المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فسطاط الخرافة.. الجذور والواقع - مجلة البيان - جـ ١٣١

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌فسطاط الخرافة.. الجذور والواقع

ملفات

(القبور والأضرحة دراسة وتقويم)

انتشار القبور والأضرحة وعوامل استمرارها

(1/2)

‌فسطاط الخرافة.. الجذور والواقع

خالد محمد حامد

تقديس القبور والأضرحة) مفهوم لم يعرفه الإسلام ولو في إشارة يسيرة، بل

جاءت نصوصه الثابتة بالنهي الصريح عن كل ذريعة تفضي إلى ذلك المفهوم الذي

يمثل خطوة أولى على طريق الانحراف نحو الشرك؛ فمن الأقوال القاطعة لرسول

الله صلى الله عليه وسلم بما لا يدع مجالاً لتوهم نسخ أو تخصيص أو تقييد ما

جاء عنه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلّوا عليّ؛ فإن

صلاتكم تبلغني حيث كنتم) [1]، وعنه: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد، لعن الله

قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) [2] .. هذا في قبره الشريف وفي كل قبر، وعن

علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته)[3] ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن (يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) وفي

زيادة صحيحة لأبي داود: (أو أن يكتب عليه)[4] .. ولعن (المتخذين عليها [أي

القبور] المساجد والسُرج) [5] .

من النور إلى الظلمات:

وعلى ذلك سار سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن تبعهم بإحسان (ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء

في بلاد الإسلام، لا في الحجاز، ولا اليمن، ولا الشام، ولا العراق، ولا مصر،

ولا خراسان، ولا المغرب، ولم يكن قد أحدث مشهد، لا على قبر نبي، ولا

صاحب، ولا أحد من أهل البيت، ولا صالح أصلاً، بل عامة هذه المشاهد محدَثة

بعد ذلك، وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس، وتفرقت الأمة، وكثر فيهم الزنادقة الملبّسون على المسلمين، وفشت فيهم كلمة أهل البدع، وذلك

من دولة المقتدر في أواخر المئة الثالثة؛ فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية

القدّاحية في أرض المغرب، ثم جاؤوا بعد ذلك إلى أرض مصر) [6] .

(ولم يكن في العصور المفضلة (مشاهد) على القبور، وإنما كثر بعد ذلك في

دولة بني بويه لما ظهرت القرامطة بأرض المشرق والمغرب، وكان بها زنادقة

كفار مقصودهم تبديل دين الإسلام، وكان في بني بويه من الموافقة لهم على بعض

ذلك. ومن بدع الجهمية والمعتزلة والرافضة ما هو معروف لأهل العلم، فبنوا

المشاهد المكذوبة كمشهد علي رضي الله عنه وأمثاله

) [7] .

(

وفي دولتهم أُظهر المشهد المنسوب إلى علي رضي الله عنه بناحية

النجف، وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول: إن قبر علي هناك، وإنما دفن علي -

رضي الله عنه بقصر الإمارة بالكوفة) [8] .

فعندما بدأت المحدَثات تدب في حياة المسلمين، كان منها ذلك الأمر الجلل

(فظهرت بدعة التشيع التي هي مفتاح باب الشرك، ثم لما تمكنت الزنادقة أمروا

ببناء المشاهد وتعطيل المساجد

ورووا في إنارة المشاهد وتعظيمها والدعاء

عندها من الأكاذيب ما لم أجد مثله فيما وقفت عليه من أكاذيب أهل الكتاب، حتى

صنف كبيرهم (ابن النعمان) كتاباً في (مناسك حج المشاهد) وكذبوا فيه على النبي -

صلى الله عليه وسلم وأهل بيته أكاذيب بدلوا بها دينه، وغيروا ملته، وابتدعوا

الشرك المنافي للتوحيد، فصاروا جامعين بين الشرك والكذب) [9] .

الرواد الأوائل:

وعلى ذلك يتضح أن الذين بذروا بذورَ شرك القبور كانوا رافضة، وهذا ما

تؤكده لنا عالمة الآثار الدكتورة سعاد ماهر فهمي عندما تسرد أوائل الأضرحة ذات

القباب، فتقول: (.. ويليها من حيث التاريخ: ضريح إسماعيل الساماني [10]

المبني سنة 296 هـ في مدينة بخارى، ثم ضريح الإمام علي رضي الله عنه

في النجف الذي بناه الحمدانيون سنة 317 هـ، ثم ضريح محمد بن موسى في

مدينة قم بإيران سنة 366 هـ، ثم ضريح (السبع بنات) في الفسطاط سنة 400هـ،

وقد احتفظت لنا جبّانة أسوان بمجموعة كبيرة من الأضرحة ذات القباب التي

يرجع تاريخ معظمها إلى العصر الفاطمي في القرن الخامس الهجري) [11] .

فبدايات تعظيم القبور واتخاذها مشاهد وأضرحة ارتبطت تاريخياً بأسماء:

القرامطة، وبني بويه، والفاطميين (العبيديين) ، والسامانيين، والحمدانيين

وجميعهم روافض وإن تفاوتوا في درجة الغلو [12] .

على أن الدكتورة سعاد ماهر تذكر لنا (أن أقدم ضريح في الإسلام أقيمت عليه

قبة يرجع إلى القرن الثالث الهجري، وقد عُرف هذا الضريح باسم (قبة الصليبية) ، ويوجد في مدينة سامرّا بالعراق على الضفة الغربية لنهر دجلة إلى الجنوب من

قصر العاشق

، ويقول الطبري: إن أم الخليفة العباسي استأذنت في بناء ضريح

منفصل لولدها فأذن لها؛ إذ كانت العادة قبل ذلك أن يدفن الخليفة في قصره،

فأقامت قبة الصليبية في شهر ربيع الثاني سنة 284هـ، وقد ضم الضريح إلى

جانب المنتصر الخليفة المعتز والمهتدي، وتعتبر قبة الصليبية [13] أول قبة في

الإسلام) [14] .

ولكن الدكتورة سعاد تذكر لنا الأضرحة (ذات القباب) فقط، ولا ندري هل

كانت قبل قبة الصليبية أضرحة أخرى ليست ذات قباب أم لا؟

تعانق الجبت مع الطاغوت:

على أن الذي يعنينا في هذا المقام هو أن (تقديس القبور والأضرحة) أمر

حادث في الإسلام، وإحداثه لم يرتبط بأهل التقوى والعلم، بل ارتبط بأصحاب

الدعوات الهدامة وأهل السلطان، وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل ذلك في قوله

تعالى عن أصحاب الكهف: [قَالَ الَذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً]

[الكهف: 21] فالذين أرادوا اتخاذ مسجد على قبور الفتية هم أهل الغلبة.

ولعلنا نلمح أن في ذلك جنساً من اتباع سَنَن من كانوا قبلنا في تعانق الجبت

مع الطاغوت عند حدوث الانحراف العقدي، وذلك كما في قوله تعالى: [أَلَمْ تَرَ

إلَى الَذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ..] [النساء: 51] ؛ حيث يتآزر دعاة الأوهام والخرافة مع أصحاب الطاعة والتشريع من دون الله،

ويتبادلون الأدوار أحياناً، فتجد الكهان والمنجمين والسحرة يطلبون الطاعة ممن

يؤمن بخرافاتهم ويحلون له الحرام، ويُحرمون عليه الحلال، كما أنهم يمدون

أصحاب السلطان والطاعة بالشرعية التي هم في حاجة إليها، وتجد أصحاب

السلطان ممن يُطاعون في معصية الله يستشيرون الخرافيين ويقربونهم ويفسحون

المجال للترويج لبدعهم بين الناس.. ولا شك أن لكل ذلك أثراً في الواقع.

دينهم وديدنهم:

كما أن مكانة القبور والأضرحة (المقدسة) ! غير قابلة للمساومة في دين

الرافضة؛ فطائفة البهرة الإسماعيلية (من غلاة الرافضة) ذات نشاط واسع في

عمارة وتجديد المساجد ذات الأضرحة بحجة الاهتمام بالعمارة الإسلامية، وبخاصة

في مصر

والقبر الأول الذي يحظى بحج الجماهير في دمشق وهو القبر

المنسوب إلى السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ما زال مكتوباً

عليه إلى الآن: قام بعمارة البناية الضخمة عليه والمسجد حولها والقبة المزخرفة:

محمد بن حسين نظام وأولاده من طائفة الشيعة [15] .

وأيضاً فإن أصحاب الأضرحة الكبرى ممن ينسب إلى التصوف هم في

الحقيقة من غلاة الشيعة الباطنية؛ حيث (من العراق انطلق أحد أتباع الرفاعي إلى

مصر، وهو (أبو الفتح الواسطي)(جد إبراهيم الدسوقي) لنشر دعوتهم الباطنية بها، وقد كان ذلك في العهد الأيوبي، وبعد موت الواسطي جاء (البدوي) ليخلفه في

دعوته تلك، وقد توزع هؤلاء الدعاة في مصر، فكان (الدسوقي) بدسوق و (أبو

الحسن الشاذلي) بالإسكندرية، و (أبو الفتح الواسطي) ما بين القاهرة وطنطا

والإسكندرية، ولما مات الواسطي حل محله البدوي بطنطا، وجميعهم من فلول

العبيديين الذين طردهم صلاح الدين الأيوبي من مصر، ثم حاولوا العودة تحت

ستار التصوف والزهد

كما أن كلاّ من ابن بشيش وابن عربي قد تتلمذا على يد

(أبي مدين) بالمغرب) [16] .

(وفي أواخر عهدهم أنشأ الفاطميون المشهد الحسيني عام 550هـ عندما

شعروا بأن سلطتهم قد ضعفت ليجذبوا إليهم المصريين، وعهدوا إلى ابن مرزوق

القرشي (564هـ (تربية مريدي الصوفية، فانتظم أتباعه في طوائف وطرق لنشر

الدعوة الشيعية؛ إلا أن هذه التنظيمات انهارت بانهيار الدولة الفاطمية وتحول

المشهد الحسيني إلى ضريح صوفي) [17] .

والحاصل: أن تقديس القبور وزيارة المشاهد تقليد شيعي في نشأته، فالشيعة

هم أول من بنى المشاهد على القبور؛ حيث تتبعوا أو زعموا قبور من مات قديماً

ممن يعظمونهم من آل البيت، وراحوا يبنون على قبورهم ويجعلونها مشاهد

ومزارات، ثم جاء الصوفية فنسجوا على هذا المنوال، فجعلوا أهم مشاعرهم هو

زيارة القبور وبناء الأضرحة والطواف بها والتبرك بأحجارها، والاستغاثة

بالأموات [18] .

الحاجة أمّ الاختراع:

وأصبح تقديس القبور والأضرحة لازماً من لوازم الطرق الصوفية؛ بحيث لا

يتصور أحد وجود طريقة صوفية من غير ضريح أو أكثر تقدسه.. ومع تمكن الداء

من جسد الأمة ظهرت (الحاجة) إلى تعدد الأضرحة والمزارات لتلبي رغبات من

صرعتهم الأوهام، وضاق بالقبوريين أن يتحروا ثبوت قبور الأولياء المشهورين

لدى جمهورهم، ولأن الحاجة أُمّ الاختراع كما يقال فقد وجدوا لهذه الأزمة بعض

المخارج والحيل:

- فظهر ما يسمى بأضرحة الرؤيا، تقول الدكتورة سعاد ماهر: (ظهر في

العصور الوسطى وخاصة في أوقات المحن والحروب التي لا تجد فيها الشعوب من

تلوذ به غير الواحد القهار أن يتلمسوا أضرحة آل البيت والأولياء للزيارة والبركة

والدعاء ليكشف الله عنهم السوء ويرفع البلاء، ومن ثم: ظهر ما يعرف بأضرحة

الرؤيا، فإذا رأى ولي من أولياء الله الصالحين في منامه رؤيا مؤداها أن يقيم

مسجداً أو ضريحاً لأحد من أهل البيت أو الولي المسمى في الرؤيا فكان عليه أن

يقيم الضريح أو المسجد باسمه) [19] .

وتلك كانت الدعوى نفسها التي أقيمت عليها (مزارات الشهداء) عند النصارى

(وكان ذلك إبان القرن الخامس الميلادي؛ حيث أصبح لكل قرية مزار لشهيد يحوي

عظاماً لبعض الموتى المجهولين، أخرجت من القبور، ومنحت كل التبجيل

والاحترام، دون أدنى دليل يثبت أنها على الأقل بقايا مسيحيين، ويُخلع على هذه

الرفات أسماء وألقاب لائقة، وفي حالات كثيرة كان المرجع الوحيد في هذا الشأن

(حلم) أو (رؤيا) لكاهن أو راهب) [20] .

وعلى ذلك لا يلزم أن يكون الولي المقام الضريح باسمه ثبت وجوده في ذلك

المكان، بل لا يلزم أن يكون وطئت قدمه أرض تلك البلاد أصلاً، ومن هنا ظهرت

أضرحة مزعومة ومكذوبة في طول البلاد وعرضها، وتعددت الأضرحة للولي

الواحد في أكثر من قُطْر، ولتسويغ ذلك الخطل نسجوا خرافة واضحة الزور

والبهتان، فقالوا: إن الأرض لأجسام الأولياء كالماء للسمك، فيظهرون بأماكن

متعددة ويزار كل مكان قيل عنه إنه فيه نبي كريم أو ولي عظيم [21] .

- ومن الحيل الرائجة لإقامة ضريح أو مشهد: نسج الكرامات حول الشخص

المزعوم بأنه ولي، أو حول المكان المزعوم بأنه مكان قبر ولي.

فمما ينسج حول الأشخاص: ما حدث مع (الشيخ) صالح أبي حديد الذي كان

وبعض صحبه من قطاع الطريق، وحين كشف أمره هرب ولجأ إلى بيت مغنية

مشهورة، فأخفته وادعت أنه مجنون ووضعت في رجليه قيداً من حديد، وقد اعتقل

لسانه من شدة الخوف، ثم أشاعت هي والمجتمعون من حوله أن له كرامات

وإخباراً بالمغيبات، فأقبل عليه الناس بالهدايا والنذور حتى ذاع صيته، وزاره

الخديوي إسماعيل واستبشر به وبنى له قبراً بقبة عالية بعد وفاته ووقف عليه

الأرض وغيرها [22] .

ومن ذلك: مسجد في حلب يعرف بمسجد العريان، يعتقده أهل المحلة

الموجود بها، ويقولون: إنه عرف بالعريان؛ لأنه في أكثر أوقاته يتجرد من ثيابه، ويدّعون أن ذلك لغلبة الحال عليه [23] .

الواقع الأليم.. شبكة أضرحة:

ولغفلة جموع كثيرة من الأمة عن حقيقة دينها فقد أنبتت هذه الجذور شبكة

واسعة من القبور والأضرحة (المقدسة) عمت معظم أنحاء العالم الإسلامي، بل إن

بعض الباحثين يقدر عدد الأضرحة في القطر الذي يعيش فيه بما لا يقل عن عدد

المدن والقرى في هذا القطر، حيث يقول: (وأضرحة الأولياء التي تنتشر في مدن

مصر ونحو ستة آلاف قرية: هي مراكز لإقامة الموالد للمريدين والمحبين،

ويمكننا القول: إنه من الصعب أن نجد يوماً على مدار السنة ليس فيه احتفال بمولد

ولي في مكان ما بمصر) [24] ، بل أصبحت القرى التي تخلو من الأضرحة مثار

تندر وتهكم سدنة الأضرحة، فقد ذكر الدكتور زكريا سليمان بيومي أن من القرى

التي تخلو من أضرحة الأولياء: (بِيّ العرب) و (أبو سنيطة) و (ميت عفيف) وهي

جميعاً مركز الباجور منوفية، وأطلق المشايخ أمثلة شعبية على بخل هذه القرى

وخلوها من البركة ما زالت سارية بين الناس حتى الآن! [25] .

ولكي ندرك حجم المأساة أكثر سنورد بعض ما تيسر من نماذج توضح حجم

انتشار هذه الأضرحة في بعض بقاع العالم الإسلامي، وبالطبع، فليس من بلد به

ضريح إلا وله مريدون ممن يعتقدون فيه..

فمن بين ألوف الأضرحة المنسوبة إلى الأنبياء والصحابة والأولياء في العالم

الإسلامي يشتهر في مصر من بين أكثر من ستة آلاف ضريح (على تقدير من

أشرنا إليهم (أكثر من ألف ضريح [26] ، (ويذكر صاحب الخطط التوفيقية علي

باشا مبارك أن الموجود في زمنه في القاهرة وحدها مئتان وأربعة وتسعون

ضريحاً) [27] ، أما خارج القاهرة فيوجد (على سبيل المثال في مركز فوّة.. (81) ضريحاً، وفي مركز طلخا (54) ، وفي مركز دسوق (84) ، وفي مركز

تلا (133) ، وهي الأضرحة التابعة للمجلس الصوفي الأعلى، بخلاف الأضرحة التابعة للأوقاف أو غير المقيدة بالمجلس الصوفي) [28] كما يوجد في أسوان أحد المشاهد يسمى مشهد (السبعة وسبعين ولياّ)[29] .

وتنقسم الأضرحة إلى كبرى وصغرى، وكلما فخم البناء واتسع وذاع صيت

صاحبه زاد اعتباره وكثر زواره.

فمن الأضرحة الكبرى في القاهرة: ضريح الحسين، وضريح السيدة زينب،

وضريح السيدة عائشة، وضريح السيدة سكينة، وضريح السيدة نفيسة، وضريح

الإمام الشافعي، وضريح الليث ابن سعد

وخارج القاهرة تشتهر أضرحة:

البدوي بطنطا، وإبراهيم الدسوقي بدسوق، وأبي العباس المرسي بالإسكندرية،

وأبي الدرداء بها أيضاً، وأبي الحسن الشاذلي بقرية حميثرة بمحافظة البحر الأحمر، وأحمد رضوان بقرية البغدادي بالقرب من الأقصر، وأبي الحجاج الأقصري

بالأقصر أيضاً، وعبد الرحيم القنائي بقنا

أما في الشام فقد أحصى عبد الرحمن بك سامي سنة (1890م) في دمشق

وحدها 194ضريحاً ومزاراً، بينما عد نعمان قسطالي المشهور منها 44 ضريحاً،

وذكر أنه منسوب للصحابة أكثر من سبعة وعشرين قبراً، لكل واحد منها قبة ويزار

ويتبرك به.

وفي الآستانة عاصمة السلطنة العثمانية كان يوجد 481 جامعاً يكاد لا يخلو

جامع فيها من ضريح، أشهرها الجامع الذي بني على القبر المنسوب إلى أبي أيوب

الأنصاري في الآستانة (القسطنطينية) .

وفي الهند يوجد أكثر من مئة وخمسين ضريحاً مشهوراً يؤمها الآلاف من

الناس.

وفي بغداد كان يوجد أكثر من مئة وخمسين جامعاً في أوائل القرن الرابع

عشر الهجري، وقلّ أن يخلو جامع منها من ضريح، وفي الموصل يوجد أكثر من

ستة وسبعين ضريحاً مشهوراً كلها داخل جوامع، وهذا كله بخلاف الأضرحة

الموجودة في المساجد والأضرحة المفردة [30] .

وفي معظم مناطق أوزبكستان كثير من الأضرحة المنسوبة إلى الصحابة

والمشائخ ورجال العلم والأولياء، وأصبحت هذه القبور مزارات يفد إليها مريدوها

جماعات وأفراداً، يدعون ويبكون، ومن أهم تلك المزارات ضريح قثم بن العباس

ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم في سمرقند، وضريح الإمام البخاري في

قرية خرتنك [31] .

بين الحقيقة والوهم:

وإذا كان ذكر أسماء الأضرحة المشهورة في العالم الإسلامي قد يشق على

المتابع فسنذكر هنا طرفاً من الأضرحة المكذوبة والمشكوك في نسبتها:

فضريح الحسين بالقاهرة (كذب مختلق بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند

أهل العلم، الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك لعلمهم وصدقهم) [32] ، (فإنه

معلوم باتفاق الناس: أن هذا المشهد بني عام بضع وأربعين وخمسمئة، وأنه نقل

من مشهد بعسقلان، وأن ذلك المشهد بعسقلان كان قد أحدث بعد التسعين والأربعمئة.. فمن المعلوم أن قول القائل: إن ذلك الذي بعسقلان هو مبني على رأس الحسين رضي الله عنه قول بلا حجة أصلاً..) [33] .

وقد ورد عن المشائخ: ابن دقيق العيد وابن خلف الدمياطي وابن القسطلاني

والقرطبي صاحب التفسير وعبد العزيز الديريني إنكارهم أمر هذا المشهد، بل ذكر

عن ابن القسطلاني أن هذا المشهد مبني على قبر نصراني [34] .

وإضافة إلى مشهدي عسقلان والقاهرة هناك ضريح آخر في سفح جبل

الجوشن غربي حلب ينسب إلى رأس الحسين رضي الله عنه أيضاً، وهو من

أضرحة الرؤيا، وكذلك توجد أربعة مواضع أخرى يقال إن بها رأس الحسين: في

دمشق، والحنانة بين النجف والكوفة، وبالمدينة عند قبر أمه فاطمة رضي الله عنها، وفي النجف بجوار القبر المنسوب إلى أبيه رضي الله عنه، وفي كربلاء حيث

يقال: إنه أعيد إلى جسده [35] .

ورغم أن المحققين يقولون إن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما ماتت

بالمدينة ودفنت بالبقيع، إلا أن القبر المنسوب إليها والذي أقامه الشيعة في دمشق

هو (القبر الأول الذي يحظى بحج الجماهير إليه

) [36] .

ولا يقل عنه جماهيرية ذلك الضريح المنسوب إليها في القاهرة، والذي لم

يكن له وجود ولا ذكر في عصور التاريخ الإسلامي إلى ما قبل محمد علي باشا

بسنوات معدودة كما يذكر أحمد زكي باشا [37] ، ويقول علي مبارك في الخطط

التوفيقية: (لم أرَ في كتب التاريخ أن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما

جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات) [38] .

وأهل الإسكندرية بمصر يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن أبا الدرداء مدفون في

الضريح المنسوب إليه في مدينتهم، ومن المقطوع به عند أهل العلم أنه لم يدفن في

تلك المدينة [39] .

ومن أضرحة الرؤيا: مشهد السيدة رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم

بالقاهرة، أقامته زوجة الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، وذلك بلا خلاف [40] ،

ومنها كذلك: ضريح السيدة سكينة بنت الحسين ابن علي رضي الله عنهم [41] ،

ويذكر المقريزي في خططه (2/45) جملة من الأضرحة المزعومة، منها: (قبر

في زقاق المزار تزعم العامة ومن لا علم عنده أنه قبر يحيى بن عقب، وأنه كان

مؤدباً للحسين بن علي بن أبي طالب، وهو كذب مختلق وإفك مفترى، كقولهم في

القبر الذي بحارة برجوان إنه قبر جعفر الصادق، وفي القبر الآخر إنه قبر أبي

تراب النخشبي

إلى غير ذلك من أكاذيبهم) [42] .

ومن أشهر الأضرحة أيضاً: ضريح الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله

عنه- بالنجف بالعراق، وقد مرّ بنا سابقاً كلام ابن تيمية رحمه الله من أنه قبر

مكذوب، وأن علياً رضي الله عنه دفن بقصر الإمارة بالكوفة [43] .

وفي البصرة عدد من الأضرحة المنسوبة إلى الصحابة منها: قبر

عبد الرحمن بن عوف رغم أنه مات بالمدينة ودفن بالبقيع [44] .

وفي بلدة الرها من أعمال حلب ضريح يقال إنه لجابر بن عبد الله الأنصاري

رضي الله عنهما مع أن جابراً توفي في المدينة [45] .

وفي مدينة نصيبين بالشام (حالياً بجنوب تركيا) قبة يزعمون أنها لسلمان

الفارسي، مع أنه رضي الله عنه مدفون في المدائن [46] .

ويضيف ابن تيمية رحمه الله: (وكذلك بدمشق بالجانب الشرقي مشهد يقال:

إنه قبر أُبَيّ بن كعب، وقد اتفق أهل العلم على أن أبيّاً لم يقدم دمشق، وإنما مات

بالمدينة، فكان بعض الناس يقول: إنه قبر نصراني، وهذا غير مستبعد

فلا

يستبعد أنهم [اي: النصارى] ألقوا إلى بعض جهال المسلمين أن هذا قبر من يعظمه

المسلمون ليوافقوهم على تعظيمه) [47] .. وما لم يستبعده رحمه الله حدث مثله في

العصر الحاضر (ففي الجزائر كان الشعب هناك يؤم ضريحاً في بعض المناطق

الشرقية ويتبرك بأعتابه، ثم اكتُشف أن هذا القبر كان لراهب مسيحي، ولم يصدق

الناس ذلك حتى عثروا على الصليب في القبر) [48] .

وفي دمشق أيضاً: قبور منسوبة إلى أمهات المؤمنين: عائشة وحفصة وأم

سلمة وأم حبيبة رضوان الله عليهن مع أنهن مدفونات بالمدينة المنورة، وفيها كذلك

قبر لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما مع أنها ماتت في مكة بعد مقتل ولدها

عبد الله بن الزبير بأيام قليلة [49] .

وينسب الناس في الشام قبراً إلى (أم كلثوم) و (رقية) بنتي رسول الله (وقد

اتفق الناس على أنهما ماتتا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة

تحت عثمان، وهذا إنما هو بسبب اشتراك الأسماء؛ لعل شخصاً يسمى باسم من

ذكر توفي ودفن في موضع من المواضع المذكورة، فظن الجهال أنه أحد من

الصحابة) [50] ، (ومنها (قبر خالد) بحمص، يقال: إنه قبر خالد بن يزيد بن

معاوية

، ولكن لما اشتهر أنه خالد، والمشهور عند العامة خالد بن الوليد: ظنوا

أنه خالد بن الوليد، وقد اختلف في ذلك: هل هو قبره أو قبر خالد بن يزيد) [51] .

ولعل لهذا السبب أيضاً وجد ضريح (سيدي خالد بن الوليد) بكفر الحما مركز

أشمون منوفية بمصر، وضريح (الشيخ عمار بن ياسر) بناحية بني صالح تبع

مركز الفشن [52] .

انفراط العقد:

وفي دمشق كذلك ضريح يدعي الناس أنه لرأس يحيى بن زكريا عليهما السلام

يقع في قلب المسجد الأموي، وله قبة وشباك، وله نصيبه من التمسح والدعاء،

وبجانب المسجد الأموي قبر القائد صلاح الدين الأيوبي، وإلى جانبه في القبة قبر

عماد الدين زنكي، وقبور أخرى تزار ويتوسل بها

وفيها قبور أخرى كثيرة

كقبر زيد بن ثابت، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، والراجح أنه قبر

معاوية بن يزيد بن معاوية، أما قبر معاوية الصحابي فقيل إنه بحائط دمشق الذي

يقال إنه قبر هود عليه السلام، وفي دمشق أيضاً قبور كثير من التابعين والقواد

العظماء، ومعظم ما يقال عن هذه القبور تخرصات وتكهنات معظمها من وضع

الشيعة والصوفية، وإلا فليس هناك دليل مادي يثبت قبر كل فرد بعينه [53] .

وإضافة إلى ضريح دمشق المنسوب ليحيى بن زكريا عليهما السلام فإن له

مزاراً آخر في صيدا جنوب لبنان في قمة جبل يشرف على البلد والبحر، وله

أيضاً مقام ثالث في الجامع الأموي بحلب؛ حيث توجد حجرة تعرف بـ (الحضرة

النبوية) يقال إن بها رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام في صندوق جرن، وقيل

إن بها عضواً من أعضاء نبي الله زكريا عليه السلام في صندوق مرمر [54] .

وفي حلب أيضاً: (مسجد يعرف بمسجد النبي، منسوب إلى نبي يدعى كالب بن يوفنا من سبط يهوذا)[55] .

ونحو الجنوب إلى معان بشرقي الأردن يوجد مزار النبي هارون، ولا يوجد

عند أهل هذه الناحية مقام أشد إكراماً ولا أوفر آياتٍ منه! ، كما يوجد في شرقي

الأردن أيضاً مقام النبي هوشع (يوشع) على قمة جبل بالقرب من السلط، وهو

مبني بحجارة قديمة يرتئي الباحثون أن أكثرها يرتقي إلى عهد الصليبيين! ، كما

يوجد في غربي الكرك مزار النبي نوح، وفي بادية البلقاء وموآب يوجد مقام

(الخضر الأخضر)[56] .

كما يوجد ضريح آخر للخضر عليه السلام في مغارة بمعرة النعمان بشمال

سورية بالشام، ويوجد بها كذلك ضريح آخر ليوشع عليه السلام، وفي معرة

النعمان أيضاً يوجد ضريح شيث عليه السلام، مع أن هناك جامعاً كبيراً في

الموصل يسمى بجامع النبي شيث داخله ضريح يعتقد الناس أنه مدفون فيه، ولم

يكن هذا القبر معروفاً قبل القرن الحادي عشر للهجرة، حيث رأى أحد ولاة

الموصل في ذلك القرن مناماً يدل على موضع القبر، فبنى الضريح [57] .

ومن المقابر المكذوبة باتفاق أهل العلم القبر المنسوب إلى هود عليه السلام

بجامع دمشق، فإن هوداً لم يجئ إلى الشام [58] . وهناك قبر منسوب إليه في

حضرموت، وفي حضرموت أيضاً قبر يزعم الناس أنه لصالح عليه السلام، رغم

أنه مات بالحجاز، وله أيضاً عليه السلام قبر في يافا بفلسطين، التي بها كذلك

مزار لأيوب عليه السلام [59] .

ويونس عليه السلام له ضريح في بلدة حلحول بفلسطين، وضريح آخر بقرية

نينوى قرب الموصل بالعراق، وثالث في غار بضيعة قرب نابلس بفلسطين،

وكلها يُدّعى أن فيها قبره عليه السلام [60] ، وفي نابلس أيضاً ضريح الأسباط

إخوة يوسف عليه السلام، وله عليه السلام قبر في مسجد الخليل بمدينة الخليل

بفلسطين، وفي المسجد نفسه ضريح إبراهيم عليه السلام، وكذا: أضرحة تنسب

إلى إسحاق ويعقوب عليهما السلام [61] .

ورغم وجود مزار لداود عليه السلام في قضاء كلّز من أعمال حلب بسورية،

إلا أن له مزاراً آخر في جنوب غرب صيدا بلبنان، التي في جانبها الشرقي مزار

شمعون يزعم الناس أنه من أنبياء بني إسرائيل، وله نفسه مزار آخر في قضاء

كلّز أيضاً، وفي صيدا أيضاً مزار (صيدون) يزعم الناس أيضاً أنه من أنبياء بني

إسرائيل [62] .

وذكر الفيروزآبادي في تعريفه لبلدة قرب نابلس تسمى (عَوْرَتا) : (قيل بها

قبر سبعين نبياً، منهم: عزير، ويوشع) [63] .

وبعد هذا السرد إليك ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في نسبة قبور الأنبياء،

فقد حكى عن طائفة من العلماء (منهم عبد العزيز الكناني: كل هذه القبور المضافة

إلى الأنبياء، لا يصح شيء منها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثبت

غيره أيضاً قبر الخليل عليه السلام [64] [، ويقول أيضاً: (وأما قبور الأنبياء:

فالذي اتفق عليه العلماء هو قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قبره منقول

بالتواتر، وكذلك قبر صاحبيه، وأما قبر الخليل فأكثر الناس على أن هذا المكان

المعروف هو قبره

ولكن ليس في معرفة قبور الأنبياء بأعيانها فائدة شرعية،

وليس حفظ ذلك من الدين) ] 65 [.

وماذا بعد؟

ولم يقف الأمر عند حد نسبة القبور زوراً إلى شخصيات لها نصيبها من الحب

والاحترام لدى الناس، بل وصل الادعاء إلى اختلاق بعض هذه الشخصيات من

الوهم والعدم ونسبة الأضرحة إليها، فمن ذلك: قبر في طريق بلدة (طورخال)

بتركيا لصحابي أسموه (كيسك باش! (، وفي معرة النعمان ضريح لرجل يدعى

(عطا الله) يزعمون أنه صحابي أيضاً] 66 [.

وذكر المقريزي أن في القاهرة قبراً على يسرة من خرج من باب الحديد

ظاهر زويلة، يزعمون أنه لصحابي يدعى: زارع النوى!] 67 [.

وفي مدينة الشهداء بمصر ضريح داخل مسجد منسوب إلى (شبل) بن الفضل

بن العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم، رغم أن المصادر العلمية تتفق

على أن الفضل بن العباس رضي الله عنه لم ينجب إلا بنتاً واحدة اسمها (أم

كلثوم) ] 68 [.

وأخيراً:

فإننا ربما لا ننتهي إذا حاولنا استقصاء حقيقة القبور والأضرحة المنتشرة في

أنحاء العالم الإسلامي، والتي على فرض ثبوت صحة نسبتها فإن إقامة المساجد

عليها وممارسة الأفعال التي اعتاد الناس على القيام بها حولها.. ليس من دين الله

في شيء، بل يقع معظمه في دائرة المحرمات بدرجاته المختلفة، ومنها ما قد يصل

إلى حد الشرك المخرج من الملة.

ولكن إذا ثبت أن ديننا ينهى عن تلك الأفعال، وثبت أن سوس الجهل

والأوهام يرتع ناخراً في فسطاط الخرافة، فما الذي يدفع مرتادي الأضرحة

والمعتقدين فيها إلى ولوج هذا الكيان والتمسك به؟ !

(1) أخرجه الإمام أحمد، 2/367، وأبو داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود، ح/1769.

(2)

أخرجه الإمام أحمد بن حنبل 2/246، وصححه الألباني في تحذير الساجد، ص25.

(3)

أخرجه مسلم في الجنائز، باب الأمر بتسوية القبور، وأبو داود والترمذي والنسائي.

(4)

أخرجه مسلم في الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر، وأبو داود، ح/3226، وانظر: صحيح سنن أبي داود للألباني، ح/ 2763.

(5)

أخرجه الترمذي وأبو داود والإمام أحمد، وقال أحمد محمد شاكر في تعليقه على (سنن الترمذي) 2/137:(الشواهد التي ذكرناها ترفعه إلى درجة الصحة لغيره، إن لم يكن صحيحاً بصحة إسناده هذا) ، وضعف الألباني لفظ (السرج)، انظر: الضعيفة، ح/225.

(6)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج/ 27، ص466.

(7)

السابق، ص 167.

(8)

السابق، ص 466.

(9)

السابق: ص161 162.

(10)

ينتسب السامانيون إلى رجل فارسي يسمى (سامان) ، كان مجوسياً واعتنق الإسلام أواخر عهد الدولة الأموية، وإسماعيل المذكور هو: إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان، آلت زعامة السامانيين إليه عام 279هـ، وتوفي سنة 295هـ انظر: التاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر،

ج/6، ص91، 107،.

(11)

مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج1، ص46.

(12)

انظر: التاريخ الإسلامي، ج 6، ص149.

(13)

نسبة إلى موقع الضريح عند تقاطع طريقين.

(14)

مساجد مصر وأولياؤها الصالحون ج1، ص46.

(15)

انظر: شهر في دمشق، لعبد الله بن محمد بن خميس، ص 67.

(16)

بدع الاعتقاد، لمحمد حامد الناصر، ص: 247، نقلاً عن (السيد البدوي دراسة نقدية) للدكتور عبد الله صابر.

(17)

عمار علي حسن، الصوفية والسياسة في مصر، ص88.

(18)

انظر: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، لعبد الرحمن عبد الخالق، ص:427.

(19)

مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج1، ص102 103.

(20)

موالد مصر المحروسة، لعرفة عبده علي، ص71.

(21)

الانحرافات العقدية، ص285.

(22)

انظر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، د زكريا سليمان بيومي

ص125، والانحرافات العقدية، ص299 300، وبدع الاعتقاد ص267.

(23)

انظر: الانحرافات العقدية، ص300.

(24)

عرفة عبده علي، موالد مصر المحروسة، ص7.

(25)

انظر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، ص126.

(26)

د سعاد ماهر فهمي، مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج1 ص 44.

(27)

الانحرافات العقدية، ص293.

(28)

د زكريا سليمان بيومي، الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، ص127، 153.

(29)

انظر: الآثار الإسلامية في مصر من الفتح العربي حتى نهاية العصر الأيوبي، مصطفى عبد الله شيحة، ص152.

(30)

انظر: الانحرافات العقدية، ص289، 294، 295.

(31)

انظر: مجلة (دراسات إسلامية) العدد الأول سنة 1418هـ، مقال.

(مسلمو أوزبكستان) ، لعبد الرحمن محمد العسيري، ص217، 218.

(32)

مجموع الفتاوى، ج27، ص451، وانظر: ص465.

(33)

السابق، ص456.

(34)

السابق، ص485، ص493.

(35)

انظر: الانحرافات العقدية، ص288، ومجلة (لغة العرب) ، ج7 السنة السابعة (1929م) ، ص557- 561، ومعالم حلب الأثرية، عبد الله حجار.

(36)

عبد الله بن محمد بن خميس، شهر في دمشق، ص 67.

(37)

سمير شاهين، الوثنية في ثوبها الجديد، ص81.

(38)

السابق.

(39)

مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج2، ص33.

(40)

مصطفى عبد الله شيحة، مرجع سابق، ص143.

(41)

مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج1، ص102.

(42)

عن مقال: تأملات في حقيقة أمر أولياء الله الصالحين، لحسين أحمد أمين، مجلة العربي، ع/226، رمضان 1397هـ، ص135.

(43)

انظر أيضاً: مجموع الفتاوى ج27، ص493.

(44)

الانحرافات العقدية، ص291.

(45)

السابق، وانظر: مجموع الفتاوى، ج27، ص494.

(46)

السابق، ص290.

(47)

مجموع الفتاوى، ج27، ص460.

(48)

الانحرافات العقدية، ص288.

(49)

انظر: السابق، ص290، ومجموع الفتاوى، ج27، ص170.

(50)

مجموع الفتاوى، ج27، ص494.

(51)

السابق، ص492.

(52)

انظر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، ص159، هامش 4،

ص138.

(53)

انظر: عبد الله بن محمد بن خميس، شهر في دمشق، ص 66، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج27، ص447، ص491.

(54)

الانحرافات العقدية، ص278، 279.

(55)

السابق، ص 284.

(56)

انظر: المزارات في شرقي الأردن، بقلم الخوري بولس سلمان، مجلة المشرق،

11/11/ 1920م، ص902- 910.

(57)

انظر: الانحرافات العقدية، ص282 283.

(58)

انظر: مجموع الفتاوى ج27، ص491، ص484.

(59)

الانحرافات العقدية، ص283، ص281.

(60)

انظر: السابق، ص281، ص282.

(61)

السابق، ص282، ص281.

(62)

نفسه، ص281، ص280.

(63)

القاموس المحيط، مادة (ع ور) .

(64)

مجموع الفتاوى، ج27، ص446.

(65)

السابق، ص444.

(66)

انظر: الانحرافات العقدية، ص290، ص291.

(67)

حسين أحمد أمين، مرجع سابق.

(68)

انظر: الوثنية في ثوبها الجديد، سمير شاهين، ص82.

ص: 40

ملفات

(القبور والأضرحة دراسة وتقويم)

انحرافات القبوريين

الداء الدواء

(1/2)

د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فلا يخفى أن الغلو في القبور بشتى صوره وأنواعه قد عمّ وطم في غالب

البلاد، وتلبس بهذه المظاهر الشركية وطرائقها الكثير من الناس، وصارت هذه

القبور مزارات و (مشاعر) يقصدها الناس، ويشدون إليها الرحال من سائر

الأمصار؛ وسدنة هذه الأضرحة وعلماء الضلالة يزيّنون الشرك للعامة بشتى أنواع

الدعاوى والشبهات، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله تعالى.

إن على المنتسبين للعلم والدعوة واجباً كبيراً تجاه هذا التيار الوثني، وفي هذا

المقالة نورد بعض المسالك الرئيسة التي تسهم في حل وعلاج انحرافات القبوريين

وشبهاتهم.

أ- المسلك الدعوي: ويتمثل هذا المسلك من خلال0 عدة أمور:

1-

أن يُعنى العلماء والدعاة بتقرير التوحيد في تلك المجتمعات المولعة

بتعظيم القبور والغلو فيها، وأن يجتهدوا في تجلية مفهوم التوحيد من خلال

القصص القرآني وضرب الأمثال وضرورة تعلق القلب بالله سبحانه وتعالى، وأن

الله عز وجل هو المتفرد بالنفع والضر والخلق والتدبير، ومن ثَمّ فهو المألوه

المعبود الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وخشية ورجاءاً.

وأن يضمّن هذا التقرير بيان عجز المخلوقين وضعفهم، وأنهم لا يملكون

لأنفسهم فضلاً عن غيرهم نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

وأن يسعى إلى تحبيب هذا التوحيد إلى الناس من خلال الحديث عن فضائل

التوحيد وبيان ثمراته وآثاره، وأخبار الأنبياء عليهم السلام والصالحين الذين حققوا

التوحيد، كما ينبغي الاهتمام بإظهار أثر التوحيد على الحياة العامة.

2-

أن تربى الأمة عموماً وهذه المجتمعات المعظمة للقبور خصوصاً على

أهمية التسليم لنصوص الكتاب والسنة والتحاكم إليها وانشراح الصدر لها.

يقول سبحانه: [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا

يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً] [النساء: 65] .

وإذا كان طواغيت هذا العصر يفرضون على الناس احترام الشرعية الدولية

والإذعان والتسليم لقرارات الأمم المتحدة؛ فإن علينا معشرَ الدعاة إلى الله أن ندعو

المسلمين إلى ما أوجبه الله عليهم من التسليم والانقياد لنصوص الوحيين وعدم

معارضتها بأي نوع من المعارضات سواءً أكان تقليداً، أو معقولاً، أو ذوقاً، أو

سياسة أو غيره؛ فالإيمان مبني على التسليم لله تعالى والإذعان لشرعه [1] .

يقول أبو الزناد رحمه الله: (إن السنن لا تخاصم ولا ينبغي لها أن تتبع

بالرأي، ولو فعل الناس ذلك لم يمضِ يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولكنه

ينبغي للسنن أن تُلزَم ويُتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه) [2] .

3-

أن يدعى الناس إلى الالتزام بالشرع والعمل بالسنة؛ فإن إظهار السنن

والتمسك بها يستلزم زوال البدع واندثارها، وكذا العكس فإنه ما ظهرت بدعة إلا

رفع مثلها من السنة، والنفوس إن لم تشتغل بسنة وتوحيد؛ فإنها ستشتغل ببدعة

وشرك؛ فالنفوس خلقت لتعمل لا لتترك [3] .

وقد تتثاقل النفوس تجاه الالتزام بالأحكام الشرعية، وتنشط تجاه ما أحدثته من

بدع ومحدثات، ومن ثم يتعين على دعاة الإصلاح أن يأخذوا على أيدي هؤلاء

ويذكّروهم بفضل التمسك بالشرائع، وأن هذه الشرائع غذاء وروح، وقرة عين

وسرور قلب [4] . يقول أبو الوفاء ابن عقيل متحدثاً عن تلك النفوس المتثاقلة تجاه

الشرائع:

(لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى

تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم كفار عندي بهذه الأوضاع، مثل: تعظيم القبور وإكرامها بما نهى

الشرع عنه، ومن: إيقاد النيران، وتقبيلها، وخطاب الموتى بالألواح، وكتب

الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا

) [5] .

4-

دعوة المخاطبين إلى تدبر آيات القرآن الحكيم، وحثهم على التأمل

والتفكر في معاني القرآن، كما قال سبحانه: [كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا

آيَاتِهِ] [ص: 29] .

وقال عز وجل: [أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ

اخْتِلافاً كَثِيراً] . [النساء: 82] .

وإن من أعظم أسباب الضلال واستفحال الشرك: الإعراض عن تدبر آيات

القرآن، والاقتصار على مجرد قراءته دون فهم أو فقه.

فإذا نظرنا مثلاً إلى مسألة إفراد الله عز وجل بالدعاء والاستغاثة، فإنها من

أوضح الواضحات في كتاب الله، فقد تحدث عنها القرآن في ثلاثمائة موضع [6] ،

ومع ذلك فما أكثر الذين يتلون هذه الآيات بألسنتهم وينقضونها بأفعالهم وأحوالهم.

يقول العلاّمة حسين بن مهدي النعمي رحمه الله (ت/1187هـ) متحدثاً عن

ضلال القبوريين:

(لا جرم لما كان ملاك أمر الجميع وحاصل مبلغهم وغايتهم هو التلاوة دون

الفقه والتدبر والاتباع، خفي عليهم ذلك، وعموا وصموا عنه، وأنّى لهم ذلك؟ وقد

منعهم سادتهم وكبراؤهم من أهليهم، وممن يقوم عليهم ويسوسهم، وقالوا: كتاب

الله حجر محجور، لا يستفاد منه، ولا يقتبس من أنواره، ولا ينال ما فيه من العلم

والدين..

فلعمر الله للخير أضاعوا، وللشر أذاعوا، وإلا فلولا ذلك لكانت هذه المسألة

[إفراد الله بالدعاء] من أظهر الظواهر، لما أن العناية في كتاب الله بشأنها أتم وأكمل، والقصد إليها بالتكرير والتقرير والبيان في كتاب الله أكثر وأشمل) [7] .

ويقول الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في هذا المقام:

(فمن تدبر عرف أحوال الخلق وما وقعوا فيه من الشرك العظيم الذي بعث

الله أنبياءه ورسله بالنهي عنه، والوعيد على فعله، والثواب على تركه، وقد هلك

من هلك بإعراضه عن القرآن وجهله بما أمر الله به ونهى عنه) [8] .

وعلينا أن نتواصى بتطهير القلوب وتزكيتها لكي يحصل الانتفاع بمواعظ

القرآن وأحكامه.

يقول ابن القيم عند قوله: [لا يَمَسُّهُ إلَاّ المُطَهَّرُونَ][الواقعة: 79] . (دلّت

الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة،

وحرام على القلب المتلوّث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه وأن يفهمه كما

ينبغي) [9] .

5-

مخاطبة عقولهم، ودعوتهم إلى التفكير والتأمل؛ فإن الولوع في تقديس

الأضرحة والغلو فيها لا يظهر إلا عند أقوام ألغوا عقولهم، وعطلوا تفكيرهم،

وأشربوا حبّ التقليد ومحاكاة الآباء دون حجة أو برهان.

وقد عني القرآن بمخاطبة ذوي الألباب وأثنى عليهم، وحضّ على التفكر

والنظر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، كما تضمن القرآن أدلة

عقلية وحججاً برهانية في تقرير التوحيد والنبوة والمعاد.

ومن ذلك قوله تعالى: [قُلِ ادْعُوا الَذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ

ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن

ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ] [سبأ: 22، 23]

يقول ابن القيم عند هذه الآية الكريمة: (فتأمل كيف أخذتْ هذه الآية على

المشركين بمجامع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك وسدتها عليهم أحكم سد وأبلغه؛ فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود لما يرجو من نفعه وإلا فلو لم يرجُ منه منفعة لم

يتعلق قلبه به، وحينئذ فلا بد أن يكون المعبود مالكاً للأسباب التي ينفع بها عابده أو

شريكاً لمالكها، أو ظهيراً أو وزيراً ومعاوناً له، أو وجيهاً ذا حرمة، وقد يشفع

عنده؛ فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه وبطلت، انتفت أسباب الشرك

وانقطعت مواده، فنفى سبحانه عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السموات والأرض، فقد يقول المشرك: هي شريكة لمالك الحق فنفى شركتها له، فيقول المشرك: قد

تكون ظهيراً ووزيراً ومعاوناً، فقال:(وما له منهم من ظهير) ، فلم يبق إلا الشفاعة

فنفاها عن آلهتهم، وأخبر أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه) [10] .

ومن الأجوبة العقلية في الرد على دعوى القبوريين في أنهم ينتفعون بهذه

الأضرحة ما ذكره شيخ الإسلام بقوله: (عامة المذكور من المنافع كذب؛ فإن هؤلاء

الذين يتحرون الدعاء عند القبور وأمثالهم إنما يستجاب لهم في النادر، ويدعو

الرجل منهم ما شاء الله من دعوات، فيستجاب له في واحدة، ويدعو خلق كثير

فيستجاب للواحد بعد الواحد، وأين هذا من الذين يتحرون الدعاء أوقات الأسحار،

ويدعون الله في سجودهم وأدبار صلاتهم وفي بيوت الله؟ فإن هؤلاء إذا ابتهلوا من

جنس ابتهال المقابريين لم تكن تسقط لهم دعوة إلا لمانع، بل الواقع أن الابتهال

الذي يفعله المقابريون إذا فعله المخلصون، لم يُرَد المخلصون إلا نادراً، ولم

يُستجب للمقابريين إلا نادراً، والمخلصون كما قال النبي: (ما من عبد يدعو الله

بدعوة ليس فيها إثم ول قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث: إما أن

يعجل الله دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها.

قالوا: يا رسول الله! إذن نكثر. قال: الله أكثر) [11] فهم في دعائهم لا يزالون

بخير.

وأما المقبريون فإنهم إذا استجيب لهم نادراً، فإن أحدهم يضعف توحيده،

ويقل نصيبه من ربه، ولا يجد في قلبه من ذوق الإيمان وحلاوته ما كان يجده

السابقون الأولون) [12] .

6-

من الجوانب الدعوية المهمة أن نميّز بين مراتب الشر والانحراف؛

فالغلو في القبور والافتتان بها له مراتب متعددة ومتفاوتة، فمنها ما يكون شركاً بالله

تعالى في توحيد العبادة كالاستغاثة بأرباب القبور، ومنها ما يكون أشنع من ذلك كأن

يستغيث بالأموات معتقداً فيهم الضر والنفع والتصرف في الكون، ومن الغلو في

القبور ما يكون محرماً ووسيلة إلى الشرك كالصلاة عند القبور وتحري الدعاء

عندها.

ويخطئ بعض الدعاة فلا يفرقون بين هذه المراتب من جهة الحكم عليها، كما

قد يخطئون فلا يميّزون من جهة ترتيبها وأولويتها في الإنكار، والمتعيّن أن تميّز

هذه الانحرافات وفق ما جاءت به الأدلة الشرعية، وكما نهتم بآكد الأمور تقريراً

ونقدمها، فكذا علينا أن نُعنى بأشنعها تحذيراً

فيحذّر ابتداء من الشرك في

الربوبية؛ فالشرك في الإلهية، ثم ينظر إلى وسائل الشرك وذرائعه فما كان أشدها

حرمة وأعظمها وسيلة للشرك فيشتغل بمنعها، ثم ينتقل إلى ما دونها.

يقول شيخ الإسلام في هذه المسألة: (والمؤمن ينبغي له أن يعرف الشرور

الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، فيفرق بين أحكام الأمور الواقعة الكائنة،

والتي يراد إيقاعها في الكتاب والسنة، ليقدم ما هو أكثر خيراً وأقل شراً على ما هو

دونه، ويدفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما، ويجتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما، فإن من لم يعرف الواقع في الخلق، والواجب في الدين، لم يعرف أحكام الله في

عباده، وإذا لم يعرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما

يفسد أكثر مما يصلح) [13] .

7-

من الوسائل الوقائية النافعة تجاه هذا الانحراف: العمل بقاعدة سدّ الذرائع؛ فكل ما كان وسيلة أو ذريعة تؤول إلى الشرك فينبغي التحذير منها ومنعها حماية

لجناب التوحيد؛ فالتهاون في هذه الوسائل يفضي إلى الوقوع في الشرك بالله عز

وجل والخروج عن الملة، فمثلاً الصلاة عند القبور والبناء عليها أمور حرمها

الشارع؛ لأنها طريق ووسيلة تفضي إلى الشرك بالله تعالى، وقد أشار العلامة

الشوكاني رحمه الله إلى أن البناء على القبور سبب رئيس في عبادة القبور فقال:

(فلا شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما

زينه الشيطان للناس من رفع القبور ووضع الستور عليها وتجصيصها وتزيينها

بأبلغ زينة، وتحسينها بأكمل تحسن؛ فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من

القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها، ونظر على القبور الستور الرائعة، والسرج

المتلألئة، وقد سطعتْ حوله مجامر الطيب، فلا شك ولا ريب أنه يمتلئ قلبه

تعظيماً لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة، ويدخله

من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكائد

الشيطان للمسلمين، وأشدّ وسائله إلى ضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً، حتى يطلب من صاحب ذلك القبر ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه، فيصير في

عداد المشركين) [14] .

ب- المسلك العلمي:

وهذا المسلك يقوم به أهل العلم وطلابه تجاه دعاوى القبوريين وشبهاتهم،

وسنعرض لجملة من الأجوبة العلمية على النحو الآتي:

1-

إذا كان أهل السنة ينطلقون من منهج متين أصيل في التلقي والاستدلال،

فإن القبوريين يعوّلون في تلقيهم واستدلالهم على المنامات والأحاديث المكذوبة

والحكايات المزعومة.

فيحتجون بأحلام شيطانية على تجويز شركهم وكفرهم بالله تعالى، ومن ذلك

أن أبا المواهب الشاذلي يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لي: إذا كانت لك حاجة وأردت قضاءها فأنذر لنفيسة الطاهرة ولو فلساً؛ فإن حاجتك

تقضى) [15] .

فهذا حلم شيطاني، ودعوة صريحة للشرك بالله عز وجل، ونقض التوحيد،

وتنقّص لمقام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي مكث ثلاثاً وعشرين عاماً

يدعو إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، ويسد كل طريق يفضي إلى الشرك.

وعلى كلّ؛ فالمنامات لا يمكن ضبطها، وصاحبها ليس نبياً معصوماً، ومن

ثم فلا يعتمد عليها؛ فكيف إذا كانت حلماً شيطانياً وخالف الأحكام الشرعية، بل

وخالفت الأصل الأصيل وهو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة؟

يقول شيخ الإسلام: (وكذلك مشاهد تضاف إلى بعض الأنبياء أو الصالحين

بناء على أنه رُئِيَ في المنام هناك؛ ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل

الصالح في المنام ببقعة لا يوجب لها فضيلة تقصد البقعة لأجلها، وتتخذ مصلى

بإجماع المسلمين، وإنما يفعل هذا وأمثاله أهل الكتاب) [16] .

ويحتجون بأحاديث مكذوبة مثل: (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور) .

(فهذا الحديث كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم، بإجماع

العارفين بحديثه لم يروه أحد من العلماء بذلك، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث

المعتمدة) [17] .

وأشار ابن القيم رحمه الله إلى أن هذا الحديث من الأحاديث المختلَقة التي

وضعها أشباه عبّاد الأصنام من المقابرية على رسول الله [18] .

كما يعتمدون على حكايات في تجويز الغلو في القبور والاستغاثة بها، وأن

الدعاء عندها هو الترياق المجرّب..

وغالب هذه الحكايات من اختلاق الدجّالين الأفاكين الذين لا يهمهم إلا أكل

أموال الناس بالباطل والصدّ عن دين الله تعالى [19] .

وقد أشار ابن تيمية إلى أن هذه الحكايات (إما كذب، أو غلط، أو ليس

حجة) [20] ، كما ذكر أن إجابة الدعاء، قد يكون سببه اضطرار الداعي وصدقه، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له، وقد يكون أمراً قضاه الله لا لأجل دعائه، وقد يكون له أسباب أخرى [21] .

وقد تكون تلك الحكايات صحيحة، ولكنها من الشيطان، فإنه قد يتراءى

لبعضهم في صورة من يعتقد فيه، ويتسمى باسمه، وقد تقضي الشياطين بعض

حوائج من استغاث بالأموات..

يقول ابن تيمية: (وهكذا كثير من أهل البدع والضلال والشرك المنتسبين إلى

هذه الأمة؛ فإن أحدهم يدعو ويستغيث بشيخه الذي يعظمه وهو ميت.. ويرى ذلك

الشخص قد أتاه في الهواء ودفع عنه بعض ما يكره، أو كلّمه ببعض ما سأله عنه.. وهو لا يعرف أن تلك شياطين تصوّرت على صورته لتضله، وتضل أتباعه،

فتحسّن لهم الإشراك بالله ودعاء غير الله) [22] .

فيتعين على أهل العلم كشف عوار مسلك القبوريين وبيان تهافته، وفساد

التعويل على المنامات والأحلام، والأحاديث الموضوعة، والحكايات المزعومة،

مع تقرير المنهج الصحيح في التلقي والاستدلال كالاعتماد على الكتاب والسنة

الصحيحة، واعتبار فهم السلف الصالح ونحو ذلك.

2-

ومن الأجوبة المجملة المحكمة ما ذكره إمام الدعوة رحمه الله في الرد

على شبهات القبوريين بقوله: (جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل ومفصل.

أما المجمل: فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله تعالى:

[هُوَ الَذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ

فَأَمَّا الَذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ

تَاًوِيلَهُ إلَاّ اللَّهُ] [آل عمران: 7] . وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- أنه قال: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه؛ فأولئك الذين سمى الله

فاحذروهم) أخرجه البخاري ومسلم.

مثال ذلك: إذا قال لك بعض المشركين: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا

هم يحزنون، وأن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلاماً للنبي- صلى الله عليه وسلم يُستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى هذا

الكلام الذي ذكره فجاوِبه بقولك: إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ

يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله تعالى ذكر أن

المشركين يقرون بالربوبية وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء، مع قولهم:

هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وهذا أمر محكم بيّن لا يقدر أحد أن يغير معناه.

وما ذكرته لي أيها المشرك من القرآن، أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لا أعرف معناه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي -صلى

الله عليه وسلم- لا يخالف كلام الله عز وجل، وهذا جواب سديد، ولكن لا يفهمه

إلا من وفقه الله فلا تستهن به) [23] .

فهذا جواب سديد وحجة ظاهرة تجاه كل شبهة. وقد ساق المؤلف جواباً في

توضيح هذا الجواب، فإقرار مشركي العرب بتوحيد الربوبية وأن كفرهم بسبب

اتخاذهم وسائط بينهم وبين الله تعالى، يسألونهم ويدعونهم يُعَدّ أمراً محكماً ظاهراً لا

اشتباه فيه ولا التباس، وأما احتجاج المبتدع لباطله ببعض النصوص الشرعية فهو

أمر مشتبه ومشكل لا يُعلم معناه بالنسبة لذلك الموحد ولا يترك المحكم الواضح

ويتبع المتشابه إلا أهل الزيغ؛ مع يقيننا أن أدلة الحق لا تتناقض سمعية كانت أو

عقلية؛ فالنصوص الشرعية يصدّق بعضها بعضاً، فما كان متشابهاً فيردّ إلى ما

كان محكماً، بل نجزم أن أهل البدع لا يكادون يحتجون بحجة سمعية ولا عقلية إلا

وهي عند التأمل حجة عليهم لا لهم [24] .

وهؤلاء القبوريون من أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة، ليس

نظرهم في الدليل نظر المستبصر حتى يكون هواه تحت حكمه، بل نظر مَنْ حكم

بالهوى، ثم أتى بالدليل كالشاهد له [25] .

وشبهاتهم التي احتجوا بها إن صحت من المتشابهات التي يتعين ردّها إلى

المحكمات من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب إفراد الله تعالى بالدعاء

والاستغاثة وسائر أنواع العبادة والنهي عن الشرك وذرائعه.

3-

وإذا انتقلنا إلى الجواب عن شبهاتهم، فنقول ابتداءً: لا يوجد لدى

القبوريين دليل صحيح صريح في تجويز استغاثتهم بالقبور، وما قد يصح من

شبهاتهم إنما قد يُستدل بها عند البعض على جواز التوسل إلى الله تعالى بالذوات،

فلا تدل على جواز الاستغاثة بالقبور. والتوسل إلى الله تعالى بالذوات بدعة محدثة، بينما الاستغاثة بالقبور كفر وردة، فالفرق بينهما ظاهر.

يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب موضحاً الفرق بين التوسل

والاستغاثة: (وبينهما فرق عظيم أبعد مما بين المشرق والمغرب.. فالعامة الذين

يتوسلون في أدعيتهم بالأنبياء والصالحين كقول أحدهم: أتوسل إليك بنبيك، أو

بملائكتك، أو بالصالحين، أو بحق فلان وغير ذلك مما يقولونه في أدعيتهم يعلمون

أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور، ولا يسألونها وينادونها؛ فإن المستغيث بالشيء

طالب منه وسائل له، والمتوسل به لا يدعو ولا يطلب منه، ولا يسأل وإنما يطلب

به، وكل أحد يفرّق بين المدعو به وبين المدعو والمستغاث، ولا يعرف في لغة

أحد من بني آدم أن من قال: أتوسل إليك برسولك أو أتوجه إليك برسولك؛ فقد

استغاث به حقيقة، فإنهم يعلمون أن المستغاث به مسؤول مدعو، فيفرّقون بين

المسؤول وبين المسؤول به) [26] .

ومع ذلك فالتوسل إلى الله تعالى بالذوات أو الجاه قد صار ذريعة إلى دعاء

القبور والتعلق بها، وما قد يُستدل به على التوسل إلى الله بالذوات أو الجاه، فإما

أن يكون صريحاً لكنه لا يصح ولا يثبت، وما قد يكون صحيحاً فلا يدل على

مرادهم، وإنما يدل على التوسل المشروع كالتوسل بأسماء الله وصفاته والعمل

الصالح كما بسط في موضعه [27] .

وأمر آخر وهو أن القبوريين قد لبّسوا على العوام وأشباههم بهذه الألفاظ

المجملة المشتركة، فصاروا يطلقون لفظ (التوسل) مثلاً على الاستغاثة بالقبور

ودعائها، فيظن البعض أن مرادهم التوسل إلى الله بالذات أو الجاه.. فيقع اللبس

والإشكال.

والتحقيق أن هذه الألفاظ المجملة يتعين تفصليها وبيانها، وقد بيّن أهل العلم

ما يحمله لفظ (التوسل) من الإجمال والاشتراك، ومن ذلك ما قاله الشيخ العلامة

عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: (إن لفظ التوسل صار مشتركاً، فعبّاد

القبور يطلقون التوسل على الاستغاثة بغير الله ودعائه رغباً ورهباً، والذبح والنذر

والتعظيم بما لم يشرع في حق مخلوق.

وأهل العلم يطلقونه على المتابعة والأخذ بالسنة، فيتوسلون إلى الله بما شرعه

لهم من العبادات، وبما جاء به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا

هو التوسل في عرف القرآن والسنة.. ومنهم من يطلقه على سؤال الله ودعائه بجاه

نبيه أو بحق عبده الصالح، وهذا هو الغالب عند الإطلاق في كلام المتأخرين

كالسبكي والقسطلاني وابن حجر (الهيثمي [] 28 [.

ومن شبهات القبوريين قولهم: إن مشركي العرب لم يكونوا يعترفون

بالربوبية لله تعالى ونحن نعترف بأن الله تعالى هو الرب المدبّر الخالق.

فالجواب عن هذه الشبهة: أن مشركي العرب مقرون بتوحيد الربوبية، فلم

ينازعوا فيه، بل إن هذا التوحيد لم ينازع في أصله أحد من بني آدم] 29 [،

والدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

واستحل دماءهم كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق المدبّر لقوله سبحانه:] قُلْ

مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ

المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [

] يونس: 31 [.

قال قتادة رحمه الله: (إنك لست تلقى أحداً منهم إلا أنبأك أن الله ربه وهو

الذي خلقه ورزقه وهو مشرك في عبادته) ] 30 [.

وقال ابن جرير رحمه الله عند قوله تعالى:] فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [

] يونس: 31 [: (أفلا تخافون عقاب الله على شرككم وعبادتكم معه من لا يرزقكم شيئاً ولا يملك لكم ضراً ولا نفعاً) ] 31 [.

فالإقرار بربوبية الله تعالى لا يتحقق به التوحيد المطلوب، فمشركو العرب

مقرون بتوحيد الربوبية، ومن ذلك قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم،

واستحل دماءهم حتى يفردوا الله عز وجل بجميع أنواع العبادة.

ومن شبهاتهم: دعواهم أن الآيات القرآنية نزلت فيمن يعبد الأصنام والأحجار.. فلا تشملهم.

وجوابها: أن الشرك بالله أن يجعل لله نداً في العبادة سواءً كان صنماً أو

حجراً أو نبياً أو ولياً.

ومما قاله العلامة محمد بن علي الشوكاني رحمه الله جواباً عن هذه الشبهة:

(الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئاً يختص به سبحانه سواءً أطلق على ذلك الغير ما

كان تطلقه عليه الجاهلية كالصنم والوثن أو أطلق عليه اسماً آخر كالولي والقبر

والمشهد) ] 32 [.

وإن أراد القبوريون بمقولتهم: هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، بأنه

لا يجوز تنزيل هذه الآيات على من عمل عملهم؛ فهذا من أعظم الضلال.

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن هذه المقولة: (فهذا ترس قد

أعدّه الجهال الضلاّل لردّ كلام، إذا قال لهم أحد: قال الله كذا، قالوا: نزلت في

اليهود، نزلت في النصارى، نزلت في فلان

وجواب هذه الشبهة (الفاسدة) أن يقال: معلوم أن القرآن نزل بأسباب، فإن

كان لا يُستدل به إلا في تلك الأسباب بطل استدلاله، وهذا خروج من الدين، وما

زال العلماء من عصر الصحابة فمن بعدهم يستدلون بالآيات التي نزلت في اليهود

وغيرهم على من يعمل بها) ] 33 [.

ومن شبهاتهم: أن سؤالهم أرباب القبور من أجل طلب الشفاعة، فهؤلاء

الموتى شفعاء بينهم وبين الله تعالى.

والجواب: أن الله قد سمى اتخاذ الشفعاء شركاً، فقال سبحانه:] وَيَعْبُدُونَ

مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ

اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [

] يونس: 18 [.

وأمر آخر أن الشفاعة كلها لله تعالى كما قال سبحانه:] قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ

جَمِيعاً [] الزمر: 44 [، وقال عز وجل:] وَلا يَمْلِكُ الَذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ

الشَّفَاعَةَ [] الزخرف: 86 [.

يقول ابن تيمية: (فلا يملك مخلوق الشفاعة بحال، ولا يتصور أن يكون نبي

فمن دونه مالكاً لها، بل هذا ممتنع، كما يمتنع أن يكون خالقاً ورباً.

قال سبحانه:] وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [] سبأ: 23 [فنفى نفع

الشفاعة إلا لمن استثناه، لم يثبت أن مخلوقاً يملك الشفاعة، بل هو سبحانه له

الملك وله الحمد، لا شريك له في الملك) ] 34 [.

وجواب ثالث: أن الله تعالى أعطى الأنبياء والأولياء الشفاعة، لكن نهانا عن

سؤالهم ودعائهم، فقال سبحانه:] وَلا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ

فَإن فَعَلْتَ فَإنَّكَ إذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ [] يونس: 106 [، والشفاعة نوع من الدعاء] 35 [، ولا يكون الدعاء إلا لله تعالى وحده.

كما أن إعطاء الله الأنبياء والأولياء الشفاعة ليس تمليكاً مطلقاً، بل هو تمليك

معلّق على الإذن والرضا، وسيد الشفعاء صلى الله عليه وسلم لا يشفع حتى يقال

له: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفّع) ] 36 [.

والحديث عن شبهات القبوريين والرد عليها طويل جداً، وإنما ذكرنا بعضاً

منها، وقد صُنفت مصنفات نافعة تتضمن الرد على شبهات القبوريين، مثل قاعدة

جليلة في التوسل والوسيلة، والرد على البكري والرد على الأخنائي كلها لشيخ

الإسلام ابن تيمية، وإغاثة اللهفان في مصايد الشيطان، لابن القيم، والصارم

المنكي في الرد على السبكي، لابن عبد الهادي، وكشف الشبهات، للشيخ محمد بن

عبد الوهاب، وتطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد للصنعاني، والنبذة الشرعية

النفيسة في الرد على القبوريين لحمد بن معمر، والدر النضيد في إخلاص كلمة

التوحيد، لمحمد ابن علي الشوكاني، وصيانة الإنسان عن وسوسة دحلان لمحمد

بشير السهسواني، وتطهير الجنان والأركان عن درن الشرك والكفران، لأحمد بن

حجر آل بوطامي، وتحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، لمحمد ناصر الدين

الألباني، والدعاء ومنزلته في العقيدة الإسلامية لجيلاني بن خضر العروسي،

وغيرها كثير.

يتبع في العدد القادم إن شاء الله،،،

(1) انظر: الصواعق المرسلة، لابن القيم، 4/1560.

(2)

الحجة لقوام السنة، الأصفهاني، 1/281.

(3)

انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/617.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 1/25، 26.

(5)

تلبيس إبليس، لابن الجوزي، ص455، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/611، وإغاثة اللهفان، 1/133.

(6)

انظر: الدرر السنية، 9/418، واقتضاء الصراط المستقيم، 2/705.

(7)

معارج الألباب، ص216، باختصار.

(8)

قرة عيون الموحدين، ص33.

(9)

التبيان في أقسام القرآن، ص143.

(10)

الصواعق المرسلة، 2/461، 462.

(11)

أخرجه أحمد، 3/18، والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.

(12)

اقتضاء الصراط المستقيم، 2/689.

(13)

جامع الرسائل، 2/305، وانظر الرد على البكري، ص55.

(14)

انظر شرح الصدور بتحريم رفع القبور، ص 17.

(15)

طبقات الشعراني، 2/74.

(16)

اقتضاء الصراط المستقيم، 2/650.

(17)

مجموع الفتاوى، /356.

(18)

انظر: إغاثة اللهفان، 1/332.

(19)

اقتضاء الصراط المستقيم، 2/652، وإغاثة اللهفان، 1/333.

(20)

اقتضاء الصراط المستقيم، 2/688.

(21)

اقتضاء الصراط المستقيم، 2/653، وانظر: إغاثة اللهفان، 333، 334.

(22)

مجموع الفتاوى، 71/456، باختصار، وانظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية، لجيلاني خضر العروسي، 1/447، 2/812.

(23)

كشف الشبهات، ص43، 44.

(24)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 6/354، 514، وحادي الأرواح، لابن القيم،

ص208.

(25)

انظر: الاعتصام، للشاطبي، 1/221.

(26)

مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، 1/70.

(27)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل الوسيلة، لابن تيمية، والتوسل، للألباني، والتوصل إلى حقيقة التوسل، لمحمد نسيب الرفاعي رحمه الله.

(28)

منهاج التأسيس، ص267، وانظر: مصباح الظلام ص178.

(29)

انظر: التدمرية، لابن تيمية، ص181، ومجموع الفتاوى، 2/38.

(30)

تفسير ابن جرير، 13/78.

(31)

تفسير ابن جرير، 11/114.

(32)

الدر النضيد، ص18، بتصرف يسير.

(33)

تاريخ ابن غنام، 2/285، بتصرف يسير.

(34)

مجموع الفتاوى، 51/604، باختصار.

(35)

انظر: مجموع الفتاوى، 1/200.

(36)

انظر: تأسيس التقديس، لأبي بطين، ص82.

ص: 50