الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَهَنَّمَ جَمِيعاً {140} الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {141} إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَاّ قَلِيلاً {142} مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلاء وَلَا إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً {143} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً {144} إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً {145} ) والمنافقين في الدرك الأسفل من النار. أما في سورة البقرة فلم يأتي بأي تفصيل فهي آية موجزة والسياق في الآيات الكلام على المؤمنين لذا الإيجاز اقتضى الإيجاز في الحديث وعدم ذكر التوكيد بالباء. (أنّ لهم الجنة)
الحذف
في القرآن الكريم يتعلق بأمرين:
أولاً: في مقام التفصيل والإيجاز كما في قوله تعالى في سورة البقرة (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {25} )
وفي سورة الأحزاب: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً {47} ) . ذكرت الباء مع المؤمنين في حين حذفت في آية سورة البقرة.
آية سورة البقرة هي آية مفردة في المؤمنين لم يسبقها أو يليها ما يتعلّق بالمؤمنين، أما آية سورة الأحزاب فسياقها في ذكر المؤمنين (يا أيها الذين آمنوا) إلى قوله تعالى (وبشر المؤمنين) فاقتضى السياق والتفضيل ذكر الباء في آية سورة الأحزاب.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَاّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَاّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ {83} ) ذكرت الباء مع (بالوالدين) وحذفت مع كلمة (ذي القربى) أما في سورة النساء (وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً {36} ) فقد ذكرت الباء مع الوالدين ومع ذي القربى. وذلك لأن السياق في سورة النساء والكلام عن القرابات من أول السورة إلى آخرها وليس فقط في الآية التي بين أيدينا. إذن ذكر الباء مع ذي القربى في هذه الآية من سورة النساء كان لمراعاة التفضيل والتوكيد. أما في آية سورة البقرة فليس السياق في القرابات فحذفت الباء في (ذي القربى) مراعاة للإيجاز.
مثال آخر:
في سورة آل عمران (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ {184} ) حذف الباء مع كلمة (الزبر) وكلمة (الكتاب) أما في سورة فاطر (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ {25} ) ذكر الباء مع كلمتي الزبر والكتاب. المقام في سورة فاطر مقام التوكيد والتفصيل بخلاف ما ورد في سورة آل عمران، والكلام في سورة فاطر للتوكيد والتفصيل في مقام الإنذار والدعوة والتبليغ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ {18} ) إلى قوله تعالى (إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ {23} إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {24} ) فالسياق إذن في الإنذار والدعوة والتبليغ ويستمر السياق في الكلام عن الذين يستجيبون والذين لا يستجيبون وأن هذه الكتب التي ذكرت في الآية هي كتب الإنذار (الزبر، الكتاب المبين، البينات) . أما في سورة آل عمران فالآية تعقيب على محادثة تاريخية معينة (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَاّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {183} ) فالمقام هنا مقام حادثة معينة وليس في سياق الآيات فاختلف الأمر هنا ولهذا حذفت الباء لأنه مناسب للإيجاز.
سورة فاطر فيها مقام التوكيد ومقام التفصيل:
مقام التوكيد في سورة فاطر: (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ {25} ) وجاء بصيغة الفعل المضارع في (يكذبوك) للدلالة على الإستمرارية وفيه التصديق والتكذيب مستمران (هو فعل شرط مضارع) أما في سورة آل عمران فقد جاء الفعل ماضياً (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ {184} ) وهذه قاعدة في القرآن إذا كان فعل الشرط مضارعاً دلّ على استمرارية الحدث وإذا كان فعل الشرط ماضياً فهو يدلّ على الحدوث مرة واحدة.
وذكر تاء التأنيث في سورة فاطر (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ {25} ) يفيد التوكيد أيضاً أما في سورة آل عمران فجاءت الآية () والتذكير يدل على الكثرة كما في قوله تعالى (وقال نسوة في المدينة) فعل يدل على القلّة بصيغة التذكير. وكذلك قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا) دلالة على الكثرة فجاء الفعل مؤنثاً بتاء التأنيث. وعليه ففي سورة فاطر الآية (جاءتهم رسلهم) تدل على كثرة الرسل في سورة فاطر أما في سورة آل عمران فالتذكير يفيد أن الحادثة وقعت مرة واحدة.
مقام التخصيص في سورة فاطر: في سورة آل عمران الفعل مبني للمجهول (كُذّب رسل) في حين في سورة فاطر ذكر الفاعل (كذب الذين من قبلهم) وقال تعالى في سورة فاطر (جاءتهم رسلهم) بذكر الفاعل الظاهر أما في سورة آل عمران فقال تعالى (جاءوا) بدون ذكر الفاعل الظاهر.
إذن ذكر الباء مع كل معطوف في سورة فاطر وحذف الباء مع المعطوف في سورة آل عمران وكل ما سبق ذكره في سورة فاطر وآل عمران يقتضي ذكر الباء في آية سورة فاطر وحذفها في آية سورة آل عمران.
مثال آخر:
قال تعالى في سورة يوسف: (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85} ) . من الناحية اللغوية معناها تالله لا تفتأ، إذا كان جواب القسم فعل مضارع لا بد أن يكون باللام مع النون (تالله لأكيدنّ) أو مع اللام إذا اقتضى حذف النون. لا بد في جواب القسم المثبّت أن تُذكر اللام سواء مع النون أو بدونها. وعندما لا تذكر اللام يدلّ على النفي. إذن لا يكون مثبتاً إلا بذكر اللام مع الفعل المضارع. فإذا قلنا (والله أذهب) معناها والله لا أذهب. إذا جاء جواب القسم فعلاً مضارعاً ولم يقترن باللام فهو نفي قطعاً.
نعود إلى آية سورة يوسف (تالله تفتأ تذكر يوسف) ومعناها لا تفتأ، هي الآية الوحيدة التي وقعت في جواب القسم منفيّة ولم يذكر اللام معها، في عموم القرآن عندما يكون القسم منفياً يأتي باللام (وأقسموا بالله جهد أيمانهم..لا يبعث) . هناك خياران: ذكر اللام أو حذف اللام. فلماذا حذف اللام في آية سورة يوسف ولم يقل (تالله لا تفتأ) الذكر يفيد التوكيد والحذف في ما عُلم معناه هو أقلّ توكيداً. وفي الآية استخدم كلمة (حرضاً) ومعناها الذي يمرض مرضاً شديداً ويهلك. ومعنى الآية أن إخوة يوسف أقسموا أن أباهم سيظلّ يذكر ابنه يوسف حتى يهلك أو تفسد صحته. لكن هل هذا مقام توكيد؟ وهل يمكن أن يقسم أحد على هذا الأمر المستقبل؟ طبعاً هذا ليس بمقدورهم ولا يعلمون ماذا سيحدث فيما بعد لذا فالمقام ليس مقام توكيد أصلاً. القسم هنا غير واقع حقيقة وغير متيقن لذلك وجب حذف حرف النفي (لا) مع أنه معلوم بالدلالة.
إذن لماذا اختار (تفتأ) ؟ تفتأ من فعل فتأ بمعنى لا تزال ولا تبرح ولا تنفك ولا تفتأ وكلها تفيد الإستمرار والدوام. إذن لماذا اختار (تفتأ) مع العلم أن القرآن استخدم لا أبرح في مواقع كثيرة؟ برح من المغادرة ويوال من الإستمرارية أما تفتأ فهي تختلف بدلالة خاصة فهي تأتي بمعنى سكّن وبمعنى نسي وبمعنى أطفأ النار، وقد اختار تعالى كلمة (تفتأ) لأن المعنى المطلوب يحتمل كل معاني كلمة تفتأ: نار الحرقة لا تنطفيء في قلب يعقوب عليه السلام ثم معنى لا تنسى مع مرور الزمن كما يحدث لأي مبتلى في مصيبة فالزمن يُنسي المصائب أي لا تنسى ذكر يوسف ولا تزال تذكره، وبمعنى سكّن أي أنت لن تسكن ولن تكف عن ذكره لذا اختار تعالى هذه الكلمة (تفتأ) دون أخواتها لأنها أنسب فعل يجمع المعاني الثلاثة المقصودة وإضافة إلى ذلك حذف حرف النفي الذي لا يدل على التوكيد فالكلام في الآية غير متيقن.
مثال آخر:
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {262} ) سورة البقرة، حذف الفاء (لهم)
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {274} ) سورة البقرة ذكر الفاء في كلمة (فلهم)
الآية الأولى حذفت فيها الفاء (لهم أجرهم) والثانية ذكرت فيها الفاء (فلهم أجرهم) وقد ذكرت في الآية الثانية لأن السياق يقتضي الذكر. وذكر الفاء هنا يسمى تشبيه والتشبيه من أغراضه التوكيد (بالليل والنهار سراً وعلانية) فيها توكيد وتفصيل في الإنفاق ودلالة على الإخلاص فاقتضى السياق زيادة التوكيد لذا جاء بالفاء في مقام التوكيد والتفصيل.