الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون والعالم
نعم..
قامت الجامعة العربية بدورها
!
بقلم: عبد العزيز كامل
بعد أن انفض سامر الاحتفال بذكرى مرور خمسين عاماً على إنشاء جامعة
الدول العربية، وبعد أن أفرغ المتحدثون ما في جعبتهم من مدحٍ أو قدح، ومن ثناء
أو هجاء، ها نحن ندلي بما نراه في هذا الشأن، لا احتفالاً بهذه الذكرى، ولا
احتفاءً بيوبيلها الذهبي، ولكن إحقاقاً لحق ينبغي قوله، وتسجيلاً لشهادة لابد منها.
ولابد لنا من استحضار مشاهد سريعة من التاريخ الحديث، لاستظهار شواهد
من واقع مرحلة البدء التي تمخضت عن ميلاد فكرة الجامعة العربية، ذلك أنه في
أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وبداية القرن التاسع عشر، بدا أن دولة الخلافة
العثمانية قد أصبحت مرشحة للسقوط، بسبب ما اعتراها من خلل في البنيان ودَخَل
في المنهج، هذا في الوقت الذي كانت فيه دول العالم النصراني تتطلع إلى سقوطها
وإلى موت (الرجل المريض) لاقتسام تركته، وكان اليهود أيضاً يتشوقون للحدث،
ويرمقون الأحوال بشغف، عسى أن ينالهم نصيب من قسمة الميراث.
وفي أواخر حياته، سمع تيودور هرتزل (مؤسس فكرة الدولة اليهودية)
بحركة تدعو إلى تجديد شباب الخلافة الإسلامية، وأطلقت هذه الحركة على نفسها
(حركة الجامعة الإسلامية) ، وكان من دعاتها الشيخ محمد رشيد رضا، فاغتم لهذه
الحركة، وسرعان ما حركه حسه اليهودي الماكر من الاغتمام بالخبر إلى السعي
إلى اغتنامه، وخطر له أن يجري اتصالاته لإقحام النصارى في المناداة بتحرير
العرب من (استعمار) الترك، ولينادوا ب (القومية العربية) في مقابلة (القومية
التركية الطورانية) التي رفع يهود تركيا عقيرتهم بها، وكان أن اتصل هرتزل
بنجيب عازوري لمحاولة دمج حركته المسماة (اليقظة العربية) مع حركة (الجامعة
الإسلامية) ، ثم حدث أن قامت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، ليكون من أهم
نتائجها: هزيمة تركيا، والقضاء على دولة الخلافة العثمانية، وما هي إلا أعوام
ثلاثة حتى صدر وعد بلفور (وزير خارجية بريطانيا) بمنح اليهود وطناً قوميّاً في
فلسطين، ثم تقوم الحرب العالمية الثانية، التي كان من أهم نتائجها، تقسيم بلاد
العرب بين انجلترا وفرنسا، بمقتضى اتفاقية (سايكس بيكو) وزيري خارجية
البلدين، وهكذا انفرط العقد الذي كان يجمع البلدان العربية والإسلامية برباط
الإسلام، وأصرّ الأعداء على إيجاد رابطة بديلة لرابطة الانتماء للإسلام، وراج
الكلام وزاد الضجيج حول (رابطة العروبة) بدلاً من (رابطة الإسلام) ، و (الجامعة
العربية) بدلاً من (الجامعة الإسلامية) .
وفي 29 مايو عام 1941م، أدلى السياسي البريطاني المخضرم إيدن
بتصريح في مجلس العموم البريطاني، عبّر فيه عن استعداد بريطانيا لاحتضان
الدعوة لإنشاء الجامعة العربية، وقال: إن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم
لتحقيق فكرة (جامعة عربية) وقال: إنه سيكون لبريطانيا شرف السبق إلى تحقيق
هذا المطلب! .
وفي مصر، ندب حزب الوفد المصري (أعرق الأحزاب العلمانية) نفسه
لتنفيذ الفكرة، فدعا زعيم الوفد مصطفى النحاس إلى إنشاء مؤتمر يبحث فكرة
التنسيق بين الدول العربية، لترسيخ المبدأ القومي ثم الوطني على أساس الانتماء
للعروبة، واقترح تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر لهذا الشأن.
وبالفعل: جاء اليوم الذي أعلن فيه عن تأسيس (الجامعة العربية) بعد أن
أجهض اليهود والنصارى والعلمانيون مشروع (الجامعة الإسلامية) وأعلن في 22
مارس عام 1945م، عن تأسيس الجامعة لتكون (القاهرة) مقرّاً لها، في وقت كانت
مصر فيه لا تزال تحت الاحتلال الإنجليزي الذي أعطى الضوء الأخضر لقيام
الجامعة التي تستطيع التعامل من خلالها مع العرب بأنها ليست ضد أماني العرب
في (الوحدة) ، وأدركت أنها من خلال سيطرتها على مصر، وسيطرة مصر على
الجامعة، ستستطيع تمرير ما تتطلبه المرحلة من مناورات ومؤامرات.
لقد ولدت الجامعة إذن لغرض واضح من البداية: سلخ العرب المسلمين عن
المسلمين غير العرب، لا لإعزاز العرب بغير الدين، ولكن طمعاً في إذلال الدين
بذُل العرب. لهذا: فقد كان مرسوماً منذ البداية أن تكون الجامعة تجسيداً للذل
العربي، فهل نجح البريطان - ومن بعدهم الأمريكان - في إنجاح الجامعة في هذه
المهمة؟ !
لنتأمل معاً
…
ماذا أعلنت الجامعة من أهداف؟ وماذا تحقق منها في عالم
الواقع؟ ما الذي تحقق لمصلحة العرب؟ وما الذي تحقق لمصلحة أعداء العرب؟ .
لقد نص ميثاق الجامعة على عدد من الأهداف الكبيرة، فلنراجعها، ولنراجع
نتائجها بعد خمسين عاماً من إنشاء الجامعة وتوقيع ميثاقها:
أولاً: استكمال تحرير البلاد والشعوب العربية من الاحتلال الأجنبي:
لاحظ التعبير: الشعوب (العربية) والعربية فقط! وماذا إذن عن الشعوب
الإسلامية؟ ! لا ضير من احتلالها ما سلمت بلاد العرب، ومع هذا، هل سلمت
بلاد العرب وتحررت شعوب العرب من الاحتلال الأجنبي؟ نسأل بعد خمسين عاماً
من إعلان الميثاق ونترك الجواب للشعوب التي لا يزال يسيطر عليها الأجنبي
ويخضعها لمعسكره، بعد أن كانت خاضعة فقط لعسكره، نعم، لقد انتهى عصر
سيطرة العسكر، وبدأ منذ زمان عصر سيطرة المعسكر، ومع هذا أيضاً: فلا يزال
من بلاد (العرب) في ظل جامعة العرب، مَنْ لا يزال باقياً تحت سيطرة أذل
العسكر (اليهود) ، وأسألوا فلسطين التي وضعت الجامعة بصمتها على صك بيعها
في المعاهدات السلمية، بعد خمسة حروب، هُزمت جيوش العرب في أولاها سنة
1948 وغابت في الثانية عام 1956، وسحقت ونكست في الثالثة عام 1967،
وسحبت منها الثمرة في الرابعة 1973م، بينما تفرج عليها العالم وهي ساكتة
صامتة في الخامسة عام 1982م، حيث اجتاح اليهود جنوب لبنان في حرب من
طرف واحد! .
ثانياً: كان من أهداف الجامعة العربية المعلنة، تحقيق فكرة الدفاع العربي
المشترك ، وهذا يعني في أبسط معانيه: وجود جيش عربي قوي موحد، أو على الأقل: جيوش عربية قوية بينها تنسيق لرد أي أطماع من الغير، فهل هذا حاصل الآن بعد خمسين عاماً؟ ! لقد تم في عام 1950م توقيع معاهدة: الدفاع العربي
…
المشترك، وتم تشكيل مجلس للدفاع المشترك، ولكن هذه المعاهدة تم إيقاف العمل بها منذ ست عشرة سنة، كما تم إلغاء مشروع الإنتاج الحربي بدعم من الدول العربية مجتمعة، ولكن بعض لجان مجلس الدفاع المشترك لم تُلغَ، وإنما
…
أُبقيت كرمز، وسمح لها باستئناف نشاطات من قبيل: رعاية الدورات الرياضية، وإصدار المعاجم العسكرية التاريخية والجغرافية! ونحو ذلك.
ثالثاً: كان من الأهداف المعلنة: تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية، وإقامة
سوق عربية مشتركة.
هل تحققت للعرب وحدة اقتصادية تحت مظلة الجامعة العربية؟
لقد أعلن في عام 1962م، عن مشروع (الوحدة العربية الاقتصادية) ونص
المشروع على أن لرعايا الدول الموقعة حرية انتقال الأشخاص، ورؤوس الأموال،
وتبادل البضائع، والإقامة، والعمل، والترانزيت
…
إلخ، وبعد عشر سنوات
كاملة من إعلان الاتفاقية، أُلغيت بعد تقويمها ومراجعتها ثم الحكم بفشلها. وأُرجع
سبب الفشل في حينه إلى أن: الأهداف كانت طموحة جداً..! !
أما السوق العربية المشتركة، فنسمع عنها فقط في إذاعة بلاد (واق الواق)
والصحف التي تتحدث عن الغول والعنقاء والخل الوفي! .
رابعاً: إحكام المقاطعة العربية ضد إسرائيل:
وهو هدف، استمرت الجامعة في المحافظة على إعلانه، وظلت المقاطعة
قائمة في العلن، حتى قوطعت من بعض أعضاء الجامعة العربية، وبدون إذنها،
وصدرت القرارات برفع المقاطعة كلياً أو جزئياً، وبرز مصطلح التطبيع بدلاً منها، ولا نكاد نسمع الآن بعد خمسين عاماً أن هناك من يتعاطف مع قطع العلاقات
السياسية فضلاً عن الاقتصادية، بل صار الرائج والسائد (المسارعة) بدل
(المقاطعة) ! فالكل يتلهف على فتح الأسواق أمام بضائع اليهود.
خامساً: ومما تم إعلانه من الأهداف قديماً:
إنشاء محكمة عدل عربية للنظر في فض المشكلات التي (ربما) تنشأ بين
الدول الشقيقة، فتكون المحكمة موئلاً لفض المنازعات بدلاً من اللجوء إلى المحاكم
الدولية، وقد نصت المادة (19) على ضرورة إنشاء تلك المحكمة.
ولكننا لم نسمع حتى الآن عن مشكلة واحدة عرضت على تلك المحكمة، لا
لأن العرب لم تنشأ بينهم خلال خمسين عاماً (لا قدر الله) أي مشكلة (! !) ، ولكن
لأن هذه المحكمة لم تعقد أي جلسة، ولسبب بسيط، وهو أن هذه المحكمة لم تُشكل
أصلاً.
سادساً: أعلنت الجامعة في ميثاقها عن أهمية ضمان حقوق الإنسان العربي:
لم يختلف العرب في أمر مثل اختلافهم في هذه القضية، حيث ظهر أن لكل
طرف عربي فهماً خاصاً لحقوق الإنسان، وقد جاءت الإشارة إلى حقوق الإنسان
في ميثاق الجامعة مجملة ومبهمة، ومع هذا: لم تجتمع الآراء في هذه القضية،
حتى إنه قد تشكلت في عام 1961م، لجنة للنظر في تعديل ميثاق الجامعة فيما
يتعلق بحقوق الإنسان العربي، إذ اختلفت بعض الدول في مجرد تبني الجامعة
(حقوق الإنسان) في بلد عربي كهدف من أهدافها! واعتبرت دول أخرى هذا الأمر
من حقوق السيادة، وأنه من الأمور الخاصة بكل دولة، حيث لها الحق في معاملة
رعاياها بما تراه ملائماً، وبعد أخذ ورد، انتهت المداولات إلى إعلان وثيقة
(وعظية) تدعو إلى احترام حقوق الإنسان (العربي) وصدر ما يسمى ب (إعلان
حقوق الإنسان العربي) كصدىً خافت ونقع باهت لـ (إعلان حقوق الإنسان) في
الأمم المتحدة، ومع هذا: تناقضت وجهات النظر حيال الإعلان العربي، ووجهت
إليه سهام النقد، حتى انتهت إلى الإلغاء والنقض! .
وإذا كان هذا هو شأن الجامعة مع أهدافها الكبرى، فماذا يا ترى سيكون حالها
مع الأهداف الأدنى منها؟ إن نظرة واحدة على المشروعات والاتفاقيات
والطروحات التي أعلنت عنها الجامعة دون أن تحقق منها شيئاً، لتصيب الإنسان
بالدهشة، وتدفعه للتساؤل: لماذا هذا الإصرار على الفشل؟ ! ولماذا يقترن الفشل
دائماً ب (العروبة) في مشروعات (بيت العروبة) كما يحلو لهم أن يسموه؟ !
اتفاقيات فاشلة، مشروعات فاشلة، أطروحات فاشلة
…
ففي عام 1958م أُعلن عن مشروع لإنشاء مصرف للتنمية العربية.
وفي عام 1960م أُعلن عن تشكيل المجلس الاقتصادي العربي.
وفي عام 1962م أُعلن عن توقيع اتفاقية للوحدة العربية.
وهذه الاتفاقيات كانت حبراً على ورق، حيث لم يُر لها أي أثر في الواقع،
وهناك اتفاقيات أخرى أو مشاريع لم تر النور أصلاً، ولم تخرج من أدراجها ولو
لالتقاط الصور التذكارية بجانبها، من ذلك: إنشاء مجلس عربي للبحوث الذرية في
الأغراض السلمية، والاتفاقية العربية للتبادل التجاري وتنظيم التجارة لعام 1953م، واتفاقية تسديد مدخرات المعاملات التجارية وانتقال رؤوس الأموال لعام 1956م، واتفاقية توحيد التعرفة الجمركية 1956م.
هذه أحوال الجامعة مع مشروعاتها وأهدافها النابعة من داخلها، فماذا عساها
أن تفعل مع مشاكلها المنبعثة من خارجها؟ إننا سنشير فقط مجرد إشارات لأبرز
التحديات التي واجهتها الجامعة، لا عبر سنيها الخمسين فهذا أمر يطول ولكن عبر
عقودها الخمسة.
ففي الأربعينات: وبعد ميلاد الجامعة بثلاثة أعوام، كانت نكبة فلسطين،
واحتلال عصابات اليهود لها، وفشل العرب من خلال الجامعة في الترتيب لمعركة
جادة مع اليهود، في الوقت الذي كانت كل الشواهد تدل على استعداد اليهود لتلك
الحرب، فلما قامت الحرب سنة 1948م، اندحرت جيوش العرب المقاتلة تحت
لواء (العروبة) أمام جيش اليهود المقاتل تحت لواء (التوراة) ! .
وفي الخمسينات: حدث خلاف بين مصر والأردن، عجزت الجامعة عن حله
داخل أروقتها، فسجلت بذلك أول نقطة ضعف في السيطرة الداخلية بين أعضائها،
مما حدا بالأردن إلى تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي في 13/7/1958م، ولم
يكن للعرب من خلال الجامعة ذلك الموقف الذي يتناسب مع ضخامة الحدث.
وفي الستينات: كانت الهزيمة المهينة مرة أخرى لجيوش سبع دول عربية
أمام جيش اليهود 1967م، وأصبحت العروبة أمثولة وأضحوكة أمام العالم الذي
طالما سمع التهديد بإلقاء (إسرائيل) في البحر، وأصيبت الجامعة العربية بالصفعة
الكبرى من جرائها، لأنه تأكد أنه بعد عشرة أعوام من وعودها بحشد العرب
لمعركة المصير والتحرير، كان العرب في ظلها منصرفين فقط لمعاركهم الداخلية،
وخلافاتهم المزمنة.
وفي السبعينات: تُوّجت حرب (التحريك) سنة 1973م، بسلسلة من عمليات
الإجهاض للنصر الجزئي الذي تحقق، حتى انتهت إلى توقيع اتفاقية سلام (منفرد)
قامت به الدولة المحتضنة للجامعة، دون مشورة بقية الدول العربية، مما دفع تلك
الدول وقتها إلى سحب الجامعة نفسها من مقرها بالقاهرة إلى مقر مؤقت في تونس،
وبعد أول مؤتمر عقد في (بغداد) تقرر عزل مصر ومقاطعتها، وسخر الرئيس
المصري - آنذاك - من مقاطعة العرب وسحب الجامعة، وقرر إنشاء جامعة أخرى
في مصر! ، وسماها جامعة (الشعوب) العربية، بدلاً من جامعة (الدول) العربية! .
وفي الثمانينات: أُعيدت مصر إلى الجامعة العربية، وعادت إلى مقرها،
دون أن تتغير الأسباب التي من أجلها قوطعت مصر ونُقلت الجامعة! .
وكان هذا من علامات الاستفهام والتعجب التي أُثيرت حول كيفية إدارة
المواقف داخل تلك الجامعة، حيث تبين للجميع أنه لا ثوابت تحكمها ولا مبادئ
تسيّرها، ولا تأثير فيها ولا بها ولا منها، وقد تُرجم هذا الشعور إلى انصراف
العرب إلى إنشاء مجموعات إقليمية، ظهرت على شكل مجالس منفصلة مثل:
مجلس التعاون الخليجي، ومجلس التعاون العربي، ومجلس الاتحاد المغاربي،
وبقيت الجامعة مجلساً لمن لا مجلس له! .
وفي التسعينات: توالت الكوارث على الجامعة، لتهدم ما تبقى في بنيانها من
قواعد، وليكون هذا العقد الذي لم ينته بعد هو العقد الفاصل في عمر الجامعة،
وكان أهم ما حدث فيه من الأحداث:
1-
غزو الكويت من قبل الجيش العراقي، حيث سجل ذلك أول سابقة
اجتياح من دولة عربية لأراضي دولة عربية أخرى، وكلاهما عضو في الجامعة
العربية، وتعجز الجامعة في مؤتمرها للقمة أن تفعل شيئاً، فتتفاقم الأزمة عربياً،
وتتفاعل دولياً، مما مهد لتدويل الأزمة، كما هو معروف.
2-
كان فشل الجامعة في تقديم أي حلول في أزمة الخليج مما أطاح بما تبقى
من مصداقيتها، وكان هذا من أسباب تسريع عملية السلام مع اليهود، حيث بدا
لبعض العرب، أنه لا جدوى من التعايش مع وهم (الوحدة العربية)، وبالتالي: لا
جدوى من الاستمرار في إدارة (الصراع العربي الإسرائيلي) ، فكان مؤتمر مدريد،
وكانت الصفعة الجديدة للجامعة، لأنها استبعدت من التمثيل في المؤتمر، حيث
تقرر التعامل مع الدول العربية كلاً على حدة، وهذا ما حدث في خطوات عمليات
السلام بعد ذلك، حيث جعل لكل دولة مشاركة في المفاوضات مساراً خاصاً بها.
ثم بدأ مسلسل التسارع العربي للارتماء في أحضان العدو المسالم، أو الحبيب
المحارب، دون أدنى تنسيق بين الدول العربية، ولا تملك أمانة الجامعة سوى إبداء
امتعاضها ودهشتها من سرعة إيقاع عمليات (الصلح المنفرد) الذي حدث من أجله
فيما مضى أشياء وأشياء.
3-
ثم جاءت الطامة الداهية، لتسقط على رأس الجامعة وهي ساهية لاهية،
إذ جاءها نعيها بلسان فصيح على لسان شيمون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي
عندما أعلن في مؤتمر الدار البيضاء لتنمية الشرق الأوسط: إن إسرائيل يمكن أن
تنضم إلى جامعة الدول العربية مستقبلاً، بشرط أن تغير اسمها ليكون (منظمة
الشرق الأوسط) ! !
وأذاع التلفزيون الإسرائيلي بعد ذلك: أن إسحاق رابين رئيس الوزراء
الإسرائيلي قد طرح على العاهل المغربي مضيف المؤتمر فكرة البدء في خطوات
النظام الشرق أوسطي، وقال له: إن أسباب ومبررات وجود الجامعة العربية،
تعتبر لاغية الآن بعد الخطوات التي قطعت على طريق السلام، وأصبح الأمر
يتطلب استحداث مؤسسة شرق أوسطية جديدة تقبل بانضمام إسرائيل! .
وهكذا أُعلنت نتيجة المصارعة لجولة استمرت خمسين سنة في حلبة
(الصراع العربي الإسرائيلي) ، حيث رفع المصارع المتدين (اليهودي) ذراع نفسه،
فوق جثة المصارع العلماني (العربي) .
إن شيئاً واحداً نجحت فيه العلمانية العربية بعد خمسين عاماً من العمل
المؤسسي، وهو: الانتصار لكل المصالح، عدا مصلحة الأمة، وما أصدق كلمة
أحمد الشقيري الرئيس السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية في كتابه (الجامعة
العربية) عندما وصف الجامعة بأنها: منظمة إقليمية، أنشئت لخدمة السياسة
الغربية.
ونشهد مع أحمد الشقيري بأنها كذلك، ونزيد: وكذلك خدمة المصلحة اليهودية، ولهذا نقول بكل ثقة بعد خمسين عاماً من إنشائها:
نعم، قامت الجامعة بدورها.!
تأملات
في مسيرة الحركة الإسلامية في اليمن
بقلم:عبد الله أحمد ناصر
الحلقة الأولى
وصلنا هذا المقال من الأخ الكاتب، وهو نقد موضوعي فيما نحسب فضلاً
عن أنه من أساليب النقد الذاتي للحركة الإسلامية الذي نحرص عليه، وفي الوقت
نفسه: نرحب بأي تعقيب موضوعي يلتزم بأدب الحوار ممن يهمه الأمر.. والله
نسأل للجميع التوفيق والسداد..
- البيان -
بين آونة وأخرى يدعو قادة الحركة الإسلامية في اليمن إلى دراسة تجربتهم،
والتأمل فيها، واستلهام ما فيها من جوانب مضيئة ومشرقة، واستجابة لتلك
الدعوات المتكررة: أسلط في هذه المقالة الضوء على مسيرة الحركة الإسلامية في
اليمن منذ قيام الوحدة اليمنية إلى اليوم، وسأكتفي ابتداءً بالتأمل في مسيرة الإخوة
المنضوين تحت لواء التجمع اليمني للإصلاح، نظراً لكونهم الأكثر عدداً وقدرة
والأقدم تنظيماً في الساحة اليمنية المعاصرة على أمل أن تتبعها مقالة أخرى عن
مسيرة الإخوة الذين لم ينضووا تحته، على أنى لا أعتبر اليقظة الرافضية في اليمن
والمدعومة من إيران وأنصارها، والتحرك الصوفي النشط والمدعوم من بعض
رجال المال والأعمال في الداخل والخارج جزءاً من الحركة الإسلامية في اليمن،
نظراً للانحراف الكبير والبعد الشديد لأصول الرافضة ومبادئ الصوفية ومجانبتهما
لما كان عليه سلف هذه الأمة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، بل أعتقد أن
الرافضة والصوفية خطران من الأخطار المحدقة باليمن، وأن الواجب على كل
غيور محاربتهما بقدر المستطاع.
وأعتقد أن حركة عريقة التاريخ، واسعة الانتشار، متعددة الإنجازات،
يصعب دراستها وتقويمها من شخص واحد، وخلال مدة قصيرة، وفي مقالة
صحفية، بل يتطلب ذلك توافر جهود عديدة ونظرات كثيرة يكمّلُ ويسدد بعضها
بعضاً، ولكني خشيت أن لا يتحقق مثل ذلك، فرأيت أن أطرح ما لدي مستعيناً بالله
(تعالى) ، فما لا يدرك كله لا يترك جله.
وليس لي ابتداءً من هدف إلى إبراز الجوانب الإيجابية في مسيرة الحركة
الإسلامية في اليمن إلا دعوة العاملين في الساحة الإسلامية إلى الاستفادة منها
واستثمارها، كما أنه ليس لي من هدف من إبراز سلبياتها إلا دعوة الأحبة
المقصودين بالأمر أن يعملوا على تجاوزها وتلافيها، على أن ما سيتم طرحه من
آراء سواء أكانت حول الإيجابيات أم السلبيات مما لاعلاقة له بالثوابت الإسلامية:
صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخرين خطأ يحتمل الصواب، وليس من هدفي
وعلام الغيوب ذكر العيوب للتشفي والتجريح والانتقاص لحبيب من الأحباب أيّاً كان
وضعه، وأيّاً كان انتماؤه، وكل ما في الأمر: الاقتناع بأن خير وسيلة لتصحيح
مسيرة العمل الإسلامي هى: النقد من الداخل، والنقد البناء لا الهدام، لأن أي فئة
إسلامية مهما كان فضلها، ومهما علت رتبتها لاتسلم من النقص والخطأ، وليست
الإشكالية في الوقوع في الخطأ، ولكن في الاستمرار عليه؛ قال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون [1] ومتى تصورت
أي فئة إسلامية نفسها فوق مستوى الخطأ والنقد فذاك الخطل كله، بل هو دليل
العجب والكبر، وعلامة اغترار النفس وخيلائها وشعورها بالكمال ولاكمال، (نسأل
الله (تعالى) لأنفسنا ولإخواننا العافية والسلامة) ومتى وصل الحال بمجموعة تعمل
للإسلام إلى ذلك، فعليها وعلى دعوتها السلام.
وسأعتمد في الطرح على المصارحة ووضوح الفكرة والعبارة، ولن أحرص
على التنميق والمجاملة لعلمي المسبق بسعة صدور إخواني وإحسانهم للظن فيما
أحسب وحملهم للكلام على سلامة القصد وحب الخير.
أولاً: من إيجابيات الحركة الإسلامية في اليمن
منذ قيام الوحدة إلى اليوم:
الإيجابيات (ولله الحمد والمنة) كثيرة وكبيرة، يطول المقام باستعراضها
وتفصيلها، ولا ينكرها إلا جاحد، ولا يماري فيها إلا معاند، ولذا: سأكتفي بذكر
أبرزها، ومن ذلك:
* الانتشار الأفقي الكبير للعمل الإسلامي داخل الشعب اليمني سواء أكان ذلك
في المدن والأرياف من جهة، أوبين سائر طبقات المجتمع اليمني المختلفة مهنية
وقبلية من جهة أخرى، ويبرز هذا الانتشار للمنضوين تحت لواء التجمع اليمني
للإصلاح فيما كان يعرف سابقاً باليمن الشمالي، وفي بعض مديريات محافظتي
(أبين) و (شبوة) فيما كان يعرف باليمن الجنوبي.
* الانتشار الرأسي المتين داخل المؤسسات الرسمية للدولة، مما أدى إلى
الوصول إلى بعض مواقع المسؤولية ومراكز اتخاذ القرار، ومحاولة إفادة العمل
الإسلامي من خلالها تأييداً أو حماية سواء أكان ذلك من خلال مجلس الرئاسة سابقاً، أو على مستوى الوزراء ونوابهم، أو محافظي المحافظات، أو مدراء العموم
والنواحي
…
وغير ذلك.
* حماية شباب الصحوة وإلجام غضبهم وكبح جماحهم من الدخول في صراع
مسلح مع أعداء الصحوة الإسلامية من علمانيين بشتى فئاتهم ورافضة وصوفية
وباطنية ومن يسير في ركابهم من أصحاب المصالح والشهوات مع توفر السلاح في
الشارع اليمني ووجود استفزاز شديد وتهييج قوي وبخاصة في بداية الوحدة اليمنية
سواء أكان ذلك على لسان كبار المسؤولين، أو عبر كثير من العلمانيين وعلماء
السوء في وسائل الإعلام المختلفة من: تلفاز، وإذاعة، وصحافة، ومنابر الجمعة، والمنتديات الثقافية والاجتماعية المختلفة.
* إنكار بعض المنكرات الضخمة مع إعطائها بعداً عقدياً، وبخاصة في بداية
الوحدة، كالدستور العلماني الذي قامت على أساسه الوحدة بين الرئيس اليمني وقادة
الحزب الاشتراكي، ومقاطعة الاستفتاء حوله، والمنافحة من أجل إغلاق مصنع
الخمر حتى تم تدميره على أيدي بعض الغيورين أثناء دخول جيش الحكومة مدينة
عدن، وتغلبه على فلول الاشتراكيين والصوفيين ومن سار في ركابهم داخلها.
* حماية وتنمية كثير من مكتسبات الصحوة الإسلامية ومنابرها كالمعاهد
العلمية، ومناهج التربية الإسلامية في التعليم العام، وجمعيات النفع العام والخدمات
الاجتماعية، ومنابر الجمعة، وحرية الدعوة في المساجد والصحف والمجلات
الإسلامية من محاولات السطو عليها أو تحويرها من قبل العلمانيين والرافضة
والصوفية.
* العمل على الوقوف في وجه التغريب والعلمنة في اليمن، ومحاولة
التخفيف من آثار الحملة التي يقوم بها سدنة العلمانية والتغريب في البلاد، سواء
من داخل الحكومة ومراكز التخطيط والتوجيه والإعلام، أو من خلال الأحزاب
السياسية والنقابات المهنية والمؤسسات الصحفية والشبابية والفنية، أو من خلال
مواقعهم داخل جامعتي صنعاء وعدن وكليات التربية ومعاهد المعلمين، أو في
المراكز التنفيذية داخل المحافظات اليمنية المختلفة.
* سبق التيارات العلمانية في الطرح والنزول إلى الشارع اليمني بشرائحه
الاجتماعية والمهنية المختلفة، وبالتالي: حجبها عن احتواء كثير من عامة الناس،
وكسب ولائهم العام للإسلام، وحمايتهم من الوقوف في وجه الإسلام ودعاته، بل
إن الحركة من خلال ذلك السبق في النزول والكسب لكثير من الجماهير:
استطاعت أن تكوّن رأياً عامّاً إسلاميّاً في الشارع اليمني يناصر الإسلام ويحب
دعوته، ويظهر الولاء لشريعته، وينكر الإلحاد والعلمانية بشتى صورها، وقد
ظهر ذلك في التنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية، وضرورة الرجوع إلى أحكامها،
ومحاربة كفريات الدستور الذي قامت على أساسه الوحدة اليمنية.
كما أنها من خلال ذلك النزول وذلك الكسب: استطاعت أن تقوي الشعور
بالذاتية الإسلامية والانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس لدى كثير من أفراد الشعب
اليمني، بعد أن حجب بعضهم عن ذلك الجهلُ الشديد بأحكام الدين والتشاغل بالحياة
الدنيا وزخرفها، أو التأثر بأفكار منحرفة قادته من هنا أو هناك.
كما أنها استطاعت من خلال ذلك أن تزرع الأمل في قلوب كثير من أفراد
الشعب اليمني بغد مشرق للإسلام لما يحمل من مبادئ العدل والخير ومحاربة
الباطل والفساد بشتى صوره المختلفة.
* الوقوف في وجه بعض الحملات التنصيرية في اليمن، ولفت أنظار
الشارع اليمني إليها، وإلهاب حماسهم ضدها، مثل: سب الذات الإلهية، وتمزيق
المصحف وإلقائه في أماكن لا تليق، وتنصر شواذ من اليمنيين، وإيصال ذلك إلى
أبواب القضاء واستصدار أحكام فيها، مثل: إغلاق بعض المستشفيات، وطرد
البعثات التنصيرية المتواجدة فيها (لم ينفذ الحكم إلى الآن، ويبدو أنه لن ينفذ) .
* التمكن من توظيف كثير من العامة في بعض الأعمال الدعوية وأعمال النفع
العام، مما خفف بعض العبء على الدعاة من جهة، واستغل بعض طاقات هؤلاء
من جهة أخرى، بالإضافة إلى التمكن من تربية كثير من الشباب على الجرأة في
الحديث وتعويدهم على المواجهة والخطابة.
* محاولة التخفيف من معاناة عامة الشعب من الأوضاع الاقتصادية المتردية
عن طريق ما تقدمه الجمعيات الخيرية التابعة للحركة من مساعدة للفقراء والشباب
على الزواج، وكفالة للأيتام والأرامل، وإقامة لمشاريع المياه، وإفطار الصائمين،
وذبح الأضاحي
…
ونحو ذلك، بالإضافة إلى محاولة تخفيف اندفاع الشريك الأقوى
داخل الائتلاف الحكومي في تنفيذ متطلبات صندوق النقد الدولي، وقيامهم من داخل
الائتلاف بمعارضة رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية ورفع أسعار المشتقات
النفطية والكهرباء فوق نسبة 100%، ومطالبتهم بتغيير أعمدة الفساد الإداري
والاقتصادي داخل الحكومة من أجل الوصول إلى إصلاح إداري واقتصادي حقيقي.
* الجهد الكبير المبذول من بعض الدعاة الذين نحسبهم، والله حسيبهم:
صادقين مخلصين مع قلة في ذات أيديهم، وضعف في الإمكانات المتوافرة لهم.
وبذلك كله أنجزت الحركة الإسلامية في اليمن انجازات متميزة متعددة
المجالات، وأصبح حضورها في الشارع اليمني حضوراً فاعلاً، رفع الصوت
الإسلامي الصادق، بعيداً عن المزايدة والتهريج والشعارات التي اعتادها الناس من
الأحزاب العلمانية بمختلف فصائلها، مما جعل كثيراً من العامة والخاصة يلتفون
حول راية الحركة وينصرونها.
ثانياً: من سلبيات الحركة الإسلامية في اليمن
منذ قيام الوحدة إلى اليوم:
إذا كان ما سبق جزءاً مهماً من الإيجابيات التي تحسب للحركة الإسلامية في
اليمن، وهي محل إعجاب وتقدير كل مسلم مخلص مطلع على جهود الإخوة هناك،
إلا أن أي عمل أيّاً كان لابد من وجود بعض السلبيات والعثرات فيه، التي تكون
نتيجة الانشغال بالعمل، وبالتالي: ضعف التخطيط والمتابعة، أو نتيجة وجود
بعض الأخطاء والتوجهات المعينة داخله، وسأحاول الاستطراد فيها قليلاً على
خلاف ما فعلت في الإيجابيات لأهميتها، وحاجة أصحاب الشأن إلى التعرف عليها
لتلافيها، ولعل من أبرز ذلك ما يلي:
* عدم الوضوح في تبني الحركة لمنهج أهل السنة والجماعة:
من الأمور المحمودة في الحركة الإسلامية في اليمن تميزها بنخبة جليلة من
العلماء والأفاضل الذين جمع بعضهم بين الاطلاع الشرعي الجيد، والإدراك العميق
لمقتضيات العصر وضروراته، ولكن بسبب ملابسات اجتماعية معينة، واتساع
الحركة، وكثرة أنصارها، وتنامي اهتماماتها: ضعف اهتمامها بطرح منهج أهل
السنة والجماعة والدعوة إليه، واكتفت برفع شعارات مجملة الكتاب والسنة، ونحن
وإن كنا نقدر هذا الطرح ونعتبره صالحاً للولوج في أوساط الشيعة الزيدية في
الخمسينات والستينات نظراً لقوة شوكتهم في ذلك الوقت، إلا أن الاستمرار عليه
واتخاذه منهجاً وسياسة للحركة إلى هذا الوقت وبالأخص منذ قيام الوحدة إلى الآن
أمر أحسب أنه خاطئ ومرفوض، لأمور من أهمها:
1-
سلبياته العديدة، ومنها: عدم تصور كثير من شباب الصحوة لأبعاد
وأصول منهج أهل السنة وإدراكهم له، حتى عند كثير من أولئك الذين ينحدرون
من مناطق سنية، ومايدركه بعض الشباب منه ناتج عن الفطرة التي نشؤوا عليها،
لكن بدون العلم بأن هذا هو منهج أهل السنة والجماعة، مما سهل على كثير من
أصحاب البدع كالأشاعرة إيهام أولئك الشباب أن ماهم عليه هو معتقد أهل السنة
والجماعة.
2-
أن المبتدعة من رافضة وصوفية في كثير من مناطق اليمن المختلفة قد
شمروا عن سواعدهم لتدريس بعض الشباب المنتسبين إليهم انحرافاتهم وبدعهم
بالتفصيل، بل إن بعضهم جارٍ في بناء بعض المراكز العلمية التي تحتوي على
سكن داخلي من أجل تدريس مجموعة من الشباب المحسوبين عليهم، كما أن
آخرين ساعون على قدم وساق لتجديد الأربطة وإحياء المزارات التي يقع فيها من
الفساد والشرك والباطل ما الله به عليم، بينما لاحظت وقد أكون مخطئاً ندرة
تدريس منهج أهل السنة والجماعة لشباب الحركة من خلال كتب أئمة السلف المتفق
على جلالتهم ومن تابعهم في القديم والحديث، ولا أقل من أن تقوم الحركة بتبني
تدريس كتابات أئمة الدعوة الإصلاحية في اليمن في الجوانب العقدية كابن الوزير،
والحسن الجلال، وحسين النعمي، والصنعاني، والشوكاني
…
ونحوهم، وتعتبر
نفسها امتداداً لمدرستهم.
3-
أن عدم الوضوح في طرح منهج أهل السنة والجماعة أفسح المجال
لبعض الوافدين إلى اليمن والمحسوبين على الحركة الإسلامية في بلدانهم والذين
تتلمذوا على أيدي بعض قيادات التيار العقلاني المعاصر، أو الذين تلقوا العقيدة
على المذهب الأشعري، أو الذين يوجد لديهم بعض الانحرافات العقدية في مسائل
التوسل والاستغاثة والقبور والاحتفالات البدعية المختلفة، من تدريس شباب
الصحوة في المعاهد العلمية وبعض مدارس وزارة التربية، من دون نكير واضح أو
ملاحظة جلية من علماء الصحوة وقادتها.
4-
أن عدم الوضوح في طرح منهج أهل السنة والجماعة من قبل الحركة
الإسلامية، وجهل كثير من شباب الصحوة به: أوهم كثيراً منهم أن منهج أهل
السنة هو ماعليه بعض الأفراد والفئات المنتسبة إلى منهج أهل السنة، والتي لاقت
كثيراً من حملات التشويه من قبل كثير من قيادات الحركة، نظراً لاختلافهم مع
أولئك منهجياً أو شخصياً مما سبب لدى كثير من شباب الحركة نفسية رافضة لمنهج
أهل السنة نظراً لربطهم منهج أهل السنة بأولئك الأشخاص المشوهين في أذهانهم،
كما أدى ذلك إلى اعتقاد بعض الشباب أن منهج أهل السنة محصور في الحديث عن
بعض صفات الرب جل وعلا وأنه لا يعني الدين الخالص النقي الذي بعث الله به
محمداً صلى الله عليه وسلم بشموله وعمومه.
5-
أن في عدم وضوح الحركة في طرحها لمنهج أهل السنة واكتفائها بدلاً من
ذلك بالطرح المجمل مراعاةً لأهل البدع من الرافضة والصوفية وهم حفنة قليلة،
ولم تغير تلك المراعاة من موقفهم تجاه الحركة شيء، وسيستمرون في عدائهم لها
حتى تتبنى ما هم عليه من معتقدات وأفكار منحرفة، ولقد كان من الواجب على
الحركة أن تبين لهم ولعامة الشعب ضلالهم وانحرافهم، هذا من جهة، من جهة
أخرى: فقد خسرت الحركة مئات من الدعاة وطلبة العلم وأعداداً كبيرة من
المتحمسين لمنهج أهل السنة والجماعة في طول البلاد وعرضها، وهي في أمسّ
الحاجة إلى جهودهم وخدماتهم، مما يعني أنها بهذا التوجه قد عملت وبأسلوب عملي
يخالف دعوات قيادتها الشفهية المتكررة على شق صف الدعوة وانقسام الدعاة وطلبة
العلم إلى قسمين أو أكثر.
ولا يعني هذا أنني أدعو إلى المواجهة والصراع المتشنج مع المخالفين، مما
يؤدي إلى فتح جبهات متعددة في الساحة ليس في مقدور الحركة مواجهتها جميعاً في
وقت واحد، ولكن أرى أنه لابد من الوضوح الهادئ في التعامل معهم، والدعوة
الجادة لهم إلى تصحيح مناهجهم بالحكمة والموعظة الحسنة (وما كان الرفق في
شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه) وحماية أبناء الحركة بكافة الوسائل
والسبل من التأثر بهم، أو عدم النضج في فهم منهج أهل السنة نتيجة عدم الوضوح
في طرحه.
6-
أن عدم وضوح الحركة في طرحها لمنهج أهل السنة، ورفعها للشعارات
المجملة أدى إلى عدم إعطائها للجانب الاعتقادي ما يستحقه من مكانة واهتمام كما
أعطاه إياه الشارع الحكيم، واستمر النبي صلى الله عليه وسلم في بنائه في
نفوس أصحابه ثلاث عشرة سنة هي مدة العهد المكي بالإضافة إلى استمرار
الاعتناء به أثناء تنزل التشريع في العهد المدني.
7-
أن عدم وضوح الحركة في طرحها لمنهج أهل السنة والجماعة سوّغ
لبعض المهتمين أن يقول بأن الحركة الإسلامية في اليمن المنضوية تحت لواء
التجمع اليمني للاصلاح لا تعمل على نشر الفكر الصحيح، وإنما تحرص على
التوفيق بين الفئات المتواجدة في الساحة اليمنية ذات الأفكار المختلفة، وتحرص
على عدم حدوث صدام بينها لاغير، سواء أكانت تلك الفئات هي السلفية والصوفية
الغالية في الجنوب، أو السلفية والمذهب الزيدي الذي بدأ يميل بقوة إلى الرفض في
الشمال.
هذا، ولعدم وضوح الحركة في تبنيها لمنهج أهل السنة والجماعة سلبيات
كثيرة، إلا أن ذلك لايعني بحال أن الحركة الإسلامية المنضوية تحت التجمع اليمني
للإصلاح ليس فيها أحد من المنتمين إلى أهل السنة والجماعة، أو أن جميع
أطروحاتها الدعوية لا تتوافق مع منهج أهل السنة، بل إنني أؤكد على وجود نخبة
جليلة من العلماء السلفيين الذين نحبهم ونفخر بهم، وقد رأيناهم ينافحون عن منهج
أهل السنة بكل صدق وإخلاص في بعض المواطن، ولكنني أردت حثهم على مزيد
من الاهتمام والعطاء ودعوتهم إلى الحرص على نشر منهج أهل السنة، وتربية
أبناء الحركة وعامة الشعب عليه، مع الوضوح في طرحه وتبنيه والدعوة إليه،
لأن مجرد الطرح العام لا يكفي في كل حال.
* وجود التباس وعدم تميز في صفوف قيادة الحركة:
من غير المستغرب أن ينتسب إلى صفوف الحركة وهي التي دعت الجميع
إلى الانضواء تحت لوائها في التجمع اليمني للإصلاح أهل معاصٍ وفسوق، أو
أهل بدع وانحرافات فكرية، وإن كان الواجب على الحركة تجاه أولئك بيان الحق
لهم والاجتهاد في دعوتهم إلى ترك ما هم عليه من انحراف سلوكي أو فكري.
لكن الأمر الذي ينكر على الحركة الإسلامية في اليمن: أن يكون من قادتها
ومن علمائها بعض أهل البدع من معتزلة وزيدية هم أقرب إلى الرافضة بالإضافة
إلى بعض المتجاوزين لتحكيم النص الصحيح، والداعين إلى تحكيم عقولهم وما
تشتهيه أهواؤهم باسم ما يسمى بمصلحة الدعوة، حتى إنه ليتراءى للمراقب من
خارج الحركة أن زمامها في المستقبل القريب آيل إليهم (نسأل الله ألا يكون الأمر
كذلك) ، ولست أدري كيف يحتمل أهل السنة داخل الحركة الإسلامية في اليمن
وعلماؤهم خصوصاً التعايش مع أولئك من دون أن تكون لهم خطة واضحة على
المدى القريب والبعيد لنصحهم وتعديل مسارهم وبيان انحراف منهجهم لشباب
الصحوة وعامة الأمة حتى لا يغتروا به؟ ! .
ولست أنكر مشروعية الدعوة لأولئك، لكن دعوتهم شيء وتسليمهم كثيراً من
زمام الحركة الإسلامية، واتخاذ القرار فيها، والسكوت على ما هم عليه من منهج
منحرف مغاير لمعتقد أهل السنة والجماعة ومنهجهم شيء آخر.
* تحول قيادة الحركة في الفترة الأخيرة من العلماء إلى الساسة
وبعض مشايخ القبائل:
في بداية إعلان الحركة الإسلامية لقيام التجمع اليمني للإصلاح بعد قيام
الوحدة اليمنية كان المتابع لأطروحات التجمع مثل: كفر الدستور، تحريم الخمر
والدعوة إلى إغلاق مصنعه في عدن، تحريم الربا والدعوة إلى تحويل بنوك الربا
إلى مصارف إسلامية، محاربة إدارة الاقتصاد اليمني بأسس اشتراكية كما نص
على ذلك الدستور، محاربة مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات بالمفهوم
العلماني الساعي إلى هتك القيم والضوابط الاجتماعية في المجتمع اليمني وتلاشيها،
محاربة إلغاء الحدود الشرعية والزكاة، محاربة الرشوة والفساد المستشري في
أوساط الدولة، الدعوة إلى تحكيم نصوص الكتاب والسنة والاستدلال بها، محاولة
جمع الدعاة على كلمة سواء
…
وغير ذلك كثير: يحس أن خلفها علماء شرع، بل
إن الرموز التي كان لها صولة وجولة باسم التجمع في البداية هم علماء أجلاء
وطلبة علم فضلاء، يعرفهم العامة والخاصة.
إلا أن الملاحظ في الآونة الأخيرة أن الأطروحات قد أصابها بعض الخلل،
وأن أسهم ما يسمى بالمصلحة قد ارتفعت على حساب النص، فمن تلميع وتزكية
بعض الزعماء السيئين المعروفين بمواقفهم المعادية للحركة الإسلامية ودعاتها،
الذين تتقلب مواقفهم في التعامل مع الحركة الإسلامية حسب قوة وضعف حاجتهم
إليها، إلى وصف بعضهم بالدهاء والفطنة والصدق والشجاعة والشهامة والثبات
على المواقف، متناسين بأنه لو كان الأمر كذلك: لأعلنوا توبتهم من تاريخهم
الأسود، ولقاموا بترك ما هم عليه من علمانية وولاء لأعداء الإسلام في الشرق
والغرب، إلى ضعف إنكار المنكرات المستطاع إنكارها يوماً بعد آخر، إلى ادعاء
أن عبادة القبور والاستغاثة بها من المسائل الخلافية ومن قشور الدين! التي لايجوز
التشاغل بها على حساب الأصول والقضايا الكبرى [2] ، إلى تكرار الاتهام لبعض
الدعاة غير المنضوين تحت راية التجمع بين آونة وأخرى بآيات النفاق وخدمة
الأعداء، ونسبتهم إلى جهات علمانية كالحزب الاشتراكي، أو اتهامهم بالعمالة
لجهات خارجية! ! إلى الزعم بأنه لا توجد أحزاب علمانية في اليمن، لأن قانون
الأحزاب يلزم كافة الأحزاب بأن تعترف بأن الإسلام عقيدة وشريعة، وأن كافة
الأحزاب بما فيها الحزب الاشتراكي وأحزاب البعث والأحزاب الناصرية قد وافقت
على ذلك، إلى حضور بعض زعماء الحركة لبعض المنكرات العامة دون
إنكار [3]
…
وغير ذلك كثير.
صحيح أن هذا قد يصدر أحياناً من بعض القيادات باجتهادات فردية قد لا
تمثل الحركة أو مجلس الشورى فيها، لكنها حينما تكون من بعض القيادات الرئيسة
البارزة، وتتكرر في أكثر من مناسبة، فإنها في تقديري لن تفهم إلا بصفتها
الرسمية لا الشخصية.
وبعضهم قد يفعلها من باب التكتيك السياسي
…
وهذا قد يقبل بحدود مقبولة،
ولكن الإسراف فيه حتى يصل إلى حد قلب الحقائق تجاوز غير مقبول، وسيكون له
بالتأكيد نصيب كبير في تضليل كثير من الناس داخل الحركة وخارجها.
كما أن الشخصيات التي بدأت تبرز في قيادة التجمع وتتحدث باسمه في الآونة
الأخيرة هم بعض الشخصيات في أمانة المؤتمر، ولجنة الحوار السياسي، وبعض
مشايخ القبائل، بينما بدأ يتضاءل دور العلماء وطلبة العلم، ويضعف صوتهم شيئاً فشيئاً.
وكلنا أمل بأن يسعى علماء اليمن وطلبة العلم الشرعي في الحركة، إلى أن
يستعيدوا دورهم البارز في قيادة الحركة الإسلامية عموماً والتجمع اليمني للإصلاح
بوجه أخص، حتى لا تغرق السفينة، وينفلت العقد، وتقاد الحركة الإسلامية في
اليمن إلى انحرافات عقدية وفكرية لا تحمد.
.. (يتبع)
(1) أخرجه ابن ماجة، ج2، ص1420، ح4251، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة، ح3428.
(2)
بادر بعض الغيورين في التجمع اليمني للإصلاح إلى استصدار بيان باسم التجمع ينفي كون عبادة القبور والطواف حولها والاستغاثة بها من قشور الدين ومن المسائل الخلافية غير المعتبرة، كما بينوا في أكثر من جلسة خاصة بأن من صدر منه ذلك البيان هو شخص قيادي في التجمع حرص على سمعة التجمع من أن تلطخها قيادات الأحزاب السياسية الأخرى من دون أن يكون لديه علم شرعي، ولكن الملاحظ أن ذلك البيان لم يلق الاهتمام المطلوب من وسائل الإعلام المختلفة سواءً ماكان منها تابعاً للإصلاح أو تابعاً لوسائل الإعلام الرسمية بخلاف البيان الأول والذي طار في الناس طيران النار في الهشيم، ولنا عتاب آخر على إخواننا وهو كيف يعطى أمثال هذا الرجل دوراً قيادياً بارزاً في قيادة التجمع؟ كيف؟ .
(3)
قد توجد بعض المبررات والاجتهادات لدى بعض من يحضر تلك اللقاءات التي تقع فيها منكرات كبيرة بغض النظر عن صوابها أو خطئها إلا أن عامة شباب الصحوة وأفراد الشعب لا يعون تلك المبررات التي هي مستقرة في ذهن من اجتهد ولم تخرج منه إليهم حتى لا يغتروا بها ويظنوا أنها حق وموافقة للشرع.
من تاريخ الأحزاب الشيوعية العربية
وموقفها من قضية فلسطين
بقلم: د.محمد آمحزون
إن تاريخ الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية يشير إلى ظاهرة مهمة جدّاً في
نشأة هذه الأحزاب، وفي مواقفها من النزاع العربي الإسرائيلي، وفي تأثرها
بالعناصر اليهودية التي حرّكتها الصهيونية العالمية لإقامة دولة إسرائيل.
ويمكن القول بكل يقين: بأن الحركة الشيوعية في العالم العربي إنما أنشأها
اليهود الذين كانوا أنشط العناصر داخل هذه الحركة، وفي تلك الفترة بالذات من
تاريخ قيام الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، أخذت بعض الدعاوى تنتشر في
الأجواء السياسية حول شرعية حق اليهود القومي في فلسطين، لتلتقي هذه النظرة
التي عمل الشيوعيون على ترويجها مع النظرة الصهيونية والأهداف التي تعمل لها.
إن تأثر الماركسيين العرب بالعناصر اليهودية على مستوى القيادة والتنظيم
السياسي، كان له بالغ الأثر في جعل الماركسيين يعمون عن واقع وطنهم،
ويتغاضون عن تمزيق بلادهم، إذ كانوا لا يفكرون من خلال عقولهم، وإنما من
خلال المخططات التي تضعها الشيوعية الدولية والصهيونية العالمية، ويعملون هم
على تنفيذها بشكل تلقائي دون أن يجهدوا أنفسهم في تحري المواقف، ليروا ما إذا
كانت تلك المخططات الموضوعة تصلح للعالم العربي الإسلامي وتتفق مع حقه في
الوجود أم لا.
كان الحزب الشيوعي الفلسطيني أول حزب شيوعي تأسس في المنطقة عام
(1919م) ، وكان جميع عناصره من اليهود الروس الذين حملوا بذور الفكرة الأولى
إلى فلسطين. وفي عام 1924م تأسس الحزب الشيوعي في لبنان، حيث ساهم
بعض العناصر اليهودية الوافدة من فلسطين في إنشائه، وهي التي أوكلت إليها
مهمة نشر الفكرة الشيوعية والإشراف على تنظيم خلاياها في منطقة الشرق
الأوسط [1] .
وفي نهاية عام 1925م كانون الأول (ديسمبر) انعقد المؤتمر الوطني الأول
للحزب الشيوعي، وانتخب لجنته المركزية من سبعة أعضاء، وظل تيبر اليهودي
الروسي محتفظاً بأمانة الحزب العامة، وكان يعرف عادة باسم شامي، حيث درج
معظم الأعضاء القياديين في الحركات الشيوعية على استعارة أسماء أخرى، وهو
تقليد يهودي [2] .
وقد ظل الصراع محتدماً في الحزب منذ عام 1928م حتى عام 1932م،
حين تمكن خالد بكداش من أن يبلغ مركز زعامة الحزب بترشيح جاكوب تيبر
المبعد إلى فلسطين وتزكيته، وتقدم معه وجوه ثلاثة جديدة هم: نقولا شاوي وفرج
الله الحلو ورفيق رضا الذي قدر له أن يلعب بعد ثلاثين عاماً دوراً كبيراً في فضح
أسرار الحزب واتصالاته [3] .
ففي عام 1959م خرج رفيق رضا على الحزب وكان عضواً في قيادته
المركزية ليروي بعض تاريخه، ويسلط الضوء على الجوانب المظلمة فيه، وقد
كتب في ذلك الحين بياناً نشرته جريدة (الجماهير) السورية، جاء فيه: في عام
1932م وفد إلى بيروت عدة مندوبين شيوعيين يهود حملوا مبالغ وافرة من المال
إلى قيادة الحزب الشيوعي في سورية ولبنان، وأذكر منهم أميل وأوسكا ومولر،
وقد أبدلت لهم شخصياً قسماً من الأموال التي حملوها بالعملة المحلية آنذاك، وفي
عام 1938م حملت إلى الحزب مبلغ خمسة وعشرين ألف فرنك، كان الحزب
الشيوعي الفرنسي قد قرر آنذاك وضعها تحت تصرف الحزب الشيوعي السوري؛
لتوسيع حملته من أجل إقرار المعاهدة الفرنسية البغيضة، ومحاربة الاتجاه الوطني
في ذلك التاريخ، هذا مع العلم أن خالد بكداش قد نقل بنفسه مبلغاً آخر حين كان في
باريس مشتركاً في مؤتمر (آرل) الشيوعي الفرنسي [4] .
ولم يكتف (الحزب الشيوعي السوري اللبناني) بذلك، ولم يقف ارتباطه
الفكري والمالي بالعناصر اليهودية عند هذا الحد، فقد استعار أسماء صحفه التي
أصدرها من أسماء الصحف التي أصدرتها الحركة الشيوعية اليهودية في فلسطين؛
فاسم (صوت الشعب) وهي الصحيفة السرية للحزب الشيوعي في سورية ولبنان
ترجمة حرفية لاسم الجريدة العبرية للحزب الشيوعي اليهودي (كول عاهام) ، واسم
(النور) وهي الصحيفة العلنية للحزب التي أصدرها في دمشق عام 1956م منقول
حرفياً عن اسم صحيفة (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) التي أصدرها في فلسطين
عام 1934م [5] .
وقد سار (الحزب الشيوعي العراقي) في الخطة نفسها في تعريب الأسماء
اليهودية في الصحف التي أصدرها، إذ حملت صحيفته السرية أيضاً عام 1959م
اسم (صوت الشعب) أسوة بالصحيفة اليهودية (كول عاهام)[6] .
ولذلك: لم يكن غريباً حين جاءت القضية الفلسطينية أن نجد (الحزب
الشيوعي السوري اللبناني) وبقية الأحزاب الشيوعية في العالم العربي تتخذ موقفاً
معادياً للحق الفلسطيني المغتصب؛ مرتبطة في ذلك وملتقية بالاتحاد السوفييتي،
ومع الصهيونية العالمية، ولا غرابة في ذلك؛ إذ أحسنت العناصر اليهودية تنشئتها
وتوجيهها واصطفاء قياداتها.
فبشأن حقيقة موقف (الحزب الشيوعي السوري اللبناني) من قضية فلسطين
يقول رفيق رضا عضو اللجنة المركزية المنشق:
…
وكانت قيادة الحزب الشيوعي
بمثل حماس ابن جوريون على بعث الدولة اليهودية في فلسطين؛ فإسرائيل في
نظرها واحة من واحات الديموقراطية في الشرق الأدنى، والشعب الإسرائيلي
المشرد لابد وأن يلتقي في أرض الميعاد، وأن واجب التضامن الأممي في عرف
القيادة المذكورة هو من صلب المبادئ الماركسية، ولذا: فوجود إسرائيل له في
عرفها مبرراته الإنسانية التي تتخطى المبررات والوقائع القومية، ومنذ اليوم الأول
لكارثة فلسطين أو منذ اليوم الأول لإعلان التقسيم ووقوف الدول الكبرى إلى جانب
الصهيونية بما فيها الاتحاد السوفييتي، منذ ذلك اليوم المشؤوم: انحازت قيادة
الحزب الشيوعي إلى جانب الرأي الاستعماري الصهيوني، ونادت بعدالة التقسيم،
ودعت إليه؛ كما لو كانت قيادة تجري في عروقها دماء إسرائيل، وهي قد التزمت
جانب الاستعمار والصهيونية علناً وصراحة على لسان دعاتها وفي بياناتها وصحفها،
…
وقد قوبلت خيانتها هذه بسخط عربي عارم زلزل الأرض تحت أقدامها، وانهالت
لعنات العرب عليها حتى لم يعد بوسع شيوعي في سورية ولبنان أن يعلن
شيوعيته [7] .
وقد تبنى الحزب فيما بعد دعوة الصلح مع إسرائيل صراحة، وكان يوزعُ في
سورية سرّاً مقالات صموئيل ميكونيس أمين عام (الحزب الشيوعي الإسرائيلي)
المنشورة في جريدة (الكومنجورم) : في سبيل سلم دائم، الداعية إلى الصلح حلاً
وحيداً لمشكلة الخلاف، ولقيت مقالات ميكونيس تأييد قيادات الأحزاب الشيوعية في
المنطقة العربية جميعاً، تلك التي ظلت تنظر إلى النزاع العربي الإسرائيلي من
زاوية الحكام في إسرائيل، لا من مبدأ وجودها [8] .
لقد ظلت الأحزاب الشيوعية العربية تتهم حكام إسرائيل اليمينيين بأنهم عملاء
للاستعمار دون المساس بكيان إسرائيل أصل المشكلة، ولا بموضوع الدولة اليهودية
في فلسطين، وهو أصل الخلاف.
ويعد هذا الموقف في حد ذاته تحريفاً للنظرة إلى القضية الفلسطينية،
وإغراقها في المفهوم الشيوعي الجديد الذي يهاجم حكام تل أبيب ويسكت عن دولة
إسرائيل، وذلك يعني: أن ارتباط إسرائيل بالغرب هو ما يغيظ الشيوعيين ولا
يرضيهم، فإذا ارتبطت إسرائيل بموسكو غدت شيئاً آخر: (دولة صديقة محبة
للسلام) ، يدعو لها الشيوعيون العرب بالسلامة وطول البقاء! !
أين إذن جوهر المشكلة؟ أليس هو إسرائيل ذاتها، الكيان الذي اغتصب حق
الفلسطينيين وأرضهم ووجودهم، واضطهد شعباً بأكمله بين أسير وقتيل وشريد؟ !
أين حمامات الدماء التي اقترفتها أيدي الإرهابيين الصهاينة في فلسطين،
وراح ضحيتها آلاف النساء والشيوخ والأطفال والشباب؟ !
أين مذابح قطاع غزة والضفة الغربية، وصبرا وشاتيلا، ودير ياسين.. التي
كان على رأسها مثل السفاح بيجن الحائز على جائزة نوبل للسلام؟ ! !
فليست فلسطين، ولا القضية الفلسطينية، ولا الحق العربي الإسلامي هو
المهم بالنسبة للأحزاب الشيوعية العربية، بل كان المهم لديهم أن تتعاظم القوة
السوفييتية الأم في المنطقة، وينمو نفوذها ويبسط سلطانها، مادامت هذه القوة تجسد
أحلامهم في الحكم، وتطلعهم يوماً ما إلى ذروة السلطة، ومادامت هي التي ترفدهم
بالمال، وتوفر لهم في بلادها وفي البلاد الأخرى لذائذ الحياة في فنادقها ونواديها
تحت غطاء عقد المؤتمرات والمهرجانات.
وعلى الرغم من أن قضية فلسطين كانت تطرحها الأحداث كل يوم، وبشكل
أحدّ وأعنف مع تعاظم الخطر الإسرائيلي، فقد ظل الشيوعيون على موقفهم الأول
منها، وظلت سياستهم ومواقفهم تدفع بالقضية الفلسطينية إلى الجوانب والهوامش،
بالاعتراض على اتجاه الحكم الإسرائيلي دون المساس بالجوهر الأصل وهو أصلاً
اغتصاب أرض فلسطين.
فدعوتهم كان هدفها ربط إسرائيل بالمعسكر الشيوعي كما هو هدفها ربط
العرب إلى هذا المعسكر، وفي إطار التبعية هذه تجد المشكلة الفلسطينية حلها في
الإخاء اليهودي العربي.
ومن الملاحظ أن (الحزب الشيوعي السوري اللبناني) لم يكن وحده الحزب
الذي أسسه اليهود ثم اختاروا لقيادته عناصر معادية لكل اتجاه عربي فضلاً عن
الاتجاه الإسلامي؛ فالحزب الشيوعي المغربي: قد أسسه اليهود أيضاً تحت قيادة
ليون سلطان في عام 1943م، وهو يهودي مغربي كان يعمل في سلك المحاماة [9] .
وقد ظل الحزب الشيوعي المغربي (حزب التقدم والاشتراكية حالياً) ذيلاً
للحزب الشيوعي الفرنسي، واستمر ذلك بعد الاستقلال مع التبعية المطلقة للاتحاد
السوفييتي [10] .
ومن الملاحظ أن علي يعتة (زعيم الحزب حالياً) قد تسلم مهام الأمين العام
للحزب المذكور بعد وفاة ليون سلطان وهو من أصل جزائري، وقبل مجيئه إلى
المغرب واتصاله بليون سلطان في الدار البيضاء كان عاملاً في فرنسا، وهناك
حصل على الجنسية الفرنسية [11] .
ولا يخفى الاتصال الوثيق بين علي يعتة والجالية اليهودية في المغرب؛ فقد
ظهر بمناسبة عيد رأس السنة الميلادية لعام 1994م في معبد يهودي مرتدياً طاقية
اليهود التقليدية، وهو يستمع إلى الحَبر الكبير الحزّان داخل السنياغوغ [12] .
ونسبة المنخرطين اليهود في الحزب الشيوعي المغربي لم تبلغها أي نسبة
أخرى من انخراطاتهم في التكتلات اليسارية والتجمعات النقابية الأخرى كالاتحاد
الوطني لطلبة المغرب والاتحاد المغربي للشغل رغم أنها كانت فيها نسبة غير قليلة
من المسؤولين اليهود [13] .
كما أن الذين كانوا يشرفون على تعذيب المقاومين المغاربة في السجون في
عهد الحماية كان من بينهم اليهود، وكانوا أكثر نشاطاً في التعذيب، وأشد حقداً
عليهم من غيرهم [14] . بل إن من اليهود المغاربة من يعترف بذلك الموقف
المشين؛ يقول إسحاق ليفي في مقال له في صحيفة (العلم) المغربية: إن الحقيقة
التي لا تخفى على أحد هي أن الأقلية اليهودية بالمغرب عُزلت واعتزلت كثيراً عن
الروح الوطنية، وذلك بفضل جهود الاستعمار من جهة، ومن جهة أخرى بواسطة
التعاليم المعطاة لهم من طرف (الميثاق الإسرائيلي العالمي)[15] ومن بين
الشيوعيين المغاربة اليهود البارزين: إبراهام السرفاتي أبرز قيادات منظمة (إلى
الأمام) الماركسية، والكاتب في مجلة (أنفاس) سابقاً.
وكذلك نبتت الأحزاب الشيوعية العربية الأخرى بغرس ورعاية اليهود في
مصر والعراق [*] غير أن المهم في هذا المجال بالذات مواقف الشيوعيين العرب من
القضية الفلسطينية، أي: موقفهم من قضية الأمة الإسلامية في معركتها المصيرية، وإذا كان يحق للاتحاد السوفييتي أن يتصرف كدولة، وأن يعمل وفق مصالحه
وإن خالفت مصالح الآخرين فكيف يحق لمواطنين عرب أن يصروا على التعامل
معه والتبعية له باعتبار أنه عقيدة لا دولة، وأنه يعمل وفق المبادئ لا المصالح،
وأن يتبنوا بالتالي مواقف تلك الدولة التي لا تأبه إلا لمصالحها، ولا تعمل إلا لتنفيذ
مخططاتها القريبة والبعيدة.
وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب الشيوعية العربية اشتركت في تأييد تقسيم
فلسطين، وفي الدفاع عن مبدأ دولة إسرائتيل، وفي الهجوم على الرجعية العربية
بوصفها مسعرة نار الخصام بين الشعبين العربي واليهودي! ، وعدوة الحق!
اليهودي في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وبلغ بالشيوعيين العرب التحدي
لمشاعر الأمة العربية الإسلامية أن يطالبوا الحكومات في البلاد العربية بالاعتراف
بدولة إسرائيل، وأن ينظموا في كل من سورية والعراق وفلسطين ومصر
مظاهرات شيوعية هزيلة تؤيد حق الشعب اليهودي في إقامة دولة إسرائيل بعد أن
أقرت هيئة الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1947م مشروع تقسيم
فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية [16] .
فهذا (الحزب الشيوعي السوري اللبناني) يعتبر حرب 1948 ضد إسرائيل:
مؤامرة رجعية دنيئة استعمارية، هدفها بذر الخصومة والعداء بين الشعبين العربي
واليهودي، ورفع شعار (إلى الاتحاد في سبيل سحب الجيوش من فلسطين)[17] .
ودعا (الحزب الشيوعي العراقي) الحكومات العربية الخائنة على حد قوله إلى
الاعتراف بإسرائيل منادياً: فلتسقط الحرب بين الوطنيين والديموقراطيين العرب
واليهود لإحباط خطط الاستعمار والرجعية، ولتحيى الصداقة العربية
اليهودية! [18] .
…
وكتب في صحيفته السرية (القاعدة) : إن الشعب العراقي يرفض بإباء أن
يحارب الشعب الإسرائيلي الشقيق [19] .
أما الشيوعيون العرب في فلسطين: فقد وقفوا منذ اللحظة الأولى إلى جانب
إخوانهم الشيوعيين اليهود مطالبين بحق اليهود في إقامة دولة إسرائيل واستقلالها
عن العرب، وطالبوا بإجراء مفاوضات مباشرة ما بين إسرائيل والحكومات العربية، وشددوا على ضرورة سحب القوات العربية المعتدية من إسرائيل [20] .
على أن الحزب الشيوعي المصري قد بلغ نهاية المطاف انغماساً في حمأة
التآمر والخيانة الصريحة؛ فجاء في بيان له: لقد عانى الشعب اليهودي في فلسطين
اضطهاداً لمدة طويلة، إن الشعب اليهودي يريد أن يحصل على استقلاله الذاتي،
وإن فرض الوحدة مع العرب تلك الوحدة التي يرفضها الشعب اليهودي معناه أولاً:
أننا نناقض مبدأ حق تقرير المصير [21] .
وعاد الحزب نفسه ليكتب في بيان آخر له: إن اليهود يكوّنون اليوم شعباً
ديموقراطيّاً! وتزداد سيطرتهم على حكومتهم يوماً بعد يوم، في حين أن الحكومة
العربية في فلسطين حكومة فاشية! !
…
وإن القضاء على الدولة اليهودية وإخضاع
اليهود لهذه الحكومة العربية معناه القضاء على واحة الديموقراطية التي يمكن أن
تكون ذات تأثير حسن على الجزء العربي في فلسطين، وتلعب دوراً إيجابيّاً في
الشرق الأوسط [22] .
أما (المنظمة الشيوعية) فقد عالجت في أواخر عام 1948م النزاع العربي
الإسرائيلي في مقال افتتاحي نشرته صحيفة (صوت البروليتاريا) في عددها الثالث، فقالت: في 15 مايو (أيار) 1948م غزت! جيوش البلاد العربية فلسطين،
هناك حرب قائمة في الشرق الأوسط منذ ستبعة شهور، ولكننا إذا درسنا هذه
الحرب بتعمق لوجدنا أنها ليست سوى حرب عنصرية، لقد أملى الاستعمار
البريطاني هذه الحرب وأعد لها منذ سنين طويلة ليدافع عن مركزه في الشرق
الأوسط، إن هذه الحرب هي واحدة من مصادر الحرائق الكثيرة التي تشعلها
الرجعية العالمية، وذلك بهدف خلق ترسانات من بعض المناطق التي يريدون
استخدامها كنقط للهجوم ضد الاتحاد السوفييتي، وأخيراً فإن هذه الحرب موجهة
اليوم ضد الخطر الذي تمثله البروليتاريا الثورية في فلسطين (تعني إسرائيل)[23] .
إن في هذه العبارات من التمويه والمغالطة ما لا تخفى؛ فالاستعمار البريطاني
لم يتدخل في الشرق الأوسط إلا لمصلحة إسرائيل، فهو الذي أصدر وعد بلفور،
وفتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وخطط بكل ما يملك من وسائل بتنسيق
مع الصهيونية العالمية لإقامة الكيان اليهودي في فلسطين المحتلة، ولسنا ندري أي
رجعية عالمية يعني هؤلاء، وقوى الغرب والشرق، اليمين واليسار، أمريكا
والاتحاد السوفييتي وأوروبا جمعاء كانت في صف إسرائيل في مؤامرة عالمية
استهدفت الوجود العربي الإسلامي في فلسطين.
ذلك كان مجمل مواقف الأحزاب الشيوعية العربية من موضوع فلسطين
وإسرائيل، وقد حرصت هذه الأحزاب أن تظل منسجمة مع مواقف الاتحاد
السوفييتي في الأمم المتحدة وموافقته على قرار التقسيم.
فكيف يرجى أن تحرر هذه الأحزاب المجتمعات العربية الإسلامية من تركة
الجهل والذلة اللذين ورثتهما من الاستعمار الصليبي، وكرسهما شرذمة من الحكام
المستبدين الذين بذلوا ولاءهم ومنحوا تأييدهم للغرب؟ ! .
وكيف يؤمل أن تنهض هذه الأحزاب بالأمة، وهي التي ارتمت في أحضان
يهود الشرق، وسلمت لهم مقاليد أمورها بتنفيذ تعليماتهم وخططهم الموجهة لمناصرة
إسرائيل؟ ! ، وصدق الشاعر العربي في هذا الصنف من الناس:
ونشحذ من يهود الشرق عدلاً
…
كمن تَخِذَ الغراب له دليلا
أليس من المخجل زرع استعمار جديد في قلب العالم الإسلامي، وهو
الاستعمار الصهيوني العدو اللدود للمسلمين الذي ما فتئ يضع بتنسيق مع الصليبيين
كل العراقيل والعقبات التي تحول دون تقدم البلاد الإسلامية ونهضتها.
إن السياسة الشيوعية والسياسة الصهيونية في الساحة العربية، وما يحدث من
تنسيق بينهما: تعتبران من أشد أنواع السياسات مكراً وتآمراً، وإن الاتحاد
السوفييتي بمنظومته الحزبية العربية كان طرفاً في تلك المؤامرة الدنيئة التي أتاحت
للمتاجرين بالقضية الفلسطينية أن يتقدموا للزعامة والقيادة، وفي الثورة الفلسطينية
أوضح مثال على هذا؛ فعندما تراجع المسلمون وتخاذلوا دُفعت بعض القيادات
العلمانية إلى السطح، وانضوى تحت ألويتهم أبناء المسلمين المخدوعين، وتاجر
عرفات وجورج حبش ونايف حواتمه
…
وغيرهم بدمائهم وبنوا على جماجمهم
مجداً أثيلاً.
إن اليهود بدؤوا منذ القرن التاسع عشر على الخصوص في التطلع والتخطيط
لإقامة كيان صهيوني في فلسطين، وقد كانوا يعلمون جيداً أن ليس بإمكانهم أن
يطؤوا أرض فلسطين بأقدامهم وأن يقر لهم قرار فيها إلا في حالة ضعف المسلمين
وتخلفهم، كما كانوا يدركون أن الإسلام هو السر الحقيقي لقوة المسلمين ونهوضهم؛
ولذلك أقدموا بما لديهم من مكر وخداع وهيمنة على وسائل الإعلام المختلفة على
نشر الفكر الشيوعي، وتمويل الأحزاب الشيوعية وتأسيسها في البلاد العربية،
ونشر الإلحاد.. وغير ذلك من المفاهيم العلمانية المادية التي تدعو المسلمين إلى
فصل الدين عن الدولة وعن الحياة، والتحلل من الأخلاق والقيم الإنسانية.
وقد كان ذلك تحت ستار الشعارات الخادعة المضللة؛ فتغلغلت تلك الأفكار في
عقول كثير من الشباب المضللين الذين فقدوا التوجيه الصحيح والفهم العميق للإسلام
لأسباب داخلية أهمها: غياب الإسلام عن الساحة كنظام حضاري ومنهج حياة شامل، ولأسباب خارجية أهمها: الغزو الشيوعي الصهيوني والصليبي للعالم الإسلامي،
واستيراد أساليب وأنظمة ظاهرها التقدم والتحرر، وباطنها الاستلاب والاحتواء
والجمود، فقد جرب المنتسبون إلى الإسلام مختلف الأنظمة الوضعية من ليبرالية
واشتراكية فلم تزدهم إلا ذلة وجموداً وتأخراً وتبعية للغير، علماً بأن الظروف التي
مرّت بها أوروبا وجعلتها تكره الدين بمفهومه الكنسي المحرف الضيق هي ظروف
ليست موجودة في الإسلام (ولله الحمد) .
وقد استغل الشيوعيون اليهودُ وعلى رأسهم ماركس معركةَ الدين والعلم،
والدين والدولة في أوروبا للتمويه والمغالطة وتعميم الأحكام بالقول: إن الدين أفيون
الشعوب أي: الدين عامةّ وأنه يتعارض مع النظر العقلي، وهي شبهة لها مجالها
الحقيقي في واقع الكنيسة والفكر الغربي، بينما لا نجد لها أي أثر في الإسلام
والفكر الإسلامي، ومن الملاحظ إذن: أن الحملات التي توجه ضد الدين الحق
وهو الإسلام إنما توجه من قِبَل دعاة المذاهب المادية وعلى رأسهم اليهود ضمن
مخطط رهيب يتبلور من خلال الغزو الفكري الذي حاول بمختلف الأساليب تهميش
أثر الإسلام في عقر داره، وإيهام المخدوعين من أبناء هذه الأمة أن لا سبيل للتقدم
إلا بإبعاد الإسلام عن مجالات الحياة المختلفة، هذا كسلاح لتركيز السيطرة اليهودية
والتمكين لها في البلاد العربية الإسلامية، إذ يدرك اليهود جيداً أن الإسلام يقف سدّاً
منيعاً في وجه أي احتواء أو تبعية أو تنازلات، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بأرض
إسلامية كفلسطين، وتهجير شعب مسلم بأكمله وتشريده.
(1) قدري قلعجي: تجربة عربي في الحزب الشيوعي، ص49.
(2)
الغادري: التاريخ السري للعلاقات الشيوعية - الصهيونية، ص159.
(3)
قدري قلعجي: تجربة عربي في الحزب الشيوعي، ص58.
(4)
صحيفة الجماهير السورية، 13 تموز (يوليو)1959.
(5)
الغادري: التاريخ السري للعلاقات الشيوعية - الصهيونية، ص162.
(6)
المرجع نفسه، ص162.
(7)
المرجع نفسه، ص171.
(8)
المرجع نفسه، ص172.
(9)
162 Rabert Rezette les politipues marocains P.
(10)
العربي الناصري: الاندحار الماركسي في العالم الإسلامي، ص6.
(11)
Rabert Rezette; loc-Qp-cit P165 - 166.
(12)
المشهد المذكور موثق بصورتين لعلي يعتة، وهو داخل المعبد اليهودي، التقطهما مصور الأسبوع السياسي انظر: الأسبوع الصحافي السياسي، 7 يناير 1994، ص1، 7.
(13)
مجموعة من المؤلفين: التاريخ الحديث والمعاصر ليهود المغرب، ص 54.
(14)
صحيفة العلم المغربية، 28 كانون الأول (ديسمبر) 1955م.
(15)
قدري قلعجي: تجربة عربي في الحزب الشيوعي، ص144.
(16)
المرجع السابق، ص156.
(17)
أضواء على القضية الفلسطينية، من منشورات الحزب الشيوعي العراقي، أب 1948.
(18)
صحيفة القاعدة عدد رقم 11، عام 1963م.
(19)
قدري قلعجي: المرجع السابق، ص156.
(20)
صحيفة صوت البروليتاريا 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948م.
(21)
المرجع نفسه، 3 تشرين الثاني (نوفمبر)1948.
(22)
صحيفة صوت البروليتاريا، 3 تشرين الثاني (نوفمبر)1948.
(23)
صحيفة صوت البروليتاريا، 3 تشرين الثاني (نوفمبر)1948.
(*) أنظر: نهاد الغادري: التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية، قدري قلعجي: تجربة عربي في الحزب الشيوعي، أنور الجندي: هزيمة الشيوعية في عالم الإسلام.