المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (وعاد وفرعون وإخوان لوط) - لقاء الباب المفتوح - جـ ١٣٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌لقاء الباب المفتوح [132]

- ‌تفسير آيات من سورة (ق)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ونزلنا من السماء ماءً مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد)

- ‌تفسير قوله تعالى: (والنخل باسقات لها طلع نضيد)

- ‌تفسير قوله تعالى: (رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج)

- ‌تفسير قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وعاد وفرعون وإخوان لوط)

- ‌الأسئلة

- ‌الإقسام على الله عز وجل

- ‌وقت صلاة الجمعة

- ‌حكم التعامل مع من اختلطت أمواله بالحلال والحرام

- ‌المجلات الخليعة ضررها وإنكارها

- ‌حكم العمل في مكان يوجد فيه نساء

- ‌حكم الصلاة منفرداً خلف الصف الذي لم يكتمل

- ‌حكم بناء المقابر بالطوب والأسمنت وغيره

- ‌العدل بين الأولاد وحكم تنفيذ الوصية لأحد الأولاد

- ‌تعليق على كتاب مدارج السالكين لابن القيم

- ‌حكم من أسر بالفاتحة في الصلاة الجهرية

- ‌مقدار اللقطة التي تؤخذ وتعرف

- ‌كيف يصلي المغرب من أتى والناس يصلون العشاء

- ‌حكم شراء محلات الشر والفساد وتغييرها إلى محلات نافعة

- ‌حكم تأجير المحلات على المشاغل النسائية

- ‌حكم الأذان قبل دخول الوقت كما في بعض التقاويم

- ‌حكم بيع واقتناء المجلات الإسلامية التي فيها صور

- ‌حكم مقاطعة الجيران والأقارب الذين يمتلكون الدشوش

- ‌حكم الصلاة خلف إمام يلحن

- ‌التقويم يشمل جميع البلدان

- ‌حكم مطالبة الزوجة بسكن منفرد عن سكن الأهل

- ‌حكم طاعة الوالدين في المسائل الخلافية

- ‌وصف الله سبحانه وتعالى بالسكوت

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (وعاد وفرعون وإخوان لوط)

‌تفسير قوله تعالى: (وعاد وفرعون وإخوان لوط)

قال تعالى: {وَعَادٌ} [ق:13] ، كذلك أيضاً عاد أرسل الله إليهم هوداً فكذبوه، فأهلكهم الله عز وجل بالريح، أرسل الله {عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:41-42] .

وكانوا يفتخرون بقوتهم يقولون: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فأراهم الله عز وجل قوته، وأهلكهم بالريح اللطيفة التي لا يُرَى لها جسم ومع ذلك دمرتهم تدميراً.

{وَفِرْعَوْنَ} [ق:13] الذي أرسل الله إليه نبيه موسى عليه السلام، وكان معروفاً بالجبروت والعناد والاستكبار، حتى إنه استخف قومه، وقال لهم: إنه رب، قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] فأطاعوه، فجاءهم موسى عليه الصلاة والسلام بالآيات البينات؛ ولكنهم كذبوا، وأراهم الله تعالى آية، كانوا يفتخرون بما يضاد ما جاء به موسى وهو السحر، فجمعوا لموسى عليه الصلاة والسلام كل السحرة في مصر، واجتمعوا وألقَوا الحبال والعِصِي، وألقوا عليها السحر فصار الناس يشاهدون هذه الحبال والعصي وكأنها حيات وثعابين، ورُهِبَ الناسُ، كما قال تعالى:{وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116] حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة، عندما شاهد أن كل الجو حوله ثعابين تريد أن تلتهم ما تقابله، فأوحى الله تعالى إِلَى مُوسَى {أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} [الأعراف:117] ، فألقى العصا فالتهمت جميع هذه الحيات، وهذا من آيات الله، إذ إن الحية -كما هو معروف- ليست بذاك الكِبَر، لكن تأكل هذا وكأنه يذهب بخاراً إذا أكلت هذه الحبال والعصي، السحرة رأوا أمراً أدهشهم، ولم يملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا.

ومع ذلك إيماناً تاماً، أُلْقِيَ السحرة ساجدين، وتأمل قوله تعالى:{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الأعراف:120] ولم يقل: سجدوا، كأن هذا شيء اضطرهم إلى السجود، كأنهم سجدوا بغير اختيار، لقوة ما رأوا من الآية العظيمة، ومع هذه الآية البينة الواضحة على صدق موسى عليه الصلاة والسلام لم يؤمن فرعون، وقال:{إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [الشعراء:54-55] فهَمَّ بأن يهجم على موسى ومن معه من المؤمنين، فأمر الله موسى أن يخرج من مصر إلى جهة المشرق نحو البحر الأحمر؛ فامتثل أمر الله، خرج من مصر إلى هذه الناحية، فتبعهم فرعون بجنوده على حنق يريد أن يقضي على موسى وقومه، فلما وصلوا إلى البحر قال قوم موسى له:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا} [الشعراء:61-62] أي: لن نُدرَك {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] ، فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه البحر الذي عرضه مسافات طويلة، فضرب البحر فانفلق البحر اثنتي عشرة طريقاً، وصارت قطع الماء كأنها الجبال، وصارت هذه الطرق التي كانت رَيَّاً من الماء وطيناً زلَقاً صارت طريقاً يَبَساً بإذن الله في لحظة، فدخل موسى وقومه عابرين من إفريقيا إلى آسيا، من طريق البحر، فلما تكاملوا داخلين وخارجين إلى الناحية الشرقية دخل فرعون وقومه، فلما تكاملوا في الدخول أمر الله البحر فانطبق عليهم.

فلما أدرك فرعون الغرق أعلن: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90]، وتأمل أنه لم يقل:(آمنت بالله) قال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، لماذا؟ إذلالاً لنفسه؛ حيث كان ينكر على بني إسرائيل، ويهاجمهم، فأصبح عند الموت يقر بأنه تبع لهم، وأنه من أذنابهم، بمعني: أنه يمشي خلفهم، ولكن ماذا قيل له؟:{آلْآنَ} [يونس:91] تؤمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنك من المسلمين، {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] فلم تُقبل توبته؛ لأنه لم يتب إلا حين حضره الموت، والتوبة بعد حضور الموت لا تنفع، كما قال الله تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] ، لا تنفع التوبة إذا حضر الموت، نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بتوبة قبل الموت.

ولكن الله قال: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ لا بروحك، الروح فارقت البدن؛ لكن البدن بقي طافياً على الماء، لماذا؟ بيَّن الله الحكمة:{لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] ؛ لأن بني إسرائيل قد أرعبهم فرعون، فلو لم يتبين لهم أنه غرق بنفسه لكانت أوهامهم تذهب كل مذهب لعله لم يغرق! لعله يخرج علينا من ناحية أخرى! فأقر الله أعين بني إسرائيل بأن شاهدوا جسمه غارقاً في الماء:{لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] .

ص: 7