الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحابه ذات ليلة بعد صلاة العشاء وقال: " لا يأتي على رأس مائة سنة، وعلى ظهر الأرض ممن عليها اليوم أحد ". فيقتضي هذا بعمومه أنه كل من كان على الأرض لا يبقى بعد رأس المائة سنة فيدخل في ذلك المسيح الدجال، فيقال: ـ والله أعلم ـ لا يمتنع أن يكون ما دل عليه حديث الجساسة من وجود الدجال مخصصا لعمومِ حديثِ لا يأتي على رأس مائة سنة وعلى وجه الأرض ممن كان عليها وقت حديث النبي صلى الله عليه وسلم، هذا والله أعلم بالصواب.
ـ
[أشكل عليّ تفريق بعض أهل العلم بين أهل الكتاب والمشركين
. فهل وصف المشركين لا ينطبق على أهل الكتاب؟ وما الفرق بين الكفار والمشركين؟ مع العلم أن كفر أهل الكتاب معلوم لدي، ومعلوم لدي أيضا أن عدم تكفيرهم ناقض من نواقض الإسلام، ولكن أشكل علي التفريق في استخدام لفظة الكفار لأهل الكتاب واقتصار لفظة المشركين على الكفار ما دون أهل الكتاب فأتمنى من فضيلتكم توضيح الأمر بارك الله فيكم. ]ـ
الحمد لله، يجب أن يعلم أن الألفاظ يختلف معناها بالإفراد والاقتران من حيث العموم والخصوص، وهذا المعنى كثير في القرآن ومن ذلك لفظ الكفار، والمنافقين، والمشركين، وأهل الكتاب، وأعم هذه الألفاظ لفظ الكفار فإنه يشمل المنافقين النفاق الأكبر، ويشمل عموم المشركين، والكفار من أهل الكتاب، واسم المنافقين يختص بمن يظهر الإسلام، ويبطن الكفر فإذا ذكر المنافقون والكفار كقوله تعالى {إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} اختص اسم المنافقين بمن يبطن الكفر واسم الكافرين بالمعلنين له، ، وأكثر ما يطلق اسم المشركين في القرآن على الكفار من غير أهل الكتاب كقوله تعالى {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ، وقد يطلق لفظ المشركين على ما يعم الكفار في مقابل المنافقين كما قال تعالى {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} ، فيدخل في ذلك كفرة أهل الكتاب والمجوس، وقد يخص الله بعض طوائف المشركين باسم يعرفون به كالمجوس كما قال سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فَعَطْفُ الذين أشركوا على المجوس من عَطْفِ العام على الخاص، وأما الطوائف الأربع الأولى في هذه الآية فإن منهم المؤمن، ومنهم الكافر كفرا ظاهرا، أو باطنا كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ، أي من آمن منهم بالله واليوم الآخر، وهكذا
أهل الكتاب منهم المؤمن، والكافر، كما قال تعالى {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} إلى قوله تعالى {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} إلى قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ، وهذا الانقسام في اليهود، والنصارى، والصابئين إنما هو باعتبار حالهم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، أما بعدما بعث الله خاتم النبيين، فكل من لم يؤمن به من اليهود، والنصارى، وغيرهم فإنه كافر فإن مات على ذلك فهو من أهل النار، ولا ينفعه انتسابه لشريعة التوراة، أو الإنجيل، وقد انضاف كفرهم بتكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما ارتكبوه من أنواع الشرك، والكفر قبل ذلك كقول اليهود {عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ} وقول النصارى {الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ} ، والشرك في النصارى أظهر منه في اليهود، وأكثر كما قال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ
ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إلى قوله تعالى {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وقوله سبحانه وتعالى {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلَاّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} فتبين مما تقد أن اليهود، والنصارى، وسائر المشركين من عبدة الأوثان والمجوس كلهم كفار من مات منهم على كفره، فهو في النار، وأنهم جميعا مدعوون إلى الإيمان بالقرآن، وبالرسول الذي جاء بالقرآن ومأمورون باتّباعه عليه الصلاة والسلام فإن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الناس من الكتابيين، والأميين كما قال تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} ، وقوله تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال صلى الله عليه وسلم:"والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". رواه مسلم.
ولكن دلت النصوص من الكتاب، والسنة على الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار في بعض الأحكام من ذلك: حل ذبائح أهل الكتاب، وحل نسائهم الحرائر العفائف كما قال تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} بخلاف سائر طوائف الكفار من المجوس وعبدة الأوثان وغيرهم، فلا تحل ذبائحهم، ولا نسائهم للمسلمين، وهذا متفق عليه بين العلماء، ومن ذلك أن الجزية لا تؤخذ إلا من اليهود، والنصارى، والمجوس على قول أكثر أهل العلم لقوله تعالى {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ، وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه أخذ الجزية من مجوس هجر". فلذلك اتفق العلماء على أخذ الجزية من هذه الطوائف، واختلفوا في أخذها من غيرهم، والراجح أنها تأخذ من جميع طوائف الكفر لحديث بريدة في صحيح مسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ـ الحديث وفيه ـ وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم .. الحديث. هذا والله أعلم، وصلى الله، وسلم على نبينا محمد.