الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنجد أن الله سبحانه قد قدم إبراهيم عليه السلام في القرآن، وفي أكثر من موضع كنموذج صحيح لما ينبغي أن يكون عليه المؤمن، لذلك فقد عرضه القرآن بطريقة ترغب القارئ وتحفزه على الاقتداء به {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ - وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ - ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120 - 123].
أما قارون، فكان نموذجًا فاسدًا لعبد آبق اغتر بماله وتوهم أن له مكانة أعلى من سائر البشر، وكذلك فرعون الذي طغى وتكبر، وقوم عاد وثمود وغيرهم من نماذج الظالمين المتكبرين، هذه النماذج أفاض القرآن في ذكرها، والمآل الذي صار إليه أصحابها ترهيبًا وتخويفًا لنا كي نجتنب ما فعلوه:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ} [يوسف: 111].
الرسائل الإلهية
هذا في الماضي، أما في الحاضر فيظهر أسلوب الترغيب والترهيب من خلال الرسائل الإلهية التي يُرسلها الله لعباده متشابكة مع أحداث حياتهم، فالبرق رسالة ترغيب وطمع في رحمة الله لما يبشر به من نزول المطر، وهو كذلك ترهيب لمن يراه حين يضيء السماء، ويشق السحب {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الروم: 24].
والزلازل والبراكين والأعاصير، وكسوف الشمس، وخسوف القمر .. كل هذه رسائل تخويف، يخوف الله بها عباده، لعلهم يقدروه حق قدره فيعبدوه حق عبادته فيدخلوا الجنة:{وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَاّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
المستقبل والترغيب والترهيب
وأما ما يخص المستقبل فنرى القرآن والسنة قد امتلآ بالآيات والأحاديث التي تحدثنا عن اليوم الآخر والجنة والنار - كما أسلفنا - بأسلوب مثير، يستجيش عواطف الرغبة والرهبة، تأمل معي - على سبيل المثال - هذه الآية وما تحمله من خطاب يستثير العاطفة:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15].
الترغيب والترهيب في أفعال العباد:
ومع شمول أسلوب الترغيب لجميع الناس وامتداده عبر الزمان كله، فإنه كذلك يتناول الكثير من أفعال العباد، فيرغب في الإتيان بالأعمال الصالحة، ويُرهَّب من الإتيان بأعمال الفسق والفجور والعصيان.
فعلى سبيل المثال:
الترغيب في الإنفاق في سبيل الله:
الله عز وجل أعطى للإنسان حرية الاختيار واتخاذ القرار، فهو لا يجبره على فعل شيء لا يريده، ومع ذلك فهو سبحانه يريد للبشر جميعًا دخول جنته، لذلك نجده سبحانه في خطابه إلينا يرغبنا في كل ما يقربنا من جنته، ويبعدنا من ناره
…
يستثير رغبتنا لاتخاذ القرار بفعل الخيرات وترك المنكرات.
ولأنه سبحانه قد أسكننا الأرض ويعلم أن من أشد ما يحول بيننا وبين دخول الجنة: التعلق بزينة الحياة الدنيا، وأن أهم رمز للدنيا هو المال، لذلك فقد أخبرنا بأن من أهم العقبات التي تقف في طريق الجنة هي التعلق بالمال:{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ - فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 11 - 13].
والتغلب على هذه العقبة إنما يكون بدوام الإنفاق.
فالإنفاق إذًا طريق سهل لدخول الجنة، ولكن النفس لا تحب الإنفاق {وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128].
من هنا نجد تنوع أساليب الحث عليه، وإنشاء الرغبة فيه، كل ذلك ليتغلب المرء على شح نفسه وخوفها من الفقر، ومن ثم اجتيازها للعقبة، ومن هذه الأساليب: التذكير بأهميتها وأنها من أبواب الجهاد في سبيل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ - تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10، 11].
ومنها: التذكير بأن الإنفاق يرضي الله عز وجل ويقرب صاحبه منه سبحانه: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 38].
ومنها: التذكير بفضل العمل وثماره المتوقعة: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَّشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
وأن من هذه الثمار ما يجدها صاحبها في الدنيا: {وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39].
والتذكير بأن المستفيد الأول من الإنفاق هو المنفق: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
والترهيب من تركها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَاّ بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254].
ويطمئننا بأن الذي يأخذها هو الله، ومن ثمَّ فلن تضيع على صاحبها:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104].
هذه المعاني العظيمة وغيرها كثيرًا ما نجدها تتكرر في القرآن بأساليب مختلفة.
وهكذا يصبح استخدام أسلوب الترغيب والترهيب من أعظم مظاهر حب الله لعباده.
كلمة أخيرة عن مظاهر حب الله لنا
عشنا سويًا في ظلال شجرة المحبة، ورأينا بعضًا من مظاهر الحب الإلهي لنا جميعًا ليبقى سؤال أوجهه إلى نفسي وإليك أخي القارئ وهو:
أما آن لي ولك أن نبدأ مع الله عز وجل صفحة جديدة من الحب الصادق الذي يثمر طاعة له، وأنسًا به وشوقًا إلى لقائه؟!
ألا يستحق هذه الإله الودود الكريم أن نعامله معاملة تليق بجلاله وتتناسب مع ما يعاملنا به؟!
فلنبدأ إذن من الآن، وقبل أن تذهب تلك الحالة الشعورية التي صاحبتنا ونحن نتعرف على مظاهر حب الله لنا.
لنبدأ بدعائه سبحانه دعاء فيه إلحاح وتضرع ونسأله فيه أن يرزقنا حبه، وأن يهيمن هذا الحب على مشاعرنا حتى يصير حبه سبحانه الأحب إلينا من كل شيء، وندعو كذلك بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام:«اللهم إني أسالك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك، الله ما رزقتني ما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغًا فيما تحب، اللهم اجعل حبك أحب إلى من أهلي ومالي، ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم أحيي قلبي بحبك واجعلني لك كما تحب، اللهم اجعلني أحبك بقلبي كله، وأرضيك بجسدي كله، اللهم اجعل حبي كله لك، وسعيي كل في مرضاتك» (1).
ولننتقل الآن إلى الوسائل العملية التي تمكن لحب الله في قلوبنا
(1) رواه الترمذي.