المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر) - لقاء الباب المفتوح - جـ ١٨٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌لقاء الباب المفتوح [182]

- ‌تفسير آيات من سورة القمر

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (حكمة بالغة فما تغني النذر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر)

- ‌الأسئلة

- ‌بيان المعنى الحق في قوله تعالى: (والتقى الماء على أمر قد قدر)

- ‌حكم المسبوق بركعة إذا سها الإمام وزاد ركعة

- ‌الفوارق بين الرؤيا والحلم

- ‌حكم استخدام العدسات اللاصقة

- ‌حكم المناولة للحاجة في الصلاة

- ‌الضابط في تحديد أسماء الله، وهل (المسعر) من أسماء الله

- ‌حكم الأكل من الزكاة بعد أدائها أو قبولها كهدية وحكم شرائها

- ‌بيان ضعف الحديث القائل بأن (لحم البقر داء)

- ‌حكم من نام عن الصلاة لكي يسهر في الليل وهل له الجمع

- ‌حكم صيد الصقور بالحمام الحي

- ‌حكم تأخير صلاة العصر وصلاة الفجر

- ‌حكم صيد المقدور عليه بالسلاح وغير المقدور عليه

- ‌طرق تثبيت الحفظ والتفسير

- ‌حكم فسخ العقد في حالة عدم الإنجاب أو الشك من أن أهل الرجل قد سحروا زوجته

- ‌حكم الزوجة الثانية إذا رضع رجل من الأولى

- ‌معنى قوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين)

- ‌حكم التثبت في رواية الثقة

- ‌الجمع بين قوله تعالى: (خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث

- ‌حكم الصداق إذا كان ذهباً

- ‌بيان خطأ مقولة: إن الشيطان طويل العمر

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر)

‌تفسير قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر)

ثم بدأ الله عز وجل بقصص الأنبياء على وجه مختصر في هذه السورة، لكنه مؤثر تأثيراً بالغاً، لو قرأتها بتمهل وتدبر لوجدت أنها مؤثرة جداً، كلمات مختصرة لكنها رادعة تماماً:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [القمر:9] ونوح هو أول الرسل، أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض هو نوح بدلالة القرآن والسنة: قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163]، وقال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26] وبهذا نعرف أن ما ذكره بعض المؤرخين: من أن إدريس جد لنوح كذب لا شك فيه، وليس قبل نوح رسول، وحتى في حديث الشفاعة فيه التصريح أنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، ولذلك كان من عقيدتنا: أن أول الرسل نوح وأن آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وهو نبي رسول.

(كذبت قبلهم قوم نوح) ولم يفصل الله عز وجل هذا التكذيب، لكنه أنزل في ذلك سورة تامة وهي سورة نوح، فصل الله فيها تفصيلاً تاماً في تكذيبهم وأخذهم.

{فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [القمر:9] وهو نوح، وصفه الله بالعبودية لأن العبودية أشرف ألقاب البشر، العبودية لله أشرف ألقاب البشر، وهي: التذلل له في الطاعة والإنابة والتوكل وغير ذلك، العبودية من حيث هي ثلاثة أنواع: الأول: عبودية عامة تشمل جميع الخلق وهي: التذلل للأمر الكوني، كقوله تبارك وتعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93](إن كل) يعني: ما كل من في السماوات والأرض إلا ستكون حاله هذه: أنه آتي الرحمن عبداً، وهذه العبودية للأمر الكوني، لأن أمر الله عز وجل كوني لا يمكن لأحد أن يفر منه مهما كانت قوته.

الثاني: العبودية الخاصة بالمؤمنين، مثل قوله تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] هذه عامة لكل مؤمن.

الثالث: العبودية الخاصة بالأنبياء، وهذه مثل قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء:1]{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:1]{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف:1] ومن ذلك هذه الآية: {فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [القمر:9] .

وقد لبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، لكنهم كلما دعاهم إلى الله ليغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا قوله، واستغشوا ثيابهم حتى لا يروه واستكبروا استكباراً، ولا أبلغ من هذا الاستكبار: أن يضع الإنسان يده في أذنيه حتى لا يسمع قول الداعي، وأن يستغشي ثوبه فيتغطى به حتى لا يراهم.

قوله: {وَقَالُوا مَجْنُونٌ} [القمر:9] المجنون: فاقد العقل، الذي يهذي بما لا يدري، قالوا: إنه مجنون، وهذه القولة قيلت في كل الرسل، قال الله تعالى:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] و (أو) هنا إما للتنويع، فبعضهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: مجنون، أو أنهم يقولون هذا وهذا، وعلى كل حال قالوا في نوح إنه مجنون.

{وَازْدُجِرَ} [القمر:9] قيل: إنه زجر زجراً شديداً، والزجر: هو النهر بشدة وعنف، والدال هنا منقلبة عن تاء، وقد قال العلماء: إن زيادة المبنى يدل على زيادة المعنى، والمعنى: أنه زجر شديد، وقوله:(وَازْدُجِرَ) ينبغي ألا توصل بما قبلها؛ لأنك لو وصلت وقلت: وقالوا مجنون وازدجر.

لتوهم السامع أنهم يقولون: مجنون وازدجر يعني: زجره غيره، لكن المعنى خلاف ذلك، فكذبوا عبدنا وازدجر هذا المعنى.

إذاً: الأولى أن تقف: (وقالوا مجنون) ثم تبدأ وتقول: (وازدجر) فيكون هنا لم يقتصر هؤلاء المكذبون على أن كذبوا بل كذبوا وزجروا وتوعدوا وسخروا.

ص: 8