الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تراث
أوقفوا هذا العبث
!
محمد عبد الله آل شاكر
إن تراث كل أمة من الأمم هو ما يتناقله الخلف عن السلف، من علوم
ومعارف متنوعة، في الدين والفكر والأخلاق، وفي سائر جوانب الحياة العلمية.
وكل أمة من الأمم التي تعنى بحضارتها؛ تعتز بتراثها، وتقف حياله وقفة
إكبار وإجلال؛ فهو يربط حاضرها بماضيها بسلسلة من النسب العريق. ولذلك
يحتل مكانته التي تليق به، وتسمو مكانة هذا التراث وتعظُم أكثر عندما يتصل
بعقيدة الأمة وفكرها الديني، ويقوم على الوحي الإلهي مصدراً وغاية. وعندئذ
يكون من حق هذا التراث على أبناء الأمة الغيورين، أن يحافظوا عليه، فيصدُّوا
عنه غارات المغيرين، وينفوا عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال
المبطلين؛ وأن يأخذوا على أيدي العابثين الذين يعملون فيه معاول الهدم والتخريب، شعروا وقصدوا ذلك أو لم يشعروا أولم يقصدوا.
وقد كان ذلك؟ فهيأ الله تعالى لتراث أمتنا حراساً أمناء، اعتنوا به عناية فائقة، وقاموا بجهود كبيرة مشكورة، يدفعهم إلى ذلك: إيمان بقدسية هذا التراث،
وغيرة على منهج الأسلاف.
ومع النهضة المعاصرة والصحوة الإسلامية التي تفتحت عليها أعين الجيل،
اشتدت العناية بالتراث، والذي يتابع حركة النشر وما تدفعه المطابع، يجد كمّاً
كبيراً أو سيلاً من المطبوعات، يدفع إلى إبداء بعض الملاحظات التي لا يخطئها
النظر. أحببت أن أعرضها على قراء «البيان» لعلهم يرون فيها رأياً، أو
يصححون فيها خطأ، أو يشاركون بجهد.
والذي آمله من الإخوة القراء وغيرهم: أن يكون مستقراً في الأذهان؟ أن
هذا لا يعني انتقاصاً - بأي حال من الأحوال - لجهد طيب يبذله مؤمنون صادقون، يعرفون للكلمة قدسيتها، وللتراث قيمته، فيعكفون على خدمته: دراسة وإشاعة
في الأمة، في حلة زاهية وثوب قشيب، بعد جهد ومعاناة، يتعانق فيهما الشكل مع
روعة المضمون.
كما لا يعني إبداء هذه الملاحظات - أو النصائح - أن كاتبها يجعل من نفسه
حكماً على غيره، يقوِّم أعمالهم وجهدهم.
ولكنها ملاحظات على ظواهر نراها بارزة، ونسعى للتخلص منها؛ تجويداً
للعمل وتصويباً للطريقة.
ولست في هذا بمبتدع، فقد سبق كثير من الباحثين والكتاب الأفاضل، برصد
بعض الظواهر وإبداء ملاحظاتهم، ورفعوا عقيدتهم بصيحات مخلصة -إن شاء الله
تعالى - تهدف إلى وقف الخطر على تراثنا.
تجد هذا في ما تقرؤه في كتاب «التعالم، وأثره على الفكر والكتاب»
لفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، وفي «أخطار على المراجع العلمية لتراث
أئمة السلف» للشيخ عثمان عبد القادر الصافي، وفي مقالات بمجلة «البيان»
الغراء، آخرها في العدد السادس والثلاثين. فعزز ذلك عندي إبداء هذه الملاحظات
التي تتبعتها وسجلتها منذ سنوات، ولعلها تكاملت في معظمها الآن، فعلى بركة الله
وتوفيقه نعرضها على الإخوة الكرام.
«التحقيق» : بذل عناية خاصة بالمخطوط لتقديمه صحيحاً كما وضعه
مؤلفه. وتكاد كلمة المحققين والمعنيين بالتراث تُجمِع على أن الجهود التي تبذل في
كل مخطوط يجب أن يتناول البحث فيها: أولاً تحقيق عنوان الكتاب، ثم تحقيق
اسم المؤلف، ونسبة الكتاب إلى مؤلفه، ومن بعد: تحقيق متن الكتاب [1] ، ولكن
هذه القاعدة المسلَّمة أو البديهة، يضرب بها بعض المحققين عرض الحائط،
ويجعلونها تحت أقدامهم، ودبر آذانهم، فيبيحون لأنفسهم تغيير اسم الكتاب وعنوانه، ويستبدلون به اسماً آخر موهماً، مع أن الكتاب قد عرف منذ قرون واشتهر باسمه
الصحيح، فيأتي محقق مجتهد ومعلق بارع، يجانبه الصواب، ويجانب الأمانة
العلمية والخلق الإسلامي، فيعدو على تراث الأمة وحقوق العلماء، فيعمل في
مؤلفاتهم تشويهاً وتحريفاً.
والأمثلة على ذلك كثيرة تعزُّ على الحصر وهذه إشارة إلى بعضها:
* للعلامة بدر الدين بن عبد الله الشبلي (توفي 769 هـ) كتاب أسماه:
«آكام المرجان في أحكام الجان» وهو منذ سبعه قرون معروف بهذا الاسم
بين العلماء وطلبة العلم، وفي فهارس الكتب باسمه كاملاً ومختصراً. ومنذ سنوات
ظهر في سوق الكتب كتاب بعنوان تجاري يستهوي الباحثين عن العجائب والغرائب
في عصر العجائب الكثيرة التي نعيشها اليوم. هو «غرائب وعجائب الجان كما
يصورها القرآن والسنة» ، تحقيق وتعليق إبراهيم الجمل، (مكتب الخدمات
الحديثة بجدة، عام 1982م) ، وكأن القرآن الكريم أنزله الله تعالى ليكون كتاب
عجائب وغرائب، وكذلك وردت السنة النبوية!
والذي يتبادر للذهن أنه كتاب غير الكتاب الأول بكل تأكيد، للمفارقة التامة
بين العنوانين، فالأول أحكام، والثاني عجائب.. وهذا يدفع لاقتناء الكتاب،
وخاصة لمن يتابع القراءة في مثل هذه الموضوعات أو يبحث فيها. ثم يفاجأ بأن
الكتاب نفسه عنده بعنوان آخر.
ولن تحتاج إلى جهد كبير لتقف على معرفة الجاني الذي عدا على الكتاب
بالمسخ وتغيير هويته، فستطالعك مقدمة محقق الكتاب بكل صراحة ووضوح:
«.. فغيَّرنا اسمه إلى: عجائب وغرائب.. ليلائم روح العصر» . (أقول: لا عجب أليس الإسلام ملائماً وصالحاً لكل عصر؟) وهذا التعليل أَعْجَبَ ناشر الكتاب
فقال مادحاً المحقق، مزكياً عمله: «وقد أحسن المحقق (!) إذ عدَّل في عنوان
الكتاب فجعله: غرائب وعجائب الجان.. حتى يعكس العنوان حقيقة المصدر الذي
اعتمد عليه المؤلف، فيطمئن القارئ إلى أنه سيقرأ كتاباً مستمداً من نور القرآن
الكريم والسنة المطهرة، خالياً من الشعوذة والخرافات التي عمّ انتشارها عن الجن
وأحوالها وعلاقتها بالناس» ! !
ولست أدري - ولا أخال عاقلاً يدري - كيف يطمئن القارئ إلى ما يقرأ،
وكيف يثق بالنص أمامه وهو يجد الإقرار على التحريف والتزوير الذي سماه
المحقق «تغييراً» ، وسماه الناشر «تعديلاً» ، كيف يطمئن لصحة النص وهو
يجد ذلك منذ وقعت عينه على غلاف الكتاب ثم على الورقة الداخلية، ويجد الإقرار
ممهوراً بتوقيع الجاني وشهادة الناشر!
فهل يظن حضرة المحقق أو الناشر أن هذا التراث نهب لكل من أراد، أو أنه
مزرعة آلت إليه ملكيتها بالإرث من أحد آبائه، وهو الوارث الوحيد، فله الحق أن
يفعل فيها ما يشاء دون رقيب أو حسيب؟ فماذا لو كان هناك وارث آخر وبدا له أن
يغير العنوان مرة ثانية (لأنه شريك في التركة) بعد سنوات ليكون ملائماً «لروح
العصر» أيضاً؟
ثم ما هذا التدليس والتغرير بالقراء بهذه العبارة: «كما يصورها القرآن
والسنة» ، أهي متاجرة بالدعوة للعودة إلى المصادر الأولى: الكتاب والسنة، بين
جيل الصحوة الذي يجد في هذه الدعوة تحقيقاً لأمله؟
أما اطمئنان القارئ إلى أنه سيقرأ كتاباً معتمداً على الكتاب والسنة، فيكفيه أن
يكون الكتاب عنوانه «أحكام الجان» فإن الأحكام في الإسلام مستمدة من الكتاب
والسنة والمصادر التبعية الأخرى، بينما العجائب والغرائب التي حشرها المحقق
ليست كذلك. فما كان جديراً بالمحقق ولا الناشر أن يتاجرا بهذا الكلام ويطمسا
الحقيقة. وأي شعوذة أو خرافة أكثر من هذا العمل في علاقتها بهذا الكتاب!
* وليس هذا الكتاب الوحيد الذي يتلاعب «الأستاذ الجمل» به، فيبدو أنه
استمرأ العملية هذه واستملحها، وساعده على ذلك ناشرون آخرون، فإن ابن غانم
المقدسي له كتاب اسمه: «مجموع منتخب في مصايد الشيطان، وذم الهوى»
فسطا عليه المحقق وعبث فيه، فجعل عنوانه: «مصائد الشيطان وذم الهوى،
مختصر إغاثة اللهفان لابن القيم» لابن غانم المقدسي (مكتبة القرآن، القاهرة،
1982 م) .
وبالتأكيد لم يكن هذا سهواً أو جهلاً بحقيقة اسم الكتاب، بل كان عن عمد
وقصد، والشهادة على هذا بالزنكوغراف في الكتاب وفي صورة الصفحة الأولى
من المخطوط، والعنوان واضح فيها وضوح الشمس في رابعة النهار!
* للحارث بن أسد المحاسبي كتاب اسمه «العقل، وفهم القرآن» وقد نشره في بيروت الدكتور حسين القوتلي، (دار الكندي 1402 هـ) ولكن محقَّقاً آخر هو- الأستاذ أحمد عطا، نشر الكتاب ثانية في القاهرة بعنوان:
«المسائل في أعمال القلوب والجوارح والعقل» تضمن كثيرً من السهو والخطأ
والاجتهادات الشخصية في تغيير النص.. ويستطيع القارئ اكتشاف ذلك كله بالمقارنة بين النشرتين للكتاب. (مقدمة القوتلي ص 7) .
* ثم ظهر كتاب آخر للإمام الآجري رحمه الله بعنوان: «أخلاق أهل
القرآن» محققاً في بيروت بإشراف المكتب السلفي لتحقيق التراث (!) وعنوانه
الصحيح الذي وضعه له المؤلف «آداب حملة القرآن» وحقَّقه تحقيقاً نفيساً وقدم له
بدراسة قيمة فضيلة الدكتور عبد العزيز القارئ، وجدير بالقارئ أن يقرأ ما كتبه
الدكتور عبد العزيز في هذا المجال عن الكتاب وعن تحقيقه. وحسبنا هنا هذه
الإشارة.
ومنذ زمنٍ وجدنا الشيخ محمد منير الدمشقي رحمه الله يرفع عقيرته
بالشكوى من «العوام الذين يقرؤون ويكتبون وليسوا بعلماء ولا متعلمين، وهؤلاء
كثيرون جداً في جميع الممالك الإسلامية والبلاد العربية، وهم أغلب باعة الكتب
التي تروج بين غالب أهل الإسلام، وهؤلاء أهل مادة فقط، فكلما أرادوا نشر كتاب- كثر طلابه وتكرر استجلابه وقامت سوقه - تهافتوا عليه تهافت الفراش بدون
نظر لنفعه أو ضرره، وصحته أو سقمه، حتى إنهم ربما نسبوا الكتاب إلى غير
مؤلفه أو غيروا اسمه، وزيد عليه اسم آخر مخترع، يرغب سامعه ويشوق شاهده، وليس بغريب من أمثال هؤلاء العوام مثل ذلك، بل الذي يعجب منه ويستهجن:
إقرار العلماء على ذلك وإصرارهم على السكوت وعدم التعرض لذلك كتابة ونشراً،
ولو نبه العلماء على ذلك وبينوا أن هذا خيانة وتصرف فيما للغير بغير إذنه لا
يجوز بحال، لارتدع الناشر والطابع والمنفق، ولما تجاسر أحد على أمثال ذلك،
وإذا لم يكن العلماء يحافظون على مثل هذا وينبهون عليه، فمن المكلَّف بذلك؟»
(انظر كتابه: نموذج من الأعمال الخيرية ص 78) .
وللحق لم يكن عمل هؤلاء الذين ذكرهم الشيخ باسم التحقيق الذي يتبجح به
الناس اليوم، وإنما كان الدافع لهم الحرص على التجارة الخاسرة أو الجهل والعامية، فما بال محققي القرن العشرين اليوم؟ ! ثم إن أولئك عوام وهؤلاء متعلمون!
ثم يفْجَأ القارئ أو طالب العلم، بعد ذلك، عناوين جديدة لعلماء معروفين،
فيظنها كتباً جديدة تنشر للمرة الأولى، فيسارع إلى اقتنائها فيجد عجباً، إذ هي
منتزعة من كتب أخرى أو مسلوخة منها سلخاً، طبعت في كتاب مستقل بعنوان
جديد، فيقال مثلا:«خصائص يوم الجمعة» تأليف شمس الدين محمد بن أبي
بكر بن قيم الجوزية. هكذا: «تأليف» ، باللفظ الصريح دون الكناية أو التلميح.
وعندئذ يقطع الناشر أو المحقق قول كل قائل، إذن فالكتاب بهذا الشكل والمضمون
كتاب من تأليف فلان. ويمضي هذا التدليس دون أي إشارة إلى ذلك على غلاف
الكتاب أو صفحة العنوان الداخلية، وقد تجد شيئاً من هذا أحياناً في المقدمة على
خجل واستحياء، أو على خوف من اكتشاف التلاعب وبوار الكتاب. وقد لا تجد
هذا ولا ذاك، فتعرف الحقيقة بمجرد الاطلاع على الكتاب ومعرفة كتب المؤلف.
وهذا العمل فيه تدليس وتلبيس على القارئ، ونسبة كتاب جديد لمؤلف لم
يكتبه بهذا العنوان أو الشكل، فكأنه ينسب لرجل ولداً جديداً لم يلده!
ونجد كثيراً من الأمثلة على هذه البدعة الجديدة، يتأكَّل فيها بعض «المحققين» و «الناشرين» و «المشرفين» بأسماء أعلام كبار كابن تيمية، وابن القيم، وابن
حجر، والغزالي، والرازي وغيرهم، ويتولى كِبْرَ هذا العمل الخاطئ أصحاب
مكتبات يستغلون أسماء لها مكانتها ووقعها في نفوس المسلمين، ويشوهون بذلك
صورتهم الوضيئة في نفوس الناس، لارتباط هذا العبث باسمهم، فتجد «مكتبة
الصحابة» «مكتبة التراث الإسلامي» ، «المكتبة القيمة» .. وانظر ما شئت
من هذه الأسماء التي تزين أغلفة الكتب «المسلوخة» بأقلام «أبي فلان»
و «أبي علان» (عفا الله عنهما) .
وحتى لا يظن أحد أنني ألقي الكلام على عواهنه، أسوق بعض الأمثلة لهذه
التآليف المزعومة:
* «كتاب التوبة» تأليف ابن قيم الجوزية، تحقيق صابر البطاوي مكتبة دار
السنة، الدار السلفية للنشر، بالقاهرة الطبعة الأولى 1410هـ. وهو من كتاب
«مدارج السالكين» المطبوع في ثلاثة أجزاء.
* «خصائص يوم الجمعة» تأليف ابن القيم، المكتبة القيمة بالقاهرة وهو
فصل من «زاد المعاد» .
* «حكم الإسلام في الغناء» لابن القيم. وعليه اسم: أبو حذيفة إبراهيم بن
محمد (وهذه المرة ليس فيها كلمة تحقيق ولا جمع ولا إعداد) مكتبة الصحابة
(رضوان الله عليهم) طنطا 1406 هـ. وهو فصل من كتاب «إغاثة اللهفان» .
* «معجم التداوي بالأعشاب والنباتات الطبية» لابن القيم (أيضاً) مكتبة
التراث الإسلامي لصاحبها عبد الله حجاج، ويبدو من المقدمة أنه الذي فعل ذلك
فقال بعد أن ذكر كتاب «الطب النبوي» : قال: «.. سلخت (ما شاء الله على
هذا السلخ!) منه هذه المفردات الطبية التي وردت على لسانه -صلى الله عليه
وسلم-
…
» الخ.
* «السحر والكهانة والحسد» ، للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، جمع
وإعداد عبد الله حجاج - هو نفسه - مكتبة التراث الإسلامي. وهو مأخوذ من
أبواب عدة من كتاب «فتح الباري شرح صحيح البخاري» لابن حجر العسقلاني
رحمه الله.
* «المسيح الدجال وأسرار الساعة» تأليف العلامة محمد السفاريني، مكتبة
التراث الإسلامي، الناشر عبد الله حجاج (شاطر يا حجاج) .
وكلمة تأليف تعني أنه ألّف كتاباً بهذا الاسم، وهذه هنا أكثر تدليساً. وهو
مأخوذ من الجزء الثاني من كتاب «لوامع الأنوار البهيَّه» للسفاريني ص 65 وما
بعدها. ولم يُشر حضرة الناشر إلى ذلك.
وكذلك أُخذت فصول ومباحث كثيرة من «إحياء علوم الدين» للغزالي،
و «التفسير الكبير» للفخر الرازي.. ونشرت بكتب مستقلة مثل «الموت وعذاب
القبر» ، و «السحر وحقيقته..» الخ، حتى طال الأمر، وعجزت عن تتبع
ذلك كله، مما ينبئ أن في الأمر خطورة وإلى الله المشتكى.
وليس هذا كل ما في الأمر، فإن هناك ملاحظات أخرى يضيق عنها المجال
الآن، فلنرجئها إلى مقال آخر، بإذن الله تعالى.
(1) راجع: تحقيق النصوص ونشرها، د عبد السلام هارون، قواعد تحقيق المخطوطات للدكتور المنجد، محاضرات في تحقيق النصوص للدكتور أحمد الخراط.
اجتماع
علماء الاجتماع والعداء للدين
وللصحوة الإسلامية
(1)
د. أحمد إبراهيم خضر
لماذا يعادي رجال الاجتماع في بلادنا الدين والصحوة الإسلامية وحركاتها؟
إن موقف علماء اجتماع الغرب المعادي للدين بصفة عامة، وللإسلام
وللصحوة الإسلامية وحركاتها بصفة خاصة لا يحتاج إلى مزيد عناء للكشف عن
أسبابه ودوافعه. أما أن يعادي رجال الاجتماع في بلادنا دينهم والصحوة الإسلامية
في بلادهم، فإن هذا الأمر يحتاج إلى وقفات.
أشاد رجال الاجتماع في بلادنا بما قام به أتاتورك فيما يسمونه بعملية تخليص
الشؤون الدنيوية من الدين بمنع التربية الدينية في المدارس، واعتماد القانون
الأوربي بعد إلغاء الشريعة الإسلامية، وتأميم الأوقاف، وتقليص قوة علماء الإسلام، ومنع أي إشارة إلى الإسلام في الدستور [1] ، ورأوا في ذلك إنجازاً كبيراً رسم
لهم طريقاً رائداً في تخريب النسيج الاجتماعي في عالمنا العربي [2] .
وبينما استمر رجال الاجتماع في المشاركة في عملية تخريب النسيج
الاجتماعي في بلادنا باغتتهم الصحوة الإسلامية وحركاتها التي عمت كل المجتمعات
العربية بلا استثناء، واستهدفت إعادة تركيب النسيج الاجتماعي بصورة مكثفة وفق
المقياس الأوحد والمعترف به وهو الإسلام.
يقول علي الكنز أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر: (وفي هذا السياق نجد
بأن الموقف يستهدف إعادة تركيب البنى الاجتماعية والسياسية في المجتمعات
العربية وكذلك الذهنيات الجمعية والفردية وفق منظور محوري وهو الإسلام.. هذه
الحركة الجديدة التي تخضع لها المجتمعات العربية دون استثناء تشكل في الأساس
عملاً داخلياً مرتبطاً بهذه المجتمعات، ومستهدفة إعادة تركيب نسيجها الاجتماعي
بصورة مكثفة، وفق المقياس الأوحد المعترف به وهو الإسلام. وتتسم هذه الحركة
الجديدة في بنيتها وفي تطورها مع بعض الاختلافات الطفيفة بالمميزات الأساسية
نفسها في مختلف المجتمعات العربية) [3]
وحينما أفاق رجال الاجتماع في بلادنا من صدمة مباغتة الصحوة الإسلامية
لهم تساءلوا أين كانوا وقت حدوثها؟ لم يكن رجال الاجتماع على امتداد عالمنا
العربي يتوقعون هذه الصحوة، كانوا يعتقدون أن تجارب التنمية في هذا العالم وما
يسمون بانتصاراته الوطنية قد شهدت ميلاد ثقافة جديدة خلفت الدين وراءها لتساير
ما يسمونه بالتطور الاقتصادي والاجتماعي في كل بلد.
يقول علي الكنز متحسراً: (من كان يظن أيام ميثاق القاهرة بأن مصر
الثمانينات سوف تواجه كمجتمع وكدولة تلك المسألة التي أصبحت محورية، ألا
وهي طبيعتها الإسلامية، وأن سيد قطب في مواجهته لعبد الناصر سيصبح يوماً ما
شهيد الجماهير، وأن حزب حسن البنا (الإخوان المسلمون) سيحظى يوماً ما في
أوساط بعض الشبان الجزائريين بمعرفة تفوق معرفتهم لتاريخ جبهة التحرير
الوطني) .
ويستمر علي الكنز قائلاً: (والسؤال الذي يفرض نفسه علينا اليوم هو: أين
كان الخيال السوسيولوجي من كل هذا في وقت عرف كبريات التجارب التنموية
لآمال معقودة عليها مثل سلسلة الإصلاحات التي توالت في مختلف البلدان العربية،
وكذلك التأميمات الكبرى، انطلاقاً من قناة السويس عام 1956 إلى المحروقات في
الجزائر عام 1971، والانجازات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الهائلة، مثل
سد أسوان - ومركبات الحديد والصلب، وكبريات الجامعات العلمية والتقنية؟) [4]
وعن عدم توقع رجال الاجتماع للصحوة الإسلامية يستطرد علي الكنز قائلاً:
(نقول بأن هذه الظاهرة غير متوقعة؛ لأن الانتصارات الوطنية التي شهدها الوطن
العربي في الخمسينات، وظهور حكومات وطنية كما كانت الحال في كل من سوريا
والعراق والجزائر شهدت ميلاد ثقافة جديدة كانت مسايرة للتطور الاقتصادي
والاجتماعي في كل بلد، على الرغم مما عرفه كل بلد من نزاعات عديدة بين
مختلف المجموعات المتصارعة، مثل الوطنيين والشيوعيين والليبراليين) [5]
كان رجال الاجتماع في بلادنا يتصورون أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية
ومهام التنمية في عالمنا العربي قد قلصت من مكانة الدين، وحولته إلى مسألة
شخصية لكنهم فوجئوا، بأن الدين يستعيد حيويته ويفرض هيمنته على جميع
جوانب الحياة.
يقول علي الكنز معترفاً: (كنا نعتقد ببساطة أن المشاكل الاقتصادية
والاجتماعية المعروفة وأن المهام المعقدة للتنمية سوف تقلص تدريجياً من مكانة
الدين في الضمير الجمعي فيصبح في النهاية قضية شخصية بحتة تماماً مئلما حدث
في مجتمعات أخرى، وبخاصة الغرب البرجوازي، غير أننا ها نحن اليوم أمام
هذا النموذج الكلياتي وهو يستعيد حيويته ويستهدف فرض هيمنته على جميع
جوانب الحياة) [6]
اعترف رجال الاجتماع بأن «القومية» و «الوطنية» ليستا بقادرتين على
البقاء أو جذب الجماهير للالتفاف حولهما؛ لأن الإسلام أصبح المكافئ الوظيفي لهما.
يقول سعد الدين إبراهيم أستاذ الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة:
(إن الإسلام الثوري للجيل الحالي من أبناء الطبقة الوسطى والصغيرة في
الأمة العربية هو المكافئ الوظيفي للقومية العربية منذ جيل مضى، كما أنه مكافئ
للوطنية المناهضة للاستعمار منذ جيلين سبقا على الطريق) [7]
ويعترف سمير نعيم أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس بالقاهرة بذلك في مقالة
شديدة العداء للجماعات الإسلامية في مصر فيقول: (شهدت مصر منذ تشرين
الأول / أكتوبر 1972 ما يمكن أن نطلق عليه تلازماً بين ما سموه بالصحوة
الإسلامية، والتنظيمات الإسلامية العلنية والسرية، وبين غياب القضية العامة التي
تلتف حولها الجماهير أو المشروع الحضاري أو التنموي) [8] .
أسقطت الصحوة الإسلامية تلك العقلانية التي تعلق بها رجال الاجتماع لفهم
الواقع الاجتماعي والسياسي بعد أن سقطت تلك الأحزاب والتنظيمات التي حملتها
الواحد تلو الآخر، بالرغم من سيرها وفق الخطوط التي رسمت لها لتحل محلها
التنظيمات الإسلامية التي اعتقد رجال الاجتماع أنها تنظيمات غريبة تجاوز التاريخ
إلى الأبد.
يقول علي الكنز متحسراً: (من كان يظن بأن كبريات الأحزاب الوطنية
المنجزة كقوى عقلانية لهذه التحولات العميقة لكل من الطبقة والمجتمع مثل حزب
البعث في سوريا والعراق، والاتحاد الاشتراكي في مصر، والدستور في تونس،
وجبهة التحرير الوطني في الجزائر سوف يأتي يوم ينهار فيه الواحد تلو الآخر؟
وما هو ملفت للانتباه حقاً في هذا الشأن هو أنه لم يحل مكان هذه الأحزاب تنظيمات
أخرى على يسار أو على يمين النهج المرسوم بالنسبة للكل، وإنما تنظيمات غريبة
وثقافة كان يعتقد آنذاك أن السير الموضوعي للتاريخ قد تجاوزها إلى الأبد) [9] .
جاءت الصحوة الإسلامية لتثبت لرجال الاجتماع أن هذه (العقلانية) التي
علقوا عليها آمالهم لفهم الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي قد أصبحت عاجزة
على الصعيدين النظري والمنهجي في فهم هذا الواقع، ولتصيب هذا التفكير
(العقلاني) بأزمة عميقة وخيبة أمل.
يقول علي الكنز معترفاً:
(إن اقتحام التفكير الديني للأيديولوجية العربية المعاصرة بهذه الشدة ليدل في
الحقيقة على أزمة عميقة تمر بها مجتمعاتنا اليوم، وهذا ما يراه كثير من المحللين
ويعتمدونه في دراساتهم، غير أن هذا الأمر قد يتعلق أيضاً بمؤشر أو بمبرر لأزمة
عميقة أصبح يعاني منها التفكير العقلاني، وكذلك عجز هذا التفكير على الصعيدين
النظري والمنهجى في فهم واقع اجتماعي وثقافي وسياسي لم يتوقع حدوثه من قبل) .
وعن خيبة الأمل التي أصيب بها رجال الاجتماع يقول علي الكنز في إحدى
دراساته [10] :
(إني أريد من خلال تدخلي هذا أن أقوم بمساهمة متواضعة في تحديد هذا
المجال الجديد للبحث الذي يفرضه علينا ما عرفناه من خيبة أمل في تاريخنا الفعلي، وفي قدرتنا على معرفته علمياً) .
لم تكن العقلانية فقط هي التي سقطت مع ظهور الصحوة الإسلامية وإنما
سقطت معها كل شعارات التحديث والعلمنة وبناء المجتمع وضمان الرفاهية التي
دخلت هي نفسها في أزمة خانقة عميقة وحادة أيضاً.
يعترف (الهرماسي) أستاذ الاجتماع بالجامعة التونسية:
(لقد جابهت الإنسانية في أواخر هذا القرن عدة أزمات مختلفة، كأزمات
الغذاء والطاقة والفقر، وما من شك في أن مثل هذه الأزمات قد حد من قدرة البشر
على إيجاد حلول ناجعة لمجمل المشاكل المطروحة عليهم، حتى عندما تكون هذه
المشاكل واضحة تمام الوضوح، وبالتالي فإن الأيديولوجية العصرية التي ما انفكت
تحمل شعارات التحديث والعلمنة، والتي اضطلعت ببناء الدولة العصرية، ونحت
معالم المجتمع الحديث وضمان الرفاهية دخلت هي نفسها في أزمة خانقة عميقة
وحادة) [11]
لقد نجحت الصحوة الإسلامية تلك التي لم اعتقد رجال الاجتماع أنها لا تتفق
مع متطلبات العصر في إحباط ما أسموه بالمحاولات الجريئة للفكر العربي المعاصر، وساهمت في الأزمة التي آل إليها.
يقول علي الكنز معترفاً:
(إن هذا المنظور الجديد للوطن العربي والعالم الإسلامي يبدأ أولاً وقبل كل
شيء كظاهرة لم نكن نتوقعها وغير متفقة مع متطلبات العصر، ومن حيث هو
كذلك فقد ساهم بقسط وافر في الأزمة التي آل إليها الفكر العربي المعاصر الذي
يشهد اليوم إحباط أقل محاولاته جرأة) [12] .
راقب رجال الاجتماع في بلادنا هذه الصحوة الإسلامية عن كثب على أمل
يراودهم وهو محاولة التحكم فيها، وسجلوا على أنفسهم بأنهم يقومون بهذه المحاولة
مسترشدين بنفس الإطار الغربي الذي يرصد هذه الصحوة باهتمام بالغ.
يقول محمد شقرون أستاذ الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالمغرب: (إن
المشكل الأساسي الذي يطرح بالنسبة إلى البحث في هذه الظرفية الجديدة هو التحكم
في الاتجاه الجديد الذي يريد أن يرى في الدين كل شيء، ويمكن أن تعتبر المكانة
التي أصبحت تحظى بها دراسة الحركات الدينية الجديدة في سوسيولوجيا الدين
الانجلوسكسونية مادة خصبة للتفكير في هذا الإطار) [13]
توصل رجال الاجتماع في بلادنا في تحليلاتهم للصحوة الإسلامية وحركاتها
إلى ما يلي:
أولاً: أن الحركات الإسلامية تسعى إلى تحقيق هدف أساسي كان ولا يزال
ينحصر في محاولة العودة بالمجتمع العربي الإسلامي إلى النموذج الذي وجد في
صدر الإسلام أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين [14] .
ثانياً: أن هذا الهدف الذي تسعى لتحقيقه هذه الحركات كان ولا يزال يستمد
شرعيته وتبريره من الإيمان الراسخ لدى منظري وقادة هذه الحركات، وغالبية
المسلمين من جهة أخري بأن الإسلام نظام حياة شامل يصلح لكل زمان ومكان،
ولذلك كانت هذه الحركات تصر على أسلمة المجتمع وعلى اعتبار الإسلام ديناً
ودولة [15] .
يقول (عاطف عضيبات) أستاذ الاجتماع في جامعة اليرموك بالأردن في لهجة
تحد وعداء: (إن التاريخ العربي-الإسلامي برمته يشهد على استحالة الرجوع إلى
الوضع الذي كان قبل العام الأربعين للهجرة، وجميع المحاولات للعودة إلى بدء
عهد الدعوة الإسلامية أو إلى مزج الزمني بالروحي مصيرها الفشل في يومنا هذا،
كما كان حالها بالأمس وكما ستكون غداً. [16]
ويقول عضيبات في موقع آخر: (وكلما تقدمت الأزمنة بالعرب المسلمين
زادوا من إضفاء المثالية على تلك الحقبة التاريخية التي لم تتجاوز نصف قرن،
وكلما ألهمت سيرتها خيال ووجدان الرافضين للواقع المعاش إلى المجتمع
الفاضل) [17] .
ثالثاً: ترجع الحركات الإسلامية باستمرار إلى الكتاب والسنة لفهم كل
المشاكل التي تطرحها علاقة الإنسان بالعالم والطبيعة والانتاج والفكر والثقافة
والمجتمع والقانون.. الخ. فكل تفكير سواء أكان علمياً أم غير علمي، جمالياً،
أخلاقياً، وسياسياً هو في النهاية مجرد عمل تفسيري وتأويلي لما جاء في الكتاب
والسنة [18] .
يقول علي الكنز بلهجة ساخرة: (في هذا السياق نجد حركة الأصوليين تمجد
العصر الذهبي الأول حيث يصبح الأسطورة المؤسسة للتاريخ الفعلي، أي للإسلام، كما هو موجود فعلاً -إن صح التعبير- هذا الإسلام الذي يجب أن يفرض بصورة
مطلقة وشاملة باعتباره المعيار الأوحد لتصور ما حدث في التاريخ وما سيحدث في
المستقبل) [19] .
رابعاً: ترفض الحركات الإسلامية أن ينحصر نشاطها في المجال الديني فقط، وهي لا تقر بالفصل بين الدين والحياة الاجتماعية بصورة عامة، وتعتبر هذا
الفصل موقفاً غريباً لا يمت إلى الإسلام بصلة، وإن التمييز بين ما هو ديني
ودنيوي غير وارد بالنسبة لهذه الحركات التي ترفض كل علمنة وتعتبر نفسها في
الوقت ذاته حركة دين ودنيا ودولة [20] .
خامساً: تقوم الحركات الإسلامية على أساس الشرعية الإسلامية، بمعنى
تطبيق الشريعة الإسلامية ووترفض أن تطرح هذه الشرعية على أساس آخر،
ويعني هذا عند رجال الاجتماع أن هذه الحركات تتجاهل كل الثقافة العصرية التي
تعتبرها أجنبية وغريبة بما فيها مسألة الديمقراطية والصراع الطبقي.
سادساً: تسعى الحركات الإسلامية إلى إقامة الخلافة الإسلامية، كما أنها
تنظر إلى العالم على أساس ثنائية دار الإسلام ودار الحرب. وهي تهمل بذلك -
كما يرى رجال الاجتماع - الإشكالية العصرية المتمثلة في الدولة الوطنية،
وتجارب التنمية الوطنية المختلفة التي شهدها الوطن العربي.
وبإسقاط الحركات الإسلامية مسائل الديمقراطية والصراع الطبقي والدولة
الوطنية وتجارب التنمية من حساباتها تكون قد سحبت من يد رجال الاجتماع
مرتكزات أساسية يعتمدون عليها في تبرير وإثبات وجودهم وأهميتهم للجماهير.
سابعاً: يبدأ الإعداد لهذه الحركات في المدارس والجامعات؛ ليمتد بعد ذلك
إلى نشاطات تستهدف مراقبة المجتمع انطلاقاً من المساجد لينتهي في الأخير إلى
المواجهة المعلنة مع الدولة والنظام السياسي من خلال أحزاب في سياسية تتخذ
الإسلام قاعدة لها.
ثامناً: انتقلت الحركات الإسلامية من موقف دفاعي إلى موقف هجومي بفضل
تطور القضايا التي رسمت علامات حركتها كالإصلاحات التربوية والتنديدات
الأخلاقية والانتقادات السياسية عبر المساجد والمؤسسات والأحزاب السياسية.
تاسعاً: لا تختلف الموضوعات التي تتمحور حولها الحركات الإسلامية من
بلد عربي إلى آخر، وتتسم هذه الموضوعات بالبساطة، وتتبلور حول مسائل لا
تضيف في حد ذاتها أي جديد ملفت للانتباه، بل تكمن أهميتها في طريقة عرضها
وفي فعاليتها الأيديولوجية.
عاشراً: تمكنت الحركات الإسلامية من التغلغل في القطاعات الاجتماعية
المختلفة، وكونت قاعدة اجتماعية واسعة لمواجهة الأنظمة القائمة، ومحاولة العودة
بالمجتمع الإسلامي إلى منابعه الأصيلة [21] ، كما نجحت في اختراق التنظيمات
الطلابية وسيطرت على اتحاداتها وامتد تأثيرها إلى أعضاء هيئة التدريس
بالجامعات [22] ، وذلك بسبب مرونتها وعموميتها التي جعلتها قوية وقادرة على
استيعاب قوى اجتماعية متباينة [23] يعني ذلك في نظر رجال الاجتماع أن
الحركات الإسلامية لا تقر التمايز الطبقي في المجتمع، وأنها تتعدى الطبقات
وتحتويها كلها في الوقت ذاته على عكس الأيديولوجيات والأنظمة الفكرية التي
ظهرت ابتداءً من القرن التاسع عشر والتي تصور المجتمع على أنه قائم على وجود
طبقات ومصالح اجتماعية [24] ، وتنظر الحركات الاجتماعية إلى المجتمع على
أنه كيان توحده العقيدة وليس كياناً يرتبط بمجرد مصالح عملية وعلاقات إنسانية
سطحية، وإذا أخذت هذه الحركات هذا التمايز في اعتبارها فإنها تفعل ذلك من أجل
التنديد بآثاره.
حادي عشر: الحركات الإسلامية متعددة الأبعاد تكتسح المجال الاجتماعي
عبر موجات متتالية تغمر بالتدريج كل جوانب الحياة الاجتماعية من تعليم وآداب
واقتصاد وسياسة، ولا ينجو منها أي جانب، حتى الهندام وكيفية الضحك والحب
يمكن أن يخضع لها في وقت ما، وهذا يعني في نظر رجال الاجتماع أنها حركة
شاملة وشمولية.
(1) علي الكنز، الإسلام والهوية، الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 1990 ص 95.
(2)
جلال أمين، بعض مظاهر التبعية الفكرية في الدراسات الاجتماعية في العالم الثالث.
(3)
علي الكنز، الإسلام والهوية ص 92.
(4)
علي الكنز، الإسلام والهوية ص 95-96.
(5)
نفس المصدر ص 95.
(6)
علي الكنز، الإسلام والهوية ص 96.
(7)
عاطف العقلة عضيبات، الدين والتغير الاجتماعي في المجتمع الإسلامي، الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 1990 ص 152.
(8)
سمير نعيم، المحددات الاقتصادية والاجتماعية للتطرف الديني، الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1990 ص 231.
(9)
علي الكنز، الإسلام والهوية ص 96.
(10)
نفس المصدر ص 96-97.
(11)
عبد الباقي الهرماسي، علم الاجتماع الديني، المجال والمكاسب والتساؤلات، الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1990 ص 30.
(12)
على الكنز، الإسلام والهوية ص 94.
(13)
محمد شقرون، الظاهرة الدينية كموضوع للدراسة، الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1990 ص 132.
(14)
عاطف عضيبات، الدين والتغير الاجتماعي ص 154.
(15)
نفس المصدر ص 154.
(16)
عاطف عضيبات، الدين والتغير الاجتماعي ص 161.
(17)
ننس المصدر ص 154.
(18)
علي الكنز، الإسلام والهوية ص 93-94.
(19)
المصدر السابق ص 93.
(20)
علي الكنز، الإسلام والهوية ص 92.
(21)
عاطف عضيبات، الدين والتغير الاجتماعي ص 154.
(22)
سمير نعيم، المحددات الاقتصادية والاجتماعية للتطرف الديني ص 233.
(23)
علي الكنز نقلاً عن سمير أمين، الإسلام والهوية ص 92.
(24)
علي الكنز، الإسلام والهوية ص 92.