المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إليها والمناداة عليها باعتبار أن كل ما يأتي من الغرب - التربية الإسلامية للشباب

[عبد الرحمن بله علي]

الفصل: إليها والمناداة عليها باعتبار أن كل ما يأتي من الغرب

إليها والمناداة عليها باعتبار أن كل ما يأتي من الغرب حق كله والأخذ به تقدمية، والانصراف عنه تأخر ورجعية.

وإحقاقا للحق واعترافا به أن ما يأتي من الغرب ليس شرا كله، بل هناك جوانب مشرقة وخيرية، فيجب علينا أن نقف ونتبين ونميز، ولا نكون أمامها (كحاطب ليل) ، فما وافق ديننا وأخلاقنا أخذناه (خذ الحكمة من أي وعاء خرجت) وما خالف ديننا نبذناه نبذ النواة. ولكن شبابنا -هداهم الله- قلدوا أهل الغرب في الجوانب المظلمة وتركوا المشرقة فمثلهم -كما قال الشيخ محمد الغزالي حفظه الله- مثل رجل مسلول- مصاب بذات الرئة - رأى عملاقا- فارع الطول مفتول العضل ولكنه يشرب الدخان- فلم تعجبه هذه العملقة بقدر ما أعجبه شرب الدخان فقلده فيه ليجلب على نفسه الضعف والهلاك. ولعل التربية الإسلامية كفيلة بتبصير شبابنا بمساوئ الحضارة الغربية حتى لا يغتروا بزخارفها الخادعة، وأشكالها الفارغة من المحتوى والكيان، وفي الوقت نفسه تحضهم على التمسك بأخلاقنا الإسلامية العظيمة وعاداتنا الوطنية الأصيلة محافظة على تراثنا واعتزازا به، وإن في تمسكهم به غنى لهم عن غيره، وتحصينا لهم من ضرره، وعاصما لهم من الانحراف الفكري والانحطاط الخلقي. كما تبين لهم الأثر الكبير- للحضارة الإسلامية في تقدم أوربا، وأن نهضة الغرب الحالية إنما كانت بدفع قوى من يدي الإسلام، وأنه لولا جهود المسلمين لتأخرت نهضة أوربا بضعة قرون، وأن مؤلفات ابن سينا وغيره من علماء المسلمين كانت تدرس في جامعات أوربا حتى القرن الثامن عشر الميلادي.

وأن العلماء المسلمين كانوا أساتذة أوربا في جميع فروع المعرفة، وأن الغربيين مدينون لهم في الحقل العلمي. وقد اعترف علماء أوربا بهذا الفضل للمسلمين- والفضل ما شهدت به الأعداء.

والواقع أننا لسنا في حاجة لشهادتهم لنا، ولكن نذكرها لما رأينا قومنا يجهلون ما علمه غيرهم وينكرون ما اعترف به سواهم، ليقبلوا عليه وينشغلوا به، ويضيفوا إليه كل ما يعلى أسواره ويغيظ غرامه وحساده.

ص: 197

‌واجب الآباء:

الأبناء نعمة وشكرها يكون بحسن الرعاية لها، وكمال الإشراف عليها من جانب الأب والأم؛ ليتم التعاون بين المدرسة والبيت على التربية القويمة والتوجيه السليم والمتابعة الدقيقة.

ص: 197

وتطلعا للنتائج العظيمة وتفاديا للعواقب الوخيمة، أذكر بعض التوجيهات راجيا النظر فيها والعمل بها:

1ـ الاهتمام بالتربية الإيمانية، وذلك بتعميق الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر في نفس الابن وغرس العقيدة السليمة، في أعماقه لتكون مصدرا للسلوك الشريف والمعاملة الصادقة، فالعقيدة هي سفينة النجاة وصمام الأمان، وقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وكان يركب خلفه على دابة فقال له: "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك

" الحديث. ومما يقوي العقيدة ويعمق جذورها الصلاة على وقتها وفي جماعة، وتلاوة القرآن، وذكر الله تعالى، وقراءة السيرة النبوية وسير الصحابة الأجلاء والسلف الصالح. ولابد من متابعته حتى لا ينحرف بها عن الجادة أو يخلطها بشيء من البدع والخرافات.

2ـ تقديم النصيحة الخالصة، والمعرفة الصحيحة على حسب نموه العقلي، لتقع موقعها من الحاجة فتثمر ثمارها، وتحدث أثارها، تنمية ملكات واتساع مدارك واستقامة سلوك. ولا يكفي أن نلقي إليه بذلك وكفى، ولكن لابد من المتابعة والوقوف على أثر هذه الجرعات في تكوينه الفكري وسلوكه الفعلي.. وهكذا نراقبه مراقبة الطبيب مريضه حتى تذهب العلة، وتحل العافية، أو مراقبة الزارع حرثه حتى يستغلظ ويستوي على سوقه ويدلي بثماره.

3ـ التأكد من صلاح الصحبة التي يلتقي بها، ويخرج معها؛ لأن الشاب سريع التأثر بأصحابه شديد الرغبة في أن ينسجم معهم ولا يشذَّ عنهم، فإن كانوا أخيارا انسجم مع أخيار، وتَطبَّع بطباعهم وتخلق بأخلاقهم، وإن كانوا أشرارا فالأمر واضح، والنتيجة أوضح ومن الحكم النبوية البالغة قوله صلى الله عليه وسلم: عن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة " متفق عليه، أما أن يترك للشاب الحبل على الغارب يخرج متى شاء، ومع من شاء بلا رقابة من أب أو أم أو ولي فليس هذا من حسن التربية وتقدير المسئولية ورعاية الأمانة.

4ـ تنظيم أوقات الأبناء وبرمجةُ استذكارهم مع إشعارهم بقيمة الوقت وأنه هو الحياة، وأن فواته من غير منفعة أشق من فوات الروح، بهذا يحرصون على أوقاتهم حرص

ص: 198