المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌أخي في الله:

قال: إن الموت كشجرة شَوْك أدخلت في جوف ابن آدم! فأخذت كل شوكة بعرق منه! ثم جذبها رجل شديد القُوى فقطع منها ما قطع، وأبقى ما أبقى!

أخي: فيا لله كم هذا الموت فظيع! وكم هو شديد وعظيم!

وروي أيضًا: أن الموت أشد من ضرب بالسيوف! ونشر بالمناشير! وقرض بالمقاريض!

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19].

أخي: حقا! يا لها من سكرة! ويا لها من شدَّة! هنالك حيث الرُّوح تحشرجت! والأعين قد شخصت! والقلوب قد وَجَفَتْ! والكلمات تلجلجت!

فيا لله! كم في ذلك من كربات! وكم فيه للنفوس من مصائب وبليات!

يا مَن أقامَ وقد مضَى إخوانُهُ

ما أنت إلَاّ واحدٌ ممن مضى

أنَسيتَ أن تُدعَى وأنتَ مُحَشْرَجٌ

ما إن تفيقُ ولا تُجاوبُ مَنْ دَعا

‌أخي في الله:

أليس مما يُدخل الفزع في النفوس! أن نبينا صلى الله عليه وسلم يوم أن أجاب داعي ربه سأل ربه تعالى أن يخفف عنه سكرات الموت؟ ! !

ص: 7

فها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تحكي لنا ذلك، فتقول: وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول:«لا إله إلا الله إنَّ للموت سكرات! » [رواه البخاري].

وللترمذي: «اللهم أعني على غمرات الموت! وسكرات الموت! » . أخي: ما أعظم سكرات الموت! وما أشد كرباته! أبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرجى لأحد أن يشرب كأس الموت صافيًا؟ !

(فمثِّل نفسك يا مغرور وقد حلَّت بك السكرات! ونزل بك الأنين والغمرات! فمن قائل يقول: إن فلانًا قد أوصى، وماله لا يُحصى!

ومن قائل يقول: إن فلاناً ثقل لسانه. فلا يعرف جيرانه! ولا يكلِّم إخوانه!

فكأني أنظر إليك تسمع الخطاب، ولا تقدر على رد الجواب!

ثم تبكي ابنتك وهي كالأسيرة وتتضرع وتقول: حبيبي! أبي! من ليتمي من بعدك؟ ! ومن لحاجتي؟ !

وأنت والله تسمع الكلام! ولا تقدر على رد الجواب!

وأقْبَلتِ الصُّغرى تُمرِّغُ خدَّها

على وجْنتي حينًا وحينًا على صَدْري

وتَخمشُ خدَّيها وتَبكي بحُرْقةٍ

تُنادي: أبي إني غُلِبْتُ على الصَّبْر

ص: 8