المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من أسقط (الرفاه) ولماذا - مجلة البيان - جـ ١٢٤

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌من أسقط (الرفاه) ولماذا

المسلمون والعالم

‌من أسقط (الرفاه) ولماذا

؟

بقلم: د. محمد حرب [*]

بعد أن استلمت قيادة حزب الرفاه الإسلامي الوزارة في تركيا، بعد فوزها

بالانتخابات البرلمانية ظلت تمشي على حقل من الألغام السياسية المحفوف بجدران

من الأشواك الدبلوماسية.. فهكذا أرادها لهم العلمانيون الأتراك

تجربة وعرة

تمر عبر مخاض عسير وولادة أعسر

ثم يموت الجنين بعد حين.

وقد جاءتنا هذه الدراسة من الدكتور محمد حرب، لتلقي ضوءاً على أبرز

القوى والعقبات التي وضعت في طريق هذه التجربة القصيرة.

...

...

...

...

... - البيان -

القوة الأولى: الجيش:

يأتي في المقدمة الجيش التركي الذي يحمل رسالة تاريخية في الجمهورية

التركية هي المحافظة على أسس قيام الجمهورية التي أعلنها بمبادئها (كمال

أتاتورك) والتي تلتزم بالعلمانية في مفهومها الأصلي الأوروبي الذي أخذه (أتاتورك)

وهو فصل الدين عن أمور الدولة.

لكن التطبيق التركي للعلمانية أخذ بُعداً آخر عندما قال أتاتورك في مجلس

الأمة التركية عام 1937م: إن الدولة التركية ستأخذ في بنائها بالعلمانية ولن تلتفت

إلى ما (يُظَن أنه كتب نزلت من السماء) ! و (لن تأخذ بالغيبيات) وذلك ما سجلته

مضبطة مجلس الأمة التركي آنذاك.

لهذا يسعى الكماليون إلى تطبيق العلمانية في تركيا تطبيقاً تركياً محليّاً يأخذ

موقفاً عدائياً من الدين، فعلى سبيل المثال نجد أن أتاتورك ألزم الشعب التركي

بالقبعة الأوربية، وفي سبيل تطبيق ذلك أعدم عدداً من العلماء الذين كانوا قد

أصدروا فتوى بعدم جواز لبس القبعة الأوروبية، قبل صدور أمر أتاتورك في هذا

الصدد.

وبحكم الدستور التركي فإن هناك (مجلس الأمن القومي) ويتكون من قادة

الجيش وأعضاء الحكومة للمحافظة على أسس الدولة التركية العلمانية، ويمكن لهذا

المجلس إصدار (توصيات) أصبحت بالضرورة أوامر.

ويبدو أن الجيش لم يفهم الحركة الإسلامية بعامة وحركة حزب الرفاه بخاصة؛ فنقدُ الجيش للرفاه أنه حزب يريد جعل تركيا تسير وفق الشريعة الإسلامية فإن

هذا يعارض العلمانية، والواقع أن حزب الرفاه يدرك جيداً أن تركيا دولة مؤسسات، وهو يصبو إلى مجتمع مسلم، وهو حزب وصفه (مسعود يلماظ) رئيس الحكومة

الحالية بأنه حزب (له ميول إسلامية) وما نادى به الرفاه لا يرقى إلى مستوى أن

تتحداه الدوائر العسكرية.

والرفاه لم يصل إلى السلطة إلا بعد مسيرة 27 عاماً منذ تأسيس حزب (النظام

الوطني) الذي أسسه (أربكان) عام 1970م ثم حزب (السلامة الوطني) ثم (حزب

الرفاه) المهدد الآن بإغلاق أبوابه بل الذي أُغلق فعلاً [1] .

ولم يكن الإسلام السياسي إذا جاز هذا التعبير مضاداً للقوات المسلحة ولا حتى

مضاداً للعلمانية نفسها؛ فقد كتب (نجم الدين أربكان) في كتابه (النظرة الوطنية) :

(إنه يقبل بالعلمانية بشرط ألا يفهم منها اضطهاد المسلمين) ! والجيش التركي هو

الذي أجهض انتصارات الرفاه.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتدخل فيها الجيش؛ فقد تدخل بانقلابه عام

1960 عندما شعر أن هناك (اتجاهات إسلامية) داخل الحزب الديمقراطي، وكان

الجيش قاسياً عندما أعدم (رئيس الوزراء عدنان مندريس) في ذلك الوقت مما جعل

الشعب التركي يعتبره (شهيداً) رغم أنه لم يقدم للحركة الإسلامية ما يستوجب

الشهادة إلا بعض (سماح) يتعلق بالأذان وكتاتيب تحفيظ القرآن الكريم، والسماح

لنمو طبقة الحرفيين بعد أن كان حزب الدولة قبله يتولى أمور اقتصاد البلاد. ورغم

هذا، يُذكر أن (عدنان مندريس) هو الذي أصدر (قانون حماية أتاتورك) الذي يعتبر

سيفاً مسلطاً على كل من تسوِّل له نفسه نقد أتاتورك وأعماله.

وقام الجيش بانقلاب عام 1971م ثم 1980 ثم 1997م وجاء تدخله عام

1997م، مختلفاً ولم يكن انقلاباً عسكرياً تقليدياً؛ نظراً لأن تركيا كانت تسعى

للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن وقوف (أولبرايت) لتعلن وقتها أن أمريكا

ضد تدخل العسكريين عموماً، وذلك بعد أن سربت وزيرة الداخلية (تابعة لحزب

تشيلر في حكومة أربكان) للأمريكان نتائج تجسس الداخلية التركية على ضباط

الجيش ورغبتهم في القيام بانقلاب. لم يقع انقلاب تقليدي وإنما أصدر (مجلس

الأمن القومي التركي) جناح قادة الجيش بياناً دعا فيه إلى إغلاق مراكز (الطرق

الصوفية التركية) باعتبارها مقاومة في نظرهم للإجراءات المضادة، ودعا إلى

جعل التعليم الإلزامي العلماني لمدة ثماني سنوات بعد أن كان خمس سنوات، وإلى

مراقبة مصادر تمويل تلك الطرق من شركات وجمعيات وأوقاف، ومنع الكوادر

الإسلامية من دخول مؤسسات الدولة الرسمية كموظفين، ومنع استخدام الضباط

وصف الضباط المفصولين من الجيش لأسباب إسلامية في البلديات، وجعل تدريس

القرآن الكريم تابعاً لوزارة التعليم، التي لم تكن في يوم من الأيام في يد وزير

إسلامي، والتشدد في تطبيق (قانون الزي) الذي يمنع المرأة التركية من ارتداء

الحجاب والرجل التركي من لبس العمامة أو الجبة.

القوة الثانية: الحكومة التركية:

الحكومة الحالية برئاسة مسعود يلماظ (رئيس حزب الوطن الأم) الذي يعتبر

نفسه زعيم اليمين التركي، هي الحكومة التي خلفت أربكان وتشكلت من 38 وزيراً

يمثلون 3 أحزاب: حزب الوطن الأم (حزب يلماظ) وقد حصل على 21 وزيراً؛

وحزب اليسار الديمقراطي الذي يرأسه بلند أجاويد (11 وزيراً) وحزب تركيا

الديمقراطية الذي يرأسه جين دوروك (5 وزراء) ووزير واحد مستقل. فالحكومة

هي الوجه الآخر المضاد للحركة الإسلامية في تركيا وذلك لوجود رموز معادية

للإسلام بشدة داخلها: فوزير خارجية الائتلاف الحكومي في تركيا هو الصحفي

البارز (إسماعيل ابكجي) وهو ينتسب إلى (عائلة ابكجي) ولها تاريخ في تركيا،

فهي أسرة تنحدر من يهود الدونمة، ووزير الدفاع في هذه الحكومة (عصمت

سزكين) الذي تقول المراجع إنه كان قد استوزر أول مرة في حكومة يرأسها سليمان

دميريل في تركيا عام 1965م وكان بها 13 وزيراً ماسونياً والمذكور واحد منهم.

والوزير المستقل في هذه الحكومة (ياليم أرز) كان يرأس سابقاً مجلس العمل

التركي الإسرائيلي المشترك.

وتضم الحكومة (بلند أجاويد) نائب رئيس الوزراء والمعادي بشدة للإسلاميين.

هذا غير ما يتردد من أن النائب الثاني لرئيس هيئة أركان حزب الجيش

التركي (جويك أر) ، هو المحرك الأساسي للعلاقات العسكرية التركية الإسرائيلية

والذي حصل من جمعية أتاتورك بالولايات المتحدة الأمريكية على جائزة العلمانية

والديمقراطية، هو من (الطائفة العلوية في تركيا)[2] .

ثالث القوى: رئيس الجمهورية:

الرئيس الحالي سليمان دميريل معروف بماسونيته وصداقته لإسرائيل؛ وقد

حضر مؤتمر شرم الشيخ (مع الوفد الإسرائيلي) على طائرة واحدة متحدياً الشعور

الإسلامي في تركيا.

صحيح أن سليمان دميريل حكم كرئيس لوزراء تركيا سبع مرات في عهد

الجمهورية من 1965 إلى 1967 ومن 1967 إلى 1970 ومن 1970 إلى 1971

ومن 1975 إلى 1977 ومن 1977 إلى 1978 ومن 1980 إلى 1981 ومن

1992 إلى 1993 أقام أثناءها 327 مدرسة للأئمة والخطباء، إلا أنه قام بما يمكن

تسميته بالانقلاب الرئاسي، وكان ذلك عندما أشار مجلس الأمن القومي بالضغط

على أربكان للاستقالة بعد أقل من سنة من تشكيله الحكومة الإسلامية الأولى في

تاريخ الجمهورية التركية ليتيح له تنفيذ وعده لشريكته في الحكم الدكتورة (طان صو

تشيللر) لتخلفه في رئاسة الحكومة، وأرفق أربكان استقالته بطلب تولي تشيللر

رياسة الوزارة حسب بروتوكول التعاون بينهما، كما قدم أربكان عريضة موثقة من

283 نائباً هم نواب حزب الرفاه وحزب الطريق القويم وحزب الوحدة الكبير،

وكانت الأغلبية المطلوبة هي 276 نائباً فقط لكن الرئيس (سليمان دميريل) تجاهل

مطلب أربكان وتجاهل العريضة المذكورة وكلف (مسعود يلماظ) بتشكيل الوزارة،

وكأن الأمر قد قضي بليل.

رابع القوى:

فئات منسوبة للإسلام تتمثل في (مجموعة الشيخ فتح الله خوجه) من

(النورسيين) وغيرهم. تقول المخابرات الأمريكية في تقرير هام لها عن تركيا،

تمت ترجمته بعد نشره إلى اللغة التركية، إن القوى الأساس الإسلامية في تركيا

هي الآتي:

1-

النقشبنديون:

وهم أتباع الطريقة النقشبندية التي اشتهرت بمواقفها المناوئة منذ بداية العهد

الجمهوري، وقد أعدمت الحكومة الكمالية العديد منهم، ولما حصلت الانفراجة

الديمقراطية في تركيا في الأربعينات بعد موت أتاتورك واضطرار (إينونو) إلى

تعدد الأحزاب، تمتع المسلمون بقسط ما من الحرية النسبية، هذه الحرية التي لم

تتأكد إلا منذ 27 عاماً فقط هي عمر بداية أربكان مع العمل السياسي. وقد أفرزت

إحدى حلقات النقشبندية في استانبول وهي جماعة محمد زاهد أفندي شيخ جامع

إسكندر باشا في حي الفاتح باستانبول، مجموعة أربكان وصحبه.

2-

السليمانيون:

وهم تلامذة الإمام سليمان حلمي طوناخان الذين يقولون إنه لا عودة للإسلام إلا

بانتهاج اللغة العربية ونشر تحفيظ القرآن ودراسة العلوم الإسلامية بلغتها العربية.

3-

النورسيون:

أتباع بديع الزمان سعيد النورسي الذي اعتمد على الفلسفة وعلم الكلام طريقاً

منظماً ومنطقياً للتدليل على التوحيد والإيمان لإعادة الإسلام إلى تركيا، وجمع

أتباعه كل ما كتبه أو أملاه في ثمانية مجلدات باسم: (رسائل النور) هي كل زاد

أتباعه.

وقد انقسم النورسيون بعد موت شيخهم إلى عدة طوائف: طائفة تقول:

نتدارس رسائل النور التي ألفها النورسي بخطها العربي، وأخرى تقول: بل

ندرسها بالحرف اللاتيني. لكن أهم طوائف النورسية:

جماعة محمد قوطلولار، وتسمى جماعة جريدة آسيا الجديدة، ثم جماعة

سوزلر أو جماعة فارس قايا، وأخيراً جماعة إزمير أو جماعة فتح الله.

وكلها تعمل لهدف واحد وهو نشر رسائل النور التي ألفها أستاذهم بديع الزمان

سعيد النورسي بمختلف الوسائل، وتقديم شروح لها وكتب عنها ومؤتمرات،

ومسابقات، والهدف نشر فكر الرجل وإشاعته في العالم الإسلامي. وهي جهود

يتعاون فيها دعاة رسائل النور من ناحية والتاجر النورسي الذي لا يبخل شأنه شأن

الأتراك في قضايا الإسلام.

عود على بدء:

إن جماعة النور أو النورسيين يؤمنون إيماناً قاطعاً بقول مرشدهم في كل

الأمور بلا نقاش؛ يقول النورسي: إنه لا مجال لقيام حزب سياسي إسلامي طالما

أن عدد المسلمين المخلصين للإسلام في بلد ما لم يبلغ 70% إلى80% من مجموع

السكان، لذلك أخلص النورسيون لهذا المبدأ، وبالتالي وقفوا عائقاً أمام نمو حزب

الرفاه بأشكاله الثلاثة حتى الآن: النظام السلامة الرفاه.

وبلغ عداء النورسيين للحركة السياسية الإسلامية أن قال لي أحد مديري

تحرير جريدة (زمان) التابعة للنوريسيين فرع فتح الله خوجه: إننا لن نسمح

لأربكان بالنجاح في الانتخابات التشريعية أبداً بعد نجاحه في انتخابات البلديات،

ومع هذا فقد نجح أربكان.

وأذكر أيضاً أن جماعة أزمير (فتح الله خوجه) قد عملت على إسقاط مرشح

حزب السلامة عن أزمير في السبعينات وهو (طورغوت أوزال) الذي أصبح فيما

بعد رئيس الجمهورية التركية.

واللافت للنظر أن النورسيين رغم عدائهم للحركة السياسية الإسلامية وادعاء

بعض فروعهم بعدم العمل بالسياسة، فهم غالباً وبخاصة جماعة فتح الله خوجه

وجماعة قوطلولار يؤيدون وبحماس (سليمان دميريل) وحزبه (العدالة) أولاً، ثم

الطريق القويم ثانياً، حتى أصبح رئيساً للجمهورية.

بعد ذلك أيدت بعض أفرعه (طان صو تشيللر) ، ووصل الأمر بفتح الله

خوجه أن هاجم أربكان ووقف بجانب الجيش ضده، في وقت كان أربكان في أشد

الحاجة لوقفة مؤيدة أو على الأقل الصمت؛ وهذا ما يؤكده الحديث النبوي الصحيح: (من كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع) ! ، فأين منه

هؤلاء القوم؛ هدانا الله وإياهم إلى الحق.

تعقيباً على هذا، نجد أن المدعي العام التركي قد استمع إلى أقوال نجم الدين

أربكان في دفاعه ضد الاتهام الذي يرمي إلى إغلاق حزب الرفاه. والغريب أن من

بين التهم التي وجهت إليه، فتحه لمدارس الأئمة والخطباء وهي المدارس التي

تعتبر منبعاً لكوادر جديدة شابة لحزب الرفاه، وكان دفاع أربكان أنه لكي يفتح

مدرسة للأئمة والخطباء لا بد من قرار من وزير التعليم، وأن المرات التي اشترك

فيها أربكان في الحكم أو رأس فيها الوزارة، لم يسمح لأحد من الرفاه بتولي وزارة

التعليم. وبالتالي فهو بريء من هذه التهمة.

أما في حالة اتخاذ المحكمة قرارها بإلغاء حزب الرفاه فسيكون الرفاهيون

جاهزين بمشروع حزب جديد بمسمى جديد لا يتغير فيه إلا المسمى فبدلاً من الرفاه

سيكون الفرح، ويظهر هذا في الحروف اللاتينية أوضح Rafah تصبح Farah

وآخرون يقولون: بل نسميه حزب السعادة، ويبدو أنهم سيستقرون على مسمى:

(حزب الفضيلة) .

خامس القوى:

الفعاليات الديمقراطية والعلمانية القائمة: والتي تدعمها وسائل الإعلام بكافة

أشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية. إن كل المؤسسات والآليات العلمانية تقف

في مواجهة حزب الرفاه (الإسلامي) وهذا لا يعود بالدرجة الأولى إلى ما يدعيه

العلمانيون من (راديكالية) أو أصولية الإسلاميين في تركيا؛ فالتجربة عبر 27 عاماً

من العمل الإسلامي أثبتت حتى بشهادة المحاكم أن ليس لإسلاميي تركيا صلة

بالإرهاب ولا صلة بالأصولية بالمعنى الأوروبي، ولا صلة بأحداث العنف، وإنما

يقف العلمانيون بمؤسساتهم كلها خاصة الأحزاب التركية القائمة الآن ضد الإسلام

بالمعنى الشرعي، وينسون اعتدال الحركة الإسلامية في تركيا. والأغلب على

الظن أن موروث معاداة الإسلام لدى الأحزاب التركية باستثناء 3 أحزاب من

مجموعها يأتي من الفهم الكمالي الأتاتوركي للإسلام، ويأتي من ليّ عنق الجواد

الأناضولي؛ يعني شبه جزيرة الأناضول التي تشكل 90% من مساحة تركيا

الجغرافية أو أكثر قليلاً، من وجهته نحو الشرق ليتجه إلى الغرب: أوروبا وأمريكا

بحجة (أوروبية) تركيا! وليس في تركيا من أوروبا إلا 10% من مساحتها أو أقل

قليلاً.

يعني أن دولة عاصمتها أنقرة في قلب آسيا الصغرى تجري فيها اجتماعات

سياسية لتوكيد شخصية تركيا (الأوروبية) ؟ كيف؟

أما الأحزاب العلمانية التركية القائمة على مختلف أشكالها فلها مواقفها

المناقضة للتوجه الإسلامي فهي كما يلي:

- حزب النهج القويم وترأسه الدكتورة طان صو تشيللر.

- حزب الوطن الأم ويرأسه مسعود يلماظ.

- حزب تركيا الديمقراطية ويرأسه حسام الدين جن دوروك.

- الحزب الديمقراطي الاجتماعي يرأسه بلند أجاويد.

- حزب الشعب الجمهوري ويرأسه دنيز بايقال.

- حزب الحركة القومية التركية ويرأسه دولت باغجه لي.

- حزب العمل ويرأسه دوغو برين جك.

- حزب هادَبْ ويرأسه مراد بوزلاق.

أما الأحزاب ذات الاتجاه الوطني وغير المعادية للإسلام ولديها روح دينية

نوعاً ما فهي:

- الحزب الديمقراطي الجديد ويرأسه حسن جلال كوزال.

- حزب الوحدة الكبرى ويرأسه محسن يازيجي أوغلو.

- والحزب الديمقراطي ويرأسه قورقود أوزال.

والجدير بالذكر هنا أن حسن جلال كوزال رئيس الحزب الديمقراطي الجديد

أثبت إنصافه عندما اعترض على جنرالات الجيش التركي واتجاه الدولة التركية

لإلغاء حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان، وقال: إنه لا يمكن أن تكون في تركيا

ديمقراطية مع إلغاء حزب يعمل بالفعل ومعترف به ويمثل قطاعاً هاماً من الشعب

في تركيا. وتعرض حسن جلال كوزال من جراء دفاعه عن حق الرفاه في البقاء

والوجود إلى اعتقالات متواصلة.

كما ينبغي تسجيل موقف (محسن يازيجي أوغلو) الذي جعل من حزبه أداة

لديمقراطية تركية تؤمن بوحدة الأتراك وبدينها الإسلامي وقال رأيه صراحة: إن

الديمقراطية معناها عدم التدخل في الشؤون الديمقراطية، بمعنى أن مهمة الجيش

هي الدفاع الخارجي عن الوطن وليس التدخل الداخلي، وإعطاء الناس حقهم في

التصويت الحر، وأن التدخل في إرادة الأمة هو تدخل في الديمقراطية.

تذييل على المقالة [**] :

الحقيقة التي ظهرت للقارئ الكريم من خلال هذا العرض السريع تؤكدها

رؤية صحيفة تركية علمانية هي (دتركيش ديلي نيوز) بعد إغلاق حزب الرفاه

(وتحت عنوان: نظام الدولة يتساقط) : قالت: (إن إغلاق (الرفاه) كان قراراً

سياسياً وليس قضائياً؛ لأنه كان يتعين طبقاً للمادة (103) من قانون الأحزاب

السياسية تحذير الحزب عدة مرات من الأخطاء التي يقع فيها قبل رفع دعوى

لإغلاقه، وهو ما لم يحدث في هذا الموضوع؛ ولذلك فإن قرار إغلاقه يُعد انتهاكاً

للقانون. وأشار المقال إلى عجز النظام القضائي وتورط كبار المسؤولين في الدولة

في عمليات تجارة المخدرات والفساد والرشوة مما يؤكد تساقط نظام الدولة مع

حيلولته دون إجراء إصلاحات جذرية في مناخ ديمقراطي لتفادي قيام الجيش بالعمل

غير المسوّغ بالنسبة لنا (التدخل) وهذا ما ثبت إخفاقه في الانقلابات العسكرية التي

وقعت من قبل) .

مفارقات:

بعد قرار حل حزب الرفاه: أدانت هذا القرار كثير من الدول وبخاصة دول

الاتحاد الأوروبي التي رأت فيه انتكاسة خطيرة للديمقراطية التي كانت تركيا في

طريق الوصول إليها، كما رأوا في القرار نفسه عائقاً جديداً أمام انضمام تركيا

للاتحاد الأوروبي لا سيما أن حزب الرفاه ليس حزباً هامشياً بل هو صاحب الأغلبية

البرلمانية وصاحب الشعبية الجارفة.

والأعجب من ذلك صمت القبور من قِبَلِ بعض من يُعتَب عليهم حيال هذا

القرار الجائر، وكأن الإنصاف لا يأتي إلا من قِبَلِ الأجانب؛ فيا لله للإسلام،

ويالله للمسلمين.

...

...

...

...

- البيان -

(*) رئيس مركز بحوث العالم التركي بالقاهرة.

(1)

في 18/9/1418هـ، قررت ما يسمى بالمحكمة الدستورية في تركيا حل حزب الرفاه بدعوى قيامه بأنشطة مناهضة للعلمانية مع حرمان رئيسه (نجم الدين أربكان) وخمسة من زملائه في الحزب من حقوقهم السياسية لمدة خمس سنوات مع حرمانهم من عضويتهم البرلمانية المنتخبة! ! وقررت المحكمة مصادرة ممتلكات الحزب كلها ووضعها في تصرف خزينة الدولة وقال المدعو (أحمد نجدت) رئيس المحكمة للصحفيين:(إن القرار اتخذ بأكثرية 9 أصوات في المحكمة ضد 2 والتي تضم 11 عضواً) وتم تنفيذ القرار وأغلق الحزب أبوابه في فبراير/1998م (وكالات الأنباء) .

(2)

العلويون في تركيا هم الفئة الباطنية التي لا تمت في معتقداتها ومبادئها للإسلام ولمزيد من الأضواء على حقيقتهم انظر إلى (العثمانيون التاريخ والحضارة، د محمد حرب) ومن أشهر رموزهم الأديب الملحد (عزيز نسين) .

- (البيان) -

(**) عن صحيفة (الرياض العدد 10804، الصادر في 24/9/1418هـ.

ص: 80

في دائرة الضوء

حتى لا ننساق وراء لعبة الردود

بقلم: د.محمد يحيى

في قول مشهور وصف فيه نابليون الإنجليز بازدراء بأنهم أمة من أصحاب

المحلات. وقد عَنّ لي في لحظة ضيق أن أصف أمتنا تندراً ومبالغة بأنها أصبحت

أمة من (الردّادين) من الرد والردود. وقد طاف هذا الخاطر في ذهني بعدما قرأت

توصية مهمة صدرت عن ندوة عقدتها مؤخراً هيئة دينية كبيرة في بلد عربي تنص

على ضرورة إنشاء مراكز متخصصة في الرد على كتابات المستشرقين في كل بلد

إسلامي؛ وكأن الرد على المستشرقين قد أصبح من فروض الكفاية، وقد زاد من

عجبي أن رئيس هذه الجهة الدينية نفسه قد صرح في الفترة ذاتها بأن المستشرقين

قوم من أصحاب الرأي الموضوعي وقليلاً ما يتحيزون أو يتعصبون! إذن فما

الحاجة إلى مراكز كبرى متخصصة ترد على هؤلاء الناس الذين يقول عنهم رئيس

الجهة المشار لها: إنهم علماء دارسون للإسلام؟ والقضية التي تشغلني هنا هي ذلك

الانشغال الغريب والاقتصار المعيب والانغلاق على المستشرقين وكأنهم أصبحوا

محور الكون الذي يحتكر لنفسه كل الانتباه رداً عليهم أو إعجاباً بهم.

إن السنوات القليلة الماضية قد شهدت ظاهرة الانشغال بالعلاقة مع الغرب

والتمحور حولها إلى حد أن الهمّ المقيم لبعض أو كثير من الهيئات الدينية الإسلامية

الرسمية قد أصبح عقد المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية حول العلاقة بين

الإسلام والغرب والمستشرقون في القلب من هذه العلاقة وكأنه لم يعد هناك للمسلمين

من همٍّ آخر، أو كأنه لا يوجد على وجه الأرض غير الغرب والمستشرقين! وإذا

كنا نرى في هذا التمحور غرابة؛ فالأغرب منه أن العلاقة بين الإسلام والغرب كما

تراها هذه الهيئات الرسمية ومَنْ وراءها مِن دوائر ذات نفوذ ثقافي وسياسي في

الحكومات والأنظمة تنحصر في شكل عجيب هو شكل الرد والدفاع من جانب،

وتوجيه التهم المختلفة من الجانب الآخر.

إن الإسلام يقف في تلك العلاقة في موقف المتهم المريب الذي تصوّب إليه

التهم الواحدة تلو الأخرى وبتكرار ممل حتى لا يصبح أمامه سوى أن يتحول إلى

تلميذ يجلس في خشوع أمام أستاذه الغربي ويرد باستمرار على أسئلته واتهاماته،

وهذا هو ما عنيته بعبارة: (أمة من الردادين) .

والمسألة خطيرة وجادة وليست هزلية؛ فإن الوقوف الدائم في وضع المتهم

المدافع عن نفسه والرد على الاتهامات التي لا تنقطع يحوِّل الآلة الفكرية والعقلية

الإسلامية ومعها الذهن المسلم إلى حالة شاذة يُشل فيها التفكير ومرونته وتنعدم فيها

تعددية الأفكار وتنوعها، وتنمحي الطروح الإيجابية بحيث لا يصبح لدى هذا العقل

المسلم ما يطرحه أو يفكر فيه سوى ردود مكررة مملة على اتهامات مكررة مملة.

وحصر الذهن أو العقلية في وضع واحد لا تعرف سواه هو في وضع الرد السلبي

بكل محدوديته ورتابته يصل بنا في الواقع وفي نهاية المطاف إلى إلغاء العقل نفسه

ومعه إلغاء الطرح الإسلامي الإيجابي الواسع بكل منهجيته وشرائعه وإسهامه في

الحضارة الإنسانية؛ وهذه هي الخطورة الحقيقية لموقف الرد الدائم على التهم التي

توجه من الغرب سواء جاءت من الإعلام أو المستشرقين.

إن أي نظرة ولو سريعة على العقائد والمذاهب الفكرية والدينية والفلسفية في

الغرب نفسه وفي غير الغرب تظهر أن الجانب الدفاعي أو جانب الردود لم يكن

يشغل إلا حيزاً صغيراً فيها على الرغم من أن بعضها أو كلها مهلهل بالعيوب

والنقائص في المضمون والمنطق. وهذا الحيز الدفاعي لم يكن يظهر إلاحين تظهر

الضرورة الملحة له وبقدرها؛ لكنه بأي حال لم يتحول إلى الجانب الأصيل

والأساسي أو الأوحد من جوانب العقيدة والفكرة كما يراد الآن للإسلام. وجانب

الردود والدفاع تراعى فيه اعتبارات لا تراعى عند هؤلاء الذين يريدون أن يحولوه

إلى الجانب الوحيد للفكر الإسلامي؛ فهو في الوضع الطبيعي كما عهدناه في

الفلسفات الغربية ذاتها يميز بين اتهامات وانتقادات يحسن الرد عليها لأهميتها وبين

أخرى تهمل لتفاهتها ووضوح التعصب والغرض وراء طرحها. وهو كذلك لا

ينحصر في التعامل الدائم مع تهم تكرر بشكل أبدي بل يكتفي بالرد على التهمة

الواحدة مرة واحدة وبشكل مقنع وقاطع، ولا ينساق وراء لعبة الرد المتكرر على

التهم نفسها وهي اللعبة التي تروج الآن على الوسط الإسلامي بهدف الإشغال

والتحويل عن الواجبات الفكرية الأكثر أهمية وإلحاحاً. والجانب الدفاعي أو جانب

الردود في الفلسفات والمذاهب يأنف من انتهاج المدخل الاعتذاري المتراجع أو من

اتباع أسلوب تقبل حجج المهاجمين ومنطقتهم، ثم محاولة الرد عليها بعد فوات

الأوان؛ لأن تقبل منطق الخصم ومبادئه الفكرية يجعل الرد غير ذي قوة أو معنى،

بل يفرض الهزيمة منذ البداية على الطرف المدافع. لكن كل هذه العيوب نلمحها

الآن في ممارسات (الردادين) الجدد الذين يريدون أن يحتكروا ساحة العمل الفكري

الإسلامي لأنفسهم.

إنني لا أطالب بأن تترك الاتهامات والانتقادات التي توجه للإسلام في الغرب

أو من الفئات العلمانية داخل البلدان الإسلامية بدون أن يرد عليها؛ فالرد مطلوب،

ولكنْ بهدف التوضيح والإفهام، وأيضاً بهدف قطع الطريق على أي بلبلة قد تحدث

في أوساط المسلمين نتيجة للإلحاح على هذه التهم والانتقادات وطرحها من خلال

أوسع أجهزة الإعلام والتعليم ذيوعاً وتأثيراً. الرد مطلوب بلا شك ولكن لهذه

الأهداف وليس كما نلحظ الآن على الساحة الإسلامية لأهداف أخرى؛ وهذه

الأهداف الأخرى تشمل مجاراة الغربيين في تصوراتهم أو علمنة الإسلام والخروج

بنسخة منه تتماشى مع الفكر العلماني اللاديني، كما تشمل بث الدونية في نفوس

المسلمين وإشعارهم بأن الغرب متفوق عليهم دوماً في الفكر والنظر، وأن دورهم

الوحيد ينحصر في تحسين صورتهم أمامه والرد على انتقاداته وتعديل مناهجهم

وشرائعهم بل وعقيدتهم! حتى تتماشى مع ما يريد الغرب ويعجب به وهو القدوة

الأعلى للمسلمين كما يراد الآن. وهناك أهداف أخرى مغرضة لهذه العملية الفكرية

ومنها: استمرارية ترسخ التبعية للغرب بفكره العلماني أو الصليبي؛ بحيث يتصور

المسلم العادي أنه لا فكاك من الغرب، ولا مناص من الدخول معه في علاقة التبعية

الفكرية علاقة التلميذ الخائب بالأستاذ المعلم، وهناك الهدف الأهم والأكبر وهو

هدف تنحية الدعوة لعقيدة الإسلام وهو الواجب الإسلامي الأصيل؛ فالمسلمون يراد

لهم الآن من جانب (الردادين) أن ينشغلوا عن واجب الدعوة الإسلامية التي تتزايد

حاجة البشرية إليها بل وفي الغرب نفسه قبل غيره. وهم ينشغلون عن واجب

الدعوة الأصيل بلعبة فكرية لا معنى لها؛ فبدل عرض الإسلام على الغربيين فإذا

بالمسلمين في ظل لعبة (الردادين) يتحولون إلى أتباع أذلاء يعتذرون للسادة الغربيين

، ويردون على انتقاداتهم في ذلة مع التقبل الكامل لطروحاتهم. ويا ليت لعبة الرد

الفكري على الاتهامات والانتقادات تجدي بل إنها لا تجدي كما تدل على ذلك طبيعة

الاتهامات نفسها. فنحن الآن ما زلنا نرد على الاتهامات نفسها التي وُجهت للإسلام

في الغرب منذ قرنين أو يزيد، وحتى تهمة الإرهاب ليست جديدة كما قد يُظَن؛

فهي امتداد لنظرة الغرب القديمة إلى المسلمين باعتبارهم يهددون بلادهم! وعلى

الرغم من كل الردود التي تراكمت طيلة القرن على هذه الانتقادات فإنها ما زالت

تصدر وبالشكل نفسه والقوة ذاتها فما الذي تغير؟ لا شيء سوى حصر المسلمين

في هذا الاتجاه الضيق السلبي الذي يحمل كل مثالب التبعية؛ بل وأكثر من ذلك فإنه

يحمل خطر علمنة الإسلام وكبت الدعوة الإسلامية لتحل محلها لعبة عبثية ليس إلا.

ص: 92

متابعات

تعقيب

على محاورة الأخ د. محمد عبد الله الشباني

بقلم: أ. د. يوسف القرضاوي

وصلنا تعقيب فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي على مقال: (وقفات متأنية

مع آراء فضيلة د. القرضاوي حول العلاقة مع أهل الكتاب) للدكتور محمد الشباني، وقد أسعدنا تواصل فضيلته مع المجلة، ويسرنا أن ننشر تعقيبه بتمامه، وإن كنا

نختلف معه في مسائل ذكرناها تعليقاً، ومع ذلك نرحب بكل نقد بناء جاد. وفّق الله

الجميع لما يحبه ويرضاه.

أطلعني بعض الإخوة الأفاضل على عدد من مجلة (البيان) التي تصدر في

لندن (العدد 112 أبريل مايو 1997م) وفيها حوار أو مناقشة لبعض ما لخصه أحد

الإخوة بمجلة (المجتمع) الكويتية من تعقيب لي على محاضرة الأستاذ الدكتور رجاء

جارودي، حينما دعي إلى جامعة قطر بالدوحة. وكان كاتب المقال هو الدكتور

محمد عبد الله الشباني، تحت عنوان: وقفات متأنية مع آراء فضيلة د. القرضاوي

في العلاقة مع أهل الكتاب.

وأنا شاكر للأخ الدكتور د. الشباني حسن أدبه في تناول الموضوع، وأقدِّر

له غيرته واجتهاده، وإن كنت أخالفه فيما انتهى إليه من آراء تخص موقفي.

التوحيد والأخلاق:

أولاً: أخذ عليّ الأخ الشباني قولي: إن رسالة الإسلام رسالة أخلاقية في

الدرجة الأولى، وكأنه فهم من هذه الجملة أني أعتبر (التوحيد) في الدرجة الثانية أو

الثالثة، وطفق يذكر الأدلة على أهمية التوحيد، كأني أنكر ذلك أو أجهله.

والحق أني أعتبر (التوحيد) كما يعتبره كل مسلم أساس الدين، بل أساس

الديانات السماوية كلها، ولكني أيضاً اعتبره من جملة الأخلاق؛ لأنه من (العدل)

الذي يعطي كل ذي حق حقه، ولا حق لأحد أن يعبد غير الله تعالى الرب الخالق

المعلم للإنسان. ولا غرو أَنِ اعتبر القرآن الشرك من (الظلم) بل هو ظلم عظيم،

كما جاء في القرآن على لسان لقمان؛ إذ قال لابنه وهو يعظه: -صلى الله عليه

وسلم-[يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ][لقمان: 13] .

وقد صحح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للصحابة فهمهم للآية

الكريمة من سورة الأنعام: [الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ

وَهُم مُّهْتَدُونَ] [الأنعام: 82] حين قالوا: وأينا لم يظلم نفسه يا رسول الله؟ فقال:

ليس كما فهمتم، إنه الشرك. ألم تقرؤوا قول العبد الصالح: [إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ

عَظِيمٌ] [1] .

ونجد القرآن الكريم يعتبر الإيمان والشعائر العبادية وعمل الصالحات، وفعل

الخيرات والجهاد في سبيل الله ونحوها من جملة الأخلاق المحمودة، ويصف أهلها

من المؤمنين والأبرار والمتقين بصفات أخلاقية مثل (الصدق) وهو فضيلة أخلاقية

بلا ريب.

يقول تعالى: [إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا

بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ] [الحجرات: 15] .

وقال عز وجل: [لَيْسَ البِرَّ أََن تُوَلُّوا وجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ

البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ

ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقََابِ وَأََقَامَ الصَّلاةَ

وآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البََاًسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ

البَاًسِ أُوْلَئِكَ الَذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ] [البقرة: 177] .

ومن هنا أثنى الله على أولي العزم من الرسل فوصفم بصفات أخلاقية، كما

قال عن نوح: [إنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً][الإسراء: 3] .

وقال عن إبراهيم الخليل: [وَإبْرَاهِيمَ الَذِي وَفَّى][النجم: 37] .

وخاطب خاتم رسله محمداً بقوله: [وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ][القلم: 4] .

ولا غرو أن قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[2] .

ولقد ذكر الإمام ابن القيم في (مدارج السالكين) ما نقله الكتاني عمن قبله أنهم

قالوا: التصوف هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في

التصوف [3]

وعلق على ذلك ابن القيم بقوله: (بل الدين كله هو الخلق، فمن زاد عليك في

الخلق، فقد زاد عليك في الدين) [4] .

وقد عرّف بعضهم التصوف فقال: هو الصدق مع الحق، والخُلُقُ مع الخَلْق.

ولا يخفى أن الصدق خلق أيضاً، فقد أصبح التصوف كله خلقاً. بل هذا هو

الدين كله: أن تكون مع الله بالصدق، ومع الناس بحسن الخُلُق.

أو أن تكون كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مع الله بالتقوى، ومع الناس

بالإحسان، كما يشير إليه قوله تعالى:[إنَّ اللَّهَ مَعَ الَذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون][النحل: 128] .

وفي ضوء هذه المفاهيم الإسلامية الصحيحة يجب أن يُفهم معنى قولي: إن

الإسلام رسالة أخلاقية في الدرجة الأولى، فأنا أُدخِل في هذا المفهوم: العقائد

والعبادات وعمل الصالحات والدعوة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيله. وقديماً قال

علماؤنا: لا مشاحّة في الاصطلاح.

معركتنا مع اليهود:

ثانياً: علق الأخ الشباني على قولي: إن معركتنا مع اليهود ليست من أجل

العقيدة، بل من أجل الأرض التي اغتصبوها، والحرمات التي انتهكوها، والدماء

التي سفكوها. وقال: إنها تحتمل معنى صحيحاً لا غبار عليه، وهو أن صراعنا

مع اليهود في هذه المرحلة من أجل أرض فلسطين. وإذا كان هذا المعنى الصحيح

محتملاً، فلماذا نفترض المعنى الآخر؟

والذي جعلني أقول هذا القول: أن اليهود يشيعون في أنحاء العالم أنهم جنس

مضطهد مجني عليه، مظلوم من الناس كافة، وأن اضطهاده إنما هو من أجل

عقيدته وعنصره، أي لأنهم يهود، ولأنهم ساميون. ولذا نراهم يتاجرون بمعاداة

السامية.

ونحن نريد أن نقول لهم: إننا لم نحاربكم من أجل عقيدتكم اليهودية، ولا

عنصريتكم السامية [5] ، فنحن المسلمين نعتبركم أهل كتاب، حتى إن القرآن أباح

مؤاكلتكم ومصاهرتكم، ونحن العربَ ساميون مثلكم، فأنتم أبناء عمومتنا. وبذلك

نبطل الدعوى التي يتشدقون بها ويستدرّون بها عطف الأمم كافة عليهم.

على أني إذا قلت: إن المعركة من أجل الأرض التي بارك الله فيها للعالمين،

فهذا لا ينفي الطابع الديني عن المعركة؛ لأنها معركة (في سبيل الله) يقيناً، معركة

دفاع عن الحق والأرض والعرض والشرف والدين، وكل المقدسات. وكل معركة

يخوضها المسلم دفاعاً عن أرضه وحرماته هي معركة دينية؛ لأنها في سبيل الله لا

في سبيل الطاغوت، وقد قال تعالى: [الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ

كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ] [النساء: 76] .

فكيف إذا كانت الأرض التي يدافع عنها المسلم تتميز بأنها أولى القبلتين،

وبها ثالث المسجدين المعظمين، وهي أرض الإسراء والمعراج، وأرض النبوات

والبركات، وأرض الرباط والجهاد؟ أجل، إنها معركة تحرير القدس وإنقاذ

الأقصى؟ !

ولا يُتصور من مثلي أن ينفي الطابع الديني عن المعركة بيننا وبين اليهود،

وأنا أنادي في كتبي وفي محاضراتي وفي فتاواي وخطبي منذ سنين طويلة بفرضية

الجهاد من أجل فلسطين، وضرورة (إسلامية) المعركة، وأننا لم نُهزم إلا أننا

دخلناها عرباً ولم ندخلها مسلمين.

ويمكن أن يراجع من يشاء كتبي: درس النكبة الثانية، الحلول المستوردة،

أولويات الحركة الإسلامية وغيرها، وكذلك فتاويّ حول الصلح مع إسرائيل، وعن

زيارة القدس والصلاة في الأقصى في ظل الاحتلال، والمشاركة في انتخابات

الكنيست، وردودي على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وغيرها، ليعرف منه

حقيقة موقفي من إسلامية المعركة مع الصهيونية الباغية المغتصبة.

هل هناك أصول مشتركة بيننا وبين أهل الكتاب؟

ثالثاً: أثار الأخ الشباني زوبعة حول ما نقل عني أني قلت معقباً على موقف

جارودي ما معناه: لا مانع من وقوف أتباع الديانات السماوية في خندق واحد، أي

في مواجهة الإلحاد والإباحية، وقد يختلفون في بعض الأمور، ولكن بينهم من

الأصول المشتركة ما يجمعهم ضد الذين ينادون بوحدانية الدولار، ووحدانية السوق، ويعتبرون أنه (لا إله إلا المادة) .

أنكر الأخ الكاتب هذا القول، وزعم أنه يناقض أصول الإسلام وحقائق

التوحيد.. وقال: ليس بيننا وبين اليهود والنصارى أي أصول مشتركة، فهم

مشركون كفرة، وقد حكم الله عليهم بالكفر.. إلخ

ولو كان ما قاله الكاتب صحيحاً، لم يكن هناك معنى ولا مبرر لأن يميزهم

الإسلام عن غيرهم من سائر الكفار، ويعتبرهم (أهل كتاب) وأهل دين سماوي

ويناديهم: [يَا أَهْلَ الكِتَابِ][آل عمران: 64] وأن يقول القرآن فيهم: [وَطَعَامُ

الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ

مِنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ

] [المائدة: 5] فأباح مؤاكلتهم ومصاهرتهم،

والمصاهرة أحد الرابطين الأساسين بين البشر [وَهُوَ الَذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً

فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً] [الفرقان: 54] .

فكيف أجاز للمسلم أن تكون شريكة حياته، وربة بيته، وأم أولاده من أهل

الكتاب؟ ومن لوازم ذلك: أن يكون أبو زوجته الكتابية وأمها جدين لأولاده،

وإخوانها أخوالهم، وأخواتها خالاتهم، ولهؤلاء جميعاً وأولادهم حقوق الأرحام

وذوي القربى؟

ولا ريب أنهم كفار؛ لأنهم لم يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم،

ولكنهم غير (المشركين) أو (الذين أشركوا)[6] فهم صنف آخر يذكر معطوفاً عليهم

في القرآن، والعطف يقتضي المغايرة، كما في قوله تعالى: [مَا يَوَدُّ الَذِينَ كَفَرُوا

مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلا المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ] [البقرة: 105]

وقوله: [لَمْ يَكُنِ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حََتَّى تَاًتِيَهُمُ البَيِّنَةُ][البينة: 1] ، [إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ

فِيهَا] [البينة: 6] ، [إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى

وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ] [الحج: 17] .

فدلّت هذه الآيات الكريمة على أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى غير

المشركين الذين ذكرهم القرآن، ويقصد بهم عباد الأوثان، كما كان عليه مشركو

العرب.

ولو لم يكن هناك أصول مشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب ما أجاز

للمسلمين أن يصاهروهم، ولحرم ذلك عليهم كما حرم مصاهرة المشركين، حيث

قال: [وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ

أَعْجَبَتْكُمْ] [البقرة: 221] .

والواقع أنه توجد أصول مشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب في الجملة [7] ،

منها: الإيمان بالله، والإيمان بوجوب التعبد له، والإيمان بالنبوة والوحي،

والإيمان بالآخرة، والإيمان بالقيم الأخلاقية. ومن ثم يمكن أن يقف هؤلاء مع

المسلمين في خندق واحد، لمقاومة النزعات الإلحادية، ودعوات الانحلال والإباحية، والوقوف في وجه المظالم والاعتداءات البشرية.

وهذا ما جعل الأزهر ورابطة العالم الإسلامي والفاتيكان يقفون في صف واحد

في مؤتمر السكان الذي انعقد بالقاهرة في صيف سنة 1994م ضد دعاة الإجهاض

والإباحية الجنسية.

وهو ما جعل الكثيرين يرحبون بالحوار الإسلامي المسيحي [8] ، كما فعل

ذلك وفد رابطة العالم الإسلامي برئاسة أمينها العام الشيخ محمد علي الحركان،

وعدد من الأساتذة الكبار، حيث ذهبوا إلى الفاتيكان، وحاوروا كبار أساقفته،

ووصلوا إلى نتائج مهمة سجلوها في كتاب نشرته الرابطة.

وكذلك قام حوار في ليبيا شارك فيه عدد من الشيوخ والمفكرين المسلمين،

وقُدِّمت فيه بحوث من كلا الطرفين في أربعة موضوعات محددة، وانتهوا إلى

توصيات مشتركة، أعتقد أنها نافعة.

ولو كان أهل الكتاب كالمشركين الأقحاح سواء بسواء كما يقول الأخ المعقب

لما حزن المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة حين

انتصر الفرس وهم مجوس يعبدون النار ويقولون بإلهين اثنين على الروم، وهم

نصارى أهل كتاب، على عكس ما كان عليه المشركون من أهل مكة، الذين

فرحوا بانتصار الفرس على الروم، معتبرين أن الروم أهل كتاب، فهم أقرب إلى

المسلمين من المجوس.

وقد نزل في ذلك قرآن يتلى يبشر المسلمين بأن هذه الغلبة للفرس لن تدوم،

وأن اتجاه الريح سيتغير لصالح الروم في بضع سنين، وقال تعالى: [الّم) (1)

غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ

لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ] 4 [بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ

وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ] [الروم: 1 - 5] .

إن القرآن الكريم أمرنا ألا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وأن نركز

على القواسم المشتركة بيننا وبينهم، لا على نقاط التمايز والاختلاف، يقول تعالى: [وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلَاّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا

بِالَّذِي أُنزِلَ إلَيْنَا وَأُنزِلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ]

[العنكبوت: 46] .

وما أحوج الدعاة اليوم إلى هذا الأدب القرآني في عصر تقارب فيه العالم

حتى أصبح قرية كبرى كما قال بعض الأدباء، وأنا أقول: إنه أصبح قرية صغرى، نتيجة ثورة الاتصالات، ورسالة الدعاة اليوم يجب أن تركز على تبليغ دعوة

الإسلام إلى العالم بلغاته المختلفة عبر الإذاعات الموجهة، والأقمار الصناعية،

والرسائل المكتوبة، وترجمة معاني القرآن إلى الألسنة المختلفة، وهذا هو الجهاد

الأول اليوم، وهذا كله قد أخفق فيه المسلمون إخفاقاً بيناً، ولكنهم نجحوا في

استفزاز الآخرين وإيغار صدورهم، وتخويفهم من ظهور الإسلام، الذي لن يعاملهم

إلا بسل السيف على رقاب الجميع، وإعلان الحرب على البشرية كلها [9] .

أسأل الله أن يرزقنا فقه الدعوة، وفقه الفتوى، حتى نفرق بين الثوابت

والمتغيرات، فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال وغيرها،

فالدعوة وأساليبها أوْلى بالتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(1) البخاري، ج1، كتاب الإيمان، ص 13، باب 23، البخاري، ج6، كتاب تفسير القرآن،

ص20، ح/31، ج8، كتاب استتابة المرتدين، ص 48.

(2)

أحمد، ج2، ص 381، وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح، ج8، ص 18، صححه الحاكم، ج2، ص 613، ووافقه الذهبي، البخاري في الأدب المفرد رقم 374، ص 105، صحيح الجامع، ج2، رقم 2345.

(3)

جاء في مدارج السالكين (2/307) : (الدين كله خُلُق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين وكذلك التصوف؛ قال الكتاني: التصوف هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق، فقد زاد عليك في التصوف) وعلى كلٍّ فإن مصطلح (التصوف) فيه إجمال واشتراك، فيحتاج إلى تفصيل، كما حرر ذلك المحققون من أهل العلم كابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/28، 29) والشاطبي في الاعتصام

(1/265) ، فقد يطلق التصوف على ما يحبه الله ورسوله من زهد وورع، كما يطلق على ما يكرهه الله ورسوله من البدع الحادثة والمنكرات الظاهرة

...

...

... - البيان -

(4)

مدارج السالكين، ج2، ص 307.

(5)

يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي: (إننا لم نحاربكم من أجل عقيدتكم اليهودية ولا عنصريتكم السامية) وقد قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ][التوبة: 123]، وقوله سبحانه:[فَإذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ][التوبة: 5] فدلت هذه الآيات على أن موجب القتال هو الكفر بالله تعالى أيّاً كان هذا الكفر، ولو فرّق فضيلة الشيخ بين عقيدة اليهود وبين جنسهم لزال اللبس، فقتال اليهود لأجل عقيدتهم الفاسدة، وليس من أجل عرقهم أو جنسهم كما يزعمون وقد يسوّغ لفضيلة الشيخ القرضاوي أن يقرر أن الموقف من اليهود في ظل ضعف المسلمين وتسلط الكفار على مراحل وأحوال، ففي ظل الأوضاع الراهنة يكون قتالهم بسبب محاربتهم المسلمين وقتلهم واعتدائهم.

(6)

وقول الشيخ القرضاوي: (ولكنهم غير (المشركين) أو (الذين أشركوا)) فاليهود والنصارى كفار بالإجماع كما حكاه ابن حزم في مراتب الإجماع، ص 19 ولكن هل يقال: إنهم مشركون؟ هذه محل خلاف بين أهل العلم، فأطلق بعضهم على النصارى أنهم مشركون محتجين بقوله تعالى:[اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَاّ لِيَعْبُدُوا إلَهاً وَاحِداً لَاّ إلَهَ إلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ][التوبة: 31] ولذا قال ابن عمر رضي الله عنهما: لا أعلم شركاً أعظم ممن تقول: إن ربها عيسى ابن مريم، وقد يقال: إن أهل الكتاب ليس في أصل دينهم شرك، فإن الله إنما بعث الرسل بالتوحيد؛ فكل من آمن بالرسل والكتب، لم يكن في أصل دينهم شرك، ولكن النصارى ابتدعوا الشرك كما قال:[سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ][يونس: 18] انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 14/91

...

...

...

...

...

... - البيان-

(7)

وأما دعوى هذه الأصول المشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب ففيها مبالغة ظاهرة: فأي إيمان بالله عند من قال: إن المسيح ابن الله، أو عزير ابن الله؟ وأيّ إيمان لمن سب الله عز وجل غاية المسبة فنسب إليه الولد، وقال: إن الله فقير تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً؟ وأي إيمان بالرسل عند يهود قتلة الأنبياء والرسل، وكذا النصارى الذين كفروا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى:[إنَّ الَذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ][النساء: 150] الآية؟ وعلى كلٍّ فمع هذه المباينة والمفارقة الشاسعة بين ملة الإسلام وبين اليهودية والنصرانية فلا شك أنهم أقل بعداً عن سائر طوائف المشركين

...

...

...

...

...

...

...

... -البيان-

(8)

والحوار الإسلامي النصراني إن أريد له دعوة النصارى إلى الحق والصواب والالتزام بالتوحيد فهذا هو المطلوب، ونحن نفرح بإسلام هؤلاء النصارى وقبولهم للدليل والبرهان لكن غالب هذه المؤتمرات التي تعقد باسم الحوار الإسلامي المسيحي ما هي إلا ذريعة لمداهنة النصارى وموالاتهم، وقد تكون سبيلاً إلى الدعوة إلى زمالة الأديان والتقارب فيما بينها وقد صدرت فتوى عن اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية عن خطر هذه الدعوة وبيان حكمها وجاء فيها: (إن من يحدث نفسه بالجمع أو التقريب بين الإسلام واليهودية والنصرانية كمن يجهد نفسه في الجمع بين النقيضين: بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، وما مثله إلا كما قيل: أيها المنكح الثريا سهيلاً عمرك الله كيف يلتقيانِ هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يماني فتاوى اللجنة 2/85

... - البيان-

(9)

الذي يعنيه الدكتور القرضاوي كما هو واضح: الصورة البشعة المزعومة التي يريد أعداء الإسلام رسمها في أذهان الآخرين.

...

...

...

...

... - البيان-

ص: 96