المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من المفاهيم الأساسية التي ميزت نظرة الصحابة للأخوة أنها تورث السعادة في الدنيا والآخرة - كن صحابيا - جـ ١٠

[راغب السرجاني]

فهرس الكتاب

- ‌الصحابة والأخوة

- ‌الأخوة صمام أمان لهذه الأمة وضرورة حتمية لإقامة كيانها

- ‌من المفاهيم الأساسية التي ميزت نظرة الصحابة للأخوة أنها طريق إلى الجنة

- ‌الأحاديث النبوية التي تربط بين الأخوة ودخول الجنة

- ‌التباغض والشحناء سبب لتأخر المغفرة وتخلف الثواب

- ‌سلامة الصدر وحب الخير للآخرين صفة ترتقي بصاحبها في درجات الجنان

- ‌من المفاهيم الأساسية التي ميزت نظرة الصحابة للأخوة أنها مسئولية أمام الله تعالى

- ‌الحقوق الأخوية أمر إلهي يترتب عليه ثواب الدنيا والآخرة

- ‌إعانة المسلم وكشف كربته سبب لإعانة الله للعبد وكشف كربته يوم القيامة

- ‌حرص الأشعريين على مواساة بعضهم ومدح النبي لهم

- ‌فهم عثمان بن عفان لمفهوم الأخوة وتطبيقه له

- ‌فهم معاذ وسلمان لحقيقة الأخوة وتطبيقهما لها

- ‌ابن عباس وقيامه بحق الأخوة طلباً لثواب الله

- ‌السعي في حاجات المسلمين كالجهاد والصيام والقيام في الأجر

- ‌من نصر مسلماً أو ذب عن عرضه نصره الله في موطن يحتاج فيه إلى نصرته

- ‌من المفاهيم الأساسية التي ميزت نظرة الصحابة للأخوة أنها تكون لكل مؤمن

- ‌من المفاهيم الأساسية التي ميزت نظرة الصحابة للأخوة أنها تورث السعادة في الدنيا والآخرة

الفصل: ‌من المفاهيم الأساسية التي ميزت نظرة الصحابة للأخوة أنها تورث السعادة في الدنيا والآخرة

‌من المفاهيم الأساسية التي ميزت نظرة الصحابة للأخوة أنها تورث السعادة في الدنيا والآخرة

المفهوم الرابع: أن الأخوة في الله نعمة من الله عز وجل نسعد بها في دنيانا وكذلك نسعد بها في آخرتنا، فالمسلم عندما يؤاخي أخاه في الله لا من أجل الثواب في الآخرة فقط، بل من أجل الحصول على السعادة في الدنيا، لأنه أن يكون أهل الأرض جميعاً يتصارعون على الدنيا ولا يجدون هذه السعادة التي يحس بها المسلم مع أخيه المسلم، وانظر إلى قول الله عز وجل:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:103]، فهذه نعمة واضحة أمامك، {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103]، فنعمة الأخوة في الله لا تعدلها أموال الأرض جميعاً ولا نعيم الدنيا كلها، وهذه ليست مبالغة أقولها، بل هذا كلام ربنا عز وجل، واسمع إلى كلامه في كتابه سبحانه وتعالى إذ يقول:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63]، فهذه نعمة واحدة فقط، ولو أنفقت كل ما في الأرض لن تستطيع أن تعملها، فهي أغلى من كل ما في الأرض، ولا يدرك فضلها وقيمتها إلا الذي فقدها، لذا فإن أمم الأرض جميعاً تحسد المسلمين على هذه المنة العظيمة، والعجب أن كل من في الأرض يضحي من أجل إخوانه إلا المسلمين، قال الله عز وجل في حق اليهود:{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14]، وقال في حق النصارى:{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:14]، لكن أمة الإسلام شيء آخر، فهي تعيش في نعمة وسعادة في الدنيا بسبب هذه الأخوة، فكيف يمكن أن نفقد هذه السعادة! وكيف يمكن أن نضحي بهذه الأخوة! ليس ممكناً أبداً لمؤمن فاهم عاقل أن يضحي بهذه السعادة ويطلب أي نعيم في الدنيا أو أي مال في الدنيا في نظير هذه الأخوة، إن أعلى معدلات الاكتئاب النفسي التي توجد عند الرجال والنساء أو الأطفال الذين يعانون من الوحدة في البلاد التي يقولون عنها بأنها راقية عالية جداً، وراجعوا إحصائيات الاكتئاب النفسي الموجودة في أمريكا وإنجلترا والسويد والدنمارك وغيرها من البلاد التي يقولون عنها بأنها بلاد راقية جداً، وكل ذلك بسبب أنه ليس فيها أخوة، وليس فيها من يسأل عن الآخر، فالابن عندما يكبر قليلاً ويصل إلى السادسة عشرة أو السابعة عشرة يترك بيت أبيه وأمه ولا يسأل عنهم أبداً، والكبار قد يضعوهم في دار مسنين ولا يسأل أحد عنهم، فتخيل مجتمعاً بهذه الصورة، وعلى النقيض تخيل مجتمعاً إسلامياً بالصورة التي ذكرناها، سعادة ما بعدها سعادة، فهذه نعمة الإسلام الكبرى، أعني: نعمت الأخوة في الله، ولذلك كان من المستحيل أن يضحي الصحابة بهذه السعادة من أجل أي شيء في الدنيا مهما كان كبيراً في أعين الناس.

والخلاصة: مفاهيم الصحابة عن الأخوة، وهكذا تعاملوا مع هذه المسألة الهامة في بناء الأمة الإسلامية، ففهموا أن الأخوة طريق للجنة، وأن الأخوة مسئولية لكل مؤمن مهما بعد أو قرب، عرفوه أم لم يعرفوه، وأن الأخوة تورث السعادة في الدنيا وفي الآخرة.

وأختم حديثي بالحديث القدسي الذي رواه الإمام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:(حقت -وفي رواية: وجبت- محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتباذلين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتجالسين في).

أسال الله عز وجل حبه وحب من أحبه وحب عمل يقربنا إلى حبه، {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].

وجزاكم الله خيراً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 17