الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون والعالم
الشيشان.. آلام، وآمال
د. سامي محمد صالح الدلال
إن ما يربطنا بالشيشان هو رابطة العقيدة التي لن تنفصل أو تهون بل هي
باقية إلى قيام الساعة، بماذا يقابل الله المسلمون الذين أيدوا الروس في حرب الشيشان
سواء بالقول أو الفعل أو السكوت؟
إن أحداث الشيشان واحدة من نوازل القدر يختبر الله بها عباده جميعاً،
فلينظر كل امرئ ما يتعلق به من هذا الاختبار: مساءلته نفسه، وعرض خوالجها
على ضوء الكشف القرآني والسنن النبوي. والقصد من كل ذلك أن يتوصل إلى
أفضل الأجوبة التي تضمن له اجتياز الاختبار بأحسن تقدير وأرفع درجة.
…
وعلى اعتبار أهمية بلوغ ذلك فإن المسلم جدير به أن يجتهد في استحضار ما
له علاقة بهذه القضية من أسئلة، من مثل:
1 -
هل أنا مَعْنيٌّ بأحداث الشيشان؟
2 -
ما هي الرابطة التي تربطني بمسلمي الشيشان؟
3 -
هل يجب عليَّ شرعاً أن أقف معهم وأدعمهم؟
4 -
كيف أستطيع القيام بواجبي إزاءهم؟
5 -
ما هدف الروس من تأكيد احتلالهم للشيشان، وما هي دوافعهم؟
6 -
ماذا تريد روسيا بعد الشيشان؟
7 -
لماذا يقف العالم متفرجاً على ما يحدث في الشيشان؟
8 -
هل سينتصر الشيشانيون؟ وهل لي دور في ذلك؟
9 -
هل أنا مؤهل لاجتياز محطة المساءلة عن الشيشان في الآخرة؟
فلو أردنا تحري الصواب في الإجابة عن تلك الأسئلة فلعلنا نضعها بين
يدي القارئ على الوجه الآتي:
هل أنا مَعْنيٌّ بأحداث الشيشان؟
نعم بالتأكيد! إنني معْنيٌّ بأحداث الشيشان من زوايا عديدة لا تتعلق برابطة
العقيدة الإسلامية فحسب، بل لأن تلك الأحداث تأتي في سياقات دولية مفصلية لها
الأثر البالغ على الوجود الإسلامي برمته؛ إذ إن إتاحة الفرصة للروس للانفراد
بمسلمي الشيشان دون أن تحرك الدول الإسلامية ساكناً يعطي الضوء الأخضر لدول
الكفر من يهود ونصارى أن
تكشر عن أنيابها لتفترس الكيانات الإسلامية المبعثرة هنا وهناك على خارطة
العالم؛ إذ إن هذه الأحداث تثبت لتلك الدول الكافرة بأنها لن تجد معارضة حقيقية
وجادة ومؤثرة إزاء أي فعل تقوم به ضد الكيانات الإسلامية الضعيفة أو المستضعفة، خاصة أن مسألة الشيشان لم تكن مسألة منفردة بمعزل عما قبلها، بل جاءت في
إطار مسلسل البوسنة وكوسوفا وتيمور الشرقية؛ وهذا يعزز النظرية التي ذكرتها.
وأنا مَعْني بالشيشان باعتبارها دولة مسلمة من دول القوقاز وقع عليها
الاحتلال الروسي عبر طوفان من المآسي والمحن التي ولَّدها النظام الشيوعي أيام
ستالين وما كان قبله وما جاء بعده.
إن التوجه الاستقلالي للشيشان كان لا بد أن يفتح الباب على مصراعيه نحو
استقلال دول القوقاز لترى النور بعد الظلام الحالك الذي خيم على ربوعها منذ
عشرات السنين. فلو أن تلك الدول كتب لها أن تنضم فيما بعد في دولة قوقازية
إسلامية واحدة لأفضى ذلك إلى أن يشكل فتحاً وعضداً كبيراً للقوى الإسلامية في
القارة الآسيوية، كما أنه سيشكل رافداً قوياً للحركات الإسلامية في الجمهوريات
الإسلامية التي استقلت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي؛ حيث ستكون تلك الحكومات
مدعومة من قِبَلِ أفغانستان وربما باكستان، ثم من دولة القوقاز الإسلامية مما
سيؤول في النهاية إلى تمكُّن تلك الحركات الإسلامية من السيطرة على مقاليد الحكم
في تلك الدول.
أضف إلى ذلك فإن للشيشان امتدادات عرقية وقبلية في كل من سوريا
والأردن، وهي دول في مواجهة (إسرائيل) ، ولا يخفى ما لذلك من دلالات تتعلق
بما سيكون لإقامة دولة إسلامية في القوقاز من أثر على الصراع مع (إسرائيل) .
فإن كان اليهود والنصارى معنيين بأحداث الشيشان فلا بد للمسلم من باب
أوْلى أن يكون معنياً بها وأشد تفاعلاً معها.
ماذا يربطني بمسلمي الشيشان؟ !
لقد جعل الإسلام الأمة الإسلامية كياناً واحداً ولُحمة متصلة، قال تعالى:
[إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ][الحجرات: 10] ، وجعل لكل مسلم حقاً على أخيه المسلم
حيثما وجد، ف (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا
يحقره) [1]، وفي الصحيحين: (المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يخذله، ولا
يسلمه) [2] . وفيهما أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو
مظلوماً! قيل: يا رسول الله! أنصره مظلوماً؛ فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تمنعه
من الظلم فذلك نصرك إياه) [3] .
وأخرج الإمام أحمد من حديث سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (من أُذِلَّ عنده مؤمن فلم ينصره، وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على
رؤوس الأشهاد يوم القيامة) [4] وهو ضعيف لكن يشهد له حديث أنس رضي الله
عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نصر أخاه بظهر الغيب نصره
الله في الدنيا والآخرة) [5] وهو في صحيح الجامع الصغير.
إن ترابط المسلمين فيما بينهم كترابط أعضاء الجسد الواحد، ما أن يقع ضيم
أو تحل نازلة بأحدهم إلا كأنها أصابت جميع المسلمين، فيحنو بعضهم على بعض،
ويرحم بعضهم بعضاً، فيهبُّون هبة رجل واحد فزعةً [6] لبعضهم بعضاً ونصراً
لهم. وما لنا ألا يكون هذا حالنا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مثل المؤمنين
في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر
الجسد بالسهر والحمى) [7] ؟ وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون كرجل وا حد: إن اشتكى رأسه اشتكى كله، وإن اشتكى عينه اشتكى كله)[8] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه
بعضاً) [9] . ومن أجل هذا فقد ترتبت حقوق عظيمة لكل مسلم على إخوانه المسلمين أينما كانوا.
وها هم إخواننا في الشيشان قد داهمهم الروس وهم نصارى أرثوذكس من
البر والجو، مستخدمين جميع أنواع الأسلحة وأشدها تدميراً وأوسعها إهلاكاً،
فأحدثوا فيهم الفتك والقتل والهتك والتشريد.
إن ذلك كله يلهب شعور جميع المسلمين بقوة رابطتهم بمسلمي الشيشان
ويؤجج في نفوسهم ضرورة نصرتهم.
إن الرابطة التي تربط كل مسلم في أنحاء الأرض بمسلمي الشيشان هي
رابطة الدين، رابطة العقيدة، إنها رابطة الإسلام، تلك الرابطة لا تنفصم ولا
تنقطع ولا تهون، بل هي باقية إن شاء الله أبد الدهر إلى قيام الساعة.
نصرة الشيشان واجب شرعي:
قال تعالى: [وإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إلَاّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ] [الأنفال: 72] . وقال تعالى: [والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] [التوبة: 71]، وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ والْمُنَافِقِينَ
واغْلُظْ عَلَيْهِمْ] [الأنفال: 73]، وقال تعالى: [الْمُنَافِقُونَ والْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ
بَعْضٍ] [التوبة: 67] .
إن هذه الآيات تبين طبيعة المعركة ومعالم حدودها ومساحة حركتها. إنها
تقول: إن الواجب الشرعي هو تناصر المسلمين في كل أنحاء الأرض، وأن يتولى
بعضهم بعضاً؛ كما أن الكافرين والمنافقين يتولى بعضهم بعضاً.
فعلى كل مسلم أن يلبي دعوة إخوانه في الشيشان بنصرتهم، كلٌّ بما يستطيع؛ فمن استطاع الوصول إليهم ليقاتل معهم فليفعل، ومن استطاع نصرهم بالكلمة
قولاً أو كتابة عبر الكاسيت أو الفيديو أو الرائي أو الصحيفة، أو أي واسطة أخرى
فليفعل، ومن استطاع تمويلهم بماله الخاص أو بجمعه وإرساله إليهم فليفعل، ومن استطاع الدفاع عنهم بنشر قضيتهم بين الأمم فليفعل. ولا أقل من أن يشترك جميع المسلمين في كل الأرض في دعاء الله لينصرهم على أعدائهم الروس، ويصبِّرهم ويثبتهم ويرفع المحنة والشدة عنهم، وأن يتقبل شهداءهم ويشفي جرحاهم
ومرضاهم، وأن يجعل الدائرة لهم ويخرجهم من هذه المعركة الضروس مرتفعة بالإسلام رؤوسهم، نابضة بالذكر لله والثناء عليه قلوبهم، حامدة له وشاكرة ألسنتهم، ساجدة لجلاله جباههم.
وقد وقفت على فتوى عظيمة للعالم الشيخ الجليل عبد الله بن عبد الرحمن بن
جبرين أصدرها بتاريخ 16/7/1420هـ ذكر فيها أهمية مناصرة مسلمي الشيشان، وقال حفظه الله: يجب على المسلمين:
أولاً: الدعاء لإخوانهم في تلك البلاد بالنصر والتمكين والتأييد ورد كيد
الكائدين.
ثانياً: إمدادهم بالأسلحة والقوة الحسية التي يكافحون بها ويقاتلون من قاتلهم.
ثالثاً: تقويتهم بالأموال، فهم بأمسِّ الحاجة إلى القوت والغذاء والكسوة، وكل
ما يتقوُّون به
…
إلخ الفتوى.
هل أستطيع القيام بواجبي نحو الشيشان؟
نعم! أستطيع القيام بواجبي إزاء المسلمين في الشيشان؛ وذلك في إطار
مفهوم قوله تعالى: [أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ][البقرة: 286] ،
وفي إطار قوله تعالى: [وإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ]
[الأنفال: 72] .
وسأذكر هنا ما يمكن أن يقدمه المسلمون لمسلمي الشيشان؛ وكلٌّ يغرف من
ذلك بقدر مِغرفته:
1-
الدعاء لهم في صلاة الفريضة. والقنوت مشروع في الفرائض عند
حدوث النوازل. وكذلك الدعاء لهم في صلاة قيام الليل وصلوات السنن والنوافل
وخاصة في الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء.
2 -
تعريف المسلمين بقضيتهم من خلال خطب الجمعة والمنتديات ومجالس
البيوت، وعن طريق تداول أخبارهم في محيط الأسرة، وجعل ذلك مادة اهتمام
الأمهات والأبناء الأقارب.
3 -
استغلال الوسائل الإعلامية المتاحة لتعريف العالم بما يقع على مسلمي
الشيشان من ظلم وقهر واضطهاد وتقتيل وتشريد وتهجير وبطش من قِبَلِ الجحافل
الروسية الهمجية.
ومن أهم تلك الوسائل الإعلامية:
الصحافة، والإذاعة، والتلفزيون (سواء عبر القنوات العادية أو المحطات
الفضائية) والإنترنت. ومن خلال أشرطة الكاسيت والفيديو.
4-
طباعة كتيبات صغيرة تشرح مأساة إخواننا مسلمي الشيشان وتسلط
الأضواء على أبعادها الدينية والإنسانية والسياسية. ثم توزع هذه الكتيبات مجاناً في
أوسع نطاق بكافة اللغات العالمية المشهورة.
5-
الدعوة إلى التبرع لصالح مسلمي الشيشان بقصد تغطية احتياجاتهم
الجهادية والمدنية.
6-
إن الجهاد بالنفس في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام؛ فمن استطاع
الجهاد بنفسه في أراضي الشيشان فليفعل، ومن لم يستطع فليجهز من يستطيع ولا
يجد ما يعينه على ذلك؛ فإنه (مَنْ جَهَّزَ غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف
غازياً في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا) [10] ، وفي رواية عنه أخرجها ابن
ماجه بسند صحيح: (من جهَّز غازياً في سبيل الله كان له مثل أجره من غير أن
ينقص من أجر الغازي شيئاً) [11] .
7-
إمدادهم بالسلاح بكافة أنواعه المتاحة، وهذا الأمر وإن كان متعذراً على
الأفراد القيام به، فإن الحكومات في البلاد الإسلامية قادرة عليه لو أرادت.
8 -
الضغط على الحكومة الروسية بكافة الوسائل لحملها على إيقاف حربها
الهمجية إزاء الشيشان وعلى الانسحاب من الأراضي الشيشانية والاعتراف
بالشيشان دولة مستقلة وتعويضها عما ألحقته بها من خسائر فادحة في الأنفس
والأموال والممتلكات. ومن وسائل الضغط على الحكومة الروسية ما يلي:
1-
إرسال رسائل الشجب والاستنكار لأفعالها الشنيعة في الشيشان، ويتم ذلك
شعبياً من خلال إيصال تلك الرسائل إلى جميع السفارات الروسية في جميع أنحاء
العالم. على ما يقوم به الروس من ممارسات وحشية في الأراضي الشيشانية.
2-
الضغط على كافة دول العالم ومختلف المحافل الدولية لتقوم بواجبها في
الوقوف مع الشعب الشيشاني الذي يتعرض للإبادة الشاملة، ذلك بالضغط على
الحكومة الروسية بكافة السبل، والتأكيد على أن فارق القوة المادية بين الطرفين
يجعل أداة القمع والبطش من طرف واحد دون أن يكون للطرف الثاني إمكانية
المقاومة الفاعلة.
3 -
لا بد لدول العالم أن تقف موقفاً مع العدالة التي تقتضي الضغط على
الحكومة الروسية لمنح الشيشان استقلالها، هذا إن كان للعدالة معنى لدى تلك الدول!
4 -
إن من أمضى ما يمكن أن يحمل الروس على إعادة تقييم حملتهم الظالمة
على الشيشان هو استخدام أسلوب الضغط الاقتصادي وذلك بوقف المساعدات
الاقتصادية الدولية عنهم، وتجميد أرصدتهم في الخارج أو حجزها لإيفاء ما عليها
من ديون مستحقة، وبإيقاف استيراد الأسلحة منهم. وأما الضغط السياسي فبالتهديد
بتعليق العلاقات الدبلوماسية
معها أو بتخفيض درجتها أو بتقليل عدد العاملين في السفارات الروسية. إنني
أعلم تماماً أن هذه الدعوة قد لا تجد أي أذن صاغية، وذلك لخضوع العلاقات
الدولية عموماً إلى معادلة (الغاية تسوِّغ الواسطة) ، وأن المصالح الدولية مقدمة على
المصالح الإنسانية والمفاهيم
القيمية؛ إلا أنه لا بد من تسجيل هذه الدعوة لإقامة الحجة على جميع الذين
خذلوا مسلمي الشيشان وناصروا عدوهم الذي يفتك بهم.
ما هي أهداف احتلال الروس للشيشان ودوافعه؟
إن دوافع احتلال الروس لأراضي الشيشان متعددة الاتجاهات، ونجملها فيما
يلي:
1 -
لقد تعرض الروس إلى هزيمة قاسية على يد مسلمي الشيشان عام
1996م عندما قام الروس باجتياح أراضي الشيشان في ذلك العام واحتلوا العاصمة
غروزني ثم لم يُبقوا فيها حجراً على حجر. ولكن الله تعالى نصر مسلمي الشيشان
عليهم رغم فارق القوة الهائل عدداً وعدة. لقد مرَّغ المقاتلون الشيشان أنوف
العسكريين وسياسيي الكرملين في أوحال الذلة والصغار، وألحقوا بهم هزيمة
تاريخية وقف لها جميع العالم مدهوشاً. وإن من أهم أهداف هذه الحملة الروسية
الحالية على الشيشان هو رد اعتبار الكرملين على المستوى السياسي والعسكري،
والثأر من الهزيمة السابقة.
2 -
إن الحملة الروسية الحالية تشكل غطاءاً للتنافس السياسي بين مختلف
الفرقاء والفصائل والأحزاب الروسية للانتخابات القادمة للبرلمان ولرئاسة الدولة.
إن إصرار رئيس الوزراء الحالي بوتين ورئيس الدولة بالنيابة على متابعة حملة
الإبادة في الشيشان ما هو إلا ورقة قوية يمسك بها في يده لأجل انتخابه خلفاً ليلتسين. وكل فريق له حساباته؛ فالسياسيون لهم حساباتهم والعسكريون لهم حساباتهم،
والجميع يعتقد أن تحقيق حساباته بشكل إيجابي يمر عبر أراضي الشيشان تدميراً
وتقتيلاً وتهجيراً.
3 -
إن روسيا تريد إبقاء خضوع مناطق القوقاز لها وتحت سيادتها كيما
تتمكن من مواصلة سرقة خيراتها الوفيرة. سواء منها البترولية أو الزراعية الكثيرة
والمنوعة التي تشتهر بها حقول (غروزني) العاصمة [12] . إن إصرار روسيا
على خوض هذه الحرب الشيشانية يعكس مدى التدهور الاقتصادي الذي حل بها
والذي تريد تعويض بعضه من ثروات تلك البلاد الغنية.
4 -
إن الحكومة الروسية تريد من خلال حربها الشرسة في الشيشان إيصال
رسالة لكافة المناطق التي غالبيتها من المسلمين والتي تخضع للاستعمار الروسي
مفادها: أن الحكومة الروسية جادة في استخدام الحديد والنار لإبقاء تلك المناطق
الإسلامية تحت سطوتها واستعمارها.
5 -
إن روسيا من منظار صليبي أرثوذكسي بحت تعتقد أن المنظور البعيد
إذا كان يحمل في طياته قيام دولة إسلامية تجمع شتات المسلمين في تلك المناطق
الآسيوية، فإنه من الواجب إيقاف ذلك الاحتمال ابتداءاً من بواكيره وعدم الانتظار
إلى مستقبل الأيام؛ فلربما لا يمكن عندها فعل شيء ذي قيمة يوقف إمكانية ذلك
التوحيد؛ حيث إن روسيا ترى أن قيام مثل تلك الدولة يشكل خطراً بالغاً عليها. إن ذلك ربما كان صحيحاً إلا أن روسيا تريد أن تستعمل هذه الورقة وتسويقها داخلياً وخارجياً على أمل إقناع العالم بمسوغات الفظائع التي تقوم بها الآن.
6 -
إن للأعمال الحربية التي تقوم بها القوات الروسية حالياً في الشيشان
أهدافاً أخرى تتعلق بتجديد حيوية ذلك الجيش وتجريب أسلحته الجديدة السرية للتأكد
من كفاءتها؛ إضافة إلى اعتبار تلك الحرب نوعاً من التدريبات الحية والقاسية التي
يختبر القادة الروس من خلالها قدراتهم العسكرية والفنية وكفاءة خططهم الحربية.
7 -
لقد استطاع الغرب أن يحيِّد روسيا في حرب كوسوفا ولم تتمكن الحكومة
الروسية من نجدة حليفتها يوغسلافيا مما أفقد حلفاء روسيا الثقة بقدرتها على الوقوف
معهم حال الأزمات. إن الموقف الروسي الضعيف في حرب كوسوفا ترك انطباعاً
دولياً يوحي بالعجز الروسي عن التحرك في حال حدوث أزمات دولية. وتعتبر
الحكومة الروسية أنه قد
حان الوقت لتبديد هذه التصورات التي خلَّفتها حرب كوسوفا وذلك من خلال
إثبات قدراتها على التحرك العسكري على نطاق واسع. وكان غزوها الثاني
للشيشان تعبيراً عن هذه الفكرة إضافة إلى أنها قد ضمنت عدم تدخل حلف الأطلسي
في هذه الحرب، مثلما لم تتدخل روسيا عسكرياً في حرب البلقان، ولكن علينا أن
نلاحظ الفرق بين الحالتين.
تلك هي بعض أهم أهداف الغزو الروسي للشيشان، إلا أن المراقب المحايد
يستطيع القول بثقة: إن روسيا لن تُفلح في تحقيق أي من تلك الأهداف؛ حيث إن
معطيات الواقع تؤكد ذلك.
لماذا يقف العالم متفرجاً على أحداث الشيشان؟
لقد بات من نافلة القول أن جميع دول العالم تقيس كافة الأمور من منظور
مصالحها الخاصة، سواء كانت مصالح عقدية أو اقتصادية أو سياسية أو غير ذلك، أما القضايا الإنسانية فهي لا تعدو أن تتخذ أحياناً واجهات يُتترس بها للوصول إلى
تلك المصالح. ومن هذا المنطلق نفهم لماذا تكيل الدول والتحالفات مواقفها بمكاييل
متعددة قد يغلب عليها التناقض. وهاك هذه الأمثلة:
كوسوفا إقليم مسلم تحتله يوغسلافيا، وعندما تشكل فيه جيش تحرير كوسوفا
وبدأت فيه بوادر نزعة الاستقلال عن يوغسلافيا تدخل الغرب (أمريكا وحلفاؤها
الأوروبيون) لإجهاض هذه النزعة من خلال السيناريو الذي تم في ذلك الإقليم،
والذي انتهى ببقاء إقليم كوسوفا تابعاً ليوغسلافيا ضمن إطار الحكم الذاتي لكن تحت
مظلة استعمار دولي متعدد الجنسيات، بما فيها روسيا، ثم تم حلُّ جيش تحرير
كوسوفا، وهكذا بات من الصعب أو من المستحيل أن يفكر مسلمو ذلك الإقليم في
الاستقلال في ظل المعطيات القائمة.
تيمور الشرقية جزء لا يتجزأ من إندونيسيا، ومعظم سكانه من النصارى
الذين طالبوا بالاستقلال، فتدخلت الأمم المتحدة وأجرت استفتاءاً في الإقليم،
فصوَّتت الغالبية على الاستقلال. اجتمع مجلس الأمن وأعطى إنذاراً للقوات
الإندونيسية بالانسحاب من الإقليم خلال 48 ساعة، وهكذا حصل. وجاءت القوات
الدولية وتسلمت الإقليم وبقيت فيه لحمايته من أي احتمال للتدخل العسكري الإندونيسي في المستقبل.
ولتفويت هذا الاحتمال صوَّت البرلمان الإندونيسي على استقلال تيمور
الشرقية، لكن القوات الدولية ستبقى مرابطة فيه. فما مسوِّغ بقائها؟ !
والسؤال هو: لماذا لم يَدْعُ مجلس الأمن للاستفتاء على استقلال كوسوفا؟ ولو
تم ذلك وكانت النتيجة بالإيجاب فهل يفرض مجلس الأمن بالقوة ذلك الاستقلال؛
خاصة وقد أصبح ذلك الإقليم تحت احتلال القوات الدولية بعد انسحاب القوات
اليوغسلافية تماماً منه؟ السبب واضح؛ فانسحاب القوات الإندونيسية من تيمور
الشرقية يؤدي إلى قيام دولة نصرانية في ذلك الموقع المهم من العالم وهو مطلب
الغرب ومبتغاه، وأما انسحاب القوات اليوغسلافية من كوسوفا دون أن تحتله
القوات الدولية فسوف يؤدي إلى قيام دولة مسلمة في قلب أوروبا وهذا مرفوض
عندهم تماماً.
إذاً المصالح العقدية هي التي دعت الأمم المتحدة الخاضعة لليهود والنصارى
إلى مواقفها المتناقضة.
الشيشان جمهورية إسلامية فرضت استقلالها عن روسيا بعد أن هزمت
الجيش الروسي عام 1996م، ورغم ذلك رفض العالم الاعتراف بها، ولم يتعامل
معها؛ لأنها من وجهة نظره تابعة لروسيا. الآن تدخلت روسيا عسكرياً في هذه
الجمهورية المسلمة؛ فلماذا لا يتدخل مجلس الأمن كما تدخل في موضوع تيمور
الشرقية ويطلب إجراء استفتاء على الاستقلال، ثم يفرض ما تتضمنه نتيجة
الاستفتاء بالقوة من خلال قوات دولية؟ !
نعم! كان من الممكن أن يتم هذا فيما لو كان سكان جمهورية الشيشان
نصارى أو يهود. وقد فعلها الغرب عندما دعم استقلال أستونيا ولاتفيا وليتوانيا عن
الاتحاد السوفييتي؛ حيث إن سكانها نصارى.
وقد أشرت بالتفصيل لهذا الموضوع في كتابي: (انهيار الشيوعية) .
قد يقال: إن الغرب لا يستطيع التعامل مع روسيا وهي ثاني أعظم دولة
نووية في العالم كما يتعامل مع إندونيسيا أو يوغسلافيا؛ حيث إن موازين القوى لها
أثر في المواقف الدولية والعالمية! أقول: نعم! ولكن بإمكان أمريكا وحلفائها أن
يتخذوا إجراءات مؤثرة تؤدي إلى وقف الحملة الروسية على الشيشان، ولكن الواقع
أن تلك الدول تؤيد في الباطن تلك الحملة؛ إذ هي أيضاً تتخوف من استقلال
الشيشان تحت المظلة الإسلامية مع ما يعنيه ذلك من أثر هذا الاستقلال على باقي
الجمهوريات الإسلامية الأخرى الخاضعة للحكم الروسي، وقد فصلت ذلك سابقاً.
فلو كانت الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا جادة في وقف الحملة الروسية المدمرة
على أرض الشيشان وشعبها المسلم لكان بإمكانها أن تقوم بالإجراءات التالية:
1 -
وقف دعم صندوق النقد الدولي لروسيا والبالغ 4. 5 مليار دولار.
2 -
تطبيق عقوبات اقتصادية بحق روسيا.
2 -
تبني قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف التدخل الروسي في الشيشان
وسحب قواتها منها.
4 -
تقليص التبادل الدبلوماسي مع روسيا وتخفيضه.
5 -
شن حملة دولية لفضح الممارسات الروسية البشعة في الشيشان.
6 -
إيقاف تبادل الزيارات الثقافية والفنية والرياضية مع روسيا.
وهناك إجراءات أخرى قد تكون أكثر صرامة، ولكنها يمكن أن تؤدي إلى
توتر الموقف الدولي أو خروجه عن السيطرة.
إننا إلى الآن لم نرَ أي إجراء فعال قام به الغرب ضد روسيا بشأن تدخلها
السافر في الشيشان سوى بعض الاحتجاجات غير المؤثرة والتي تطلق عادة
للاستهلاك المحلي أو الدولي.
لكننا إن نكن نعجب فإننا نعجب من مواقف بعض الدول الإسلامية التي أيدت
التدخل الروسي في الشيشان إما بالقول والدعم الإعلامي، وإما بالسكوت عما
يحصل في تلك البلاد الإسلامية الشيشانية المغلوبة على أمرها. لقد كان بالإمكان
تقديم الدعم لدولة الشيشان المستقلة منذ عام 1996م بالاعتراف باستقلالها، ولكن
للأسف لم يتم شيء من ذلك،
فكأن شأن الشيشان مع الدول الإسلامية كشأن الطائر الذي يغرد في غير
سربه! !
وقبل أن أغادر هذه المحطة فإنني أتساءل: أين منظومة الأطباء بلا حدود
التي حصلت على جائزة نوبل؟ وأين الهلال الأحمر والصليب الأحمر وجمعيات
حقوق الإنسان؟ أقول: أين هؤلاء وأمثالهم مما يحدث في الشيشان؟ لماذا يقف
الجميع متفرجاً، بل بعضهم قد يكون مصفقاً؟ !
إن هذه المواقف السلبية تجاه مسلمي الشيشان تبين حقيقة الدوافع والمنطلقات
التي تنطلق منها تلك المنظمات، فهي إما نصرانية غربية، فموقفها معروف، وإما
منظمات إسلامية لكنها تدور في الفلك السياسي للأنظمة الساكتة. ونقول لهؤلاء:
إن لم تحرككم الدوافع الدينية الإسلامية فلا أقل من أن تحرككم الدوافع الإنسانية، أم
ترانا كما قال
القائل:
لقد أسمعتَ لو ناديت حيا
…
ولكن لا حياة لمن تنادي!
هل سينتصر الشيشانيون؟ !
إن قضية انتصار الشيشان تخضع إلى عوامل عدة، يمكن إجمالها في ثلاثة
هي:
1 -
العامل الذاتي.
2 -
العامل الروسي.
3 -
العامل الدولي.
فأما العامل الذاتي: فأساسه العقدي يعتمد على قدر الباعث الإسلامي في هذه
المواجهة. ولا شك أن الشيشانيين يعلمون أن المحور الحقيقي لهذه الحرب هو
المحور العقدي. فإذا أخلص الشيشانيون جهادهم لله تعالى وجعلوا قتالهم في سبيله
ولإعلاء كلمته وإعزاز دينه وتنفيذ شريعته فإن الله تعالى ناصرهم لا محالة؛ فهو
سبحانه القائل:
[إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ][محمد: 7] . والقائل: [وَكَانَ
حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ] [الروم: 47] . وكي يتحقق النصر لا بد من إخلاص
نية الجهاد لله تعالى والأخذ بالأسباب المادية المقدور عليها والاعتصام بالصبر مع
الثبات عند اللقاء.
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصَابِرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] . [آل عمران: 200] .
ولذلك نوصي بشدة أن تأتلف كلمة المقاتلين جميعاً من المنضوين تحت سلطة
الدولة الشيشانية أو الآخرين الذين مع شامل باسييف وخطَّاب، ولا بد أن تكون
قيادتهم موحدة وجهودهم متحدة.
ومن أهم ما نحث عليه بشدة هو أن تتوجه قلوب الشيشانيين إلى الله تعالى
وحده، فيبتهلون إليه ويكثرون من الدعاء مع الإلحاح على ربهم أن يتولى أمرهم
وأن يظهرهم على عدوهم اقتداءاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لربه
جل وعلا يوم بدر.
وأما العامل الروسي فيتشكل من عدة عناصر:
الصراع السياسي داخل الكرملين والبرلمان (الدوما) :
إن هذا الصراع لا يزال يزداد تأججاً يوماً بعد يوم؛ حيث إن يلتسين قد فقد
كثيراً من قدرته القيادية قبل تقديمه استقالته، وزمام الأمور ليس متركزاً في
شخصية بعينها، رغم أن فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الحالي ورئيس الدولة
بالنيابة هو الشخصية الطافية على السطح، إلا أن تحت الأكمة كثيراً من الخلافات
والاضطرابات. ولذلك فإن عدم وجود القيادة السياسية الحاسمة سينعكس سلباً على
توجيه دفة الحرب الشيشانية مما يعزز قدرات المجاهدين الشيشان على الصمود
والتحوُّل إلى الهجوم.
الصراع داخل المؤسسة العسكرية:
إن هذا الصراع محتدم بين مختلف القيادات المشاركة في الحرب الشيشانية؛
حيث إن المخططين العسكريين للعملية الشيشانية واقعون في ارتباك شديد بسبب
عدم قدرة القوات في الجبهات الأمامية على تنفيذ المهام الموكولة إليهم، مما أحدث
أزمة ثقة بين القيادات المخططة والقيادات المنفذة.
وستُظهر الأيام القادمة هذه الخلافات على السطح، وسيتبلور ذلك من خلال ما
سنراه من إحالة عدد كبير من كبار الجنرالات إلى التقاعد، أو ربما إحالتهم إلى
المحاكمة بسبب التقاعس أو الإهمال أو الهروب من ساحات المعارك.
ولا شك أن الخلافات داخل المؤسسة العسكرية الروسية يصب في النهاية في
صالح المجاهدين الشيشان.
الصراع بين المؤسستين السياسية والعسكرية:
إن هذا الصراع بدأ يحتدم منذ الآن؛ حيث إن المؤسسة السياسية قد لاحظت
أن الحسم في الشيشان لصالح روسيا ليس مؤكداً، إضافة إلى ظهور بوادر التراجع
في القرار السياسي، في حين أن المؤسسة العسكرية تصر على المضي قدماً في
حرب الشيشان إلى النهاية. والنهاية عندهم هي إعادة احتلال الشيشان والقضاء
على قياداتها السياسية والعسكرية، والإبادة الجماعية لشعبها المسلم.
وقد هدد كبار القادة العسكريين بما فيهم وزير الدفاع بالاستقالة إن تدخلت
القيادة السياسية لوقف القتال أو الحد من اندفاعه.
الجانب النفسي:
إن معنويات العسكريين الروس بدأت في التداعي بسبب شراسة المواجهة التي
يلاقونها من المجاهدين الشيشان، مما عرقل تماماً الخطط الموضوعة
لاحتلال تلك البلاد، خاصة أن الشتاء على الأبواب وأن بعض تشكيلات
الجيش الروسي من المتطوعين المرتزقة غير القادرين على الصمود والقتال لفترة
طويلة.
لقد اعتقدت القيادة الروسية بمؤسستيها السياسية والعسكرية أن حسم موضوع
الشيشان سيتم سريعاً جداً ولن يستغرق إلا بضعة أسابيع في أبعد التقديرات، ولكن
جاءت الوقائع على خلاف ذلك، وهذا الذي حدا بالقيادة العسكرية إلى تكثيف قصفها
بالطائرات وراجمات الصواريخ وقذائف المدفعية واستخدام أشد الأسلحة فتكاً، مع
توجيه كل ذلك إلى البنية التحتية الشيشانية وإلى جميع المدنيين العزل من السلاح
بغية ممارسة أشد أنواع الضغط على المجاهدين الشيشان كيما يلقوا سلاحهم حفاظاً
على استبقاء أهلهم وممتلكاتهم. إلا أن جميع هذه التقديرات الروسية ذهبت أدراج
الرياح، وأطاح بها صمود المجاهدين الشيشان وبسالتهم في القتال.
الجانب الاقتصادي:
إن روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وهي تعاني من أزمات اقتصادية
شديدة، مما أدى إلى إيقاف العمل في عدد من المشاريع الإنمائية وتأخر الحكومة عن دفع الرواتب سواءاً للموظفين المدنيين أو المجندين العسكريين.
إن الحرب الشيشانية لن تستطيع الحكومة الروسية الاستمرار في تمويل
تكاليفها، وستضطر إلى إيقاف الرواتب وكثير من مشاريعها الاقتصادية؛ فهي بين
فكي كماشة، فإما أن توقف هجومها على الشيشان، وإما أن تنزلق اقتصادياً إلى
قعر الهاوية، مما سيعزز دور المافيا وأعوانها، أو تعوِّم نفسها من خلال حصولها
على تمويلات سرية من الدول التي تهاجمها في العلن، وأقصد بها الدول الغربية
وأمريكا، أو تمويلات أخرى من (إسرائيل) .
الجانب الاجتماعي:
إن الجانب الاجتماعي سيتأثر بمجموعة عوامل من أهمها عاملان:
الأول: الأزمة الاقتصادية التي ذكرتها وهذه ستؤدي إلى حرب أهلية أو
اجتياح جماهيري لمؤسسات الدولة ودخول روسيا في فوضى عارمة لا يضبطها
ضابط.
الثاني: أن أسراب التوابيت للقتلى الروس في الجبهات القتالية ستنساح إلى
جميع المدن الروسية بدون استثناء، وسيكون همّ الجموع الجماهيرية في صبيحة
كل يوم هو استقبال توابييت جديدة والتي تحوي داخلها أشلاءاً ممزقة ستمزق
نفوسهم ثم تمزق دولتهم إن شاء الله تعالى.
إن هذه الحال ستؤدي إلى فقدان الآباء والأبناء والإخوة، مما سيفكك الأسر
الروسية ويبعثر اجتماعها ويرمي كل يوم إلى قارعة الطريق بأعداد غفيرة من
الأطفال الذين لا عائل لهم يكونون فيما بعد قنبلة اجتماعية موقوتة ستأتي لدى
انفجارها والذي سيكون قريباً جداً
إن شاء الله على الأخضر واليابس.
فخلاصة القول أن العامل الروسي يدفع روسيا إلى خسارة هذه الحرب ويقوي
من عوامل انتصار المجاهدين الشيشان. وهذا ما ستثبته الأيام بإذن الله، وإن كان
الثمن صعباً جداً.
وأما العامل الدولي: فإنه لا يصب الآن من الناحية الظاهرية في صالح
روسيا؛ حيث إن أنباء المذابح التي يقترفها الروس ضد الشيشان جماعياً قد ملأت
الآفاق وهذا قد دفع دول العالم أجمعين نحو زاوية حرجة، ومع تتالي الأيام
والأسابيع أصبح من المؤكد أن يقول العالم شيئاً مَّا بشأن تلك المذابح الهمجية.
واشرأبت أعناق دول العالم الثالث نحو أمريكا وأوروبا تنتظر منهم موقفاً كي يقوموا هم بدورهم بصياغة مواقفهم على أساس ذلك الموقف الغربي. ومن المفارقة أن يجتمع مجلس الأمن بأعضائه جميعاً ويطالب الطالْبان بتسليم رجل واحد هو (أسامة بن لادن) ولا يجتمع ليطالب روسيا برفع يدها عن قتل شعب بأكمله.
إننا لا نتوقع موقفاً حاسماً في إطار العامل الدولي، ولكن الدفة في هذا العامل
من حيث العموم تميل شيئاً ما لصالح الشيشان لا من حيث الحصول على الاستقلال، ولكن من حيث إيقاف المجازر البشعة التي تقترفها الجيوش الروسية الجرارة، أو
ربما مجرد الحد من تلك المجازر فقط لا غير.
الشيشان ومساءلة الآخرة:
(المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم)[13] . إن الدفاع عن
حرمات المسلمين والوقوف معهم في المحن واجب شرعي. ولا يجوز للمسلم أن
يسلم أخاه المسلم لأعدائه من الكفار والمنافقين. ونحن في موقف المساءلة يوم
القيامة سنُسأل: ماذا فعلنا لنصرة إخواننا مسلمي الشيشان عندما أهريقت دماؤهم
واستبيحت أعراضهم وأتلفت ممتلكاتهم وشردوا في
كل صقع ومزقوا شذر مذر؟
ماذا فعلنا لنصرتهم عندما أرهقهم الخوف وغطتهم الثلوج وأفناهم الجوع؟
ماذا فعلنا لنصرتهم وقد لفتهم الأحزان وتعالت منهم الآهات وتألمت لأجلهم
الآلام! !
ماذا فعلنا لنصرتهم وقد خرجوا من ديارهم هائمين على وجوههم لا يلوون
على شيء، يتساقطون على الطرقات موتى لا يجدون من يدفنهم؟ ! هل نصرناهم
بالأنفس؟ !
هل نصرناهم بالمال؟ ! هل نصرناهم بالدعاء؟ !
هل نصرناهم بالدفاع عنهم في المحافل داخلياً وخارجياً؟ !
هل حاولنا أن نستشعر في نفوسنا ما يشعرون هم به حقيقة وواقعاً؟ !
أين علماء أمة المليار مما يجري في بلاد الشيشان؟ !
صرخة مدوية أصرخ بها في آفاق كل العالم، لعل المسلمين يسمعونها: أن
هلموا لنجدة إخوانكم في الشيشان، وامتطوا صهوات التضحية والفداء.
إن هذه الأمة لا تحيا إلا بالجهاد، فعندما تركته ماتت أو أوشكت. إن المجد
لا يرتقيه الخائرون والمتقاعسون، بل يرتقيه المجاهدون والمضحون.
إن المسلم الحق له في قلبه عينان: عين على الدنيا، وعين على الآخرة؛
فكأنما يبصرهما جميعاً في آن واحد، فيجعل دنياه حرث آخرته.
فهل نجعل من نصرنا لإخواننا المسلمين في الشيشان وفي كل مكان زاداً لنا
عند لقاء ربنا؟ !
(1) رواه مسلم، ح/ 4650.
(2)
رواه البخاري، ح/ 6437.
(3)
رواه البخاري، ح/ 2263.
(4)
رواه أحمد، ح/ 16028، ورواه الطبراني في المعجم الكبير، ح/ 5554.
(5)
رواه البيهقي في السنن الكبرى، ح/ 16462.
(6)
فزعة: إغاثة.
(7)
رواه مسلم، ح/ 4685، 4686.
(8)
رواه مسلم، ح/ 4685، 4686.
(9)
رواه البخاري، ح/ 459.
(10)
رواه البخاري، ح/ 2631.
(11)
رواه ابن ماجة، ح/ 2749.
(12)
موسوعة العالم الإسلامي، 1 / 225.
(13)
رواه أبو داود والنسائي، ح/ 4665.
المسلمون والعالم
إفريقيا.. استقلال أم استغلال؟
الحسن عمر الفاروق جارا
النسبة الأعلى من الشعوب الإفريقية لم تتأثر بموجات الغزو الثقافي الأوربي،
ولا تزال تحمل حنيناً للإسلام 80% من دول إفريقيا تظهر في قائمة الدول الفقيرة
بالرغم من أنها من
أغنى القارات مؤتمر برلين الجائر زرع ألغام الحدود السياسية في إفريقيا منذ
قرن، ولا تزال تتفجر لليوم بين حين وآخر كان وجود الاستعمار بأجلى صوره،
وأقصى أنواعه الاستغلالية واتجاهه نحو تنصير شعوب القارة الإفريقية دافعاً بشكل
كبير لظهور الميول الاستقلالية لدى كثير من شعوبها، ومعها نشأت اتجاهات الكفاح
المسلح من أجل تقرير المصير.
ثم تطورت تلك الحركات من المراحل السلمية حيث استخدام الإعلام والمحافل
الدولية إلى العنف بعد إحكام السيطرة، واستخدام السلاح والقوة؛ فرصد الغرب
الاستعماري تلك الحركات، وتدارك الميول الجديدة في إفريقيا التي باتت هي
الاتجاه السائد، وبسبب التطورات التي حدثت في العالم، رأى الاستعمار أنه من
الأفضل لمصالحه أن يلتقي مع تلك الاتجاهات وهي لا تزال ضعيفة وفي بداياتها
غير المتطورة؛ بدلاً من أن يصطدم بها ويساعد بذلك على بلورتها في اتجاهات
خطيرة عليه في المستقبل، كخلق حالة من النهوض واليقظة، تتوسع لتشمل إفريقيا
كلها [1] .
بل أدرك الغرب عن كثب أن حالة كهذه لن يكون المرفوض فيها هو الوجود
الاستعماري فحسب؛ بل يقود ذلك إلى رفض أفكاره، وما تتضمنه من نظرة أداء
(رسالة الرجل الأبيض) في توعية الرجل الأسود وتحضيره (حسب زعمهم) والتي
معناها: النظر إلى المستعمرات على أنها أقاليم منتجة لصالح الرجل الأبيض، وقد
أوجدت تلك السياسة الاستعمارية ردود أفعال قسمت السكان في البلدان الإفريقية إلى
فئات ثلاث:
الفئة الأولى: وتضم جماهير كل الشعب من الذين وقفوا على الحياد بحكم
عوامل موضوعية أهمها: عدم القدرة على استيعاب حقيقة ما يجري حولها، وذلك
باعتبار أن الغالبية العظمى كانوا ولا يزالون في عداد الأميين.
الفئة الثانية: وهي التي قبلت فكرة الدمج وتحمست لها لأسباب مختلفة: إما
بفعل العامل الثقافي، أو نتيجة للسياسة التي ابتدعها الاستعمار؛ تطبيقاً للمبدأ
…
التقليدي: (فرّق تسد) ، كما نجد المثال على ذلك فيما عرف بنظام المناطق
…
الأربعة في السنغال، ويعني منح الجنسية الفرنسية بصورة تلقائية لكل من يولد في المدن الأربعة الآتية: سان لويس روفِسْك غوري داكار.
الفئة الثالثة: وتضم الثائرين بدوافع وطنية الذين رأوا في الاستعمار شراً
مستطيراً يجب محاربته، فوضعوا تصورهم موضع التنفيذ، ونظموا حركات
المقاومة المسلحة. وكانت المحصلة نمو الأفكار التي يسميها الإعلام الغربي بـ
(الأفكار المتطرفة) . وهذه الفئة هي التي جابهت الاستعمار منذ البداية، وسعت
جادة للحيلولة دون تحقيق التكالب الغربي، وعملت لتوحيد أبنائها، وإيجاد التغيير
الجذري لرفض ثقافة الغرب ونظرياته، ثم إخراجه، ولكن تم قمعها بشراسة من
المستعمر.
وقد مثلت تلك الحالة عملية انفصال عميق بينه وبين إفريقيا امتدت لأجل
طويل.
يضاف إلى ذلك وصول بعض الأفارقة إلى مستوى ثقافي عال، فتفتحت
عيونهم على الأوضاع في بلادهم، وانتبهوا إلى ضرورة أداء واجبهم نحوها، ثم
الاحتكاك الثقافي والحضاري بين الأفارقة وغيرهم أثناء الحروب التي فرضت
عليهم أن يشاركوا في تحمل ويلاتها دون أن يجنوا ثمار تلك التضحيات، إلا أنها
ساعدت على تبلور الوعي السياسي عندهم.
وأكثر من ذلك؛ فالمؤتمرات الإفريقية الآسيوية التي عقدت بعد الحرب
العالمية الثانية بالذات، والتي أظهرت لشعوب القارتين وحدة الأهداف ووحدة
المصير هذه العوامل ساهمت بشكل فعال وأيقظت روح التحرر والمقاومة والسعي
إلى تقرير المصير لدى الأفارقة؛ ولم يستطع الاستعمار إزاء ذلك أن يستمر في
فرض سيطرته على شعوب القارة ودولها، بل أيقن أن الاستقلال أصبح وشيكاً
وأكيداً بعد الحرب العالمية الثانية.
ففي عام (1957م) أصبحت (غانا) أول دولة مستعمرة في غرب إفريقيا
تحصل على استقلالها. ومنذ ذلك التاريخ وحتى عام (1975م) تم استقلال جميع
الدول المستعمرة في غرب إفريقيا وتحررت من السيطرة الأجنبية شكلياً؛ وبقيت
رهن إرادة سيطرة الأجنبي في مؤسساتها باستثناء عدد قليل نسبياً وسمي عام
(1975م) عام إفريقيا.
المشكلات الإفريقية:
يتضح أثر السياسات الاستعمارية فيما عانته ولا زالت تعانيه الدول الإفريقية
من مشكلات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية. وقد برزت مشكلات الحدود على
قمة المشكلات الإفريقية، وفيما يلي عرض لأهم هذه المشكلات:
1 -
مشكلات الحدود السياسية:
عندما نالت الدول الإفريقية استقلالها لم يكن أمامها مفر من أن تقبل بحقيقة
الحدود السياسية المصطنعة. وترجع هذه المشكلة إلى الأسس غير المنطقية التي
خططت على أساسها الحدود بين مناطق النفوذ الأوروبي في القارة؛ وفي الواقع
فإن دول غرب إفريقيا من أكثر دول القارة الإفريقية تأثراً بعملية التجزئة التي
اتبعتها القوى الاستعمارية الأوروبية في إفريقيا؛ حيث قامت بتقسيم القارة إلى
وحدات استعمارية متعددة تصل إلى إحدى وأربعين وحدة سياسية، وقد بدأت في
تقسيم تلك الوحدات نفسها على أسس عرقية وقبلية، وكان ذلك واضحاً تماماً في
غرب إفريقيا الفرنسية A. O. F منذ أن أصدرت فرنسا قانون عام
(1956م)(1)(Lois Cadre) ، الذي نص على اختيار (جمعية وطنية
إقليمية منتخبة)
…
مما ساعد على إيجاد سلسلة من الدول الضعيفة، بدلاً من توحيد
الإقليم في اتحاد فدرالي قوي قد يناوئ السياسة الفرنسية في المنطقة
…
ولم يكن من
المستبعد عودة القوى الإصلاحية التي تبدو غائبة عن الساحة، وعن مجريات
الأمور السياسية إن هي
أفسحت المجال لقيام مثل هذه الاتحادات
…
لذا ضغطت فرنسا على داهومي
(بنين حالياً) ، وبوركينا فاسو للانسحاب من الاتحاد الفيدرالي المشار إليه الذي كان
من شأنه أن يكلف فرنسا في المستقبل ثمناً باهظاً، وجاءت الوحدات السياسية مثقلة
بالمشاكل التي ستكلل مسيرتها وتتغير بسببها جهود التغيير والإصلاح؛ وتتضح هذه
الحقيقة أيضاً إذا نظرنا إلى هذه الوحدات نظرة فاحصة ثم إلى خريطة القارة قبل
عام (1884 1885م) فقد تم رسم هذه الحدود بشكل يتنافى تماماً مع الوضع
الطبيعي لأي تقسيم سياسي. فنجد مثلاً (غامبيا) التي رفضت سياسة الاستيعاب
تعتبر جزءاً من جمهورية (السنغال) فهي تقع في وسط السنغال. بجانب ذلك نجد
(توجو Togo لاند) ، وحدة اصطناعية، فأهلها يشبهون سكان البلاد المجاورة
(غانا بنين) ، وأقسامها الجغرافية هي أقسام جيرانها [2] فشعب (الأيوي مينا
Minai) الساحلي كان قبل التحرر موزعاً بين النفوذ البريطاني (غانا) ، وفي توجو
الفرنسية، وفي جزء من داهومي، مع فروق جوهرية في الخلفيات الحضارية،
وقد انتهى الأمر بعد عهد التحرر إلى تكوين جمهورية غانا، وجمهورية توجو،
وبنين. وإلى جانب هذا تكمن المشكلة القبلية في كثير من الوحدات السياسية،
(كالهوسا) في شمال نيجيريا؛ حيث ينتشر أفرادها بين نيجيريا والنيجر
والكاميرون.
ولقد برزت مشكلات الحدود بصورة واضحة فيما يلي:
نزاع دائم بين الكاميرون ونيجيريا على الحدود بسبب الخلاف على تحديد
مناطق التنقيب عن البترول.
مشكلات الحدود بين مالي، وبوركينا فاسو، (والجزائر، والنيجر، وليبيا)
التي أدت إلى الاقتتال بين مالي، وبوركينا فاسو عام 1983م.
مشكلة الحدود بين موريتانيا، والسنغال؛ حيث نشبت في نيسان (1989م)
مشكلة حادة بينهما، بدأت بأحداث بسيطة في المنطقة الجمركية على نهر السنغال،
وانتهت إلى اشتعال فتيل القتال بين الموريتانيين البيض، وأبناء الجالية السنغالية
في البلاد، وبين الزنوج (الموريتانيين السود) أنفسهم.
وستظل مشكلات الحدود الإفريقية هذه بشكلها الراهن إلى أجل يصعب التكهن
به، وهي من الآثار السياسية التي تعاني منها القارة منذ استقلالها إلى اليوم، وهي
ثمرة مؤتمر برلين الجائر (1884 - 1885م) .
2 -
مشكلات اقتصادية:
من المشكلات الحادة التي تواجه دول إفريقيا دون استثناء مشكلة التخلف
الاقتصادي منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن؛ إذ كان للاستعمار الغربي وخاصة
الفرنسي نفوذ واسع النطاق في مختلف بلدان القارة.
فقد خلفت السيطرة الاستعمارية بشكل عام وراءها أوضاعاً اقتصادية متخلفة
جعلت الدول الإفريقية تواجه صعوبات جمة في سبيل تنمية مواردها ورفع مستوى
معيشة شعوبها بمعدلات سريعة؛ ذلك لأن البنية التحتية للاقتصاديات الوطنية كان
قد تم اقتلاع أسسها، بالإضافة إلى نهب الموارد التي كانت ستمثل دعماً مهماً للنظم التي ستقوم مستقبلاً لبناء الاقتصاد الوطني بشكل قوي.
وقد أدى النمط الاقتصادي الذي أرسته فرنسا وإنجلترا في المنطقة إلى جعل
مستعمراتها مرتبطة بها على وجه الخصوص بروابط اقتصادية وثيقة من الصعب
التغلب عليها.
فبعد أن تم تقسيم إفريقيا لمناطق نفوذ بين الدول الأوروبية في مؤتمر برلين،
خرجت هذه الدول بعد عصر الاستعمار، وهي تعاني من نتائج السيطرة الأجنبية
على مواردها الاقتصادية، واستنزافها لصالح الدول المستعمرة، والتي تتمثل في
قلة الخبرة الفنية، وعدم توافر رؤوس الأموال الوطنية، وسوء استغلال الثروة
القومية، وارتباط الاقتصاد الإفريقي باقتصاديات الدول الاستعمارية، وقصور
وسائل النقل والمواصلات.
وبالرغم من أن القارة الإفريقية تعد من أغنى قارات العالم، بالنظر لثرواتها
الطبيعية وموارد القوى الموجودة فيها، إلا أن 80% من الدول الإفريقية تظهر في
ذيل القوائم العالمية الخاصة بثلاثة عشر مؤشراً للرفاهية الاجتماعية.
وقد قال الرئيس د. نكروما في كتابه: (الاستعمار الجديد La nouvélle
colonisation) (أرضنا غنية، ولكن منتجاتها التي تأتي من فوق تربتها ومن
تحتها لا تعمل على إثراء الإفريقيين أنفسهم، بل جماعات وأفراد آخرين يعملون
على أن تظل القارة في حالة فقر
…
) [3] .
وإذا دققنا النظر في الأوضاع الاقتصادية لهذه الدول نجد أن مشكلاتها تزداد
حدَّة بسبب محدودية الاستفادة من مواردها الطبيعية؛ فنجد أن ميراث الماضي ما
زال يؤثر على القاعدة الاقتصادية مما نتج عنه اقتصاد متخلف، ومستوى صناعي
وتكنولوجي متأخر.
هذا بالإضافة إلى نقص في البنية الأساسية، والخدمات الرئيسة، وصغر
حجم السوق المحلية. هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى الاعتماد الكبير على
الاستيراد؛ نظراً لمحدودية الإنتاج الصناعي في هذه الدول، وافتقارها إلى المهارة
الفنية التي تجعلها تحافظ على مقدرة فنية عالية، والاعتماد على رأس المال
الأجنبي، والتكنولوجيا الأجنبية.
إن ميراث العهد الاستعماري ميراث ثقيل على كاهل الدول الإفريقية المستقلة
بلا جدال، وسيبقى لفترة طويلة عاملاً مؤثراً في توجيه العلاقات الثقافية
والاجتماعية بين دول القارة، وتمكين القوى الخارجية من التدخل في قضايا المنطقة
الداخلية
…
وليس من شك كذلك في أن الدول الإفريقية ستحتاج إلى فترة طويلة
للتخلص بشكل نهائي أو جزئي من تلك التركة، لكن هذا العمل يبقى ضرورياً لكي تشهد القارة مستقبلاً ما يرشحها لأن تقوم بوظيفة جوهرية تتحقق فيه آمال وتطلعات شعوبها.
وإلى جانب التخلف الاقتصادي مثلاً ترى هناك جانب الاستقلال الوطني الذي
له ارتباط وثيق وصلة عميقة بمسيرة هذا التقدم الاقتصادي
…
فالباحثون في الشؤون الإفريقية يرون أن العبرة ليست في الواقع بإعلان
استقلال هذه البلاد، ورحيل المستعمر؛ بل بتصحيح العلاقات التي تربط المستعمر
السابق بالشعوب الإفريقية، هذه العلاقات التي جعلت هذه الشعوب أسواقاً للسلع
الأوروبية، وجعلت أوروبا السوق الوحيد لمنتجات هذه الشعوب وثرواتها
المعدنية [4] .
ولعل موازين مدفوعات، وإحصائيات التبادل التجاري في الدول الإفريقية توضح إلى أي مدى ارتبطت هذه الدول بالدول الأوروبية.
ولأن إفريقيا من أكثر القارات تأثراً بعملية التجزئة التي اتبعها المستعمر؛
حيث قام كما أسلفنا بتقسيم القارة إلى إحدى وأربعين وحدة سياسية، ثم قام بالتعاون
مع الفئات التي استلمت زمام الحكم في الدول المستقلة بعملية خطيرة قديماً وحديثاً
للحيلولة دون توحيدها
لتكوين وحدة سياسية واقتصادية.. هذه العملية نفذها الغرب عن وعي،
وتعاونت معه تلك الفئات الإفريقية في الغالب دون وعي، ويحاول الفكر الغربي
وأعوانه إعطاء هذا الوضع طابع التحرر والموقف الإنساني؛ وهو في الحقيقة أبعد
ما يكون عن ذلك؛ فهو صادر عن الموقف الاستعماري ذاته ولخدمة المصالح
الأنانية ذاتها
…
ولا يعدو هذا التسويغ أن يكون أسلوباً لمواجهة الظروف المستجدة
نحو الوحدة
…
وإلا فالاستعمار بقي كما هو ولم يتغير مضموناً.
وإن كانت الحاجة ملحة إلى إحداث تغيير شامل في الأوضاع القائمة في القارة
بدءاً بتحرير كل المنطقة من الهيمنة الخارجية التي اختلفت شكلاً عن الأسلوب
الاستعماري المباشر، واتفقت معه موضوعاً، فإن الضرورة تلح كذلك على أن يتم
تهيئة المناخ للإنسان الإفريقي، ليصبح قادراً على التخلص من السلبيات الاجتماعية
والاقتصادية والتعليمية التي تعاني منها الدول الإفريقية.
وإذا كانت معظم هذه الأمراض الفكرية والنفسية ترجع جذورها إلى الطريقة
الاستعمارية التي كانت تسعى إلى خلق مثل هذه العقلية في المنطقة، والتي تتجاوب
مع متطلبات بقائها في القارة؛ فإن هذا لا يدعونا إلى إلقاء التبعة على الماضي فقط،
…
ولن يعفى أبناء إفريقيا من المسؤولية.
وهذا التغيير لا يحدثه التعلم، ولا زيادة الدخل، أو الصحة، بل الأمر متعلق
بالسلوك والأخلاق، والشخصية الإنسانية من جميع النواحي في قرار المواطن؛
وليس هذا مستحيلاً في الحياة البشرية؛ فقد أحدث الإسلام ذلك في رعيله الأول،
حتى جمع الجباة أيام عمر بن عبد العزيز الزكاة والصدقة في إفريقيا ولم يجدوا من
يأخذها.
فالأوضاع السلبية المترسبة من آثار الاستعمار في إفريقيا الغربية تنتظر نفوساً
تؤمن بالمساواة وتنبذ القبلية والأنانية والطمع، وتأخذ بيد الجميع إلى السعادة
والرفاهية، في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية؛ لكن نجاح هذه العملية
المبدئية لن يتم إلا عندما توجد القيادة التي تمثل النموذج الذي ينظر إليه العامة،
فيعجبون به فيسيرون على خطاه.
3 -
مشكلات اجتماعية وسياسية:
إذا اتجهنا نحو القضايا والمشكلات الاجتماعية، وهي غالباً ما تكون مرتبطة
ارتباطاً وثيقاً بالقضايا والمشكلات الاقتصادية، وجدنا أن الأغلبية الساحقة من
الحكام الأفارقة تدرك حق الإدراك أنها عاجزة عن إحداث تغيير جوهري في
الظروف التي ما زالت مجتمعاتها فيها بعيدة عن إمكانية الاكتفاء الذاتي، كمشكلة
القضاء على الجوع، أو تقديم الخدمات الطبية والتعليمية الشاملة
…
إلخ، ناهيك
عن جملة قضايا البيئة، مما ينعكس سلباً على الأوضاع الاجتماعية في إفريقيا كلها.
والذي تجدر الإشارة إليه هنا أننا نرى أنه بالرغم من الأزمات الاقتصادية
الحادة التي تعاني منها الدول الإفريقية؛ فإنها تتمادى في اقتطاع مبالغ هائلة
للحصول على الأسلحة في حين تعمل الدول المتقدمة على تقليل نسبة الإنفاق على
التسلح وزيادة نسبة الإنفاق على نواحي الرفاهية الأخرى مثل الصحة والتعليم،
وليس أدل على ذلك من دولة عظمى مثل: الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت بتخفيض نسبة الإنفاق على التسلح ورفعت نسبة الإنفاق على التعليم والصحة؛ ففي خطة الموازنة لعام 1995م التي وضعتها إدارة الرئيس الأمريكي كلينتون تم تخفيض موازنة الدفاع بنسبة 3% عن موازنة عام 1994م بينما تم رفع موازنة التعليم بنسبة 5% وموازنة الأمن الاجتماعي بنسبة 5% [5] .
وإذا كانت الدول المتقدمة تعمل على تصريف هذه الأسلحة إلى الدول النامية
بأي ثمن كان؛ فمعظم أقطار دول غرب إفريقيا تغالي في تخصيص الإنفاق
الحكومي على الدفاع على حساب التزاماتها نحو رفع مستوى الخدمات الاجتماعية؛
فاقتطاع جزء من تلك النفقات يمكن أن يوجه لإنتاج الغذاء اللازم للسكان.
وقراءة سريعة للائحة المساعدات العسكرية الغربية للدول الإفريقية تجعل
الباحث يميل إلى ترجيح الرأي القائل بفساد الحكم والحكام، واختلاسهم لموازنات
الدول ووضعها في حساباتهم الخاصة في البنوك الأجنبية، سواء كان ذلك بإيعاز من
الخارج أو لقلة إدراكهم وشعورهم بالمصلحة العامة. وإن كان يصعب إثبات ذلك،
إلا أن ما يتم نشره من أرقام عن ثروة بعض الحكام بعد خروجهم من الحكم يرجح
هذا القول.
فالتحيز إلى جانب الإنفاق العسكري لا يمثل هذه المبالغ، ولا يمكن تسويغه
بحجة الحفاظ على الأرض؛ فالحفاظ على المجتمع مطلوب أيضاً ومن شأنه التقليل
من النفقات العسكرية لأداء خدمات الدولة الأخرى التي تعتبر ضرورية كالصحة
والتعليم
…
فالخطر الأكبر الذي يهدد العديد من هذه الدول اليوم لم يعد افتقارها إلى
الأمن الكافي (طبعاً باستثناء بعض دول المنطقة) ولا مواجهة عدو أو معتدٍ خارجي، ولا حتى القضاء على العناصر التي تزعم أنها تهدد الوحدة الوطنية أو أمن الدولة؛ بل إن أشد ما يهدد هذه الدول في المجال الاجتماعي هو المجاعة التي تنذر بإبادة
السكان.
وتزداد خطورة الوضع الاجتماعي خصوصاً في منطقة جنوب الصحراء؛
حيث تذكر الإحصاءات الصادرة عن البنك الدولي أن معدل نمو إجمالي
…
الناتج القومي للمنطقة في الفترة من: (1985 - 1990م) ، يتراوح ما بين (1% و1.1 %) ، وهو معدل منخفض للغاية، وعلى المدى الطويل فإن نصيب الفرد من إجمالي الناتج القومي لعام (2000م) ، سيقدر بـ (218 -311 دولاراً
…
سنوياً) ، بالنسبة لمعظم البلدان الإفريقية ذات الدخل المنخفض [6]، ويوضح الدكتور عصام الدين جلال انعكاسات هذا الوضع بأن هذه المنطقة تحتل مركزاً متأخراً في مجال التنمية التي هي إحدى ركائز التقدم الاجتماعي؛ يضاف إلى ذلك ثلاثة من المؤشرات الرئيسة للتنمية وهي: نصيب الفرد في إجمالي الناتج القومي معدل القراءة والكتابة ثم متوسط العمر المتوقع.
إن إفريقيا وهي تواجه مشكلة الجفاف المتزايد، تقف دولها اليوم عاجزة أمام
التزايد السكاني في القارة، وهي غير قادرة على توفير الطعام اللازم لمواطنيها،
بل إن التزايد السكاني يحد كل يوم من نصيب الفرد في الموارد الغذائية المتاحة،
فيؤدي ذلك إلى مزيد من التعقيد للمشكلات، كما يسهم عدم الاستقرار السياسي إلى
حد كبير في ازدياد مشكلات هذه الدول؛ فكثرة التغيير في أنظمة الحكم، وتوالي
الانقلابات العسكرية في القارة، لها عواقب وخيمة على الدول الإفريقية، خاصة أن
الحكومات الجديدة قلَّما تبذل جهداً كافياً من أجل التوفيق والمصالحة بين الأطراف
المتنازعة [7] ، بل ترفض الحل الوسط وكل
ما من شأنه أن يكون لصالح البلد؛ وهذا ما حدث في زائير مثلاً عام
1991، وتكرر في عام 1993م؛ إذ رفض الرئيس موبوتو (MOBOUTO)
الانصياع لإرادة الشعب وذلك بدعم من فرنسا وبلجيكا
…
وهي المشكلة عينها
القائمة في توجو في حكومة الرئيس أباديما نياسبي.
وهناك أيضاً مشكلة تدخُّل الحكام في تزوير أو إلغاء الانتخابات، كما جرى
في الانتخابات التي جرت في مالي (في مايو/ أيار 1992م) وفي توجو ونيجيريا.
ويجدر هنا أن نشير إلى ما تواجهه غالبية الدول الإفريقية من مشكلات عرقية
وقبلية، وقد برزت هذه المشكلات بشكل خاص في كل من سيراليون ونيجيريا.
4 -
مشكلات تعليمية:
الموضوع الذي يطرح نفسه دائماً وبإلحاح في عرضنا للمشكلات الإفريقية بعد
الاستقلال هو أن الأوضاع الإفريقية التي تشكلت بعد الانسحاب الاستعماري هي
نفسها الأوضاع الموجودة الآن كما أسلفنا.. ويتأكد هذا الواقع أكثر فأكثر في
المجالات التعليمية، والثقافية. فبعد أن تم التكالب والسيطرة الأوروبية على هذه
الدول كانت المحصلة النهائية هي فرض ثقافة موحدة على هذه الدول، شأنها في
ذلك شأن الأوضاع السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، وبالرغم من أن أثر هذا
الفرض ودرجته قد اختلفت من بلد إلى آخر، ومن نوع حكم استعماري لآخر؛ إلا
أن العناصر الأساسية بقيت قائمة ومنسجمة؛ ذلك أن تلك الدول تنهل من الحضارة
ذاتها، ومن معين الثقافة نفسها، ولكن الذي يجب ألا ننساه في الوقت ذاته تلك
المبالغات في تعميم تأثير تلك الثقافات على دنيا سكان القارة من بعض الكتاب في
الشؤون الإفريقية؛ فبالرغم من تطابق التجربة التي خاضتها المجتمعات الإفريقية
في كل مكان؛ يبقى تأثير الثقافات الأوروبية وأفكارها عشية الاستقلال مقصوراً
على جزء صغير من السكان في أي بلد، وهي المجموعة الصغيرة التي وجدت
هويتها مع القيم الثقافية للنظم الاستعمارية والتي تدّعي بأنها (النخبة التي قبلت
الإيديولوجية الغربية، واندمجت مع سياسة الاستيعاب) .
أما الجماهير الريفية والتي نكاد نجزم أنها مسلمة في أكثر المناطق فقد رفضت
الاستيعاب وقاومته، وهي تشكل (80%) من السكان الإفريقيين الذين لم تمسهم تلك
المؤثرات الغربية الأوروبية [8] .
فتأثير الثقافات الغربية الوافدة على مستوى القارة الإفريقية غير متوازن؛ فمن
البلدان من استجاب نسبياً لهذه الثقافات، ومنها من حاربها وقاومها مقاومة شديدة،
وفي شرق إفريقيا وغربها؛ حيث دخل الإسلام ولعب دوراً هاماً؛ إذ استطاع
المسلمون أن يغيروا الكثير من
المفاهيم القديمة لتحل محلها المفاهيم الإسلامية والقيم الروحية التي من شأنها
أن تسمو بالإنسان، وترفع من شأنه ومستواه في عدة مجالات؛ لذلك فإنه عندما
وفدت الثقافات الغربية، والتيارات الفكرية الأخرى لم يكن من السهل عليها أن تجد
الطريق ممهداً أمامها كي تؤثر على هؤلاء الذين عرفوا المنهج الإسلامي والتربية
الإسلامية الصحيحة، فقاوموا كل تيار وافدٍ عليهم، وظل الإسلام ينتشر في ربوع
القارة، ولكن ذلك لا يعني أن غيرهم لم يتأثروا بالأفكار الغربية وقيمها وثقافتها فيما
بعد بشكل مطلق؛ ذلك لأن المستعمر استعمل شتى الوسائل والطرق والأساليب
المتنوعة لفرض قيمه الثقافية والفكرية، ولم يجد المسلمون بُدّاً من التأثُّر بالواقع المفروض، فانخرطوا مع تلك القيم، وقبلوا الثقافة طوعاً أو كرهاً كأمر واقع، ولم يحسنوا التعامل معها فانعكست النتائج عليهم سلباً، وأثرت في سلوك كثير منهم من حيث الوعي، وما عادوا يحملون من الفكر الإسلامي الصحيح إلا قليلاً، وأصبح حالهم كحال غيرهم من مجتمعات دول العالم الإسلامي؛ وهذا الواقع يستلزم اتخاذ خطوات جادة ومدروسة.
(1) مقدمة في الصحافة الإفريقية عواطف عبد الرحمن سلسلة كتب إفريقيا ص 92 97.
(2)
راجع بنود ذلك القانون وتفاصيله في كتاب (إفريقيا فصول من الماضي والحاضر) ، لطاهر أحمد ص 200، 204.
(3)
إفريقيا والعلاقات الدولية، عبد العزيز رفاعي، ص 233 237، دار الثقافة بالقاهرة وانظر:(إفريقيا دراسة في شخصية القارة وشخصية الأقاليم) لمحمد عبد الغني سعودي.
(4)
(الاستعمار الجديد آخر الإمبريالية) لكوامي نكروما، ترجمة: عبد الحميد بدوي، القاهرة، دار القاهرة للطباعة والنشر 1966م، ص 15.
(5)
فهيئة الطاقة الذرية الفرنسية مثلاً تسيطر على معظم إنتاج (اليورانيوم) في النيجر؛ فعلى هذه الدول على الأقل تصحيح علاقاتها مع الدول الأوروبية؛ لأن قطعها في ناحية من النواحي يعني استعجال موتها وزوالها في ظل الأوضاع الدولية المتغيرة، وفي ظل الأنظمة السياسية القائمة فيها فعلى سبيل المثال يلاحظ مدى انخفاض المساعدات الأوروبية لهذه الدولة وتحويلها إلى أوروبا الشرقية، بل لم يكن أحد يتوقع تخلي فرنسا بهذه السرعة عن مجموعة منطقة (CAF) بعد ضغوط أمريكية متكررة، فانخفضت قيمة (السيفا) في 11 يناير 1993م ولا أحد يتكهّن بالإجراءات التي ستتبع هذا الانخفاض، ولا ماذا تنوي هذه الدول فعله إزاء اقتصادياتها مستقبلاً فالأوروبيون يؤكدون عزمهم على عدم تحمل أي مسؤولية تجاه هذه القارة واسترعى ذلك انتباه السيد ميشيل كمدسوس المدير العام لصندوق النقد الدولي وأكد بأن إفريقيا (قارة ضائعة) انظر: لوموند ديبلوماتك العدد 62H، مايو/أيار 1994م، السنة الثالثة ص 8.
(6)
The Washington Post ، February، 8، 4991، P 1.
(7)
عصام الدين جلال التنمية التكنولوجية كقاعدة أساسية للتحرر والأمن الإفريقي، السياسة الدولية، العدد 79 يناير 1985م، ص 96 عبد المنعم المشاط، دراسة أصول ظاهرة التخلف في العالم الإسلامي، السياسة الدولية، العدد 99 يناير 1990م، ص 640 وما بعدها.
(8)
ياني أويس، الأمن الإفريقي آثار القيود الاجتماعية والاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي، السياسة الدولية، العدد 79 يناير 1985، ص 89 90.
(9)
عاطف محمود عمر، العلاقات الثقافية بين مصر والدول الإفريقية، المرجع السابق، ص 13 14.