المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أثر العقيدة في توجيه السلوك والأخلاق - مجلة البيان - جـ ٤٢

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌أثر العقيدة في توجيه السلوك والأخلاق

أخلاق

‌أثر العقيدة في توجيه السلوك والأخلاق

محمد الناصر

إن الإيمان الصادق يصنع الأعاجيب، فمتى استقر في القلب ظهرت آثاره

واضحة في المعاملة والسلوك.

(والإسلام عقيدة متحركة لا تطيق السلبية؛ إذ إنها بمجرد تحققها في عالم

الشعور، تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج وتترجم نفسها إلى حركة وإلى عمل في

عالم الواقع) . [1]

والمسلم إذا تمكنت العقيدة من نفسه تبرأ من المشركين وما هم عليه من عقائد

وأفعال وسلوك، وإذ تخرّج على التربية الإيمانية نموذج فريد من الرعيل الأول،

كانوا قمماً شامخة؛ ارتفعوا فوق جواذب الجاهلية ومفاتن الدنيا وما فيها من مغريات.

وسارت الأجيال المسلمة تنهل من التربية المثلى التي غرسها رسول الله -

صلى الله عليه وسلم ومن الأخلاق الفاضلة التي لم تتغير من فرد إلى فرد، ولا

من مجتمع إلى آخر بل هي قيم ثابتة تزداد ثباتاً كلما مرت الإنسانية في تجاربها

خلال هذه الحياة.

وهي أخلاق متكاملة تحتضن جميع الفضائل والأعمال الخيرة لصالح الفرد

والمجتمع وني جميع لا الميادين. [2]

وقد يتساءل البعض قائلاً:

ما علاقة العقيدة بالأخلاق؟ ألا يمكن أن يكون للناس أخلاق طيبة بلا عقيدة؟ ! نعم، قد يوجد أخلاق عالية مُثلى كانت عند عرب الجاهلية وعند المجتمعات

غير المسلمة أحياناً ولكن هذا سببه أن النفس تحتجز رصيدها الخلْقي بحكم العادة

والتقليد أمداً طويلاً، بعد أن تكون قد فقدت الإيمان كجزء من العقيدة؟ .. وقد

تحتجزه فترة على وعي منفصلاً عن العقيدة، على أنه شيء ينبغي في ذاته أن يقوم.

ولكن النتيجة الحتمية واحدة في النهاية..

إنه ما دامت العقيدة قد انحرفت فلا بد أن تنحرف الأخلاق أخيراً وما دامت

الأخلاق قد انفصلت عن العقيدة فلا بد أن تموت. وإن هؤلاء المخدوعين - حسبوا

بتأثير الجاهلية - أن التصورات قد تنحرف ثم يستقيم السلوك.

إن هذا وهم من أوهام الجاهلية، لأن هؤلاء الناس قد ضُلّلوا عن حقيقة الشر

الذي يعيشون فيه.. وأن الحياة البشرية ذاتها مهددة بالدمار من ضخامة هذا الشر

وعنفوانه ومن ضخامة تمكُّنه من الحياة الواقعية للناس. [3]

وغاية المسلم الأساسية في أخلاقه، أن يحقق مرضاة ربه، ذلك أن هدف

المؤمن الأول من أعماله كلها هو ابتغاء وجه الله - جل وعلا - فقد أمره - سبحانه

وتعالى - بذلك، وعده بالجزاء الأوفى على أعماله الخيرة يوم القيامة.

قال-تعالى-: [فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً

يَرَهُ] [الزلزلة: 7-8] .

كما أن المسلم يحقق سعادته في الدنيا؛ يقول - تعالى -: [وعَدَ اللَّهُ الَذِينَ

آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ

ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً] [النور: 55] .

فالسرور ثمرة عملية لمن يتحلى بالأخلاق الفاضلة، والطمأنينة القلبية

والشعور بخيرية الذات وخيرية المصير من ثمرات الانسجام بين الإيمان والأخلاق

وذلك نتيجة طبيعية؛ لأن الإنسان عندما يتصرف بمقتضى عقيدته - فيؤدي

الواجبات كما ينبغي أداؤها ويتجنب المحرمات - يشعر بأنه إنسان خيِّر قوي الإرادة.

ومن يقرأ للملاحدة والكتاب الوجوديين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، يعلم مدى ما يعانون من الاضطراب النفسي والقلق والحيرة في أعماقي قلوبهم.

ذلك أن في طبيعة الحياة الإنسانية جانباً لا يُملأ إلا بالإحسان.. وكثيراً ما

يدفع القلق هؤلاء الحيارى إلى محاولات الانتحار. [4]

وإذا تفحصنا العلاقات الاجتماعية في حياتنا المعاصرة نجد أن الاضطراب في

السلوك هو الظاهرة السائدة، وأن الابتعاد عن الاستقامة مما تعج به أكثر المجتمعات

الحديثة، وهذا دليل واضح ومؤشر قوي على ابتعاد الناس - حتى كثير من

المسلمين - عن صفاء عقيدتهم المؤثرة والتزامهم المنضبط بتوجيهاتها.

سوء الخلق دليل على ضعف الإيمان:

ربط الإسلام بين الإيمان والسلوك ربطاً قوياً، ونلاحظ ذلك في نصوص

كثيرة مثبتة في الكتاب والسنة.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر

فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» [5]

وقوله - صلى الله عليه ومسلم -: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً» . [6]

إن قرن الإيمان بحسن الخلق، والسلوك الرفيع أمر يلفت النظر إلا أن كثيراً

من المسلمين يهملون هذا الجانب أيامنا هذه مع الأسف الشديد.

فبينما كان المسلمون الأوائل إذا سمعوا آية فيها تكليف سارعوا إلى تطبيقه،

وإذا نزل تحريم لأمر انتهوا عند ذلك من صدق الإيمان وصلابة العقيدة..

وقد عرفنا من كتب السيرة في قضية تحريم الخمر، كيف أسرع المؤمنون

إلى إراقة الخمور في شوارع المدينة المنورة.

وهنا سؤال مهم يطرح نفسه: وهو إذا كان للعقيدة هذا الدور الفعال في توجيه

السلوك. فلماذا لا نرى ذلك الأثر في واقع المسلمين الآن؟ !

إننا نجد البون شاسعاً بين ما يدّعون من عقيدة وبين ما يسلكون ويتصرفون به

في المعاملات والسلوك.

والحقيقة: أن الدعوى شيء والإيمان الحقيقي شيء آخر؛ إذ إن الإيمان

حقيقة وكل حقيقة لها علامة، وعلامة الإيمان العمل به، وإذا دخل الإيمان القلوب، واستقر فيها نبضت بالحيوية، ودفعت النفوس إلى العمل بموجبها..

وهؤلاء ممن [يَقُولُونَ بَأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ][آل عمران: 167] ؛

لأن معيار صدق الإيمان هو العمل الصالح، والإيمان ما وقر في القلب وصدَّقه

العمل، والاعتقاد الصحيح يدفع إلى السلوك الطيب. [7]

إن انهيار الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان، أو فقدانه، فالرجل المعوج

السلوك، الذي يقترف الرذائل غير آبه لأحد [8] يصف الرسول - صلى الله عليه

وسلم - حاله بأنه بعيد عن الإيمان بعيد عن الحياء، يقول عليه الصلاة والسلام: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال:

الذي لا يأمن جاره بوائقه» [9] ويقول صلى الله عليه وسلم تقريراً لهذه

المبادئ الواضحة في صلة الإيمان بالخلق القويم: «ثلاث من كن فيه فهو منافق،

وإن صام وصلى وحج واعتمر وقال: إني مسلم! ، إذا حدث كذب، وإذا وعد

أخلف، وإذا أؤتمن خان» رواه مسلم.

لقد أصبحت الشكوى مريرة لما أصاب الناس في العصور المتأخرة من انهيار

في الأخلاق، واضطراب في الموازين، فالجار يشكو جاره، والأمانة ضاعت بين

الناس، والمراوغة راجت سوقها، والتعلق بمتاع الدنيا فاق كل القيم عند كثير من

البشر، وإنه لخطر عظيم ينذر بالشرور والفوضى، وإن ذلك لدلالة واضحة على

فساد التصور وضعف الإيمان، فظهر بسبب ذلك انفصام نكد وازدواجية بين مفهوم

الإيمان ومقتضياته.

ومن هنا يلزم الدعاة والمربين أن يتنبهوا لهذا الخطر، وأن يبينوا للناس

حقيقة ما هم فيه، وأن الإيمان الصادق لا يعني حفظ بعض المتون في العقيدة أو

حتى تعلُّمها إذا لم يتمثل المرء أخلاقياتها..

لابد من تمثل العقيدة وتشرُّبها، وأن تتحول إلى واقع عملي في الحياة

والتعامل بين الأنام.. تأسياً بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين

تحولوا إلى نماذج فريدة سلوكاً وإخلاصاً وطهراً.

(1) في ظلال القرآن: 4/2525.

(2)

انظر: كتاب (التربية الأخلاقية الإسلامية) ، د مقداد يالجن، ص88- 90.

(3)

جاهلية القرن العشرين، الأستاذ محمد قطب، ص94-95 وما بعدها.

(4)

انظر الاتجاه الأخلاقي في الإسلام: د مقداد يالجن (الصفحات: 79، 121، 328) .

(5)

هداية الباري إلى ترتيب أحاديث البخارى: 2/155.

(6)

صحيح: المستدرك للحاكم النيسابوري 1/53.

(7)

التربية الأخلاقية الإسلامية: ص184-185.

(8)

انظر: (خلق المسلم) ، محمد الغزالي، ص14-18.

(9)

رواه البخاري.

ص: 23

خواطر في الدعوة

مَن لهذه المنابر؟

محمد العبدة

رغم الأهمية البالغة لخطبة الجمعة والتي يحضرها المسلمون أسبوعياً، في

أعداد لا تجتمع في غير هذه المناسبة، بل يتمنى أعداء الإسلام جمع عُشر مثل هذا

العدد لينفثوا أباطيلهم، رغم هذا فإنها لم تُعْطَ العناية الكافية من الدعاة: ما هو

الأسلوب الأمثل في مخاطبة الناس؟ ما هي المواضيع المناسبة؟ وكيف نرقى

بالناس إلى فهم دينهم فهماً واعياً؟ كيف نقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً؟ كيف نعالج

مشكلات حياتهم؟ كل هذا يجب أن يبحث ويكتب فيه، فإن غالب الخطباء إما أن

يتكلم بعواطف فائرة دون تبليغ فكرة أو معالجة مشكلة معينة، أو تكون خطبة هادئة

جداً تصل إلى درجة البرود، ومع ذلك فإن هذا الصنف يفتقر غالباً إلى المادة

العلمية القوية.

ومن الظواهر الجلية في الدعوة الإسلامية في هذا العصر أن الخطباء الذين

يملكون الحنجرة القوية والكلمات الطنانة الفضفاضة، استطاعوا صياغة شخصيات

كثير من أصحاب النوايا الطيبة في العمل للإسلام، وكثير من الشباب المتحمس

للدعوة. فأصبحت جموع كثيرة لا تحب التفكير الهادئ المتزن ولا تحب التعمق في

فهم المشاكل والصعوبات، ويكفيها أن تعيش على أحلام الخطب الحماسية التي

تشبع رغبتها.

نحن لا ننقص من قدر العاطفة وأهمية حشد الجماهير؛ فالرسول - صلى الله

عليه وسلم - عندما كان يخطب وكأنه منذر جيش يقول: صبَّحكم مسَّاكم، ولكننا

نريد الجمع بين هذه الحماسة وبين تقديم العلم النافع والفكرة الصحيحة، حتى يجتمع

لنا رأي عام بين صفوف المسلمين يؤيد الدعوة ويحبها ويدافع عنها، نريد الخطيب

المفكر والخطيب المؤثر، نريد الذي يجتمع عنده أصناف الناس من متعلم وعالٍ

وعامي، والكل يرجع وقد استفاد من موعظة قلبية أو فكرة هادفة.

أليس عجيباً أنك إذا زرت مدينة عربية لا تجد في كل المدينة إلا الخطيب أو

الخطيبين، ممن يجتمع علية الناس؟ وتجمع خطبه بين العلم والعاطفة والتأثير

القوي؟ .

هلاّ اعتبرنا بقول أحد زعماء الأحزاب التي تحارب الإسلام في بلادنا: (آه

لو عندي مثل هذه المنابر) ؟ !

ص: 28