المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تصدير تقوم دار الفكر في دمشق بنشر (لبيك) باللغة العربية وقد - لبيك حج الفقراء

[مالك بن نبي]

الفصل: ‌ ‌تصدير تقوم دار الفكر في دمشق بنشر (لبيك) باللغة العربية وقد

‌تصدير

تقوم دار الفكر في دمشق بنشر (لبيك) باللغة العربية وقد كتبها فيلسوفنا مالك بن نبي عام 1947؛ أي بعد عام واحد من إصدار كتاب (الظاهرة القرآنية) عام 1946 باللغة الفرنسية.

لقد بادر صديقنا الدكتور زيدان خوليف إلى ترجمة القصة إلى العربية، وهو من الشباب الجزائري الذي اهتم بفكر فيلسوفنا، وقدم أطروحته بالفرنسية عام 2006 تحت عنوان حياة وأعمال مالك بن نبي من عام 1905 - 1973)، وذلك بإشراف البروفسور برهان غليون في جامعة السوربون الجديدة باريس 3. وقد زارني في طرابلس الشام وتعرفت عليه عام 2002 لغرض في إتمام بحثه ودراسته، فأطلعته كما أفعل مع كل باحث على ما توفر لي من خلال صحبتي لمالك بن نبي في

ص: 9

القاهرة منذ عام 1956 حين التقينا به طلابا فأسس لنا سبلا جديدة في الرؤية والتفكير حول مشكلات الحضارة ومستقبل العالم الإسلامي.

لقد تميز الدكتور (زيدان) بالبحث الجاد عن المصادر في كل ما يتصل بموضوعه حول حياة بن نبي وفكره. وإذ تفضل فنوه بمساعدتي له في مفتتح أطروحته؛ فإنني أنوه بالمقابل بما تفضل به، وقد زودني لأول مرة بقصة (لبيك) حين فتش عنها في المكتبات القديمة فوجدها لأول إصدار لها باللغة الفرنسية عام 1947؛ وكنت أسمع بقصة (لبيك) ولم يكن بن نبي يحدثنا عنها ونحن من حوله طلابا سوى إشارة عابرة حول موضوعها.

وقد ارتسم خيالنا حول تلك القصة منذ أن أشار إليها بن نبي في جملة تعداد مؤلفاته، وقد قيل لنا تواردا بأنها إحدى إبداعات بن نبي في الأدب الفرنسي.

فقصة (لبيك) رسمت عمق الروح الجزائرية وشخصيتها المنتمية إلى تراث الثقافة والحضارة الإسلامية المنشدة إلى منازل الوحي.

ص: 10

فمكة والكعبة مثلتا في فكر بن نبي أنشودته وروحه والمنطلق في مشروعه والمعاد إليها في بناء جديد لحضارة الإسلام وهي تبعث من جديد.

فقصة (لبيك) في أعقاب (الظاهرة القرآنية) كانت في زمن مبكر من تأمل بن نبي ترسم الطريق والاتجاه بعصر جديد يكتبه الجيل القادم بعد أن تستسلم الحضارة المادية الغربية لمصيرها في مسيرة القرن كما توقع بن نبي في دراساته أنه مسرى حج الفقراء تلبية للنداء الإلهي (لبيك اللهم لبيك) في عفوية روحهم وأصالتها؛ في شخصية الجزائر التي غلفتها ظلل من ليل الاستعمار المظلم لكنها بقيت تستبطن البواعث في قيم الرسالة مع الظاهرة القرآنية التي كانت - كما يقول بن نبي في شهادته - أول إنجاز علمي وأدبي مقاوم للاستعمار ومؤسس لمفهوم البداية في أفق النهاية.

لذا بدت (لبيك) هي المعين الثابت الذي يستجيب لنداء الغد في بناء نهضة إنسانية تعم العالم كله.

فكتاب (الظاهرة القرآنية) هو المنطلق في البحث العلمي المفضي إلى الثقة بالمصدر العلوي المطلق

ص: 11

للقرآن الكريم، الهادي لنور الاستقامة في شخصية المجتمع كما في بناء عالم جديد بعد انهيار عصرنا الحاضر، وهنا تأتي قصة (لبيك) خطابا جديدا لرؤية المسلم في مساحة الإنسانية.

خطابا لا ينغمر في تناقضات حاضر العالم بعد الحرب العالمية الثانية كما لا يستريح متكلا على بهاء الماضي.

فقد تورط جيلنا بمعطيات الحضارة الغربية الأوربية وتداعياتها؛ لذا على الجيل الذي سيأتي أن يستعيد مسيرته سندا لرسالة القرآن الكريم وبلاغها في صبح عالم جديد يتأهب للخروج من مأزق العصر بدفع من روحه نحو خلاص البشرية.

فالجيل القادم عليه أن يعرف منذ بداية خطواته الأولى إلى أي هدف بعيد قد انطلق؛ لأن عصرنا الحاضر لم يعد عصر المجتمعات التي تعيش بانتظار أن يأتيها رغدها من الحياة في مصادفة من الزمن كيما تتلمس وجهتها التاريخية، كما يقول بن نبي في مقدمة الطبعة الجديدة لوجهة العالم الإسلامي بالفرنسي عام 1970.

ص: 12

ويرى بن نبي أن المسلم في عمق روحه وانعكاسه الاجتماعي والنفسي في نمونج إبراهيم و (زهرة) في قصة (لبيك) وكذلك الإطار الذي رافق حركة الحجيج في مرفأ عنابة (بونة سابقا)، هذا العمق يسستطبن روحا متحضرة في شبكة علاقات إنسانية، وهو في عمقه هذا نموذج تحضير في أفق الحضارة الإنسانية.

من هنا فالظاهرة القرآنية مثلت في فكر بن نبي الهدف البعيد منذ البداية؛ لذا جاءت قصة (لبيك) هي نداء البداية والنهاية معا، وقد استخلصها بن نبي من روح عفوية الشعب الجزائري والفقراء؛ إذ يرى فيهم المنهل الصافي لماء الحياة الحضارية الإنسانية، لذا فـ (لبيك) نموذج الفطرة في (أفلو) في الجزائر، وصفاء شبكة العلاقات الإنسانية في عفويتها، كما قصها لنا في شهادته وكما هي نموذج روح حجاج إفريقية حين تقودهم لبيك رجالا مشاة إلى مكة في هجير الصحراء في اشتياق واحد مع دمع سكان المدن إلى حج العام القادم وهم يستقبلون قوافل الحجاج من أطراف الجزائر في طريقهم إلى مرفأ مدينة عنابة (بونة سابقا) لتمخر بهم الباخرة عباب

ص: 13

الأمل والرجاء في تلبية النداء، أو لتعود بهم إلى وطنهم في فرح الغفران.

لقد مرت هذه العصور جميعها في آدب بن نبي حين منحها روحه ودمعه في المرحلة الأولى من كتابه (شاهد على القرن)، أو فيما قص وروى له سليل الأمير عبد القادر في مقاله وقد نشرناه مترجما إلى العربية تحت عنوان (أخوة في الإسلام) في مجموعة مقالات بني (من أجل التغيير).

فالظاهرة القرآنية هي مطالع الأفق، و (لبيك) هي زاد المسار، وتبقى شروط النهضة خطة البناء التربوي إلى مرتقى المسيرة في وحدة الثقافة والاتجاه، بعد أن تصفي سلبية (القابلية للاستعمار) لترسم من جديد (وجهة العالم الإسلامي) في تضامن (الفكرة الآسيوية والإفريقية) التي هي المدى الذي يجد فيه العالم الإسلامي حضوره في العالم كله وهو يرث هزيم الحضارة الاستعمارية الغربية، وقد أوشكت بها النهاية، وتبقى سلسلة مشكلات الحضارة في كل ما أنتج بن نبي في مسار حياته في مصر وسورية وجزائر الاستقلال مجرد معالم إرشاد في طريق (لييك).

ص: 14

وإذ تظهر ترجمة (لبيك) إلى العربية بمبادرة من المترجم، فقد طلب إلي وضع كلمة في مناسبة صدورها باللغة العربية، وأجبته إلى طلبه لأنها تمنح قراء العربية مزيد تعريف بمسار فكر بن نبي، ومزيد تشجيع لإنتاج تلاميذ بن نبي حول مضامين فكره وأبعادها، مع الشكر الجزيل للمترجم.

رحم الله بن نبي وأجزل ثوابه.

عمر مسقاوي طرابلس في 10/ 4/ 2009

ص: 15