَ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَةِ، لَا تَصْلُحُ لِلْأُلُوهِيَّةِ، وَلَا أَنْ تُعْبَدَ مَعَ الله عزوجل، لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مَرْبُوبَةٌ مَصْنُوعَةٌ مُدَبَّرَةٌ مُسَخَّرَةٌ، تَطْلُعُ تَارَةً وَتَأْفُلُ أُخْرَى، فَتَغِيبُ عَنْ هَذَا الْعَالَمِ، والرب تَعَالَى لَا يغيب عَنهُ شئ وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، بَلْ هُوَ الدَّائِمُ الْبَاقِي بِلَا زَوَال، لَا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.

فَبين لَهُم أَولا عدم صَلَاحِية الْكَوَاكِب " لذَلِك (2) ] قيل هُوَ الزهرة، ثمَّ تَرَقَّى مِنْهَا إِلَى الْقَمَرِ الَّذِي هُوَ أَضْوَأُ مِنْهَا وَأَبْهَى مِنْ حُسْنِهَا، ثُمَّ تَرَقَّى إِلَى الشَّمْسِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ الْأَجْرَامِ الْمُشَاهَدَةِ ضِيَاءً وَسَنَاءً وَبَهَاءً، فَبَيَّنَ أَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ مُسَيَّرَةٌ مُقَدَّرَةٌ مَرْبُوبَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: " وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ، وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إباه تَعْبدُونَ " (3) .

وَلِهَذَا قَالَ: " فَلَمَّا رَأس الشَّمْس بازغة " أَيْ طَالِعَةً " قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أفلت قَالَ يَا قوم إنى برِئ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات والارض حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين *

(1) لَيست فِي ا (2) لَيست فِي ا (3) سُورَة فصلت 37 (*)

ص: 174

وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ، وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ

بِهِ إِلَّا أَن يَشَاء ربى شَيْئا، أَي لست أبالى هَذِهِ الْآلِهَةِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُ شَيْئًا وَلَا تَسْمَعُ وَلَا تَعْقِلُ، بَلْ هِيَ مَرْبُوبَةٌ مُسَخَّرَةٌ كَالْكَوَاكِبِ وَنَحْوِهَا، أَوْ مَصْنُوعَةٌ مَنْحُوتَةٌ مَنْجُورَةٌ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَوْعِظَتَهُ هَذِه فِي الْكَوَاكِب لاهل حران، فَإِنَّهُم كَانُوا يَعْبُدُونَهَا.

وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حِينَ خَرَجَ مِنَ السَّرَبِ لَمَّا كَانَ صَغِيرا، كَمَا ذكره ابْن إِسْحَق وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى أَخْبَارٍ إِسْرَائِيلِيَّةٍ لَا يُوثَقُ بِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا خَالَفَتِ الْحَقَّ.

* * * وَأَمَّا أَهْلُ بَابِلَ فَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَهُمُ الَّذِينَ نَاظَرَهُمْ فِي عِبَادَتِهَا وَكَسَرَهَا عَلَيْهِمْ، وَأَهَانَهَا وَبَيَّنَ بُطْلَانَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ ومالكم من ناصرين " وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: " وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ من اللاعبين؟ * قَالَ بل ربكُم رب السَّمَوَات والارض الذى فطرهن وَأَنا على ذَلِك مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بآلهتنا

ص: 175

إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا

يَا إِبْرَاهِيمُ؟ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نكسوا على رؤوسهم لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتكُم إِن كُنْتُم فاعلين * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم * وَأَرَادُوا بِهِ كيدا فجعلناهم الاخسرين " (1) وَقَالَ فِي سُورَة الشُّعَرَاء:" واتل عَلَيْهِم نبأ إِبْرَاهِيم * إِذْ قَالَ لابيه وَقَومه مَا تَعْبدُونَ * قَالُوا نعْبد أصناما فنظل لَهَا عاكفين * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ؟ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ؟ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُم عدولى إِلَّا رب الْعَالمين * الذى خلقني فَهُوَ يهدين * والذى هُوَ يطعمنى ويسقين * وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين * والذى يميتني ثمَّ يحيين * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّين * رب هَب لى حكما وألحقني بالصالحين "(2) .

وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ: " وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ؟ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ؟ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالمين * فَنظر نظرة فِي

(1) سُورَة الانبياء 51 - 70 (2) الْآيَات: 69 - 82.

(*)

ص: 176

النُّجُومِ، فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فرَاغ إِلَى آلِهَتهم فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ؟ * مالكم لَا تَنْطِقُونَ؟ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ؟ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا

تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الاسفلين " (1) .

يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ عليه السلام، أَنه أنكر على قومه عبَادَة لاوثان وَحَقَّرَهَا عِنْدَهُمْ وَصَغَّرَهَا وَتَنَقَّصَهَا، فَقَالَ:" مَا هَذِهِ التماثيل الَّتِى أَنْتُم لَهَا عاكفون "؟ أَيْ مُعْتَكِفُونَ عِنْدَهَا وَخَاضِعُونَ لَهَا، قَالُوا:" وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عابدين ".

مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا صَنِيعُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَنْدَادِ.

" قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " كَمَا قَالَ تَعَالَى: " إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظنكم بِرَبّ الْعَالمين ".

قَالَ قَتَادَةُ: فَمَا ظَنُّكُمْ بِهِ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ؟ وَقَالَ لَهُمْ: " هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ؟ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " سَلَّمُوا لَهُ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ دَاعِيًا وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهَا الِاقْتِدَاءُ بِأَسْلَافِهِمْ وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الضَّلَالِ مِنَ الْآبَاءِ الْجُهَّالِ.

وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ: " أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ؟ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ".

(1) الْآيَات: 83 - 98 (12 - قصَص الانبياء 1)(*)

ص: 177

وَهَذَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ مَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْأَصْنَامِ ; لِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهَا وَتَنَقَّصَ بِهَا، فَلَوْ كَانَتْ تَضُرُّ لَضَرَّتْهُ، أَوْ تُؤَثِّرُ لَأَثَّرَتْ فِيهِ.

" قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ من الاعبين؟ " وَيَقُولُونَ: هَذَا

الْكَلَام الذى تَقوله لنا وتتنقص بِهِ آلِهَتنَا، وتطعن بِسَبَبِهِ فِي آبَائِنَا أتقوله (1) محقا جادا فِيهِ أم لَا عبا؟ " قَالَ بل ربكُم رب السَّمَوَات وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدين " يَعْنِي بَلْ أَقُولُ لَكُمْ ذَلِكَ جَادًّا مُحِقًّا، إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، ربكُم وَرب كل شئ، فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْضِ، الْخَالِقُ لَهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ.

فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ.

وَقَوْلُهُ: " وَتَاللَّهِ لاكيدن أصنامكم بعد أَن توَلّوا مُدبرين " أقسم ليكيدن هَذِه الاصنام الَّتِى يعبدونها يعد أَنْ تَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ إِلَى عِيدِهِمْ.

قِيلَ: إِنَّهُ قَالَ هَذَا خُفْيَةً فِي نَفْسِهِ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سَمِعَهُ بَعْضُهُمْ.

وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ (2) مَرَّةً إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ، فَدَعَاهُ أَبُوهُ لِيَحْضُرَهُ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: " فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إنى سقيم " عَرَّضَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ حَتَّى تَوَصَّلَ إِلَى مَقْصُودِهِ مِنْ إِهَانَةِ أَصْنَامِهِمْ، وَنُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ الْحق، وَبطلَان مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ أَنْ تُكَسَّرَ وَأَنْ تُهَانَ غَايَةَ الْإِهَانَةِ.

(1) ا: تَقوله (2) ا: عيد.

(*)

ص: 178

فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى عِيدِهِمْ، وَاسْتَقَرَّ هُوَ فِي بلدهم " راغ إِلَى آلِهَتهم " أَيْ ذَهَبَ إِلَيْهَا مُسْرِعًا مُسْتَخْفِيًا، فَوَجَدَهَا فِي بَهْوٍ عَظِيمٍ، وَقَدْ وَضَعُوا بَيْنَ أَيْدِيَهَا أَنْوَاعًا مِنَ الْأَطْعِمَةِ قُرْبَانًا إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا عَلَى سَبِيل التهكم والازدراء " أَلا تَأْكُلُونَ * مالكم لَا تنطقون * فرَاغ عَلَيْهِم ضربا بِالْيَمِينِ " لِأَنَّهَا أَقْوَى وَأَبْطَشُ وَأَسْرَعُ وَأَقْهَرُ، فَكَسَّرَهَا بِقَدُومٍ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَ

تَعَالَى: " فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا " أَيْ حُطَامًا، كَسَّرَهَا كُلَّهَا " إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُم إِلَيْهِ يرجعُونَ ".

قِيلَ إِنَّهُ وَضَعَ الْقَدُومَ فِي يَدِ الْكَبِيرِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ غَارَ أَنْ تُعْبَدَ مَعَهُ هَذِهِ الصِّغَارُ! فَلَمَّا رَجَعُوا مِنْ عِيدِهِمْ وَوَجَدُوا مَا حَلَّ بِمَعْبُودِهِمْ " قَالُوا: مَنْ فَعَلَ هَذَا بآلهتنا إِنَّه لمن الظَّالِمين ".

وَهَذَا فِيهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْقِلُونَ، وَهُوَ مَا حَلَّ بِآلِهَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا، فَلَوْ كَانَتْ آلِهَةً لَدَفَعَتْ عَنْ أَنْفُسِهَا مَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ لَكِنَّهُمْ قَالُوا مِنْ جَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ وَكَثْرَةِ ضَلَالِهِمْ وَخَبَالِهِمْ:" مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ".

" قَالُوا سَمِعْنَا فَتى يذكرهم يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم " أَيْ يَذْكُرُهَا بِالْعَيْبِ وَالتَّنَقُّصِ لَهَا وَالِازْدِرَاءِ بِهَا، فَهُوَ الْمُقِيمُ عَلَيْهَا وَالْكَاسِرُ لَهَا.

وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَيْ يَذْكُرُهُمْ بِقَوْلِهِ:" وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أصنامكم بعد أَن توَلّوا مُدبرين ".

" قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يشْهدُونَ " أَيْ فِي الْمَلَأِ الْأَكْبَرِ

ص: 179

عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَقَالَتَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، وَيُعَايِنُونَ مَا يَحِلُّ بِهِ مِنَ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ.

وَكَانَ هَذَا أَكْبَرَ مَقَاصِدِ الْخَلِيلِ عليه السلام أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَيُقِيمَ عَلَى جَمِيع عباد الاصنام الْحجَّة على بطلَان ماهم عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ مُوسَى عليه السلام لِفِرْعَوْنَ:" مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ".

* * * فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَجَاءُوا بِهِ كَمَا ذَكَرُوا " قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا

يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا ".

قيل مَعْنَاهُ: هُوَ الْحَامِل لى على تكسيرهم، وَإِنَّمَا عَرَّضَ لَهُمْ فِي الْقَوْلِ " فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا ينطقون " وتإنما أَرَادَ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنْ يُبَادِرُوا إِلَى الْقَوْلِ بِأَن هَذِهِ لَا تَنْطِقُ، فَيَعْتَرِفُوا بِأَنَّهَا جَمَادٌ كَسَائِرِ الْجَمَادَاتِ.

" فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ " أَيْ فَعَادُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ، فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُم الظَّالِمُونَ.

أَيْ فِي تَرْكِهَا لَا حَافِظَ لَهَا وَلَا حارس عِنْدهَا.

" ثمَّ نكسوا على رؤوسهم ".

قَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْفِتْنَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ:" إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ " أَيْ فِي عِبَادَتِهَا.

وَقَالَ قَتَادَةُ: أَدْرَكَتِ الْقَوْمَ حَيْرَةُ سَوْءٍ.

أَيْ فَأَطْرَقُوا ثُمَّ قَالُوا: " لَقَدْ علمت مَا هَؤُلَاءِ ينطقون " أَيْ لَقَدْ عَلِمْتَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَنَّ هَذِهِ لَا تَنْطِقُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا بِسُؤَالِهَا!.

ص: 180

فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمُ الْخَلِيلُ عليه السلام: " أفتعبدون من دون الله حَالا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ، أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبدُونَ من دون الله أَفلا تعقلون؟ ".

كَمَا قَالَ: " فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون " قَالَ مُجَاهِدٌ: يُسْرِعُونَ.

قَالَ: " أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ " أَيْ كَيْفَ تَعْبُدُونَ أَصْنَامًا أَنْتُمْ تَنْحِتُونَهَا مِنَ الْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ، وَتُصَوِّرُونَهَا وَتُشَكِّلُونَهَا كَمَا تُرِيدُونَ " وَاللَّهُ خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ ".

وَسَوَاءٌ كَانَتْ: " مَا " مَصْدَرِيَّةً أَوْ بِمَعْنَى الَّذِي، فَمُقْتَضَى الْكَلَامِ أَنَّكُمْ مَخْلُوقُونَ، وَهَذِهِ الْأَصْنَامَ مَخْلُوقَةٌ، فَكيف يتعبد مَخْلُوق لمخلوق

مِثْلَهُ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِبَادَتُكُمْ لَهَا بِأَوْلَى مِنْ عِبَادَتِهَا لَكُمْ.

وَهَذَا بَاطِلٌ، فَالْآخَرُ بَاطِلٌ لِلتَّحَكُّمِ ; إِذْ لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ تَصْلُحُ وَلَا تَجِبُ (1) إِلَّا لِلْخَالِقِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

* * * " قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كيدا فجعلناهم الاسفلين ".

عَدَلُوا عَنِ الْجِدَالِ وَالْمُنَاظَرَةِ لَمَّا انْقَطَعُوا وَغُلِبُوا، وَلَمْ تَبْقَ لَهُمْ حَجَّةٌ وَلَا شُبْهَةٌ إِلَى اسْتِعْمَال قوتهم وسلطانهم، لينصروا ماهم عَلَيْهِ مِنْ سَفَهِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ، فَكَادَهُمُ الرَّبُّ جل جلاله ; وَأَعْلَى كَلِمَتَهُ وَدِينَهُ وَبُرْهَانَهُ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: " قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعلين * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم * وَأَرَادُوا بِهِ كيدا فجعلناهم الاخسرين ".

(1) ا: تجب وَلَا تصلح.

(*)

ص: 181

وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شَرَعُوا يَجْمَعُونَ حَطَبًا مِنْ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنَ الْأَمَاكِنِ، فَمَكَثُوا مُدَّةً يَجْمَعُونَ لَهُ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُمْ كَانَتْ إِذَا مَرِضَتْ تَنْذِرُ لَئِنْ عُوفِيَتْ لَتَحْمِلَنَّ حَطَبًا لِحَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ.

ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى جَوْبَةٍ (2) عَظِيمَةٍ فَوَضَعُوا فِيهَا ذَلِك الْحَطب وأطلقوا فِيهِ النَّار، فاضطربت وتأججت والتهبت وَعلا لَهَا شَرَرٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ قَطُّ.

ثُمَّ وَضَعُوا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فِي كِفَّةِ مَنْجَنِيقٍ (2) صَنَعَهُ لَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْأَكْرَادِ يُقَالُ لَهُ " هِيزَنُ " وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَعَ الْمَجَانِيقَ، فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

ثُمَّ أَخَذُوا يُقَيِّدُونَهُ وَيُكَتِّفُونَهُ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ

[رب الْعَالمين (3) ] لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمُلْكُ، لَا شَرِيكَ لَكَ.

فَلَمَّا وُضِعَ الْخَلِيلُ عليه السلام فِي كِفَّةِ الْمَنْجَنِيقِ مُقَيَّدًا مَكْتُوفًا ثُمَّ أَلْقَوْهُ مِنْهُ إِلَى النَّارِ قَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قِيلَ لَهُ:" إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ " الْآيَةَ.

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِي، حَدثنَا إِسْحَق بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ عَاصِم ابْن أَبى النجُود، عَن أَبى صَالح عَن

(1) الجوبة: الحفرة (2) المنجنيق: آلَة ترمى بهَا الْحِجَارَة فِي الْحَرْب.

(3)

لَيست فِي ا.

(*)

ص: 182

أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ فِي السَّمَاءِ وَاحِدٌ، وَأَنَا فِي الْأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ! ".

وَذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّ جِبْرِيل عرض لَهُ فِي الْهَوَاء فَقَالَ: [يَا إِبْرَاهِيم (1) ] أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا! وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: جَعَلَ مَلَكُ الْمَطَرِ يَقُولُ: مَتَى أُومَرُ فَأُرْسِلَ الْمَطَرَ؟ فَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ أَسْرَعَ.

" قُلْنَا يَا ناركونى بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم ".

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [أَيْ (1) ] لَا تَضُرِّيهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: لَوْلَا أَن الله قَالَ: وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم لَأَذَى إِبْرَاهِيمَ بَرْدُهَا.

وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَمْ ينْتَفع أهل الارض يَوْمئِذٍ بِنَار، وَلم تحرق مِنْهُ سِوَى وَثَاقِهِ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام كَانَ مَعَهُ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَن وَجهه لم يصبهُ مِنْهَا شئ غَيْرُهُ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ مَعَهُ أَيْضًا مَلَكُ الظل، وَصَارَ إِبْرَاهِيم عليه السلام فِي ميل الجوبة (2) حوله نَار وَهُوَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ لَا يقدرُونَ على الْوُصُول، وَلَا هُوَ يخرج إِلَيْهِم.

(1) لَيست فِي ا.

(2)

ط: فِي مثل الحوبة (*)

ص: 183

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَحْسَنُ كَلِمَةٍ قَالَهَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ، إِذْ قَالَ لَمَّا رَأَى وَلَدَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ يَا إِبْرَاهِيمُ! وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ نَظَرَتْ إِلَى ابْنِهَا عليه السلام فَنَادَتْهُ: يَا بُنَيَّ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أجئ إِلَيْكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّيَنِي مِنْ حَرِّ النَّارِ حَوْلَكَ، فَقَالَ: نَعَمْ.

فَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ لَا يَمَسهَا شئ مِنْ حَرِّ النَّارِ، فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَيْهِ اعْتَنَقَتْهُ وَقَبَّلَتْهُ ثُمَّ عَادَتْ.

وَعَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ مَكَثَ هُنَاكَ إِمَّا أَرْبَعِينَ وَإِمَّا خَمْسِينَ يَوْمًا، وَأَنَّهُ قَالَ: مَا كُنْتُ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ أَطْيَبَ عَيْشًا إِذْ كُنْتُ فِيهَا، وَوَدِدْتُ أَنَّ عَيْشِي وَحَيَاتِي كُلَّهَا [مِثْلُ (1) ] إِذْ كُنْتُ فِيهَا.

صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

فَأَرَادُوا أَنْ يَنْتَصِرُوا فَخُذِلُوا، وَأَرَادُوا أَنْ يَرْتَفِعُوا فَاتَّضَعُوا، وَأَرَادُوا أَنْ يَغْلِبُوا فَغُلِبُوا.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ

الْأَخْسَرِينَ "، وفى الْآيَة الاخرى " السفلين " فَفَازُوا بِالْخَسَارَةِ وَالسَّفَالِ هَذَا فِي الدُّنْيَا.

وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ نَارَهُمْ لَا تَكُونُ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَلَا سَلَامًا، وَلَا يُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَلَا سَلَامًا، بَلْ هِيَ كَمَا قَالَ تَعَالَى:" إِنَّهَا ساءت مُسْتَقرًّا ومقاما ".

قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَوِ ابْنُ سَلَّامٍ عَنْهُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ

(1) لبست فِي ا.

(*)

ص: 184

شَرِيكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ (1)، وَقَالَ:" كَانَ يَنْفُخُ (2) عَلَى إِبْرَاهِيمَ ".

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جريج.

وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ بِهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" اقْتُلُوا الْوَزَغَ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفُخُ النَّار على إِبْرَاهِيم ".

قَالَ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقْتُلُهُنَّ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَإِذَا رُمْحٌ مَنْصُوبٌ فَقَالَتْ: مَا هَذَا الرُّمْحُ؟ فَقَالَتْ: نَقْتُلُ بِهِ الْأَوْزَاغَ ; ثُمَّ حَدَّثَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ جَعَلَتِ الدَّوَابُّ كُلُّهَا تُطْفِئُ عَنْهُ إِلَّا الْوَزَغَ، فَإِنَّهُ جَعَلَ يَنْفُخُهَا عَلَيْهِ ".

تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّان، حَدثنَا جرير، حَدثنَا نَافِع، حَدَّثتنِي سمامة مَوْلَاةُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَرَأَيْتُ فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعًا، فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا الرُّمْحِ؟ قَالَت: هَذَا

(1) الوزغ: حشرة يُقَال لَهَا سَام أبرس.

(2)

ا: نفخ:.

(*)

ص: 185

لِهَذِهِ الْأَوْزَاغِ نَقْتُلُهُنَّ بِهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا: " أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حِين ألْقى فِي النَّار لم يكن فِي الْأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا تُطْفِئُ عَنْهُ النَّارَ، غَيْرَ الْوَزَغِ كَانَ يَنْفُخُ عَلَيْهِ (1) ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَرِيرِ بن حَازِم بِهِ.

(1) لَا نستطيع الاطمئنان إِلَى هَذِه المرويات مادامت تخَالف الْعقل، فَلَيْسَ هُنَاكَ تَكْلِيف للحيوان، وَلَيْسَ الوزغ من الفواسق الَّتِى أمرنَا الرَّسُول بقتلها، وَإِذا صَحَّ أَنه أَمر بقتْله فَيَنْبَغِي أَن تكون هُنَالك عِلّة أُخْرَى.

(*)

ص: 186