الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسرار البيان
في التعبير القرآني
للدكتور / فاضل صالح السامرائي
أستاذ النحو في جامعة الشارقة
أسرار البيان في التعبير القرآني (1)
القرآن هو تعبير بياني مقصود أي أن كل كلمة وكل حرف فيه وُضع وضعاً مقصوداً.
الذكر والحذف:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) وقال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) البقرة) الآيتين جملتان وصفيتان فلماذا الحذف (فيه) في إحداها والذكر في الأخرى؟ السبب أن التقدير حاصل (يجزي فيه) لكن لماذا الحذف؟ الحذف يفيد الإطلاق ولا يختص بذلك اليوم. فالجزاء ليس منحصراً في ذلك اليوم وإنما سيمتد أثره إلى ما بعد ذلك اليوم وكلما يذكر الجزاء يحذف (فيه)(لا تجزي) و (لا يجزي)
أما في الآية الثانية فذكر (فيه) لأنه منحصر فقط في يوم الحساب وليس عموماً. وكذلك في قوله تعالى (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) اليوم منحصر في يوم القيامة والحساب لذا ذكر (فيه) . وحذف (فيه) عندما كان اليوم ليس محصوراً بيوم معين.
(1) وهذه محاضرة ألقاها الدكتور فاضل السامرائي ضمن فعاليات جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم عام 2002م
(قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) يوسف) محذوف حرف النفي (لا)(تالله لا تفتأ) . القاعدة: أنه إذا كان فعل مضارع مثبت لابد من حرف اللام فإن لم تذكر اللام فهو منفي مثال: والله أفعل (معناها لا أفعل) ووالله لأفعل (معناها أثبّت الفعل) فلماذا حذف إذن؟ هذا هو الموطن الوحيد في القرآن الذي حُذف فيه حرف النفي جواباً للقسم. وقد جاء في القرآن قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساء) (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) النحل) . إنما آية سورة يوسف هي الوحيدة التي تفيد النفي ولم يذكر فيها حرف النفي لماذا؟ الذين أقسموا هم إخوة يوسف ومن المقرر في النحو أن الذكر يفيد التوكيد والحذف أقل توكيداً. فعلى ماذا أقسموا؟ أقسموا أن أباهم لا يزال يذكر يوسف حتى يهلك فهل هم متأكدون من ذلك؟ أي هل هم متأكدون أن أباهم سيفعل ذلك حتى يهلك وهل حصل ذلك؟ كلا لم يحصل.
في حين في كل الأقسام الأخرى في القرآن الأمر فيها مؤكد. أما في هذه الآية لا يؤكد بالحذف لحرف النفي مع أنه أفاد النفي.
فتأ: من معانيها في اللغة نسي وسكّن وأطفأ النار يقال فتأت النار والإتيان بالفعل (فتأ) في هذه الآية وفي هذا الموطن جمع كل هذه المعاني. كيف؟ المفقود مع الأيام يُنسى ويُكفّ عن ذكره أو يُسكّن لوعة الفراق أو نار الفراق في فؤاد وفي نفس من فُقد له عزيز. ولو اختار أي فعل من الأفعال الأخرى المرادفة لفعل فتأ لم تعطي كل هذه المعاني المختصة في فعل فتأ.
قال تعالى في سورة آل عمران (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)) اللام في (ليعلم) هي لام التعليل ثم قال تعالى (يتخذ) عطف بدون لام ثم قال (ليمحّص) عطف وذكر اللام ثم قال (يمحق) عطف بدون ذكر اللام، لماذا؟ قلنا أن الذكر للتوكيد وما حذف أقل توكيداً وإذا استعرضنا الأفعال في الآية فهل كلها بدرجة واحدة من التوكيد والحذف؟
(وليعلم) الله تعالى يريد ذلك من كل شخص علماً يتحقق منه الجزاء لكل شخص. إذن هو أمر عام لجميع الذين آمنوا ومن غير الذين آمنوا فهو أمر ثابت مطلق لكل فرد من الأفراد.
(يتخذ) لا يتخذ كل المؤمنين شهداء فهذا الفعل ليس بدرجة اتساع الفعل الأول وهو ليس متعقلاً بكل فرد.
(ليمحص) متعلق بكل فرد وهذا يتعلق به الجزاء.
(يمحق) لم يمحق كل الكافرين محقاً تاماً فالكفر والإيمان موجودان.
إذن عندما يذكر اللام على وجه العموم والمقصود يكون كل فرد من الأفراد والحذف عكس ذلك.
قال تعالى (ولتبتغوا فضلاً من ربكم) في الحالتين ذكر اللام لأن الأمرين مطلوبين حتماً في هذه الحياة.
قال تعالى في سورة النساء (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)) وقال تعالى في سورة البقرة (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25))