المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ولولا رهطك لرجمناك - مجلة البيان - جـ ٢٢

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ولولا رهطك لرجمناك

خواطر في الدعوة

‌ولولا رهطك لرجمناك

محمد العبدة

من المبادئ الأساسية في الدعوة الإسلامية التعاون والتناصر بين المؤمنين،

وتطبيق مبدأ الأخوة تطبيقاً عملياً، والابتعاد عن خلق التفاخر الجاهلي بالأنساب

والقبائل، هذا هو الأصل ولكن قد تأتى النصرة والمساعدة الفردية من القريب أو

العشيرة أو من صديق الدراسة، لا من قبيل التدين والأخوة الإسلامية، ولكن

عصبية نسبية، وأريحية ونخوة، فهل يرفض المسلم هذا التأييد، خاصة إذا كان

في مرحلة الضعف، مع أنه لا يتنازل عن شيء من دينه أو عقيدته، ولا هم

يساومونه أو يطلبون منه المداهنة.

إن بعضاً من الشباب المسلم ولحساسية هذا الموضوع، ولقلة فقههم في أصول

الدعوة يرفضون مثل هذه المساعدة والتأييد، ولكنهم لو تدبروا القرآن لوجدوا أنه

ذكر قصص الأنبياء وكيف امتنعوا بأقوامهم أو قبائلهم عصبية من أذى الكفار، قال

تعالى حاكياً عن شعيب عليه السلام وقومه: [قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا

تَقُولُ وإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ومَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ] [هود:

91] .

فهذه الآية تنبئنا أن الكفار لم يستطيعوا الوصول إلى شعيب بالأذى، خوفاً من

قبيلته.

وكذلك ذكر تعالى في صالح وقومه: [قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ

لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإنَّا لَصَادِقُونَ] [النمل: 49] فهم يخافون من

أولياء صالح عليه السلام (عشيرته الأقربين) ولو فعلوا به سوءاً لفعلوه سراً،

ولحلفوا لهم أنهم ما فعلوا شيئاً، وقال تعالى مخاطباً نبينا عليه الصلاة والسلام:[ألم يجدك يتيما فآوى] أي آواك إلى عمك أبي طالب، قال الشيخ الشنقيطي معلقاً

على هذه الآيات: وهو دليل على أن المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة

قريبه الكافر، ولهذا لما كان نبي الله لوط عليه السلام ليس له عصبة ظهر هذا فيهم

لقوله تعالى: [قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ][هود: 80] ولما ناصر بنو المطلب بن عبد مناف بنى هاشم ولم يناصرهم بنو عبد شمس عرف النبي صلى الله عليه وسلم لبنى المطلب تلك المناصرة التي هي عصبية النسب، لا صلة لها بالدين فأعطاهم من خمس الغنيمة مع بنى هاشم وقال:«إنا وبنى المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام» ومنع بني عبد شمس وبني نوفل مع أن الجميع أولاد عبد مناف (أضواء البيان 3/41) .

هناك فرق بين الموالاة والمداهنة، وبين أن يعرض قريب أو صديق خدماته

ومساعدته لمسلم ويستفيد المسلم من هذا لدفع ظلم أو تخفيف ضرر، ويبقى الأصل

هو عدم موالاة الكفار وزجر أهل الفسوق والبدع، وكل هذا يحتاج لفقه في الدعوة

واستقامة على الطريق.

ص: 24

صورة الثورة الفرنسية في تطبيقاتها العربية

د. مصطفى السيد

أمة الصحراء يا شعب الخلود

من سواكم حلّ أغلال الورى؟

أي داع قبلكم في ذا الوجود

صاح لا كسرى هنا لا قيصرا؟ !

من سواكم في حديث أو قديم

أطلع القرآن صبحاً للرشاد؟

هاتفاً في مسمع الكون العظيم

ليس غير الله رباً للعباد

بين تأليه الشعوب بجعلها مصدراً للتشريع، أو تأليه الفرد وتأليه الفكر في

غاب الضلال يظل الإسلام فرصة البشر الوحيدة في الخروج من المآزق المعنوية

والمادية، وأبيات (إقبال) التي صدر بها المقال تفسير لقول الله عز وجل [قُلْ إنَّ

هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدَى] كما تحدد بوضوح: أن لا دور إلا للإسلام، ولا بديل عن

الإسلام إلا الإسلام.

أقول ذلك، وقد بلغ صخب التنافس والتسابق على الإشادة والإشارة إلى

منجزات الثورة الفرنسية 1898م بلغ هذا التنافس ذروته، ولم ينكد على فرنسا

فرحتها، ويفسد عليها بهجتها سوى جارتها في الجغرافيا وشريكتها في التاريخ

(بريطانيا) التي امتلكت من الشجاعة ما افتقدتها الوفود العربية الإسلامية التي راحت

ترتجل معلقات الإطراء والمدح لهذه الثورة ودورها [*] .

مميزات الثورة الفرنسية، موجودة في بريطانيا قبل الثورة الفرنسية، ودموية

الثورة موثقة ومخلدة برائعة القاص الإنجليزي تشارلز ديكنز (قصة مدينتين) التي

صدرت عام 1850 م وقد حملت تاتشر نسخة من الكتاب هدية منها للرئيس ميتران.

أمر لافت للنظر أن تستحضر المرأة الإنجليزية تراثها أمام برج إيفل وفى

قاعات الإليزيه، ولكن النظر ينقلب حسيراً أن نجد رجالات العرب المسلمين لا

يحضرهم شيء عن الإسلام صاحب الدعوة العملية ليس لحقوق الإنسان فقط بل

لحقوق الحيوان «أإن لنا في البهائم لأجراً؟ فيجيب الرسول الكريم -صلى الله

عليه وسلم-: (في كل ذات كبد رطبة أجر) عليك الصلاة والسلام يا رسول الله

وأنت تخاطب (أُحُد) » هذا أحد جبل يحبنا ونحبه «.

هذه العاطفة التي تمتد إلى الجلاميد الصلاد هل يمكن أن يسبقها شيء في

الحقوق بكل صورها؟ .

ويقف رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي، لا تقرباً إلى لجان

حقوق الإنسان بل ليكون وقوفه -والله أعلم- سنة ماضية لا تظاهرة إعلامية.

وإذا كانت مبادئ الثورة الفرنسية (المقدسة) هي التي تحكم أوربا في مطالع

القرن العشرين فلنر ثمرة ذلك.

يقول البير كامي 1913-1960 الحائز على جائزة نوبل والذي يعد فكراً

وشخصية، جزائرياً بحسب المولد والنشأة، وفرنسياً بحسب الثقافة والانتماء،

يقول: (إن سبعين مليون أوربي بين رجل وامرأة وطفل قد اقتلعوا أو نفوا أو قتلوا

خلال خمسة وعشرين عاماً بين1922-1947) [1] .

أما ضحايا هذه الثورة عشية ظهورها فبلغت كما يذكر فيليب دوفاليه مؤرخ

فرنسي معروف أربع مائة ألف مواطن في غرب فرنسا وحدها، وفى مصدر آخر

أن هذه المذابح الثورية (أتت على سبع سكان فرنسا) ، لقد قال أحد كبار الكتاب في

الغرب (بيتر فايس) : (وضعنا ماكينة الثورة، لكننا لا نزال نجهل طريقة استعمالها)

وأنا لا أدري إن كانت هناك ثورة حديثة قد تجاوزت هذا القول.

أما فكر الثورة الفرنسية - ونحن لا نزال في دائرة المراجع الفرنسية - فهو

تأليه العقل [2] .

وفى المصادر الغربية يقولون عن الثورة الفرنسية: (نصبت العقل معبوداً

تقدم له القرابين وتقام له الشعائر) [3] .

ولم يكن الغرب مجمعاً على تقديس هذه الثورة، فأهالي (فرساي) خذلوا كل

توسلات ميتران للمشاركة في احتفالات الثورة، ونفر من شباب جامعة السوربون

اقترحوا إقامة نافورة في ذكرى الثورة ترش الناس بالماء وان يكتب عليها شعار

الثورة معكوساً: غباء - حماقة - وحشية، وعلى غلاف (نيوزويك) الأمريكية 20

فبراير الماضي 1989 مقصلة وجسم ممدود ورأس مقطوع والعنوان: مراجعة

الثورة الفرنسية.

وإذا كان كلام الساسة المسلمين الذين شاركوا في أعراس باريس بمناسبة

مرور قرنين على الثورة الفرنسية في أواخر يوليو تموز 1989 والذين لهم قرص

في كل عرس، إذا كان كلام هؤلاء يصنف عادة أنه كلام بروتوكولي فالعجب

العجاب يتأتى من كهنة الثقافة عندنا الذين يعدون بداية وجودنا وميلادنا الإنساني يوم

دخلت خيول هذه الثورة مصر 1213- 1215هـ-1798-1801م إن هذا الوجه

الخادع للثورة الفرنسية جعل قطباً من أقطاب التاريخ المصري ينشد في بداية كفاحه

الوطني 1895: وهو مصطفى كامل ينشد ابتغاء الغوث من هذه الثورة:

أفرنسا يا من رفعت البلايا

عن شعوب تهزها ذكراك

انصري مصر، إن مصر بسوء

واحفظي النيل من مهاوي الهلاك

وانشري في الورى الحقائق حتى

تجتلى الخير أمة تهواك [4]

إن هؤلاء جميعاً من المبهورين بالثورة الفرنسية ينطبق عليهم قول جومار

المشرف على بعثة الطهطاوي ورفاقه: (يظهر من فحوى كتاباتهم أنهم قبل أن

يكتبوا يفكرون بعقل فرنسي لا بعقل عربي) [5] .

إن هؤلاء جميعاً يعدون (محمد علي) 1182-1265هـ الأب الروحي للدولة

العربية الحديثة الوليدة العربية للثورة الفرنسية، وإن رفاعة الطهطاوي الذي ولد في

العام الذي انسحب فيه الفرنسيون من مصر 1801-1873 هو المنظر الثقافي

الأبرز لهذه الدولة ولتلك المرحلة.

وإن كان جمهور الكهنة في معابد الثقافة الهلنستية والغربية لا يزالون في

حالة استغراق تام وهم يرتلون أسفار الثورة الفرنسية، فإن نفراً من الباحثين قد أخذ

يقرأ هذه الثورة بعقل سليم معلنين أنها باتت من النفايات التاريخية وقد آن الأوان

للدخول في مناقصة بيعها وتصفية ملحقاتها من علمانية وحقوق إنسان الخ الأطر

الجميلة لمضامين فارغة.

إن الحملة الفرنسية على مصر قد نبهت مصر إلى تاريخها الفرعوني للالتفاف

على التاريخ الإسلامي، إن صورة فرعون الديكتاتور في القرآن كافية لمن ألقى

السمع وهو شهيد.

إن الحملة الفرنسية قد اصطحبت معها أكثر من (300) امرأة سافرة وكن

أزواجا أو خليلات للجنود وكن معرضاً أو نموذجاً لما تريده الثورة الفرنسية للمرأة

المسلمة في مصر وهو أن تحاكي هذه النماذج الهابطة الساقطة [6] .

إن نابليون عمل من خلال المجلس الذي شكله لحكم مصر على نسف آيات

المواريث التي تميز الرجال عن النساء [7] ، وذلك كله كان الأرضية التي انطلق

منها دعاة تحرير المرأة، ولقد كان الطهطاوي هو الجسر الأكبر الذي عبرت من

فوقه أفكار الثورة الفرنسية.

والحق أن قراءة إسلامية لجهود الطهطاوي الفكرية باتت أمراً ملحاً لعدة

أسباب:

* الثناء المطلق على الطهطاوي داعية ودعوة لدى كل حديث عن جذور

النهضة ومن مختلف المنابر والمواقع الثقافية إلا من عصم ربك.

* أثر الطهطاوية في الحكم والحكومات العربية الحديثة والمعاصرة لأنه كان

الجسر بين العرب والثورة الفرنسية، والانطلاق من دعوته وتجربته لتدعيم وترميم

كل جسور التقارب مع الغرب.

*دعوته نقض وإجهاض لدور الشريعة وإلا فبم نفسر كونه (أول من كتب

للمصريين في المباحث الدستورية، وعرب دستور فرنسا في ذلك الحين) ؟ [8] .

تترس العلمانيون واليساريون والتلفيقيون خلف الطهطاوية ليحتسبوا على

الإسلام سيئات الحكم في العالم الإسلامي في كل الأعصر، إرجافاً لإبعاد الإسلام

عن قيادة الحياة والمجتمع.

ترتب على مشروع محمد علي - والذي نفذه فكرياً الطهطاوي - انكماش

وتهميش لدور الأزهر التاريخي وذلك لصالح المدارس والبعثات التي شكلت العمود

الفقري للبنيان الثقافي الجديد، وألحق العلماء بهذا المشروع الجديد [9] .

وإذا كانت إقامة رفاعة في فرنسا التي بدأت عام 1826 قد وضعته بصورة

نهائية وتامة في صف المبهورين والمحامين عن فكر الثورة الفرنسية فإن ذلك ما

كان ليتم لولا جهود شيخه شيخ الأزهر حسن العطار أيامئذ، هذا الشيخ (الذي فر

إلى الشام عشية دخول الفرنسيين مصر ثم عاد ليلتقي معهم ويتصالح مع الحضارة

الغربية بل يتجاوز ذلك ليعجب بالفرنسيات ويتغزل بهن وهذا ليس كلام الدوائر

الإسلامية بل سطره رأس من رؤوس الحداثيين في مصر صلاح عبد الصبور في

كتابه (قصة الضمير المصري الحديث) ص 23 - 24، ولو قال غير عبد الصبور

هذا الكلام لنبز بالعري من الوعي وألبس حلة التطرف وكسوة التعصب. وهكذا

(كانت استجابة الطهطاوي الكاملة لما قدم له في فرنسا من أطعمة فكرية ومعتقدية) .

(لقد صرعت العلمية الغربية الطهطاوي عالماً وعاملاً، وأجبرته على أن يدفع ثمن

حضوره على مسرح الفكر الحديث، انقطاعاً كاملاً عن دورة الاجتماع الإسلامي

الداخلية، ولم يزوده هذا الحضور إلا بما يحتاجه في إطار الموقع الذي يحتله في

أجهزة التجربة التحديثية لمحمد علي، لم يكن مؤسساً لها، بل ملتحقاً بها على سبيل

التبعية الشاملة، ولم يكن الطهطاوي أزهرياً متنوراً يواجه التجربة الأوربية عن

قاعدة المكانة التاريخية للأزهر بل كان نتاج انهيار الدور التاريخي لهذه المؤسسة

والتحاق أفراد محددين بالسلطة الناشئة (سلطة محمد علي) فالطهطاوي لم يكن

أزهرياً متنوراً بقدر ما كان تعبيراً أزهرياً هامشياً لمشروع التحديث الناشئ على

أنقاض مؤسسة الأزهر التاريخية) [10] .

إننا نتساءل لماذا أهمل دور الجهاد والقتال من قبل الشعب المصري ضد

الحملة الفرنسية؟ ولماذا أغفل رفض قطاعات كثيرة من الشعب للتفرنس بكل

صوره؟ ..

ولماذا كان البحث عن أسباب القوة خارج حدود المجتمع الإسلامي؟ وبالتالي

لماذا لم يبحث الطهطاوي عن مصادر القوة داخل بنيان المجتمع الإسلامي وداخل

الخزين الفقهي والمخزون الفكري الإسلامي؟ .

ألم تكن سياسة الهروب هذه تكملة وتتويجاً لحالة هروب وانقطاع تاريخيين

للسلطة في العالم الإسلامي عن النموذج النبوي التاريخي من جهة، واستمراريته

المتحققة في تيارات الأمة القاعدية في المرحلة التي تلت انقطاع رأس الهرم

السياسي والفقهي الإسلامي عن النموذج النبوي الشريف) [11] .

وإذا انطلت على الأذهان أكذوبة التحديث وأصالتها وفائدتها المحققة فإننا

نتساءل عن ثمرتها على الأرض هل كانت في هيمنة بريطانيا على مصر (المحدَّثة)

لعشرات السنين؟ .

ولا بأس أن نثبت هنا ما قاله فهمي هويدي: (إن المصريين دفعوا كل فواتير

التحديث وضرائب التغريب كاملة دون أن يجنوا من ذلك ثمرة تذكر) [12] .

ويقول لويس عوض مقوِّماً رجالات عهد التحديث قديماً وحديثاً:

(السادات وأبناء محمد علي فصيل واحد في الفساد، وهذان العصران من

أسوأ عصور مصر، وعندما نتتبع العصرين سنجد أن التاريخ يعيد نفسه في الفساد

والنهب وفتح البلاد على مصراعيها أمام القوى الخارجية) [13][**] .

لقد انفتحت اليابان على الغرب، محتفظة بكل مقوماتها الذاتية واعتزازها

بروحها ولغتها، فأخذت دون أن تدفع ضريبة معنوية، أما الانفتاح الطهطاوي فلم

يبق ديناً، ولم يأت بدنيا.

(*) - لا غرابة في ذلك فموقف بريطانيا هو موقف الند للند أما مواقف الآخرين فهي مواقف العبد أمام السيد، وقد يظفر العبد بالعتق الجسدي أما العتق النفسي فيحتاج إلى زمن طويل حتى يكون، وقد لا يحصل أبداً التحرير.

(1)

السير كامو: تأليف جرمين بري، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا [ص 13] .

(2)

المصدر السابق / 243.

(3)

قصة الضمير المصري الحديث: صلاح عبد الصبور.

(4)

المصدر السابق / 243.

(5)

البعثات العلمية في عهد محمد علي ثم في عهد عباس الأول وسعيد: عمر طوسون.

(6)

دراسات في تاريخ مصر الحديث / 94 د عمر عبد العزيز.

(7)

المصدر السابق /187، وكان اسم المجلس (فرمان الشروط) والذي وصم كل أعضائه من المصريين بالخيانة بعد رحيل نابليون.

(8)

في الأدب الحديث، عمر الدسوقي / 26.

(9)

مجلة الفكر العربي، بيروت، عدد 45، من مقال من أكمل ما قرأت في تحليل دور الطهطاوي د حسن الضيقة بعنوان (الطهطاوي وعقيدة التحديث) .

(10)

من مقال: د الضيقة.

(11)

المصدر السابق.

(12)

الأهرام، رمضان 26 منه 1409 هـ.

(13)

مجلة الشراع، عدد 369.

(**) ويلاحظ القارئ كيف استثنى لويس عوض عصر عبد الناصر من عصور الفساد ولو أنه لم يفعل لقلنا: (صدقنا وهو كذوب) ! ولويس عوض هو لويس عوض، وهل من عاقل ينتظر صدقاً منه ومن مدرسته؟ ! والعصر المستثنى (وهو حلقة في سلسلة) هو العصر الذي صنع لويس عوض، وسلطه ليفسد في الفكر، ويخرب في الثقافة، فكيف لا يستثنيه؟ ! .

ص: 26

أغير الله اتخذ ولياً

محمد صالح المنجد

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فولاية المسلم لربه هي مسألة المسائل وأصل الأصول التي تتشعب عنها

التصورات، وتنطلق منها المواقف.

وتزداد الحاجة للتركيز على هذا الأصل في غمرة الخلط الحاصل اليوم في

ولاءات المسلمين، وفي غيابة فقدان هذا الأصل عند من أمسكوا بشيء من الأزمة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

وهذا مقام مسافر فيه عرض لبعض مقتضيات هذه المسألة:

1 -

إفراد الله بالولاية:

ويدل عليه قوله تعالى: [قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ ولِياً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ] ويربي القرآن المسلم على تحديد هذا الأمر بينه وبين نفسه وأمام الآخرين

بوضوح وجلاء.

[إنَّ ولِيِّيَ اللَّهُ الَذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ][الأعراف: 196] .

وولاية المسلم للرسل وللمؤمنين نابعة من هذه الولاية وهذه الولاية متبادلة بين

العبد وربه، ولاء العبد لله وتولى الله لعبده؛ [اللَّهُ ولِيُّ الَذِينَ آمَنُوا] .

إذن فولاء المسلم لا يصح أن يتجزأ شيء لله وشيء لغير الله.

2 -

إفراد الله بالعبادة:

[قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ] . والانصهار فيها حتى يصل العبد إلى الدرجة المبينة في حديث «. فإذا أحببته

كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي

يمشى بها.. [

3-

توحيد مصدر التلقي:

عن الله وحده الذي يقول:] وأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ. [ويقول محذراً:] اتَّبِعُوا

مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ. [فمصدر التلقي إذن هو

الوحي فقط وليس القوانين الكافرة أو عادات القبائل أو أعراف المجتمعات أو بيوت

الأزياء. وحق التحليل والتحريم لله وحده وليس لأحد بعده سبحانه.

4 -

التحاكم إلى الله وحده:

القاعدة:] إنِ الحُكْمُ إلَاّ لِلَّهِ. [والاستفهام القرآني قوي إنكاري] أَفَغَيْرَ اللَّهِ

أَبْتَغِي حَكَماً [والقرآن يحدد موقف المخالفين لهذه المسألة في آية] يُرِيدُونَ أَن

يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ. [فكيف إذاً صار المبدأ عند

البعض الاعتراض على أحكام الله؟ وكيف إذا آل أمر الآخرين إلى أن كرهوا ما

أنزل الله، فأحبط أعمالهم؟ !

5-

توحيد الانتماء إلى حزب الله (أهل السنة والجماعة) :

قال ابن القيم رحمه الله: (ومن صفات هؤلاء الغرباء التمسك بالسنة إذا

رغب عنها الناس، وترك ما أحدثوه، وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد

التوحيد وإن أنكر ذلك اكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله: لا

شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله

بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون

على الجمر حقاً، وأكثر الناس - بل كلهم - لائم لهم) .

وتوحيد هذا الانتماء يفيد كثيرا في تجميع الجهود وتوجيهها؛ لرفع شأن أهل

الحق وصد كيد أهل الباطل.

6 -

استبدال ولاية الله بالولاءات الجاهلية:

كثيرون أولئك الذين لا يزالون يمتون بصلات وولاءات لأعداء الله بشكل

جزئي أو كلي، قد يأخذ صوراً مادية أو معنوية. على هؤلاء إن أرادوا النجاة من

نار جهنم أن يستدبروا أهل الباطل ويولوا وجوههم لأهل الحق، وتبني دين الله عز

وجل، وأن يقوم العزم في أنفسهم على عدم وصل حبال الكفار مرة أخر ى.

كانت الولاءات في الجاهلية تتعدد بتعدد القبائل والعصبيات فلما جاء الإسلام

أزالها وأبدلها بولاية الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً كل

الحرص على عدم تجديد وإحياء شعارات الجاهلية وولاءاتها في نفوس المسلمين.

روى البخاري رحمه الله تعالى تحت باب: ما ينهى من دعوى الجاهلية: عن

جابر رضى الله عنه قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه

ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعّاب (يلعب بالحراب)

فكسع أنصارياً، فغضب الأنصاري غضباً شديداً، حتى تداعوا، وقال الأنصاري:

يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم

فقال:» ما بال دعوى أهل الجاهلية، ثم قال: دعوها فإنها خبيثة «.

ونظرة تقويمية للواقع تخبرنا أن ولاء كثير من العجائز في قعر بيوتهن خير

وأحب إلى الله من كثير ممن ابتليت بهم الدعوة الإسلامية والذين تنازعتهم الولاءات

للجاهلية من كل جانب] ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً

لرجل هل يستويان مثلاً الحمد. لله بل أكثرهم لا يعلمون [.

7-

محبة أولياء الله وفي مقدمتهم محمد بن عبد الله-صلى الله عليه وسلم:

في الصحيح المسند من أسباب النزول، من رواية الطبراني في الصغير عن

عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك

لأحب إلى من نفسي وإنك لأحب إلى من أهلي ومالي وأحب إلى من ولدي، وإني

لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي

وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت

ألا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزل جبريل عليه

السلام بهذه الآية:] ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من

النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله [.

وهذا يقوي الأواصر والروابط بين أفراد المسلمين وخلاياهم في المجتمع

الإسلامي الكبير، ويقضي على دخائل النفس الخبيثة التي تنحرف بالمحبة في الله

إلى أغراض أخرى، وذلك إذا والى كل مسلم أخاه، بحسب حاله من الإيمان

والعمل الصالح.

ص: 33