الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تربية
جوانب من البناء العقَدي للطفل المسلم
خولة درويش
تعويد الأطفال حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره:
على الوالدين وموجهي الأطفال أن يغرسوا حب رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- في نفوس الناشئة، فحب رسول الله من حب الله - جل وعلا - ولا يكون
المرء مؤمناً إلا بحب الله ورسوله.
عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» [1] .
وعلينا أن نُفهم الطفل بعض الشمائل الطيبة، نقتبسها من السيرة النبوية، من
صفاته صلى الله عليه وسلم مثل: الرحمة بالصغار، وبالحيوان وبالخدم
…
وأن نحكي له بعض القصص المحببة في هذا الشأن من سيرته - عليه الصلاة
والسلام -، ومن سيرة أصحابه الكرام، وذلك حتى يتخلق بخلق رسول الله،
فيرحم الصغار والضعاف، ولا يؤذي الحيوان.
ونغرس في نفوس أطفالنا خلال سردنا لمواقف من سيرة الرسول -صلى الله
عليه وسلم- أثر تطبيق الدين في السلوك والخلق والعبادة
…
فتتأثر نفوسهم،
وتتفاعل قلوبهم بحب الرسول عليه الصلاة والسلام وحب رسالته، وفي ذلك
المغفرة وجنات النعيم [قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ] [آل عمران: 31] .
وعلى المربي أن يعلّم الأطفال الصلوات الإبراهيمية وأن يحفظوها إن أطاقوا
ذلك، فالصلاة على النبي ترفع الدرجات، وتضمن شفاعة المصطفى -صلى الله
عليه وسلم-[إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وسَلِّمُوا تَسْلِيماً] [الأحزاب: 56] وأنه خاب وخسر من إذا ذكر عنده لم يصلِّ عليه. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإيمان بالملائكة:
الملائكة جند الله، يأتمرون بأمره ولا يعصونه.. إن في العالم مخلوقات كثيرة
لا نعرفها، يعلمها خالقها - جل وعلا - ومن بينها الملائكة
…
بهذه الصورة يمكن
أن نتحدث عن هذا الركن الإيماني الغيبي أمام الأطفال، ونضيف لهم: إن أعمال
الملائكة كثيرة نستشفها من بعض الآيات الكريمة، ومن ذلك حفظ الإنسان [إن كُلُّ
نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ] [الطارق: 4] . وكتابة ما يعمله في حياته [مَا يَلْفِظُ مِن
قَوْلٍ إلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] [ق: 18] .
وكم يسعد الأطفال عندما تجمعهم أمهم، لتحدثهم عن الجنة ونعيمها، والملائكة
فيها، إذ تبشر المؤمنين كقوله - تعالى -: [إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
(30)
نَحْنُ أَوْلَيَاؤُكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ ولَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ ولَكُمْ
فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32) ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ
وعَمِلَ صَالِحاً وقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] [فصلت: 30-33] .
فالأم بذلك تستفيد من صفات طفولة أبنائها، في خدمة عقيدتها، ويجددون
مرضاة الله (تعالى) .
فبدلاً من إرضاء الخيال النامي عندهم بقصص خرافية، وأساطير وهمية، قد
لا تجلب لهم إلا العنف، والبعد عن الواقعية.. نكون بذلك قد تعاملنا مع طفولتهم
بما يرتضيه الشرع الحنيف.. على أن لا يكون في هذا شطط ولا غلو، إن الغلو
في أي شيء إفراط قد يؤدي إلى خلاف ما يقصد المربي.
وينبغى ألا يثبّت المربون صورة خاطئة في عقول الأطفال عن شكل الملائكة
مثلاً.. ولاسيما أن أكثر وسائل الإعلام تصور الملائكة بأشكال معينة لها أجنحة،
وتصور الشيطان بأن له قروناً.. وذلك حتى لاتثبت هذه الصورة الخاطئة في نفس
الطفل.
عدم التركيز على الخوف الشديد من النار:
إن الطفل ذو نفس مرهفة شفافة، فلا ينبغي تخويفه ولا ترويعه، لأن نفسه
تتأثر تأثراً عكسياً.. يمكن للمربي أن يمر على قضية جهنم مراً خفيفاً رفيقاً أمام
الأطفال، دون التركيز المستمر على التخويف من النار، ظناً منه أن هذه وسيلة
تربوية ناجعة..
أخرج الحاكم والبيهقي عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن فتى من
الأنصار دخلته خشية الله، فكان يبكي عند ذكر النار، حتى حبسه ذلك في البيت،
فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه في البيت، فلما دخل عليه
اعتنقه النبي، وخر ميتاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «جهِّزوا صاحبكم
فإن الفَرَق فَلَذَ كبده! [2] .
إن الفقه في دين الله هو ألا يقنط الناس من رحمة الله وألا يستهينوا بمعاصيه. فعن علي - رضى الله عنه - قال: ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنط
الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يؤمنهم مكر الله، ولم
يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره، ولا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا خير في
فقه ليس فيه تفهم " [3] .
الإيمان بالقدر:
وعلينا أن نزرع في نفس الطفل عقيدة الإيمان بالقدر منذ صغره، فيفهم أن
عمره محدود، وأن الرزق مقدر ولذلك فلا يسأل إلا الله، ولا يستعين إلا به، وأن
الناس لا يستطيعون أن يغيروا ما قدره الله سبحانه وتعالى ضراً ولا نفعاً، قال
- تعالى -: [قُل لَّن يُصِيبَنَا إلَاّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا][التوبة: 51] .
أما كيف يتم ذلك؟ فمن خلال انتهاز الفرص المناسبة، ولعل أبرز الظواهر
التي تلفت نظر الأطفال في هذا المجال: ظاهرة الموت، فهم قد يتقبلونه تقبلاً
معتدلاً، وذلك في ظل أسرة لا تبدي جزعها من الموت، وتُشعر الأطفال -
وببساطة - أن من ينتهي عمره يموت. أما إن شعر الأطفال - بطريقة ما - أن
الموت عقوبة وذلك من خلال التعليق على موت أحد الناس: (والله إنه لا يستأهل
هذا الموت) ! كما تقول بعضهن في لحظة انفعال، نسأل الله المغفرة والهداية، وكذا إن هددت الأم طفلها بالضرب والتمويت؛ فيزرع في ذهنه أن الموت عقوبة وليس نهاية طبيعية ومنتظرة للجميع مما يجعلهم يجزعون منه مستقبلاً، وهذا ما يتنافى مع عقيدة الإيمان بالقدر.
وكذا بالنسبة للرزق: جميل بالمربية أن تتعمد أمام طفلها حمد الله - تعالى -
على ما أعطى من الرزق، فذلك يرسخ في ذهنه أن المال مال الله والخير كله منه.. وإن قال لها مستنكراً: إلا أن المال من مكان (كذا) لمكان عمل والده - فهي
…
الفرصة لأن تغرس في نفسه، لأنه لابد من اتخاذ الأسباب المؤدية إلى النتائج
بحسب السنة الجارية.. ومن ثم يحس بوجوده الذاتي ويعمل، دون أن يفتن بنفسه
ولا بعمله، ودون أن يفتن بالأسباب [4] .
وإن اتخاذ الأسباب مع الإيمان بالقدر - يجعل من المسلم إنساناً مقداماً لا
يخشى إلا الله، كريماً لا يخاف على نفسه الفقر، صبوراً لا يهلع أمام كل مصيبة
مادامت مقدَّرة.
فهذا المعتقد: يُحدث في حسن المؤمن توازناً جميلاً رائعاً، يعينه على القيام
بدور الخلافة الراشدة في الأرض، ويجعله يعمل في الأرض وقلبه متطلع إلى الله
في السماء.
إنه يتخذ الأسباب عبادة لله، وانطلاقاً مع سنة الله الجارية، ويحس في الوقت
ذاته أن النتيجة التي وصل إليها هي قدر قدَّره الله، وليست حصيلة أسبابه التي
اتخذها، وأن الأسباب لا تؤدي بذاتها أداءً حتمياً إلى النتيجة إنما تؤدي إلى النتيجة
بقدر من الله.
فهذه المعاني تدفع الطفل إلى عدم التخاذل، فلا يداهن ولا يراوغ، لأنه قد
حُصِّن بقوة العقيدة، ولا يمكن أن ينحني رأسه أمام مغريات الدنيا، ولا إرهاب
المتجبرين؛ لأنه اعتاد أن ينحني ويسجد لله فقط.
فمن هؤلاء الأطفال الذين نغرس في نفوسهم هذه المعاني - معاني العقيدة -
سيكون خط التغيير نحو منهج الله بإذن الله، من المنازل ومن رياض الأطفال سوف
تصحح المفاهيم، فليتقِ الله أولياء الأمور في هذه المدارس، وفي تلك المنازل،
وليعلموا عظم المسؤولية وليؤدوا الأمانة بصدق وإخلاص، ليربطوا عقيدة الناشئة
بعقيدة السلف.
(1) متفق عليه.
(2)
أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي من طريقه عن سهل بن سعد وانظر:" حياة الصحابة "، 2/618، والفرق: الخوف، فلذ: قطع.
(3)
حياة الصحابة: 3/210.
(4)
مفاهيم يجب أن تصحح: محمد قطب، 276.
(5)
مفاهيم يحب أن تصحح: فصل مفهوم القضاء والقدر، ص77.
قراءة في كتاب
جراحة التجميل
بين التشريع الإسلامي والواقع المعاصر
عرض وتلخيص:محمد وهدان
انتشرت جراحة التجميل في كل دول العالم خلال السنوات العشر الماضية..
وهي عمليات جراحية صغيرة أو كبيرة يراد منها إما علاج عيوب خَلْقية تتسبب في
إيذاء صاحبها بدنياً أو نفسياً، وإما تحسين شيء من الخلقة بحثاً عن جوانب من
الجمال أكثر من الموجود أو بدلاً عن المفقود.
وقد كثر هذا اللون من ألوان التجميل في أيامنا هذه، وفي واقعنا الذي نعيشه، وتخصص له أناس، قصروا أنفسهم عليه، ووفروا وقتهم للتفنن فيه كما أصبح له
أقسام في كثير من كليات ومعاهد الطب، وعيادات لكبار الجراحين للاهتمام به
تدريباً ومزاولة.
كما أن أجهزة الإعلام في كثير من الدول تلهب النساء بسياط التشجيع
والترغيب في هذا اللون من التجمل بنوعيه، وإذا كان الواقع الإنساني المعاصر
يتقبل بصدر مفتوح كل ما يثير فيه الغرائز، وينمّي لديه الشهوات، فإن التشريع
الإسلامى يختلف عن ذلك كلية.
وكتاب (جراحة التجميل بين التشريع الإسلامي والواقع المعاصر) يعالج هذه
القضية، ويطرح وجهة نظر الدين الإسلامي.. من خلال آيات القرآن الكريم،
وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح (رضوان الله
عليهم) .
وبرغم أن الكتاب من الحجم الصغير، ولا تزيد صفحاته عن 48 صفحة إلا
أن مؤلفه الدكتور عبد الحي الفرماوي الأستاذ بجامعة الأزهر وفَّى الموضوع حقه
من البحث والدراسة.
يقول الدكتور الفرماوي: يفرق الإسلام بين عمليات التجميل، ويفارق بين
موقفه منها حسب التفريق إلى قسمين:
الأول: الجراحات التجميلية التى تعالج عيباً في الإنسان - امرأة كانت أو
رجلاً - يتسبب في إيذائه نفسياً أو بدنياً، ويصاحبه كذلك إن لم يعالَج ألم شديد، لا
يستطيع صاحبه تحمله، كما قد يتسبب في إعاقته عن أداء وظيفته، أو كمال قيامه
بها.
ولأن التشريع الإسلامي لا يهدف إلى تعذيب الناس أو حرمانهم مما يحقق لهم
فائدة، تمكّنهم من النجاح في حياتهم، وتعينهم على تحقيق إنسانيتهم دونما إطلاق
لعِنَان فوضى الغرائز، ودونما إماتة لفطرة الأنوثة التي خلقها المشرع سبحانه في
المرأة - فقد أباح هذا النوع من عمليات التجميل.
الثاني: الجراحات التجميلية التي لا تعالج عيباً في المرأة، يؤلمها ويؤذيها،
بل يكون الدافع لذلك مجرد " جاذبية الرجال "، وهذا النوع: يحرم الإسلام منه
القليل والبسيط، ويحرم من باب الأوْلى: الكثير منه والمعقد.
ويدلل الدكتور الفرماوي على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن
مسعود أنه قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات،
والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم
يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت
الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن.. المغيرات خلق الله؟
فقال عبد الله: وما لي لا ألعن مَن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في
كتاب الله! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال: لئن
كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله - تعالى -: [ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانتَهُوا] [الحشر: 7]، فقالت المرأة: فإني أرى شيئاً من هذا على امرأتك
الآن، قال: اذهبي فانظري. قال - أي الراوي -: فدخلت على امرأة عبد الله،
فلم تَرَ شيئاً، فجاءت إليه، فقالت: ما رأيت شيئاً، فقال: أَمَا لو كان ذلك لم
نجامعها» .
التحدي:
ويعلق الدكتور عبد الحي الفرماوي على الحديث السابق ويقول: فهذا عبد الله
بن مسعود، الصحابى الجليل المتوفى سنة 32 هجرية (653 ميلادية) تتحداه أم
يعقوب في بيته - كما رأينا - حتى تتأكد من براءته من الوقوع فيما حكم بحرمته،
ونهى عنه.
وقد أخرج الطبراني هذا الحديث وزاد في آخره - كما يقول ابن حجر في فتح
الباري - فقال عبد الله: ما حفظت وصية شعيب إذاً، يعني قوله - تعالى - حكاية
عن شعيب عليه السلام[ومَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ]
[هود: 88] .
ويقول الدكتور الفرماوي:
إن الإمام الطبري قال: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التى خلقها الله
عليها، بزيادة أو نقص، التماساً للحسن، لا للزوج ولا لغيره، كمن تكون مقرونة
الحاجبين فتزيل ما بينهما، توهم البلج (حسن الطلعة) ومن تكون: لها سن زائدة
فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية، أو شارب أو عنفقة [1] ، فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيراً أو حقيراً فتطوله أو تغرزه بشعر غيرها، فكل ذلك
داخل في النهي، وهو من تغيير خلق الله.
ثم يقول: (ويستثنى من ذلك: ما يحصل به الضرر والأذية، كمن تكون لها
سن زائدة أو طويلة، تعوقها في الأكل، أو إصبع زائدة تؤذيها وتؤلمها فيجوز ذلك) .
…
ويشير المؤلف إلى ما يلي:
يرى الإمام النووي المتوفى سنة 676 هجرية (1277م) أنه إذا نبت للمرأة
لحية أو شارب أو عنفقة، فلا يحرم إزالتها، بل يستحب.
يعقب ابن حجر المتوفى سنة 852 هجرية (1448م) على ما يراه النووي
بقوله: وإطلاقه مقيد بإذن الزوج، وعلمه، وإلا فمتى خلا عن ذلك مُنع للتدليس
ويقول في موضع آخر من فتح الباري: المذمومة من فعلت ذلك -أي عمليات
التجميل - لأجل الحسن، فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلاً جاز..
يقول بعض الحنابلة: يجوز للمرأة الحف والتحمير، والنقش، والتطريف إذا
كان بإذن الزوج لأنه من الزينة.
لماذا.. لماذا؟ :
قد يعترض البعض من الناس ويتساءلون: لماذا كان موقف التشريع الإسلامي
على نحو ما سبق ذكره؟ ولِمَ لا يترك للناس الحرية في مثل هذه الأمور الشخصية؟.
ويرد المؤلف على هؤلاء قائلاً: ونحن نخاف عليهم ونرجو لهم الخير، قال
الإمام الخطابي: إنما ورد الوعيد الشديد في هذه الأشياء لما فيها من الغش والخداع، ولو رُخص في شيء منها لكان وسيلة إلى استجازة غيرها من أنواع الغش، ولما
فيها من تغيير الخلقة.
كما يضاف إلى ذلك: أن فتح الباب للنساء - في هذه المبالغات - يؤدي إلى
ارتمائهن في أحضان الغرائز الشهوانية والبعد تدريجياً عن رسالتهن الإنسانية، التى
خُلقن لأجلها، والانغماس في فضول الأعمال التى هي إلهاء عن الواجب الأساسي
وهو عبادة الله - تعالى - بل عن الإيمان نفسه وبالضرورة: عن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
وهنا يفقد الإنسان (خيريته) التي خصه الله - تعالى بها - والتى تؤهله لقيادة
هذا العالم الذي يتخبط ويقاسي من الحروب ويحاط بالرعب، والذي هو في أمس
الحاجة إلى قيادة حكيمة، عاقلة، راشدة.
ولن تكون هذه القيادة للعالم إلا بتوجيه ممن خلق هذا العالم نفسه أو بإرشاد
منه، وبالتزام لمنهجه، وتعاليمه ولا يتوافر كل ذلك أو بعض ذلك إلا في أمة محمد
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويمضي الدكتور الفرماوي قائلاً: أنه لو عمَّت هذه العمليات لكان الاعتراض
الدائم على ما خلق الله سبحانه وتعالى والانشغال بتغييره عن الوظائف الحقيقية، والمهام الأساسية التي نيطت بالإنسان في هذا الكون، ولصرفت المرأة بها عن
الرغبة في الإنجاب، ولو أنجبت لصرفت عن التنشئة والتربية، حتى لا يحرمها
هذا الإنجاب من الجمال أو تصرفها التنشئة وتشغلها عنه.
ولهذا فقد حرم الإسلام هذا النوع من عمليات التجميل، وليس التشريع
الإسلامى في هذا متجنياً على المرأة، أو مانعاً لها من شيء فيه مصلحتها وإنما ينبه
المرأة دائماً إلى أن الجمال الحقيقى في الخُلُق، لا في الخلقة، وأن الجمال الدائم هو
جمال الروح والأفعال والأقوال لا في الأشكال والهيئات، وأن الذي ينبغي الحرص
عليه: هو ما به يتحقق للمرأة إنسانيتها وكرامتها وحسن سيرتها، وهو جمال الخلق
والطباع، وأن الجري وراء هذه المحاولات المستمرة للبحث عن الجمال الشكلي
الزائف لن يكسب الإنسان - امرأة كانت أو رجلاً - شيئاً يستحق الذكر، بل لم
يكسبه في عصوره الغابرة سوى الانطلاق في طريق الشهوات والغرائز، الذي
يشيع الفاحشة في المجتمع ثم ينتهي به إلى الانحلال والدمار والهلاك.
ويشير الكتاب في النهاية إلى أنه ما انتشرت هذه الأشياء في قوم وألفها الناس، وأحبوها إلا كانت دليلاً على انشغالهم بالوسائل دون الغايات، وعلامة بارزة على
شيوع الفواحش والموبقات، ونذيراً إلى اضمحلال حضارتهم، وطريقاً سريعاً إلى
هلاكهم ودمارهم، والتاريخ القديم والحديث يؤكد ذلك:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري ومسلم وأصحاب
السنن لأصحابه ونساء أمته: «إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم» ،
وهو نفس ما حدث للإمبراطورية الرومانية وللإمبراطورية الفارسية ولكثير من
الحضارات الغابرة.
ويذكر المؤلف: أن فرنسا لم تهزم قريباً إلا لانشغال رجالها ونسائها بالشهوات
حين دخلتها جيوش الاحتلال!
ولأن الإسلام لا يحب للفرد المسلم الضياع، فقد حرم عليه أن ينغمس في
الشهوات، أو ينشغل بما يهيج غرائزه، حتى لا تتغلب شهواته على عقله،
وينفصل في واقعه الذي يعيشه عن التشريع الذي يحفظ عليه آدميته ويعلي من
إنسانيته.
(1) العُنفقة: الشعر النابت على ظاهر الشَّفَة السفلى.