الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون في العالم
الصراع العربي - الإسرائيلي
وأكذوبة السلام
مازن عبد الله
لقد انتهت حرب الخليج بانتصار دول التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي خرجت من تلك الحرب كقوة عظمى وحيدة خاصة بعد سقوط منافسها الاتحاد
السوفييتى وانحسار نفوذه على الساحة الدولية. ولقد ظنت الولايات المتحدة
المنتصرة في الحرب التي أعدت وجندت لها وقادت دول التحالف فيها، وفكرت
بأن تلعب دور الشرطي الدولي، فقرر رئيسها صاحب القرار وبطل العملية،
وطموحاً منه في أن يدخل التاريخ وينظم إلى مجموعة عظمائه، قرر أن يقوم بعمل
يتوج فيه نصره ويذكره التاريخ عليه، فوعد بنظام عالمي جديد ينهي به عهد الظلم
والظلمات ويحكم على أساسه بالعدل والإنصاف.. وكان لابد له، ولكي يصبح
لكلامه هذا معنى ومصداقية، بأن يبدأ بترجمة كلامه بحل مشكلة الشرق الأوسط،
منبع الاضطرابات وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم. فكان القرار، وكما جاء
على لسانه في خطاب له بعد انتهاء حرب الخليج مباشرة، أمام الكونغرس الأمريكي.. «لقد حان الوقت لعقد سلام شامل في الشرق الأوسط يقوم على
مبدأ الأرض مقابل السلام وعلى قراري الأمم المتحدة رقم 242 و 338» .
لقد مضى على بوش هذا أكثر من شهرين. وقبل أن نبدأ بتقييم الخطوات
العملية لهذا القرار التي تم تنفيذها حتى الآن، نود أن نستذكر بعض الأحداث.
والتطورات السابقة المتعلقة بهذا الموضوع، ذلك أن قراراً كهذا لم يكن الأول ولن
يكون الأخير
…
في حزيران عام 1967، قامت إسرائيل بعدوان على الدول العربية واحتلت
سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان، فما كان من الدول العربية إلا أن لجأت إلى
الأمم المتحدة في الشهر التالي من العدوان، فتقدمت دول أمريكا اللاتينية بمشروع
القرار المعروف بالمشروع اللاتيني، والذي يقوم على أساس مبدأ الأرض مقابل
السلام، إلا أن الدول العربية رفضت القرار وقتئذ باعتباره يقدم مزايا سياسية
لإسرائيل. وفي شهر أيلول من نفس العام تم طرح الموضوع مجدداً أمام مجلس
الأمن، فأصدر هذا الأخير وبعد مناقشات دامت شهرين تقريباً قراره رقم 242
وذلك في 22 تشرين الثاني 1967؛ لقد تبنى مجلس الأمن الدولي وبالإجماع هذا
القرار الذي قضى بانسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها
في النزاع الأخير. فلقد صدر هذا القرار إذن، بغية إنهاء العدوان الإسرائيلي على
الدول العربية، ولكنه لم يتعرض لا من قريب ولا من بعيد للقضية الفلسطينية.
ولقد حرص السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة حينذاك على تسمية هذا العدوان
نزاعاً، وذلك لاعتبارات قانونية إذ أن اعترافه بالعدوان الإسرائيلي، يستتبعه قبوله
تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالعقوبات على إسرائيل،
وهو ما تم تطبيقه على العراق لعدوانها على الكويت. إنه وبالرغم من تجاهل هذا
القرار للقضية الفلسطينية، فلقد ضربت إسرائيل به عرض الحائط ولم تنفذ شيئاً
منه ولم تلقى أية ضغوطات لتنفيذه.
في 16 كانون الثاني 1969، أرسلت فرنسا خطاباً إلى كل من الولايات
المتحدة والاتحاد السوفييتي وبريطانيا تقترح فيه أن يلتقي مندوبو الدول الأربع
لبحث قضية السلام في الشرق الأوسط، فوافقت الدول على اقتراحها، وظل
المندوبون الدائمون الأربعة في مجلس الأمن يلتقون طوال عام 1969 في نيويورك، ولكن من دون جدوى، فلقد باءت محاولاتهم ولقاءاتهم - هذه بالفشل.
في 22 تشرين الأول 1973 وخلال حرب أكتوبر تبنى مجلس الأمن الدولي
القرار وتم 338 بأغلبية 14 صوتاً مقابل لا شيء. ولقد دعا هذا القرار جميع
الأطراف المشتركة في القتال إلى وقف إطلاق النار. والبدء فوراً بتنفيذ قرار
مجلس الأمن رقم 242 بجميع أجزائه. ولكن القرار الجديد هذا لم يكن أوفر حظاً
من سابقه، فلقد ذهبت كلماته أدراج الرياح.
مع بداية عام 1990، وعقب انتهاء الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد
السوفييتي ولقاء رأيسيهما في مالطا طرحت مسألة الشرق الأوسط مجدداً كونها من
أهم النقاط الساخنة، وتم الاتفاق على إقامة مؤتمر دولي تشارك فيه جميع الأطراف
تحت رعاية الأمم المتحدة. وبدئ فعلاً بالعمل والتحضير لهذا المؤتمر وكلف بهذه
المهمة وقتئذ جيمس بيكر نفسه الذي يقوم بنفس المهمة الآن بعد انتفاء حرب الخليج
والذي قدم مشروعاً من خمس نقاط لحل تلك المشكلة، ولكن في النهاية كل تلك
المحاولات والمشاريع باءت كسابقاتها بالفشل.
لقد انتهت الحرب في السادس من آذار 1991 بخروج أمريكا سيدة للموقف
الدولي، فعاد رئيسها للنغمة القديمة، ووعد بحل مشكلة الشرق الأوسط. ولقد عين
لهذه المهمة وزير خارجيته جيمس بيكر الذي بدأ فعلاً بجولات مكوكية على
الأطراف المعنية وكانت الخطة الأمريكية في بادئ الأمر تقضي بسحب موافقة
جميع الأطراف على عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة وحل النزاع على أساس
القرارين رقم 242 و 338. لقد قابل العرب والفلسطينيون هذا القرار بالقبول في
الترحيب بعد ما رفضه معظمهم في الماضي، فأيدوا مساعي بيكر وشجعوه على
المضي قدماً في طريق البحث عن سلام عربي إسرائيلي في ضوء تلك المبادئ التى
أعلنها بوش، وخاصة مقايضة الأرض بالسلام، والاعتماد على «الشرعية الدولية
» وكما تسمى، ممثلة في القرارين رقم 242 و 338. وشجعهم على ذلك أكثر
فأكثر، مواقف أوروبية أخرى كان أهمها موقف الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران
الذي، بالإضافة إلى موافقته على مبدأ الارض مقابل السلام وتحكيم «الشرعية
الدولية» في حل النزاع؛ عاد ليذكر بقرار الأمم المتحدة القديم بتقسيم فلسطين إلى
دولتين، واحدة إسرائيلية وأخرى عربية، وهو القرار الذي ترفضه إسرائيل
وتتجاهله أوروبا وأمريكا منذ الأربعينات وحتى اليوم
…
أما بالنسبة لإسرائيل، فلقد
رفضت الخطة الأمريكية رفضاً قاطعاً، ورفضت فكرة عقد مؤتمر دولي، كما
رفضت إعطاء أي دور للأمم المتحدة ومجلس أمنها؛ خوفاً من أن تحاول تلك
الأخيرة ممارسة أي ضغط أو فرض أية حلول عليها، وعزت رفضها هذا لعدم
ثقتها بالأمم المتحدة التي تتهمها بالتحيز عندما قررت مساواة الصهيونية بالعنصرية. فلقد قال مرة «أبا إيبان» وهو أول مبعوث لإسرائيل في الأمم المتحدة، ويؤيد
قيام الأمم المتحدة بدور ما في عملية السلام.. «لو أن العرب اقترحوا مشروع
قرار يقول أن الأرض مسطحة، فسيحصلون على موافقة أغلبية ثلثي أعضاء
الجمعية العامة» .
في 10 نيسان 1991 أعلنت وكالات الأنباء، وعلى أثر مقابلة بيكر مع
وزير خارجية إسرائيل دافد ليفي، أنه تم الاتفاق بين أمريكا وإسرائيل على العمل
على عقد مؤتمر إقليمي للسلام في الشرق الأوسط برئاسة الولايات المتحدة ومشاركة
الاتحاد السوفياتي والدول العربية على أن لا يكون الهدف النهائي لعملية السلام،
إنشاء دولة فلسطينية. ولقد اشترطت إسرائيل في هذا الاتفاق أن يتم التعامل مع
المشكلة الفلسطينية على أساس خطة إسحاق شامير التي قدمها عام 1989 والتي
تقضي بإجراء انتخابات محلية في المدن والقرى العربية تمنح الفلسطينيين في
الضفة الغربية وقطاع -غزة حكماً ذاتياً محدوداً، تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة
على الأرض والموارد والدفاع، وتمتد فترة الحكم الذاتي هذه لثلاث سنوات، تعقبها
محادثات لاحقة حول الحل النهائي، بشرط أن لا تجبر إسرائيل على قبول ما لا
يناسبها. واشترطت إسرائيل أيضاً أن يتم تشكيل وفد فلسطيني يتفق حوله معها،
ويكون من داخل الضفة والقطاع فقط، كما اشترطت الاعتراف بوجود أكثر من
تفسير لقرار مجلس الأمن رقم 242 وإعلان واشنطن حق إسرائيل في التفسير
المناسب لها؛ وتفسر إسرائيل قرار مجلس الأمن بأنه يدعوها إلى الانسحاب من
أراض احتلتها في حرب عام 1967، وليس من الأراضي التي احتلتها في حرب
عام 1967، وتعتبر أنها التزمت بهذا القرار ومنذ وقت طويل وذلك عندما انسحبت
من شبه جزيرة سيناء في إطار معاهده السلام التي وقعتها مع مصر عام 1979م.
وعلى صعيد اشتراك الاتحاد السوفياتي إلى جانب الولايات المتحدة في اللقاء،
اشترطت إسرائيل على موسكو أولاً إعادة العلاقات الديبلوماسية كاملة معها، وثانياً
الإقرار بنقاط اللقاء الإسرائيلي الأمريكي سابق الذكر حول شكل وهدف المؤتمر.
تجدر الإشارة هنا إلى أن إسرائيل وخاصة اللوبي الصهيوني التابع لها داخل
الكونغرس الأمريكي، لعبت دوراً مهماً وأساسياً في الضغط على الاتحاد السوفياتي
من أجل إعادة العلاقات الديبلوماسية كاملة معها، ومن أجل إرغامه على تسهيل
هجرة اليهود السوفيات إليها؛ فلقد ذكرت وكالات الأنباء في 17/4/91 أن وزارة
الخارجية الأمريكية أصدرت بياناً جاء فيه أن الرئيس الأمريكي جورج بوش أوضح
عندما وقع الاتفاق التجاري الأمريكي السوفياتي خلال اجتماع قمة واشنطن، ومرة
أخرى عندما أوقف مؤقتاً العمل بقانون جاكسون - فانيك، الذي يحظر تقديم أية
قروض إلى الدول التي لا تسمح بحرية الهجرة، أنه لن يقدم الاتفاق التجاري
للكونغرس إلا إذا طبق الاتحاد السوفياتي قانوناً جديداً للهجرة. ولقد أعرب المؤتمر
القومي بشأن اليهود السوفيات في أمريكا وقتئذ عن قلقه العميق بشأن التقرير عن
تأخر صدور هذا القانون. وكان هذا المؤتمر قد حث الولايات المتحدة على تخفيف
القيود التجارية على موسكو عندما خففت القيود على الهجرة.
أخيراً، فإن فكرة المؤتمر الإقليمي هذا الذي طرحته إسرائيل وتبنته الولايات
المتحدة، حتى هذه الفكرة حمّلتها إسرائيل من الشروط ما يشجع العرب على
رفضها. بل يجعل من المستحيل القبول بها. ولكن وبالرغم من كل هذا، قبلت
بعض الدول العربية بها؟ فلقد اعتبرتها مصر ووصفتها بأنها «مفيدة جداً» ،
وتخلت بذلك عن طلبها، الذي تقدمت به خلال زيارة الرئيس السوري حافظ الأسد
إلى القاهرة بمشاركة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن في هذا المؤتمر. ولقد ذكر مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 11/4/1991 أن
السعودية أبلغت بيكر أنها أوقفت الدعم المالي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن
الأمير سعود أبدى اهتماماً كبيراً بالاقتراع الأمريكي بعقد مؤتمر إقليمي للسلام بين
إسرائيل والدول العربية والفلسطينيين بإشراف الولايات المتحدة والاتحاد
السوفياتي
…
وكانت سورية قد أصرت على التفاوض مع إسرائيل على الأسس التي اتفقت عليها المجموعة الدولية، بما فيها أمريكا، وتنفيذ قراري مجلس الأمن في إطار مؤتمر دولي تشارك فيه كافة أطراف النزاع بها فيها الطرف الفلسطيني.
ومن المسلم به أن إسرائيل ترفض فكرة المؤتمر الدولي والانسحاب حسب
قرارات الأمم المتحدة. وهذا ما حدا بوزير الدفاع الأمريكي ريتشرد تشيني، في
29/4/91 إلى الحد من توقع حل مبكر لأزمة الشرق الأوسط، فأعلن أن
«الانتصار في حرب الخليج يجب ألا يعني في شكل تلقائي أن علينا أن نتوقع أن في استطاعتنا خلال مدة قصيرة إزالة كل النزاعات ومصادر عدم الاستقرار في المنطقة» . وفي رد له على سؤال في مؤتمر عقده معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى من بعد ظهر ذلك اليوم عما إذا كانت تستطيع الولايات المتحدة تحمل الفشل في التوصل إلى سلام بعد كل الجهود التي بذلتها، أعرب عن أمله بالتوصل إلى حل سلمي للمشاكل في الشرق الأوسط وقال:«ولكنني أعتقد بأن علينا ألا نكون بسطاء للاعتقاد بأن الأمر سيكون سهلاً، وأننا نستطيع في الضرورة حل المشاكل الموجودة في المنطقة» .
أخيراً يبدو واضحاً من خلال متابعة التطورات والتصريحات الرسمية التي
رافقت جولات بيكر، أن إسرائيل ترفض مبدأ الأرض مقابل السلام، ولن تقدم
تنازلات، ولن تتخلى عن الضفة الغربية أو غزة أو الجولان، ولن تقبل بدولة
فلسطينية مهما كان شكلها ووضعها، وتصر على استبعاد الدول الأوربية والأمم
المتحدة، ولا تريد إلا مؤتمراً إقليمياً وبجلسة واحدة تمهد لمفاوضات مباشرة تقتصر
على إسرائيل وكل من الدول العربية على حدة.. فالذي ينظر إلى العقلية
الإسرائيلية بعمق، ويفكر بالنظرية الصهيونية ومنهجيتها العملية بعقلانية، يعلم
ويتيقن بأن تلك الفئة من المخلوقات، عندما تتحدث عن أمن أو سلام، إن هو إلا
ذر رماد في العيون. وأن هؤلاء الذين عملوا وجهدوا طوال عشرات السنين وفي
جميع الظروف والحالات ليصلوا وبكل الوسائل إلى هدفهم الموعود «إسرائيل
الكبرى» ، عندما يتكلمون عن مؤتمرات إقليمية أو غير إقليمية ومفاوضات مباشرة
أو غير مباشرة، وعندما يتحدثون عن إمكانية تقديم تنازلات أو استحالتها، إنما
يتبعون أسلوباً ذكياً مبنياً على تخطيط مسبق بعيد وعميق، يعملون ويقتسمون
الأدوار على أساسه، فهذا يميني وذاك يساري، وهذا متطرف وذاك معتدل، وهذا
يريد السلام وذاك لا يريده، فالقضية مناورات بمناورات، والمسألة تمثيل بتمثيل،
وفي النهاية تجدهم متفقين على الهدف النهائي.. لقد ذكرت - صحيفة «هآرتس»
أن رئيس حزب العمل شمعون بيريز تحفظ على تصريح النائب يوسي بيلين بشأن
تأييد الحزب للحكومة في حالة انسحاب الأحزاب اليمينية منها إذا ما وافق رئيس
الوزارة على تقديم تنازلات بشأن السلام. وقال بيريز: «ما كنت لأقول كما قال
بيلين لأن تصريحاً كهذا كان سيخلق انطباعاً بأن شامير مستعد فعلاً لتقديم تنازلات» ، وهو لا يريد أن يخلق انطباعاً بأن هذا ما سيحصل. وأضاف أن على الولايات
المتحدة أن تمارس الضغط على العرب وليس على إسرائيل «فالعرب يهذون في
أحلامهم ويبالغون في طلباتهم» .. فبيريز هذا، وهو زعيم المعارضة في إسرائيل، لا بأس عنده في أن يعارض وينتقد شامير في مسألة مبتوتة سلفاً وقطع شوطاً في
تنفيذها كمسألة الاستيطان وبناء المستعمرات، أما عندما تكون المسألة متعلقة
بقرارات عملية لها علاقة بمستقبل إسرائيل، فلا معارضة ولا خلاف. وتجدر
الإشارة هنا بأن شارون وزير الإسكان الإسرائيلي ومدبر ومخطط عملية غزو لبنان
بدأ بتعجيل برنامج إسكان ضخم في الأراضي المحتلة ليجعل من الانسحاب منها
تحت ضغط من جانب واشنطن أمراً مستحيلاً. وهذا البرنامج يشمل خطط لبناء
13000 مسكن جديد في الضفة الغربية خلال العامين المقبلين.
أخيراً، أجد من المناسب أن أختتم هذا المقال بكلام لوزير العلوم الإسرائيلي
يوفال نئمان في مقابلة أجرتها معه مجلة (جيروزالم ريبورت) «وصف فيها
المسيرة السلمية كحيلة خطيرة لإجبار إسرائيل على تقديم تنازلات خطيرة. قال:
» إن اليهود تدبروا أنفسهم بدون سلام على مدى مائة سنة وبوسعهم أن يتدبروا
أنفسهم بدونه مائة سنة أخرى «
…
من مانغستو إلى غاندي
ماذا تعني هذه الأحداث
ما وقع أخيراً من الأحداث المتسارعة في دول آسيا وإفريقيا، قد يبدو في
الظاهر أنه لا يجمعه جامع ففي الهند اغتيل زعيم حزب المؤتمر راجيف غاندي
الذي ورث زعامة الحزب عن والدته وجده، وفي الحبشة فرّ منغستو متجهاً إلى
زيمبابوي تاركاً بلاده إلى أزلامه المقربين، بعد حكم دموي دام أربعة عشر عاماً،
وفي تونس ألقت الحكومة التونسية القبض على كثير من زعماء وأعضاء حركة
النهضة الإسلامية، وذلك بتهمة التآمر والانقلاب على الدولة.
ماذا تعني هذه الأحداث، وما هو الشيء المشترك بينها، أول ما يتبادر إلى
أن الذهن أن أكثر دول إفريقيا وآسيا (العالم الثالث) لا تزال في مرحلة تخلف
واضطراب، ولم تستقر على حال بعد، وكل الحكومات المتعاقبة لم تسر على
خطى صحيحة، وتعمل في سبيل مصلحة بلدها، وأولى الخطوات هي إعطاء
الإنسان الكرامة التي يستحقها، فالظلم يؤدي إلى الخراب الاقتصادي، والخراب
الاقتصادي يؤدي إلى الفساد الاجتماعي.. وهذه الدول لاتزال تعيش عقلية القرون
الوسطى الأوربية، فالذين قتلوا راجيف غاندي إنما يريدون منه أن يكون أكثر
تعصباً ضد المسلمين وهو لا يختلف عنهم إلا أنه ناعم الملمس، ومنغستو لا يقر
بأي حق للمسلمين في بلاده، بل إن مواطنيه يقولون: لن يتغير شيء بعد رحيله؛
لأنه ترك أزلامه في السلط. [1] .
وحركة النهضة الإسلامية كانت في البداية تداري وتؤيد الحكومة الجديدة على
أمل الحصول على حقوق الإنسان الأساسية، ولكن أمور الحكم تسير دائماً وكأنهم
يريدون تفجيرها ليهدموا البيت علىساكنيه، وتبقى البلاد في حالة مزرية من
الضعف والتمزق، وقد عبر راجيف غاندي لأحد الصحفيين قبل مقتله بقليل عن
إحباط الناس في الهند، فقال: «إن إحباطاً هائلاً يتولد بين الناس؛ لأن النظام لا
يحقق طموحاتهم» [2] ، وطبعاً هو جزء من هذا النظام، فقد حكم هو وأسرته
فترة طويلة.
إن - هروب منغستو، وهروب سياد بري وسقوط غيرهم من المفسدين في
الأرض يجعل أكثر الناس غباءً يعتبر وينزجر، وليكن يبدو أنه قد ران على قلوبهم.
(1) الحياة 22/5/91.
(2)
القدس العربي23/5/1991.
حوار
دور المرأة المسلمة
وجهت البيان مجموعة من الأسئلة إلى الأخت الفاضلة خولة درويش. وكان
الحوار يدور حول مكانة المرأة المسلمة ودورها في الأسرة والدعوة إلى الله،
فأجابت مشكورة.
س: لا نستطيع أن نقول أن هناك مشكلة في الإسلام اسمها المرأة، لأن هذا
الدين من عند الله ولا يظلم ربك أحداً، وكل له مكانه ومكانته في حدود ما يسر له.
ولكن السؤال من ناحية واقع المسلمين، هل هناك مشكلة للمرأة؛ وما أسباب
هذه المشكلة؟
ج: حقاً لا توجد مشكلة للمرأة في الإسلام
…
أما من حيث واقع المسلمين،
فواقعهم يزخر بالمشكلات لكل من المرأة والرجل على السواء: من بناء الأسرة إلى
طريقة الكسب، طريقة الإنفاق، التعلم، العمل لخدمة الإسلام
…
والمرأة المسلمة تعيش الأوضاع نفسها التي يعيشها الرجل المسلم، فهي بلا
شك تعاني نفس المشكلات أيضاً، يضاف لها المشكلات المفتعلة والتي يصورون
سببها رئاسة الرجل للأسرة.
وفي ظل الالتزام بأمر الله تعالى، لن تكون هناك مشكلة أبداً، وسبب ذلك أن
الله تعالى خالق الذكر والأنثى وكرمهما جميعاً قال تعالى: [ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ]
شرع ما فيه خير الجميع من رجل أو امرأة، ولا يحابي في تشريعة الحكيم أيا منهما.
هذا وإن جعل التشريع الحكيم القوامة للرجل.. لكنه قيده بضوابط شرعية
تمنعه من النكاية بالمرأة وإلحاق الضرر بها.
وفي غيبة تطبيق الشريعة الربانية تبرز الأنظمة البشرية التي تقصد مصلحة
أحد الطرفين لا محالة، وهنا فقط تكون المشكلة من تضييق على المرأة باسم
القوامة ليحرمها من حقها المشروع.. إلى تسيب المرأة تحت دعوى الحرية
والمساواة.
س: بالنسبة لمشكلة التعليم، إلى أي حد تساهم المناهج الآن في تشكيل عقلية
المرأة وإعدادها لدورها المطلوب؟ وما هي حدود تعلم المرأة التي تتناسب ودورها
وشخصيتها؟
ج: إن عدم إلمامي بجمع مناهج البلاد العربية يجعل الجواب صعباً، وفي
حدود معلوماتي فإن المناهج الحالية لها بعض الفائدة في تعليم البنات ما ينفعهن في
حياتهن. لكن يعكر على هذه الفوائد كثير مما لا فائدة حقيقية منه، بل ومآله ضرر
محقق.
أما الاهتمام بدورها الأسري، وإعدادها لتكون زوجة واقعية وأماً مربية
فالمناهج لا تفي بهذا المقصود المهم. أما الشطر الثاني من السؤال، وهو حدود
تعلم المرأة: فالعلم المفروض هو ما تحصل به معرفة أمور دينها التي لا يتم
الإسلام إلا بها. أما ما زاد على ذلك فالمرأة تتعلم ما قدر الله لها من العلم وما
ترغب فيه ويتناسب مع استعداداتها وذكائها ما دام ذلك بحدود الشرع. في كون
العلم دون اختلاط أو خلوة.. ونحو ذلك وكذا نوعية العلم الذي تدرسه، فالعلم الذي
هو ترف فكري لا ينفعها في دينها أو دنياها، ويعتبر مضيعة للوقت وتحاسب عليه
أمام الله عز وجل.
ومن أكثر ما يهم المرأة المسلمة ويجب أن تسعى لتعلمه: معرفة أسس
الشريعة التي تؤهلها للعبادة، معرفة قواعد الصحة العامة، التدبير والاقتصاد
المنزلي، أسس التربية، وكذا ما ينفعها في مهنتها المشروعة (كأن تنمي معلوماتها
التي تختص بالتعليم وإن كانت تعمل معلمة، أو تجدد اطلاعها إن كانت طبيبة..
وهكذا) .
س: من الملاحظ أن المرأة كان لها دور كبير في أوائل الدعوة فما دورها
الآن؟ وهل أتحنا لها أن تقوم بهذا الدور في مجتمعاتنا الدعوية المعاصرة. ومن
يتحمل مسؤولية إبعادها عن هذا الدور؟
ج: لا شك أن كل منصف يقدر للمسلمة في فجر الدعوة دورها ومساهمتها في
تبليغ رسالة السماء، ونتطلع إلى الاقتداء بأولئك النساء الفضليات. أما دورها الآن، فأرى أنه شبه مفقود، وإن وجد فهي محاولات ذاتية وقليلة للقيام بهذا الواجب
الشرعي. ونرجو لهذه المحاولات أن تنمو على أسس شرعية سليمة.
أما مسؤولية إبعادها عن هذا الدور:
- فتتحمله الأوضاع الجائرة في كثير من البلاد الإسلامية.. فهي قد أبعدت
الرجال عن القيام بهذا الواجب فضلاً عن النساء.
- وتتحمله الموروثات الخاطئة عن مهمة المرأة في الحياة، حيث ينظر إليها
على أنها أداة لحفظ النسل.
- وتتحمله أنانية كثير من الرجال أو ضيق أفق بعضهم، لشعورهم بذاتهم في
غيبة وعي المرأة وعملها في الدعوة.
وتتحمله المرأة نفسها؛ إذ للأسف يصعب على البعض الموازنة بين الحق
والواجب فيجمح بها الغرور، ويحول الكبر والغطرسة التي قد يخلفها العمل دون
تقدير رأي الزوج مما يحول البيت إلى جحيم لا يطاق.
وأرى أن الحل هو في التربية الإسلامية المتوازنة التي تدعو إلى إعطاء كل
ذي حق حقه أولاً، ومن ثم الدعوة إلى الخير والتناصح.
س: ضمن التناول المتطرف للأمور يأتي موضوع المرأة بين من يريدون
مساواتها بالرجل في أمور الدعوة وبين من يحتصرون دورها ومهمتها في المطبخ
والأثاث والملابس.. الخ ما رأيكم في هذا؟
ج: إن الدعوة قد تستلزم السفر أو الخروج من المنزل، وقد تستلزم الذهاب
إلى بيوت الأخريات أو قدوم النساء إلى بيت المرأة، كما وأنها تحتاج إلى بذل
وإنفاق. وهذه الأمور جميعاً ينظمها الشرع ويجعل الرأي فيها جزءاً من قوامة
الرجل على المرأة. أي أن مساواتها بالرجل في أمور الدعوة تنافي الدعوة التي
تريد أن تتصدر لها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن تكون مهمتها الطبخ والأثاث ونحو ذلك،
فهذه مهام تقوم بها أي امرأة أو حتى الرجل إن كان خادماً، فلماذا أوصى الشرع
بحسن اختيار الزوجة؟ وإلا ما الفرق بين امرأة وأخرى.
والناظر في دور المرأة المسلمة في هذا المجال عبر التاريخ، يجد أنه كان
لدعم عمل الرجل، ولا يصح بحال أن يستهان بهذا الدور، فمواساة السيدة خديجة
للرسول صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة شدت أزره وأذهبت روعه حين
تحملت معه المصاعب في الشعب وواسته بمالها، فكان موقفها يعجز عنه الرجال.
فالمرأة في كونها السكن النفسي لزوجها تؤدي دوراً دعوياً مهماً. ذلك لأنه
مشغول البال والفكر، لا يمكن أن ينهض لحل مشكلاته الخاصة فضلاً عن دعوة
الغير إلى الخير. وأنّى له أن يجد الراحة وقد تحول بيته إلى مكان لتنغيص العيش
وإثارة الهم.
وباختصار فالرجل المسلم لا يكبتها فيحطم كيانها وبنفس الوقت لا يترك الحبل
على الغارب فيفسد دينها ودنياها، والمرأة المسلمة تعلم أن عملها في المطبخ ليس
مجال أنفة وكبر، وإنما هو مجال للثواب، ورجلها المسلم إذا أمكنه لا يبخل عليها
بإحضار بعض الآلة المريحة التي تشعرها، بكيانها، وتوفر جهدها ووقتها لتقوم
بمهام دعوية جليلة.
س: هل تستطيع المرأة المسلمة توظيف موضوع الزيارة مع الأقارب أو
الجيران أو أخواتها المسلمات دعوياً لإيجاد تطلعات إلى الحياة الإسلامية؟
ج: إذا كانت مسلمة حقاً فبالتأكيد تستطيع ذلك وهو جزء من واجبها الديني.
ذلك أن نظرة الناس إلى الدين إنما تبنى بالنظر إلى تصرفات المتدين.
ودعوتها تبثها في كونها قدوة حسنة في كريم أخلاقها، اعتدال لباسها واحتشامه،
همومها، تطلعاتها، معايشتها للآخرين ومشاركتها لهم في آلامهم وأفراحهم، حسب
ما يبيحه الشرع. كل ذلك تأتي به طبيعياً دون تكلف، فضلاً عن الدعوة المقصودة
في انتهاز الفرص المناسبة للدعوة والتوجيه على أن لا يكون في ذلك مبالغة، وعلى
أن تراعي أحوال المدعوات وإلا كان الكلام ممجوجاً ثقيل الظل. وبالتالي تمقت
المبادئ التي تدعو لها.
س: أين تقف المرأة المسلمة الآن من مؤسسة الأسرة وهموم هذه المؤسسة؟
ج: للأسف قد تزف الكثير من فتياتنا إلى بيت الزوجية، والواحدة منهن
تحمل أوهاماً كثيرة.. تظن أنها ستذهب للراحة والتدليل، وما درت أن هذه بداية
المسؤوليات، فقد ذهب دور الأخذ الأسري الطفولي وجاء دور العطاء العاطفي
والتضحية بالراحة والرغبات لمصلحة كل من الزوج وأهله والأصحاب والجيران.. ومن ثم الأولاد.
وتبدأ المشاكل حين تصطدم الفتاة بالواقع الذي لم تهيأ له، وقد يطول لسان
المسكينه لتثبت أنها ليست بأقل من رجلها، فتحول دون الهناءة المنتظرة ويتعلم
أطفالها ذلك.
والمرأة الداعية لدينها تعلم أنها إن احترمت زوجها وأحسنت عشرته احتساباً
للثواب من الله فهي في عبادة تؤجر عليها.
وإن حفظته في أهله فراعت حقهم وأحسنت إليهم، وإن حفظته في ماله
فوضعت كل درهم في موضعه المشروع فهي في عباده. وهي إن ربت أولادها
فأحسنت أدبهم فهي في عبادة يبقى أجرها لما بعد الموت، تعرف أطفالها حق الله،
وتتابعهم في أداء الصلاة، تعودهم على مراقبة الله والعمل على مرضاته، تعرفهم
حق الوالدين، فلا تسمح لأحد بذكر كلمة سوء عن الأب، حتى ولو كانت في أشد
حالات الغضب. وإلا فهي التي ستتلقى التهجمات من ابنها نفسه فيما بعد؛ لأنها قد
أورثته العقوق، تحببهم في العلم ومصاحبة الكتب..
وهكذا تجعل من بيتها واحة عطرة تفوح بالخير والفضيلة في أرجاء المجتمع، والمسؤولية للنهوض، بالمرأة (فيما أرى) موزعة بالتساوي على أسرنا وإعلامنا
ومناهج الدراسة.
س: ما هي الكتب والموضوعات التي تبني شخصية المرأة وتنميها في
الأمور التي نرى أنها مهمة لها كمسلمة تعيش في ظروف المجتمعات الإسلامية الآن؟
ج: الكتب كالدواء فكما أنه يوصف لكل مريض ما يناسبه، ويضر به أن
يعب من الصيدلية أي دواء. كذلك فلكل امرأة ما يناسبها من الكتب حسب ثقافتها
واستعداداتها والغاية التي تريد أن تقرأ لأجلها. وعلى العموم فالكتب التي يشترك
الجميع فيها قد تكون:
- المرأة بين الفقه والقانون لمؤلفه، د. مصطق السباعي رحمه الله
- كتاب الحجإب - تفسير سورة النور، لأبي الأعلى المودودي رحمه الله
- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، لأبي الحسن الندوي.
- واقعنا المعاصر، محمد قطب -حفظه الله-
- قولي في المرأة، مصطق صبري رحمه الله
- الإسلام والحضارة الغربية، د. محمد محمد حسين رحمه الله
- المجلات الإسلامية كالبيان مثلاً.
س: باعتبارك تشرفين على المدارس الأهلية للبنات، فما انطباعاتك عن هذه
المدارس؟ وما دورها في تربية أبناء المسلمين تربية إسلامية هادفة؟
ج: للمدارس الأهلية دور كبير في التغيير الاجتماعي سلباً أو إيجاباً، وقد
عرف المبشرون والعلمانيون ذلك، فتخرج من مدارسهم أناس أداروا دفة التوجيه
والقيادة في كثير من بلادنا الإسلامية.
واليوم ولله الحمد قد أدرك الكثير من المسلمين أهمية المدارس والتربية فيها،
فنشطوا ليسدوا بعض الثغرات، وليقوموا بأمانة تربية الأجيال المسلمة، وأصبح
كثير من هذه المدارس يسعى إلى غرس المثل الإسلامية، والقيم الخلقية السامية
رغم العقبات التي تلقاها، من قلة الكوادر المؤهلة في الإدارة والتعليم حيناً، أو
الصعوبات المالية حيناً آخر أو تدخل الأنظمة في أكثر بلدان المسلمين؛ لتحد من
انطلاقة المدارس الجادة نحو تحقيق أهدافها المرجوة الخيرة.
ومهما يكن الأمر فهي معقد الأمل للتربية الإسلامية المنشودة، جزى الله
القائمين عليها خيراً.
س: وأخيراً هل لديك نصيحة تريدين توجيهها إلى الفتاة المسلمة؟
ج: نعم أرجو من كل فتاة مؤمنة أن تكون على مستوى مسؤوليتها،
فالمؤامرات تحاك ضدها فلا تنخدع.
وأن تشعر أنها على ثغر خطير من ثغور الإسلام، فلا يؤتين من قبلها.
أن ترتفع فوق جواذب الأرض والتفاهات الفارغة، والموضات الخداعة
القاتلة، لأنها ذات رسالة وأية رسالة! إنها إعداد الأجيال المؤمنة، لَبِنات الحياة
الإسلامية، والمجتمعات الجادة على طريق سلف هذه الأمة وما ذلك على الله بعزيز.