المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الاستدلال بالعموم في العبادات لا يصح - لقاءات ملتقى أهل الحديث بالعلماء - جـ ١٥

[ملتقى أهل الحديث]

فهرس الكتاب

- ‌الشيخ الدكتور محمد بن حسين الجيزاني

- ‌[مقدمة الدكتور الجيزاني]

- ‌يتعلق بكتاب الشيخ (فقه النوازل)

- ‌ الحد المجزئ للمتفقه خصوصاً (في كتب أهل الأصول) من علم المنطق

- ‌ علم المقاصد

- ‌[من له الأحقية أن يحكم على مسألة أصولية بأنه لا ثمرة من الخلاف المترتب حولها

- ‌[علم الفروق الفقهية بالنسبة للمذهب الحنبلي

- ‌[تدريب طلبة العلم على تخريج الفروع على الأصول

- ‌[كتاب القواعد الفقهية الكبرى للطوفي الحنبلي

- ‌[ملكة تخريج الفروع على الأصول، كيف تُنمّى

- ‌ الاستثناء من القواعد الفقهية

- ‌ هل قد نعتبر أن هناك -- تجوزاً- 73 فرقة في الفقه

- ‌[أحكام أصول الدين، وأبكار الأفكار

- ‌ الاستدلال بالعموم في العبادات لا يصح

- ‌ الاحتجاج على الاستحباب بنص فيه أمر مع عدم ذكر القرينة الصارفة عن الوجوب

- ‌ الكتب العمدة في كل مذهب بالنسبة لأصول الفقه

- ‌ أبرز المشايخ في هذا الفن

- ‌ ما الفرق بين العام والمطلق والخاص والمقيد

- ‌ يدرس كتب الحنابلة حصراً في الفقه ، أيّ الكتب في أصول الفقه تنصحونهُ

- ‌ أفضل شرح لمتن الورقات

- ‌ كتاب من الكتب المعاصرة في القواعد الفقهي

- ‌ أفضل شرح لمنظومة ابن سعدي في القواعد الفقهية]

- ‌ الخطوة التالية لطالب العلم الذي درس ((الأصول من علم الأصول)) للشيخ ابن العثيمين

- ‌ درجة حجية الإجماع السكوتي

- ‌(إذا أختلفت الأيدى اختلف الحكم)]

- ‌ الأوامر والنواهى المجردة فيما يتعلق بالآداب (كالأكل باليمين مثلا) من باب الندب

- ‌ أهمية كتاب (الفقيه والمتفقه)

- ‌[من درس الورقات ثم المدخل لابن بدران

- ‌ مسألة العرف المعتبر من غير المعتبر

- ‌ إطلاق السنة على الواجب لدى متقدمي الأئمة

- ‌ تسويغ الخلاف فى التصحيح والتضعيف وما يترتب عليه من التبديع والإنكار

- ‌ روضة الناظر لابن قدامة

- ‌ كيف يفرق طالب علم الفقه بين الخلاف السائغ وغير السائغ

- ‌[هل يمكن للإجماع أن ينقعد في هذا العصر

- ‌ تصلح أن تكون رسائل ماجستير في علم أصول الفقه

- ‌ أهم وأبرز من تلقيتم عنه علم الأصول (مع ترجمة موجزة لكل ممن تذكرونه)

- ‌ يلم بشيء من علم المنطق؟ وهل هو جائز أصلا دراسته

- ‌لمنهاج الصحيح لضبط الأصول من مبدئه حتى الإلمام به جملة لغير المتخصص

- ‌ ألن يكون هناك تكملة لكتاب (فقه النوازل)

- ‌ في رأيك ما هو الكتاب التالي

- ‌ جمع علم البخاري في علم الأصول من خلال تراجم الأبواب

- ‌ أفضل من ينقل الإجماع

- ‌ الدعوات المعاصرة التي تنادي بتجديد أصول الفقه

- ‌[أغلب كتب الأصول المؤلفة في الأصول ألفها أشاعرة

- ‌ ما يحكم عليه الإمام أحمد من الحديث بالضعف أو النكارة بينما نجد أنه رواية في مذهبه وأخذ به

- ‌ رأي فضيلتكم في كتاب التأسيس في أصول الفقه

- ‌[هل للامام الشوكاني مسائل أصوليه خالف فيها مذهب أهل الحديث

- ‌[ما تقييمكم لمباحث الأصول التي عقدها الزحيلي في كتابه أصول الفقه الاسلامي]

- ‌ كتاب المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين

- ‌لشيخ عطية سالم له منهج أصولي

- ‌ أفضل طريقة لتعلم أصول الفقه

- ‌كيفية التعامل مع الأحاديث النبوية عند التعارض

- ‌متى يستعمل العلماء قواعد الترجيح

- ‌[المؤلفات الأصولية للقاضي عبد الوهاب المالكي؛ هل ما زالت مفقودة

- ‌[(رفع الحاجب شرح مختصر ابن الحاجب) للسبكي

- ‌ مذهب الإمام الشافعي في سد الذرائع

- ‌ لابن برهان عدة كتب أصولية

- ‌ أصول الكرخي

- ‌ تهذيبكم كتاب الموافقات

- ‌ ما عده ابن المنذر او ابن حزم في كتاب {الإجماع} إجماعاً وهو ليس كذلك

- ‌[أيهما أفضل اختصاراً للروضة

- ‌ اقتضاءِ النهيِ الفسادَ

- ‌ الحكم يدور مع علته

- ‌ مبطلات الصلاة فقال: ترك ركن أو شرط عمداً

- ‌ الشرط الفاسد في العقد

- ‌ بعض العلماء يردون بعض الإجماعات

- ‌ من يحرم بيع المخطوطات

- ‌[ألا يمكن أن يتحول كتاب "فقه النوازل" إلى موقع على الإنترنت

- ‌ تقسيم الأصوليين للدلالات

- ‌ مسألة الإسبال:

- ‌ المحرم لغيره يجوز عند الحاجة

- ‌ هل فساد أو بطلان جزء من أجزائه يبطل جميع العبادة

- ‌ كتاب مزالق الأصوليين للصنعانى

- ‌ موقف ابن القيم من القياس

- ‌تحقيق التعليقة فى أصول الفقه للسبكى كرسالة علمية]

- ‌ الفرد من أفراد العموم إذا لم يعمل به أحد من السلف أو إذا لم نعلم أن أحدا عمل به من السلف فالعمل به بدعة

- ‌[هل أُصول الفقه أو بعضها ظني

- ‌ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

- ‌ اعتراض البقلاني على تعريف الفقه - اصطلاحا - أنه العلم بالأحكام الشرعية

- ‌[ما الفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية مع ذكر الأمثلة]

- ‌(المهذب للشيخ النملة) والآخر (اتحاف ذوى البصائر بشرح روضة الناظر) للمؤلف نفسه

- ‌ إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين لم يجز للتابعين الإجماع على أحدهما

- ‌[ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه أمر في خطبته بقتل الكلاب ووذبح الحمام

- ‌ لماذا لم تورد مسائل العلة فى كتابك معالم أصول الفقه

- ‌[من درس الورقات وحفظ نظمها

- ‌[هل مسألة المشي إلى السترة، مبنية على مسألة " هل الأمر يفيد التكرار

- ‌ أحسن كتاب يستعين به الطالب المبتدئ في تخريج الفروع على الأصول

- ‌ هل هناك أنواع للإجماعات

- ‌ الشروط للتحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى

- ‌ بماذا تنصح طالب العلم المبتدأ لكي يصبح أصوليا متمكنا

- ‌ هل هناك تعارض بين قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) وبين قاعدة (التخصيص بقضايا الأعيان)

- ‌[هل يجوز شرعا لطالب العلم الذي لم تكتمل عنده الآلة أن يرجح بين كلام المجتهدين

- ‌[هل صحيح أنه لا تسلم قاعدة أصولية من الاستثناءات

- ‌[رأيكم في كتاب (أصول الفقه) لعياض السلمي]

- ‌ كتابكم (معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة)

- ‌[سؤال حول عذر التأويل

- ‌كثرة الأوامر الشرعية التي صرفت إلى الإستحباب

الفصل: ‌ الاستدلال بالعموم في العبادات لا يصح

ـ[حفظكم الله يذكر بعض أهل العلم أن‌

‌ الاستدلال بالعموم في العبادات لا يصح

ما لم يستدل به الصحابة، وأن القول بالاستدلال به مدخل لأهل البدع في إثبات كثير من بدعهم، فما رأيكم؟ وما الضابط في الاستدلال بالعموم؟ ]ـ

العبادة إما أن تكون عامة مطلقة؛ مثل الحث على مطلق صلاة الليل، وفضل الصوم مطلقا، وفضل الإكثار من الذكر بإطلاق. فهذا يكفي في ثبوته النص العام.

وإما أن تكون العبادة خاصة مقيدة؛ مثل: فضل صلاة معينة في زمن معين أو في مكان معين، وفضل صوم يوم معين من الأسبوع، أو من الشهر، أو من السنة، وفضل ذكر معين في زمن معين أو بعدد معين. فهذا لا يكفي في ثبوته مجرد النص العام، بل لابد في ثبوته من دليل خاص معين، وذلك لأمرين:

أولهما: أن العبادة الخاصة المقيدة غير داخلة تحت دلالة النص العام من جهة خصوصها وتعيينها؛ حيث إن هذا التخصيص والتعيين قدر زائد لم يرد به النص العام، وإلا لم يكن عاما، وإنما دلالة النص العام على العبادة الخاصة قاصرة على جهة العموم والإطلاق فحسب.

وثانيهما: أن إثبات العبادة الخاصة المعينة بمجرد النص العام يلزم منه فتح باب الاختراع والإحداث في باب العبادات، مع أن الأصل في العبادات هو المنع والتوقيف، ولا يشرع منها إلا ما ورد به الدليل، وبيان ذلك:

ص: 10

أنه قد وردت النصوص العامة بالحث والترغيب في الاستكثار من نوافل الصلاة والصيام والذكر، وورد النص العام بالثناء على أهل هذه العبادات؛ فانظر وتأمل معظم البدع التي في باب العبادات فإنك تجدها ـ في الغالب ـ لا تخرج عن هذه الأنواع الثلاثة: الصلاة والصيام والذكر، فكل من اشتغل بشيء من الصلوات البدعية أو بصيام بدعي أو أتى بأذكار بدعية أمكنه الاحتجاج بالنص العام والتمسك به في خصوص بدعته، فينفتح باب الابتداع على مصراعيه.

مثال ذلك: أن التقرب إلى الله بصيام أول أيام السنة الهجرية وآخرها لا يكفي في ثبوته شرعا ورود النص العام؛ كقوله تعالى: (والصائمين والصائمات) وقوله كما في الصحيحين: (من صام يوما فى سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا) بل لابد من دليل خاص معين.

وحاصل القول: أن النص العام له دلالة على أفراده، لكنها دلالة إجمالية، واقعة على كل فرد من جهة العموم والإطلاق، وهذه دلالة ثابتة، ثم إن هذه الدلالة لا تقتضي ولا يلزم منها ثبوت دلالة أخرى للنص العام، وهي دلالته على أفراده المندرجين تحته على سبيل الخصوص والتعيين؛ حيث إن دلالة اللفظ العام قاصرة عن ذلك.

ومن هنا تظهر لنا أهمية هذه القاعدة وخطورتها في التمييز بين ما هو من البدع في باب العبادات، ومن أجل ذلك فإن تقرير هذه القاعدة وتفصيلها يحصل به كشف وضبط لمسألة الابتداع وحماية وحفظ لأحكام الدين، وتضييق على أهل البدع، ولأجل ذلك أيضا فقد أهدر هذه القاعدة وانصرف عنها وأغفل بيانها من رغب عن اتباع السنة وكان جل همه ومبتغاه تأصيل البدع المحدثة.

ولعل من المناسب في هذا المقام بيان هذه القاعدة بشيء من التفصيل، فأقول:

ص: 11

كل عبادة مطلقة ثبتت في الشرع بدليل عام؛ فإن تقييد إطلاق هذه العبادة بزمان أو مكان معين أو نحوهما بحيث يوهم هذا التقييد أنه مقصود شرعًا من غير أن يدلّ الدليل العام على هذا التقييد فهو بدعة.

وبيان ذلك: أن الأمر المطلق لا يمكن امتثاله إلا بتحصيل المعين، كالأمر بعتق الرقبة في قوله تعالى ? فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ? فإن الامتثال للأمر بالإعتاق - وهو مطلق - لا يمكن إلا بإعتاق رقبة معينة هي زيد أو عمرو.

قال ابن تيمية: (

فالحقيقة المطلقة هي الواجبة، وأما خصوص العين فليس واجبًا ولا مأمورًا به، وإنما هو أحد الأعيان التي يحصل بها المطلق؛ بمنزلة الطريق إلى مكة، ولا قصد للآمر في خصوص التعيين).

إذا عُلمت هذه القاعدة، وهي أن الأمر المطلق لا يتحقق إلا بتحصيل المعين فإن هنالك قاعدة أخرى مبنية عليها، وهي أن إطلاق الأمر لا يدل على تخصيص ذلك المعين بكونه مشروعًا أو مأمورًا به، بل يُرجع في ذلك إلى الأدلة؛ فإن كان في الأدلة ما يكره تخصيص ذلك المعين كُره، وإن كان فيها ما يقتضي استحبابه استحب، وإلا بقي غير مستحب ولا مكروه.

مثال ذلك: أن الله شرع دعاءه وذكره شرعًا مطلقًا عامًا وأمر به أمرًا مطلقًا، فقال:(اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)، وقال:(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) فالاجتماع للدعاء والذكر في مكان معين، أو زمان معين، أو الاجتماع لذلك: تقييد للذكر والدعاء، وهذا التقييد لا تدل عليه الدلالة العامة المطلقة بخصوصه وتقييده، لكنها تتناوله لما في هذا التقييد من القدر المشترك.

ص: 12

فإن دلت الأدلة الشرعية على استحباب ذلك؛ كالذكر والدعاء يوم عرفة بعرفة، أو الذكر والدعاء المشروعين في الصلوات الخمس والأعياد والجمع وطرفي النهار وعند الطعام والمنام واللباس ودخول المسجد والخروج منه ونحو ذلك: صار ذلك الوصف الخاص مستحبًا مشروعًا استحبابًا زائدًا على الاستحباب العام المطلق.

وفي مثل هذا يعطف الخاص على العام، فإنه مشروع بالعموم والخصوص، وإن لم يكن في الخصوص أمر ولا نهي بقي على وصف الإطلاق، وجاز الإتيان بأي فعل معين يتحقق به امتثال الأمر المطلق

وقد عبَّر ابن تيمية عن القاعدة الأخيرة بقوله: (شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للعمل بوصف العموم والإطلاق لا يقتضي أن يكون مشروعًا بوصف الخصوص والتقييد).

ثم بين رحمه الله أن هذه القاعدة إذا جُمعت نظائرها نفعت، وتميز بها ما هو من البدع من العبادات التي يشرع جنسها.

مثال ذلك: أن الصوم في الجملة مندوب إليه لم يخصه الشرع بوقت دون وقت، ولا حدَّ فيه زمانًا دون زمان، ما عدا ما نهى عن صيامه على الخصوص كالعيدين، وندب إليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء، فإذا خص المكلَّف يومًا بعينه من الأسبوع كيوم الأربعاء، أو أيامًا من الشهر بأعيانها كالسابع والثامن لا من جهة ما عينه الشارع فلا شك أن هذا التخصيص رأي محض بغير دليل، ضاهى به تخصيص الشارع أيامًا بأعيانها دون غيرها، فصار التخصيص من المكلف بدعة؛ إذ هي تشريع بغير مستند.

ص: 13

(ومن ذلك: تخصيص الأيام الفاضلة بأنواع من العبادات التي لم تشرع لها تخصيصًا، كتخصيص اليوم الفلاني بكذا وكذ من الركعات، أو بصدقة كذا وكذا، أو الليلة الفلانية بقيام كذا وكذا ركعة، أو بختم القرآن فيها أو ما أشبه ذلك).

إذا عُلمت هاتان القاعدتان فالواجب - كما سبق - إتباع الشارع في إطلاقه وتعيينه.

ذلك أن الشارع إذا أطلق الأمر بعبادة من العبادات فينبغي أن يفهم من هذا الإطلاق: التوسعة، ولهذا فإن من خصص عبادة مطلقة بوقت معين أو بمكان معين فقد قيَّد ما أطلقه الشارع، وهذا التقييد مخالفة واضحة لمعنى التوسعة المستفاد من أمر الشارع المطلق.

قال أبو شامة: (ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضَّله الشرع وخصَّه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك؛ اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها، كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان).

وقد بيَّن ابن تيمية المفسدة المترتبة على مثل هذا التخصيص فقال: (

من أحدث عملاً في يوم؛ كإحداث صوم أول خميس من رجب

... فلا بد أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب.

وذلك لأنه لا بد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، وأن الصوم فيه مستحب استحبابًا زائدًا على الخميس الذي قبله وبعده مثلاً

... إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه، أو في قلب متبوعه لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة؛ فإن الترجيح من غير مرجع ممتنع).

ص: 14

من هنا يُعلم أن هذا التخصيص يسوغ متى خلا من هذه المفسدة، وذلك بأن يستند التخصيص إلى سبب معقول يقصد مثله أهل العقل والفراغ والنشاط، كتخصيص يوم الخميس لصلاة الاستسقاء لكونه يومًا يفرغ الناس فيه من أعمالهم، فهو أيسر لاجتماع الناس، وكقصر المرء نفسه على ورد محدد من العبادة يلتزمه في أوقات مخصوصة، كل ليلة أو كل أسبوع، لكون ذلك أدعى لديمومة العمل وأقرب إلى الرفق، فمثل هذا التخصيص موافق لمقصد الشارع.

أما إذا صار التخصيص ذريعة إلى أن يعتقد فيه ما ليس مشروعًا فيمنع منه لأمرين:

أولاً: لأجل الذريعة، وثانيًا: لكونه مخالفًا لمعنى التوسعة.

قال الشاطبي: (ثم إذا فهمنا التوسعة فلابد من اعتبار أمر آخر، وهو أن يكون العمل بحيث لا يوهم التخصيص زمانًا دون غيره، أو مكانًا دون غيره، أو كيفية دون غيرها، أو يوهم انتقال الحكم من الاستحباب - مثلاً - إلى السنة أو الفرض).

وبهذا يتبين أن تخصيص العبادة المطلقة يسوغ بشرطين:

الأول: ألا يكون في هذا التخصيص مخالفة لمقصود الشارع في التوسعة والإطلاق.

والثاني: ألا يوهم هذا التخصيص أنه مقصود شرعًا.

وفي هذا المقام تنبيهات:

1 -

أن في تخصيص العبادة المطلقة مخالفة لإطلاق الدليل وعمومه.

2 -

أن في هذا التخصيص فتحًا للذرائع حيث يوهم ما ليس مشروعًا.

ص: 15

3 -

أن في هذا التخصيص معارضة لسنة الترك، وذلك من جهة دلالة السنة التركية على المنع من هذا التخصيص، وقد تقرر أن سنة الترك دليل خاص مقدم على الأدلة العامة المطلقة.

4 -

أن في هذا التخصيص مخالفة لعمل السلف الصالح حيث كانوا يتركون السنة لئلا يعتقد أنها فريضة؛ كتركهم للأضحية مع قدرتهم عليها.

5 -

أن في هذه القاعدة ردًا على الذين يتمسكون في الأخذ ببعض البدع بعمومات الأدلة وإطلاقاتها.

6 -

وبذلك يظهر أن هذه القاعدة خاصة بالبدع الإضافية، التي لها متعلق بالدليل العام من جهة، لكنها مخالفة لمعنى التوسعة - المستفاد من العموم - من جهة أخرى.

7 -

وبذلك أيضًا يُعلم أن الابتداع الواقع من جهة هذه القاعدة دقيق المأخذ، يندر التفطن له.

قال ابن تيمية: (واعلم أنه ليس كل أحد، بل ولا أكثر الناس يدرك فساد هذا النوع من البدع، لا سيما إذا كان من جنس العبادات المشروعة، بل أولو الألباب هم يدركون بعض ما فيه من الفساد).

!

ص: 16