الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون والعالم
تقرير الحالة الدينية في مصر
(عرض وتحليل)
(2
-3)
بقلم: أيمن محمد سلامة
بعد عرض الكاتب في الحلقة السابقة للتقرير وتطرقه لمصداقية المركز واضع
التقرير وحياده تجاه الاتجاه الإسلامي، حيث ذكر صوراً لتبني واضعي التقرير
موقفاً معادياً لهذا الاتجاه.. يواصل الكاتب في هذه الحلقة عرض هذه الصور ونقاط
التحليل.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... - البيان -
* والتقرير يتحدث أحياناً بلغة أقرب إلى التحريض منها إلى التحليل:
فالقيادات المحلية للحزب الوطني الحاكم لم تقدم أقباطاً للترشيح في
الانتخابات؛ لأنها قد لا تحوز على عدد كافٍ من أصوات الناخبين، وهو ما (تم
إقناع قيادات الحزب والأجهزة التنفيذية به، وهو ما قد يكشف عن طبيعة التكوين
السياسي للقيادات المحلية للحزب الوطني ولا سيما في الريف واتجاهاتهم)
(ص 312) .
ووزير الأوقاف السابق أفلتت من هجومه إحدى الجماعات الإسلامية فلم
يتعرض لها (ولم يهاجمها مثل سائر الجماعات، ولكنه اكتفى بقوله: (إن الدولة مع
الوسطية وإنها تشجع الفكر المعتدل [! ! (ص 69) .
والدولة الحديثة وسلطاتها ومؤسساتها المختلفة تواجه تحديات (من قبل
الحركة الإسلامية السياسية بكل طيوفها، المعتدلة، والراديكالية، حيث تنطلق
الأطروحات والرؤى الأصولية المغايرة لمشروع الحداثة السياسية والقانونية
والاجتماعية من منطلقات تجحد مشروع الدولة الحديثة في مرجعياته وفلسفته
…
السياسية وأنساقه القيمية والثقافية المدنية، لا سيما وأن القوى الراديكالية يتأسس
مشروعها على تغيير جذري لبنيات الدولة وقيمها وقوانينها ومنظوراتها السياسية
والفلسفية) (ص 307) .
وحتى لا ينخدع المراقبون: يلفت التقرير النظر إلى مغايرة المفاهيم التي
تطلقها بعض الفصائل المنتمية إلى التيار الإسلامي عن المفاهيم المستقرة في الغرب
وإن تشابهت المصطلحات؛ (فإن المنطلق الفكري الذي يقوم عليه إدراكها لمعنى
الحرية مختلف إلى حد كبير عما هو معروف في الفكر الليبرالي عموماً؛ فبينما قال
هذا الفكر بأن الأصل في الحرية هو الإباحة.. تؤكد أدبيات] هذا الفصيل [أن الأصل في الحرية هو التقييد، وأن الفرد مطبوع على الخطأ والشر، وأنه يميل بطبعه إلى العبودية سواء كانت لإله أو لمخلوق أو لنظام بشري، وبينما يعتبر الفكر
…
الليبرالي الحرية مبدأ أساسياً من مبادئ النظام السياسي فإن (هؤلاء) يعتبرون الحرية مجرد وسيلة لخدمة مبدأ أكبر وأشمل، هو إقامة شرع الله وتحقيق
الإسلام) .. (ص 172) .
ويحيي التقرير الدولة المركزية وقدرتها على التصدي للحركات الإسلامية
عن طريق أجهزة الأمن.. ومن ناحية أخرى: فإن أجهزة القوة والعنف المشروعة
في الدولة المصرية تتصف بالتماسك البنائي والفاعلية، وقادرة على التكيف
والتوازن الدينامي مع هذا النمط من الجماعات (ص 162) ، كما يحيي سياسة
الضربات الأمنية الشديدة والمكثفة، واتباع قاعدة التوسع في الاشتباه على المناطق
التي تتركز فيها عمليات العنف التي أدت إلى التحجيم النسبي لهذه العمليات
(ص 192) ] 1 [.
وقد يرى بعض المتربصين ومن يريدون الاصطياد في الماء العكر أن
التقرير بتفصيلاته الدقيقة ومحاولة حصره الشامل لجهات التعليم والتربية والتمويل
الرسمية وغير الرسمية يضع خارطة لمخطط تجفيف المنابع، ويشار في هذا
الصدد إلى: حصر مساجد وزارة الأوقاف وتشجيعها بناء مساجد وإنفاقها (الهائل)
على مسابقات القرآن الكريم (دون بث روح الاجتهاد والاندماج في الواقع المعاصر
وتوظيف الفكر الديني في خدمة القضايا المعاشة) ومساعدتها الطلبة والمحتاجين،
وزواج الفتيات، ومساعدة فقراء المسلمين في مواسم الحج، ورعاية الأيتام، وطبع
الكتب الدينية باللغات العربية والأجنبية، وإنشاء مراكز إسلامية، وتدعيم معسكر
أبي بكر الصديق الذي يقيمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.. (ص 65،66) .. وكذلك: منح الوزارة (20) رحلة عمرة لأبناء العالم الإسلامي من الدارسين في
مصر، ومن المعروف أن (المجلس الأعلى للدعوة والإغاثة الذي يرأسه شيخ
الأزهر يقوم بمساعدة الأقليات في العالم الإسلامي! !) (ص 68، وكذلك ص46،51) .
ويشار أيضاً إلى: البحث في محاولة حصر أعضاء الجمعية الشرعية
ومصادر تمويلها.. (وهو ما يحقق لها قدراً أكبر من الاستقلال المالي، الذي يتيح
لها هامشاً أكبر من الحرية وتعدد النشاط واتساعه) (ص 239) ، (فالجمعية الشرعية
مثلها مثل عدد ليس بالقليل من الجمعيات الأهلية في مصر تمارس الدور السياسي
من خلال تربية النشء وإعداد الكوادر) ، (كما حرصت الجمعية على ربط الطلاب
بالجامع من خلال فصول التقوية التي ألحقتها بمساجد الجمعية!) (ص240) ..
وغير ذلك من النماذج التي يقدمها التقرير.
وهنا أيضاً: الكيل بمكيالين! :
وهذه المعاملة تتضح بجلاء عند مقارنة ما كتب بأقلام علمانية عن الحالة
الإسلامية بما كتب عن الحالة المسيحية:
* ففي حين يتهجم التقرير على رموز الحالة الإسلامية من وراء ستار وصف
الواقع نجد عبارات الإعجاب تكال للرموز الكنسية؛ فالمقدمة تستهل هذه المعاملة
بإعلان وجود] نزاع داخل السلطة الدينية في مصر، وأصبحنا إزاء ظاهرة نزاعات
حول السلطة الدينية وسلطات التفسير، وتمثل أطراف هذا النزاع في المؤسسات
الدينية الرسمية (الأزهر كمؤسسة أصولية رسمية، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف
ومجموع وعاظها ودعاتها، ولم يعد النزاع قاصراً على مواجهة المراكز الجديدة
للسلطة الدينية، وإنما داخلها..) [ (ص 12) وحتى لا يظن ظان أن ذلك مظهر
من مظاهر الحرية والاختلاف الحضاري، فإن التقرير يستدعي من الخلفية
التاريخية ما يبدد هذا الوهم، فيذكر أكثر من مرة أن أحد مشايخ الأزهر (الشيخ عبد
الباقي القليني) (حسم الصراع مع منافسه على مشيخة الأزهر الشيخ أحمد النفراوي
لصالحه بعد صدام مسلح) بعد معركة مذهبية شهيرة (ص30، 43) ، ولا يظن ذلك
الظان أن ذلك النزاع كان في مرحلة تاريخية مضت وولت (فقد تقدم ثلاثة من علماء الأزهر من أعضاء] مجمع البحوث الإسلامية [، وهم الشيخ عبد الله المشد رئيس لجنة الفتوى بالأزهر وقتئذ، والدكتور زكريا البري وزير الأوقاف الأسبق،
والدكتور الطيب النجار رئيس جامعة الأزهر الأسبق بمذكرة احتجاج إلى رئيس
الجمهورية يتهمون من خلالها شيخ الأزهر جاد الحق بتعطيل مجمع البحوث عن
الانعقاد والقيام بدوره.. فضلاً عن مطالبتهم له] أي شيخ الأزهر [بتعديل مناهج
الدعوة في الداخل والخارج وتحويل بعض المبالغ التي ترد للأزهر لإنشاء عدد من
المعاهد الإسلامية في البلاد غير الإسلامية لخدمة الأقليات الإسلامية هناك.. فلم
يستجب) (ص51) ، ناهيك عما ذكر من صراع بين المعممين والمطربشين، وهذه
الصورة لا تختلف كثيراً عن الحركة الإسلامية، فالصراع قائم بين الأجيال، جيل
الشباب المتطلعين إلى دور، وجيل الشيوخ المحافظين، والتنافس قائم بين فصائل
هذه الحركة (انظر ص 174 176، ص183 186) .
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتعداه إلى التطاول، فشيخ الأزهر
عبد الحليم محمود (كان مراوغاً) عندما أصدر بياناً إزاء قضية التكفير والهجرة، والشيخ جاد الحق كان ذا (موقف مزدوج) إزاء الجماعات الدينية والسلطة السياسية (ص 46) .
وهذه السمة (الازدواجية والمراوغة) لا تختص فقط بمشايخ الأزهر، بل تمتد
بحبل سري إلى فصائل الحركة الإسلامية، فهي تعمد (إلى الحديث بلغتين مختلفتين، أو ترديد الخطاب المزدوج الذي لا يفيد إلا في إضافة المزيد من الغموض
والمراوغة الفكرية) (ص172) ، وعباراتها واضح فيها (التلاعب بشقي الخطاب
…
ذلك العام والمتشدد الذي يثير جاذبية المسلمين، وهو تطبيق الشريعة، والثاني
هو الخاص، أي الاستفادة من فرص المناخ الديمقراطي) (ص171) .
وقد يكون ذلك كله وصفاً لواقع، ولكن لننظر إلى (طريقة النظر) إلى الواقع
الآخر وكيفية تجميله والدفاع عنه، فعلى الجانب الشخصي نرى أنه في حين يذكر
شيخ الأزهر باسمه مجرداً من أي لقب (خطاب جاد الحق) يذكر الجانب الآخر في
الفقرة نفسها: (أما خطاب قداسة البابا) ! ! (ص 357) .
وماذا يقول التقرير الذي يفترض أنه يتوخى الموضوعية بحياد في رجال
الكنيسة كما توخاها في شيوخ الأزهر؟ ! . يقول عن البابا كيرلس الرابع: (كان
مصلحاً عظيماً رغم قصر المدة التي قضاها على كرسي البابوية) (ص90) ، أما
البابا كيرلس السادس فقد (استجاب بحنكة ورصانة لمطالب الجيل الجديد من
الرهبان) (ص91) ، و (ساهمت ديناميات (التوافق الشخصي الحميم) بين عبد الناصر
…
بكاريزميته السياسية والبابا كيرلس السادس بكاريزميته] 2 [الروحية في
…
بناء ملامح هذه الحقبة الخاصة في تاريخ العلاقة بين الكنيسة والدولة في مصر)
(ص93) .
والقمص مينا البراموسي (البابا كيرلس السادس) التف حوله الشباب الجامعي
(نظراً لأبوته وروحانيته وبصيرته الثاقبة) ! (ص 136) .
والخادم فرحات (القمص سمعان) (وجد في ملامح شخصية القديس سمعان
الخراز نبعاً روحياً يعينه في إكمال وبلورة شخصيته الروحية / الكاريزمية) ومن ثم: (يأتي انبهار الزائر بالمكان وسحره مقترناً بتأثير مماثل بشخص وأداء القمص
سمعان، فهو برغم تعليمه المتوسط وخلفيته الاجتماعية المتواضعة يبدو سيد هذا
المكان وآمره الوحيد) ، وعندما يتعامل القمص سمعان مع الجن والمس والصرع فلا
يسميه التقرير شعوذة وخرافات، بل (يقوم بتقديم بعض أشكال ما يسمى في الفلكلور
الشعبي المصري بالعلاج الروحي) (ص 267) .
والبابا شنودة: ذو (ذكاء معهود)(ص329) ، وهو (شخصية دينية مثقفة تملك أدوات فكرية وسياسية حديثة، تضعه في موقع مختلف كيفياً عمن سبقه من باباوات الكنيسة)(ص93) .
(وفي ظل قيادة البابا شنودة الثالث، تم دخول أجيال جديدة إلى سلك الكهنوت، واستطاع بحكم تكوينه وخبراته وقدراته القيادية استيعابهم تحت قيادته الكارزمية)
(ص 91) .
وقد كان له (مشروعه الفكري والاجتماعي والتأويلي المتميز في المسار
التاريخي لبابوات الأقباط الأرثوذكس، ودعم هذا المشروع السمات الكاريزمية للبابا
…
شنودة وشخصيته الحاسمة، وذكائه المميز) (من المقدمة ص 14) ، (ولكن الدور
البارز الذي يقوم به بطريرك الأقباط الأرثوذكس، يرجع لبعض السمات الشخصية
الكاريزمية للبابا شنودة الثالث وقدراته الإلهامية! ! المؤثرة على حياة الأكليروس
وأتباع المذهب القبطي الأرثوذكسي عموماً، وترجع عوامل هذا الدور المركزي
للبابا إلى طبيعة علاقته المباشرة بأتباع المذهب وتأثيره الساحر عليهم) (ص 95) ..
وواضح أن تأثيره (الساحر) لم يكن عليهم فقط!
…
فماذا عن المعارضة الكنسية والانشقاقات وصراع الأجيال؟ ! .. لا يفرد
التقرير لذلك أي مساحة أو عنوان، ولكن لأن ذلك مما لا يخفى ولا ينكر فقد أورده
التقرير بأسلوبين: الأول: عرضه في صورة (إنجازات) للبابا شنودة الذي استطاع
احتواء المعارضة (أو قمعها)، والثاني: تبرير عناصر الصورة السابقة بأنها نتيجة
تصرفات الحكومة وضغوط نمو التيار الإسلامي وممارساته! !
وتلخص فقرتان من فقرات المقدمة حقيقة (خلافات الرؤى) داخل المجتمع
القبطي على النحو التالي:
(ثمة تغير بدأ يحدث في الكنيسة الأرثوذكسية وهي الكنيسة الأم وبدأت
بعض التفاعلات الداخلية تظهر علانية في السجالات الصحفية، بما قد يشير إلى
بعض المشاكل أو خلافات في الرؤى حول أدوار الأكليروس خارج طقوس
وتأويلات النصوص الدينية المقدسة، أي حول الأدوار الاجتماعية لأعضاء الجسم
الأكليروسي المنتشرين في الكنائس الأرثوذكسية في مصر وخارجها.
لا يزال الفقه الغالب أو بتعبير أدق: التعاليم ذات السيطرة والنفوذ والتداول
هي تعاليم البابا وعظاته المختلفة، دونما درس لها ولاتجاهاتها، ومن ناحية أخرى: هناك دور لبعض كبار الأكليروس، بعضه محجوب عن الدرس والوعظ
والعظات، وبعضه يتداول فقط، وثمة آخر مهمش ومعزول.. وكلها ظواهر تحتاج
إلى الرصد والتحليل) ! (ص 15) .
فلماذا لم يقم التقرير بالرصد والتحليل؟ ! .. لنرى كيف تناول التقرير هذه
الظواهر:
يقول التقرير (ص 91) : (وفي ظل قيادة البابا شنودة الثالث تم دخول أجيال
جديدة إلى سلك الكهنوت واستطاع بحكم تكوينه وخبراته وقدراته القيادية استيعابهم
تحت قيادته الكارزمية، وتوسيع نطاق الهياكل المؤسسية الداخلية في الكنيسة سواء
في الداخل أو الخارج ومن ناحية أخرى: استطاع البابا شنودة الثالث أن يفرض
رؤاه اللاهوتية والمجتمعية وغيرها على الفضاء القبطي الأرثوذكسي سواء في
المجال الديني، وامتد إلى المجال المدني للأقباط وربما لآماد أخرى في المجال العام
المصري) .
ولندخل في تفاصيل هذه الصورة المجملة: (أوضاع المؤسسة الدينية
الأرثوذكسية العريقة لم تعد شأناً داخليّاً في السنوات الأخيرة، وتحولت الخلافات في
الرؤى بين الأكليروس بقيادة البابا شنودة الثالث وبين بعض العلمانيين الأقباط إلى
الحقل الإعلامي اتفاقاً واختلافاً حول رؤية بطريرك الأقباط الأرثوذكس حول إدارة
العمل الكنسي والإداري والمالي بكل دلالات ذلك
…
تحولت إلى جزء من الحوار
خارج المؤسسة الدينية) (ص 309) .
ولنكبر هذا الجزء من الصورة قليلاً: (ازداد الموقف القبطي سلبية إزاء
حزب العمل بعد الكتابات النقدية لبعض رجال الأكليروس القبطي وهم قلة وبعض
علمانيي الكنيسة، إزاء سياسات ورؤى بطريرك الأقباط الأرثوذكس..) (ص 314)
وقد يقول علماني (محايد) : إن ذلك تم بدفع الإسلاميين المتسللين إلى حزب
العمل، ولكن لننظر في شأن قبطي محض، وهو انتخابات المجلس الملي للأقباط
الأرثوذكس: (جرت المنافسات الانتخابية في أعقاب خلافات بين البابا شنودة الثالث
وبين بعض الرؤى المخالفة لرؤيته وسياساته، واتسمت بالحدة؛ لأن التعبير العلني
عن هذه الاتجاهات تم في الصحف والمجلات القومية والحزبية، وهو ما أعطى
انطباعاً عامّاً بأن مساحة الخلاف واسعة داخل النخبة القبطية بين المدنيين وبين
البابا ورجال الأكليروس..) (ص 327) ، ولهذه المساحة عمق تاريخي، فقد أورد
التقرير أنه في مرحلة نشأة الجمعيات الأهلية المسيحية وتبلورها (من القرن 19إلى
عام 1923) : (تبنت الجمعيات الأهلية القبطية قضيتي الإصلاح والنهضة؛ حيث
وقفت الجمعيات الأهلية القبطية بجانب المجلس الملي في صراعه ضد الأكليروس،
بهدف الإصلاح الكنسي) (ص 250) ، ومن القرن التاسع عشر إلى انتخابات
المجلس الملي عام 1995م تتواصل مساحة الخلاف، (وفي هذا السياق قامت
الأطراف بطرح مجموعة من الرؤى تتناول المجلس الملي ودوره واختصاصاته
كوسيلة غير مباشرة لتحديد نمط العلاقة بين العلمانيين وبين الأكليروس.. وهي
تجسدت في قوائم مخالفة لقائمة البابا) (ص 329) ، وقد تعدت (اختلافات الرؤى)
مرحلة التعبيرات العلنية الحادة ووصلت إلى ساحات المحاكم.. يقول التقرير:
(وتمثل الطعون] بوقف انتخابات المجلس الملي [أحد أشكال التعبير عن بعض القوى
الهامشية داخل الوسط القبطي، فضلاً عن أنها تعكس رغبة في تغيير شروط اللعبة
ومعارضة لبعض سياسات الأكليروس) (ص 328، 329)، وبعد الانتخابات:
(رفع أحد المحامين المرشحين ولم يحالفه النجاح دعوى جديدة بوقف إعلان نتيجة
الانتخابات، وإلغائها وإعادة إجرائها من جديد..) (ص 331) ، ناهيك عما يقال
عن قائمة البابا الانتخابية (ص 329، 330) .
على أن أعنف أشكال التعبير المعارض للكنيسة جاء من أقباط المهجر،
وخصوصاً (الهيئة القبطية) ، (فقد كثفت الهيئة هجومها على الكنيسة المصرية،
وإذا كانت الكنيسة المصرية تملك توجيه كنائس المهجر التابعة لها، فإن لهذه القدرة
حدوداً معينة
…
فإن نفوذ الكنيسة في مواجهة بعض كنائس المهجر يصطدم بدرجة
الحرية العالية التي يشعر بها بعض أقباط المهجر إلى الدرجة التي تجعلهم يصلون
أحياناً إلى قرار بقطع الروابط مع الكنيسة الأم!) ، (وقد أوضح البابا شنودة حدود
نفوذ الكنيسة الأم على أقباط المهجر عندما قال: (ثمة فئات منهم غير منضبطة ولا
تلتزم بتعليمات الكنيسة، فأقباط المهجر فريقان
…
وفريق آخر لا علاقة له بالكنيسة
ولا يدين بالطاعة لرجال الكهنوت
…
ولا مانع لديه من محاربة الكنيسة، وهو
متطرف في آرائه] (ص 221) ، بما يعني أن رجال الكنيسة لا يستطيعون
السيطرة على قطاع من المنتمين إليهم، وفي الطرف المقابل: فإن الهيئة تتهم
الكنيسة المصرية (بافتقاد الشجاعة لمواجهة النظام المصري، بل والتواطؤ في
التغطية على ما تسميه (عنصرية النظام المصري ضد الأقباط [ (ص 220) .
فكيف تعاملت المؤسسة الكنسية مع هذه الرؤى؟ .. لم تفسح لها مجالاً، بل
تعاملت معها كسياسي محترف من العالم الثالث:
فبالنسبة لكنائس المهجر المتمردة: صدرت قرارات الحرمان (ص221) ،
ولعل لهذا السبب وُضعت بعض كنائس الخارج (تحت رعاية البابا شنودة مباشرة)
(ص 89، 90)(رعاية تحت السلطة المركزية) .
وبالنسبة للجمعيات الأهلية فقد عملت الكنيسة على سحب البساط من تحت
أقدامها، (فقد دخلت المؤسسة الكنسية بثقلها في ساحة النشاط الأهلي التي كانت
متروكة قبل ذلك كلية لنشاط ومبادرات الجمعيات الأهلية المسيحية، ويمثل إنشاء
الأسقفية العامة للخدمات الاجتماعية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية في 1962م علامة
بارزة في هذا الاتجاه) (ص 253، 100) .
أما المجلس الملي فتم التعامل معه بأسلوب العصا والجزرة، حيث تم تقليم
أظافرة بتقليص صلاحياته، و (احتواء) أعضائه العلمانيين بترسيمهم شمامسة،
يقول التقرير: (.. ومن ثم يعد المجلس الملي محض دور شرفي وهامشي في
شؤون الكنيسة التي تعده ضمن النطاق المحجوز للأكليروس بقيادة البطريرك، وفي
هذا السياق قام البابا بسيامة أعضاء المجلس كشمامسة، حتى يكون المجلس خاضعاً
من ناحية أخرى للرئاسة الدينية للبابا) (ص 331)، (ومن ثم: تتحقق عملية
التجانس التنظيمي بين الرئاسة الدينية والعلمانيين) (ص 100) .
وقد يستجيز بعض المحللين أن يعبر عن الإجراءات السابقة بأنها: (قمع)
للمعارضة و (بلعها) من خلال (استقطاب) الآخرين ومحاولة (تأميم) المؤسسات
الفاعلة، وهذا ما عبر عنه بعض أقباط المهجر الذين يتكلمون بحرية! حيث تؤكد
الهيئة القبطية (أن الأكليروس القبطي الأرثوذكسي يشجعون سلبية الأقباط،
ويؤكدون على مرجعيتهم في كل الشؤون الاجتماعية والسياسية؛ وذلك لحبهم
للسيطرة على الأفراد، وأن ذلك هو نتيجة للدكتاتورية السائدة في بعض كنائسنا)
(ص220) .
هذا هو رأي قطاع من (المعارضة) ، فماذا عن رأي التقرير (المحايد) ؟
يشيد التقرير بهذه التصرفات ويرجع بعضها إلى نمو التيار الإسلامي، فيقول
في معرض تعداده لأسباب تقلص دور المجلس الملي بعد أن كان كبيراً في السابق:
(ومن ناحية خامسة: رسم البابا لأعضاء المجالس الملية المتعاقبة كشمامسة، ومن
ثم: أصبح المجلس وأعضاؤه يخضعون للرئاسة الدينية الأعلى ممثلة في البابا، ولا شك أن ذلك يشكل سياسة بابوية لمنع احتمالات الصراع القديم بين المجالس الملية وبعض باباوات الكنيسة، كالبابا كيرلس الخامس
…
إلخ، وقد أدت هذه السياسة إلى استقرار الكنيسة داخلياً، وإلى التوازن في هياكلها، وتوحيد قاعدة القوة
والتمثيل والتعبير المدني الديني في الوسط القبطي المصري، تحت لواء البابا
شنودة الثالث) (ص 98)، ويقول التقرير أيضاً: (استطاع البابا شنودة الثالث أن
يفرض رؤاه اللاهوتية والمجتمعية وغيرها.. وترتيباً على ذلك: توارت إلى الظل
الرؤى الأخرى،
…
وهكذا في ظل نفوذ رؤية وتفسيرات البابا، انحصرت الرؤى
الأخرى في حدود ضيقة لتغدو على هامش الفكر البابوي المسيطر في هذه اللحظة
التاريخية من تطور الإكليروس والمؤسسة الدينية والسياق المجتمعي والسياسي
والديني في مصر، ولا سيما في ظل تنامي النزعة المحافظة والمتشددة في التيار
الإسلامي الراديكالي الذي يمارس العنف، ومن ثم أدى ذلك إلى حالة من التوحد بين
المؤسسة الدينية الأرثوذكسية وعلى رأسها البابا ومريديها وأتباعها من المصريين
الأقباط) (ص 91،92) .
فليس هناك معارضة وصراع أجيال وتناحر تيارات وازدواجية ومراوغة كما
في الحالة الإسلامية، ولكنه توحد للكنيسة لمواجهة الزحف الإسلامي الداهم!
وأخيراً: فهناك تساؤل لا يستطيع المرء تجاهله تجاه الحالة القبطية، وهو:
لماذا لم يأت التقرير بأي ذكر للمحاولات الإصلاحية للدكتور رفيق حبيب ابن رئيس
الطائفة الإنجيلية والتي جوبهت بالمحاربة من الكنائس الثلاث، كما دوّن ذلك في
كتاب أسماه: (اغتيال جيل) ؟ ! .
إن التقرير يحاول من حيث لا يقصد أن يجعل قوله (تعالى) :] تَحْسَبُهُمْ
جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [واقعاً ملموساً! .
* ومن الكيل بمكيالين: الحديث بطريقتين عند تناول الأمور المالية:
فبينما يعرّض بقبول الأزهر بعض الهبات والتبرعات لدعم بعض مؤسساته
العلمية، ويشكك في مصارف هذه التبرعات (هناك عدد آخر من المراكز العلمية
والاجتماعية التابعة لجامعة الأزهر، بعضها يتلقى هبات ومنحاً من جهات خارجية
بحجة خدمة الدعوة الإسلامية) وبينما يحاول أن يحصي هذه المراكز واحداً واحداً
(ص56، 68) .. نجده يشيد بهبات الأقباط الواردة من الخارج ويجعلها ضرباً من
الوطنية وليست (بحجة) المساعدات الإغاثية: (فمساعداتهم الطبية والدوائية إبان
حرب أكتوبر خير شاهد على وطنيتهم، كما أن ما يرسلونه من مساعدات لجمعيات
وهيئات خيرية] مسيحية بالطبع، ولم يذكر هذه الجمعيات ولا طبيعة هذه
المساعدات، ولا كيفية التصرف فيها [ما زال مستمرّاً) (ص 221) ، ويضرب
الصفح عن تمويل بعض المشروعات الخاصة بجمعيات قبطية من قبل هيئات
أجنبية كهيئة أوكسفام، وهيئة الإغاثة الكاثوليكية، وصندوق الأخت إيمانويل
(ص 269) ، بل عن وجود هيئات صليبية دولية كاملة تعمل داخل مصر، كهيئة كاريتاس/ مصر التي أسسها المونسنيور لينوزانيني سفير الفاتيكان في مصر (ص 58) .
كما أن التقرير الذي يحاول أن يحصي المصادر المالية الداخلية والخارجية
للمؤسسات الإسلامية إلى درجة محاولته إحصاء اشتراكات الأعضاء في الجمعية
الشرعية (ص 239) يهمل التطرق إلى أمر يبدو بدهيّاً لأي متابع، وهو: كيفية
إعالة رجال الكنيسة بالآلاف رغم أنهم موظفون غير حكوميين! ، وبالطبع فإن
مناقشة هذا الأمر سيفتح ملفّاً ساخناً حول الجهاز الاقتصادي الضخم للكنيسة، وهو
ما أشار إليه التقرير بعبارة (أنشطة التدريب المهني والقروض الصغيرة
ومشروعات التنمية الريفية والحضرية) (ص 253) ، وأوضحه قليلاً عند بيان
برامج (البرنامج الشامل للتنمية) الذي بدأته أسقفية الخدمات العامة والاجتماعية
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية عام 1985م، فإضافة إلى مشروعات التنمية المحلية
هناك (برنامج القروض الصغيرة) (الذي يهدف إلى تشجيع الشباب] النصراني [
كأفراد ومجموعات على البدء في مشروعات صغيرة تساهم في تنمية دخلهم، مع
مساعدتهم بالمال والخبرة الفنية ودراسات الجدوى) (ص 58) ، وهذه السياسة
(جهاز كبير يمول مشروعات صغيرة كثيرة مستقلة عنه) كانت أحد العوامل المهمة
التي ساعدت على إفلات هذا الجهاز الضخم من مذبحة شركات توظيف الأموال
التي طالت جميع النشاطات ذات الصورة الإسلامية.
ومن الأرقام ما خدع! :
يشار دائماً إلى الأرقام على أنها لغة لا تعرف المجاملة ولا التحيز، ولكن
المدقق يرى أن واضع الأرقام يستطيع أن يستخدم أسلوباً ما من الإخفاء والإبراز
والتوجيه ليخدم هدفاً ما، وهذا ما حدث في بعض أجزاء التقرير بقصد أو غير
قصد.
وبداية: فإننا لا نشاطر الدكتور حسن حنفي] 3 [القول إن تخصيص مساحات
أكبر من صفحات التقرير عن وضع الأقباط لا تتناسب مع نسبتهم العددية يعد أحد
مظاهر الميل إلى إبراز وضع الأقباط في مصر، فالتقرير يتحدث عن واقع،
وليس من المناسب إهمال واقعٍ ما لأن أصحابه لا يحوزون إلا نسبة عددية قليلة،
ولكننا نستطيع القول: إن في ذلك دلالة على تمدد واقع العمل القبطي وتغلغله، في
مقابل انكماش واقع العمل الإسلامي وركوده، قياساً على نسبة أصحابه العددية،
رغم تكثيف الأضواء عليه.
وأول خداع الأرقام وتضاربها يظهر في إخفاء عدد الكنائس في مصر حسب
سجلات الكنيسة التي لا بد أنها تحصرها] 4 [، وذلك لخدمة مطلب طالما ألحت
عليه الكنيسة وهولت من أجله، ألا وهو إطلاق السماح ببناء الكنائس وترميمها مما
يعتبرونه قيود الخط الهمايوني والشروط العشرة التي تنظم هذا الأمر
…
(ص 87 88، 92، 123) ، فظهور العدد الحقيقي للكنائس مقارناً بنسبة الأقباط العددية يفضح هذا المطلب، ولكن ذكر سهواً على ما يبدو (ص 122) حصر للكنائس الإنجيلية بلغ (1377) كنيسة، وإذا عرفنا أن الطائفة الإنجيلية تعتبر أقلية داخل الأقلية كما يصفها التقرير نفسه، حيث تمثل هي والكنيسة الكاثوليكية نسبة 15% من مجموع أقباط مصر] 5 [، الذين تدور نسبتهم حول6 % حسب آخر إحصاء رسمي] 6 [، فيكون الأقباط الإنجيليون يمثلون 0. 36% من
الشعب المصري ويملكون (1377) كنيسة، وإذا (بحبحناها) في تعدادهم آخذين في الاعتبار ادعاء نصارى مصر أن نسبتهم تدور حول 10%، واعتبرنا أن الإنجيليين يمثلون نصف بالمئة (0. 5%) من سكان مصر، فإنه ينبغي أن يكون عدد المساجد في مصر لا يقل عن (247860) مسجداً على اعتبار أن نسبة المسلمين 90% فقط، ولكن الإحصاء الأخير الذي نشكك في صحته يقول إن عدد المساجد (66801) مسجد، والتقرير الذي بين أيدينا ذكر أن عدد المساجد بما فيها الزوايا أسفل المنازل والمساجد الأهلية يبلغ (120000) مسجد فقط
(ص 64) ] 7 [، وهو يقل عن نصف العدد المفترض المشار إليه (247860) ،
…
فإذا أضفنا إلى ذلك اتساع مساحة الكنائس وكبرها، لعرفنا أن المطلوب ليس توفير أماكن عبادة لنصارى مصر، بل زراعة الكنائس في هذا البلد، ليعود كما كان قبل الفتح الإسلامي كما يصرح متطرفوهم.
ومن مشاريع الزراعة هذه ما أورده التقرير عن نسبة الجمعيات الأهلية
المسيحية، حيث ذكر أن النسبة الإجمالية للجمعيات الأهلية المسيحية في مصر تبلغ
18، 5% من إجمالي الجمعيات الأهلية (جدول رقم 1ص 52) ، وهو الأمر الذي
قد ينظر إليه بادي الرأي فيعتبر أن النسبة الباقية (82، 94%) جمعيات غير
مسيحية، فيعتبرها جمعيات أهلية إسلامية، كما قد يقارنه بنسبة الأقباط العددية
(6 % 10%) فيرى أنها في حدود الاعتدال أو أن هناك نقصاً قليلاً في نسبة الجمعيات الخاصة بهم..
ولكن الحقيقة خلاف ذلك، حيث تزيد هذه الجمعيات بكثير عن الجمعيات
الإسلامية إذا قارناها بنسبة المسلمين، فهذه الأرقام ينبغي أن يُنظر إليها في ضوء:
نسبة الجمعيات الأهلية الإسلامية، ونسبة عدد السكان في كل فئة، وقد أشارت
دراسة الدكتورة أماني قنديل (ص 237) إلى أن (الجمعيات الإسلامية قد شكلت 34 % من إجمالي عدد الجمعيات (وهو 2832 جمعية عام 1991م) كما تبين أن
الجمعيات القبطية تمثل 9% من الإجمالي أيضاً) كما أن الجدول رقم (3)
(ص 245) الذي يوضح النسبة المئوية للجمعيات الدينية في بعض المحافظات (12 محافظة من 27 محافظة) يبين أن إجمالي نسبة الجمعيات الإسلامية 30%، وإجمالي نسبة الجمعيات القبطية 6% في هذه المحافظات، أي إن الجمعيات المتبقية
(57% حسب دراسة د. إماني) جمعيات غير دينية، وبمعنى آخر: يشترك فيها
المسلمون والنصارى، وتبقى 34% من الجمعيات لخدمة المسلمين ورعايتهم (94 % من إجمالي تعداد مصر) ، و9% من الجمعيات لخدمة الأقباط ورعايتهم (6%
من إجمالي تعداد مصر) ، أي إن كل 1% من الشعب المصري إذا كانوا أقباطاً
يخدمهم 1. 5% من الجمعيات الأهلية، أما إذا كانوا مسلمين فإن نسبة الجمعيات
التي تخدمهم تساوي 36، 0% من إجمالي الجمعيات، وبمعنى أكثر وضوحاً: فإن
نسبة الجمعيات الأهلية القبطية تساوي أربعة أمثال نسبة الجمعيات الأهلية الإسلامية
إذا أخذنا في الاعتبار نسبة عدد السكان لكلّ منهم.
ومن خداع الأرقام أيضاً: ما أورده التقرير من أن (الوزن النسبي للجمعيات
الأهلية المسيحية الجديدة داخل كتلة الجمعيات الأهلية الجديدة في حي شبرا بالقاهرة
قد انخفض إلى 54، 4% بعد أن كان يمثل 5، 27% بحسب الجدول رقم (3)
وانخفض هذا الوزن النسبي في حي روض الفرج إلى 2، 8% بعد أن كان يمثل
25، 18%، كما انخفض الوزن النسبي الكلي للجمعيات الأهلية المسيحية الجديدة
داخل كتلة الجمعيات الأهلية الجديدة بمدينة القاهرة إلى 81، 2% بعد إن كان يمثل
57، 7% بحسب نفس الجدول) (ص255 256) ، بما يفيد انحسار انتشار
الجمعيات الأهلية المسيحية، الأمر الذي يرجعه التقرير في موضع آخر
(ص 253) إلى تزايد مظاهر المد الإسلامي، ودخول الكنيسة أحياناً كثيرة بديلاً لهذه الجمعيات، بالإضافة إلى قيود قانون الجمعيات رقم 32 لسنة 1964م.
وحتى لو اعتبرنا صحة هذه الأسباب؛ فواضح أن التقرير يهمل سبباً آخر
مهمّاً، وهو أن القاهرة وخصوصاً الأحياء المذكورة وصلت إلى حالة التشبع
السكاني والتشبع من هذه الجمعيات، الأمر الذي جعل اتجاه إنشاء جمعيات جديدة
ينتقل إلى تجمعات عمرانية جديدة أو تجمعات لا توجد فيها هذه الجمعيات بكثافة،
وهو ما أدى إلى انتقال مؤشر الوزن النسبي إلى بؤر سكانية أخرى، أو خفضه في
بعض الحالات.
(1) د، حسن حنفي، جريدة (البيان) الإماراتية، ع/ 6060، 20/1/ 1997م.
(2)
تكرر هذا الوصف لأسماء كنسية عديدة، فوُصِف به البابا شنودة وشخصيته وقيادته ما لا يقل عن 7 مرات (ص 14، 83، 91، 93، 95، 95، 329) ، وتكرر ثلاث مرات للقمص سمعان (ص 267) ، ومرة للبابا كيرلس السادس (ص 93) ، وهذا الوصف مأخوذ من Charismatic بمعنى صاحب جاذبية وساحر للجماهير، أو قيادة آسرة.
(3)
جريدة (البيان) الإماراتية، ع / 6053، 13/1/1997م.
(4)
ذكر التقرير عدد كنائس المهجر (ص 223، جدول رقم 1) ، وقد بلغ مجموعها 187 كنيسة.
(5)
انظر: فهمي هويدي، جريدة (الأهرام) القاهرية، 26/11/1996م، وقد ذكر التقرير (ص 110) أن تعداد الكاثوليك حسب إحصاء كنيستهم عام 1994م يبلغ (210) آلاف.
(6)
المصدر السابق وقد صدر قريباً إحصاء عام 1997م (يصدر الإحصاء كل 10 سنوات) ، ولم يتضمن نسبة المسلمين والنصارى، ولكنه تضمن عدد المساجد (66801) والكنائس (2456) ، وهو رقم غير منطقي ولا يمكن تصديقه، إذ من غير المتصور أن تحوز الطائفة الإنجيلية التي تدور نسبة تعدادها من جميع الأقباط حول 6% على 56% من كنائس مصر! ! ، وإذا أردنا أن نخطئ أحد الرقمين فإننا نخطئ رقم الإحصاء الأخير؛ لأن عملية العد (في الشوارع) يقوم بها أفراد يجوز عليهم الخطأ والسهو (والنية السيئة) بخلاف الرقم الذي أوردناه عن التقرير، وهو غالباً خارج من سجلات الكنيسة الإنجيلية وأوراقها، وبالطبع فإن هذا الرقم الخطأ الوارد في إحصاء 1997م والتكتم على عدد الكنائس الذي تم في التقرير من قبل الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية اللتين تملكان بالتأكيد حصر كنائسهما مقصود به إثارة الأمر على أنه اضطهاد للأقباط في مصر وهضم لحقوقهم، وهو ما تكرر في التقرير أكثر من مرة، ورددته قيادات قبطية عقب صدور الإحصاء مباشرة (انظر جريدة الحياة، 24/2/1418هـ، ومقال منى مكرم عبيد، الحياة، 11/7/1997م.
(7)
ذكر التقرير في موضع آخر (ص 237) أن ثلاثة آلاف مسجد تمثل أقل من 10% من إجمالي مساجد مصر، بمعنى أن عدد هذه المساجد يدور حول 30 ألف مسجد فقط.
المسلمون والعالم
عولمة أم أمركة
نهاية التاريخ.. أم نهاية أمريكا؟ !
(الأخيرة)
بقلم: حسن قطامش
بعد استعراض التاريخ الأمريكي، والنشأة الأمريكية كقوة عظمى، وبعض
طرق الأمركة، أورد الكاتب سؤالاً:(لمن كل هذه القوة؟) ، بدأ الإجابة عليه في
الحلقات السابقة، وفي هذه الحلقة بقية الإجابة، وبقية طرق أمركة العالم.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
-البيان-
القوة الأمريكية.. ونهاية التاريخ: لعل هذه الوقفة تجيب على جزء مهم من
السؤال المطروح أولاً؛ فبعد الانهيار السوفييتي، واستفراد الولايات المتحدة بالعالم
نشرت أمريكا روح الإحباط لدى شعوب كثيرة، بأنّ التاريخ شارف على نهايته بهذا
الاستفراد، وأن الديمقراطية الغربية هي الوحيدة القابلة للحياة بعد انهيار الشيوعية،
وأن التاريخ قد توقف عند انتصار النظام الأمريكي الحالي؛ ولذلك كان ما يُسمى
…
بـ (نظرية نهاية التاريخ) .
وعقب نهاية الحرب العالمية الثانية وضع (جورج كينان) الديبلوماسي
والأستاذ الجامعي نظرية: (احتواء الشيوعية) وأكد أن القضاء على النازية وقتها
ليس نهاية المشكلة العالمية، وأن الشيوعية ستصبح الخطر الجديد، وأنها ستهدد
الغرب؛ ولا بد من احتوائها بتأسيس أحلاف عسكرية تحيط بالاتحاد السوفييتي،
ووضع خطط لمنع انتشار الشيوعية في الدول الغربية والعالم الثالث.
ويجيء الآن (د. صمويل هنتنجتون) أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد،
ومدير معهد الدراسات الاستراتيجية فيها، وكان قبل خمسة عشر عاماً في عهد إدارة
القس الأمريكي (جيمي كارتر) مسؤولاً عن (التخطيط في مجلس الأمن القومي) ،
يجيء ليضع نظرية: (صدام الحضارات) ويقول: (إن القضاء على الشيوعية ليس
نهاية المشاكل العالمية، وإن الإسلام هوالعدو رقم واحد الذي يمثل الخطر الحقيقي
على الحضارة الغربية) .
ولن نساير من ناقش هذه النظرية، وفنّد حقائقها، وأنها مجرد (نظرية) وأنها
مفتقرة إلى أبسط قواعد المنهج العلمي؛ فاحتواء الشيوعية كان مجرد نظرية.
ثم بماذا نفسر هذا الإلحاح المقيت على خطر الإرهاب والأصولية الإسلامية؟
ومما يؤيد ما نذهب إليه سؤال مجلة: (أتلانتك) للدكتور (بنجامين سوارتز) الخبير
في الاستراتيجية الأمريكية في معهد السياسة العالمية بنيويورك:
س: بعد حرب الخليج -لاحظ التحديد- أكثرت أمريكا من استعمال كلمة:
(الإرهاب)، وقال البعض: إن الإرهاب حل محل الشيوعية؟
ج: هذا صحيح.. لكن شعار مكافحة الشيوعية خلال الخمسين سنة الماضية
كان (مجرد ستار) لسيطرة الشركات الأمريكية على العالم، وكان ذلك باستعمال
القوة العسكرية، وبمشاركة ومعرفة جنرالات البنتاجون؛ ولهذا أقول بأن (مكافحة
الإرهاب) ليس إلا شعاراً جديداً، ولا بد أن جنرالات الجيش الأمريكي سعداء جداً؛
لأنهم (وجدوا هدفاً جديداً) ولا بد أنهم يعرفون دورهم التاريخي.
ولعل هذا الموضوع يحتاج لأهميته إلى دراسة خاصة تبين الموقف الإسلامي
الحقيقي منه؛ إذ إن أغلب من تكلم حول هذه النظرية للأسف من القوميين
والعلمانيين!
الطريق الثاني للأمركة بالقوة: (انفراد القوة) : كان الطريق الثاني الذي
اتبعته أمريكا لفرض سيطرتها عن طريق القوة العسكرية هو الحد من انتشار
الأسلحة النووية والكيماوية وغيرها مما لا رغبة لأمريكا في امتلاكه لغير من ترغب
هي، وهذا الطريق مكمل للأول وهو ما نسميه:(انفراد القوة) فبعد السيطرة على
سوق السلاح العالمي، وبناء قوة عسكرية كبيرة، كان لا بد من إلجام الدول عن أن
تفكر في الوصول إلى هذا المستوى من القوة لئلا تهدد الأمن القومي الأمريكي.
وهذا الطريق يجعل من الملزم لأمريكا أن يكون لها عدو دائم تسوِّغ به
سياستها التوسعية ونفوذها العالمي؛ فتحالفات أمريكا مع الدول الصديقة لها، ليس
هناك ما يجعلها متماسكة أكثر إلا الإيهام الأمريكي بعدو مشترك يهدد مصالح الجميع؛ ولذا نجد الدول الغربية وغيرها من حلفاء أمريكا تسير في الركب وهي مقتنعة
بوجود هذا التهديد!
أما أمريكا فمطالبة بإيجاد ذلك العدو واصطناعه بما يضمن لها الانتفاع من تلك
التحالفات؛ وأكبر الانتفاع هو تمويل البرامج الوقائية والدفاعية لأمريكا؛ والعجيب
أن الدول الحليفة هي التي تطالب بدفع النفقات تطوعاً! !
تقول (مارجريت تاتشر) رئيسة وزراء بريطانيا السابقة في تقديمها لكتاب
واينبرجر: (الحرب المقبلة) : إن الولايات المتحدة سوف تتعرض لتهديدات
بالصواريخ طويلة المدى في بداية القرن القادم لاحظ أيضاً التوقيت وإن الرد
المناسب لذلك هو بناء نظام دفاعي عالمي للصواريخ عابرة المحيطات تكون له
الأولوية المطلقة في الإنتاج، (وأن يقوم حلفاء أمريكا بدفع فاتورة بناء هذا النظام) ! !
ويفسر تلك الظاهرة السياسية وهي الانسياق في الركب الأمريكي مع الاقتناع
بعدو مشترك د. (أرون فرايد بيرغ) ، الأستاذ المساعد لمادة السياسة والشؤون
الدولية في جامعة برينستون في دراسة بعنوان: (مستقبل قوة أمريكا) فيقول: (إن
السبب وراء حرص الآخرين على الاهتمام بهواجس أمريكا والقبول بقيادتها: أن
هؤلاء في اللحظة الراهنة على الأقل لا يريدون الاضطلاع بهذه الأعباء، ولكن من
غير المحتمل أن يدوم هذا الوضع، فمن جهة فسوف يؤدي ذلك الوضع إلى دفع
أمريكا حلفاءها السابقين باتجاه الاضطلاع بقدر أكبر من المسؤوليات، ومن جهة
ثانية فمن شأن ما تبذله الولايات المتحدة بالإبقاء على هيمنتها عبر اجتراح صفقات
جديدة، وتحويل نسبة أكبر من ترتيب التكاليف الموجودة إلى الآخرين أن يتمخض
عن النتيجة ذاتها، وفي أوروبا وآسيا ستسير الولايات المتحدة وحلفاؤها القدامى في
طرق منفصلة! ! ففي غياب أي تهديد يبعد أي اتجاه نحو التوحيد يبدو بروز
سياسات أكثر استقلالاً على الصعيدين الديبلوماسي والعسكري أمراً محتوماً، كما
يبدو أن تطور سياسات اقتصادية أكثر احتمالاً. إن تفكك التحالفات بسرعة سيذهب
معه كثير من النفوذ الذي كانت الولايات المتحدة تستمده يوماً من واقع كونها زعيمة
التحالف) .
فللحفاظ على النفوذ، لا بد من تحالف، ولبقاء التحالف، لا بد من وجود عدو
يحاربه هذا التحالف، وأمريكا مطالبة باستمرار بإيجاد ذلك العدو!
من أعداء أمريكا.. وما قوتهم؟ هناك أعداء يستطيعون إحداث تدمير
بالولايات المتحدة من خلال استخدام أسلحة جديدة، كالصواريخ العابرة للمحيطات،
ورؤوس حرب بيولوجية وكيماوية ونووية، وهناك 25 دولة لديها مثل هذه
الصواريخ، وهذا العدد سيزداد خلال العقد القادم، وفي تقرير وزارة الدفاع
الأمريكية فإنه بحلول عام 2000م سيكون هناك تسع دول نامية يمكنها تملك أسلحة
نووية، و30 دولة يمكن أن يكون لديها أسلحة كيماوية، وثماني دول أخرى يمكن
أن تمتلك أسلحة بيولوجية، أما تقديرات وكالة المخابرات المركزية (سي. آي.
إيه) فتقول: إنه من المتوقع بنهاية هذا العقد (التسعينات) أن تدخل خمس دول
أخرى النادي النووي، ومرّ بنا أن كلاً من إيران والعراق وكوريا الشمالية أعداء
أمريكا الحاليين سيكون لديهم بحلول عام 2005م (120) طائرة هجومية طبقاً
لتقديرات البحرية الأمريكية.
تلك هي التقديرات الرسمية الأمريكية، أما التقديرات التحريضة فتأتي من
جانب صاحب الكتاب (الافتراضي) واينبرجر، وهي تختلف تماماً وتكذب التقارير
الرسمية، فيعتقد واينبرجر أن وكالة المخابرات الأمريكية تسيء التقدير، وهي
تقديرات يغلب عليها التفاؤل! ويضرب مثلاً بحالة العراق.. فقبل حرب الخليج
الثانية كانت تقديرات الـ (سي. آي. إيه) تفيد أن صدام حسين لا زال أمامه سبع
سنوات على الأقل ليتمكن من الوصول إلى تحقيق قدرات إنتاج أسلحة نووية، إلا
أنه اتضح لخبراء وكالة الطاقة النووية بعد الحرب، وعندما قاموا بفحص إمكانات
بغداد، أن العراق على وشك التوصل لإنتاج أسلحة نووية في خلال ثلاث سنوات
فقط، كما أن الأقمار الصناعية أخفقت في تحديد قدرات العراق على إنتاج أسلحة
نووية أو كيماوية؛ فعندما بدأت الحرب كان لدى المخططين الأمريكيين العسكريين
هدفان نوويان في القائمة لضربهما، ولكنّ مفتشي وكالة الطاقة النووية استطاعوا
بعد الحرب تحديد ستة عشر مصنعاً رئيساً كان يجب تدميرها! وعليه فليس هناك
معلومات كافية بما يجري في بقية أرجاء العالم!
ولم ينسَ الكاتب (وزير الدفاع السابق) أن يحرض على روسيا..) إنه في
الوقت الحاضر بالتحديد وليس بعد ثلاث إلى خمس سنوات، أو حتى عقد من
الزمن هناك روسيا التي تمتلك 25 ألف رأس نووي تستطيع تدمير الولايات المتحدة
خلال فترة لا تتجاوز ظهر أي يوم) .
ولأجل التقارير الرسمية، والتحريضية، كان على أمريكا الحد من هذه
الأسلحة التي تؤرقها، فكان ما يسمى بـ (برنامج التعاون من أجل تخفيض الخطر)
في عام 1991م؛ حيث استطاعت الولايات المتحدة إزالة أكثر من ألفي رأس نووي، وثمانمئة قاذفة قنابل، ومنصة صواريخ في كل من روسيا وأوكرانيا وكازاخستان، وكان ذلك مقابل مساعدات مالية، وهو ما اعتبرته أمريكا إنجازاً ضخماً تفتخر به، فقد صرح وليام بيري قائلاً: إن منع الانتشار يعني شيئاً أكثر من مجرد تفكيك
ترسانة الحرب الباردة النووية، إنه يعني.. (قيادة المعركة) .
كما اتخذت الولايات المتحدة تدابير أخرى للحد من انتشار عدد من الأسلحة،
كاتفاقية خطر الانتشار النووي، والعمل على وضع معاهدة الحظر الشامل للتجارب
النووية موضع التنفيذ، والسعي إلى التصديق على الميثاق الدولي للأسلحة الكيماوية، والعمل على تعزيز ميثاق الأسلحة البيولوجية ونظم السيطرة على تكنولوجيا
الصواريخ، وأخذ المبادرة في سلسلة من التدابير الدولية للحد من تدفق السلع
والتقنيات التي يمكن استخدامها في إنتاج أسلحة الدمار الشامل، وفرض العقوبات
ضد الدول التي تنزع إلى اقتناء هذه الأسلحة.
كما أن هناك ما يسمى بـ (ديبلوماسية الإجبار) وهي مزيج من التدابير
الديبلوماسية والعسكرية، وهو ما استخدمته الولايات المتحدة في عام 1994م من
أجل وقف البرنامج النووي لكوريا الشمالية. وتضمنت التهديدات من جانب أمريكا
ودول أخرى فرض عقوبات اقتصادية ما لم تتوقف كوريا الشمالية عن ذلك البرنامج، وتضمن كذلك الديبلوماسية من الوعود بتقديم مساعدات لإنتاج الطاقة (الكهربائية)
في حال وقف البرنامج النووي كما تستدعي هذه السياسة مضاعفة الوجود العسكري
الأمريكي بالمنطقة؛ إذ يوجد الآن (45) ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية.
كما اتبعت الولايات المتحدة السياسة نفسها مع جنوب إفريقيا حينما أرادت بيع
صفقة من الأسلحة لسوريا، فهددت بقطع المساعدات التي تبلغ قيمتها 120 مليون
دولار حال تنفيذ الصفقة؛ وذلك لأنها (تعرقل جهود السلام التي تبذلها الولايات
المتحدة في المنطقة) وتعمل على الإخلال بميزان القوى في المنطقة! !
ونختم هنا برأي وليام بيري حول هذه السياسة التي تسمى بـ (الدفاع الوقائي)
إذ يقول: ما من شك في أن الريادة الأمريكية هي التي تجعل الدفاع الوقائي ناجحاً
ومفيداً، سواء كان ذلك في روسيا أو أوروبا أو البلقان أو الأمريكتين أو آسيا
الشرقية والمحيط الهادي؛ إذ ليس هناك بلد آخر له ما لدى الولايات المتحدة من
موارد واردة، ومكانة تتيح لها الوصول إلى سائر أركان المعمورة.. وفي الوقت
نفسه (لا ينبغي لأحد أن يتوهم أن الدفاع الوقائي عمل من أعمال البر والإحسان..
إنما المسألة ببساطة أن الولايات المتحدة تبذل هذا الجهد الخارق والعمل الجاد اليوم، لكي تتقي غداً إراقة دماء أبنائها وإهدار ثرواتها) .
الطريق الثالث للأمركة بالقوة.. (أمركة عسكر العالم) : لم يبق لأمريكا
لأمركة العالم بالقوة غير هذا الطريق الأخير لإحكام حلقة السيطرة والزعامة؛ فكثير
من دول العالم خرجت حديثاً من تحت وطأة الاستعمار الأوروبي، سواء في إفريقيا
أو آسيا أو حتى دول أوروبا التي خرجت حديثاً من تحت الحكم الشيوعي، وهذه
الدول يمثل العسكر فيها نسبة كبيرة وهذه النسبة المرتفعة أدعى إلى نزوع هذه
الدول إلى سياسات إن لم تكن معادية فهي استقلالية، لكن الولايات المتحدة يصعب
عليها وجود دولة لا تدور في فلكها؛ فالدولة إن كانت تحكمها مجموعة مدنية، فلا
بد من المباركة الأمريكية حتى تحظى بالقبول والعضوية في المحافل الدولية، وهذه
الحكومات المدنية كذلك قد تجنح إلى سياسات تخالف التوجه الأمريكي، وأقرب
الطرق للفت الانتباه بأن هذه التوجهات غير مقبولة أمريكياً أن يأتي من الداخل عن
طريق المجموعات العسكرية المؤمركة، سريعة الاستجابة للأوامر الخاصة.
كما أن وجود العسكر المؤمرك أدعى لتمرير صفقات عسكرية أمريكية؛ إذ إن
السلاح الأمريكي وقتئذ هو الأكفأ والأقدر في القتال، كما أن وجود هذا الصنف من
العسكر أداة للتلويح للدول المجاورة المخالفة للسياسات الأمريكية، وخاصة إن كانت
هذه المجموعات في دولة كبيرة لها وزنها السياسي أو السكاني أو الاقتصادي
وتتوسط منطقة تعج بالمصالح الأمريكية.
ولقد دأبت الولايات المتحدة على استخدام نفوذها على المؤسسات المدنية
والعسكرية في الدول الحديثة الاستقلال، من خلال علاقات عمل منظمة مع
الشخصيات المهمة في تلك المؤسسات؛ ومما سهل هذه المهمة، تلك القناعة بأن
القوات المسلحة الأمريكية هي أفضل نموذج يحتذى به!
فلدى الولايات المتحدة البرنامج الدولي للتدريب والتعليم العسكري، وهو
برنامج مشترك لوزارتي الدفاع والخارجية يكفل لضباط من الاتحاد السوفييتي
وحلف وارسو سابقاً ومن دول أخرى، الالتحاق بالمؤسسات والمعاهد الأمريكية
لدراسة أسس العلاقات المدنية العسكرية، وهناك مراكز أخرى للتدريس في كل من
ألمانيا وآسيا.
كذلك من الوسائل في هذا المجال.. تكوين فرق مكونة من ضباط ومجندين
أمريكيين وموظفين مدنيين من وزارة الدفاع يوفدون إلى تلك البلدان لمساعدة
حكوماتها على بناء مؤسسات عسكرية محترفة عصرية، تحت قيادة مدنية، وقد
أقامت تلك الفرق آلاف الصِلات مع أكثر من عشرة بلدان مستقلة حديثاً.
ويحصل الأمريكان من خلال ذلك على الاطلاع المباشر على الخطط
والسياسات العسكرية لهذه الدول مما يجعل الصورة أكثر وضوحاً، ولا تبقى هناك
حاجة إلى أقمار صناعية أو أجهزة استخباراتية.
الأمركة بالدولرة: لم يكن في الإمكان أن تصبح الولايات المتحدة أقوى دولة
في العالم لو لم يكن لها اقتصاد قوي يلبي الاحتياجات الداخلية للدولة، وتستطيع من
خلاله السيطرة على الأسواق العالمية بإغراقها بالمنتج الأمريكي. وإن أي دولة لا
يمكن أن تتحكم في سيادتها وقراراتها ما لم تكن في غنى عن المساعدات والمنح
والقروض. وكما أوردت من قبل، فإن الحرب العالمية كانت من أعظم الفرص
التي استغلتها أمريكا، فكان انقسام العالم إلى معسكرين: رأسمالي، واشتراكي
حافزاً قوياً في جعل الدول الغربية ذات النظام الاقتصادي الحر تقبل الانضواء تحت
المظلة الأمريكية؛ وترتضي ذلك مع إدراكها لخطورة ما تحمله من الهيمنة
الأمريكية، فلقد خرجت الولايات المتحدة أقوى دولة اقتصادية، وأكبر دولة دائنة،
وأوربا بكاملها كانت مدمرة من آثار الحرب، وكانت المصانع الأمريكية والتي
كانت بمعزل تام عن الحرب ورشة كبيرة تقذف ببطونها إلى أوروبا، وحتى بعد
انتشار الحرب كانت أوروبا في حاجة إلى إعادة إعمار شامل، ولم يكن هناك من
يستطيع تلبية كل الاحتياجات هذه وقتها غير أمريكا، التي لم تتأخر عن تلبية
الدعوات، فهي فرصة لن تعوض لتحقيق مخططات الأمركة.
وفي عام 1947م عقب الحرب أعلن هاريس ترومان: إذا لم تتحرك
الولايات المتحدة للزعامة
…
تعرض السلام العالمي للخطر..، أما كريستوفر
فيشرح تلك الحقبة وما تداعى فيها من اختلاف وجهات النظر الأمريكية حول
السيطرة أو التنحي: (عند نهاية الحربين العالميتين كنا أمام طريقين: أن نعلن
الانتصار وننسحب، أو نسعى بقيادة الولايات المتحدة إلى بناء عالم أكثر أمناً
وسلاماً وحرية وازدهاراً لأمريكا وللناس في كل مكان، فبعد الحرب العالمية الأولى
وقع اختيار قادتنا على الطريق الأول، فدفعنا ثمناً مرعباً، وإن كلاً من هاري
ترومان وجورج مارشال وآرثر فاندبرنج مع الشعب الأمريكي تصرفوا بحكمة حين
اختاروا الطريق الثاني) كان هذا التوقيت فرصة لتغيير المفاهيم الاقتصادية العالمية، فبعد أن كان الذهب هو الأساس لقياس قيمة العملات بما هو حجم المودع منه في
البنوك مقابل ما يطرح في الأسواق من نقود، فقد حل الدولار العملة الرسمية
الأمريكية محل الذهب في ذلك، وأصبح عملة عالمية يجب التعامل بها دولياً، بل
إن سعر الذهب ذاته أصبح يحدد بالدولار، وأصبح الاحتياطي المالي للدول يقاس
بكمية الدولارت المخزنة في بنوكها المركزية!
وعلى الطريقة العسكرية كان لا بد من السيطرة على الأسواق العالمية
والاقتصاد العالمي كاستراتيجية مهمة، لبناء أمريكا وقوتها، وأمركة العالم، وهو ما
يمكن أن نجمله أيضاً في أساليب ثلاثة.
الأساليب الأمريكية لدولرة العالم:
1-
السيطرة على الأسواق العالمية: نحن نريد العالم سوقاً ضخمة أو (سوبر
ماركت) فيه كل شيء، ونحن الذين نسيطر عليه! ! كان هذا من تصريحات أستاذ
السياسة الدولية بنجامين سوارتز، مختصراً به السياسة الأمريكية، ومبسطاً منهجاً، ومُجَلِّيه للناس دون مواربة ولا خجل، ويضيف: الاستراتيجية الاقتصادية
الأمريكية (منذ خمسين سنة) هي أننا نريد العالم كله سوقاً تحت سيطرتنا، ولا بأس
أن نأخذ من هذا، ونعطي هذا. وهذه السياسة تزيل العجب الذي قد يبدو من إنفاق
الولايات المتحدة المليارات لحماية اقتصاد ألمانيا واليابان! رغم طاقتهما الاقتصادية
والمالية، ولكن عدم رغبة واشنطن في أن تتولى الدولتان الدفاع الذاتي عن
مصالحهما الاقتصادية، كي لا تزداد قوتهما على الصعيد الدولي، ويصبحا منافسين
قويين لأمريكا.
2-
المساعدات الاقتصادية والقروض (المربوطة) : لماذا تقدم أمريكا
المساعدات الاقتصادية؟ ولماذا قدمت مساعدات لدول غرب أوروبا عقب الحرب
العالمية الثانية من خلال (مشروع مارشال) ؟ ولماذا أعلنت (مشروع دودج) بتقديم
مساعدات اقتصادية لليابان؟ تأتي الإجابة أيضاً من سوارتز: كنا نريد مساعدتهم
ليصبحوا جزءاً من سوق مفتوحة؛ لأننا كنا نخاف أن ينغلقوا على أنفسهم، أو
يصبحوا كتلة اقتصادية، بعد أن أخفقوا ككتلة عسكرية، ولتزدهر المصانع اليابانية
ولتنقل السفن البضائع اليابانية إلى العالم كله، ولكن يجب ألا ننسى أن اليابان
جزيرة صغيرة، وسنظل نملك اليد العليا ما دام أسطولنا البحري، هو الذي يحمي
سفن البضائع والسفن الأخرى التي تستورد البترول.
المصلحة.. سياسة واحدة، وفكر واحد يحكم الولايات المتحدة، وبمقارنة
بسيطة بين المساعدات المالية للكيان اليهودي البالغة 3. 2 مليار دولار سنوياً،
وبين 47 بلداً إفريقياً يمثل سكانها 15% من سكان العالم، و20% من كتلته
الأرضية، تقدم لها مساعدات سنوية قيمتها 630 مليون دولاراً فقط.. فبقاء الكيان
اليهودي مصلحة استراتيجية لأمريكا، أما إفريقيا، فلا تمثل في الغالب إلا تأثيرات
هامشية على المصالح الأمريكية، على حد تعبير روبرت دول.
كذلك فإن المساعدات الأمريكية دائماً ما تكون (مربوطة) أي إن هذه
المساعدات المالية ليس للدول الممنوحة لها حتى التصرف فيها حسب احتياجاتها،
بل هي تأتي محددة؛ فالدولة الآخذة في حاجة إلى إقامة مشاريع صناعية أو تنموية، أو زراعية لكي تطعم شعبها، فتأتي المساعدة مشفوعة بقولهم: إنكم في حاجة إلى
تحديد النسل؛ لأن مشاكلكم كلها منبعها الزيادة السكانية الرهيبة التي تعيق برامج
التنمية، وتأكل الأخضر واليابس، ولا تبقي ولا تذر ولا تسمح بأي تحسن في
الحالة الاقتصادية، وهكذا فالمساعدات تمنح للدول التي تحتاج إليها حسب المصلحة،
…
سواء كانت جلية بينة، أو خفية يمكن تأويلها على أنها
…
صدقة جارية! !
أما الدول التي لا تحتاج إلى مساعدات أمريكا المالية، فلها أن تستغني كيف
شاءت، لكن دون تهديد مصالح أمريكا.
أما الدول التي بين هؤلاء وأولئك، وما زالت في طريق النهوض؛ فلها
الطريق الثالث وهو العقوبات الاقتصادية.
3-
العقوبات الاقتصادية: نجح الأمريكيون في أن ينشئوا منظمات عالمية
اقتصادية تحقق أهدافهم، وأن تكون الإدارة فيها أمريكية، أو ذات أغلبية أمريكية
(مؤمركة) يحق لها حسم الخلافات لصالح أمريكا، ووضعت هذه المنظمات العالمية
كصندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي الأسس والضوابط للقروض والمعونات
والبرامج الاقتصادية الإصلاحية، وتم إعطاؤها الصفة الدولية حتى تخرج أمريكا
من دائرة اللوم، وأصبحت تقارير هذه المنظمات هي المعيار الرسمي الدولي
الحقيقي الملزم للجميع، والشذوذ عنه، شذوذ عن الشرعية الدولية يترتب عليه
عقوبات اقتصادية إضافة إلى عقوبات سياسية من منظمات مؤمركة أيضاً كمجلس
الأمن، والأمم المتحدة؛ وما معنى وجود كل هذه الدول في الأمم المتحدة أوغيرها
من المنظمات، وما الفائدة من تصويتها، إن كانت أمريكا تمتلك حق النقض (الفيتو) لأي قرار لا تراه مناسباً! ؟
ولم تكتف الولايات المتحدة بتلك العقوبات الدولية، بل تعدت ذلك إلى إصدار
عقوبات من جانب واحد؛ فهي تعتبر أنه لا فرق بين التدويل والأمركة، فالأمر
سواء.
وقد عبر (جيري جاسنيوكي) رئيس جمعية الصناعيين الوطنية بأمريكا عن
هذه العقوبات الفردية بقوله: ثمة فكرة تشبه ما يصدر عن شخص تنتابه نوبة
غضب وانفعال، مفادها أن على الأمريكيين أن يفعلوا أي شيء ولو أضر بهم، إن
ما نود أن نقوله اليوم: أن هذه العقوبات لا تفيد ولا تخدم غرضاً، فهي تُغيّر سلوك
الدول المستهدفة.
وقد أصدرت منظمة أمريكية رئيسية تقريراً أدرجت فيه 61 قانوناً ومرسوماً
أمريكياً صدرت بين عامي 93 96م منحت فيه الحكومة الأمريكية سلطة فرض
عقوبات من جانب واحد خدمة (لأغراض سياسية) ، هذه الإجراءات تستهدف خمساً
وثلاثين دولة.. تضم 2. 3 مليار نسمة من مستهلكي السلع والخدمات الأمريكية،
أي ما يعادل 42% من سكان العالم. وتتخذ أمريكا هذه الإجراءات وهي على قناعة
تامة بالقدرة على تنفيذها، وانصياع تلك الدول لها.
حجج العقوبات الاقتصادية: لا زالت أمريكا تتظاهر باحترام عقل الإنسان
وعواطفه، فليس من المعقول فرض عقوبات دون مسوغات أو أسباب تؤدي إليها!
! وقد تم تقسيم حجج العقوبات الاقتصادية إلى أربعة أقسام:
1-
إعلاء شأن حقوق الإنسان والديمقراطية: وقد تم اتخاذ 22 تدبيراً في ذلك
مع ثلاث وعشرين دولة، منها: البوسنة، بورما، أنجولا، بورندي، الصين،
كرواتيا، كوبا، نيجيريا، هايتي.
2-
مكافحة الإرهاب: وتم حتى الآن استصدار 14 قانوناً ومرسوماً تنفيذياً
بغية مكافحة الإرهاب، واستهدفت هذه القوانين عدة دول منها: كوبا، إيران،
العراق، ليبيا، نيكاراجوا، السودان، سوريا.
3-
الحيلولة دون انتشار التسلح النووي: واستهدفت الإجراءات الخاصة بهذا
البند كل من الصين وإيران وكوريا الشمالية، وباكستان.
4-
حقوق العمال ومحاربة المخدرات، وحماية البيئة والحيلولة دون العمل
بنظام الأشغال الشاقة في السجون: وقد تم فرض عقوبات في أغسطس 95م على
عدة دول، منها الإمارات، وقطر، وهي سوق بلغت قيمة الصادرات الأمريكية
إليها عشرة بلايين دولار عام 96م وتضمنت هذه العقوبات تعليق العمل بتقديم (هيئة
الاستثمارات الخاصة خارج الولايات المتحدة) ضمانات مقابل المخاطر الجديدة
للمستثمرين الأمريكيين في الدول العربية.
نماذج سريعة للعقوبات الاقتصادية: لن نتعرض للنموذج العراقي؛ فالحالة
العراقية لا تخفى على أحد، ويكفي أن أمريكا حتى الآن هي المعرقلة لإكمال
مشروع (النفط مقابل الغذاء) وذلك لأن العراق ليس على استعداد الآن لاستقبال
شركات أمريكية مرة أخرى، وما دامت أمريكا غير منتفعة، فلماذا يتم الاتفاق
بسهولة؟ !
وأيضاً لن نعرج على ليبيا، التي أثبتت الوثائق البريطانية أنها ليس لها دخل
في حادث تفجير الطائرة الأمريكية فوق لوكيربي؛ فأمريكا أصدق من بريطانيا ولا
شك، ولن نشفق على السودان فهي كما ترى أمريكا دولة إرهابية تستحق كل ما
يحدث لشعبها من حرب وجوع! !
نيجيريا والعقوبات الاختيارية: ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز أن وارن
كريستوفر وزير الخارجية السابق منزعج جداً من جراء عدم تقدم العملية
الديمقراطية في نيجيريا [سكان نيجيريا 120 مليون، 75% مسلمون] ولأجل هذا
الانزعاج فقد تم فرض عقوبات عدة على نيجيريا وهي ما يلي:
1-
تجميد أصول نيجيريا في الولايات المتحدة.
2-
منع أي استثمارات جديدة هناك.
3-
قطع الروابط الرياضية بين البلدين.
4-
منع إصدار التأشيرات للنيجيريين.
5-
منع تصدير الأسلحة والخدمات العسكرية.
6-
معارضة أية قروض أو اعتمادات من قبل صندوق النقد الدولي.
7-
عدم الموافقة على المشروعات النيجيرية المقدمة للمؤسسات المالية الدولية.
لكن أمريكا لم تفرض أية عقوبات نفطية على نيجيريا؛ لأنها تشتري 40%
من صادراتها النفطية وهو ما يمثل 8% من واردات النفط الأمريكية.
روسيا البيضاء وعقوبات اختيارية أخرى: خفضت الولايات المتحدة علاقاتها
مع روسيا البيضاء بسبب ما وصفته بـ (تحول خطير في حقوق الإنسان) والذي
تمثل في القيود الشديدة على حرية التعبير وتفتيش مكاتب الأحزاب السياسية
المختلفة، وأوضح مسؤولون أمريكيون أن هذا يعني أن أمريكا لن تكون مستعدة
لمناقشة أي قضايا مع روسيا البيضاء (سوى تلك التي تهم الولايات المتحدة بشكل
مباشر) .
ونسائل أمريكا عن حقوق الإنسان: ماذا عن حقوق البشر (الإرهابيين
الأصوليين) ، بحسب معاجمكم، المرتهنين في سجون الدول الصديقة بلا تهمة ولا
جريمة؟
ونختم بهذا الخبر التي أوردته وكالة رويتر الذي مفاده: أن منظمة العفو
الدولية حذرت الشرطة ومسؤولي السجون في شتى أنحاء العالم يوم 4/3/1997م
من خطر استخدام أجهزة التعذيب والصدمات الكهربائية في العالم، وذكرت أن
الولايات المتحدة هي (أكبر منتج لأجهزة التعذيب الكهربائية في العالم) وأن فرنسا
تساهم في تطويرها.
[جريدة البيان الإماراتية، ع/6104/5/3/1997م] .
وبالمصلحة، والعسكرة، والدولرة.. تمت حلقات سياسة الأمركة، وإلى هنا
تبدو الصورة وردية جداً، متفائلة جداً، مناسبة جداً لاستمرار الحلم الأمريكي!
لكن السنن قد تقول خلاف ذلك، والعالم لن يقف متفرجاً كثيراً؛ فهناك
سياسات معادية لأمريكا، وهناك منافسة قوية لأمريكا في كل شيء، وهناك الأهم:
الدمار الأمريكي في كل شيء، والفشل الأمريكي في كل شيء، فإن كانت أمريكا
تدور حول مصلحتها؛ فهناك القوة العسكرية التي بدأت في التراجع، وهناك
الاقتصاد المشرف على الانهيار، وهناك التخلف التقني والتكنولوجي، وهناك
الدمار الاجتماعي بكافة مجالاته.
وبالجملة: فهناك نهاية لأمريكا.. وليس نهاية للتاريخ كما يزعمون-