الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتصاف الموظف بالعفَّة والسلامة من أخذ الرشوة والهدية
يجب على كلِّ موظف أن يكون عفيفاً عزيزَ النفس غنيَّ القلب بعيداً عن أكل أموال الناس بالباطل، مِمَّا يُقدَّم له من رشوة ولو سمي هدية؛ لأنَّه إذا أخذ أموال الناس بغير حقٍّ أكلها بالباطل، وأكل الأموال بالباطل من أسباب عدم قبول الدعاء، فقد روى مسلم في صحيحه (1015) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيُّها الناس! إنَّ الله طيبٌ لا يقبل إلَاّ طيباً، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسَلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} ، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ، ثم ذكَرَ الرجلَ يُطيل السفر أشعث أغبر، يَمدُّ يديه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! "
ومطعمُه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟! "
ومن أوضح التنفير من أكل المال بالباطل ما رواه البخاري في صحيحه (7152) عن جندب بن عبد الله قال: "إنَّ أوَّل ما ينتن من الإنسان بطنه، فمَن استطاع أن لا يأكل إلَاّ طيباً فليفعل، ومن استطاع أن لا يُحال بينه وبين الجنة بملء كف من دم هراقه فليفعل"، وما رواه أيضاً (2083) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"ليأتيَنَّ على الناس زمان لا يُبالي المرء بما أخذ المال، أمِنْ حلال أم من حرام"، وعند هؤلاء الآخذين غير المبالين أنَّ الحلال ما حلَّ في اليد، والحرام ما لم يصل إليها، وأما الحلال في الإسلام، فهو ما أحلَّه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والحرام ما حرَّمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث تدلُّ
على منع العمَّال والموظفين من أخذ شيء من المال ولو سُمِّي هدية، منها حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال:"استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأسد، يُقال له: ابن اللتبيَّة على الصدقة، فلمَّا قدم قال: هذا لكم، وهذا لي أُهدي لي، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم، وهذا أُهدِيَ لي؟! أفلَا قعدَ في بيت أبيه أو في بيت أمِّه حتى ينظرَ أيُهدَى إليه أم لا؟! والذي نفسُ محمد بيده! لا ينال أحدٌ منكم منها شيئاً إلَاّ جاء به يوم القيامة يحمله على عُنُقه، بعير له رُغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعَر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتَي إبطيه، ثم قال: اللَّهمَّ هل بلَّغت؟ مرَّتين" رواه البخاري (7174) ومسلم (1832) ، وهذا لفظه، وفي صحيح البخاري (3073) ومسلم (1831)
ـ واللفظ له ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فذكر الغلولَ فعظَّمه وعظَّم أمرَه، ثم قال: لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله! أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ له حَمحمة، فيقول: يا رسول الله! أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله! أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله! أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله! أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك،
لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله! أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك"
والرقاع في الحديث الثياب، والصامت الذهب والفضة.
ومنها حديث أبي حميد الساعدي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هدايا العمال غلول" رواه أحمد (23601) وغيره، وانظر تخريجه في إرواء الغليل للألباني (2622) ، وهو بمعنى حديثه المتقدّم في قصة ابن اللتبية.
ومنها حديث عدي بن عميرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من استعملناه منكم على عمل فكَتَمَنا مخيطاً فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة" الحديث، أخرجه مسلم (1833) .
ومنها حديث بريدة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن
استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" رواه أبو داود (2943) بإسناد صحيح، وصححه الألباني.
وفي ترجمة عياض بن غنم رضي الله عنه من كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي (1/277) وكان أميراً لعمر رضي الله عنه على حمص أنَّه قال لبعض أقربائه في قصة طويلة:"فوالله! لأن أُشقَّ بالمنشار أحبُّ إليَّ من أن أخون فلساً أو أتعدَّى! "
وأسأل الله عز وجل أن يوفِّق كلَّ موظف وعامل من المسلمين إلى أداء عمله على الوجه الذي يُرضي الله تبارك وتعالى، ويعود عليه بالثواب والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه.