المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إشكالية التعامل مع الآخرفي فكر ابن تيمية - مجلة البيان - جـ ١٤٦

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌إشكالية التعامل مع الآخرفي فكر ابن تيمية

متابعات

‌إشكالية التعامل مع الآخر

في فكر ابن تيمية

عبد الله محمد الأمين النعيم

من المصلحين من لا يستطيع الخروج عن إطار عصره، فيركن إلى التوافق

الاجتماعي بدل تغيير ما يمكن تغييره من الأفكار والعادات؛ لكن القليل من رجال

الإصلاح من تكون له الشجاعة على تحدي العقبات التي تعترضه، فيخرج عن

الإلف والعادة ومسايرة الرأي العام، فينتقد الأسس الفكرية الفاسدة والمسلَّمات

المتواضع عليها، ويكشف العيوب الكامنة في تاريخ الأمة، ويبين المنهج الصحيح

في الإصلاح، ولعل من هؤلاء القليل تقي الدين أحمد بن تيمية الذي عاش في

النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري أي في

عصر ابتُلي فيه المسلمون بفتن من الداخل والخارج لم يسبق أن ابتلوا بمثلها [1] .

مدخل:

يأخذ الآخر وهو غير المسلم مساحة واسعة في القرآن والسنة النبوية والفكر

الإسلامي عموماً؛ وإذا كان الوحي بشقيه قرآناً وسنة قد حدد الأسس والمعايير

للتعامل مع الآخر إلا أن كثيراً من الدراسات الإسلامية قد انحرفت عن هذه الأصول

الفكرية، ولقد لعبت عوامل عديدة لا محل لذكرها هنا دورها في إحداث هذا

الانحراف الفكري نحو الضالين والمغضوب عليهم. وقد تنبأ رسول الله صلى الله

عليه وسلم بحدوث هذه الانحرافات في العلاقة بين المسلمين والآخرين؛ حيث

قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب

لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) [2] . وقال في حديث آخر: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبراً بشبر

وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ قال: ومَنِ الناس إلا

أولئك؟) [3] ، غير أن الأمة لا تتردى بمجموعها إلى هذه الهاوية؛ فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة [4] ، وأخبر كذلك أن هذه الأمة لا تجتمع على الضلالة [5] .

وابن تيمية الذي عاش في عصر شبيه بعصرنا الحالي حاول في كتابه:

(اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) تأصيل العلاقة مع الآخر مستنداً

إلى الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، وقد استطاع إخراج دراسة شرعية على

الرغم من أن العصر الذي عاش فيه كان عصر استضعاف للمسلمين؛ إذ كانت

الغلبة في الديار الإسلامية للصليبيين والتتار ومتى ما كان هناك استضعاف وذل

للمسلمين فثمة بدع وضلالات ومذاهب باطلة [6] .

فإذا كان ابن تيمية استطاع إخراج كتاب اقتضاء الصراط وكتابه الآخر:

(الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) في عصر هيمن فيه الآخر وعلا في أرض

المسلمين، وإذا كان ذلك العصر شبيه بعصرنا فإن هذا يدق إسفيناً في فكر

الاستتباع للآخر؛ حيث يجري تسويق الآخر في ديار المسلمين حتى يمكن التعايش

معه في ظل النظام العالمي الجديد.

في هذه الدراسة سأحاول تقديم خلاصة لأفكار ابن تيمية في التعامل مع الآخر

مع ملاحظة الآتي:

أولاً: إن عصر ابن تيمية وإن كان شبيهاً بالعصر الحالي إلا أن هناك

اعتبارات سياسية وعسكرية وغيرها من الاعتبارات يجب وضعها في الاعتبار؛

فلا يمكن معايرة ذلك العصر بعصرنا تمام المعايرة، وإن وجدت المشابهة في

الظروف العامة.

ثانياً: إن دراسة ابن تيمية وإن كانت دراسة أصولية استندت إلى الوحي

وفكر السلف الصالح إلا أنه استصحب معه في دراسته واقعة المعاش مما يجعل

السقف المعرفي لدراسته في بعض جوانبها محدوداً بظروف ذلك العصر وملابساته، ويتضح ذلك جلياً في اهتمام ابن تيمية بالآخر الموجود داخل ديار المسلمين؛ دون

أن يضع كثير اعتبار للآخر الموجود خارج ديار المسلمين وهو الأخطر على

المسلمين؛ لأن الجهل أو عدم الفهم وهو الذي يولد العداوة بين المسلمين تقل

خطورته إلى حد مَّا بحكم معايشته للمسلمين؛ وهذه المعايشة قد توجِد نوعاً من الألفة.

ثالثاً: إن ابن تيمية وإن اهتم بالآخر في ديار المسلمين إلا أن دراسته جاءت

شاملة لجميع الضالين؛ فلم تقتصر على الكتابيين؛ بحيث تدرج دراسته ضمن

الدراسات المتعلقة بأهل الذمة وأحكامهم، وهو وإن تطرق في دراسته لهذه الجوانب

إلا أنه توسع؛ بحيث وضع الأسس والمعايير للتعامل مع الآخر، وأشار إلى أمور

أهل الكتاب والأعاجم التي ابتُليت بها الأمة وذلك ليجتنب المسلم الحنيف الانحراف

عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم على حد قوله. ويذكر بأنه عدد

أشياء من منكرات دينهم لما رأى طوائف من المسلمين قد ابتلي بها وجهل كثيراً

منهم دين النصارى المحرف [7] .

هذه الملاحظات لا بد منها لكي توضع في الحسبان؛ فلا شك أن هناك من يود

اقتفاء أثر ابن تيمية في معالجاته الفكرية، وهناك من يود الابتعاد عن معالجاته ومما

لا شك فيه أن هناك عوامل عديدة تؤثر سلباً أو إيجاباً على المفكر.

كيف عالج شيخ الإسلام ابن تيمية إشكالية التعامل مع الآخر؟

إن ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم عمل على تشخيص بعض

أنواع البدع والشركيات التي ابتليت بها الأمة، وأوضح أثر التشبه بالآخر على

الأمة، ووضع قواعد أساسية في التشبه، وأوضح فئات الناس التي نهينا عن

التشبه بها والنهي عن سماتهم وعن الأعياد والاحتفالات البدعية والرطانة ومفهوم

البدعة وزيارة القبور ونحو ذلك، ونبه المؤلف على أصلين هما:

الأصل الأول: إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم القاطع الأكيد بأن أمته

ستتبع سنن الأمم التي سبقتها من اليهود والنصارى وفارس والروم شبراً بشبر

وذراعاً بذراع.

الأصل الثاني: إخباره صلى الله عليه وسلم القاطع والأكيد أيضاً بأن الله

تعالى تكفل بحفظ الدين وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين حتى تقوم

الساعة، وأن الأمة لا تجتمع على ضلالة [8] .

في بيان أسباب مخالفة المغضوب عليهم:

إن ابن تيمية وهو بصدد بيان دواعي مخالفة المغضوب عليهم والضالين

يوضح بأن الانحراف نحو الكفار قد يكون كفراً، وقد يكون فسقاً، وقد يكون

معصية، وقد يكون خطأ [9] ، ويؤكد بأن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في

القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك، وأمور ظاهرة من أقوال أو أفعال قد تكون

عبادات وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس والنكاح.. وهذه الأمور الباطنة

والظاهرة بينها ارتباط ومناسبة؛ فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب

أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً،

وقد شرع الله لنبينا من الأعمال والأحوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر؛ وإن لم تظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة

لأمور منها [10] :

1 -

أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين،

يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا الأمر محسوس؛ فإن اللابس ثياب

أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم

إلخ.

2 -

أن المخالفة في الهدي الظاهر تؤدي إلى مباينة ومفارقة توجب الانقطاع

عن موجبات الغضب وأسباب الضلال والانعطاف على أهل الهدى والرضوان،

وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين. وكلما كان

القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً

وظاهراً أتم، وكان بعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.

3 -

أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع

التميُّز ظاهراً بين المهديين المرضيين والمغضوب عليهم والضالين؛ إلى غير ذلك

من الأسباب الحكمية. هذا إذا لم يكن ذلك الهدي إلا مباحاً محضاً لو تجرد من

مشابهتهم. فأما إن كان من موجبات كفرهم كان شعبة من شعب الكفر؛ فموافقتهم

فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم؛ فهذا أصل ينبغي التفطن له.

ويؤكد ابن تيمية بأن الأمر بموافقة قوم أو مخالفتهم قد يكون لأن موافقتهم

مصلحة، وكذلك قصد مخالفتهم أو مخالفتهم نفسها مصلحة بمعنى أن ذلك الفعل

يتضمن مصلحة أصولية للعبد أو مفسدة، وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به

الموافقة أو المخالفة لو تجرد عن الموافقة أو المخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو

المفسدة، ولهذا نحن ننتفع بمتابعتنا نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين

في أعمال لولا أنهم فعلوها لربما قد كان لا يكون لنا مصلحة؛ لما يورث من محبتهم

وائتلاف قلوبنا بقلوبهم، ويدعونا إلى موافقتهم في أمور أخرى؛ إلى غير ذلك من

الفوائد. كذلك قد نتضرر بمتابعتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر

بفعلها، وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة؛ لأن ذلك الفعل الذي يوافق فيه أو

يخالف متضمن للمصلحة أو المفسدة ولو لم يفعلوه. لكن عبر عن ذلك بالموافقة

والمخالفة؛ على سبيل الدلالة والتعريف، فتكون موافقتهم دليلاً على

المصلحة [11] ومن تابع غيره في بعض أموره فهو منه في ذلك الأمر؛ لأن قول القائل: أنا من هذا، وهذا مني؛ أي: أنا من نوعه وهو من نوعي؛ لأن الشخصين لا يتَّحِدان إلا بالنوع [12] .

ويذهب ابن تيمية إلى القول بأن مشاركة الكفار في الظاهر ذريعة إلى الموالاة

إليهم وليست فيها مصلحة كما في المباينة والمقاطعة؛ حيث يقول: (والموالاة وإن

كانت متعلقة بالقلب لكن المخالفة في الظاهر أعون على مقاطعة الكافرين ومباينتهم.

ومشاركتهم في الظاهر إن لم تكن ذريعة أو سبباً قريباً أو بعيداً إلى نوع من الموالاة

والموادة فليس فيها مصلحة المقاطعة والمباينة مع أنها تدعو إلى نوعٍ ما من

المواصلة كما توجبه الطبيعة وتدل عليه العادة ولهذا السبب كان السلف يستدلون

بهذه الآيات (المائدة 51، 55، 56. المجادلة: 14، 22. الأنفال: 72، 75)

على ترك الاستعانة بهم في الولايات [13] .

وإذا كانت مخالفة المغضوب عليهم والضالين أمر مقصود للشرع فذلك لا ينفي

أن يكون الفعل نفسه الذي خولفوا فيه ينطوي على مصلحة مقصودة مع قطع النظر

عن مخالفتهم؛ فإن هنا شيئين [14] :

أحدهما: أن المخالفة ذاتها لهم في الهدي مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين؛

لما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم.

وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنور قلبه حتى رأى ما اتصف به

المغضوب عليهم والضالون من المرض الذي ضرره أشد من ضرر أمراض

الأبدان.

والثاني: أن ما هم عليه نفسه من الهدى والخلق قد يكون مضراً أو منقصاً،

فيُنهى عنه ويؤمر بضده لما فيه من المنفعة والكمال، وليس شيء من أمورهم إلا

وهو: إما مضر أو ناقص؛ لأن ما بأيديهم من الأعمال المبتدعة والمنسوخة

ونحوها مضرة وما بأيديهم مما لم ينسخ أصله؛ فهو يقبل الزيادة والنقص؛

فمخالفتهم فيه بأن يشرع ما يحصله على وجه الكمال ولا يتصور أن يكون شيء من

أمورهم كاملاً قط، فإن المخالفة لهم تنطوي على منفعة وصلاح لنا في كل أمورنا،

حتى فيما هم عليه من إتقان بعض أمور دنياهم؛ إذ قد يكون مضراً بأمر الآخرة أو

بما هو أهم منه من أمر الدنيا؛ فالمخالفة فيه صلاح لنا.

وبالجملة: فالكفر بمنزلة مرض القلب، ومتى كان القلب مريضاً لم يصح

شيء من الأعضاء صحة مطلقة؛ وإنما الصلاح أن لا تشبه مريض القلب في شيء

من أموره؛ وفساد الأصل لا بد أن يؤثر في القلب، وإن جميع أعمال الكافر فيها

خلل يمنعها أن تتم بها منفعة، ولو فرض صلاح شيء من أموره صلاحاً تاماً

لاستحق بذلك ثواب الآخرة، ولكن أموره إما فاسدة وإما ناقصة.. فالحمد لله على

نعمة الإسلام؛ فقد تبين أن مخالفتهم نفسها أمر مقصود للشارع في الجملة.

الدعوة إلى ترك إكرامهم:

بعد أن أكد ابن تيمية على عدم التشبه بهم دعا إلى عدم إكرام أصحاب الجحيم

وإلى إلزامهم الصَّغار الذي شرعه الله تعالى (فاتفق عمر رضي الله عنه والمسلمون

معه وسائر العلماء بعدهم ومن وفقه الله من ولاة الأمور على منعهم من أن يُظهروا

في دار الإسلام شيئاً مما يختصون به مبالغة في أن لا يُظهروا في دار الإسلام

خصائص المشركين؛ فكيف إذا عملها المسلمون وأظهروها؟ ومن المعلوم أن

تعظيم أعيادهم ونحوها بالموافقة فيها نوع من إكرامهم؛ فإنهم يفرحون بذلك

ويسرون به، كما يغتمون بإهمال أمر دينهم الباطل) [15] . ولقد منع عمر رضي

الله عنه استعمال كافر أو ائتمانه على أمر الأمة وإعزازه بعد أن أذله الله [16] .

النهي عن الرطانة:

ومن القضايا التي نعايشها إشكالية اللغة، وموقف ابن تيمية هو أن اعتياد

اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً؛ فإن اللغة العربية نفسها من

الدين، ومعرفتها فرض واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم

اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب [17] .

واستدل ابن تيمية بأحاديث عمر رضي الله عنه إذ نهى عن رطانة الأعاجم

وقال: إنها خب، أي أنها لغة خديعة ونفاق أو أن اعتيادها يورث النفاق، وحديثه

الآخر: (لا تَعَلَّموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم؛ فإن السخط ينزل

عليهم) [18] . ولهذا النهي شواهد من السنة النبوية: (من يحسن أن يتكلم

بالعربية فلا يتكلم بالعجمية؛ فإنه يورث النفاق) [19] . لهذا كانت الكراهية

للحديث بغير العربية.

المخالفة في الأعياد:

في مسألة الأعياد يذكر ابن تيمية الآتي:

أولاً: (إن الأعياد من جملة الشرائع والمناهج والمناسك [لكل أمة جعلنا

منسكا هم ناسكوه] [الحج: 67] فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم

في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في

بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به

الشرائع ومن أظهر ما لها من الشرائع؛ فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع

الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تُنهي إلى الكفر في الجملة

بشروطه. أما العيد وتوابعه فإنه من الدين المحرَّف؛ فالموافقة فيه موافقة فيما

يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.

ثانياً: إن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله؛ لأنه: إما محدَث مبتدَع، وإما

منسوخ، وأحسن أحواله ولا حسن فيه أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت

المقدس، هذا إذا كان المفعول مما يتدين به.

ثالثاً: إنه إذا سوّغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر

الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس بل عيداً حتى

يضاهى بعيد الله بل قد يزاد عليه حتى يكاد يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر

كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام مثل عيد القيامة (شم النسيم) .

رابعاً: إن الأعياد والمواسم في الجملة لها منفعة عظيمة في دين الخلق

ودنياهم؛ ولهذا جاءت بها كل شريعة.

خامساً: إن مشابهتهم في بعض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من

الباطل خصوصاً إذا كانوا مقهورين تحت ذل الجزية والصَّغار فرأوا المسلمين قد

صاروا فرعاً لهم في خصائص دينهم؛ فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح

صدورهم واستذلال الضعفاء.

سادساً: إن ما يفعلونه في عيدهم منه ما هو كفر، وما هو حرام، وما هو

مباح لو تجرد عن مفسدة المشابهة وجنس الموافقة وهنا يلبس على العامة دينهم حتى

لا يميزوا بين المعروف والمنكر.

سابعاً: إن الله تعالى جبل بني آدم وسائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين

المتشابهين؛ وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم حتى

يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط. فالمشابهة والمشاكلة

في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة

والتدريج الخفي؛ فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل هو سبب لنوع مَّا من اكتساب

أخلاقهم التي هي ملعونة؛ وكل ما كان سبباً لهذا الفساد فإن الشارع يحرمه.

ثامناً: إن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن كما

أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر؛ وهذا أمر يشهد به الحس

والتجربة؛ والمحبة والموالاة لهم تنافيان الإيمان.

الخاتمة:

لقد جرى ويجري تسويق الآخر حتى أمكن تقبله والتعايش معه بدون حرج

مما شكل خطورة على الدين الإسلامي ذاته، ومما يؤسف له أن يشارك علماء

السوء في تحسين الوجه القبيح للآخر لا سيما اليهود والنصارى مستدلين بآيات

منسوخة أو أحاديث ضعيفة لإضفاء الشرعية الدينية على آرائهم وفتاويهم، ولقد

تخوَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته من هؤلاء الأئمة المضلين [20] .

إن المسلمين وهم يعايشون مرحلة تداعت فيها الأمم عليهم تداعي الأكلة على

قصعتها لا سبيل أمامهم للخروج من هذه الحالة إلا من خلال:

1 -

التمسك بالهوية الإسلامية وعدم الذوبان في الآخر؛ مع ملاحظة أن

التمسك بالهوية لا يعني الانكماش والانغلاق على الذات؛ لأننا أمة الدعوة الخاتمة

ومطالبون بالتعامل مع الآخر لا من أجل أن نكون جزءاً منه؛ وإنما من أجل

استنقاذه وإخراجه من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام. وإن ثمة ممارسات خاطئة

أدت إلى تعويق الدعوة الإسلامية كانت وليدة تدين سلبي؛ إذ آثر بعض المتدينين

الابتعاد عن الاختلاط بالضالين بحجة أن الاختلاط بهم سيؤثر سلباً على تدينهم،

وتناسى هؤلاء الناس أنهم سيخالطون هؤلاء الضالين وهم مستعلون بالإيمان الذي

يقي صاحبه من العودة إلى الكفر بعد أن استنقذه الله منه.

2 -

التمسك بالمصطلحات الشرعية في التمييز بين الناس حسب عقيدتهم؛

فهناك المؤمن، والكافر، والمنافق، والفاسق.. إلخ فهذه المصطلحات من شأنها

ترسيخ الأسس والمعايير الإسلامية في العقل المسلم، فلا يتعامل مع الآخر إلا من

خلال التمايز العقدي. ولقد كان من شأن تجاهل هذه المصطلحات الشرعية حدوث

اضطراب في التعامل مع الآخر. وهنا يجدر التنبيه إلى أن العالم الغربي الصليبي

يستعمل مصطلح (المسلمين) في أي صراع يخوضه ضد أي دولة إسلامية، وبدا

هذا واضحاً في حرب البوسنة والهرسك والشيشان وغيرها مما أدى إلى تكاتف

الضالين والمغضوب عليهم. هذا في الوقت الذي يستخدمون ونحن من ورائهم

المصطلحات القومية لمناصريهم حتى يوهموا الناس بأن هذه الصراعات ليست

دينية؛ فالعداء إذن في البلقان بين الصرب والمسلمين وفي الشيشان بين الروس

والمسلمين وهلم جرّاً؛ فلنتفكر.

3 -

الاهتمام باللغات الأجنبية ومقارنة الأديان في كليات الدعوة وأصول

الدين؛ فلا يمكن أن نخاطب الآخر بلغة لا يفهمها مع الجهل بعقيدته. فإذا كان

النهي قد ورد بعدم استعمال اللغة الأجنبية فإن النهي المقصود به التحدث بهذه

اللغات لغير ما ضرورة؛ لكن متى ما كانت هناك ضرورة فإن المحظور ينتفي.

وإن عالمية الدعوة الإسلامية تستدعي فهم اللغات الأجنبية.

4 -

الحذر من الأئمة المضلين الذين يدعون للحوار بين الأديان متناسين أن

الدين عند الله هو الإسلام.

5 -

الاستفادة من الاختلافات في صفوف الآخر؛ إذ إنهم شيع وأحزاب؛

فهذا قد يحقق الكثير للمسلمين.

6 -

عدم الترويج في وسائل الإعلام لعقائدهم الباطلة وأعيادهم الفاسدة أو

التعطل عن العمل فيها ومشاركتهم طقوسها؛ إذ إن هذا من المفاسد التي نهت عنها

الشريعة.

[قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا

نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا

بأنا مسلمون] [آل عمران: 64] .

ندعو الله سبحانه أن يحقق للأمة خيريتها وشهادتها على الناس؛ إنه نعم

المولى ونعم النصير.

(1) إبراهيم عقيلي: تكامل المنهج المعرفي عند ابن تيمية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن، أمريكا، ط1 1994م.

(2)

حديث صحيح أورده البخاري في كتاب الاعتصام، ومسلم في كتاب العلم، ومسند أحمد، ج4، وجامع الأصول لابن الأيثر، ج10.

(3)

أورده البخاري في كتاب الاعتصام.

(4)

أورده البخاري في المناقب ومسلم في الإمارة.

(5)

أورده الترمذي ف كتاب الفتن.

(6)

ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم، م1، ص15.

(7)

المصدر السابق، ص70، 476.

(8)

المصدر السابق، ص68 وما بعدها.

(9)

المصدر السابق، ص70.

(10)

المصدر السابق، ص 7981.

(11)

المصدر السابق، 8283.

(12)

المصدر السابق، ص152.

(13)

المصدر السابق، ص171، 173.

(14)

المصدر السابق، ص325.

(15)

المصدر السابق، ص322، وراجع الشروط العمرية على أهل الذمة في كتاب ابن القيم: أحكام أهل الذمة.

(16)

ابن تيمية: المصدر السابق، ص 470.

(17)

المصدر السابق، ص349، 466، انظر المدونة براوية سحنون، ج1، مطبعة السعادة بمصر، ص63.

(18)

أخرجه الحاكم في المستدرك، ج4 مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ص 87، فيه عمر بن هارون وهو متروك.

(19)

ابن تيمية المصدر السابق، ص471489، وراجع مسألة الأعياد بتوسع في المجلد الثاني، ص 513 وما بعدها.

(20)

انظر الحديث في سنن أبي داود: كتاب الفتن والملاحم.

ص: 106

قضايا ثقافية

موقف العصرانيين من الفقه وأصوله

محمد حامد الناصر

بعد أن شكك العصرانيون بحجِّية السنة النبوية راحوا يهاجمون الفقه والفقهاء، ويدعون إلى تطوير أصول الفقه (وخاصة في المعاملات) زاعمين ظاهراً فتح

باب الاجتهاد، ولكن ليس هو الاجتهاد كما عرفه الفقهاء استنباطاً من النصوص،

وكشفاً وإظهاراً لحكم الله، وإنما هو عندهم اجتهاد لتخطي النص، بل وتخطي سنة

رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكتَّاب المدرسة العصرانية أقوال عحيبة حول تجديد أصول الفقه مآلها

الفصل بين الدين والدولة، ومحاولة تمييع العلوم المعيارية للوصول إلى الفوضى،

والتمهيد لتطبيق القوانين الوضعية الغربية تحت مظلة الإسلام.

يقول الدكتور أحمد كمال أبو المجد: (والاجتهاد الذي نحتاج إليه اليوم ليس

اجتهاداً في الفروع وحدها، وإنما هو اجتهاد في الأصول) [1] .

ودعا الدكتور حسن الترابي إلى تطوير أصول الفقه، للوفاء بحاجات

المسلمين المعاصرة فقال: (إن علم الأصول التقليدي لم يعد مناسباً للوفاء بحاجتنا

المعاصرة حق الوفاء؛ لأنه مطبوع بأثر الظروف التاريخية التي نشأ فيها) [2] .

ويقول موضحاً فكرته: (إن الفقهاء ما كانوا يعالجون كثيراً من قضايا الحياة

العامة، إنما كانوا يجلسون مجالس العلم المعهودة، ولذلك كانت الحياة العامة تدور

بعيداً عنهم، والنمط الأشهر في فقه الفقهاء والمجتهدين كان فقه فتاوى فرعية، وإن

العلم النقلي الذي كان متاحاً في تلك الفترة كان محدوداً مع عسر في وسائل الاطلاع

والبحث والنشر، بينما تزايد المتداول في العلوم العقلية المعاصرة بأقدار

عظيمة) [3] .

وإنها لدعوى غريبة أن يزعم الدكتور الترابي أن العلم النقلي من نصوص

الكتاب والسنة كان محدوداً في زمن نشأة الفقه وازدهاره!

وما البديل لدى الدكتور الترابي؟ !

البديل عنده أن يشارك الشعب في الاجتهاد على طريقة دعاة الديمقراطية

الغربية! !

يقول: (الاجتهاد مثل الجهاد، وينبغي أن يكون منه لكل مسلم نصيب) .

ويضيف: (واتسم فقهنا التقليدي بأنه فقه لا شعبي، وحق الفقه في الإسلام

أن يكون فقهاً شعبياً) [4] .

ويتابع الدكتور محمد عمارة زملاءه في حملتهم على الفقه والفقهاء ودعوتهم

إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه لكل مدعٍ وعامي لا علم له بالكتاب والسنة.

ويقول: (إن الاجتهاد يجب أن يخرج وأن نخرج به من ذلك الإطار الضيق الذي

عرفه تراثنا الفقهي، والفقهاء ليسوا وحدهم المطالَبين بالاجتهاد؛ بل إن المطالَب به

هم علماء الأمة وأهل الخبرة العالية فيها، ومن كل المجالات والتخصصات؛ لأن

ميدانه الحقيقي هو أمور الدنيا ونظم معيشتها، وليس إلحاق فروع الدين

بأصولها

) [5] .

(فالمجتهد عند عمارة يمكن أن يكون بلا علم بالقرآن والسنة واللغة

والأصول؛ لأن مجال المجتهد هو) أمور الدنيا (ولا يشترط لها كل هذا من العلوم

الشرعية، وإنما يشترط لها أن يكون المرء (مستنيراً عقلانياً) تقدمياً ثورياً

حضارياً؛ فمن جمع هذه الصفات فهو شيخ الإسلام حقاً؛ وقد بنى كلامه على باطل، هو التفريق المزعوم بين الدين والدنيا، وما بُني على باطل فهو باطل) [6] .

ومن غرائب الاجتهاد العصراني أن بعضهم دعا إلى صهر المذاهب الفقهية

في بوتقة واحدة، وجعلها مستمَداً لا ينضب معينه، وذلك بالتسليم بكل ما قالت به

المدارس الفقهية على اختلافها وتناكرها، بغض النظر عن أدلتها، ثم اختزانها في

مدونة منسقة الأبواب كمجموعة (جوستينان) وأعْنِي كل ما أعطت المدارس:

الإباضية والزيدية والجعفرية والسنية، وذلك بجعل هذه الثروة الفقهية منجماً لكل ما

يجدُّ ويحدث) [7] .

(وهذه الدعوة التي تطالب بإعادة النظر في التشريع الإسلامي كله دون قيد

ليفتح الباب على مصراعيه للقادرين وغير القادرين، ولأصحاب الورع وأصحاب

الأهواء، حتى ظهرت الفتاوى التي تبيح الإفطار لأدنى عذر.. وتبيح الربا إلا ربا

النسيئة أو أصنافاً معينة وظهرت آراء تحظر تعدد الزوجات وتحذر من الطلاق؛

وبذلك تحوَّل الاجتهاد في آخر الأمر إلى تطوير للشريعة الإسلامية، يهدف إلى

مطابقة الحضارة الغربية) [8] .

والنتيجة التي يود هؤلاء أن يصلوا إليها من تطوير الشريعة هو تحكيم

القوانين الوضعية، وفي ذلك تنفيذ لمخططات أعداء الإسلام، الذين زعموا أن الفقه

الإسلامي مأخوذ من الفقه الروماني. وردد هذه المقولة - مقولة المستشرق اليهودي

(جولد زيهر) - الدكتور محمد فتحي عثمان نقلاً عن أستاذه السنهوري الذي يقول:

(الفقه الإسلامي هو من عمل الفقهاء صنعوه كما صنع فقهاء الرومان وقضاته

القانون المدني، وقد صنعوه فقهاً صحيحاً؛ فالصياغة الفقهية، وأساليب التفكير

القانوني واضحة فيه وظاهرة) [9] .

والغاية من كلام السنهوري، وإقرار تلميذه له أن يخضع الفقه الإسلامي

لإشراف القانون الوضعي، ويكيِّف نفسه حسبما يقتضيه ذلك الخضوع.

(وغني عن القول أن كل أصل من الأصول الفقهية ثبتت حجيته بالكتاب

والسنة، وقد بيَّن أهل العلم أدلة كلٍ من: الإجماع والقياس والمصلحة وحجية

ذلك.. فهي ليست مبتدعة كما يزعم هؤلاء؛ بل هي منهج الاستنباط الشرعي الذي هو من الدين) [10] .

إن دعوة العصرانيين هذه ما هي إلا علمانية جديدة تود تسويغ تحكيم القوانين

الوضعية في ديار المسلمين، أو للتهوين من شأنها، ومن ثَمَّ مساواتها بأحكام شريعة

السماء.

وقد خرج هؤلاء علينا بفقه غريب شاذ يريد تسويغ الواقع المعاصر

بانحرافاته، وإليك أخي القارئ نماذج من شذوذات العصرانيين في مسائل الفقه

المختلفة.

شذوذات العصرانيين في ميادين الفقه المختلفة:

موقفهم من الحدود:

حاول العصرانيون تسويغ رفضهم لإقامة الحدود الشرعية بحجج واهية

كالشفقة على المجرمين، وأن قطع اليد أو الرجم ما هي إلا قسوة ووحشية لا تناسب

العصر الحاضر؟ !

فالشيخ عبد الله العلايلي مثلاً: يرى أن إقامة الحدود ينبغي أن لا تتم إلا في

حال الإصرار، أي: المعاودة تكراراً ومراراً؛ إذ إن آخر الدواء الكي، وبلغ من

استهزائه بالحدود الشرعية أن قال: (إن إنزال الحد لا يتفق مع روح القرآن الذي

جعل القصاص صيانة للحياة، وإشاعة للأمن العام، وليس لجعل المجتمع مجموعة

مشوهين: هذا مقطوع اليد، والآخر مقطوع الرجل، أو مفقوء العين، ومصلوم

الأذن، أو مجدوع الأنف) .

أما الرجم: فيقول فيه بمذهب الخوارج: (لا رجم في الإسلام كما هو مذهب

الخوارج عامة) [11] .

والزاني والزانية - في عرف هؤلاء - لا يقام عليهما الحد إلا أن يكونا

معروفيْن بالزنا، وكان من عادتهما وخلقهما؛ فهما بذلك يستحقان الجلد [12] .

ولحسين أحمد أمين فتوى عجيبة في حد السرقة عندما يقول: (لقد كان

الاعتداء على الساري في الصحراء بسرقة ناقته بما تحمل من ماء وغذاء وخيمة

وسلاح في مصافِّ قتله، لذلك كان من المهم للغاية أن تقرر الشريعة عقوبة جازمة

رادعة لجريمة السرقة في مثل هذا المجتمع) [13] .

إباحة الربا في البنوك:

وقد بدأ ذلك الاجتهاد الشيخ محمد عبده، وتابعه في ذلك تلميذه الشيخ محمد

رشيد رضا، وكانت الحجة هي الحفاظ على اقتصاد البلاد. والربا المحرم عند

هؤلاء هو الربح المركب، أي الذي يكون أضعافاً مضاعفة [14] .

وممن قال بذلك من المعاصرين: الشيخ عبد الله العلايلي، وهو يكرر ما قاله

أسلافه، يقول: (ما دام المصرف لا يزيد على أنه مقر سمسرة بتقاسم المردود

مشاركةً مع من أسلم إليه مالاً، مفوضاً إياه ليعمل به حيث قضت خبرته، ولا قائل

بحرمة عمولة السمسار! ! [15] .

فحرمة الربا واضحة، ونصوصه قطعية في الكتاب والسنة، وتحريم السرقة

في الكتاب والسنة، وطُبِّق الرجم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد

أصحابه رضي الله عنهم ولذلك فمن فضول القول أن نناقش الفتاوى السابقة؛ لأنها

واضحة الضلال والانحراف، وخارجة عن إجماع فقهاء الأمة خلال عصورها

المفضلة.

يقول الشيخ محمد الشنقيطي رحمه الله في هذه الفتاوى المنحرفة: (أما النظام

الوضعي المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السماوات

والأرض كدعوى تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأن الرجم

والقطع ونحوها أعمال وحشية لا يسوغ فِعْلها بالإنسان

إلخ) [16] .

ويكفي أن نعلم أن الأمم عندما ألغت القصاص شاعت فيها الجرائم، وضجت

المحاكم وابتليت المجتمعات، فشاعت الفوضى ونضب معين الأمن.

موقفهم من قضية المرأة:

اهتم العصرانيون بقضية ما يسمى بتحرير المرأة وإعطائها حقوقاً سياسية

كالمرأة الغربية، ودعوا إلى الثورة على الحجاب وتعدد الزوجات وإباحة الطلاق؛

لقد أكمل هؤلاء المؤامرة على المرأة المسلمة التي قادتها الحركة النسائية بعد قاسم

أمين وأعوانه.

لقد اعتبر العصرانيون مسألة تعدد الزوجات التي شرعها الله من سمات عصر

الإقطاع. يقول محمد عمارة: (إن تعدد الزوجات، وتتابع الزواج واتخاذ السراري

والجواري من سمات عصر الإقطاع والدولة الإقطاعية) [17] .

ويرى هؤلاء أن الحجاب الشرعي قيد يجب التخلص منه، ثم راحوا يسوِّغون

الاختلاط بين الرجال والنساء بعد أن زينوا للمرأة الخروج من بيتها وحصنها الأمين.

فالدكتور محمد عمارة يرفض أن تعود المرأة مكبلة بحجابها ويؤكد (أن جذور

هذه القضية ترتبط بالتمدن والتحضر والاستنارة أكثر مما هي مرتبطة

بالدين) [18] .

وهذا حسين أحمد أمين يقرر أن الحجاب (وهمٌ صنعه الفرس والأتراك،

وليس في القرآن نص يحرم سفور المرأة أو يعاقب عليه) [19] .

والدكتور الترابي يقصر الحجاب على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقط.

والاختلاط مباح في عرف العصرانيين؛ إذ (ليست الحياة العامة مسرحاً للرجال

وحدهم، ولا عزل بين الرجال والنساء في مجال جامع) .

(وتجوز المصافحة العفوية التي يجري بها العرف في جو طاهر وذلك عند

السلام كما يزعم) [20] .

وفي ذلك مخالفة لأحاديث صحيحة وصريحة؛ فقد جاء في الحديث الشريف

عن أميمة بنت رقيقة قالت: (جئت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه،

فقال لنا: (فيما استطعتن وأطعتن؛ إني لا أصافح النساء)[21] .

ويرى الترابي كذلك أن للمرأة أن تسقبل ضيوف الأسرة وتحدثهم وتخدمهم

وتأكل معهم) [22] .

ويدعو الدكتور محمد فتحي عثمان إلى ما يسميه الاختلاط المأمون؛ لأن

المجتمع الذي يلتقي فيه الرجال والنساء في ظروف طبيعية هادئة، لن يغدو مثلُ

هذا اللقاء قارعة تثير الأعصاب؛ إذ سيألف الرجل رؤية المرأة ومحادثتها،

وستألف المرأة بدورها الرجل، وتتجمع لدى الجنسين خبرات وحصانات

وتجارب [23] .

وواقع المرأة المزري في ديار الغرب مما ينقض هذا الرأي.

ودعا العصرانيون إلى مشاركة المرأة في السياسة والقانون والتجارة

والاقتصاد بلا قيود، ويرون جواز مشاركتها في الانتخابات والمجالس النيابية؛ بل

ويرى بعضهم ولاية المرأة للقضاء، وحتى الولاية العامة جائزة عند العصرانيين

بإطلاق [24] .

إلغاء أحكام أهل الذمة:

لقد أكثر العصرانيون من الحديث حول حقوق أهل الذمة وزعموا أن أحكام

أهل الذمة كانت لظروف خلت وأن تطور العصر يرفضها، وممن تصدى لهذه

المسألة وخصّص لها كتاباً: فهمي هويدي بعنوان: (مواطنون لا ذميون) نقتطف

منه بعض آرائه؛ حيث يقول: (أليس غريباً أن يجيز الفقهاء أن يفرض المسلمون

الحرب دفاعاً عن أهل ذمتهم، ثم يحجب البعض عن هؤلاء حق التصويت في

انتخابات مجلس الشورى مثلاً؟) ، ثم يقول: (أما تعبير أهل الذمة فلا نرى وجها

للالتزام به إزاء متغيرات حدثت. وإذا كان التعبير قد استخدم في الأحاديث النبوية

فإن استخدامه كان من قبيل الوصف، وليس التعريف، ويبقى هذا الوصف تاريخياً

لا يشترط الإصرار عليه دائماً) [25] فالكاتب يحاول إلغاء الأحكام بلا دليل، وكأن

الاجتهاد في الإسلام تحوَّل إلى لعب أطفال وأوهام مبتدعة، وأمزجة منحرفة.

وفي فصل (الجزية التي كانت) يقول: (ومن غرائب ما قيل في هذا الصدد

تعريف ابن القيم للجزية بأنها هي الخراج المضروب على رؤوس الكفار إذلالاً

وصغاراً، وأن هذا يتنافى مع روح الإسلام، ودعوته للمسامحة بين الناس جميعاً:

إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [26] .

لقد حكمت الشريعة الإسلامية بضعة عشر قرناً من عمرها، لم يعرف في

التاريخ عدلاً وإنصافاً ورحمة بأقليات دينية كما عرفت في تلك القرون تحت مظلة

الشريعة، بل كانت الطوائف تفر من بطش أبناء دينها لتنعم بالأمن في ظل عدل

الإسلام وإنصاف المسلمين، إلا أنها التبعية والتزلف الذي تناسى أصحابه أحقاد

اليهود والنصارى التي ما زالت والغة في دماء المسلمين.

ولكن: يا ليت قومي يعلمون!

حقيقة العصرانية: علمانية جديدة:

لاحظنا فيما سبق من حلقات أن العصرانيين يلحُّون على تطوير الشريعة

محاولين التسلل نحو تحكيم القوانين الوضعية (وخاصة في قضايا المعاملات

وسياسة الحكم، وشؤون المجتمع) .

وزعموا أن القوانين الوضعية لا تخالف الشريعة الإسلامية، كما دعوا إلى

التوفيق بين الشريعة وتلك القوانين، أي أنهم دعوا إلى الفصل بين الدين والدولة،

وهذه هي العلمانية بأجلى مظاهرها.

فالعلمانية مصطلح غربي يعني إقامة الحياة على غير الدين على مستوى الفرد

والأمة، وقد ساد هذا المذهب أوروبا رد فعلٍ على تسلط الكنيسة ومبادئها المحرَّفة

إثر صراع دام بين الكنيسة والعلم.

والعلمانية فكرة مستوردة بعيدة عن مناهجنا وتراثنا وهي تعني بداهة: الحكم

بغير ما أنزل الله، وهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين، وهي نظام جاهلي

بعيد عن دائرة الإسلام، قال تعالى: [من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم

الكافرون] [المائدة: 44] .

وقد سلك العصرانيون لتحقيق هدفهم هذا سبلاً متعددة منها:

1 -

محاولاتهم الجادة لتنحية الشريعة:

لقد هاجم العصرانيون الفقه والفقهاء، وشككوا في حجية السنة النبوية،

واتفقوا باسم الاستنارة على ضرورة تجديد الإسلام ذاته، بمعنى تعديل أحكامه

وتشريعاته أو اقتلاعها من الجذور.

فالدكتور محمد أحمد خلف الله: (يرى ضرورة انعتاق الأحكام من إسار

الشريعة إلى بحبوحة القوانين الوضعية، وأن خروج المعاملات من نطاق الشرع

إلى نطاق القانون قد حقق لها ألواناً من الحرية والانطلاق، لم يكن لهم بها عهد من

قبل) [27] .

(وهو يعجب من الجامدين الذين يتمسكون بتلك المعايير البالية لمجرد أنها

وردت في القرآن والسنة) [28] .

ويعتبر الدكتور محمد عمارة أن الشريعة ما عادت تلائم قضايا العصر فيقول:

(إن أحداً لن يستطيع الزعم بأن الشريعة يمكن أن تثبت عند ما يقرره نبي

لعصره) [29] .

ويدعو كذلك إلى مدنيَّة السلطة، وجعل حق التشريع في يد جمهور الأمة

عندما يقول: (فأصحاب السلطة الدينية قد احتقروا جمهور الأمة عندما سلبوها حقها

في التشريع وسلطاتها في الحكم) على حين قرر القائلون بمدنيَّة السلطة (أن الثقة

كل الثقة بمجموع الأمة؛ بل جعلوها معصومة من الخطأ والضلال) [30] .

أما الدكتور أحمد كمال أبو المجد (فهو يتعجب ويتأفف من هؤلاء المسرفين

الذين يرون ضرورة إسقاط القوانين الوضعية، ومن ثم يدعو إلى زلزلة قواعد

الشريعة؛ حيث لا يُقتصر الاجتهاد على الفروع فحسب، بل والأصول

أيضاً) [31] .

إن الأقوال السابقة تدعو صراحة إلى إسقاط الأحكام الشرعية. والشريعة

الإلهية هي حكم الله، والقانون الوضعي حكم جاهلي كله سفه ونقص وعجز

وقصور.

والشريعة الإلهية فصّلها الله الذي خلق الإنسان، وهو أعلم به؛ فهي ثابتة

باقية إلى يوم القيامة، أما القانون الوضعي فهو صناعة بشرية من أناس يتصفون

بالعجز والنقص والتحريف، وتتحكم فيهم الشهوات [32] .

إلا أنها التبعية عند العصرانيين الجدد الذين يرون التقدم في القوانين الأجنبية

منذ أقدم العصور، يقول محمد فتحي عثمان: (وعلينا ألا نتنكر لأنظمة مرت

بمراحل تقدمية كبرى في الفكر والتطبيق، قبل أن نتطور بثروتنا الفقهية التي

تكدس عليها غبار القرون من التعطيل والتجميد) [33] .

ولنا أن نتساءل عن هذه المراحل التقدمية؟ ! !

يقرر البحث العلمي أن مراحل القانون الوضعي تبدأ بقانون (حمورابي)

وقانون (مانو) وقانون (أثينا) والقانون (الروماني) والقانون (الكنسي الأوروبي) مأخوذ من القانون الروماني ومما شرعه الرهبان، ثم قانون نابليون، وهذه هي المراحل التقدمية الكبرى في الفكر والتطبيق عند المؤلف [34] .

يقول تعالى: [أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم

يوقنون] [المائدة: 50] .

2 -

تأييد سقوط الخلافة:

لقد تكالب الأعداء على إسقاط الخلافة، وكان من أهم شروط اتفاقية (سايكس

بيكو) 1915م، أن اشترط الحلفاء (إلغاء نظام الخلافة وطرد السلطان العثماني

خارج الحدود، ومصادرة أمواله، ثم إعلان علمانية الدولة) [35] .

وهاجم العصرانيون نظام الخلافة متبعين في ذلك كبيرهم الشيخ علي عبد

الرازق، صاحب كتاب:(الإسلام وأصول الحكم) الذي وصف الخلافة بأنها

(خطط دنيوية صرفة لا شأن للدين بها، وليس لنا حاجة إليها في أمور ديننا ولا

دنيانا، ولو شئت لقلنا أكبر من ذلك؛ فإنما كانت الخلافة، ولم تزل نكبة على

الإسلام والمسلمين وينبوع شر وفساد) [36] وهو يستعير في عرضه هذا آراء

المستشرقين من قساوسة صليبيين ويهود حاقدين وأن الإسلام دين لا دولة، وكان

التوقيت لصدور كتابه هذا خبيثاً؛ ذلك أنه أصدره عام 1925م لإجهاض محاولات

إحياء الخلافة آنذاك بعد إلغائها على يد كمال أتاتورك [37] .

ويقول محمد أحمد خلف الله: (والفكر السياسي في نظام الحكم هو فكر بشري

خالص، وتستطيع المؤسسات العلمية من أمثال كليات العلوم السياسية أن تجتهد

فيه) [38] .

ويرى محمد فتحي عثمان (أن الخلافة الإسلامية كانت صورة تاريخية، ولم

تعش طويلاً، فعلى المسلمين ألا يفكروا فيها مرة أخرى) [39] .

ويقول محمد عمارة: (لم تكن الدولة هدفاً من أهداف الوحي، ولا مهمة من

مهام النبوة والرسالة، ولا ركناً من أركان الدين وإنما اقتضتها ضرورة حماية

الدعوة الجديدة) [40] ، (إن موقف الإسلام في مجال السياسة والدولة ينكر وجود

سلطة دينية لبشر خارج نطاق الموعظة والإرشاد، ولم يحدد نطاقاً معيناً

للحكم) [41] .

وهذه آراء علي عبد الرازق وسادته من المستشرقين الحاقدين نفسها.

لقد كان منصب الخلافة شوكة في حلوق أعداء الإسلام، وهدفاً طالما تحالفوا

لإسقاطه، وتمزيق ديار المسلمين، وها هم تلامذة اليهود والنصارى ينادون بما

خطط لهم سادتهم، والويل والصَّغار للمرْجفين.

3 -

دعوتهم الصريحة إلى علمانية الحكم:

يصرح بعض العصرانيين بحقيقة دعوتهم في الحكم وفصل الشريعة عن

قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويدعون إلى علمانية مصبوغة

بمفهومهم عن الإسلام.

فالدكتور حسن حنفي يرى أن العلمانية هي أساس الوحي ويقول: (العلمانية

هي أساس الوحي؛ فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع

التاريخ) [42] .

ويقول الدكتور محمد عمارة: (أما إسلامنا فهو علماني، ومن ثم فإن مصطلح

العلمانية لا يمثل عدواناً على ديننا، بل على العكس يمثل العودة بديننا إلى موقفه

الأصيل) ويقول: (فالسياسة والحكم والقضاء وشؤون المجتمع ليست ديناً وشرعا

يجب فيها التأسي والاهتداء بما في السنة من وقائع؛ لأنها عالجت مصالح هي

بالضرورة متطورة ومتغيرة) [43] .

إذا لم تكن العلمانية هي ما يقوله العصرانيون فماذا ستكون؟ ! فهم بفصلهم

الدين عن شؤون الدولة والحياة، يدعون إلى علمانية قد يسمونها إسلامية، ولكنها

في الحقيقة أشد بعداً عن الدين من العلمانية اللادينية؛ لأن هؤلاء يخدعون العامة

باسم الإسلام، وتحت أسماء: (المفكر الإسلامي، الداعية الإسلامي، العقلاني

المستنير) .

ويريد هؤلاء الكتاب حكماً علمانياً، وفي أحسن أحواله ديمقراطياً برلمانياً على

طريقة الغرب في أن يكون للأمة حق التشريع. رغم أن واقع الديمقراطية الغربية

يشهد بإفلاس شعاراتها عند التطبيق، كما يريد بعضهم حكماً اشتراكياً يسارياً، باسم

اشتراكية الإسلام أو اليسار الإسلامي [44] .

ويقول محمد فتحي عثمان: (واليسار المسلم يتمسك بالديمقراطية؛ إذ هي

حكم الله في المصالح والعلاقات الإنسانية؛ حيث لا يكون النص الإلهي الملزم

القاطع) [45] .

والحقيقة: (أن الفاصل بين العصرانيين والعلمانيين إن وجد دقيق جداً،

وكأنهما وجهان لعملة واحدة، واسمان لمسمى واحد. وقد استفاد العصرانيون مما

واجهه العلمانيون من استنكار، فراحوا يغيرون ويبدلون في المسميات، ويبحثون

عن الشبه والزلات، ليلبسوا العلمانية ثوباً إسلامياً مزوراً، ويضفوا عليها صفة

الشرعية، ويتمكنوا من التمويه على العوام، والتلبيس على أهل الإسلام ولو إلى

حين) [46] .

إن تنحية الشريعة عن شؤون الحياة من أخطر وأبرز مظاهر الانحراف في

مجتمعات المسلمين الحديثة؛ وإلَاّ؛ فما الفرق بين قول قريش في جاهليتها: يا

محمد! اعبد آلهتنا سنة ونعبد آلهتك سنة، وبين قول العلمانيين لفظاً أو واقعاً: نعبد

الله في المسجد، ونطيع غيره في المتجر أو البرلمان أو الجامعة؟ !

وفي هذا الصدد يقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: (إن من

الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب

محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين) وقال رحمه

الله: (من اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكم الرسول

صلى الله عليه وسلم وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع،

إما مطلقاً أو بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث التي نشأت عن تطور الزمان وتغير

الأحوال، فلا ريب أنه كفر) [47] . وقال ابن تيمية رحمه الله في (منهاج السنة) :

(ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر؛ فمن

استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر) .

ومن الخطأ أن تنقل تجربة غريبة هجينة في التصور والاعتقاد إلى ديار

المسلمين.

(إن الغلطة من الأصل هي محاولة وضع الإسلام وتطبيقاته على ميزان

التجربة الأوروبية، واستخدام المصطلحات الغربية ذات الدلالات المحلية البحتة،

كأنها اصطلاحات عالمية تصلح للتطبيق على أي شيء، وفي أي مكان، دون

النظر إلى الفروق الجوهرية بين الاصطلاحات التي وضعها البشر في ظروف

معينة، والمصطلحات التي أنزلها الله لتحكم الحياة، أو اجتهد المجتهدون بها، وهم

ملتزمون بما أنزل الله) [48] .

ولقد تميزت العصرانية بتبني الآراء الشاذة، والأقوال الضعيفة، واتخاذها

أصولاً كلية الهدف منها عند أصحابها هدم القديم أكثر من بناء أي جديد؛ إذ دأبوا

على محاولاتهم لتطويع الإسلام بكل وسائل التحريف والتأويل كي يساير الحضارة

الغربية فكراً وتطبيقاً، ومن أجل ذلك دعوا إلى التقريب بين الأديان والمذاهب،

وهوَّنوا من أمر الجهاد وقصروه على جهاد الدفاع فقط، ولكن الله غالب على أمره،

والعاقبة للمتقين.

(1) مجلة العربي: العدد (222) ، عام 1977م.

(2)

تجديد أصول الفقه الإسلامي: د حسن الترابي، ص12 مكتبة دار الفكر، الخرطوم، 1400هـ.

(3)

المرجع السابق، ص8، 14.

(4)

تجديد الفكر الإسلامي: محاضرة بجامعة الخرطوم، ص10، 1977م.

(5)

الإسلام والمستقبل: محمد عمارة، القاهرة، دار الشروق، 1985م.

(6)

محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة: سليمان بن صالح الخراشي، دار الجواب، الرياض، ص470.

(7)

أين الخطأ: عبد الله العلايلي، ص107 وما بعدها.

(8)

الإسلام والحضارة الغربية: د محمد محمد حسين، ص70.

(9)

الفقه الإسلامي والتطور: محمد فتحي عثمان، ص29.

(10)

المستشرقون: د عابد السفياني، ص125126 بتصرف وإيجاز.

(11)

أين الخطأ؟ : عبد الله العلايلي، ص7987.

(12)

الهداية والعرفان: أبو زيد الدمنهوري، وكان قد حكم على كتابه بالمصادرة وعلى صاحبه بالزيغ والضلال، ينظر: الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم: د محمد حسين الذهبي، ص94، ط دار الاعتصام 1396هـ.

(13)

دليل المسلم الحزين، ص141.

(14)

ينظر: تفسير المنار، ج4/123، وتاريخ الأستاذ الإمام: ج1/944.

(15)

أين الخطأ؟ : عبد الله العلايلي، ص68.

(16)

أضواء البيان: 4/8485، عالم الكتب، بيروت.

(17)

فجر اليقظة العربية: د محمد عمارة، ص118.

(18)

الإسلام وقضايا العصر: محمد عمارة، ص9.

(19)

موقف القرآن من حجاب المرأة: حسين أحمد أمين، الأهالي القاهرية، في 28/11/1984م.

(20)

المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع، د حسن الترابي، ص21، 35.

(21)

صحيح سنن ابن ماجه، الألباني، 2/145.

(22)

المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع، ص25.

(23)

الفكر الإسلامي والتطور، ص204.

(24)

العصرانيون: ص265268.

(25)

مواطنون لا ذميون: فهمي هويدي، ص124125، دار الشروق.

(26)

المرجع السابق، ص128، 131.

(27)

من مقال بعنوان: العاملات بين الشراع والقانون، الطليعة القاهرية، فبراير/1976م.

(28)

المرجع السابق، عدد نوفمبر/1975م.

(29)

المعتزلة وأصول الحكم: ص330، سلسلة الهلال، العدد (400) / 1984م.

(30)

الإسلام والسلطة الدينية: ص 7.

(31)

حوار لا مواجهة: ص 10/13.

(32)

المستشرقون: د عابد السفياني، ص131132 بأيجاز.

(33)

الفكر الإسلامي والتطور، ص168.

(34)

انظر الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية، ص4550 د الأشقر.

(35)

ينظر تاريخ الدولة العثمانية، على حسون المكتب الإسلامي، بيروت ودمشق.

(36)

الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر: د محمد محمد حسين، ج 2، ص83.

(37)

أنظر هذا الكتاب: ط3، مطبعة مصر، 1925م.

(38)

مجلة العربي: العدد (276) ، ص18، محمد فتحي عثمان (3940) الإسلام والعربية والعلمانية: محمد عمارة، ص5.

(41)

التراث والتجديد: حسن حنفي، ص69، طبعة القاهرة، 1980م.

(42)

الإسلام والسلطة الدينية، محمد عمارة، ص120.

(43)

ينظر: العصرانيون، ظاهرة اليسار الأسلامي، ص327347.

(44)

مجلة المسلم المعاصر: محمد فتحي عثمان، العدد الافتتاحي.

(45)

انظر: كتاب مناقشة هادئة لبعض أفكار الدكتور الترابي، للأمين الحاج محمد أحمد ص 103.

(46)

رسالة تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم، مطابع الثقافة بمكة، 1380هـ.

(47)

العلمانيون والإسلام: الأستاذ محمد قطب، ط دار الوطن.

ص: 112