المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نص شعري ‌ ‌عجائب الأحلام شعر: إبراهيم بن عبد العزيز الفوزان   مضتْ تبعثر الخطا - مجلة البيان - جـ ١٠٥

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: نص شعري ‌ ‌عجائب الأحلام شعر: إبراهيم بن عبد العزيز الفوزان   مضتْ تبعثر الخطا

نص شعري

‌عجائب الأحلام

شعر: إبراهيم بن عبد العزيز الفوزان

مضتْ تبعثر الخطا

بين الدروب المظلمه

طريدةً صراخها

يضيع وسط الهمهمه

والذئب يعدو خلفها

بين الكلاب المتخمه

وَأكْلُبُ الحي بدتْ

أمامه مُستسلمه

والذل في أجفانها

للذئب أمسى مرحمه

وابنة الحي بها

من الجراح أوسمه

دماؤها قد كتبت

على الدروب مَعلَمَه

بأحرفٍ رموزها

غامضةٌ منمنمه

فتيانها قد قرؤوا

تلك الحروف المبهمه

فعرفوا مأساتها

من النيوب المجرمه

فجردوا سلاحهم

لقتل ذئب الدونمه

فجرّحوه فارتمى

يعوي بصوت المرحمه

يعوي بحزنٍ شاكياً

من السهام المؤلمه

شكاته قد حركت

ضمائراً مؤممه

هناك ذئب أشقرٌ

أتى لرفع المظلمه

أتى يجرُ تيهه

عواؤه كالدمدمه

وأكلبُ الحي انحنت

لصوته معظمه

حتى الكلابُ الخاملات

أقبلت مسلِمه

بنظرة من طرفه

فيها معانٍ مبهمه

تناظرت جميعها

ثم انحنت مهمهمه

فانطلقت نابحةً

لنصر ذئب الدونمه

من فتيةٍ لم يدركوا

حق الذئاب المكرمه

فهجمت بقسوةٍ

بخطةٍ معممه

أما الفتاةُ لا تسل

عن نفسها المحطمه

فتيانها قد هوجموا

بأكلبٍ منظمه

فمزقت أجسادَهم

نيوبُها المُسَممه

وأصبحت فتاتهم

للذئب أشهى مطعمه

عجائباً رأيتُها

في نومةٍ مُنعمه

أحلامُها كأنها

حقيقة مسلمه

ص: 76

المسلمون والعالم

مصر في القرن الحادي والعشرين

(قراءة أصولي)

(1 من 3)

بقلم:عبد الرحمن الكناني

تمثل الدراسات المستقبلية إحدى أهم المرتكزات العلمية التي تقوم عليها

البرامج العملية لتوجيه طاقات وتنمية إمكانات تملكها مجموعة بشريةٌ ما نحو

مستقبل أفضل في ظل مبادئ وأهداف محددة.

وقد تنبه بعض المنتمين إلى التيار الإسلامي لأهمية استشراف المستقبل

ومحاولة رصده، ولكنها حتى الآن في نظري محاولات تعتمد الجانب النظري

التأصيلي، ولم تخرج بعد فيما أعلم إلى الإطار الواقعي الواضح المدروس، بما

يتوافق مع حجم انتشار وأهمية تفاعل حركة الصحوة الإسلامية في المجتمع، في

الوقت الذي بدا فيه العلمانيون آخذين بناصية هذه الدراسات، متظاهرين بـ

(العلمية) و (العقلانية) و (الحرص على مستقبل البلاد) .

ولا شك أن مِن هؤلاء مَن يُعَدّون أهلاً من منطلق توجهاتهم للتصدر للحديث

عن رؤاهم المستقبلية، ولكن هذا لا يمنعنا نحن الأصوليين [*] ! من متابعة وربما

نقد بعض الرؤى التي تُطرح على أنها (مشاريع مستقبلية) من قِبَل هؤلاء.. نفعل

ذلك ليس لهثاً وراء أطاريحهم، ولكن رصداً وفقهاً لواقع يؤثر فينا ونؤثر فيه،

وليس لتقديم حلول ومشاريع بديلة لهذه المشاريع على منوالها؛ فإن المشروع

الإسلامي لُحمة واحدة أساسها التوحيد لا يمكن فصل أسلاخ منها لترقيع مشروع

آخر يعترف أصحابه وأحياناً يفتخرون بأنه لم يقم على تصور إسلامي شامل للكون

والحياة والإنسان، بل ينكرون أن هذا التصور موجود خارج المسجد ومحكمة

الأحوال الشخصية في أحسن الأحوال! ! .. ولكن لمحاولة بيان حقيقة (العقلانية)

و (الاستنارة) في مشروع علماني!

وعموماً: فإني أظن أن قراءتنا معاشر الأصوليين لهذه المشاريع مفيدة لنا من

باب استبانة السبيل، ومفيدة لهم أيضاً إن تجرأنا وقلنا: إن هناك ما يمكن إفادتهم

به! من باب (التعارف) والتصافح العقلي.

نعود إلى موضوعنا: فقد نُشرت في بعض الصحف اليومية دراسة بعنوان

(مصر في القرن الواحد والعشرين.. التحديات والآمال)[1] ، ومما يعطي لهذه

الدراسة أهمية كبرى: كونها عن (الشقيقة الكبرى) مصر، الدولة ذات الثقل الكبير

في المنطقة، وكون كاتبها علماً بارزاً من أعلام السياسة المصرية، هو: الدكتور

أسامة الباز، وقد طرح فيها رؤية وتصوراً لما ينبغي أن تحتذي به مصر في القرن

الميلادي المقبل.

عرض موجز للدراسة:

بدأت الدراسة بتمهيد يوضح أهمية الموضوع، وبيان لطبيعة القرن القادم، ثم

استعراض موجز للتحديات و (الإنجازات) السابقة، وتنويه بالآمال، وعناصر

التفاؤل التي تصاحب دخول مصر القرن الحادي والعشرين، ثم قدّم لرؤيته

المستقبلية بعرض اثنتي عشرة دراسة مستقبلية، كان (مركز الأهرام للترجمة

والنشر) كلف بها بعض المتخصصين، ودعاه أن يكون محرراً للكتاب الذي

سيصدر بها، ودارت هذه الدراسات حول محاور أربعة:

1-

الثوابت والمتغيرات الأساسية في مصر: الجغرافيا، والسكان،

والاقتصاد، والمرأة.

2-

التطور الذي تشهده القيم السياسية والاجتماعية في المجتمع المصري:

مفاهيم التطور في الألفية الثالثة، الإحياء الديني، فكرة الوحدة الوطنية ودور

الأقباط.

3-

التطور الذي تشهده المؤسسات السياسية والاجتماعية: قضية الديمقراطية

والنظام، فجوة العلم والتكنولوجيا، ودور المؤسسة العسكرية.

4-

دور مصر: الإقليمي، والدولي.

وبعد عرض الدراسات الاثنتي عشرة قدم الدكتور أسامة الباز رؤيته الخاصة

للمشروع المستقبلي لمصر في القرن القادم، الذي حدد ملامحه بست ركائز:

1-

تنمية الموارد البشرية، من خلال:

أ- خفض النمو السكاني باستخدام وسائل أكثر فعالية في الترويج لمفاهيم

تنظيم الأسرة، وإقناع الجماهير بأفضلية الأسرة الصغيرة.

ب- تبني برنامج صارم لمحو الأمية.

2-

القيام بمسح شامل للموارد الطبيعية، وكيفية الاستفادة منها.

3-

خطة طموحة للدخول في عالم البحوث العلمية والتكنولوجيا.

4-

تطوير وإصلاح التعليم، ووضع خطة شاملة (لحماية) عقول الشعب من

السقوط في هوة التيارات الضالة المضللة، للانطلاق من أسار (الماضي) والحاضر

إلى التقدم في الدنيا الجديدة.

5-

الدخول في (إصلاح) سياسي (بعد) الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية،

بحيث يشمل هذا الإصلاح تبني الأفراد والجماعات للديمقراطية قلباً وقالباً قبل

مطالبة الحكام بها.

6-

الاهتمام بتنمية القدرات العسكرية، والحفاظ على موقع مصر باعتبارها

قوة رائدة إقليميّاً وعالميّاً، من حيث عدم تبعيتها، وقيادتها لدول أخرى.

ملحوظات عامة على الدراسة:

وقبل الخوض في مناقشة بعض التفصيلات لبعض القضايا التي أثارتها

الدراسة أود التنبيه إلى ملحوظات عامة عليها:

أولاً: تجنب الدكتور الباز المناقشة التفصيلية للدراسات الاثنتي عشرة التي

قدمها بين يدي رؤيته، ولم يعلق عليها بالقبول أو الرفض لما جاء فيها، ولكن

تقديمه لهذه الدراسات باعتبارها أبحاث المشروع المستقبلي مع عدم اعتراضه عليها

وإن تحفظ على بعض جزئياتها يجعلنا ننظر إلى رؤيته الخاصة على أنها إجمال،

تفصله الدراسات المذكورة، مع كوننا لا نلزم أحداً بكلام غيره، ولكننا نناقش

الدراسة باعتبارها مشروعاً علمانيّاً، وإن تعددت مدارسه.

ثانياً: كثير ممن شاركوا في تقديم الدراسات كما يقول الدكتور الباز: شارك

في صياغة برامج التنمية في مصر، أو في (صنع) تاريخ الحقبة السابقة، أو له

إسهام بارز في الفكر السياسي والاجتماعي في العقود الماضية

، فينبغي علينا

أولاً النظر بتأمل في نتيجة جهودهم الماضية، وبحث آثار الخطط الخمسية وبرامج

التنمية، وخطط النهوض والارتقاء بالمواطن، ورفع المعاناة

هل سيكون

المستقبل امتداداً لفشل الماضي؟ ! ، وهل عقمت مصر عن ولادة آخرين (بدون

سوابق) قادرين على العبور بها إلى القرن القادم؟ ! .

ثالثاً: معظم المفكرين الذين صدّر الدكتور الباز رؤيته بدراساتهم: إما

خارجين من عباءة الماركسية بعد فشلهم في التبشير بها؛ إثر تيتمهم بوفاة الاتحاد

السوفييتي الذي وافته المنية على يد الرفيق جورباتشوف، أو قادمين من الرؤى

الأمريكية الليبرالية حاملين معهم رياح النظام العالمي الجديد (في شقه الإقليمي) على

أمل أن يكون لها موطئ قدم على الخارطة المصرية، فالجميع كتبوا بقلم علماني

وإن اختلف مداده، ولذا: كان موقع (الدين) في مشروعهم هو موقع (التوابل) ! ،

حيث لابد منها لإعطاء النكهة، ولكنها ليست ضرورية أو مفيدة، ولذا أيضاً: رأينا

الاضطراب عند معالجتهم علاقة (الدين) بالنسبة للفرد والمجتمع وتنميتهما.

رابعاً: يقر الدكتور الباز أن التحدي المستقبلي هو تحدٍّ حضاري، وهو كذلك

بالفعل، ولكن لم تقدم لنا الدراسة تصوراً محدداً وواضحاً أو غير واضح لرؤية

حضارية خاصة ومميزة تواجه الرؤى الحضارية الأخرى للدخول بها إلى القرن

القادم.

خامساً: ذُكر في الدراسة بعض النقاط التي لا يُختلف على إيجابيتها إجمالاً،

أما تفصيلاً فالأمر يختلف بحسب التوجه (الحضاري) الذي يتبناه (القارئ) ، وذلك

كالإحياء الحضاري، والاهتمام بتنمية الإنسان، ورفع فعاليته، وإصلاح وتطوير

التعليم، ودخول عالم التكنولوجيا، والمسح الشامل للموارد الطبيعية للاستفادة منها،

والاهتمام بتنمية قدرات البلاد العسكرية.

سادساً: وضع الدكتور الباز بداية لتدشين العمل بهذا المشروع، حددها في

سنة 2005م، آخذاً في الاعتبار من يتحفظون على موعد كهذا تعجيلاً أو تأخيراً،

وإذا كنا لا نناقش هذا الموعد أو غيره، ولكننا لا نستوعب كيف يمهد للعمل بهذا

المشروع في هذا الموعد بإجراءات وتوجهات لا تتفق إن لم نَقُل تتعارض معه كما

سيتضح لاحقاً إن شاء الله (تعالى) ، وذلك إذا اعتبرنا أن هذا المشروع هو ما يصلح

للمجتمع المصري في المرحلة المقبلة.

ملحوظات تفصيلية:

فتلك كانت بعض الملحوظات العامة على الدراسة، فإذا فحصناها بعين أكثر

مجهرية رصدنا بعض الملامح الأخرى التي تتمثل في الملحوظات الآتية:

الملحوظة الأولى: مكانة (الإنسان) في المشروع:

حيث وضح غياب البعد الإنساني عن التنمية، واعتبار (الإنسان) مجرد (أداة)

تنفيذ، ينبغي توجيه الاهتمام للجوانب التي تؤدي إلى تطويره من هذه الناحية،

وليس لأنه يستحق ذلك باعتباره كياناً له المكانة الأولى والتكريم الأوفر بين خلق الله، بل لأنه: (هو العمود الفقري لأي تنمية أو تقدم، وأن الاستثمار في البشر

وتنميتهم يمثل نقطة البدء في أي نهضة حقيقية) ، و (الإنسان المصري هو الثروة

الحقيقية المؤكدة في هذا المجتمع، وهو مصدر القوة الحقيقية متى أحسن إعداده

وأطلقت طاقته الإبداعية) ، وأهمية دور المرأة (باعتبارها جزءاً من عملية التنمية) ،

و (لأن السكان يمكن أن يكونوا عنصراً فعالاً في دفع عملية التنمية، بخاصة إذا

كانوا أصحاء ومنتجين) ، وينبغي النظر في (الضغوط والتوترات التي تتعرض لها

الطبقة الوسطى ذات الدخل الثابت، التي يمثل التدهور النسبي والمتزايد لوضعها

تهديداً للاستقرار الاجتماعي) .

ولا يختلف أحد على أن (الإنسان) هو المقصود بالتنمية، كما أنه عنصرها

الفعال، ولكن قصر الحديث عنه والاهتمام به على الجوانب المادية وما يقاس

ويوزن ويحصى

وإهمال الجوانب المعنوية التي على رأسها تنمية روحه

وعقله.. كل ذلك يشير إلى نبع المبادئ التي قامت عليها الحضارة الأوروبية التي تقدس القوة المادية، والتي ربما تأثرت بها ثقافات معظم من شارك في هذه الدراسة، وبالطبع فلن نسأل عن تربية أو (تنمية) إيمانية إسلامية لذلك الإنسان؛ لأنه لا ينبغي سؤال أرباب العلمانية عن أمر كهذا، بل ينبغي دعوتهم إليه.

الملحوظة الثانية: تحرير الإنسان أم الوصاية عليه؟

تحدّث كثير من المشاركين في الدراسة عن: (تحرير قدرات الإنسان

الإبداعية) ، و (زيادة الفاعلية) ، و (تحريك طاقات المجتمع) ، و (تعميق الممارسة

والمشاركة الديمقراطية) ..

والمفهوم: أن كل ذلك مبني على تحرير عقل الإنسان وإرادته في مناخ من

حرية تبني خيار، ويكون ذلك بتنمية عقلية ومعرفية واسعة، مع رفع الوصاية

على عقل وإرادة ذلك الإنسان..

فهل ما تمارسه الأجهزة الرسمية من إعلامية وأمنية وغيرها يتفق أو يمهد لهذا

التحرير؟ .. إن الحملات الإعلامية المكثفة، والأفلام والمسلسلات التلفزيونية

الموجهة، وتعديلات منهاج التعليم بما يتفق مع الرؤية العلمانية والرسمية.. ليدلنا

على وصاية كبرى على عقل الإنسان المصري.

وقد يعتبر بعض (المحايدين) أنه من الطبيعي أن يعبر القائمون على هذه

الأجهزة عن توجههم، أيّاً كان هذا التوجه، ولكن الصورة تكتمل إذا اتضح حجم

التضييق والملاحقات للدعاة الذين لا يسايرون الوجهة الرسمية، ومنع التيارات

الإسلامية من العمل الدعوي (السلمي) ، فلماذا لا تعطى الفرصة (للإنسان المصري)

ليسمع ما يشاء ويختار ما يريد؟ .

كما أن الممارسات الانتخابية المشبوهة من استغلال لمراكز النفوذ، والرشا

الانتخابية الصريحة والمقنّعة، إضافة إلى ما يذكر من تجاوزات وأحداث تزوير

صدرت بها أحكام قضائية أكثر من مرة، وملاحقة المنتسبين إلى التيار الإسلامي

في وظائفهم وأعمالهم، بل واستصدار (قرار) من وزير التعليم بمنع ارتداء

الطالبات للحجاب إلا إذا وقّع ولي أمرهن على إقرار بذلك في المدرسة (مع منع

النقاب نهائيّاً) إرهاباً لمن يُظهر مظهراً إسلاميّاً

وغير ذلك من ممارسات تتحطم

عليها دعاوى الليبرالية والحرية الشخصية والديمقراطية المزعومة: تدل دلالة

واضحة على مصادرة إرادة الإنسان المصري.

إننا معشر الإسلاميين نعتقد أن التحرير الحقيقي للإنسان لا يكون إلا في

العبودية الحقة لله عز وجل ، حيث يتحرر الإنسان من المغريات التي قد تؤثر

على خياره من مال، أو جاه ورياسة، أو شهوة جنس كما في الحديث الصحيح:

(تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم..)، وكما في الحديث الآخر: (ما ذئبان

جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) ،

ويتحرر أيضاً من الموانع التي تكبل إرادته؛ لإيمانه بأن أكبر ما يخافه الإنسان

قطعه بيد الله وحده، وهو الرزق والأجل: [اللَّهُ الَذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ

ثُمَّ يُحْيِيكُمْ] [الروم: 40] ، [فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ

وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ] [قريش: 3، 4] ، (ألا يمنعن أحدَكم رهبةُ الناس أن يقول

بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو

يُذَكِّرَ بعظيم) .

الملحوظة الثالثة: الطفرات السياسية بين الوهم والحقيقة:

ومما له علاقة بالممارسات السابقة: ما ذُكر في مدخل الدراسة من أنه: (شهدت الحياة السياسية في مصر طفرات لا يمكن إنكارها في اتجاه الديمقراطية،

أساسها التعددية الحزبية، وحرية الصحافة، وتعميق سيادة القانون) ، وأغفلت

الدراسة أن هذه الطفرات صاحبتها ولاحقتها انتكاسات لا يستهان بها، فما زالت

تسيطر على الحياة السياسية (العلمانية!) عقلية وروح احتكار السلطة وعدم القبول

بمبدأ تداول السلطة، ولأننا لا نؤمن بأن الديمقراطية تفي بحاجات الإنسان من

الحرية والعدالة، فسنورد هنا شهادات، ليست لمتهمين بالانتماء للصحوة الإسلامية، بل من مصادر تؤمن بهذه الديمقراطية وتدعو إليها:

فعن التعددية الحزبية: يقول الأستاذ/ السيد ياسين وهو أحد المشاركين في

هذه الدراسة: (.. مشكلة تداول السلطة في مصر وتطوير النظام الديمقراطي،

وهل سيظل الحزب الوطني هو الحزب الأوحد الحاكم في القرن الواحد والعشرين

أم سيتم تداولها، وهذه قضية جوهرية لم يتم الإدلاء فيها بالرأي) [2] ، ويقول

الدكتور السيد عوض عثمان: (.. ومن ناحية أخرى: فإن مؤسسات القطاع

الخاص خاصة الكبرى منها ومؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها النقابات المهنية

والعمالية، والجمعيات الطوعية، والاتحادات التي برزت في كافة المجالات سوف

تضع ثقلها وراء قوى وأحزاب متباينة، وتسهم بالتالي في زيادة حدة المعركة

الانتخابية، وفي المقابل: فإن هناك خطراً حقيقيّاً من أن تصبح النقابات والجمعيات

ساحة للعمل السياسي، كامتداد للأحزاب أو حتى بديل لها.

والمشكلة هنا: أن الدولة مستعدة أن تؤيد هذا الاتجاه إذا كان في مصلحة

الحزب الوطني، ولكنها مستعدة أيضاً لمحاربته والحد منه إذا رأت أنه يسير في

الاتجاه المعاكس! !) (3) .

وتكمل الصورة عندما ندرك أن الحديث الدائر عن: الاتجاه نحو الممارسة

الليبرالية، وتقليص الهيمنة على المجتمع المدني، وإفساح المجال أمام النشاط

التطوعي، والاهتمام بالمنظمات الأهلية غير الحكومية

كل ذلك المقصود منه

التحلي بمظهر مسايرة الاتجاه العالمي في ذلك، مع عدم تنفيذ إلا ما يخدم أهداف

الدولة، وما أدل على ذلك من محاربة الحكومة للنقابات المهنية المنتخبة من قِبَل

المنتسبين إليها، والتضييق على منظمات حقوق الإنسان المصرية بدعوى دفاعها

عن إرهابيين إذا تحدثت عن تجاوزات الأجهزة الرسمية، بل التضييق على

مشروع كفالة اليتيم الذي تبنته إحدى الجمعيات الدينية المسجلة منذ عشرات

السنوات بوزارة الشؤون الاجتماعية، بدعوى أن هذا المشروع سيخرج إرهابيين! .

وقد وضعت الدولة حاجزاً اسمه عدم السماح بظهور أي حزب سياسي/ديني،

معلنة تبرير ذلك: (لما قد يفرزه من أضرار واسعة المدى على الوحدة الوطنية،

وتماسك المجتمع المصري في المستقبل) ، ولكنه في الحقيقة حاجز لعدم السماح

بإفساح المجال أمام اتجاهات ذات وجهة حضارية مخالفة لتوجه الدولة السائد

بممارسة العمل السياسي والاجتماعي، حتى من خلال قنوات مصرح لها بذلك

بالفعل.. وهكذا أصبح (تعدد الأحزاب (مجرد (ديكور ديمقراطي) ، الغرض منه

إلهاء الجماهير، والإشباع النفسي الكاذب بمسايرة (روح العصر) .

أما حرية الصحافة: فمع الإقرار بوجود حرية نسبية للتعبير في إطار محدد،

إلا أن قانون الصحافة الأخير الذي رفضه ممثلو الصحفيين (القانون 93 لعام 1995 م وتعديلاته) أظهر أن الدولة ضاقت ذرعاً بهذه الحرية النسبية، حيث (جاء القانون

رقم 93 مفاجئاً وصادماً لجموع الصحفيين، الذين شعروا بخطر وتهديد غير

مسبوقين؛ فبالرغم من قسوة تشريعات الصحافة والنشر في مصر بشكل عام،

وما تنطوي عليه من قيود شتى على حرية التعبير، إلا أن ما جاء به القانون

المذكور

تجاوز كل القيود السابقة) [4] ، و (المعروف أن هناك ترسانة من القوانين والمواد التي تكبل هذه الحرية، حتى قبل صدور القانون 93، لكن السياق العام في اللحظة الراهنة لا يتيح التطلع إلى تغيير وتعديل جوهري يطلق حرية التعبير والصحافة، رغم ضرورة ذلك لتجاوز حالة الركود، وإعطاء دفعة لعملية التطور الديمقراطي، فإلى جانب القانون 93 توجد قيود هائلة على حرية التعبير في عدد من القوانين الأخرى..)[5] .

وحتى إذا اكتملت حرية الصحافة التي هي إحدى صور التعبير فإنها حق

أصيل وليست منحة أو هبة ممن سمح بها.

و (تعميق سيادة القانون) يوضحها الدكتور السيد عوض عثمان، فيقول: (إن

إحدى المشكلات المزمنة في العلاقة بين السلطات في النظام السياسي المصري بعد

ثورة يوليو 1952م هي: ضعف السلطة التشريعية في مواجهة السلطة التنفيذية)

إلى أن يقول: (وبعبارة أخرى: فإن أبرز علامات التطور الديمقراطي التي

يتصور أن تتحقق في المرحلة القادمة، هي المزيد من فعالية مجلس الشعب في

مزاولة سلطاته التشريعية والرقابية، على نحو يختلف بشكل ملموس عن الفترة

السابقة، وإلا فإن الحديث عن الاقتراب نحو مزيد من الديمقراطية لن يكون سوى

شعارات فارغة! !) [6] .

فإذا أضفنا إلى ذلك: استمرار قانون الطوارئ وعائلته، والقوانين التي تُقَنن

حسب الطلب، مثل: قانون الصحافة المشار إليه سابقاً، والقانون 100 لسنة

1993م الخاص بإعادة تنظيم النقابات المهنية، بحيث تتوافر الضمانات بعدم

سيطرة الاتجاهات الإسلامية عليها، وتعديل قانون الحسبة بما يتفق وحرية تهجم

العلمانيين على الدين، ومحاولة تعديل القانون رقم 32 لسنة 1964م الخاص

بالجمعيات الأهلية.. وغيرها، عندها نفهم المقصود بتعميق سيادة القانون، وهو

أن تكون القوانين خاضعة لتوجهات السلطة لا غير، ثم المطالبة بعد ذلك بوجوب

الالتزام.

(*) يبدو أن الكاتب يستعمل هذا التعبير وأضرابه من باب المشاكلة اللفظية وإظهار عدم الاكتراث بما يَسِمُون به المنتسبين إلى الصحوة الإسلامية.

...

...

...

...

...

...

- البيان -

(1)

نشرت في ثلاث حلقات متتالية بدءاً من 6/7/1996م في صحيفة الأهرام القاهرية، كما نشرت في التوقيت نفسه في بعض الصحف الخليجية، كالقبس والاتحاد.

(2)

ندوة (مصر والقرن الواحد والعشرون) ، مجلة عالم الكتب، ع/47، القاهرة، يولية 1995م.

(3)

ملف الأهرام الاستراتيجي السنة الأولى العدد (9) 9/1995م، ص81.

(4)

د وحيد عبد المجيد، ملف الأهرام الاستراتيجي، السنة الأولى، العدد.

(7)

، ص61.

(5)

المصدر السابق، ص2.

(6)

المصدر السابق، ع (9) 9/1995م، ص 82.

ص: 78

المسلمون والعالم

مجاهدو الشيشان

يقدمون دروساً جديدة

بقلم: مبارك سالم

حين تتعرض رقعة جغرافية محدودة لهذا النوع الشرس من القتال، فإن المرء

يتساءل: لماذا لم تحظ هذه البقعة الساخنة باهتمام وحرارة تماثل حرارة القضية،

ونيران القتال، واشتعال طرفي الجبهة، لا أبالغ إن قلت: إن حرب الشيشان هي

أعنف حرب عصابات شهدها العالم منذ الحرب العظمى، وإن كميات الرصاص

والنيران التي تعرضت لها جروزني في أقل من سنتين تفوق تلك التي تعرضت لها

برلين في حصارها وسراييفو في حربها الأهلية.. بحسبة بسيطة: ينال كل مواطن

يقطن جروزني ما يعادل 800 طلقة، ونصف قنبلة جوية، وثلاث وربع قنابل

أرضية

إنه جحيم قررنا بطوعنا أن نغمض أعيننا عنه، ونكتفي بمتابعته

بصورة سطحية) .. هكذا تكلم مراسل التلفزيون الألماني وهو يعلق على (مفاجأة)

اقتحام جروزني من قبل المجاهدين الشيشان في يوم صيفي صاعق، شهد صعودهم

السريع وانقضاضهم المدهش على الجنود الروس المرعوبين، الذين تدفع بهم

قيادتهم نحو معركة

بلا قضية

الإعلام الدولي وطرق المعلومات السريعة أضحت اليوم دون حاجة إلى أدلة

ترسم الواقع (الافتراضي) كما يقرر أباطرة المحطات الفضائية والإذاعات

والوكالات المتعددة المواقع، ونصيب الشيشان وقضيتهم انحسر في الفترة الأخيرة

على حصر الموضوع في كونه (موضوعاً انتخابيّاً) ، يلعب به مرشح البيت الأبيض

لمنصب الكرملين

لم يفت الفريق الأمريكي الذي رسم لبوريس يلتسين حملته

الانتخابية وصورته المفترضة في أن (يلعب) بأرواح شعب كامل وقضية ضاربة

بجذورها في عروق وصدور الشيشانيين بأسلوب أمريكي سينمائي.. تتحرك

عدسات التصوير قبيل ساعات من التصويت على منصب الرئاسة الروسي لتلاحق

زعامات الشيشان التي تتنقل بين الكرملين وقصر الضيافة، وتسلط الأضواء على

(صانع السلام) المخمور الذي يَعِد أمة اضطهدت عبر قرون بأنه الذي سيحيل جبالها

إلى قمم آمنة، وسهولها إلى ملاعب للطير

! ! ثم يطير (طائر السلام) الثقيل

إلى الشيشان في حركة تمثيلية ليعد الجموع المسحوقة بنيرانه بأنه جاد في عرضه

ومبادرته

وما أن ينتصر (الرجل المريض) ، وتضمن واشنطن عودته إلى

الكرملين حتى تُنقض الوعود، وتبدأ الآلة الروسية المتوحشة عادتها المألوفة

وهوايتها القديمة في سحق (المتمردين والمرتزقة) وبمباركة دولية شاملة وكاملة..

حتى (ألكسندر ليبيد) مستشار الرئيس الروسي للشؤون الأمنية الذي ارتقى إلى القمة

بانتقاده المر ليلتسين ولجرائم الروس في الشيشان انضم إلى فريق الكواسر البشرية

التي لا ترى بأساً في سحق آدمية شعب الشيشان والقضاء على حريته وإرادته.

وبعد أن تمت التمثيلية (السمجة) واتضح للمراهنين على يلتسين أنه ممسك

بمقاليد السلطة، أبعدوا عدساتهم وأضواءهم عن الشيشان وقضيتها، وأدخلوها في

(ثلاجة القضايا) التي يشربون منها ما يريدون حسب الظروف.. ويقدمونها وجبة

سريعة كلما رأوا لذلك حاجة.

توارت قضية الشيشان بعد أن حققت أهدافها روسيّاً، وأمريكيّاً، ودوليّاً،

وأصبحت من القضايا الهامشية التي لا تثير سوى النعاس، ولا تستحق أن تضعها

الـ (سي. إن. إن) في نطاق اهتماماتها.. وتلك قسمة واضحة للنظام العالمي

الجديد الذي يتحرك هنا أو هناك وقد سبقته جلبة وضجة أُعد لها بعناية، حيث

الإعلام في خدمة السياسة، والمراسل هو الجندي الأول في الحملة العسكرية،

والتقارير الصحفية لا تختلف كثيراً عن المنشورات العسكرية وأوراق التحذير التي

تلقيها الطائرات المغيرة من الجو..

التزوير الإعلامي الغربي لصالح يلتسين:

وسائل الإعلام الغربية خصوصاً تعاملت مع الشيشان بازدراء شديد وتجاهل

فاضح، وهذا ما يؤكده المراقب الروسي (يوري زاراكوفيش) ، الذي أشار إلى

إحدى المهازل المضحكة التي أفرزتها انتخابات الرئاسة الروسية، قائلاً: (هل

تصدقون أن التزوير الفاجع وصل إلى مرحلة أن دائرة الشيشان الانتخابية أعطت

80% من أصواتها للجزار يلتسين الذي كان يسرق من أبنائها ونسائها وشيوخها

النومة الهنيئة؟ ! ، وبالرغم من ذلك: فلا حديث أو متابعة دولية لهذه الفضيحة؛

لأن المعنيين هم الشيشان البغيضون! ! ..) .

هؤلاء.. بدورهم فوجئوا بعد ثلاثة أيام من انتخاب يلتسين الذي وقع اتفاقية

للسلام مع المقاومة الشيشانية بتحذير روسي (للعصابات الإجرامية) بأن تسلم

سلاحها ورجالها.. وبتعالٍ شديد وجه الجنرال الروسي (فتيسلاف تيخاميروف)

إنذاره، متجاهلاً اتفاقيات السلام السرابية، وقام بتغطية هذا النقض الواضح بحجة

وجود أسرى روس لدى الشيشان، ويصف (رسلان حسب الله توف) حليف روسيا

السابق والناطق باسم البرلمان الروسي فعلة الدب الروسي بقوله: مع إنذار

(تيخاميروف) المفاجئ هذا تبخرت الآمال في تحقيق ما سبق الاتفاق عليه في

الكرملين، وما تم توقيعه في (نازران) من اتفاقيات، مثلما سبق وأن تبخرت الآمال

في خطط يلتسين لإقرار السلام بالشيشان.

بانتهاء المهلة المحددة لتسليم الأسلحة والرهائن المحتجزين: كانت أوامر

الجنرال تيخاميروف قد صدرت فعلاً لقواته بالبدء في أكبر عملية تمشيط للبلاد،

طوقت جنوب وشرق البلاد واستخدمت فيها الأسلحة والمدفعية الثقيلة، معززة

بغطاء جوي حوّل سماء مناطق القصف إلى جحيم حقيقي

واستمر القصف حتى

الثالثة صباح التاسع من يوليو.

ومع بزوغ فجر اليوم نفسه، وفي الخامسة صباحاً بعد هدوء استمر ساعتين

عاودت قوات الجيش الروسي طلعاتها وهجومها البري، في محاولة للسيطرة على

قرية جيخي على بعد حوالي ثلاثين كيلو متراً من غرب جروزني والملاصقة لحي

أروس مارتان، على الطريق المؤدي لجيخي اصطدمت حاملات الجنود الروس

وعرباتهم المصفحة بمتاريس قوات المقاومة، حيث صدرت الأوامر للروس من

جنرالاتهم بالتقهقر، على أن يتقدم بدلاً منهم سرب الطائرات الروسية المروحية

والطائرات الحربية ليبدأ من جديد قصف جوي عنيف للقرية وقصف سكانها العزل.

قال الجنرال (شامانوف) قائد قوات وزارة الدفاع الروسي في الشيشان:

(هدفنا من العملية كان مجرد التحقق من هويات مواطني القرية (! !) ، وهو ما لم

تسمح لنا به قوات المقاومة، فاضطررنا للتعامل معها) ، ولم يكن هذا التفسير

الهزلي للعملية بجديد، فقد سبق وكان حجة لعشرات العمليات العسكرية المتوحشة،

التي راح ضحيتها آلاف مؤلفة.

ولم تمض أيام حتى غرقت قرى الشيشان في بحر من الدم والدموع والجثث،

وخصت قوات يلتسين الديمقراطية المدنيين بجزء كبير من قذائفها وحممها؛ مما

اضطر الرئيس الروسي لعزل تيخاميروف وتعيين قائد جديد هو (قسطنطين

كوليكوفسكي) .. لكن هذا التغيير في الوجوه لم يصاحبه تغيير في السياسات أو

الوسائل الوحشية لآلة الحرب الروسية.. أيقن الشيشان أن الحل بأيديهم.. ولذا:

فاجؤوا العالم بهجومهم الصاعق بعد شهر من نقض روسيا لاتفاقها معهم..

مفاجآت الشيشان الجديدة:

رفضوا أن يكونوا مجرد (إعلان انتخابي) أو (وسيلة لوصول يلتسين لسدة

الرئاسة) ، وظهرت المفاجآت المصاحبة للهجوم: من الإعلان عن وجود جوهر

دوداييف حيّاً، وظهور القائد العسكري سلمان دادوييف على شاشات التلفاز.. إذن:

قلب الشيشانيون المشهد رأساً على عقب، وأكدوا عدة نقاط مهمة لا بد للشعوب

المسلمة من تذكرها واستلهامها في المعركة الدولية الشاملة ضدهم:

-أن الوحدة على الهدف والمبدأ أمر مكلف يحتاج إلى تضحيات كبيرة وعمل

ضخم وكلام قليل، وأن الاختلاف على الوسائل والتفاصيل لا يجب أن يقف أمام

القضية الكبرى التي يتفق الجميع على خطوطها العريضة، فبالرغم من شراسة

العدو وغلبته العددية والقتالية ومعرفته التفصيلية بنواحي الضعف ونقاط الاختلاف

بين قادة الفصائل الشيشانية.. إلا أن المقاومة الشيشانية حافظت على حد معقول من

الوحدة والتجانس التي أفضت إلى فشل الروس في شق صفوفهم وتفريق وحدة

كلمتهم، لقد استند الشيشانيون إلى تاريخهم العريق في الصراع مع روسيا، والذي

اتسم بوعي عالٍ من مسلمي الشيشان بقضيتهم، كما اتسم بوضوح أهدافهم واتفاقهم

على حد أدنى من المطالب.

-أثبت الشيشان أن العملاء كالأحذية، لا يذكرون إلا من قبل التندر عليهم،

فمن منكم يعرف اسم قائد الحكومة العميلة لموسكو، الذي يشبه كثيراً الزعامات

الكرتونية المفروضة على شعوبها، تارة باسم السلطة الوطنية، وأخرى باسم الثورة، وثالثة تحت عنوان الخلاص أو الإنقاذ الشعبي! ! .

-رسم الشيشان مساراً آخر لتأكيد عدالة قضيتهم، وأكدوا للجميع أن التفاوض

مضيعة للوقت، وأن الواقع هو الذي يحدد مسارات هذه المفاوضات، كما كشفوا

للعالم أن قوة عظمى كروسيا لا يمكن أن تحفظ العهد أو الوعد، وأن القضية العادلة

تنتصر على الباطل مهما كثر خيله ورجله.

-نسف الشيشان نظريات جاهزة تستخدم دوماً لتثبيط الهمم وتهيئة الجو

للتنازل يتلوه تنازل.. من هذه المقولات التي توظف بالباطل رغم أن في بعضها

حقّاً: أن القضايا الحارة لا بد أن تخضع للموقف الدولي وحساباته، وأن قرب

ساحة المعركة من العدو الروسي يؤثر سلبيّاً على القضية.. كما أكدوا للمسلمين:

أنه حتى في حالة خذلان إخوانهم لهم، فإنهم قادرون على التوكل على الله، وحمل

أرواحهم على راحاتهم.

-ضرب الشيشان في قتالهم الأخير مثالاً جديداً لم يألفه المسلمون في صراعهم

الجهادي المعاصر: حين ابتعدوا عن التهويل، بل حاولو أن يظهروا بمظهر

المتواضع البعيد عن التهويل والمبالغة، واتضح هذا جليّاً في إعلانهم عن نيتهم

الانسحاب من جروزني بعد احتلالها، وضربوا لهذا الانسحاب موعداً لا يتجاوز

اليومين، لكن الأحداث أثبتت أنهم خططوا للاستيلاء على جروزني وأركان لفترة

طويلة، هذا ما لم تتعود عليه قيادات أخرى تصر في كل مرة على المبالغة

والتهويل من قدرتها، مما يصيب الجماهير بالإحباط.

-ومن الدروس الشاخصة: ابتعاد الشيشان عن صناعة الرمز والأسطورة

الشخصية، فقضيتهم لم ترتبط منذ انفجارها بشخص أو اثنين أو عشرة، صحيح

أن للزعامات الشخصية دوراً بارزاً في شحذ الهمم والالتفاف حول راية القضية،

لكن العالم اليوم يلتف أيضاً حول البرنامج كما يلتف حول الزعامة، بل ربما أتت

الزعامة في مرتبة بعيدة عن البرنامج

شتان بين الشيشان وقياداتهم وبعض تلك

القيادات المفضوحة في الساحة، التي تختزل قضية شعب بل أمة بتاريخها

ومقدساتها وعدالة قضيتها.. في شخص (أراجوز سياسي) أو زعيم من زعامات

الفقاقيع الصابونية..! ! .

-ولعل من الأرصدة المهمة التي انتزعها رجال الشيشان الأبطال: ذلك المجد

الذي شهد لهم به عدوهم.. هذا (ألكسندر ليبيد) الجنرال الروسي ورئيس مجلس

الأمن القومي يصرح بعد زيارته الخاطفة للشيشان بأنه: يعجب أشد الإعجاب

بصلابة وإيمان المقاتلين الشيشان، مقابل الانهيار المروع في معنويات وأداء ثاني

أضخم جيش في العالم، الذي انهار أمام بزوغ فجر الحلم الشيشاني

والسؤال: هل يشرق صبح الشيشان وينعمون بالحرية والاستقلال، كما سعوا

وحاربوا لهذا الهدف منذ قرون..؟ .

لعل هذا السؤال يجد بعض حروف إجابته في كلمات (الإمام شامل) قائد

الشيشان الراحل، الذي خاطبهم قائلاً: (أيها الجبليون: علينا أن نحارب، لا وقت

لدينا لتأليف الأغنيات وإنشائها، ولا لرواية القصص، فلنجعل الأعداء يغنون فينا

الأغنيات، وستعلمهم سيوفنا كيف يفعلون ذلك

امسحوا دموعكم واشحذوا

سيوفكم) .

ويبدو أن يلتسين وليبيد هما أول من نظم الأغنيات للشيشان، كما توقع قائدهم

المجاهد بذلك! !

فهل من معتبر؟

ص: 88

المسلمون والعالم

المسلمون البلغاريون بين الواقع والمأمول

(2 من 2)

بقلم: عبد الله بن إبراهيم المسفر

تطرقنا في العدد الماضي إلى تاريخ مسلمي بلغاريا، ومعاناتهم من الحكم

الشيوعي وما بعده، وما يلاقونه من اضطهاد ومحاولة لشق صفوفهم، وتبني

الحكومة لأشخاص مشبوهين ليكونوا مسؤولين عنهم، وإخفاقاتها حيال ما تخططه

في هذا المجال.

وسنتحدث في هذا المقال عن واقع المسلمين الحالي فيما يلي:

إطلالة على الداخل:

الحالة السياسية القائمة في بلغاريا، والتزاحم على الصوت المسلم كما أشرنا

وما سبقه من احتكاكات مع المسلمين: نبهت ولفتت أنظار الكثير من المسلمين وإن

لم يصل للدرجة المطلوبة لحقيقة ما يجري أولاً، ولحقيقة التنافس السياسي وأهمية

دورهم في الحلبة، وأنهم ليسوا في معزل عن نتائجه وإفرازاته، ولهذا: فلو خرج

المسلمون من هذه المعمعة على أقل تقدير بسعة في الإدراك، وتفتح في الأذهان

والأفهام، واتساع في الاهتمامات لتشمل هذا القطاع المهمل.. لكفى، وهذا بحد

ذاته تطور محمود ومؤشر طيب.

فنحن لا يهمنا على المدى القريب أن نجني كل ثمار هذا التقدم؛ لأن ذلك غير

منطقي، لكن بلا شك فإن ابتداء هذا التحول من الآن، سيكون له الأثر الكبير

الملموس في حياة الجيل القادم، لأنه سيكون أكثر تفهماً ووعياً وجرأة وجسارة،

وأكثر إيجابية وفعالية.. وهذا هو مدار الحديث، بل هو مدار التنافس والتآمر في

الوقت نفسه.

وعلى المدى القريب: فهذا التحول والانعطاف، إن استمر وتفاعل، سيحول

بإذن الله (تعالى) دون تكرار مأساة الشيوعية وقهرها للمسلمين والتضييق عليهم،

كما أنه سيدفع صانعي الأحداث والمسؤولين السياسيين جديّاً أن يضعوا في حسبانهم

كافة المعادلات سيئة أو حسنة ما دامت ترتبط بقطاع المسلمين.. فإن أضفنا لهذا

الأمر: التوجه الأوروبي الخارجي، والمحيط العام كما سيأتي، وفشل الخيار

العسكري في تقويض الحلم البوسني: لازدادت قناعتنا بأن الحال لن يدوم طويلاً

على هذا المنوال، وإن دام فسيتغير للأحسن إن شاء الله (تعالى) .

الوضع الاجتماعي:

وهوكما تقدم ليس بأفضل حالاً من الوضع السياسي، بل التغيير الديموجرافي

(السكاني) باستمرار يدخل في حسابات السياسات الدولية والإقليمية والمحلية،

صحيح أن التحول الديموجرافي في بلغاريا على المدى البعيد لصالح المسلمين،

وهذا سيحول هو أيضاً بإذن الله (تعالى) عاجلاً دون حدوث صدام أو تهجير، كما

أنه يفرح القلوب المؤمنة أن الأعوام التي تمر سراعاً تحمل في طياتها خيراً إن شاء

الله للمسلمين.. إلا أننا يجب أن نكون يقظين متنبهين؛ لأن الكائدين ليسوا في

غيبة عما يدور، ولهذا: لن يعدموا الوسائل والطرق لتغيير عناصر المعادلة وقلب

الموازين (قتلاً، أو تهجيراً، أو تذويباً) ، وإن كانت هذه الخيارات تبقى صعبة،

وتحتاج لتوافر ظروف وأجواء معينة..

الوضع الاقتصادي:

وهو مشابه لما مر، إلا أننا في هذا المضمار نوجه الأنظار لإمكانية المسارعة

في الاستثمار، وإن كان ما ذكرناه عامل منع، فإننا ننبه أحباءنا أن الوضع لن

يستمر على ما هو عليه؛ فبلغاريا ليست في معزل عن العالم، وبخاصة أوروبا

ومن حولها من الدول، والتغيرات الجارية فيها لمزيد من الديمقراطية والتعددية.

وصحيح أن الوضع غير مستقر الآن، لكن ارتفاع سعر الدولار وهبوط سعر

العملة يجعل الأيدي العاملة رخيصة، وإمكانية الاستثمار متوفرة، وتصدير المواد

البلغارية للخارج مربحة.. ويمكن على الأقل الاستفادة من الوضع الحالي في وضع

موطئ قدم للاستثمار والتجارة، فإن تيسر الأمر وسنحت فرص: تم اقتناصها،

وإن عدمت: ينتظر حتى تتغير الأوضاع والأحوال وينتعش الاقتصاد، ورجاؤنا ألاّ

نكون كالمعتاد آخر الركب مقبلين ومستفيدين..

هذا من زاوية، ومن زاوية أخرى: فإن الوضع الاقتصادي الآن يشغل

الحكومة والشعب، ولذا: فالحكومة البلغارية ليست لها قدرة على فتح جبهات

استنزافية إضافية، بل يسعى الحزب الاشتراكي الآن بكل جهده لإعادة الثقة

المفقودة، وتلميع الصورة المشوهة لها لدى الغرب بعامة وأوروبا بشكل خاص.

الوضع الخارجي:

انتهاء حرب البوسنة، وفشل صربيا وأوروبا وكل حاقد وكائد في إنهاء الأمل

البوسني تماماً في الوجود والحياة، ثم استمرار الحرب في الشيشان، وانهيار ما

تبقى من سمعة للجيش الروسي الجرار.. كل ذلك في تقديري أثّر أيما أثر على

تفكير أوروبا والغرب في مدى نجاح الخيار العسكري لحل النزاعات أو فرض

السيطرة بالقوة..

وحال المسلمين البلغار مختلف تماماً: فهم خط الدفاع الأول لتركيا القوية،

ويقطنون دولة صغيرة منهكة ضعيفة.. كما أن بلغاريا تقع في منطقة تخضع

لمخططات أمريكية أوروبية، لذا: فلا مجال (في حدود تقديرنا البشري) لحدوث

نزاع أو صدام جديد في هذه المنطقة على المدى القريب..

وبلغاريا لا تستطيع أن تقف حجر عثرة أمام مخططات وتطلعات أمريكا

وأوروبا في منطقة البلقان التي تربط الشرق بالغرب، بل هي الآن تعاني أشد

المعاناة من موقف الغرب منها لميلها فقط للطرف الروسي والقطب الأرثوذكسي،

فكيف إذا لبست ثوب النمر واستأسدت؟

من هنا: نخلص إلى أن عموم الوضع الداخلي والخارجي لا يساعد نهج

الحكومة الحالية ولا مخططاتها على النجاح، بل ولا على الاستمرار في الوجود،

فكيف إذا قدمت رأسها للمقصلة بإخفاقاتها العديدة؟ .. وبمقارنة سريعة بين حال

وتفكير وبرامج الاشتراكيين في بلغاريا، والاشتراكيين في كل من بولندا، وإيطاليا، وإسبانيا.. يتبين للمطلع أن الاشتراكيين البلغار يسبحون عكس التيار ويعيشون

أحلاماً مضت وولت،

ولهذا وذاك حالفهم الفشل، في حين تفيد التقارير الحالية

أن إخوانهم من الاشتراكيين قد حققوا نجاحاً؛ لأنهم عرفوا طبيعة الظروف المحيطة

بهم، وقوانين حلبة المصارعة السياسية الجديدة.. كما يقولون.

هل ستبقى الحكومة الحالية؟ !

الحكومة في تقديرنا (ولله الأمر من قبل ومن بعد) معرضة للسقوط وإن طال

عمرها، بالطبع: هناك احتمال أن يعيد الحزب الاشتراكي تشكيل حكومة جديدة

أخرى، وهذا إن حصل: فلن تكون كسابقتها، وستتخذ نهجاً مغايراً تماماً؛ لتحسين

صورتها داخليّاً وخارجيّاً، ومع أننا نميل للرأي الأول وهو السقوط تماماً إلا أننا

أيضاً نوافق من قال: إن مرد ذلك كله يعود (بعد مشيئة الله طبعاً) إلى نتائج

الانتخابات الرئاسية، وتوجه الفائز فيها:

إن كان ديمقراطيّاً: فإن سقوط الحكومة، وحل البرلمان، وإجراء انتخابات

جديدة.. حاصل لا محالة.

إن كان يساريّاً فاحتمال تغيير الحكومة، وتشكيل حكومة جديدة وارد.

وقبل أن أختم المقال: ألفت الأنظار إلى أن التوجه العالمي أيضاً قد اتفق على

محاربة الأصولية والإرهاب، وهذا مفهوم واسع ومطاط؛ لأن تحديد هذه المفاهيم

تعود لشرطي النظام العالمي الجديد، وهذه السمة لن يبرأ منها أحد من المسلمين

(شخصاً، أو هيئة، أو دولة)

إن حل عليه الغضب من ذلك الشرطي.. المهم:

أن هذا المفهوم سيلاحق العمل الإسلامي والعربي المهاجر لتقديم العون والمساعدة

لإخوانه تحديداً، وسيضيّق عليه منافذ التنسم والتنفس، وبالطبع سيجد هذا الأمر

قبولاً من قبل الدولة البلغارية (مدار حديثنا) ، لكن في حالة كون العمل الإسلامي

قائماً تحت غطاء دار الإفتاء العام هناك فهو أفضل الحلول، وإن عُدم، وقام تحت

غطاء بلغاري بحت: فهو أفضل في كل الأحوال من الغطاء الخيري الجديد.

واقع دار الإفتاء الآن:

دار الإفتاء العام الآن وحسب ما يجري تعاني والله أعلم، كما يبدو لنا من آلام

المخاض، ونتمنى أن يكون المولود خيراً، حتى لو كانت الولادة قيصرية، فلعله

بإذن الله (تعالى) ينفتح بابٌ من الأمل عظيم على المسلمين والعمل الإسلامي

لصالحهم، وإلا فإن البديل يبقى في ظل هذه الأجواء والأحوال الغطاء البلغاري

الرسمي البحت.. حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وبلغاريا لا تعاني من مشاكل مع العرب أو المسلمين بين بعضهم البعض، بل

لا يوجد ذلك التناحر بين التوجهات والمناهج المختلفة كباقي بعض الدول الأخرى،

فأكثر العاملين في مجال الدعوة وفي الجمعيات الخيرية القليلة العدد مثلاً هم من

الطلاب، وأكثرهم لا ينوي البقاء في بلغاريا، ولهذا: لا يوجد بينهم ما يوجد بين

الجمعيات والمؤسسات من اختلاف في التوجهات والمتطلبات التي تنعكس سلباً على

مستوى وأداء ذلك العمل الخيري.. وهذا بلا شك عامل مساعد وإيجابي في سير

الدعوة والعمل الإسلامي دون منغصات داخلية أو مشاكل جانبية.

ونأمل أن يكون العاملون في هذه المجالات الدعوية والخيرية أكثر تفهماً لهذه

الأوضاع الشائكة، وأكثر معرفة بضرورة تكاتف الجهود وتعاون الجميع لأداء

رسالة الدعوة والتعليم لإخواننا هناك، بعيداً عن حساسيات أو اختلافات، ستؤدي

بلا شك إلى أعمال سلبية، ما أحوجنا لتلافيها؛ لأن القصد هو التوعية والتوجيه

وإنشاء كوادر من إخواننا المسلمين هناك يقومون بواجب الدعوة والتعليم.

ويا حبذا لو اختير أفراد من شباب المسلمين ليكملوا دراساتهم في الجامعات

الإسلامية، وبخاصة في (المملكة العربية السعودية) ، فإنهم بإذن الله سيكونون ذخراً

وأملاً يرتجى لغد مشرق، وما ذلك على الله بعزيز.

ص: 96