المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(آيات أنزلها الله ثناء على الصحابة) - كيفية المناظرة مع الشيعة والرد عليهم

[أحمد بن زيني دحلان]

الفصل: ‌(آيات أنزلها الله ثناء على الصحابة)

تعالى. وكذلك الذين يخالفون المذاهب الأربعة ويدعون الاجتهاد كانوا يخافون منه غاية الخوف. وكذلك طائفة الوهابية. فكان رحمه الله تعالى حجة على جميع المخالفين.

(لا بد من أصل يرجع إليه عند الاختلاف)

فكان رحمه الله تعالى يقول في كيفية مناظرة المخالفين لأهل السنة وإلزامهم الحجج العقلية والنقلية: لا يخفى على كل متناظرين في فن من الفنون أنه لا بد لهما من أصل يرجعان إليه عند الاختلاف يكون متفقا عليه عندهما. فإذا كانت المناظرة مثل بين حنفي وشافعي في مسئلة فقهية فإنهما يرجعان إلى الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، فمن أقام دليله منهما بواحد من هذه وعجز الآخر كانت الغلبة له أعني من أقام الدليل. وأما إذا لم يكن لهما أصل يرجعان إليه عند الاختلاف يكون متفقا عليه عندهما بأن كان كل منهما يرجع إلى أصل لا يقول به الآخر فلا تمكن المناظرة بينهما. فإذا كانت المناظرة بين سني وغيره من المبتدعة من أي طائفة كانت فلا بد أن يتفقا قبل المناظرة على أصل يرجعان إليه عند الاختلاف. فإن كان المبتدع لا يقول بالعمل بكتب أهل السنة ولا بقول الأئمة الأربعة وغيرهم من المحدثين وغيرهم من أهل السنة فلا بد من أن السني يجتهد باللطف وحسن السياسة حتى يلزمه أولا بالإلزامات العقلية التي تلجئه إلى الإقرار والاعتراف بأصل يكون مرجعا عند الاختلاف كالقرآن العزيز. كأن يقول: هل تؤمن بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله المترل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلواته المتحدى بأقصر سورة منه؟ فإن أنكر ذلك أو شك فيه كفر؛ فلا يحتاج إلى المناظرة معه بل تجرى عليه أحكام الكافرين. وكذا إن أعتقد أن في القرآن تغييرا وتبديلا لأنه مكذب لقول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1)

(آيات أنزلها الله ثناء على الصحابة)

وإذا أقر واعترف وقال:

(1) الحجر: 9

ص: 31

أؤمن بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله تعالى المترل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلواته المتحدى بأقصر سورة منه؛ يتلو عليه أو يكتب له في ورقة بعض الآيات التي أنزلها الله تعالى ثناءً على الصحابة رضي الله عنهم كقوله تعالى في سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (1) وقوله تعالى في سورة التوبة: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2) وكقوله تعالى في سورة التوبة أيضا: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3) وكقوله تعالى في سورة الفتح: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (4) وكقوله تعالى في سورة الفتح أيضا: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (5) وكقوله تعالى في سورة الحديد: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (6) مع قوله تعالى في سورة الأنبياء: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (7) ويتلو عليه أيضا قوله تعالى في سورة الحشر: {لِلْفُقَرَاءِ

(1) الأنفال 64

(2)

التوبة 88 - 89

(3)

التوبة 100

(4)

الفتح 18

(5)

الفتح 29

(6)

الحديد 10

(7)

الأنبياء 101

ص: 32

الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (1)

ثم بعد تلاوة هذه الآيات أو كتابتها في صحيفة يقول له السني: هذه الآيات من القرآن العزيز أنزلها الله تعالى مثنيا بها على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وشاهدا لهم بأنهم صادقون ومخبرا بأن لهم الجنة، وقد أقررت بأنها آيات الله فيلزمك ترك الطعن عليهم والقدح فيهم لأنك إن فعلت ذلك كنت مكذبا بما تضمنته هذه الآيات وتكذيب آيات الله كفر فما تقوله في ذلك؟ فإن قال إن هذه الآيات لا تشملهم؛ قلنا يدفع ذلك قوله تعالى:{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وعلى فرض إرخاء العنان وتسليم أنها لا تشملهم، يُسئل عمن نزلت فيهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله فدعا الناس إلى الله تعالى ومكث فيهم ثلاثا وعشرين سنة يترل عليه القرآن ويتلوه عليهم ويعلمهم الأحكام والشرائع فآمن به خلق كثير. ولما توفاه الله تعالى كان عددهم نحو مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا وأنزل فيهم هذه الآيات، فيها مدحهم والثناء عليهم، وشهد لهم بأنهم صادقون وأن لهم الجنة. وكذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تشهد لهم بمثل ذلك بعض تلك الأحاديث عامة وبعضها خاصة بناس مذكورين فيها أسماؤهم. فهل هذه الآيات عامة لهم جميعا أو خاصة ببعضهم؟ فإن قلت إنها خاصة ببعضهم فمن ذلك البعض هل هو معلوم أو مجهول وهل هو كثير أو قليل وهل منهم الخلفاء الأربعة وبقية العشرة والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار كأهل بدر وأحد وبيعة الرضوان أم لا؟ فإن قال إنها عامة للجميع وجب عليه أن يعتقد نزاهتهم عما يعتقده فيهم ويؤول كلما وقع بينهم من الاختلاف ويحمله على الاجتهاد وطلب الحق وأن

(1) الحشر 8

ص: 33

المصيب منهم له أجران والمخطئ له أجر واحد، كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يعتقد أنهم لا يجتمعون على ضلال كما ثبت ذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم. فإن لم يفعل ذلك كله كان مكذبا بالآيات والأحاديث التي جاءت في الثناء عليهم والشهادة لهم بالصدق والإخبار بأن لهم الجنة.

وإن قال إن تلك الآيات والأحاديث في بعض منهم والسابقون فسقة أو مرتدون. يسئل عن هذا البعض الذين نزلت فيهم تلك الآيات هل هم معروفون معينون بأسمائهم وألقابهم أم لا، وهل هم كثيرون أم قليلون، وهل منهم الخلفاء الأربعة وبقية العشرة وأهل بدر وأحد وبيعة الرضوان أم لا. فإن قال إنهم كثيرون وإن هؤلاء المذكورين داخلون فيهم لزمه أيضا أن يعتقد نزاهتهم إلى آخر ما تقدم وإلا كان مكذبا بالآيات والأحاديث التي جاءت في الثناء عليهم. وإن قال إنهم قليلون خمسة أو ستة كما اشتهر عند الرافضة؛ يسئل فيقال له ما فعل الباقون؟ فإن قال إنهم ارتدوا أو فسقوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقل له إن الله تعالى قال في حق هذه الأمة:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (1) فكيف يقول عاقل بأنهم خير أمة أخرجت للناس وقد مكث فيهم نبيهم ثلاثا وعشرين سنة يتلو عليهم القرآن ويعلمهم الأحكام. ثم يرتدون بعد وفاته وهم نحو مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا ولم يبق منهم على الإسلام إلا خمسة أو ستة؛ فإن ذلك يقتضي أنهم أخبث أمة أخرجت للناس لا أنهم خير أمة أخرجت للناس. وقد أثنى الله عليهم في كتابه وكذا نبيه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عموما وخصوصا وسمى كثيرا منهم بأسمائهم وحذر الأمة من سبهم وتنقيصهم وبغضهم، فيكون ذلك كله كذبا منه صلى الله عليه وسلم وحاشاه من ذلك فإنه معصوم من

(1) آل عمران: 110

ص: 34