الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواقع أن السؤال الواحد تفرعت عنه أسئلة، ولكنها نشأت عنه وارتبطت به كارتباط الفروع بالشجرة. ونجد المفكرين ورجال الإصلاح يجيبون على هذه الأسئلة إجابات كافية شافية، فهم يرون أن المرمَى من إعداد الشباب أن يكون هو في ذاته صالحا، لأن الفاسد لا يصلح غيره. ثم يقوم بمهمة التغيير والتحويل والتبديل
…
نعدُّه ليكون ثورة الحق على الباطل، وحملة الإيمان على الإلحاد، وكتيبة الصدام في وجه الأعداء
…
نعدُّه ليصون دينه وطنه من خطر المذاهب الهدامة والأفكار الملحدة المنحلة.. نعدُّه ليكافح بحزم لا هوادة فيه البدع والخرافات وأنواع الضلالات.. نعدُّه ليخرج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، نعدُّه ليمسح بيده الحانية القوية آلام أمته وآلام الإنسانية، ويوفر للحياة جوا من الطهر والأمن والسعادة. نعدُّه ليمزق بسيف الحق جيوش الباطل، ويبدد بنور العلم ظلام الجهل.. نعدُّه ليقود أمته بقوة العزيمة وشدة الشكيمة إلى حيث يضعها في مكانها اللائق بها تحت الشمس.. نعدُّ في الشباب سواعده لتحمل راية الإسلام ودعوته، نعدُّ عقوله لتحمل فكر الإسلام وثقافته.. نعدُّ أرواحه لتحمل هدي الأسلم وصفاءه وشفافيته.
وإن الشباب لقادرون على كل ذلك -إن شاء الله تعالى- إذا وجدوا العناية الفائقة، والتوجيه السديد، والمتابعة الدقيقة التي تراقب خطوهم، وتزيل العقبات من دروبهم. ونحن نرى كيف أن المذاهب المختلفة تتلقف الشباب، وتحتضنهم بالجماعات، وتعدُّهم إعدادا، ليقوموا بمهمة الدعوة إليها والذود عنها، وهي في سبيل ذلك ترسم الخطط المحكمة، وتجند الطاقات الهائلة، وتنفق الأموال الطائلة، لتضمن بقاءها على أيد قوية، وعزائم ماضية فتية. وعلى الشباب أن يدركوا هذه الحقيقة، ويعوا تلك الغاية البعيدة المدى، وتكون همهم الملازم ينامون به، ويقومون به ويمشون به بين الناس، عاقدين عليه قلوبهم، حانين فوقه ضلوعهم:
قد رشحوك لأمر لو فطنتَ له
…
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
الشباب عنوان الأمة:
إذا أردت أن تعرف ماهية الأمة وحقيقة أمرها، فلا تسأل عن ذهبها ونشبها وبترولها ورصيدها المالي، ولكن انظر إلى شبابها، فإن رأيته شبابا متدينا متمسكا بقيمه الأصيلة منشغلا بمعالي الأمور، قابضا بأذيال الكمال وأهداب الفضائل -فاعلم أنها أمة جليلة الشأن، رفيعةُ القدر والجاه، قوية البناء، مرفوعة العلم لا ينال منها عدو، ولا يطمع فيها قوى.
وإذا رأيت شباب الأمة هابط الخلق والقيم، منشغلا بسفاسف الأمور، يتساقط على الرذائل كما يتساقط الذباب على جيف الفلاة -فاعلم أنها أمة ضعيفة البناء مفككة الأوصال هشة الإرادة، سرعان ما تنهار أمام عدوها، فيستلب خيراتها، ويحقر مقدساتها، ويهين كرامتها، ويشوه تاريخها وثقافتها.
وتلك حقيقة جلية لا يزيدها تعاقب الزمن إلا رسوخا ووضوحا، لأنها جاءت نتيجة لتجارب الأمم وحوادث التاريخ وسنن الكون.. إن الشباب هو عنوان الأمة والمتحدث بلسان حالها، والمترجم عن مصيرها ومآلها -تستطيع الأمة بشبابها -بعون الله- حماية دينها وأرضها واستخراج كنوزها، وتطويع مواردها، واستغلال خيراتها.. إلا أن ذلك مرهون بتربيته، والعناية به وصيانته من كل خطر يهدد خلقه وعقيدته.. ذلك مرهون بتمكن الإيمان في قلبه وبين جنبيه.. ذلك مرهون بتنمية روحه وضميره وعزمه وفكره تلك هي التنمية المطلوبة، والتي ينبغي أن نهتم بها أكثر من غيرها كتنمية الموارد الطبيعية، لأن الأخيرة هذه إنما تدار من أجل الإنسان فهو إذن قطب الرحى، فالاعتناء به ينبغي أن يكون في مقدمة ما نعتني به، وفرق بين تنمية تدفع إليها الحاجة، وتنمية يسار إليها مع الحاجة.
لعلنا على اتفاق أن حاجتنا الملحة هي تنمية شبابنا ليكون عنوان الأمة والناطق بلسانها والذائد عن حياضها. إذا وجدت غريقا جائعا يستغيث من الغرق والجوع فإن منطق العقل والحكمة والحاجة يقتضي أن تنقذه أولا ثم تذهب فتبحث له عن طعام، وإن أنت تصرفت على غير هذا النحو تكون قد جافيت الصواب، وأخطأت التصرف.
ماذا نقول عنك لو أنك تركته لأمواج البحر تبتلعه، وذهبت تبحث له عن طعام؟
وإنها لتنمية تعلو في درج المشقة، درجات، وتمضى في مشوار الصعوبة أشواطا، وتتقدم على التنمية المادية بمسافة شاسعة، إذ ليس بناء النفس كتشييد العمارات، ولا تعمير الأرواح كتأسيس المصارف، الأمر إذًا يحتاج منا إلى منهج رشيد وجهد مكثف يقرب البعيد، ويسهل الصعب ويجعل القول عملا والخيال واقعا.
ونحن لا نقلل من أهمية التنمية المادية المتمثلة في النهوض بالناحية الاقتصادية والزراعية وغيرهما، ولكن الذي نعيبه هو الانشغال بها عن التنمية الروحية والتربية الدينية.. فهلا سارت التنميتان معا كركبتي بعير، أو كفرسي رهان، إن لم تتقدم الثانية على الأولى.