المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 18 فهرس المحتويات 1- دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: لفضيلة - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌العدد 18 فهرس المحتويات 1- دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: لفضيلة

‌العدد 18

فهرس المحتويات

1-

دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: لفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي

2-

من ثمرات التوحيد: بقلم: الشيخ عبد القادر شيبة الحمد

3-

من أعلام المحدثين - أبو خيثمة زهير بن حرب: للشيخ عبد المحسن العباد

4-

أتوعِد سنات الرسول بمَحوها: الدكتور محمد تقي الدين الهلالي

5-

الحكم بقطع يد السارق في الشريعة الإسلامية: بقلم الدكتور: أحمد عبيد الكبيسي

6-

الإسلام حرية منظمة وإخاء: بقلم الشيخ السعيد الشربيني الشرباصي

7-

الإسلام والحياة: بقلم أحمد عبد الرحيم السايح

8-

المسئولية في الإسلام: بقلم الشيخ عبد الله قادري

9-

إلى طيبة: للشيخ أحمد مختار بزرة

10-

قصص عن الطرق الأولية للعلاج النفسي عند العرب: للدكتور أحمد محمد سليمان

11-

من أعلام السنة النبوية: بقلم الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي

12-

أثر الاستعمار في مناهج التربية والتعليم في بعض البلاد العربية: بقلم: الشيخ محمد المهدي محمود

13-

من الصحف والمجلات: إعداد العلاقات العامة

14-

ندوة الطلبة - انتهت قصتي: شعر الطالب محمد محمود جاد الله

15-

المنهج العلمي عند بعض مفكري الإسلام وعند مفكري أوربا: بقلم الطالب عبد الرزاق بسرور

16-

خطورة الدعوة إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية: بقلم الطالب عبد الرحمن الأنصاري

17-

ليس للإنسان إلا ما سعى: شعر الطالب عارف عبد الله الحسن

18-

غايات وأهداف: بقلم الطالب سعد بن حامد المطرفي

19-

شياطين الإنس: بقلم الطالب محمد عبد الخالق الضبع

20-

أخبار الجامعة: إعداد العلاقات العامة

21-

يستفتونك: يتولى الرد على أسئلة القراء سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية

عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م

ص: 380

دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

لفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - المدرس بالجامعة

سورة الأعلى

قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} الآية. هذه الآية الكريمة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ينسى من القرآن ما شاء الله أن ينساه - وقد جاءت آيات كثيرة تدل على حفظ القرآن من الضياع كقوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .

ص: 381

والجواب أن القرآن وإن كان محفوظا من الضياع فإن بعضه ينسخ بعضا وإنساء الله نبيه بعض القرآن في حكم النسخ فإذا أنساه آية فكأنه نسخها ولا بد أن يأتي بخير منها أو مثلها. كما صرح به تعالى في قوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} . وقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} . وأشار هنا لعلمه بحكمة النسخ بقوله: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} وقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} . هذه الآية الكريمة يفهم منها أن التذكير لا يطلب إلا عند مظنة نفعه بدليل أَنْ الشرطية. وقد جاء آيات كثيرة تدل على الأمر بالتذكير مطلقا كقوله: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} وقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} . وأجيب عن هذا بأجوبة كثيرة منها أن في الكلام حذفا أي إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرّ} أي والبرد وهو قول الفراء والنحاس والجرجاني وغيرهم. ومنها أنها بمعنى (إذ) وإتيان (إن) بمعنى (إذ) مذهب الكوفيين خلافا للبصريين. وجعل منه الكوفيون قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وقوله تعالى: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" وقول الفرزدق:

جهارا ولم تغضب لقتل بن حازم

أتغضب إن أذنا قتيبة حزتا

وأجاب البصريون عن آيات إن كنتم مؤمنين بأن فيها معنى الشرط جيء به للتهييج وعن آية إن شاء الله والحديث بأنهما تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل وعن البيت بجوابين:

ص: 382

أنه من إقامة السبب مقام المسبب والأصل: أتغضب إن افتخر مفتخر بحز أذني قتيبة إذ الافتخار بذلك يكون سببا للغضب ومسببا عن الحز.

أحدهما:

أتغضب أن تبين في المستقبل أن أذني قتيبة حزتا.

الثاني:

ومنها أن معنى {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} الإرشاد إلى التذكير بالأهم أي ذكر بالمهم الذي فيه النفع دون ما لا نفع فيه. فيكون المعنى ذكر الكفار مثلا بالأصول التي هي التوحيد، لا بالفروع لأنها لا تنفع دون الأصول وذكر المؤمن التارك لفرض مثلا بذلك الفرض المتروك لا بالعقائد ونحو ذلك لأنه أنفع.

ومنها أن {إِنْ} بمعنى (قد) وهو قول قطرب.

ومنها أنها صيغة شرط أريد بها ذم الكفار واستبعاد تذكرهم كما قال الشاعر:

ولكن لا حياة لمن تنادي

لقد أسمعت لو ناديت حيا

ومنها غير ذلك.

والذي يظهر لمقيد هذه الحروف عفا الله عنه بقاء الآية الكريمة على ظاهرها وأنه صلى الله عليه وسلم بعد أن يكرر الذكرى تكراير تقوم به حجة الله على خلقه مأمور بالتذكير عند ظن الفائدة أما إذا علم عدم الفائدة فلا يؤمر بشيء هو عالم أنه لا فائدة فيه لأن العاقل لا يسعى إلى ما لا فائدة فيه وقد قال الشاعر:

لشيء بعيد نفعه الدهر ساعيا

لما نافع يسعى اللبيب فلا تكن

ص: 383

وهذا ظاهر ولكن الخفاء في تحقيق المناط. وإيضاحه أن يقال: بأي وجه يتيقن عدم إفادة الذكرى حتى يباح تركها. وبيان ذلك أنه تارة يعلمه بإعلام الله له به كما وقع في أبي لهب حيث قال تعالى فيه: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ} الآية. فأبو لهب هذا وامرأته لا تنفع فيهما الذكرى لأن القرآن نزل بأنهما من أهل النار بعد تكرار التذكير لهما تكرار تقوم عليهما به الحجة فلا يلزم النبي صلى الله عليه وسلم بعد علمه بذلك أن يذكرهما بشيء لقوله تعالى في هذه الآية: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} . وتارة يعلم ذلك بقرينة الحال بحيث يبلغ على أكمل وجه ويأتي بالمعجزات الواضحة فيعلم أن بعض الأشخاص عالم بصحة ثبوته وأنه مُصرّ على الكفر عنادا ولجاجا فمثل هذا لا يجب تكرير الذكرى له دائما بعد أن تكرر عليه تكريرا تلزمه به الحجة. وحاصل إيضاح هذا الجواب أن الذكرى تشتمل على ثلاث حكم:

خروج فاعلها من عهدة الأمر بها.

الأولى:

رجاء النفع لمن يوعظ بها وبين الله تعالى هاتين الحكمتين بقوله تعالى: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وبيّن الأولى منها بقوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} . وقوله تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ} ونحوها من الآيات. وبين الثانية بقوله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} .

الثانية:

ص: 384

إقامة الحجة على الخلق وبينها الله تعالى بقوله: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} . وبقوله: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً} الآية. فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا كرر الذكرى حصلت الأولى والثالثة فإن كان في الثانية طمع استمر على التذكير وإلا لم يكلف بالدوام والعلم عند الله تعالى.

الثالثة:

وإنما اخترنا بقاء الآية على ظاهرها مع أن أكثر المفسرين على صرفها عن ظاهرها المتبادر منها وأن معناها: فذكر مطلقا إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع لأننا نرى أنه لا يجوز صرف كتاب الله عن ظواهره المتبادر منه إلا لدليل يجب الرجوع له. وإلى بقاء هذه الآية على ظاهرها جنح ابن كثير حيث قال في تفسيرها أي ذكر حيث تنفع التذكرة ومن هنا يؤخذ الأدب في نشر العلم فلا يضعه في غير أهله كما قال على رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم. وقال حدث الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله.

(تنبيه) هذا الإشكال الذي في هذه الآية إنما هو على قول من يقول باعتبار دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة وأما على قول من لا يعتبر مفهوم المخالفة شرطا كان أو غيره كأبي حنيفة فلا إشكال في الآية وكذلك لا إشكال فيها على قول من لا يعتبر مفهوم الشرط كالباقلاني فتكون الآية نصت على الأمر بالتذكير عند مظنة النفع وسكت عن حكمه عند عدم مظنة النفع فيطلب من دليل آخر فلا تعارض الآية الآيات الدالة على التذكير مطلقا.

سورة الغاشية

قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} تقدم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} .

ص: 385

قوله تعالى: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} الآية. ظاهر هذه الآية أن الجنة فيها عين واحدة وقد جاءت آيات آخر تدل على خلاف ذلك كقوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} . والجواب هو ما تقدم في الجمع بين قوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} مع قوله فيها: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} الآية. فالمراد بالعين العيون كما تقدم نظيره في سورة البقرة وغيرها.

سورة الفجر

قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} يوهم أنه ملك واحد وقوله: {صَفّاً صَفّاً} يقتضي أنه غير ملك واحد بل صفوف من جماعات الملائكة.

والجواب: أن قوله تعالى: {والملك} معناه والملائكة ونظيره قوله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} . وتقدم بيانه بشواهده العربية في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنّ} الآية.

سورة البلد

قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} . هذه الآية الكريمة يتبادر من ظاهرها أنه تعالى أخبر بأنه لا يقسم بهذا البلد الذي هو مكة المكرمة مع أنه تعالى أقسم به في قوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} .

والجواب عن هذا من أوجه:

ص: 386

الأول: وعليه الجمهور: أن {لَا} هنا صلة على عادة العرب فإنها ربما لفظت بلفظة (لا) من غير قصد معناها الأصل بل لمجرد تقوية الكلام وتوكيده لقوله: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلا تَتَّبِعَنِ} يعني أن تتبعني وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ} أي أن تسجد على أحد القولين. ويدل له قوله في سورة ص {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ} الآية. وقوله: {لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أي ليعلم أهل الكتاب، وقوله:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} أي فوربك، وقوله:{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} أي والسيئة، وقوله:{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} على أحد القولين، وقوله:{وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} على أحد القولين، وقوله:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا} على أحد الأقوال الماضية وكقول أبي النجم:

لما رأين الشمط القفندرا

فما ألوم البيض ألا تسخرا

يعني أن تسخر وكقول الشاعر:

وللهو داع دائب غير غافل

وتلحينني في اللهو أن لا أحبه

يعني أن أحبه و (لا) زائدة. وقول الآخر:

نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله

أبى جوده لا البخل واستعجلت به

يعني أبى جوده البخل و (لا) زائدة على خلاف في زيادتها في هذا البيت الأخير ولاسيما على رواية البخل بالجر لأن (لا) عليها مضاف بمعنى لفظة لا فليست زائدة على رواية الجر وقول امرئ القيس:

لا يدعي القوم أني أفر

فلا وأبيك ابنة العامري

يعني وأبيك. وأنشد الفراء لزيادة (لا) في الكلام الذي فيه معنى الجحد.

قول الشاعر:

وإلا طيبان أبو بكر ولا عمر

ما كان يرضى رسول الله دينهم

يعني وعمر و (لا) صلة وأنشد الجوهري لزيادتها قول العجاج:

بافكه حتى رأى الصبح جشر

ص: 387

في بئر لاحور سرى وما شعر

فالحور الهلكة يعني في بئر هلكة و (لا) صلة قاله أبو عبيدة وغيره.

وأنشد الأصمعي لزيادتها قول ساعدة الهذلي:

غاب تسنمه ضرام مثقب

أفعنك لا برق كأن وميضه

ويروي أفمنك، وتشيمه بدل أفعنك وتسمنه.

يعني أعنك برق و (لا) صلة. ومن شواهد زيادتها قول الشاعر:

وكاد صميم القلب لا يتقطع

تذكرت ليلى فاعترتني صبابة

يعني كاد يتقطع. وأما استدلال أبي عبيدة لزيادتها بقول الشماخ:

يضيعون الهجان مع المضيع

أعائش ما لقومك لا أراهم

فغلط منه لأن (لا) في بيت الشماخ هذا نافية لا زائدة ومقصودة أنها تنهاه عن حفظ ماله مع أن أهلها يحفظون ما لهم أي لا أرى قومك يضيعون مالهم وأنت تعاتبيني في حفظ مالي وما ذكره الفراء من أن لفظة (لا) لا تكون صلة إلا في الكلام الذي فيه معنى الجحد فهو أغلبه لا يصح على الإطلاق بدليل بعض الأمثلة المتقدمة التي لا جحد فيها كهذه الآية على القول بأن (لا) فيها صلة وكبيت ساعدة الهذلي وما ذكره الزمخشري من زيادة (لا) في أول الكلام دون غيره فلا دليل عليه.

الوجه الثاني: أن {لا} نفي لكلام المشركين المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم وقوله: {أقسم} إثبات مستأنف وهذا القول وإن قال به كثير من العلماء فليس بوجيه عندي لقوله تعالى في سورة القيامة {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} لأن قوله تعالى {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} يدل على أنه لم يرد الإثبات المؤتنف بعد النفي بقوله أقسم والله تعالى أعلم.

الوجه الثالث: أنها حرف نفي أيضا ووجهه أن إنشاء القسم يتضمن الإخبار عن تعظيم المقسم به فهو نفي لذلك الخبر الضمني على سبيل الكناية والمراد أنه لا يعظم بالقسم بل هو في نفسه عظيم أقسم به أولا وهذا القول ذكره صاحب الكشاف وصاحب روح المعاني ولا يخلو عندي من بعد.

ص: 388

الوجه الرابع: أن اللام لام الابتداء أشبعت فتحتها والعرب ربما أشبعت الفتحة بألف والكسرة بياء والضمة بواو فمثاله في الفتحة قول عبد يغوث ابن وقاص الحارثي:

كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا

وتضحك مني شيخة عبشمية

فالأصل كأن لم تر ولكن الفتحة أشبعت - وقول الراجز:

ولا ترضاها ولا تملقي

إذا العجوز غضبت فطلق

فالأصل ترضها لأن الفعل مجزوم بلا الناهية - وقول عنترة في معلقته:

زيافة مثل الفنيق المكدم

ينباع من ذفري غضوب جسرة

فالأصل ينبع يعني أن العرق ينبع من عظم الذفرى من ناقته فأشبع الفتحة فصار ينباع على الصحيح وقول الراجز:

يا ناقتي ما جلت من مجالي

قلت وقد خرت على الكلكال

فقوله الكلكال يعني الكلكل، وليس إشباع الفتحة في هذه الشواهد من ضرورة الشعر لتصريح علماء العربية بأن إشباع الحركة بحرف يناسبها أسلوب من أساليب اللغة العربية ولأنه مسموع في النثر كقولهم كلكال وخاتام وداناق يعنون كلكلا وخاتما ودانقا. ومثله في إشباع الضمة بالواو، وقولهم: برقوع ومعلوق يعنون برقعا ومعلقا. ومثال إشباع الكسرة بالياء قول قيس بن زهير:

بما لاقت لبون بني زياد

ألم يأتك والأنباء تنمى

فالأصل يأتك لمكان الجازم - وأنشد له الفراء:

أصبحت كالشن البال

لا عهد لي بنيضال

ومنه قول امرئ القيس:

على عجل مني أطأطئ شيمالي

كأني بفتحاء الجناحين لقوة

ويروى: صيود من العقبان طأطأن شيمالي. ويروى دفوف من العقبان الخ. ويروى شملال بدل شيمال وعليه فلا شاهد في البيت إلا أن رواية الياء مشورة. ومثال إشباع الضمة بالواو قول الشاعر:

من هجو زبان لم تهجو ولم تدع

هجوت زبان ثم جئت معتذرا

وقول الآخر:

يوم الفراق إلى إخواننا صور

الله أعلم أنا في تلفتنا

من حيثما ما سلكوا أدنوا فأنظور

وإنني حيثما يثني الهوى بصري

ص: 389

يعني فانظر، وقول الراجز:

فانهض فشد المئزر المعقودا

لو أن عمرا عم أن يرقودا

يعني يرقد، ويدل لهذا الوجه قراءة قنبل:(لأقسم بهذا البلد) بلام الابتداء وهو مروي عن البزي والحسن والعلم عند الله تعالى.

قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} يدل ظاهره على أن المسكين لاصق بالتراب ليس عنده شيء فهو أشد فقرا من مطلق الفقير كما ذهب إليه مالك وكثير من العلماء وقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ} الآية. يدل على خلاف ذلك لأنه سماهم مساكين مع أن لهم سفينة عاملة للإيجار.

ص: 390

والجواب عن هذا محتاج إليه على كلا القولين - أما على قول من قال إن المسكين من عنده مالا يكفيه كالشافعي فالذي يظهر لي أن الجواب أنه يقول: المسكين عند الإطلاق ينصرف إلى من عنده شيء لا يكفيه فإذا قيد بما يقتضي أنه لا شيء عنده فذلك يعلم من القيد الزائد لا من مطلق لفظ المسكين وعليه فالله في هذه الآية قيد المسكين بكونه ذا متربة فلو لم يقيده لانصرف إلى من عنده ما لا يكفيه فمدلول اللفظ حالة الإطلاق لا يعارض بمدلوله حالة التقيد وأما على قول من قال بأن المسكين أحوج من مطلق الفقير وأنه لا شيء عنده فيجاب عن آية الكهف بأجوبة منها: أن المراد بقوله مسكين أنهم قوم ضعاف لا يقدرون على مدافعة الظلمة ويزعمون أنهم عشرة خمسة منهم زمني، ومنها أن السفينة لم تكن ملكا لهم بل كانوا أجراء فيها أو أنها عارية واللام للاختصاص، ومنها أن اسم المساكين أطلق عليهم ترحما لضعفهم. والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه أن هذه الأجوبة لا دليل على شيء منها فليس فيها حجة يجب الرجوع إليها. وما احتج به بعضهم من قراءة علي رضى الله عنه لمساكين بتشديد السين جمع تصحيح لمساك بمعنى الملاح أو دابغ المسوك التي هي الجلود فلا يخفى سقوطه لضعف هذه القراءة وشذوذها. والذي يتبادر إلى ذهن المصنف أن مجموع الآيتين دل على أن لفظ المسكين مشكك تتفاوت أفراده فيصدق بمن عنده مالا يكفيه بدليل آية الكهف، ومن هو لاصق بالتراب لا شيء عنده بدليل آية البلد كاشتراك الشمس والسراج في النور مع تفاوتهما، واشتراك الثلج والعاج في البياض مع تفاوتهما. والمشكك إذا أطلق ولم يقيد بوصف الأشدية انصرف إلى مطلقه هذا ما ظهر والعلم عند الله تعالى. والفقير أيضا قد تطلقه العرب على من عنده بعض المال كقول مالك ومن شواهده قوال راعي نمير:

وفق العيال فلم يترك له سبد

أما الفقير الذي كانت حلوبته

فسماه فقيرا مع أن عنده حلوبة قدر عياله.

سورة الشمس

ص: 391

قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} يدل على أن الله هو الذي يجعل الفجور والتقوى في القلب وقد جاءت آيات كثيرة تدل على أن فجور العبد وتقواه باختياره ومشيئته كقوله تعالى: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} وقوله تعالى: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} ونحو ذلك. وهذه المسألة هي التي ضل فيها القدرية والجبرية. وأما القدرية: فضلوا بالتفريط حيث زعموا أن العبد يخلق عمل نفسه استقلالا عن غير تأثير لقدرة الله فيه. وأما الجبرية فضلوا بالإفراط حيث زعموا أن العبد لا عمل له أصلا حتى يؤاخذ به. وأما أهل السنة والجماعة فلم يفرطوا ولم يفرطوا فأثبتوا للعبد أفعالا اختيارية ومن الضروري عند جميع العقلاء أن الحركة الارتعاشية ليست كالحركة الاختيارية وأثبتوا أن الله خالق كل شيء فهو خالق العبد وخالق قدرته وإرادته وتأثير قدرة العبد لا يكون إلا بمشيئة الله تعالى. فالعبد وجميع أفعاله بمشيئة الله تعالى مع أن العبد يفعل اختيارا بالقدرة والإرادة اللتين خلقهما الله فيه فعلا اختياريا يثاب عليه ويعاقب. ولو فرضنا أن جبريا ناظر سنيا فقال الجبري: حجتي لربي أن أقول إني لست مستقلا بعمل وإني لا بد أن تنفذ في مشيئته وإرادته على وفق العلم الأزلي فأنا مجبور فكيف يعاقبني على أمر لا قدرة لي أن أحيد عنه؟ فإن السني يقول له كل الأسباب التي أعطاها للمهتدين أعطاها لك جعل لك سمعا تسمع به وبصراً تبصر به وعقلا تعقل به وأرسل لك رسولا وجعل لك اختيارا وقدرة ولم يبق بعد ذلك إلا التوفيق وهو ملكه المحض إن أعطاه ففضل وإن منعه فعدل كما أشار له تعالى بقوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} . بمعنى أن ملكه للتوفيق حجة بالغة على الخلق فمن أعطيه ففضل ومن منعه فعدل. ولما تناظر أبو إسحاق الإسفرائيني مع عبد الجبار المعتزلي؛ قال عبد الجبار سبحان من تنزه عن الفحشاء وقصده أن

ص: 392

المعاصي كالسرقة والزنى بمشيئة العبد دون مشيئة الله لأن الله أعلى وأجل من أن يشاء القبائح في زعمهم، فقال أبو إسحاق: كلمة حق أريد بها باطل ثم قال: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء. فقال عبد الجبار: أتراه يخلقه ويعاقبني عليه؟ فقال أبو إسحاق: أتراك تفعله جبرا عليه؟ أأنت الرب وهو العبد؟ فقال عبد الجبار: أرأيت إن دعاني إلى الهدى وقضى على بالردى أتراه أحسن إلي أم أساء؟ فقال أبو إسحاق: إن كان الذي منعك منه ملكا لك فقد أساء وإن كان له فإن أعطاك ففضل وإن منعك فعدل فبهت عبد الجبار وقال الحاضرون والله ما لهذا جواب. وجاء أعرابي إلى عمرو ابن عبيد وقال له ادع الله لي أن يرد على حمارة لي سرقت مني فقال اللهم إن حمارته سرقت ولم ترد سرقتها فارددها عليه فقال له الأعرابي: يا هذا كف عني من دعائك الخبيث إن كانت سرقت ولم يرد سرقتها فقد يريد ردها ولا ترد. وقد رفع الله إشكال هذه المسألة بقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فأثبت للعبد مشيئة وصرح بأنه لا مشيئته للعبد إلا بمشيئة الله جل وعلا. فكل شيء صادر من قدرته ومشيئته جلا وعلا. وقوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} وأما على قول من فسر الآية الكريمة بأن معنى فألهمها فجورها وتقواها أنه بين لها طريق الخير وطريق الشر، فلا إشكال في الآية وبهذا المعنى فسرها جماعة من العلماء. والعلم عند الله تعالى.

سورة الليل

قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} . يدل على أن الله التزم على نفسه الهدى للخلق مع أنه جاءت آيات كثيرة تدل على عدم هداه لبعض الناس كقوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} . وقوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وقوله: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا} الآية. إلى غير ذلك من الآيات.

ص: 393

والجواب هو ما تقدم من أن الهدى يستعمل في القرآن خاصا وعاما فالمثبت العام والمنفي الخاص ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم وأما على قول من قال أن معنى الآية إن الطريق الذي يدل علينا وعلى طاعتنا هو الهدى لا الضلال، وقول من قال أن معنى الآية إن من سلك طريق الهدى وصل إلى الله فلا إشكال في الآية أصلا.

سورة الضحى

قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} . هذه الآية الكريمة يوهم ظاهرها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ضالا قبل الوحي مع أن قوله تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} يدل على أنه صلى الله عليه وسلم فطر على هذا الدين الحنيف ومعلوم أنه لم يهوده أبواه ولم ينصراه ولم يمجساه بل لم يزل باقيا على الفطرة حتى بعثه الله رسولا ويدل لذلك ما ثبت من أن أول نزول الوحي كان وهو يتعبد في غار حراء فذلك التعبد قبل نزول الوحي دليل على البقاء على الفطرة.

والجواب أن معنى قوله: {ضَالاً فَهَدَى} أي غافلا عما تعلمه الآن من الشرائع وأسرار علوم الدين التي لا تعلم بالفطرة ولا بالعقل وإنما تعلم بالوحي فهداك إلى ذلك بما أوحى إليك فمعنى الضلال على هذا القول الذهاب من العلم ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} وقوله: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} . وقوله: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} .

وقول الشاعر:

بدلا أراها في الضلال تهيم

وتظن سلمى أنني أبغي بها

ص: 394

ويدل لهذا قوله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} لأن المراد بالإيمان شرائع دين الإسلام وقوله: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} . وقوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} . وقوله: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} . وقيل المراد بقوله ضالا. ذهابه وهو صغير في شعاب مكة وقيل ذهابه في سفره إلى الشام والقول الأول هو الصحيح والله تعالى أعلم ونسبة العلم إلى الله أسلم.

ص: 395

قصص عن الطرق الأولية للعلاج النفسي عند العرب

للدكتور أحمد محمد سليمان

دعي الرازي الطبيب العظيم ليعالج الأمير منصور الذي كان يشكو من أمراض روماتيزمية في مفاصله أعجزت كل من عاده من الأطباء ولما وصل إلى بخارى جرب طرقا عديدة لعلاج الأمير دون أن ينجح. وقال له آخر الأمر: "سأجرب في غد طريقة جديدة، ولكنها ستكلفك خير حصان وخير بغل في حظيرتك".

ووافق الأمير ووضع الحيوانين تحت تصرفه. وفي اليوم التالي ذهب الرازي بالأمير إلى حمام ساخن خارج المدينة، وربط الحصان والبغل خارجه بعد أن أسرجهما وألجمهما. ثم دخل الحجرة الساخنة وحده مع مريضه الذي وضعه تحت الدش الساخن عدة مرات وسقاه جرعة كان قد أعدها له عندما يجيء الوقت الذي تنضج الأخلاط في مفاصله.

ثم خرج ولبس ثيابه، ودخل ثانية وفي يده سكين، ووقف برهة يشتم الأمير قائلا:"لقد أمرت أن أقيد وأن ألقى في القارب، متآمرا بذلك على حياتي، وإن لم أقتلك عقابا لك على هذا فليس اسمي محمد بن زكريا، فغضب الأمير غضبا شديدا وثارت ثائرته وهب واقفا على قدميه مدفوعا بالغضب من جهة والخوف من جهة أخرى". فأسرع الرازي بالفرار من الحمام وقصد إلى حيث كان غلامه ينتظره في الخارج مع الحصان والبغل، وركب حصانه وانطلق به راكضا بأقصى سرعة، ولم يتوقف في هربه حتى عبر نهر أوكسس ووصل إلى مرو، ومن هناك كتب إلى الأمير:

"أطال الله حياة الملك. لقد بذلت في علاجك أقصى ما لدي من قدرة وفقا لما تقتضيه مهنتي. ولكن نظرا لنقص الحرارة عندك كانت مدة العلاج ستطول إلى حد بعيد، لهذا عدلت عن العلاج الطويل إلى العلاج النفساني، ولما تعرضت الأخلاط الفاسدة للحرارة في الحمام الساخن إلى الحد الكافي، أثرتك عامدا حتى أزيد حرارتك الطبيعة، وبذلك اكتسبت من القوة ما يكفي لإذابة الأخلاط التي كانت قد لانت".

ص: 396

وخفَّت حدة غضب الأمير. وسره أن رأى صحته عادت إليه وأصبح قادرا على الحركة.

والقصة الثانية: لمريضة من أهل بيت الملك، كانت منحنية وهي تعد المائدة وأحست فجأة (بورم روماتزمي في المفاصل) فلما أردت أن تعتدل وجدت نفسها عاجزة عن ذلك. واستدعي طبيب الملك وأمر بأن يداويها، ولما لم يجد في متناوله أدوية، لجأ إلى (تدبير نفساني) فأزال أولا خمارها، ثم نطاق ثوبها مستجداً بشعور الخجل الذي (بعث فيها وهجا من الحرارة) أذاب الأخلاط الروماتزمية فوقفت منتصبة القامة وقد شفيت تماما.

والقصة الثالثة: قدم ابن سينا متخفيا إلى جرجان على ساحل بحر قزوين وهو يحاول الهرب من السلطان محمود الغزنوي، وكان أحد أقارب حاكم جرجان طريح الفراش بداء أعيا جميع الأطباء المحليين. ودعي ابن سينا لعيادته وإبداء رأيه، وبعد أن فحص المريض طلب معاونة شخص عليم بكل نواحي البلاد ومدنها. وكان هذا الشخص يذكر أسماءها بينما كان ابن سينا واضعا أصبعه على نبض المريض. فلاحظ عند ذكر بلدة معينة خفقة في نبض المريض. فقال:"أنا الآن في حاجة إلى شخص يعرف كل أحياء هذه البلدة وشوارعها وبيوتها".

ولاحظ عند ذكر اسم ساكنة من منزل بعينه مزيدا من الخفقان وحينئذ قال ابن سينا "لقد انتهيت، فالصبي يحب فتاة اسمهما كذا تقطن في منزل كذا في شارع كذا في بلدة كذا زواجه بالفتاة هو دواء المريض". فعقد له عليها في ساعة موافقة اختارها ابن سينا، وهكذا تم علاج المريض.

وهذا يدل على سرعة شفاء المريض إذا ما تحققت له أمنيته بأن يجمعه مع محبوبه برباط يقره الدين، ومن هذا يتبين أيضا خضوع الطبيعة البشرية للتخيلات الذهنية.

ص: 397

والقصة الرابعة: أصيب أمير من أمراء أسرة بويه بالملانخوليا وخيل إليه أنه بقرة. وكان الأمير يخور كل يوم كما تفعل البقرة فتضيق لذلك صدور كل من حوله وكان يصيح "اذبحوني واصنعوا من لحمي طبقا شهيا من اليخنى"وظلت الحال تسوء حتى امتنع عن الأكل بتاتا، بينما الأطباء عاجزون عن أن يفيدوه بشيء، وأخيرا أمكن إقناع ابن سينا أن يتولى الحالة وقد وافق رغم ضغط المشاغل العامة والخاصة والسياسية والعلمية والأدبية. وكان أول ما صنع أن أرسل للمريض رسالة طلب إليه فيها أن يفرح لأن الجزار قادم لذبحه وقيل أن المريض سر لذلك. وبعد فترة من الوقت دخل ابن سيناء حجرة المريض وبيده سكين وقال "أين البقرة حتى أذبحها؟ "فخار المريض خوار البقرة ليدله على مكانه. فألقي بأمر ابن سينا على الأرض موثوق اليدين والرجلين. ثم تقدم ابن سينا فجس جسمه كله ثم قال:"إنه نحيف جدا ولا يصلح للذبح يجب أن يسمن". فقدموا إليه غذاء مناسبا فأقبل عليه يأكل منه بشهية فعادت إليه قوته تدريجيا وتخلص من وهمه، وبريء من علته تماما.

والقصة الخامسة: تروي كيف أن المنافسة بين طبيبين من أطباء البلاط بلغت أخيرا حدا جعلهما يتحدى أحدهما الآخر إلى مبارزة أو امتحان بالسم، ويقضي الاتفاق بأن يتناول كل منهما سما أعده خصمه، ثم عليه أن يحاول أن يبطل مفعوله بدواء مضاد مناسب. وأعد الأول جرعة من السم يبلغ من شدتها أن تذيب الحجارة السوداء، فشرب منافسه الكأس ثم تناول في الحال جرعة مضادة أبطلت مفعوله.

وجاء دوره، فالتقط زهرة من الحديقة، وقرأ عليها رقية وأمر خصمه بشمها: فلما فعل سقط ميتا في الحال، والسبب هو الخوف فحسب. وهنا استعمل الإيحاء لا للإبراء بل للإهلاك.

والقصة رواها الشاعر نظامي في كتابه (مخزن الأسرار) حيث يقول ما ترجمته:

ص: 398

وبهذه الوردة التي أعطاها له قارئ الرقى تغلب الخوف على العدو فأسلم الروح فذلك بالترياق طرد السم من جسمه بينما مات هذا بالخوف بسبب ورودة.

ص: 399

من أعلام السنة النبوية

بقلم الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي

الحمد لله، وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

وقع طرفي أثناء تحضير البحث على عدة تراجم عاطرة لكبار المحدثين السلف رحمهم الله تعالى. أولئك العظام الذين حملوا لواء السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام وحققوا قوله تبارك وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [1] وكنت عزمت حينئذ على دراسة أحوالهم عند التفرغ، والاطلاع على سيرتهم، ونهجهم، وسلوكهم، فيما قدموا لنا من هذه الثروة العلمية الهائلة، فوجدت في هذه الدراسة متعة روحية للقلب والضمير والنفس، وعرفت بعض ما يمكن معرفته من تقدمهم في العلم، والعمل والتضحية والفداء، وتأخرنا في كل شيء على ما كان هؤلاء الأمجاد رحمهم الله تعالى من التقى والورع، والزهد، والفضل.

من أولئك العمالقة الكرام أمير المؤمنين في الحديث وسيد الحفاظ، والنقاد أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري رحمه الله تعالى، وسوف تكون الدراسية في ترجمته على النحو الآتي:

1-

نسبه، ومولده، ونشأته، وشيوخه، وتلامذته.

2-

علم سفيان الثوري فقهه وبراعة فهمه، وعلمه بتفسير القرآن.

3-

تخوف سفيان على نفسه من العلم أن لا يسلم منه.

4-

حفظ الثوري، وإتقانه.

5-

جودته لأخذه الحديث.

6-

تزكية لمن أجمل القول في السلف.

7-

كلامه في نافلة الآثار.

8-

تعظيم كل العلماء له، ونزولهم عند قوله، وفتواه.

9-

زهده، وورعه.

10-

رسالته إلى عباد بن عباد.

11-

دخوله على السلطان، ومناصحته إياه في أموال الأمة.

12-

تركه قبول بر الأمراء.

13-

أدبه، وتواضعه.

14-

حرصه على كتابة السنة.

15-

رؤيا رجل للثوري بعد وفاته.

16-

أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر.

17-

بره بأبيه.

ص: 400

18-

عقيدة سفيان الثوري.

19-

رحلة سفيان الثوري في طلب الحديث.

وأرجو الله تعالى، وأتضرع إليه سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه الكتابة المتواضعة، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله، وسلم على عبده، ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما نسبة:

فهو الثوري، بفتح الثاء المثلثة، وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى بطن من همدان، وبطن من بني تميم.

قال العلامة السمعاني: وأما ثور تميم فمنهم أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، إمام أهل الكوفة، مات بالبصرة.

قلت: اختلفت الرواية في نسب سفيان الثوري، هل هو من ثور تميم، أم من ثور همدان؟

ذكر السمعاني الروايتين بإسناده، إذ يقول: أخبرنا أبو طاهر الوراق، بنواحي اندخوذ [2] أنا أبو الحسن المؤذن، أنا أبو سعيد الصيرفي، ثنا أبو العباس الأصم ثنا العباس الدوري، ثنا شاذان، ثنا سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثور بني تميم [3] .

والرواية الثانية:

وحدثنا [4] شعبة بن الحجاج، أبو بسطام مولى الأزد. وحدثنا شريك بن عبد الله بن شريك بن الحارث النخعي، وحدثنا عبد الله ابن المبارك الخراساني، وحدثنا الحسن بن صالح بن الحي الهمذاني، ثم الثوري ثور همذان [5] .

قلت: أما الرواية الأولى، فأيدها الإمام المزي رحمه الله تعالى، والثانية ردها [6]، وقال الإمام الذهبي في حقه: الإمام شيخ الإسلام، سيد الحفاظ، أبو عبد الله الثوري، ثور مضر، لا ثور همدان [7] .

وقال محمد بن سعد في نسبه: سفيان بن مسروق بن حبيب ابن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أُبي ابن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان ابن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخه ابن إلياس بن مضر بن نزار، ويكنى أبا عبد الله [8]، قلت: يجتمع نسب سفيان الثوري بنسب رسول الله صلى الله عليه وسلم في جده السادس عشر، وهو إلياس بن مضر.

ص: 401

وقال أبو العباس أحمد القلقشندي: بنو تميم من طابخه، وطابخه من عدنان، وهو بنو تميم بن مر بن أد ابن طابخة [9]، ثم قال: "بنو طابخه بطن من خندف من مضر من العدنانية، وهم: بنو طابخه –اسمه عمرو- بن إلياس بن مضر، سمي طابخه لأنه كان هو وأخوه في إبل لهما يرعيانها، فاصطادوا صيدا، وقعدا يطبخانه، فعدت عادية على إبلهما، فقال عمرو لعامر:

تدارك الإبل، فجاء بها، وطبخ عمرو، فلما راحا على أبيهما، وأخبراه بشأنهما، فقال لعامر: أنت مدركة، وقال لعمرو: أنت طابخه فسمى عمرو طابخه، من حينئذ [10]

وقال الإمام البخاري: والثوري، هو ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة ابن إلياس بن مضر [11] .

وقال ابن خلكان: والثوري –بفتح الثاء المثلثة، وبعدها واو ساكنة- وراء هذه النسبة إلى ثور بن عبد مناة، وثم ثوري آخر في تميم، وثوري آخر من همدان [12] .

وقال ابن حزم: وهو ثور أطحل، نسب إلى أطحل، وهو جبل كان يسكنه، ولد ثور بن عبد مناة: ملكان، فولد ملكان، مالك، وعامر. منهم الفقيه أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع ابن عبد الله بن موهبة بن أبي بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث ابن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور، وأخواه عمر ومبارك ثقات كلهم، وإن كان أبوهم سعيد أحسب الناس، ومنهم الربيع بن خشيم الفقيه.

وقال بعض العلماء بالنسب: لولا هذان الرجلان، ما عرفت ثور [13]

وقال ابن قتيبة: فأما عبد مناة بن أد، فمنهم يتيم بن عبد مناة، وبطونها، وعدي بن مناة، ومنهم ذو الرمة الشاعر –وعكل، وبطونها- وهؤلاء الثلاثة من الرباب، وثور بن عبد مناة وهم رهط سفيان الثوري [14]

قلت: ومن هنا عرفت جليا، أن أمير المؤمنين سفيان الثوري هو من ثور بني تميم، وليس من ثور همدان والله تعالى أعلم.

أما مولده:

ص: 402

فقال ابن سعد: قال محمد بن عمر [15] ولد سفيان سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبد الملك [16] وأكد الإمام البخاري رحمه الله تعالى مولده في خلافة سليمان بن عبد الملك إذ قال رحمه الله تعالى بإسناده: سفيان بن سعيد بن مسروق، أبو عبد الله الثوري الكوفي، قال أبو الوليد مات سنة 161 قال لي ابن الأسود عن حميد بن الأسود، سألت مالكا، وسفيان فاتفقا أنهما ولدا في خلافة سليمان بن عبد الملك [17] .

وقال الخطيب: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن خلف الدقاق، حدثنا عمر بن محمد الجوهري، حدثنا أبو بكر الأثرم، قال سمعت أبا عبد الله، ذكر عن موسى بن داود، خروج سفيان بن سعيد من الكوفة. وسنه، وهو في كتاب التاريخ، فقال: هذا سمعه سماعا كان يثبته، قال هذا مع أنه ولد سنة سبع وتسعين، وليس كما قالوا سفيان سنة سبع وتسعين [18] .

ثم قال الخطيب: أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن حمد البغوي، حدثني أحمد بن زهير، قال سمعت يحيى بن معين يقول: ولد سنة خمس وتسعين [19] .

قلت: هكذا رجح الخطيب وغيره من المحدثين مولد سفيان الثوري في سنة 97 من هجرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في نهاية خلافة سليمان بن عبد الملك الأموي وهو ابن ست وستين سنة، وكانت وفاته رحمه الله تعالى في سنة إحدى وستين ومائة فيما قاله الخطيب وغيره.

نشأة سفيان الثوري:

لم أجد مرجعا يبحث نشأة هذا الإمام البارع بالتفصيل، إلا أن هناك روايات عديدة أخرجها أصحاب كتب الرجال وهي تعطينا فكرة أصلية عما كان عليه رحمه الله تعالى من نشاط، وفضل وبر، وتقدم في العلم في صغر سنه.

ص: 403

قال الإمام أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي: أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عمر الزاهد ببغداد، حدثنا أحمد بن الحسن الواعظ، حدثنا خلف بن محمد الهمداني، السبحي [20] ببيت المقدس، حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا أبي، قال سمعت يوسف بن يونس الجرجاني، يحدث عن عبد الرحيم بن حبيب، قال سمعت وكيع بن الجراح، يقول: قالت أم سفيان الثوري لسفيان: يا بني أطلب العلم، وأنا أكفيك من مغزلي، يا بني إذا كتبت عشرة أحاديث، فانظر هل ترى في نفسك زيادة في مشيك، وحلمك ووقارك؟ فإن لم تر ذلك، فاعلم أنه يضرك، ولا ينفعك [21] .

قلت: يستدل من هذه الرواية على عدة أشياء:

1-

أن سفيان رحمه الله تعالى نشأ في سنه المبكر بدراسة السنة، وكانت أمه تعينه على العلم، وتوجهه إلى الخير، وترشده إلى كيفية العمل بالسنة، وأخذها.

2-

أنها كانت رحمها الله تعالى عالمة وعابدة وزاهدة تقية وورعة تحث ابنها على تعلم العلم، وتكفيه عن مؤنة العمل وأنها كانت تكسب بيدها فتسد رمق ابنها من عملها الخاص لكي يتفرع للعلم، ويظهر هذا أنه كان في صغر سن سفيان الثوري والله أعلم.

3-

وهذا الكسب بيدها أدى إلى براعة سفيان الثوري في ورعه، وزهده، وتقواه، وفي علمه، وعمله الذي ضرب به المثل الأعلى في التضحية والفداء أمام الخلائق.

4-

كتابة السنة، عمل حافل في سجل المحدثين.

5-

ما كان يكتفون بالكتابة وحدها بل حفظها في الصدر، والعمل بها كما رأيت من نصيحة أم سفيان لابنه رحمهما الله تعالى.

قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق، ثنا أبو إسحاق السكوني، ثنا مبارك بن سعيد، قال رأيت عاصم بن أبي النجود، يجئ إلى سفيان الثوري يستفتيه، ويقول: أتيتنا يا سفيان صغيرا، وأتيناك كبيرا [22] .

قلت: هذه الرواية أيضا تعطينا فكرة عن نشأة سفيان الثوري على أنه نشأ على العلم، والفضل والسعي وراء أخذ العلم في صغر سنه.

ص: 404

قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا أحمد جعفر بن سليم، حدثنا أحمد بن علي الأبار، ثنا يحي بن أيوب، ثنا أبو المنفى، قال سمعت الناس بمرو يقولون: قد جاء الثوري، فخرجت أنظر إليه فإذا هو غلام قد بقل وجهه [23] .

قلت: تشعر هذه الرواية إلى أن الثوري نال شهرة رفيعة، ومكانة سامية في صغر سنه لما وجد عنده رحمه الله تعالى من رغبة صادقة وعزيمة أكيدة في أخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنه المبكر.

قال ابن سعد: أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا سفيان: قال: حماد ابن أبي سليمان إن في هذا الفتى لمصطنعا، يعني سفيان نفسه [24] .

قلت: هكذا يتوسم فيه كبار الأئمة حال حضوره في حلقات دروسهم رحمهم الله تعالى لما كانوا يلاحظون عليه من الذكاء والخير، والرغبة، وغير ذلك من الأمور الكثيرة، فكان رحمه الله تعالى كما قالوا فيه.

قال الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا عبد الرحمن أنا محمد بن خالد الخراز، قال سمعت مقاتل بن محمد يحكي عن الوليد بن مسلم، قال رأيت الثوري بمكة يستفتى، ولما يخط وجهه بعد [25]

قلت: أكتفي بهذه الروايات في نشأته رحمه الله تعالى، وسوف أواصل البحث في شيوخه، وتلامذته في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى، وصلى الله عليه وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

سورة الحجر، الآية 9.

[2]

اندخوذ: بالفتح ثم السكون وفتح الدال المهملة، وضم الخاء المعجمة، وسكون الواو، وذال معجمة بلدة بين بلخ، ومرو على طرف البر، معجم البلدان 1/260.

[3]

الأنساب للسمعاني 3/152، واللباب لابن الأثير 1/198-199، والاكمال لابن ماكولا 1/586، ابن سعد 6/371، طبقات خليفة بن خياط 1/395.

ص: 405

[4]

القائل: حدثنا هنا في جميع الروايات، هو شاذان واسمه الأسود بن عامر الشامي، انظر التقريب 1/76.

[5]

انظر الأنساب للسمعاني 3/152.

[6]

تهذيب الكمال 3/516، تهذيب التهذيب لابن حجر 4/111.

[7]

تذكرة الحفاظ 1/204، والعبر في خبر من غبر 1/235

[8]

طبقات ابن سعد 6/371، وتاريخ بغداد 9/154.

[9]

نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب 188.

[10]

المصدر السابق 322، انظر الجمهرة 187، العبر 2/315ر، وصبحي الأعشى 1/347.

[11]

التاريخ الكبير 2/2/94، انظر الجرح والتعديل 1/2/222

[12]

وفيات الأعيان 2/127-128.

[13]

جمهرة أنساب العرب لابن حزم 201، انظر الاشتياق لابن

[14]

المعارف 74، انظر ترجمة. تهذيب الأسماء واللغات للنووي سفيان الثوري في ص497، انظر 11/450، فهرست لابن النديم 1/222، ودائرة المعارف الإسلامية إسحاق الشيرازي 1/65، انظر: 314-315، وطبقات الفقهاء لابن 145 تحفة ذوي الأرب لابن خطيب الدهشة.

[15]

هو محمد بن عمر الواقدي. انظر ترجمته: ميزان الاعتدال 3/662-666، تاريخ متروك، وميزان الأعيان 640-741، إرشاد بغداد 3/196-197، الأنساب للسمعاني الأريب 18/277-282، تاريخ جرجان 165، طبقات لابن سعد 5/425-433.

[16]

طبقات ابن سعد 6/371، انظر تاريخ بغداد 9/151، تذكرة الحفاظ 1/206، والجواهر المضية 2/250، والجروح والتعديل لابن أبي حاتم 1/2/222.

[17]

التاريخ الكبير 2/2/93، تهذيب الكمال 3/517، وفيات الأعيان 2/128، والعبر في خير من غبر 1/235-236.

[18]

تاريخ بغداد 9/172

[19]

المصدر السابق.

[20]

في الأصل (الشبخي) والتصحيح من المشتبه ص252 المعلق.

[21]

تاريخ جرجان 449.

[22]

الحلية للحافظ أبي نعيم 6/357.

[23]

المصدر السابق 6/358، انظر الجرح والتعديل 1/224.

ص: 406

[24]

طبقات ابن سعد 6/371، والجرح والتعديل 1/2/223.

[25]

الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 1/2/224.

ص: 407

أثر الاستعمار في مناهج التربية والتعليم في بعض البلاد العربية

بقلم: الشيخ محمد المهدي محمود

المدرس بدار الحديث التابعة للجامعة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من اصطفاه الله رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي سعدت الدنيا ببعثته واستنارت برسالته، واهتدت بنور واستنارت برسالته، واهتدت بنور الله تبارك وتعالى، قال جل شأنه:

{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقال سبحانه وتعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أما بعد:

فحينما تجلت رحمة الله تبارك وتعالى على هذا العالم، وأراد الله له الهداية، بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم بخير كتاب كريم، يهدي إلى أقوم سبيل، وبذلك استنارت الدنيا بهذا المصباح السماوي المبارك، وسطعت شمس الهداية الربانية، على يد هادي البشرية، ومنقذها من الضلال، المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي كانت رسالته رحمة عامة، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} .

رحمة عامة، شاملة مباركة، رحمة في الدنيا والآخرة، رحمة في العقيدة والتشريع والأخلاق، والنظام العام في الأسرة والمجتمع أنها رسالة الأخلاق السامية، قال صلوات الله وسلامه عليه:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فسعدت البشرية التائهة في بيداء الظلم والضلال، واهتدت بنور خالق الأرض والسماء، سبحانه وتعالى، قال جل شأنه:

ص: 408

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} .

وبذلك شهدت الإنسانية نورا عاما في مناحي الحياة، نوراً في العقيدة، وحكمة في التشريع، وعظمة في الأخلاق، وضياء في المعرفة الكونية، وهداية لأقوم السبل، هداية عامة مباركة للحياتين الدنيا والآخرة، بأسلوب في أعلى مراتب البلاغة والفصاحة، مع إعجاز عام في كل أنواع المعرفة، فالقرآن بحر لا ساحل له، وتقدم العلوم والمعارف يكشف عن بعض ما في القرآن من معان تتحدى أساطين الكشف والاختراع.

درج المسلمون في عصورهم الزاهية الأولى. أيام مجدهم، وعظمتهم، وعزتهم، على العناية بكتاب الله. مصدر الهداية الحقة، ومصدر الخير والحق والنور، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد كان الهادي الأمين صلوات الله وسلامه عليه يوجه عنايته التامة إلى كتاب الله عز وجل، لقد أنس بكتاب الله، رأى نور الله في التنزيل الرباني. الذي أحكمه مبدع السماوات والأرض، فعكف على ترتيل كلام الحق جل شأنه، متدبرا ما توحي به الآيات المباركة من فيض المعاني الربانية وما فيها من أسرار قدسية، ويجد أسعد أوقاته في رياض القرآن تاليا ومستمعا ومتدبرا لما ترشد إليه آيات الذكر الحكيم، ويقوم صلوات الله وسلامه عليه، يقوم الليل الطويل مرتلا للقرآن الكريم، ترتيلا لم تشهد الدنيا أجمل منه، يناجي المولى بحديث اختاره الله بعلمه، وأحكمه بقدرته، يتلو كتاب الله في السحر فتسيل عبراته على وجناته، مبللة لحيته الشريفة المباركة يرجو الله، ويستمطر رحمته، ويطلب عفوه، ويستعيد من عقوبته، يطلب رضوان الله، ويسأله الجنة، واللطف بأمته.

ص: 409

ويأتي السلف الصالح رضوان الله عليهم فينهج سنة سيد القائمين والقانتين في العناية بكتاب الله تلاوة وعملا، ويحكمون كتاب الله في كل شيء من أمور دينهم ودنياهم، فكانت لهم السعادة، وتكونت الأمة الإسلامية في أوج عظمتها وسيادتها، فقهرت الفرس والروم، وزلزلت عروش الأكاسرة والقياصرة، ودانت لهم البلاد بالنصر والفتح المبين وصحبهم نصر الله، ونصر الله للمؤمنين الصادقين المجاهدين في ظل راية القرآن وهداية القرآن الكريم وصدق الحكتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا ق تبارك وتعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} .

إن هذا النور الإلهي يهدي ويوصل للتي هي أحكم وأقوم وأعدل، يهدي لأقوام الطرق وأرشدها وأكملها.

ص: 410

ظل المسلمون على خير حال إلى أن ابتعدوا عن مصدر عزهم ومجدهم.. وأهملوا كتاب ربهم.. وفقدوا صلتهم بأخلاق القرآن وآدابه وهديه.. فمالت الراية الإسلامية وضاعت الخلافة العثمانية بسبب مؤامرات الأعداء من اليهود والصليبيين الذين توصلوا إلى تحطيم هذا الطرد الشامخ عن طريق إبعاد المسلمين عن آداب القرآن وهديه، وإشاعة الفوضى الخلقية، وبث الدسائس والفتن والمؤتمرات، وكر المستعمرون بدورهم على الدول الإسلامية يحتلونها ويسلبون خيراتها، وينشرون الفساد العام في كل ناحية من النواحي، وظهرت الحرب الصليبية من جديد، ولكنها في شكل آخر، ومظهر مغاير، بدأت الحرب الصليبية على يد إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال وهولندا تحاول إبعاد المسلمين عن دينهم، وسلب خيرات بلادهم، وسيق أحرار الرجال إلى السجون والنفي، ولكن المستمر الماكر الخبيث يرى أن كل هذا لا يكفي، ولن يطمئن إلا إذا أبعد المسلمين عن القرآن الذي كان سببا وباعثا في بناء الدولة الإسلامية وقوتها وصمودها، فلا بد من الحيلولة بين المسلمين وبين مصدر عزهم ومجدهم وعظمتهم، وها هو ذا اللورد غلادستون يقف في مجلس العموم البريطاني ويعلن السياسة الاستعمارية في حربها للقرآن الكريم فيقول: لا قرار لكم في مصر ما دام هذا الكتاب في أيدي المصريين.

وبدأت الحرب الصليبية تسير في قوة وعنف عن طريق الغزو الفكري الصليبي، ويبدو في وضوح في الأمور الآتية:

1-

الإرساليات التبشيرية

2-

المستشفيات التبشيرية

3-

المدارس الأجنبية

4-

البعثات التعليمية

5-

السيطرة على التعليم والتحكم في مناهجه وتوجيهها وجهة رسمها المستعمرون لتحقيق أهدافهم وأغراضهم.

ص: 411

قامت الإرساليات التبشيرية بممارسة نشاطها في أفريقية وآسيا مدعمة بجميع الإمكانيات المادية من أجل أن تنشر النصرانية في ربوع أفريقية بين المسلمين وغير المسلمين وما زالت هذه الإرساليات تمارس نشاطها حتى الآن في بعض الدول بأساليب شتى، منها المستشفيات العديدة في البلاد التي تمارس فيها التبشير.

ومنها المدارس التي أنشأتها زاعمة أنها للعلم والتهذيب وهي لصبغ أبناء المسلمين بصيغة الحادية، وإبعادهم عن فهم الإسلام وتعالميه، وإخراج جيل بعيد عن الإسلام عقيدة وروحا وشعورا.

ومنها البعثات التعليمية التي تختار من بين المعروفين بميولهم الإلحادية. هذه لمحات سريعة عن خطر الإرساليات التبشيرية والمستشفيات التبشيرية، والمدارس الأجنبية التي تغزو المسلمين في أفريقية، وما زالت تمارس نشاطها في الكثير من البلاد، وكل من يقوم بجولة في ربوع أفريقية يرى بوضوح هذه السياسة التبشيرية، ويلمس حاجة المسلمين إلى المعونات الأدبية والمالية، وقد أفاض في بيان ذلك فضيلة الأستاذ محمد العبودي أمين عام الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في كتابه القيم (في أفريقية الخضراء) واستطلع أحوال المسلمين، وناقش قضاياهم واحتياجاتهم في التوجيه الديني، والدفاع عن الإسلام، وذكر الكثير من الأمور التي تعوق نشاط المسلمين وتقدمهم بأسلوب قيم سهل جذاب.

ص: 412

وأخطر شيء في هذا الغزو الصليبي إنما هو الاستعمار الثقافي أو الغزو الفكري الذي يحطم العقيدة والأخلاق، ويمحو شخصية الفرد والأسرة والمجتمع فيصبح الفرد منتميا للإسلام بالاسم فحسب، وتتعرض الأسرة لعوامل التحلل والتفكك ويفقد المجتمع أهم مقوماته كمجتمع مسلم ينتمي إلى الإسلام ويهتدي بهداه، ويصبح المجتمع مسلما اسما فقط بعد أن تلاشت منه مبادئ الإسلام وأركانه وأخلاقه وآدابه وعاداته وتقاليده، ومما يتوسل به الاستعمار إلى هذه الأهداف دور الخيالة (السينما) والإذاعة والصحافة، وأجهزة الإعلام عامة، فيشجع عرض الروايات الخليعة الفاجرة، وترسل الإذاعة الأغاني التي تنافي الفضيلة والحياة، وتسير الصحافة الخليعة في هذا التيار المنحرف.

ولقد تحدث الكثير من الكتاب المصلحين وقادة الرأي الإسلامي عن خطر هذه التيارات المنحلة التي هي من آثار الاستعمار والطغيان، وأوضحوا للعالم الإسلامي خطورتها على المجتمع الإسلامي.

ص: 413

ومن المقالات القيمة التي نشرت بهذا الصدد مقال بعنوان: الغزو الفكري لفضيلة الأستاذ ممدوح فخري المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، بدأ المقال بالحديث عن كارثة سقوط الخلافة الإسلامية وزوال الدولة العثمانية، وأن هذه الدولة كانت تمثل مظهرا كريما من مظاهر الوحدة الإسلامية، وأن السبب الأساسي في سقوطها الدسائس اليهودية والمؤامرات الصليبية، ثم تحدث عن فكرة فصل الدين عن الدولة، وعن فكرة القوميات والعصبيات الجاهلية، وفكرة الوطنية وفكرة العلمانية، وعن شعارات المدنية والحضارة والتقدم، وعن الحركة النسائية وفكرة تحرير المرأة ثم عن برامج التعليم، ثم يختم مقالة القيم بالحديث عن تنظيم هذه القوى الغازية والاهتمام بمراكز القوة من أجل استمرار الغزو الفكري، وأنهم يتوصلون إلى ذلك باحتلال مراكز الجيش من أجل حماية الأفكار الدخيلة المناقضة للإسلام. 10-هو ص 21 (راجع العدد الأول – السنة الثانية –– رجب سنة 1389هـ- مجلة الجامعة الإسلامية) .

من هذه المقدمة يظهر لنا في وضوح جانب من الحرب الاستعمارية الصليبية الفكرية ضد المسلمين، بيد أن أخطرها وأعنفها إنما يتمثل في السيطرة على التعليم والتحكم في مناهجه، وتوجيهها وجهة تحقق أهداف المستعمر وتنفيذ أعراضه ومراميه..

سبق أن قلنا أن جلادستون وقف في مجلس العموم البريطاني، وأعلن عن السياسة الاستعمارية التي هي امتداد للحروب الصليبية، وأنه لا قرار للإنجليز في مصر ما دام القرآن موجودا في أيدي المصريين، ومعنى هذا أنه أعلن الحرب على القرآن وعلى الإسلام، لكي يتم تمزيق الوحدة الإسلامية، ويسهل توزيع الدول الإسلامية غنائم على المشتركين في هدم صرح الخلافة الإسلامية ثم جاء (دنلوب) إلى مصر موجها لمدارس الحكومة، فسار على أهداف (جلادستون) وظل يناوئ وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم، ومفتاح عزهم وسيادتهم.

ص: 414

إن القرآن هو سبب سيادة المسلمين وعزتهم ومجدهم، والاستعمار يريدهم دويلات مفككة ضعيفة، بل يريد لها المحو والفناء إن استطاع، فبعد أن حطم مركز الخلافة الإسلامية كر على الأمم الإسلامية ينشر فيها الفساد العام في كل نواحي الحياة: في السياسة والثقافة والقانون والأخلاق والاقتصاد والدفاع.

لقد كتب الاستعمار صفحة سوداء من الخسة والنذالة والاستبداد والعدوان والإجرام الوحشي، ويوم يكتب تاريخ الاستعمار في أفريقية وآسيا سيسجل على المستعمرين أفظع ما عرفته الإنسانية من إجرام.

جاء دنلوب إلى مصر موجها لمدارس الحكومة، منفذا لسياسة الاستعمار العدوانية، ولننقل إلى حضراتكم مقتطفات من محاضرة للدكتور محمد البهي بعنوان: مستوى الكفاية الفنية للتعليم في مصر، يقول فضيلته:

الإسلام واللغة العربية عاملان مقومان لشخصية الشعب العربي والشعب المصري على السواء، اتجه الغرب المستعمر في مصر إلى إضعاف اللغة العربية والإسلام، ونفذ إلى ذلك عن طريق التربية والتعليم، فقد عمد أولا إلى إخلاء مناهج التعليم في الابتدائي والثانوي إذ ذاك من الدين الإسلامي فضلا عن التعليم العالي، ثم جعل لغة التعليم هي اللغة الإنجليزية عدا دروس اللغة العربية، وهذه هي الخطوة الثانية.

وأضاف إلى هاتين التقليل من دروس اللغة العربية في مناهج التعليم. ثم يقول فضيلته:

ص: 415

والاستعمار في مصر كشف في سياسته الاستعمارية للتعليم المصري عن هذا الهدف، فلورد كرومر، ينص في كتابه (مصر الحديثة) على الصلة بين أضعاف اللغة العربية وخلخلة الإسلام في نفوس المصريين وبين استقرار الاحتلال البريطاني والتقدم المدني في التعليم في مصر الذي يساعد على التعاون بين الشرق والغرب، فكلما ضعف مستوى اللغة العربية وتخلخل الإسلام سنحت الفرصة لثبات الاحتلال من جانب، وللتقدم المدني من جانب آخر، الأمر الذي يجعل الشعب يقبل على الاتصال بالغرب على أنه سيد وموجه، وأصبحت السياسة التعليمية في عهد الاستعمار ترتكز على دعامتين:

الدعامة الأولى: إضعاف الأزهر بعزله عن الحياة التعليمية العامة.

الدعامة الثانية: رعاية التقدم المدني في التعليم، وهذا التقدم يرتكز بدوره على إبعاد الثقافة الإسلامية إبعادا تاما عن مناهج التعليم وعلى تشويه تاريخ العرب والمسلمين وفي الوقت نفسه إحلال تاريخ أوروبا والشعوب الأوروبية محل التاريخ العربي ولإسلامي.

ص: 416

ثم يورد هنا مقترحات المستر (بول اشميد) في كتابه (الإسلام قوة الغد) وتتلخص في أن يتضامن الغرب المسيحي شعوبا وحكومات، ويعيدوا الحرب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر الحديث، ولكن في أسلوب نافذ وحاسم، ويثني على سياسة البريطانيين في مصر بالنسبة للجانب التعليمي، ولكنه يأخذ عليهم أن الأزهر لم يزل بابه مفتوحا لأبناء مصر والوافدين عليه من أبناء العالم الإسلامي ويناشد البريطانيين أن يفعلوا بالأزهر كما فعل الفرنسيون بجامعة الزيتونة في تونس، وبالقيروان في الجزائر، وتثني على موسوليني في منعه طلاب ليبيا من الالتحاق بالأزهر في مصر بإنشائه في الحبشة معهدا إسلاميا يلتحق به أبناء المستعمرات الإيطالية في أفريقية له مظهر الأزهر وجوهر التعليم فيه إيطالي النزعة، وهي نزعة الاستعمار الغربي القائم على تفكيك الشخصية الإسلامية

ثم ترك الاستعمار تلاميذه يوجهون القيادة التربوية.

هذه لمحات خاطفة ومرور عابر، وصورة سريعة عن جانب من تاريخ الاستعمار في المجال التربوي بمصر في فترة من الزمن انقضت إلى غير رجعة، وكان الحال في المستعمرات الفرنسية والإيطالية والهولندية وغيرها أسوأ حالا، فالاستعمار هو الاستعمار في كل زمان ومكان.. وشاءت إرادة الله أن يكون مصرع الاستعمار على أيدي رجال الأزهر، كما كان مصرعه في البلاد الأخرى على أيدي العلماء الذين يجاهدون في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، فنصرهم الله، {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} .

من النصوص السابقة نرى في وضوح كيف بنى التعليم المدني، وكيف أسس وكيف غذى بتوجيهات معادية للإسلام.

ص: 417

إنه نبات خبيث سام أسس على غير تقوى من الله، وغذى بأفكار الحادية مارقة، أسس على غير تقوى فلا يصح لنا أن نقوم فيه، ولا أن تتعلم فيه، وهذا هو السبب في أن الكثير من المسلمين في الشعوب الإسلامية كانوا يمتنعون عن إرسال أبنائهم إلى المدارس المصطبغة بهذه الصبغة في الأيام الماضية.

وعلى الرغم المحاولات التي بذلت في هذا الموضوع من أجل التقريب بين التعليم المدني وبين الصيغة الدينية وذلك بإدخال بعض المذكرات والمختصرات في العلوم الدينية والعربية هل وصلنا إلى الهدف الذي ننشده من التربية الإسلامية هل وجدنا جيلا صالحا؟ هل رأينا شبابا قويا في إيمانه وعقيدته، قويا في أخلاقه وسلوكه، قويا في رأيه وعمله في الحياة من أجل الإسلام والمسلمين؟ هل رأينا شبابا يهتدي بنور القرآن وهدي الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ويقتدي بالسلف الصالح رضوان الله عليه؟

إن الحكم على التعليم المدني إنما يكون بحسب النتيجة والمشاهدة، وقديما قيل: إنما تعرف الشجرة بثمرها.

وسنضع الآن الثمرة على بساط البحث والمشاهدة، ولنشترك جميعا في رؤيتها بالمنظار المكبر.

إننا الآن أمام مرحلتين من أجل بناء المجد الإسلامي، وإعادة تكوين الأمة الإسلامية الخالدة ذات التاريخ المجيد، المرحلة الأولى مرحلة التطهير والتصفية من آثار الاستعمار عامة، والمرحلة الثانية مرحلة البناء الجديد على أساس من الكتاب والسنة وعمل الصحابة رضوان الله عليهم على أساس من التقوى وحسن الصلة بالله على أساس من القوة العامة قوة الإيمان، وقوة العمل، قوة العلم، وقوة الاختراع والابتكار.

ص: 418

فالمسلم يرى الكون كله مجالا للعمل لما يرضى الله تبارك وتعالى، فهو خليفة الله في أرضه، فلا بد أن يمسك مقاليد الخلافة بعزم، يأخذ الكتاب بقوة، حتى يصدق عليه قول الله تبارك وتعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} .

المرحلة الأولى وهي مرحلة التصفية والتطهير من آثار الاستعمار عامة وفي مناهج التعليم خاصة.

لقد خلف الاستعمار تركة خبيثة في كثير من المجالات وأهمها:

الناحية التشريعية والقضائية.

أولا:

الناحية النسائية وبعدها عن الدين، وعدم تمسكها بالآداب الإسلامية.

ثانيا:

بعد الشباب عن التمسك بالأخلاق الكريمة.

ثالثا:

أجهزة الإعلام.

رابعا:

تشويه الثقافة الإسلامية.

خامسا:

ثنائية التعليم، وتمزيقه، وعدم وحدته.

سادسا:

وسنحاول بفضل الله وكرمه وتوفيقه ومعونته والهامة أن نمر على بعض هذه العناصر مرور الحكيم اللبيب، ينظر ويعتبر، ويعالج في حكمة وأناة وصبر وأن نمر على بعضها مر الكرام اكتفاء بالإشارة عن طول العبارة، وفي عبقرية السادة القراء والحمد لله ما يغني عن الإطالة.

الناحية الأولى: وهي الناحية التشريعية، والقضائية:

لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن هداية ونورا لكل ما يسعد الإنسان في دنياه وأخراه.

ومن ثمار هذه الهداية الربانية الهداية في الأحكام، ولقد سعدت الأمة الإسلامية في عصورها الزاهية المباركة بنعمة العمل بكتاب الله سبحانه وتعالى، فعرف الناس نعمة الهدوء والأمن والاستقرار، وعاشوا في ظلال حياة وارفة الظلال طيبة الثمار الحياة السعيدة، الحياة الحقة الهادئة الطيبة المباركة، وصدق الله سبحانه وتعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} .

ص: 419

ثم جاءت عصور الضعف، وجاء تلاميذ المدارس الاستعمارية، جاءوا حاكمين وموجهين، فأبعدوا الناس عن كتاب الله وعن نور الله وعن هداية الله، واستعاضوا عنها بالقوانين الوضعية التي هي من صنع البشر وتركوا قوانين السماء المعصومة عن الخطأ، أعرضوا عن هدي الله وعن نوره، فماذا كانت النتيجة؟! لقد كثرت حوادث السرقة وتعددت جرائم السلب والنهي، واجترأ اللصوص على القتل من أجل المال ومن أجل السرقة.

والصحافة خير شاهد على ما نقول ففي كل يوم تحمل لنا الصحافة مأساة دامية من أجل سرقة الأموال وكم رأينا من ضحايا يسيل دمها على الأرض يسجل حجة الله على القائمين بالتشريع، الذين كانوا سببا في سلب نعمة الأمن والهدوء والطمأنينة التي هي في ظلال هداية القرآن الكريم، وتشريعات الله، نور الله الخالد، الموصل إلى السعادة الحقة في الدنيا والآخرة.

أعرض أصحاب القوانين الوضعية عن هدي الله ونوره، لأنهم أغرموا بثقافات أجنبية، بعيدة عن الإسلام وعن نور الإيمان، تثقفوا بثقافات نبتت في بيئات الحادية كافرة، إنما هي نتاج عقول طالما كرعت من الخمر وتغذت بلحم الخنزير، وعبدت الصليب.

ص: 420

على أن هذه القوانين الوضعية أضلت أهلها، وكانت سببا في شقائهم ثم أنها في تغير وتبدل مستمرين، فالقوانين الوضعية والمبادئ الشيوعية هما السبب المباشر في شقاء العالم وحيرته وضلاله، وأدنى مقارنة بين الأمن في البلاد السعودية، وفي أرقى بلاد العالم حضارة نجد الفارق عنيفا، أنه فرق ما بين السماء والأرض، فهنا الأمن والأمان والهدوء والطمأنينة الطيبة المباركة، أنها في ظلال هداية القرآن الكريم كتاب الباري جل وعلا، ونحن إذ نتحدث في هذه الموضوعات إنما نتحدث على مستوى عالمي، لا نقصد دولة بعينها، ولا قطراً بذاته، وإنما نقصد كل دولة سبق أن ابتليت بمحن الاستعمار، وكان الاستعمار فيها موجها، وترك تلاميذا له هم أشد خطرا منه، إنما نتحدث بروح علمية نشرح ونوجه ونعالج، ونسأل الله الهداية والتوفيق والرشاد.

العنصر الثاني من الانحرافات انحراف المرأة.

لقد رسم القرآن طريقا لسعادة المرأة، وصانها من التردي في مهاوي الرذيلة رسم لها طريق الحجاب، وأوصى بها خيرا، وأمر بمعاملتها بالمعروف والرفق بها والرحمة والشفقة، ولين الجانب في معاملتها.

والمصطفى صلى الله عليه وسلم ضرب أعلى مثل قولا وعملا في سلوكه مع أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن ومن أحاديثه الطيبة المباركة صلوات الله عليه وسلامه: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

ص: 421

ويعلنها المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم صريحة واضحة قوية مجلجلة تسير مع الزمن، وقد سجلت في سجل الخلود يعلن الوصية بالنساء في حجة الوداع في خطبته المباركة التي هي أعظم قانون يسير عليه البشر، يقول الهادي الأمين صلى الله عليه وسلم:"اتقوا الله في نسائكم أخذتموهن بأمانة الله" وهل هناك شيء أعظم من الأمانة، الأمانة في أدق صورها وأكملها، وأجملها وأسماها؟ ولكن المرأة للأسف الشديد تحاول أن تهرب من سياج عزها ومجدها وشرفها وكرامتها، تحاول أن تفر إلى تقاليد الغرب التي جعلت من المرأة سلعة للجمال الرخيص المدنس، لقد أصبحت المرأة في الغرب أفعى سامة وحية رقطاء ناعمة الملمس، وفي لسعها وإغوائها وإغرائها السم المهلك والتردي والفساد.

ما أسعد المرأة في ظل الإسلام، وما أسعد الإنسان بالمرأة الصالحة التقية النقية، وما أسعد المجتمع بالنساء المؤمنات الفاضلات اللاتي يوجهن النشء إلى الآداب الإسلامية المباركة، ويربين الجيل على الفضيلة ومكارم الأخلاق، لأنهن مصدر خير ومنبع فضل، ومشرق نور وهداية.

أعددت شعبا طيب الأعراق

الأم مدرسة إذا أعددتها

والإسلام غني بالمثل العليا للسيدات المسلمات اللاتي تربين على مأدبة القرآن ونشأن في ظلال الإسلام، وفي مقدمتهن السيدة الفاضلة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، التي حباها الله عقلا راجحا، وحكمة بالغة، فسعدت برسول الله وسعد بها الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه.

والفضل والمنة لله جل جلاله الذي أنزل الكتاب نورا وهداية يرسم للبشرية طريق السعادة في الدنيا والآخرة، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .

العصر الثالث: بعد الشباب عن التمسك بالأخلاق الكريمة في كثير من الدول فمن المسلم به أن سلوك الشباب يرجع إلى أمرين:

أ- البيئة التي يعيش فيها.

ص: 422

ب- والثقافة التي ينهل منها، ويغذى روحه بها.

فإذا ما صلحت البيئة، وصفت الثقافة التي ينهل منها كان هناك شباب طاهر تسعد به الأمة الإسلامية.

العنصر الرابع: أجهزة الإعلام.

رسالة أجهزة الإعلام رسالة توجيه، فإن وجهت إلى الخير كان الخير سائدا، وإن وجهت إلى الشر أصبح الشر مستطيرا، وحينما ننظر إلى أجهزة الإعلام في غالب الدول نرى طابع الانحراف يغلب على مناهجها، ونرى تلاميذ المدرسة الاستعمارية يحاولون السيطرة على هذه الأجهزة الهامة.

إذن فهذه الأجهزة الإعلامية تحتاج إلى تطهير على أيدي علماء عرفوا سعة الاطلاع واليقظة لدسائس الغرب الصليبي المستعمر الماكر الخبيث.

والعنصر الخامس: تشويه الثقافة الإسلامية.

فقد حدث على مرحلتين:

المرحلة الأولى: يوم أن ترجمت ثقافة اليونانيين وهي ثقافة مجوسية الحادية وفلسفات ضالة، وما كان أغنى المسلمين عن الفلسفة في عصورها القديمة وعن فلسفات سقراط وأرسطو وأفلاطون وأبيقور وارستيب والفلاسفة أنفسهم لم يتفقوا على رأي ترجمت هذه الفلسفات فانهال على المسلمين صراع جدلي عنيف، ونشأت فرق كلامية وعكف فريق على هذه الدراسات، وتشعبت بمرور الزمن، وارتفعت نارها ولهيبها وانشغل بها المسلمون عن كتاب الله.. لقد كان المسلمون في عصورهم الأولى ينهلون من ينابيع صافية. فيها شفاء للناس، كانوا ينهلون من مصادر معصومة عن الخطأ، من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتاب الله نور، ورسول الله هو السراج المنير، وحديثه تفسير وشرح وبيان لنور الحق تبارك وتعالى، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل كريمة، مثل عليا للعمل بالكتاب والسنة.

ص: 423

والمرحلة الثانية من العدوان على الثقافة الإسلامية يوم أن جاء المستعمرون، ويوم أن جاء المستشرقون. مكن العبث بالتراث الإسلامي، ونشر الآراء الإلحادية المارقة، وبث الشبهات والضلالات بين أبناء الجامعات الشرقية، ودسوا كثيرا من الكذب والزور والبهتان في التاريخ الإسلامي وفي السيرة النبوية المطهرة، وكان لهم أذناب من كبار رجال السياسة والأدب والفلسفة هذا هو الطابع العام لأغلب المستشرقين إذ كانوا عملاء لدى وزارت الخارجية للدول المستعمرة.

على أن البعض منهم قد خلت نفسه من التعصب والحقد والكراهية فقدم خدمات علمية، على أنه يجب قراءتها بحذر، فهذا هو كتاب المنجد في اللغة لم يخل من التعبيرات الصليبية.

العنصر السادس في مرحلة التصفية والتطهير هو الحديث عن ثنائية التعليم وتمزيقه وعدم وحدته.

ولقد ظهر من النصوص السابقة أن المستعمر هو الذي أنشأ التعليم المدني وخطط له ووجهه بحسب أغراضه وأهدافه ومراميه التي تنحصر في أمرين: الحرب على الإسلام، والحرب على اللغة العربية وفي الوقت نفسه يعمل على إضعاف التعليم الديني، ويعمل على عزل المتعلمين تعليما دينيا عن الحياة وعن القيادات أيا كانت، على هذا الأساس قام التعليم المدني، ومن ثم تظهر لنا في وضوح الأمور التالية، وهي أمور تنذر بأخطر العواقب وقد برزت بنتيجتها المحزنة في كثير من البلاد الشرقية، وعلى الغيورين على الإسلام أن يبادروا إلى دراستها على نطاق واسع ومعالجتها، والله المستعان.. أهم هذه الأمور ما يلي:

تقسيم التعليم امتداد للحروب الصليبية المقنعة التي تهدف إلى إضعاف الدين الإسلامي رويداً رويداً.

أولا:

تقسيم التعليم تطبيق عملي لمبدأ فصل الدين عن الدولة وتنفيذ لمبدأ (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) فالدين في عرف هؤلاء لا يصلح لقيادة الدولة، والمتدينون لا يصلحون لتولي الوظائف العملية، فينبغي حصرهم في صوامعهم للرهبنة.

ثانيا:

ص: 424

تقسيم التعليم تطبيق لمبدأ العلمانية.

ثالثا:

تقسيم العلوم معول هدام في صرح وحدة الأمة.

رابعاً:

تقسيم التعليم وكر خبيث من أوكار الإلحاد والتحلل والزندقة والمروق من الدين.

خامسا:

تقسيم التعليم حرب على الثقافة الإسلامية.

سادسا:

تقسيم التعليم يسبب انزواء التعليم الديني.

سابعا:

تقسيم التعليم خرج جيلا ضعيفا متهافتا غير أمين على مقدسات الإسلام.

ثامنا:

تقسيم التعليم حرب على القرآن الكريم.

تاسعا:

ولقد تحدث في هذا الموضوع فضيلة الأستاذ الألباني المدرس بالمعهد العلمي في محاضراته القيمة بعنوان: (هذا القرآن العظيم – وما يكيد له الكائدون) .

تحدث عن فضل القرآن، ثم بين موقف المستعمرين من كتاب الله بأسلوب واقعي مأخوذ من الأحداث التي وقعت، نقتطف منه العبارات الآتية:

قال فضيلته: ما دخل الكفار بلدا إسلاميا إلا صرفوا القرآن عن حياة الناس في الحكم والقضاء وفي التوجيه والتربية والثقافة والتعليم وجاءوا بقوانينهم الكفرية بديل كتاب الله، وجاءوا بأخلاقهم الخاصة وفلسفاتهم المادية، ثم يقول فضيلة: وجاءوا بالعلوم الدنيوية والتي هي وسيلة إلى فهم الإسلام فوجهوا إليها وحدها جهود الطلاب والإباء فنبتت أجيال، أبصارهم إلى التراب، وقلوبهم في التراب، نبتت أجيال ما وجدت رائحة الإيمان، ولا ذاقت حلاوة القرآن، ثم سلمهم الكفار حكم بلادهم سلمهم مقاليد التربية والتعليم فإذا هم يقررون مختلف العلوم ويصرفون أنظارهم عن القرآن وعلومه.

وهنا نتساءل: ما هو موقف حماة الدين من رواسب الاستعمار؟

ما هو موقف العلماء الإجلاء في بلاد الإسلام عامة؟

ما هو موقف ملوك ورؤساء العالم الإسلامي من مختلفات عصور الضعيف والانحلال وطغيان القوى الباغية الكافرة؟

والجواب واضح..

ص: 425

فالعلماء عليهم أن يبلغوا وأن يوضحوا، عليهم أن يتعاونوا ويتحدوا، وأن يقوموا بنشاط هائل في المنظمات الإسلامية، وفي أجهزة الإعلام عامة، وفي نشر الرسائل، وفي كل ميدان يتأتى فيه التبليغ، وهذا واجب العلماء الذين يريدون الله والدار الآخرة.

وأما واجب الملوك والرؤساء فهو واجب التنفيذ والعمل بما يقوله العلماء فهم أمناء على الحكم، وإن الله سائلهم عما استرعاهم، وأن السعادة الحقة إنما هي في النجاة يوم لقاء الله تعالى.

واجب العلماء:

أن ينادوا بوحدة التعليم على أساس من كتاب الله ونوره وهداه، واجب العلماء أن يعلنوا للناس أن ثنائية التعليم مرض سرطاني خبيث في قلب وحدة الأمة الإسلامية، قام على أساس (فرق سد) فلا بد من العودة إلى كتاب الله، وإن الإسلام هو الذي يبني الدولة، وإن القرآن هو الذي يربي الرجال، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

إن العلاج يقتضي منا أن نعيد التخطيط لمناهج التعليم من جديد، وأن نعيدها إسلامية صافية مشرقة نيرة واضحة وضوح الشمس. مشرقة إشراقة الضحى. جميلة جمال الزهر، صافية صفاء السلسبيل، مشرقة بنور الله وهدى رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.

إن العلاج يتطلب وضع نظام تربوي جديد، يهدف إلى تكوين الشباب المسلم القوي في دينه، القوي في خلقه، القوي في علمه وتخصصه في علمه بالحياة وما يجري فيها، وكيف يملك زمام الاختراع والابتكار والكشف والعمل والصنع.

ص: 426

إن الإسلام دين العلم والقوة والخلق، في ظلال من الله الخالق جل وعلا، لقد اشتمل كتاب الله عز وجل على إجلال العلم والعلماء، واشتمل على الحقائق الكونية، وتقدم العلم يكشف عن بعض ما في القرآن من أسرار فالقرآن معجز في كل ناحية من نواحي العلم والمعرفة، بيد أن العلم في الإسلام يتسم بطابع إلهي وتوجيه رباني. إن العلم في الإسلام يبحث في الكون ويتعمق في دراسته على أنه أثر من آثار قدرة الله جل وعلا، لا يبحث في العلم استقلالا فيؤدي بحثه إلى الإلحاد والكفر، كهؤلاء الذين يبحثون المسائل العلمية باسم الطبيعة الحية.

الإسلام يبحث العلم الكوني بطابع الرحمة والخلق والنفع العام، لا من أجل التدمير والإهلاك.

فلماذا ينعزل رجال الدين في جانب آخر؟

إن هذا الانعزال إنما هو نتيجة لتوجيهات خاطئة.

إن بحوث علماء الإسلام في العصور السابقة انتفع بها الغربيون في نهضتهم وفي أبحاثهم في الكيمياء والرياضيات والفلك والطب والأخلاق ومعرفة البلدان.

فلماذا نتخلى عن هذا المجد العظيم ونترك زمامه للمستعمرين وأذناب المستعمرين.

لماذا نترك لهم القيادة ونجعلهم يتحكمون في الشعوب الإسلامية، لأنهم امتلكوا زمام القوة فغيروا وبدلوا حتى في شريعة الله..

ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} القوة التي لا تقف عند حد.

قوة الإيمان. قوة العلم. قوة العمل. قوة الكشف والاختراع الابتكار والسبق العلمي في كل مضمار. إني استسمحكم أن أقدم لحضراتكم الطريقة التربوية الآتية:

ويسعدني أن أتقبل النقد البناء الهادف.. ويسعدني أن أتقبل النصيحة من أجل سد الخلل، ورأب الصدع، ولم الشمل، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل..

تتلخص هذه الطريقة في وضع جوهر التربية إسلامية الأصلية في إطار حديث فنجمع بين صفاء الجوهر وجمال العرض.

ص: 427

أولا: نبقى على مراحل التعليم في وضعها الحالي: المرحلة الابتدائية – المرحلة المتوسطة – المرحلة الثانوية – المرحلة الجامعية – مرحلة الأستاذية، ثم نأخذ جوهر التعليم والتربية الإسلامية ونضعها في هذا الإطار، وتكون المواد والمناهج كالآتي:

المرحلة الابتدائية مدتها ست سنوات تبدأ في السادسة أو الخامسة والهدف منها أولا حفظ القرآن جيدا، وحفظ الأحاديث النبوية، ودراسة السيرة النبوية في صورة مبسطة، وضرورة من حياة الصحابة رضوان الله عيهم، العبادات عمليا مع الشرح المبسط، غرس مكارم الأخلاق والحديث عن أمهات الفضائل، تحسين وإجادة الخط، إجادة مادة الإملاء، بسائط مادة الحساب، تضاف مواد أخرى تراها اللجان الفنية النقية المؤمنة بحيث لا تقلل من الأهداف السامية السابقة ولا تعتدي على الوقت المخصص لها ولا يتسبب عنها إرهاق عقلية الطفل، وتنبني هذه الطريقة على أساس من علم النفس والتربية إذ من المعلوم أن الإنسان في حداثة سنة تقوى فيه ملكة الحفظ، وتثبت عنده الفضائل التي شب عليها.

وينبغي أن تكون المدرسة الابتدائية وسط حديقة مبسطة، فيها الزهور والثمار، وفيها أيضا بعض الطيور الألفية، فيتذوق الطفل معاني الحياة الطيبة، وينشأ بين جمال الخلق وجمال الطبيعة وينبغي أن يمرن الطفل على بعض الأعمال التي تناسب قوته وميوله من أجل أن ينشأ عصاميا، ومن أجل أن ينشأ رجل الحياة والمستقبل.

المرحلة الإعدادية:

يتعلم فيها التلميذ بسائط من المواد الهامة التي تراها اللجان الفنية مع العناية بدروس الدين واللغة العربية.

المرحلة الثانوية:

وهي حلقة الاتصال بين التعليم المتوسط وبين الجامعة، وتنبني المرحلة الثانوية على التخصص المبكر وهي طريقة نهضت بها بعض الدول من كبوتها، وامتلكت بها زمام التقدم العلمي والصناعي.

ص: 428

أما المستشارون الإنجليز وتلاميذهم فإنهم يتخمون هذه المرحلة بمناهج كاملة في مواد مختلفة فيرهقون أعصاب التلاميذ، ويتخمون عقولهم بعلوم لا يحتاجون إليها في التعليم الجامعي، وسريعا ما ينساها التلميذ على أنه لم يأخذ المقدار الكافي ولم يتخصص في العلوم التي تعده لأن يكون قويا في الجامعة، وكثيرا ما شكا أساتذة الجامعات العلمية من ضعف المستوى الجامعي الناتج عن عدم الإعداد الفني في المرحلة الثانوية، وهذا من عيوب الوضع الحالي، أما الطريقة الحديثة والنظرية التي ينادي بها رجال التربية، فهي نظام التخصص المبكر.

أذكر هذه الطريقة جيدا منذ كان فضيلة الدكتور محمد البهي وزير الأوقاف والأزهر السابق بمصر يحاضرنا في علوم التربية وعلم النفس بتخصص التدريس.. فقد كان حفظه الله يجتهد في أن يجعل منا مفكرين لخدمة الإسلام في شتى المجالات.

تعتمد هذه الطريقة على التخصص المبكر، فتقسم المدارس بحسب حاجة الوطن والبيئة، فمثلا: ثانوي طب، ثانوي زراعة، ثانوي هندسة، ثانوي ميكانيكا، وتسترسل في الأقسام بحسب حاجة البيئة وإمكانياتها.

فالمدرسة الثانوية للطب تدرس علوم الدين واللغة، ومبادئ ومقدمات وعلوم تتصل اتصالا وثيقا بتخصصه في الجامعة.

والمدرسة الثانوية للزراعة تدرس علوم الدين واللغة، وعلوما تتصل بتخصصه في الجامعة.

وهكذا الثانوية في الهندسة والطيران والملاحة وأبحاث البترول والمعادن إلى نهاية هذه الفروع، وبذلك نضمن تخريج علماء في الناحية الدينية والمدنية، ونفهم هذه العلوم فهم عبادة وتفكير في ظل تعاليم القرآن وهدي القرآن وتوجيهاته، ثم تكون المرحلة الجامعية متممة للمرحلة الثانوية، وتتلاقى معها تلاقي الزهور اليانعة بالثمار الحلوة الشهية وبذلك نقضي على ما نحن فيه الآن.

ص: 429

إن العلم اليوم يتعرض لمحن عنيفة من أجراء المبادئ الهدامة من جراء تيارات الانحلال الخلقي، هذه التيارات التي تسير بعنف نحو الفساد العام في كل ناحية من نواحي الحياة.

إن المدينة الانحلالية أفسدت الأسر والجماعات، وأضلت الشباب فسرت موجة التقليد الفاجرة الماجنة، وإننا نخشى على الشعوب الإسلامية من خطر تسرب موجات الانحلال الخلقي الذي يسري من الدول الإلحادية الكافرة.

وإن العصمة من كل هذا إنما هي في الرجوع إلى هداية القرآن، إلى نور الله الخالد.

إن القرآن الذي أصلح جاهلية الأمس كفيل بإصلاح ما نحن فيه اليوم، إن القرآن الكريم الذي أضاء جزيرة العرب، وحول شركها توحيدا، وكفرها إيمانا وظلمها عدلا وقسوتها رحمة، وغلظتها برا وعطفا وخوفها أمنا، وجهلها علما – إن القرآن الكريم الذي جعل من كفار مكة أساتذة للعالم يضرب بهم المثل في العدل والحكمة والسياسة وقيادة الجيوش، إن هذا الكتاب المبارك، إن هذا النور الإلهي، إن هذا التوجيه السماوي كفيل بإصلاح أحوال العالم وما فيه من مشاكل، إن العالم وما فيه من ظلام، إن العالم ما فيه من ظلام المبادئ الهدامة، ظلام الانحلال الخلقي، وتيار الإباحية والإلحاد والمروق عن الدين وعن هدى الله إن هذا الانحلال الخلقي الذي يسري تيار بقوة عنيفة، ويكاد يغزو غزوا مروعا يغزو الأفراد والجماعات والشعوب، يغزو الأسرة ويبعدها عن الهدوء والاستقرار والأدب الإلهي – إن هذا الظلام المنتشر في الحياة العصرية الحديثة التي فسدت من جراء المبادئ الهدامة، والبعد عن نور الله تبارك وتعالى.

ص: 430

إننا حينما نسلط على هذا الظلام الحالي نور الله تبارك تعالى، حينما نوجه نور الحق سبحانه وتعالى على هذه الجاهلية الحديثة، وعلى هذه الأصنام الفكرية المجوسية التي تعبد وتقدس من دون هداية الله وتشريعاته، نرجع إلى السعادة الوارفة الظلال الطيبة الثمار، وتعود إلى رحمة الله المرسلة، ونسعد برحمة الله المهداة، ونهتدي بنور الله الذي أنزله لهداية الناس، ونعرف الحياة السعيدة وننعم بنعمة الإسلام الكبرى، وصدق الحق تبارك وتعالى إذ يقول:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} صدق الله العظيم.

هذا وبالله التوفيق.

ص: 431

من الصحف والمجلات

كتبت صحيفة الرائد التي تصدر في الهند في عددها السادس ما نصه:

تتلخص النتائج التي أسفرت عنها المذابح التي تعرض لها مسلمو الفلبين إلى ما يأتي:

1-

إحراق أكثر من ستة آلاف من بيوت المسلمين كما أحرق أكثر من ستين مسجدا.

2-

إن ضحايا المسلمين أكثر من ثلاثة آلاف شخص رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا.

3-

لقد هاجر أكثر من خمسين ألف أسرة من أراضيهم وهم الآن بين الموت والحياة لمعاناتهم الجوع والألم.

4-

المسلمون المهاجرون لم يستطيعون أن يحصدوا مزارعهم لطردهم من أراضيهم وإنما حصدها الجيش الفلبيني وأفراد العصابات المسيحية.

5-

استولى المسيحيون على 12 بلدية من أرضي المسلمين.

وجدير بالذكر أن معظم هذه الخسائر حدثت قبل أن يتحد زعماء مسلمي الفلبين وبعد اتحادهم استطاع المسلمون المقاتلون بصبرهم وشجاعتهم وإيمانهم أن ينتصروا في كثير من المعارك التي نشبت بينهم وبين الجيش الفلبيني كما استطاعوا أن يقتلوا كما استطاعوا أن يقتلوا عشرات مقابل شهيد واحد من المسلمين.

هذا وبالرغم من انتصار المسلمين في كثير من المعارك التي دارت بينهم وبين الأعداء بعد اتحاد زعمائهم بالرغم من ذلك كله فإنهم بحاجة ماسة إلى المال والسلاح والذخيرة الأمر الذي دعاهم إلى مناشدة زعماء الدول العربية والإسلامية الوقوف إلى جانبهم بالعون المادي والمعنوي.

ولا ريب أن الاكتفاء بالنداء إلى وقف إطلاق النار بين الجيشين الفلبيني والمسلمين ليس كافيا في تسوية النزاع.

الهزيمة وأسبابها

كتبت صحيفة أخبار العالم الإسلامي في عددها 277 ما يلي:

صرح تنكو عبد الرحمن الأمين العام للأمانة الإسلامية لوكالة الإسلامية بأن الهزيمة التي واجهها المسلمون في الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية كانت أقسى تجربة يعانيها المسلمون في العصر الحديث.

ص: 432

وقال الأمين العام: إن هذه التجربة أرادها الله ليذكر بها عباده بأخطائهم وسيأتيهم وبالنسبة للشئون العربية قال إن العرب كانوا أمة عظمى حملت راية الإسلام لأقاصي الأرض وأقاموا حضارة زاهرة في بلاد لم تعرف التقدم ولكنهم بمرور الزمن نسوا واجباتهم كشعب مسلم واستكانوا إلى حياة الرفاه فكان ذلك سببا في انحدارهم.

من أهداف الغزو التبشيري

ونشرت صحيفة أخبار العالم الإسلامي في عددها 277 ما نصه:

في العام الماضي نشرت مجلة المجتمع الكويتية وثيقة كنسية خطيرة تبين تخطيط النصارى في بريطانيا لتنصير ما يمكن تنصيره من الطلبة المسلمين ال16000 الذين يدرسون في المملكة المتحدة.

وأوضحت الوثيقة من جانب آخر نشاط التبشير النصراني في مختلف ديار المسلمين حتى تلك البلاد التي يدين 100% من سكانها بالدين الإسلامي والذي يتصور ألا مجال فيها (لعمل نصراني) .

وقراءة هذه الوثيقة الخطيرة، في حد ذاتها تجسد خطرا أعمق وهو محاولة تطويق الجزيرة العربية بالكنائس والبعثات التبشيرية في زحف منسق من جميع الجهات.. وهذه الإرسالية التبشيرية تستغل الوسائل المختلفة لتحقيق أغراضها وكانت الجبهة الجديدة التي فتحها المبشرون في غزوهم للجزيرة العربية هي اليمن الشقيق.

وقد جاء في هذه الوثيقة أن أحد المبشرين في احتفال لجمع التبرعات عقد في نيويورك بالولايا المتحدة في العام الماضي لبناء كنائس في الجزيرة العربية قال في الاحتفال:

إن محمدا طرد المسيح من الجزيرة العربية وأن المسيح سيعود للجزيرة منتصرا في القرن العشرون. وإنكم إذ تتبرعون للكنائس في الجزيرة العربية إنما تساعدون في تحقيق حلم المسيحيين في بناء كنسية كبرى ستكون إلى جانب الكعبة في مكة.

ص: 433

وهذه أول مرة في تاريخ الجزيرة العربية بعد دخولها الإسلام منذ 14 قرنا يظهر تحد لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان" فالمخططون لنشر النصرانية الذين هزمت محاولاتهم في نشر النصرانية بين المسلمين أيام كان الاستعمار مسيطرا على العالم الإسلامي بدءوا الآن في تحقيق مخططاتهم عن طريق الاستعمار غير المباشر.

وتذكر الوثيقة التي قدمها مؤتمر الصلاة السنوي لعام 1969م وهو مؤسسة انجليكانية ضعيفة الإمكانيات.

إن مؤتمر الصلاة السنوي هذا أطلق نعوتا فاحشة على الإسلام منها: (الإسلام دين الوثنية) ، (الإسلام أداة في يد الشيطان) .

وهذه الوثيقة الخطيرة تذكر أن كون الكثير من البلدان الإسلامية سكانها مسلمون 100% لا يمنع المبشرين من محاولة تنصيرهم ويذكر التقرير أفغانستان على سبيل المثال وبالتأكيد فإن اليمن مثال آخر ماثل الآن.

ص: 434

ندوة الطلبة

انتهت قصتي

شعر محمد محمود جاد الله الطالب بكلية الشريعة بالجامعة

وسئمت الأيام عرضا وطولا

انتهت قصتي وتمت فصولا

غمرات اللذات فيها فضولا

ولعمري إني رأيت الليالي

ملئت علقما وساءت سبيلا

هكذا العقل يقتضي أن نراها

فأرانا الكثبان ظلا ظليلا

إنما عيشنا سراب تراءى

ورعيل قد راح يقفو رعيلا

وجموع الإنسان من قبل راحت

نومة الموت لم يبلوا غليلا

وشباب في ميعة العمر ناموا

تحت أجداثهم وهال مقيلا

غالهم دهرهم فأمسوا فرادى

لم يكن أيهم مريضا عليلا

إنه الموت قد طواهم زهورا

وكثير الآمال يمسي قليلا

هو حكم على البرية جار

كان في الأرض عيشنا مستحيلا

بعد نوح ومنذ آدم نمضي

كنت شهما أو كنت فدما بخيلا

كلنا نازح سراعا سواء

ومرور الانسام يغدو عويلا

نغمات الأطيار تمسي نواحا

بكرور الأيام صرحا مهيلا

كل صرح ممرد سوف يغدو

من مشى خطوة ومن سار ميلا

ليس يبقى على البسيطة منا

للمنايا وهو لهن رسولا

رب فجر يجمل الكون أضحى

صار في الترب قاطنا ونزيلا

بادي الحسن أو نراه جميلا

رب غصن قد أخجل الروض حسنا

أي شيء من بعد هذا نراه

كنت للموت من قديم خليلا

أيها المشتهي من العيش خيرا

أو سيبقى منغصا أو هزيلا

كل عيش مرفه سوف يبلى

بمرور الأيام شرا وبيلا

وأماني الإنسان في العيس صارت

ومغاني الأفراح تمسي طلولا

وجنان الإنسان تغدو يبابا

كان دوما مآلها أن تزولا

كل نعمى وإن تراءت لحي

واطلبي الله لا ترومي بديلا

أجملي الصبر أيها النفس واسعى

غمرات الأيام صبرا طويلا

إنما الصبر بلسم فلنبادر

إن تحت الأنقاض هما ثقيلا

ص: 435

إيه يا نفس اقلعي ثم توبي

كل حال مصيره أن يحولا

أيها النفس لا تغري بعيش

ص: 436

المنهج العلمي عند بعض مفكري الإسلام وعند مفكري أوربا

بقلم: عبد الرزاق بسرور

الطالب بكلية الشريعة وأصول الدين بتونس

منذ القدم، والإنسان يبحث عن قوانين تضبط تفكيرة وتكشف له عن الحقائق التي يروم استكناه سرها فتعددت المناهج والقواعد في البحث عن جوهر الأشياء، والتطلع إلى إدراك ماهياتها.

وكان للسفسطائيين مهاترة تبدو لهم أنها السبيل الأقوم في التفكير، وذلك حين قرروا أن الخطأ مستحيل ما دام الإنسان مقياسا لكل شيء. ثم جاء سقراط، فهدم منهجهم ليبني منهجا جديدا يقوم على فن (توليد المعاني) لتعريف حقائق الأشياء.

ويأتي أفلاطون بطريقة كان لها الأثر في المنطق الأرسطي وهي الطريقة المعروفة (بالقسمة المنطقية) واعتبارا لما تقدم، يكون المنطق قد وجد وظهرت معالمه في التفكير الإنساني قبل أن يوجد المنطق الصوري على يدي أرسطو.

1-

منطق أرسطو:

يدرس منطق ارسطو صور التفكير غير أنه لا يهتم بموضوع هذا التفكير. لذلك كان صوريا. فصدق الاستدلال له من الأهمية من حيث شكله لا موضوعه. كان اتباع أرسطو يهدفون إلى الكشف عن الطرق المختلفة التي يمكن اتباعها في استنباط النتائج الضرورية من بعض المقدمات العامة التي يسلم المرء بصدقها. وهو شكلي إذ يسلك مسلك علم الرياضيات في إمكان استبدال القضايا وحدودها برموز أو أحرف.

ثم إنه منطق عام لأن قوانينه صالحة للتطبيق على مختلف المواضيع الفكرية. وسيان أن تطابق هذه النتائج خبرتنا في الواقع أو تتنافى معها فمحك الصواب في القياس الصوري يكون في اتساق نتائجه مع مقدماته، لا تطابقها في الواقع مع العالم الخارجي.

ص: 437

وهذا القياس لا يؤدي بالباحث إلى كشف معرفة جديدة، حتى مع افتراض أن مقدماته مطابقة للواقع، لأن نتائج القياس متضمنة على الدوام في مقدماته. فإذا سلمت مثلا بالمقدمة التي تقول: أن جميع الناس عرضة للموت ثم أضفت إلى هذا أن سقراط إنسان، كنت على علم بأن سقراط هذا هو أحد الناس الذين وصفتهم في قضيتك الأولى بأنهم عرضة للموت.. وبهذا لا يكون في النتيجة التي ينتهي إليها قياسك –وهي سقراط عرضة للموت- شيء جديد إذ هي من باب تحصيل الحاصل.

من هنا كان القياس الصوري عقيما مجدبا، إذ يفسر لنا ما نعلمه ولا يكشف لنا عما نعلمه.

2-

موقف علماء الإسلام من منطق أرسطو:

دخل منطق أرسطو العالم الإسلامي، ووقف مفكرو الإسلام منه مواقف مختلفة:

أ- منهم من رفضه رفضا تاما لاعتقاد أن روحه مخالفة للروح الإسلامية.. فحاولوا هدمه ليبنوا على أنقاضه منطقا جديدا يتلاءم ومعتقدهم.

ب- ومن العلماء من عاداه العداوة التامة وحرم النظر فيه. ونذكر من هؤلاء ابن الصلاح والنووي.

ج- ومنهم من قبله على أنه وحدة فكرية قائمة الذات، واعتبروه قانون العقل. وهؤلاء هم الشراح الإسلاميون المشاؤون.

وقبل أن نحدد موقف علماء الإسلام من المنطق الصوري نوضح في إيجاز معنى الثقافة في المفهوم الإسلامي.

إن الثقافة حسب التصور الإسلامي تعني الطريقة التي يتوصل بها إلى المعرفة. وهذه الطريقة هي ما عبر عنها القرآن الكريم بلفظة النظر، النظر الذي يولد مجهولا من معلوم. قال تعالى:{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}

وقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [1] .

ص: 438

وهذه الطريقة الإسلامية الموصلة إلى المعرفة تكون على مراحل:

1-

تأمل الموجودات ومشاهدتها بالاعتماد على الملاحظة وعلى الحواس.

2-

تبويب تلك التأملات وتنظيمها وتجريد الحقائق منها بفعالية العقل حتى تستنبط الرابطة أو العلاقة التي تربط بين تلك الحقائق.

3-

درس تلك العلاقة التي ربطت بين الحقائق، ومقارنتها بغيرها حتى يقع استنتاج القانون الذي يعكس للدارس ماهية ذلك الشيء أي الموجودات كما هو في الواقع.

4-

إرجاع ذلك القانون الجديد الذي من مقارنة القوانين الجزئية الأخرى يعطينا قانونا عاما للطبيعة بأسرها. وهو وجود علة أوجدت هذه الموجودات المحيطة بنا. وهي علة واجبة الوجود إلا وهي الله.

فالمنهج الإسلامي في الثقافة يدرس الموجودات لا لمجرد أن يعرفها بل ليردها كذلك إلى علتها الأولى. بعد هذه المقدمة سنقف قليلا عند موقف علماء أصول الدين وأصول الفقه من منطق أرسطو.

أ- موقف علماء أصول الدين من منطق أرسطو:

ص: 439

رفض المتكلمون أو علماء أصول الدين مبحث القياس الأرسطي.. "فالقاضي عبد الجبار يستخدم في أكثر مواضع كتبه قيس الغائب على الشاهد وهي عملية استدلالية إسلامية"[2] . وقد ألفت كتب عديدة في نقد المنطق الأرسطي، من طرف بعض المتكلمين نذكر منها كتاب الآراء والديانات لابن النوبختي والدقائق لأبي بكر بن الطيب، ويروي أبو حيان التوحيدي في المقابسات أن أبا علي الجبائي وأبا هاشم والقاضي عبد الجبار كتبوا في نقد المنطق الصوري.. أما الفكرة الرائجة عند أغلب المفكرين وهي أن علماء أصول الدين ما كان لهم أن ينافحوا عن العقيدة الإسلامية إلا بعد أن تسلحوا بالمنطق الأرسطي الذي أكسبهم القدرة على محاجة أهل البدع وأصحاب الديانات الأخرى، فهي فكرة لا تنطبق إلا في أواخر القرن الخامس الهجري على أيدي المتأخرين من المتكلمين.. يقول ابن خلدون في هذا السياق:"وكملت هذه الطريقة وجاءت من أحسن الفنون النظرية والعلوم الدينية.. إلا أن صور الأدلة فيها بعض الأحيان على غير الوجه الصناعي لسذاجة القوم، ولأن صناعة المنطق التي تسير بها الأدلة وتعتبر بها الأقيسة، لم تكن حينئذ ظاهرة في الملة، ولو ظهر منها بعض الشيء، فلم يأخذ به المتكلمون لملابستها للعلوم الفلسفة المباينة للعقائد الشرعية بالجملة، فكانت بجورة عندهم"[3] .

ب- موقف علماء أصول الفقه من منطق أرسطو:

قبل استعراض موقف علماء أصول الفقه من المنطق الأرسطي يجب أن نلاحظ أن علم الأصول بالنسبة إلى الفقه هو كعلم المنطق بالنسبة إلى الفلسفة. فالأصول هي منهج البحث عند الفقيه أو هي منطق المواضيع التي يبحث فيها.. وأول من وضع منهج الأصول وحدد مسالكها بصفة علمية، الإمام الشافعي.. هاجم الشافعي منطق أرسطو، ونادى بتحريمه لاعتقاده أن هذا المنطق يستند إلى خصائص اللغة اليونانية المخالف لخصائص اللغة العربية، ولو طبق لأفضى ذلك إلى تناقض لا يقره العقل السليم.

ص: 440

أما الإمام الغزالي، فقد مزج المنطق الصوري بعلوم الإسلام: ويظهر هذا المزج في مقدمة كتابه المستصفى واعتبر الغزالي أن المنطق الأرسطي شرط من شروط الاجتهاد وإلا فإن من لا يأخذ به لا يوثق بعلمه. وقد اعترض الفقهاء المسلمون الغزالي في ذلك ونقدوه. وبعد الغزالي، أي في القرن الخامس الهجري وما بعده، بدأ المسلمون مزج المنطق اليوناني بالأصول واعتقده كل حسب اجتهاده، وبذلك فقد المنهج الإسلامي شيئا من ذاتيته في مادة الفقه على الأقل.

3-

المنهج العلمي عند علماء الإسلام:

من الطبيعي وروح الإسلام تدعو إلى الواقعية، أن لا يهضم العقل الإسلامي الصحيح منهج اليونان في البحث، وطبيعي أيضا أن تقوم تلك الثورة الفكرية المتجلية في نقد علماء الإسلام (متكلمين وفقهاء) لذلك المنهج وأن يقع إنشاء منهج ينبع من معتقدهم وذاتيتهم تكون دعامتاه: المحسوس والفكر.. يعتمد المنهج الإسلامي المحسوس منطلقا للبحث عن طريق الملاحظة والتجريب. ثم يسلط العقل للمقارنة وتأويل لمعاني المبهمة التي تمدنا بها الحواس فيحلل ويعلل لاستنباط الحقيقة التي تشرح الواقع وتزيح غموضه. إذن فهو منهج يجمع بين التجربة والتفسير العقلي. إذ أن التجربة وحدها لا تكفي إذا لم يعضدها العقل لتنظيمها وتأويلها، كما أن العقل وحده لا يكفي لمدنا بالمعرفة الموضوعية إذا لم تآزره التجربة. وما التجربة إلا حوار مع الطبيعة.

ص: 441

آمن المسلمون بهذا المبدأ وجعلوه شعارا لهم في أبحاثهم العلمية، فكان منهجهم يتسم بالتجريبية العلمية.. ولا بد هنا أن أعرج على فكرة ضالة استحكمت بعقول كثير من المفكرين مستشرقين منهم وغير مستشرقين وهي أن البحث العلمي على الطريقة العلمية الحديثة لم تظهر معالمه في تاريخ التطور الفكري إلا بعد عصر النهضة في أوروبا. وينسب الفضل في نشوء طريقة البحث العلمي الحديث إلى فرنسيس بيكون الذي عاش ما بين (1561-1626م) . وقد تكفل بدحض هذا الزعم نزيه من نزهاء الغرب (والفضل ما اعترفت به النزهاء) وهو بريفولت في كتابه بناء الإنسانية. حيث يقول:"إن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس هو ما قدموه لنا من اكتشافهم لنظريات مبتكرة.. بل أنه يدين لهم بوجوده.. فقد أبدع اليونان المذاهب وعمموا الأحكام ولكن طرق البحث وجمع المعرفة الوضعية وتركيزها، ومناهج العلم الدقيقة والملاحظة العميقة والبحث التجريبي كانت كلها غريبة عن المزاج اليوناني.. إن ما ندعوه بالعلم ظهر في أوروبا كنتيجة لروح جديدة في البحث وهي الروح العربية"[4] .

ويجدر بنا الآن أن نتعرض بإيجاز إلى خصائص المنهج الحديث، وإلى استعراض منهج أحد علماء الإسلام في البحث وذلك حتى نتبين هل أن المنهجين متفقان أو مختلفان.

أ - خصائص المنهج الحديث:

يبتدئ البحث الحديث بمشاهدة الأمور الطبيعية على ما هي عليه في الواقع. ويلي ذلك جمع الحقائق المشاهدة وتبويبها وترتيبها لا لمجرد التبويب والجمع والترتيب وإنما للبحث والتمحيص عن علاقة تربط بين الحقائق العلمية. وقد نسميها قانونا طبيعيا، وقد نسميها نظرية علمية.

ص: 442

والأمر لا يقف عند الكشف عن هذه العلاقة، فإذا ما تم الوصول إليها تستنبط بالقياس النتائج التي تفضي إليها. ثم يقع البحث عن صحة تلك النتائج ومطابقتها للواقع بالمشاهدة والتجربة. فإذا تحققت تلك النتائج على هذه الصفة كان دليلا على صحة تلك العلاقة علها تقبل التعديل أو التنقيح بما يجعل نتائجها القياسية متفقة والواقع. ورائد البحث في كل طور من هذه الأطوار المتعاقبة، إقرار الحقائق كما توجد دون ميل إلى نزعة من النزعات أو هوى من الأهواء. وأحيانا يستعان في الكشوف العلمية بالتمثيل.

فيهتدي على منوال القريب المعلوم إلى معرفة البعيد المجهول. وخلاصة لما ذكر، فإن عناصر البحث العلمي الحديث هي:

1-

الاستقراء

2-

القياس

3-

التمثيل

ب- منهج ابن الهيثم في البحث:

يتضح منهج ابن الهيثم في البحث إجمالا من مقدمة كتابه (المناظر) . بين فيه بإيجاز الطريقة التي هداه تفكيره إلى أنها الطريقة المثلى في البحث، والتي اتبعها في بحوثه.. يقول ابن الهيثم:

".. ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات وتمييز خواص الجزئيات، ونلتقط باستقراء ما يخص البصر في حال الأبصار، وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس. ثم نرتقي في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء"[5] .

فابن الهيثم أخذ في بحوثه بالاستقراء والقياس، وعنى في البعض منها بالتمثيل وهي كما رأينا عناصر البحوث العلمية العصرية.. وابن الهيثم في هذا كله لم يسبق فرنسيس بيكون إلى طريقته الاستقرائية فحسب، بل سما عليه سموا كبيرا وكان أوسع منه أفقا وأعمق تفكيرا، وإن لم يعن كما عني بيكون بالتفلسف النظري.

ص: 443

فهذا المنهج يتسم بالحيوية والتكامل إذ يجد فيه رجل العلم ما يرتاح له من أساليب وطرق تسهل له عمله، ويجد فيه الفيلسوف صاحب النظر المجرد، ما يثلج صدره ويقيه جمحات عقله.

يقول أحمد أمين: "وأهم ما امتاز به (ابن الهيثم) معرفة نظريات الرياضة. ومن أهم مميزاته تطبيق علمه على العمل"[6] .

كان لاكتشافات ابن الهيثم تأثير صالح على التراث الفكري الإنساني، وقد عكس نظرية العلماء اليونان في موضوع الإبصار، حيث أن أقليدس وبطليموس قد زعما بأن الأبصار يكون بإرسال شعاع من العين نحو المبصر من الأشياء.

هدم ابن الهيثم هذه النظرية ليعلمهم أنه (ليس كما ظنه أكثر القدماء من أن الضوء يخرج من العين ليلمس المرئيات بطريقة ما، وليس هناك من أشعة تنطلق من العين لتحقق النظر بل أن شكل الأشياء المرئية هي التي تعكس الأشعة على العين فتبصرها هذه الأخيرة بواسطة عدستها) .

ومن اكتشافاته، اكتشافه قوانين انعكاس الضوء وانكساره، واكتشافه الشكل المنحنى الذي يأخذه الشعاع في سيره في الجو، واكتشافه أن القمر يعكس نور الشمس وبذلك فسر تكوين الهلال وكسوف القمر.

قالت زيكريد هونك الألمانية في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب) .

ص: 444

"لقد كان تأثير هذا العربي (ابن الهيثم) النابغة على بلاد الغرب عظيم الشأن فسيطرت نظرياته في علمي الفيزياء والبصريات على العلوم الأوروبية حتى أيامنا هذه.. فعلى أساس كتاب المناظر لابن الهيثم نشأ كل ما يتعلق بالبصريات ابتداء من الإنكليزي (روجر بيكون) حتى الألماني (فيتللوا) وأما ليوناردو دافنسي الإيطالي مخترع آلة (التصوير الثقب) أو الآلة المعتمة ومخترع المضخة والمخرط وأول طائرة – ادعاء - فقد كان تأثيرا مباشرا بالعرب وأوحت إليه آثار ابن الهيثم أفكار كثيرة. وعندما قام (كبلر) في ألمانيا خلال القرن السادس عشر ببحث القوانين التي تمكن (جليليو) بالاستناد إليها من رؤية نجوم مجهولة من خلال منظار كبير كان ظل ابن الهيثم الكبير يجثم خلفه. وما تزال حتى أيامنا هذه المسألة الفيزيائية الرياضية الصعبة التي حلها ابن الهيثم بواسطة معادلة من الدرجة الرابعة مبرهنا بهذا عن تضلعه البالغ في علم الجبر، نقول ما تزال المسألة القائمة على حسب موقع نقطة التقاء الصورة التي تعكسها المرأة المحرقة بالدوائر على مسافة منها ما تزال تسمى (بالمسألة الهيثمية) نسبة إلى ابن الهيثم) .

ورغم هذه الصفات وهذا النبوغ الذي شهد له بها فإنه يتحلى بروح علمية سامقة، إذ قرر أن الحقائق العلمية غير ثابتة، وأنها ليست غايات ينتهي إليها العلم بل كثيرا ما يعتريها التبديل والتغيير. وهو يؤمل ويرجو رجاء العالم المتواضع الوصول إلى الحقيقة فيقول:"ولعلنا ننتهي بهذا الطريق إلى الحق الذي يثلج الصدر ونصل بالتدريج والتلطف إلى الغاية التي عندها اليقين، ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف وتنحسم بها مواد الشبهات"

وهكذا يتضح أن منهج ابن الهيثم في العلم يلتقي مع المنهج العلمي الحديث وأربى عليه باعتبار سبقه الزمني.

ص: 445

ولو ذهبنا قدما في استعراض منهج كل عالم إسلامي في البحث، لتكشف لنا أن المتشعبين بروح الإسلام قد اهتدوا إلى هذه الطريق النابعة من طبيعة الإسلام.

والتاريخ الإنساني حافل باكتشافات خطيرة مصدرها العقل العربي الإسلامي وقد ذكرنا بعض كشوف ابن الهيثم ونذكر الابتكارات الهندسية التي ظهر بها محمد البوزجاني (8-376هـ) الذي اشتهر في علمي الفلك والرياضيات وكان له الفضل في تقدم العلوم الرياضية. ونذكر أبا عبد الله البتاني 230-317هـ وقضاياه في علمي الفلك والرياضيات وجابر بن حيان ومنهجه التجريبي في الكيمياء.

وخلاصة القول فإن المنطق الإسلامي أساسه الواقع، يعتمد الملاحظة والتجربة كاعتماده العقل والتفكير.. ولا ننكر أنه أخذ شيئا من المنطق اليوناني، وهذا من طبيعة كل نظرية جديدة حيث لا يمكن لها أن تقوم إلا بالاعتماد على نظريات سبقتها.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

الآيتان من سورة يونس

[2]

مناهج البحث عند مفكري الإسلام.

[3]

المقدمة لابن خلدون.

[4]

مناهج البحث عند مفكري الإسلام للنشار.

[5]

الحسن بن الهيثم (بحوث وكشوفه البصرية) لمصطفى نظيف.

[6]

ظهر الإسلام ج1.

ص: 446

خطورة الدعوة إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية

بقلم: عبد الرحمن الأنصاري

الطالب بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة

تمهيد:

جاء الإسلام والبشرية تتخبط في مهاوي الضلال، وانحلال القيم وانعكاس المفاهيم، فلما أراد الله للإنسانية أن تنعم بالسعادة الدنيوية، والأخروية، بعث لها محمدا صلى الله عليه وسلم لينقذها من دياجير الظلمات التي تتخبط فيها خبط عشواء.

فجاء الإسلام على أساس الوحدة المتمثلة في عبودية إله واحد هو الله جل جلاله، ودستور واحد هو: كتاب الله، وقبلة واحدة هي: بيت الله الحرام..

وهكذا في سائر العبادات، فإن موقوتيتها لم تكن لأناس (من المسلمين) دون آخرين.

وكما وحد الإسلام في العبادات وحد بين سائر الناس والأجناس الذين يدينون بدين الإسلام –في الحقوق والواجبات..

فمثلا صلاة الظهر المفروضة على أفقر الناس، مفروضة في نفس الوقت على أغنى الناس، وأحملهم لألقاب الرفعة والعلو، بل إن أي لقب يناله مسلم لا يكون به جديرا إلا على أساس الشعور بهذه التبعية لله ولشرعه، والدعوة إليه.

وإن كانت (الجاهلية) في كل زمان ومكان تصنف الناس على أعراقهم، وأنسابهم، وألوانهم..

فإن الإسلام جاء ليقرر بطلان ذلك إذ لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لابيض على أسود إلا بالتقوى..

وعلى هذا تأسست الدولة الإسلامية الأولى، فأهدت للإنسانية نورا لا زالت إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها –ترفل في حلله، وإن تنكر المتنكرون (فالعين تنكر نور الشمس من رمد) .

دور المسلمين من غير العرب أصلا في خدمة العربية:

وعلى أساس هذه الوحدة الإسلامية التي لا تعترف بأية آصرة خارجية عن الإسلام، فقد صار كل داخل في الإسلام أخا وحميما لسائر المسلمين.

ص: 447

ولما أدرك المسلمون من غير العرب دور اللغة العربية في فهم الإسلام حافظوا عليها محافظة تفوق محافظتهم على لغة آبائهم وأجدادهم لما لها من شرف مخاطبة الله رسوله بها، فناضلوا في الذود عنها وقعدوا –بتشديد العين- لها القواعد، واستخرجوا من خبايا إسارها ما دل على تفانيهم في خدمتها، وحبها، وألفوا- المؤلفات العظيمة التي هي فخر للإسلام والمسلمين- باللغة العربية، لا بلغة آبائهم، وما ذلك إلا لهذه الصياغة التي صاغهم بها الإسلام وجعله إياهم حماة لدينه كغيرهم ممن اصطفى من العرب لهذا الشرف سواء بسواء.

خطورة هذه الدعوة:

ومن الطبيعي أن أعداء الإسلام الذين حاربوه منذ ظهوره وفي سائر العصور إلى يومنا هذا، قد جربوا مع الخبرة الطويلة في (العداء) : إنهم لا يستطيعون تشتيت المسلمين وتفرقة كلمتهم، وسلبهم (قدسهم) إلا بصرفهم عن الإسلام الذي هو رمز وحدتهم، وقد سلك لتحقيق ذلك شتى السبل، والوسائل ومنها على سبيل المثال لا الحصر: إحياء (القوميات) وتجديد النزعات العنصرية الضاربة في القدم، وإحياء ما يسمونه (الفكلور الشعبي) لكل أمة والدعوة إلى النظر في اللهجات المحلية، ورد أصولها إلى أشياء تاريخية معينة.

والاحتفالات التذكارية لمرور كذا من السنين على حكم أكاسرة وأباطرة وثنيين معينين، استنار أبناؤهم فيما بعد بنور الإسلام..وأخيرا الدعوة إلى استبدال الحرف العربي باللاتيني بحجج هي، أوهى من بيت العنكبوت.

وإلى غير ذلك من المكائد، التي لا تهدف في مجموعها إلا إلى شيء واحد هو صرف المسلمين عن دينهم.

العالم الإسلامي ومنحة الدعوة:

ومنذ بدأ الاستعمار بالتغلغل في شرايين العالم الإسلامي لم يكن هدفه الأول، إلا في تثبيت دعائمه، وأقدامه في الوطن الإسلامي بمبادئه التي يتصدرها شعار: فرق تسد..

وهل فرق تسد إلا غزو الأمة في مبادئها التي تغتر بها، ومثلها العليا، التي هي جزء من حياتها..

ص: 448

ولقد سلك الاستعمار العالمي، ذلك المسلك المشين مع العالم الإسلامي لتتحقق له وسائل السيطرة عليه إلى الأبد.. إن استطاع. وإن ننسى، ولا ننسى مقالة ذلك الزعيم الذي قال قولته المشهورة في يوم احتفالهم:"نحن لا نحتفل بمرور مائة عام على احتلال الجزائر، بل نحتفل بمرور مائة عام على القضاء على اللغة العربية"

ومن أهم الجوانب التي سلكها الاستعمار العالمي لأهدافه السيئة هذه:

1-

تنفير الشبيبة من اللغة العربية، بحجة صعوبة قواعدها..

2-

وصم الكتب الإسلامية العلمية –التي هي خلاصة الفكر الإنساني العالمي- بأنها (صفراء بالية) لم تعد تلائم التطور..

علما بأن كل تطور حدث، أو يحدث، إنما كانت أسسه من هذه الكتب الصفراء، بشهادة بعض المنصفين من الأوروبيين، وغيرهم.

3-

تنشئة الشبيبة، على المبادئ الهدامة الفاسدة، المعادية للفكرة الإسلامية من أساسها.

4-

شراء أقلام كتاب محسوبين على الإسلام لترويج الدعاوى المخالفة عن طريقهم.

5-

الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة، حتى تكون لغة الدولة، غير لغة الدين.. والنتائج بعد معلومة بالضرورة. إلى غير ذلك من المخططات الاستعمارية المكشوفة التي لا تنطلي إلا على عمي البصائر.. ومن البراهين المشاهدة المحسوسة على صدق ما ذكر: أننا قلما رأينا دولة من الدول التي نالت استقلالها من المستعمر، إلا وكانت لغتها لغة ذلك المستمر.. وأخلاقها وتقاليدها، أخلاق وتقاليد ذلك المستعمر.

هذا إذا لم تنضم تلك الدولة المستقلة بطواعية من نفسها إلى استعمار جديد يحمل طابع (كمنولث..)

ويوم أن كانت الأمة الإسلامية، أمة موحدة، لم تكن أطماع العالم تتجه إلا إلى شيء واحد فقط، هو: طلب مهادنتها، وخطب ودها فقط.

مقدمات الدعوة:

ص: 449

لم تكن الدعوة إلى استبدال الحرف العربي باللاتيني، بالأمر السهل الهين، وقد أدرك المستعمر ذلك، فقدم لها من المقدمات ما كلفنا نحن المسلمين الثمن الكثير.

ولن تحد من شره هذه الدعوة، وغيرها من الدعوات الخبيثة التي تترى على أمتنا الإسلامية من جبهات الأعداء المختلفين، إلا دعوة إسلامية مضادة.

ومن البديهي، والمسلم به أن العداء الموجه إلى (الحرف العربي) لم يكن إلا نتيجة لعداء كل ما يمت إلى الإسلام بصلة.

ص: 450

ليس للإنسان إلا ما سعى

شعر الطالب عارف عبد الله الحسن الطالب بالسنة الثالثة بالمعهد الثانوي بالجامعة

لم تنم عيني وقلبي في وجل

أقبل الليل فويل للمقل

(إن أيام الصبا نجم أفل)

أقبل الليل وقد فات الصبا

فرغ العمر وما نلت الأمل

كيف أنسى ذكر أيام الصبا

خلق الإنسان إلا للعمل

فتزود أيها المرء فما

قول حق قاله عز وجل

ليس للإنسان إلا ما سعى

قبل أن تسبح يوما في الوحل

فاعبد الله ولا تشرك به

زك من مالك صم شهرا وصل

حج بيت الله فرض يا فتى

شئت عيشا فاضلا يا من عقل

راع حق الناس بعد الله إن

واحد فذ قديم لم يزل

كل من في الكون يفنى غيره

حكم الأقباط والقوم الأول؟

أين قارون وهامان ومن

ملك الرومان يوما فانعزل

أين ساسان وكسرى والذي

أنهم سادوا زمانا في الملل

تلك آثار فدلت بعدهم

إن من يشرب أضنته العلل

ودع الخمرة واحذر شرها

وتواضع يا فتى في المحتفل

جانب الكبر ولا ترض به

إن من يرفعه الله البطل

ليس إعجابي بنفسي رفعة

مثل الناظر من أعلى الجبل

(مثل الجاهل في إعجابه

أعين الناس صغيرا لم يزل)

يحسب الناس صغارا وهو في

من يكن مثلك فليخش الزلل

واترك الغيبة إن رمت العلى

إنما الدنيا متاع منتقل

كم وكم سادت وبادت أمم

ليس علم مجديا دون عمل

واطلب العلم إذا رمت الهدى

كنت سيين وعباد الهبل

فإذا ما أنت لم تعمل به

لم تجد علما فما تجدي الحيل

قيمة الإنسان بالعلم فإن

ملك الدينار دع عنك الكسل

إن كل الناس أعوان لمن

غانيات ومصفى من عسل

حلكة الليل وقد قال المثل

إن في الجنة حورا عربا

فهجر النوم وناجي الرب في

ص: 451

سهر الليل وإلا لم ينل

فالمعالي إن من يطلبها

إنما الدنيا سحاب فاضمحل

طلق الدنيا ولا تفتن بها

في ظلال ثم ولى وارتحل

إنما الدنيا كضيف نازل

فبحق الجار قرآن نزل

واعرف الجار وعظم حقه

شئت أن تفلح صاحب من عدل

وصل الأرحام يا صاح وإن

إن من يأمر بالمعروف قل

مر بعرف وأنه عن منكر

جد في النيل فلا يجدي الهزل

واطلب النحو ولازم مذهبي

لم يكن يفقهه كالمختبل

حلية الإنسان بالنحو فمن

شئت أن تنجو من كل دغل

وخذ القرآن منهاجا إذا

فمن الشيطان أصغى وأضل

إنه من يتخذه عبثا

إن من يخضع للأهواء ذل

جاهد النفس ولا تتبع هوى

ليس للمرء سوى ما قد بذل

جامع المال لمن تجمعه؟

لاح في رأسك شيب فاشتغل

وهن العظم وقد فات الصبا

ب بلهفى أو بليت ولعل

لا ولا ترجع أيام الشبا

لست أدري ذاك أمر محتمل

ذهب الأمس فهل يأتي غذ؟

أيها الغافل قد حان الأجل

فاغتنم وقتك لا يذهب سدى

أيها المسكين إن الموت حل

وعظ النفس وقل يا أسفا

إنه شر فمن يتبعه ضل

واحذر الشيطان لا تغرر به

مرء تقوى الله أعلى وأجل

هل تزودت وخير الزاد للـ

خير ما قد قيل ما قل ودل

فاتق الله ودم في ذكره

خيركم من أرشدوه فامتثل

واستمع للنصح إني ناصح

فهو خير حافظا للمتكل

وبحبل الله كن معتصما

وسلامي كلما لاح زحل

وعلى الهادي صلاتي أبدا

((إنني اعتقد أن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقد درجة يصعب علينا فهمها.. وأن ملايين الملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرة الله شهادة تقوم على الفكر والمنطق. ولذلك أومن بوجود الله إيماناً راسخاً

))

رسل تشارلز ارنست

من كتاب الله يتجلى في عصر العلم

ص: 452

غايات وأهداف

بقلم: سعد بن حامد المطرفي / الطالب بالقسم الثانوي بالجامعة.

إن هذا الكون لا يخلو من أمة قائمة على أمورها، كل فرد منها يحبذ جهوده وينمي إمكانياته في الوصول إلى ذلك الهدف أو تلك الغاية كما أن الأهداف والغايات تنقسم إلى قسمين: غايات وأهداف دنيوية، وأخرى أخروية.

فالمسلم يجمع بين هذا وذاك على السبيل المشروع والطريق النبوي المرسوم، فالناس تختلف غاياتهم وأهدافهم لكن له نهج وسبيل في أموره الدنيوية فالطالب يحث نفسه ويجهد حيلة في الحصول على النجاح في العلم ونفع الغير فما أحسنها من غاية وما أزكاه من هدف. فهو طالب لخير الدنيا ونعيم الآخرة.

فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في فضل العلم وأهله منها قوله: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة" كذلك التاجر ينصب حبال الأهداف ومراسم الغايات كل ذلك لجمع المال، فالتاجر على خير ما قام بفعل الخير في مراعاة أوامر الله فيما أودعه الله من المال.

فالمال وديعة يعطيها الله من يشاء وينزعها ممن يشاء.

فأهل الأهداف والغايات على مستويات مختلفة وعلى أصول تنشأ عنها فروع متعددة. منهم عاملون ولا شك ما راعوا الهدف الأخروي الذي عليه المعتمد وبه يحصل الربح وعدمه.

فأنت يا أخي الطالب: انهج أي سبيل على الطرق المسهلة لتعليمك ثقة الهدف الذي ترجوه عائد بالنفع لك ولشعبك. نفعا لا ينحصر في الأمور الدنيوية فحسب بل للآخرة النصيب الأوفر والجهد الأكبر منه وما هنالك مانع من أن تكون طبيبا أو معلما أو تاجرا أو زارعا فهذه حقول أشرع في أيها شئت فلك حرية الغاية تتجه حيث تريد.

فالإسلام دين اليسر والعمل لنفع المسلمين، كذلك أنت يا أخي التاجر شد حيلك وانفع نفسك ومن يلزمك مئونته بالكسب الحلال.

ص: 453

فالكسب الحلال وإن قل فعظيمة بركته وكثير خيره. وأنت محور ارتكاز وأهمية يعود نفعها إلى المجتمع الإسلامي لا لفرد خاص، فأعط كل ذي حق حقه فالله يقول:{كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} فحاول أن تصغر نفسك في عينك وأن تلبس من التواضع رداءا وإزارا أبيضين ما فيهما درن.

أما الهدف الأخروي والغاية الأخروية فهي النبراس الذي شعلته ونوره ما تقدمه في هذه الحياة من الصالحات، فإن خيرا فخير وإن شرا فذاك. فعنوان النجاح والحصول على الخير هو التقوى، نعم إن التقوى إذا عمت القلب سكن وقام بتوزيع ذلك النور على الأعضاء فتعم السكينة والهدوء ذلك القلب وتلك الأعضاء.

من هنا يعرف الإنسان أن له هدفا وله غاية لا يسبقها سابق، ولا يتقدم عليهما متقدم، فالهدف والغاية الأخروية هي الحصول على الجنة. والحنة ثمنها غال حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"ألا أن سلعة الله غالية ألا أن سلعة الله هي الجنة".

أما الذي يفرط في ذلك الهدف فقد حكم عليه القدر بالشقاء لأنه عرض عليه الحق فأتى مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟

قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".

فهل أنت حاسب حسابك وعارف كسبك؟ فإن البيع والشراء ينفر كل منهما عن الماديات في ذلك اليوم. فلا درهم ولا دينار ولكنها أعمال تدور على حلبة الحساب والجزاء وكل امرئ بما كسب رهين.

ص: 454

أخي المسلم أنت الآن في سعة من الأمر فعليك بالاتجاه إلى تلك الغاية وذلك الهدف علما وتيقنا وتعقلا إن الدنيا والآخرة في حوزة مالك يوم الدين، فأسأل الدنيا ممن يملكها على الوجه الذي يحبه ويرضاه. وكن ممن بنى عقيدته على الخوف والرجاء وابتعد عن الإفراط والتفريط. فالدار الآخرة هي الدار الباقية وهي أساسك الذي يبني عليه سلاحك الأخروي وشقاؤك فهلا تختار لنفسك دارا فسيحا، وكسبا مربحا، ومركبا مريحا!!

هذا والله اسأل أن يأخذ بأيدي عامة المسلمين إلى سبيل الهدى والرشاد ويرزقهم بذل جهودهم في غاية وهدف يعود عليهم بالربح والفوز والنجاح الدنيوي والأخروي إنه سميع عليم.

((.. دارون.. صاحب نظرية النشوء والارتقاء.. ليس يهودياً، ولكننا استطعنا أن نستخدم نظريته لهدم الأخلاق وانحراف الشباب غير اليهودي، ليفسح لنا المجال لحكم العالم..))

بروتوكلات حكماء صهيون

ص: 455

شياطين الإنس

بقلم: محمد عبد الخالق الضبع

الطالب بكلية الشريعة بالجامع

قد يبدو للقارئ أن هذا العنوان غريب نوعا ما ولكن الواقع الذي نعيش جانبا منه يمثل هذا العنوان، والذي سوف نتناول الحديث عنه اليوم واحدا من أولئك الذين اتبعوا أنفسهم هواها وارتبطوا مع شياطين الجن برباط الفكر المتشابه.

إنه الدكتور مصطفى محمود الذي صلع علينا أخيراً بتفسير مزعوم للقرآن الكريم سماه التفسير العصري للقرآن، وراح ينشر مقالاته بمجلة (صباح الخير) في مصر ولقد تتبعت مقالاته في مصر ثم حاولت متابعتها عندما حضرت إلى السعودية، والحقيقة أنني رأيت عجبا، رأيت إنسانا يتخلي كلية عن دينه وعقله فيتناول الآيات القرآنية بتفسير عجيب يصرف من خلاله الكلمات القرآنية عن معناها اللغوي والشرعي كلية، وإليك عزيزي القارئ جانبا من تلك المزاعم:

ص: 456

يقول مصطفى محمود إن كلمة الجنة والنار التي وردت في القرآن الكريم كلمات لا حقيقة لمعناها والله سبحانه وتعالى لا يرضى أن يعذب إنسانا خلقه. ثم يستطرد في مقال آخر فيقول إن كلمة العذاب والنعيم التي وردت في القرآن أيضاً ليست في الآخرة إنما في الدنيا والعذاب هو عذاب الضمير، والنعيم هو نعيم راحة البال. وتتوالى مزاعمة الجنونية فيقول في مقال ثالث أن الإنسان لو نظر إلى امرأة جميلة متأملا في حسنها ثم قال (الله) ملتذا بهذا الجمال فله أجر على ذلك والكثير والكثير ولا يسع هذا المقال لتناول كل مزاعمه ولقد صدرت له عدة كتب لم يتمكن من طباعتها بمصر بسبب ثورة العلماء وبعض الشباب الواعي عليه لذا لجأ إلى المطابع اللبنانية ومن كتبه التي صدرت كتاب (رحلتي من الشك إلى اليقين) ولا أدري أي يقين هذا الذي انتهت به رحلته. ومما يؤسف له أن بعض كتبه ومقالاته تلقى رواجا من بعض الشباب الذين لا يعرفون كوعهم من بوعهم. وحسبوه امتدادا لعصرية الانحلال التي يجتاح العالم الآن.

وأنا أقول لك يا دكتور مصطفى إنك تحتل اسما من الأسماء الإسلامية وكان ينبغي لك احترام هذا الاسم أو أن تتخلى عنه كما تخليت عن توابعه. وأقول لك يا صاحب التفسير العصري هل يصل بك الأمر أن تتعامى كلية عن آلاف الآيات القرآنية التي تصف النار – ألم تقرأ قول الله عز وجل: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} ألم تقرأ قول الحق تبارك وتعالى: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} . {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً} {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً}

ص: 457

وآلاف الآيات القرآنية الأخرى.. ألم تقنعك حتى تقول إن العذاب المقصود في القرآن ما هو إلا عذاب الضمير، إذن أين عذاب ضميرك أنت، إنك تضحك وتمرح، ثم تكذب بالجنة والنعيم، والقرآن الكريم يصفها في آلاف المواضع.. ثم تحل النظر إلى النساء والتمعن في حسنهن وتعطى الأجر على ذلك، ومن يدري فربما في جعبتك أكثر من ذلك وأجره مضاعف.

هل يصل بك الحد إلى تكذيب الحق تبارك وتعالى وتكذيب رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام_ لقد زلت قدمك وأي زلة ولقد افتريت إثما عظيما. يا حسرتاه. لقد زرت بنفسي مستشفى الأمراض العقلية بالقاهرة وأصدقك القول إنني رأيت كثيرا من نزلاء المستشفى المرضى وهم يمسكون في أيديهم المصاحف في خشوع ويدعون الله رغبة في الجنة وخوفا من النار.. هل تشك في أن أفكارك لو تسربت إلى هؤلاء المرضى فسوف نرى على وجوههم أكثر من علامة تعجب.

يا صاحب التفسير العصري ألم يبلغك حديث المعراج – ألم تبلغك مشاهدة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لرفاقك وهم يعذبون.

إن تفسيرك العصري هذا معناه اعلموا ما شئتم من كفر وقتل وزنى وسلب ونهب فليس هناك ثواب ولا عقاب، وبعبارة أدق أن أبا بكر وعمر وحمزة والحسن وغيرهم من المؤمنين الأبرار رضوان الله عليهم هم وفرعون وهامان واليد بن المغيرة وربما أنت في مرتبة واحدة لا ثواب ولا عقاب.

يا صاحب التفسير العصري إن عصرية الملابس وعصرية المادة وعصرية الرجال لا يمكن أن تزحف لتعبث بالقرآن الكريم.

كذلك فإن الشهرة يا صاحب التفسير العصري لا تأتي عن طريق تكذيب الله ورسوله. يمكنك أن تكون مشهورا بوسائل متعدد قد يلائمك منها البعض مثل أن تفتح محلا للأزياء الحديثة للسيدات أو الاشتراك في مسابقة الخنافس أو رئاسة فريق لمن يسمون بالهيبز أو تمشى في أحد الشوارع الكبرى كما ولدتك أمك.

ص: 458

من ثمرات التوحيد

بقلم: الشيخ عبد القادر شيبة الحمد

المدرس بكلية الشريعة بالجامعة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد المرسلين، وبعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله والله تبارك وتعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} وقد روى الإمام أحمد رضي الله عنه من طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لما نزلت: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله: فأينا لا يظلم نفسه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. إنما هو الشرك"، وفي رواية للبخاري من طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت: ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، قال الصحابة: وأينا لم يظلم نفسه فنزلت: إن الشرك لظلم عظيم.

ص: 460

أيها القارئ الكريم: لإخلاص العبادة لله، وإفراده تبارك وتعالى بالتوحيد مزايا لا تحصى وثمرات لا تستقصي منها ما يصلح باطن العبد ومنها ما يصلح ظاهره ومنها ما يصلح له الدنيا ومنها ما له الآخرة، ولقد أشار الله تبارك وتعالى إلى أن شجرة التوحيد أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فمهما خطر على بال العبد من عظيم مزاياها وجميل ثمارها فهي في الحقيقة فوق ذلك، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ، فمن ثمرات التوحيد الأمن والاهتداء وقد بشر الله المؤمنين بذلك إذ يقول:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} والأمن المشار إليه من الآية الكريمة يشمل في الحقيقة أمن الدنيا وأمن الآخرة إذ أن من أخلص دينه لله يفيض الله تبارك وتعالى عليه نعمة الرضى بقضائه ويطمئن قلبه عند نزول الحوادث ويثبت فؤاده عند حلول الكوارث فلا تزلزله زلازل المرجفين على حد قوله تبارك وتعالى في وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .

ص: 461

ومن أنواع الأمن الذي يمتع الله به أهل التوحيد أن يطمئن قلوبهم عند الموت على أولادهم وأحبابهم فلا يجزعهم فراق الأحبة بل تتنزل عليهم الملائكة عند الموت يبشرونهم بلقاء الله ونعيم الجنان ويطمئنونهم على ما خلفوا وراءهم وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} .

ومن أنواع الأمن الذي يمنحه الله تبارك وتعالى أهل التوحيد أن يطمئن قلوبهم عند الفزع الأكبر يوم القيامة وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى متهدداً المشركين: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ، لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ، إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ، لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ، لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} .

ص: 462

أما الأمن في الدنيا من عقوبة الله في الآخرة فليس من سيما أهل الإيمان بل هو من أبرز علامات أهل الكفر الذين أمنوا مكر الله بأعدائه وعقوبته لمن خالف أمره إذ أن الكفار لا يخشون عذاب الله ولا يخافون من عقوبته ولذلك يستعجلون الساعة استهزاء بها وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى واصفا حالهم: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} وقال: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} ، ثم قال:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} .

ص: 463

أما أهل الإيمان فإنهم يخافون مقامهم بين يدي الجبار ولذلك يمتنعون عن معاصيه ويبتعدون عن أسباب غضبه، وقد اقتضت حكمة الله تبارك وتعالى أن من أمن عقوبة الله وهو في دار الدنيا أخافه الله في الآخرة ومن خاف عقوبة الله في دار الدنيا آمنه الله في الآخرة وأورثه الجنة دار النعيم المقيم فلا يجتمع على العبد خوفان ولا يجتمع له أمنان وإلى ذلك يشير الله تبارك وتعالى إذ يقول:{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} . كما قال تبارك وتعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وكما قال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} . وكما قال: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ، ولذلك أثر عن الصديق رضي الله عنه أنه قال: لا آمن مكر ربي ولو كانت إحدى رجلي في الجنة.

ومن ثمرات التوحيد الهداية والتوفيق وسلوك صراط الله المستقيم فكما بشر الله تبارك وتعالى أهل التوحيد بالأمن بشرهم كذلك بأنهم مهتدون وهذا الاهتداء يشمل تسديد الله لهم وحمايتهم من كيد الشيطان فلا يتسلط عليهم ولا يتمكن من إغوائهم بل يريهم الله تبارك وتعالى الحق حقا ويرزقهم اتباعه، ويريهم الباطل باطلا ويرزقهم اجتنابه، وهذه نعمة عظيمة ومنة جسيمة فالسعيد من هداه الله للخير ووفقه إليه وحمله عليه والشقي من خذله الله فلم يعينه ولم يسدده فتراه يتخبط في سلوكه يرى الباطل حقا ويرى الحق باطلا.

حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن يقضي على المرء في أيام محنته

ومن حرم التوفيق ضل عن سواء الطريق:

ص: 464

تأتي له من كل شيء مراده إذا كان عون الله للعبد مسعفا

فأول ما يقضي عليه اجتهاده وإن لم يكن عون من الله للفتى

ومن ثمرات التوحيد مغفرة الخطايا وتكفير السيئات فقد وعد الله تبارك وتعالى أهل التوحيد الخالص بحط خطاياهم ومغفرة ذنوبهم والتجاوز عن سيئاتهم وأنهم لو جاؤوه يوم القيامة بملء الأرض من الخطايا وقد لقوه من غير شرك وماتوا على التوحيد فإنه تبارك وتعالى يقابلهم بالمغفرة الواسعة والرحمة الشاملة فقد روى الترمذي بسند حسن من طريق أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ورضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى:"يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم: لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة"، وفي رواية مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه في الحديث القدسي:"ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بقرابها مغفرة".

ص: 465

أخبار الجامعة

إعداد العلاقات العامة

* يغادرنا إلى جدة يوم السبت الموافق 19/10/92هـ فضيلة الأمين العام للجامعة الإسلامية الشيخ محمد بن ناصر العبودي، ومدير العلاقات العامة بالجامعة الأستاذ أحمد عبد الحميد عباس وذلك لحضور احتفالات جامعة الملك عبد العزيز بجدة..

* من المتوقع أن يقوم وفد مكون من بعض المدرسين في الجامعة الإسلامية، والمشرف الاجتماعي، والمشرف الرياضي، ونخبة من طلاب كلية الشريعة، وكلية الدعوة وأصول الدين، والمعهد الثانوي والمتوسط بزيارة لبعض المدارس، والجامعات في المملكة، وتعتبر تلك بمثابة رد للزيارة التي قام بها طلاب تلك الجامعات والكليات للجامعة في العالم الماضي.

* زار الجامعة الإسلامية سعادة الدكتور عبد الجليل حسن عميد كلية الدراسات الإسلامية في الجامعة الوطنية في ماليزيا وعضو رابطة العالم الإسلامي بمكة، وعضو المجلس التنفيذي لجمعية الجامعات الإسلامية، وقد اجتمع مع فضيلة الأمين العام للجامعة وقام بجولة على كليات الجامعة ومعاهدها، وقد أهديت له من الجامعة كتبا ونشرات.

* لقد تقرر أن تعقد الجلسة الأولى للمجلس التنفيذي لجمعية الجامعات الإسلامية يوم السبت 4 من ذي القعدة 1392هـ بمقر الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وقسم العلاقات العامة بالجامعة الإسلامية يستعد الآن ويضع الترتيبات اللازمة لهذا المجلس.

* زار الجامعة الإسلامية يوم أمس معالي الأستاذ عبد الرحمن السالم العتيقي. وزير المالية والنفط في دولة الكويت الشقيق وقد كان في كل استقباله فضيلة الأمين العام للجامعة الشيخ محمد العبودي في مكتبه ودار الحديث بينهما في الشئون الإسلامية العامة ثم قام الضيف بزيارة المكتبة العامة وبعض المنشآت في الجامعة، وقبيل مغادرته الجامعة قدمت له بعض الكتب هدية من الجامعة.

ص: 466

* من بداية شهر رمضان المبارك وصلت 17 بعثة باشر طلابها الدراسة في كافة المراحل بالجامعة وتمثل هذه البعثات البلدان التالية:

غيانا. تونس. الهند. يوغسلافيا. أوغندا. الكمرون. نيجيريا. أثيوبيا. السودان. سوريا. الأردن. لبنان. كينيا. السنغال. فولتا العليا. النيجر. تشاد. ولا تزال البعثات تصل تباعا.

* تلفت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أن معالي وزير التربية والتعليم في الجمهورية العربية اليمنية كتب بأن الشهادات الصادرة من جامعات ومدراس المملكة معترف بها من قبل وزارة التربية بالجمهورية العربية اليمنية وعلى رأسها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ومما تجدر إليه الإشارة أنه قد تخرج حتى الآن من كليات الجامعة الإسلامية المختلفة أكثر من 60 جامعيا يمنيا عادوا إلى اليمن ليساهموا في رفع مستوى بلادهم الثقافي. ولا يزال أكثر من 130 طالبا يمانيا يواصلون تعليمهم في الجامعة الإسلامية.

* زار الجامعة يوم أمس فضيلة الأستاذ أحمد صالح محايري مندوب دار الافتاء في سيراليون. وقد اجتمع مع فضيلة الأمين العام للجامعة الإسلامية الشيخ محمد بن ناصر العبودي. ويذكر أن الشيخ المحايري أحد خريجي الجامعة الإسلامية وقد تم نقله أخيرا إلى البرازيل بعد أن كان يعمل في الدعوة في سيراليون ونال الميدالية الذهبية للأخوة الإسلامية من رئيس جمهورية سيراليون على جهوده في الإرشاد والدعوة الإسلامية..

والغرض من اجتماعه بأمين عام الجامعة الاستفسار عن الجمعيات الإسلامية في البرازيل وعن كيفية العمل الإسلامي هناك حيث أن فضيلة الأمين العام سبق أن مثل المملكة العربية السعودية في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في البرازيل. نسأل الله له مزيدا من التوفيق والسداد.

ص: 467

* وصل إلى المدينة المنورة سماحة رئيس الجامعة الإسلامية الشيخ عبد العزيز بن باز قادما من الرياض، يرافقه مدير الامتحانات بالجامعة، وأمين المكتبة العامة، ومن المقرر أن يغادر سماحته المدينة إلى مكة المكرمة لحضور اجتماعات الرابطة يوم الجمعة 11 شوال.

* استأنفت الدراسة في كافة المراحل التعليمية في الجامعة الإسلامية يوم الثلاثاء الموافق 8/10/1392هـ، وقد وصل معظم الطلاب الذين قضوا العيد بين أهلهم وذويهم خارج المملكة مع بداية الدراسة.

* قام بزيارة الجامعة الإسلامية كل من:

الدكتور توفيق محمد الشاوي المستشار القانوني بوزارة البترول والثروة المعدنية، والأستاذ غازي توفيق مساعد مدير إدارة الميزانية بوزارة المالية وقد اجتمعا بفضيلة الأمين العام للجامعة، واطلعا على منشئات الجامعة، وأقسامها.

سبق أن أمر سماحة رئيس الجامعة الإسلامية الشيخ عبد العزيز بن باز بإقامة حفل غداء في يومي عيد الفطر، وعيد الأضحى للطلاب المبتعثين والمقيمين في الجامعة وقد أسند إلى المشرفين.. الاجتماعي والرياضي.. القيام بهذه الرحلة والإعداد لها والهدف من هذه الرحلة وفي مثل هذه الأيام.. اجتماع الطلاب ليتم لهم الفرح والسرور بدلا من أن ينزوي كل منهم في حجرته الخاصة.. لأن هذا يورث الكثير منهم عدم الطمأنينة في يوم يعتبر سرور للمسلمين.

وقد أعلن في يوم 28 رمضان عن هذه الرحلة وطلب من الذين يرغبون الاشتراك المبادرة إلى مكتب الإشراف لتسجيل أسمائهم. وقد أعدت السيارات والأدوات وتمت الرحلة صباح يوم العيد 1/10/92 إلى أحد البساتين في ضاحية من ضواحي المدينة. وقد وزع الطلاب على مجموعات كل مجموعة مسئولة عن الشيء المكلفة به.

وقد نظمت المسابقات.. وكذلك السباحة.. والمساجلات.. والكلمات.. وكان اليوم سعيدا قضى فيه الطلاب وقتا ممتعا.

وقد عاد الجميع إلى مقر الجامعة قبيل المغرب.

ص: 468

* قام يوم أمس الأول بزيارة الجامعة الإسلامية سعادة قمر الزمان شاه مبعوث الرئيس الباكستاني ذو الفقار علي بهوتو لدول أمريكا وكندا، وقد اجتمع سعادته مع سماحة رئيس الجامعة والأمين العام بها، وقد تجول في كافة أقسام الجامعة يرافقه مدير العلاقات العامة، وفي ختام الزيارة قدمت له الجامعة بعض الكتب هدية لسعادته.

* كما قام يوم أمس سعادة سفير ماليزيا في جدة السيد ثان سرى وأتو شيخ أحمد بن محمد هاشم بزيارة للجامعة الإسلامية للتباحث مع المسئولين فيها حول زيادة المنح المخصصة لماليزيا وأخذ تقرير عن سير الطلبة الماليزيين بالجامعة.

* وقد اجتمع سعادته بفضيلة الأمس العام للجامعة الشيخ محمد بن ناصر العبودي وقد دام الاجتماع حوالي الساعة، وبعد ذلك اجتمع سعادته بطلاب ماليزيا الذين يتلقون تعليمهم في كافة المراحل بالجامعة، ثم زار كلية الشريعة والمكتبة العامة يصحبه مدير العلاقات العامة الأستاذ أحمد عبد الحميد عباس، وقد لوحظ من خلال مناقشة حرصه الشديد على إرسال العديد من الطلبة، وحثهم على المواصلة، والاستمرار ليعودوا إلى بلادهم في أسرع فرصة، وقدمت الجامعة له كتبا باللغة الإنجليزية كصحيح البخاري وترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية.

* وقد رافق الضيف سكرتير بالسفار الماليزية في جدة ومترجم، وقد نزل الجميع ضيوفا على الجامعة الإسلامية، والجامعة إذ تشكر سعادته على حرصه واهتمامه بأمور الطلاب تسأل الله أن يأخذ بأيدي الجميع لما فيه صالح الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

ص: 469

يستفتونك

يتولى الرد على أسئلة القراء سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية

السؤال رقم (1) من الأخ م. ع.ع هل لعصبة القتيل أن يحلفوا يمين القسامة.

والجواب: الأرجح هو تحليف العصبة المكلفين ولو كانوا غير وارثين كما هو ظاهر حديث القسامة، وهو مذهب جماعة من أهل العلم وهو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله اختارها جمع من أصحابه منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ودليل هذا القول ظاهر كما لا يخفى، ويؤيد ذلك أن هذا القول أردع للمجرمين وأشفى لقلوب أولياء القتيل وأبرأ للذمة وأحوط في الدين.

السؤال رقم (2) من الأخ ع. ح.ج

كنت أقود سيارة فصادفت في طريقي سيارة سائرة في الطريق المعد لسيري فنبهت قائدها بالمنبه وبالنور فلم ينتبه واتضح لي أنه نائم فاضطررت إلى الخروج عن الطريق عن الطريق فانقلبت سيارتي وتوفي عليَ إثر ذلك والدي وابنة عمي هل تجب على الكفارة.

والجواب: الذي يظهر لي من الشرع المطهر عدم وجوب الكفارة عليك إذا كان الذي حملك على الخروج من الطريق هو قصد إنقاذ نفسك وإنقاذ الركاب من خطر السيارة المقبلة الذي هو أكبر من خطر الخروج، إما إرثك من والدك فذلك راجع إلى المحكمة إن نازعك الورثة.

السؤال رقم (3) من الأخ م. ح.:

نرجو الإفادة عن رجل أرضعته جدته أم أبيه بعد انقطاع الحمل والولادة عنها بثمان سنوات فدرت عليه وهل يعتبر الرضاع المذكور وهل تحرم عليه به بنات عمته أخت أبيه لأب التي هي من امرأة غير جدته المذكورة.

ص: 470

والجواب: إذا كانت درت عليه لبنا وكان الرضاع المذكور شرعيا وهو خمس رضعات حال كون الرضيع في الحولين وصفة الرضعة الواحدة هي أن يمسك الرضيع الثدي ويمتص اللبن ثم يتركه فإذا عاد وأمسكه ثانية وامتص البن وتركه صارت رضعة ثانية وهكذا حتى يكمل الخمس فإن الرجل المذكور قد صار أخا لأولاد جدته المذكورة من جده وغيره من أزواجها وأخا لأولاد جده من جدته المذكورة وغيرها من زوجاته وبذلك فإنه لا يحل له الزواج ببنات عمته المذكورة لأنه صار بهذا الرضاع خالا لهن من الرضاعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب".

السؤال رقم (4) من الأخ ز. م.ش.:

نسأل عن شخصين اشتريا أرضا وعمراها من مدة عشرين سنة وبعد أن هدما بيوتهما رأى أحدهما أن الآخر عنده زيادة مترين وطالبه بحقه من الزيادة.

والجواب: مثل هذه الدعوى لا تسمع لمضي هذا الوقت الطويل عليها الدال على رضاهما بالقسمة ولأن الأرض تختلف في الرغبة والرهبة فقد تكون التي زيد فيها أقل رغبة من الأخرى وبكل حال فهذه الدعوى لا وجه لها ولا ينبغي النظر فيها فيما أعلم من قواعد الشرع المطهر.

السؤال رقم (5) من الأخ ع. م.س:

أفيدكم أن لي ابنة عمة تبلغ من العمر أربعين عاما وأنها مصابة بمرض الربو مع ضيق في التنفس ونزيف أيضا من العادة، وأنها إذا صامت تكلفت كثيرا حتى تشرف على الموت من شدة الألم وأنها لو أفطرت في رمضان لا تستطيع القضاء لملازمة المرض لها نطلب الفتوى.

والجواب: إذا كان الواقع ما ذكرتم فلا بأس من إفطارها وعليها إطعام مسكين عن كل يوم ولا قضاء عليها إذا قرر الأطباء أن هذا المرض لا يرجى برؤه أما إن كان يرجى شفاؤه فلا بأس بإفطارها وليس عليها إطعام ومتى شفاها الله قضت ما عليها.

السؤال رقم (6) من الأخ س. ع:

ص: 471

ما هو القول الراجح فيما يتعلق بالأغصان والعروق التي تمتد من ملك شخص إلى ملك جاره وما يترتب على ذلك من الضرر، وما هي درجة الحديث الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قلع نخلة الشخص الذي أبى أن يقبل المعاوضة لما كان فيها ضرر على أخيه صاحب البستان.

والجواب: قد تأملت المسألة المذكورة ورأيت صاحب الإنصاف ذكر فيها وجهين وذكر غيره قولين في المسألة أحدهما أن المالك لا يجبر على إزالتها والثاني يجبر فإن امتنع ضمن ما ترتب عليها من الضرر فاتضح لي أن القول الثاني أرجح من وجوه.

الأول: أن ذلك هو مقتضى الأدلة الشرعية مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" وما جاء في معناه، الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره" ولا شك أن العروق والأغصان المضرة بالجار داخلة في الأذى المنهي عنه فالواجب منع الجار من ذلك. الثالث: أن عدم الإجبار يفضي إلى استمرار النزاع والخصومة وربما أفضى إلى ما هو أشد من ذلك من المضاربة وما هو أشد منها، فالواجب حسم ذلك والقضاء عليه وقد دلت الأدلة الشرعية التي يتعذر أو يتعسر إحصاؤها على وجوب سد الذرائع المفضية إلى الفساد والنزاع والخصومة أو ما هو أشد من ذلك.

أما حديث صاحب النخلة فقد خرجه أبو داود من حديث محمد بن علي بن الحسين عن سمرة بن جندب وفي إسناده نظر لأن محمد بن علي لا يعلم سماعه من سمرة بل الظاهر أنه لم يسمع منه كما نبه على ذلك الحافظ المنذري في مختصر السنن لكن ذكر الحافظ بن رجب في شرح الأربعين في الكلام على الحديث الثاني والثلاثين شواهد لهذا الحديث وهي كلها مع الحديث الذي ذكرنا في الوجه الأول تدل على ترجيح القول الذي ذكرنا وهو إلزام المالك بإزالة ما حصل به الضرر من عروق أو أغصان فإن لم يزل الضرر إلا بقلع الشجرة قلعت جبرا عليه حسما لمادة الضرر والنزاع ورعاية لحق الجوار.

ص: 472

السؤال رقم (7) من الأخ ع. ح.ع

هناك مزرعة موقوفة على تفطير الصوام في أحد المساجد ولا يخفى أن الناس في هذا العصر ليسوا في حاجة إلى ذلك فما هي الجهة التي يمكن أن تصرف غلة الوقف المذكور عليها.

والجواب: إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فالواجب صرف غلة الوقف في فقراء البلد لأن مقصود الواقف نفع الفقراء ومواساتهم في أيام رمضان المبارك فإذا لم يوجدوا في المسجد وجب صرفها لهم في بيوتهم في شهر رمضان ليستعينوا بذلك على الصيام والقيام وليحصل النفع للواقف بأجراء الصدقة المذكورة لمستحقيها والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 473

من أعلام المحدثين

أبو خيثمة زهير بن حرب

للشيخ عبد المحسن العباد المدرس في كلية الشريعة بالجامعة

نسبه:

هو زهير بن حرب بن شداد هكذا نسبه الخطيب في تاريخه وابن حجر في تهذيب التهذيب وتقريبه والخزرجي في الخلاصة وابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين، وقال الخطيب في تاريخه: كان جده أشتال فعرب وجعل شدادا.

كنيته:

يكنى أبا خيثمة بفتح المعجمة وإسكان المثناة تحت وبعدها مثلثة هكذا ضبط كنيته النووي في شرحه أول حديث في صحيح مسلم ويوافقه في هذه الكنية، وفي الاسم أيضا أبو خيثمة زهير بن معاوية الكوفي من رجال الكتب الستة إلا أنه قلبه في الطبقة فولادته سنة مائة ووفاته سنة أربع وسبعين مائه.

نسبته:

يقال له النسائي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان. قال البخاري في التاريخ الكبير: أصله من نسامات ببغداد. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: النسائي نزيل بغداد: ويقال له الحرشي بفتح المهملين بعدهما معجمة هكذا نسبه وضبط نسبتة الخزرجي في الخلاصة وعقبها بقوله: مولاهم، ونسبه هذه النسبة الحافظ في تهذيب التهذيب وقال مولى بن الحريش بن كعب، ونسبه ابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين. فقال الشامي: ولم أر هذه النسبة في غيره والظاهر أنه خطأ.

ممن روى عنهم:

روى أبو خيثمة عن كثير من الأئمة فروى عن جرير بن عبد الحميد ويعقوب بن إبراهيم بن سعد ومحمد ابن فضيل ووكيع وسفيان بن عيينة وإسماعيل بن علية ويزيد بن هارون وعمرو بن يونس ويحي بن سعيد القطان وأبي الوليد الطيالسي وعفان بن مسلم وعبد الله بن نمير وروح بن عبادة وأبي معاوية وعبد الله بم إدريس وهشيم بن بشير ومعن ابن عيسى وزيد بن الحباب وعبد الرزاق وغيرهم.

ممن رووا عنه:

ص: 474

روى عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما وأبو داود وابن ماجه في سننهما وابنه أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وبقي بن مخلد وإبراهيم الحربي وموسى بن هارون وابن أبي الدنيا ويعقوب بن شيبة وأبو يعلى الموصلي وعباس الدوري وغيرهم.

من خرج حديثه:

خرج حديثه البخاري ومسلم في صحيحيهما وأبو داود وابن ماجه في سننهما كل منهم روى عنه مباشرة وخرج حديثه النسائي في سننه بواسطة أحمد بن علي بن سعيد المروزي وقد أكثر الإمام مسلم من رواية حديثه في صحيحه إذ بلغ عدد ما رواه عنه فيه ألفا ومائتين وواحدا وثمانين حديثا كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب وقال في التقريب: روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث انتهى وقد افتتح مسلم صحيحه بالرواية عنه إذ روى عنه أول حديث في كتاب الإيمان من صحيحه وهو أول كتب الصحيح.

ثناء الأئمة عليه:

ص: 475

اتفق الأئمة على توثيقه والثناء عليه ولم يذكروه إلا بخير قال فيه ابن معين: ثقة، وقال أيضا: يكفي قبيلة، وقال أبو حاتم الرازي: صدوق، وقال يعقوب بن شيبة: هو أثبت من أبي بكر بن أبي شيبة، وقال الفريابي: سألت ابن نمير عن أبي خيثمة وأبي بكر بن أبي شيبة أيهما أحب إليك أبو خيثمة أو أبو بكر فقال: أبو خيثمة وجعل يطربه، وقال الآجري: قلت لأبي داود: كان أبو خيثمة حجة في الرجال؟ قال: ما كان أحسن حديثه، وقال الحسين بن فهم: ثقة ثبت، وقال أبو بكر الخطيب في تاريخه: كان ثقة ثبتاً، وقال ابن وضاح: ثقة من البغوي: كتبت عنه، وقال ابن قانع: كان ثقة ثبتاً، وقال ابن وضاح: ثقة من الثقات لقيته ببغداد، وقال الذهبي في العبر: الإمام الحافظ رحل وكتب الكثير عن هشيم وطبقته وصنف وقال في تذكرة الحفاظ: الحافظ الكبير محدث بغداد، وقال الحافظ في التقريب: ثقة ثبت، وقال ابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين: كان متقنا ضابطا، ً وقال ابن ناصر الدين كما في شذرات الذهب لابن العماد: ثقة، وقال ابن حبان في الثقات: كان متقنا ضابطا من أقران أحمد ويحي بن معين.

آثاره:

قال الذهبي في العبر: رحل وكتب الكثير وصنف وقال في أول كتابه الميزان وقد ألف الحفاظ مصنفات جمة في الجرح والتعديل ما بين اختصار وتطويل ثم ذكر أن أول من جمع كلامه في ذلك يحي ابن سعيد القطان وتكلم في ذلك بعده تلامذته وسمى فيهم أبا خيثمة، ومن مؤلفاته المسند ذكره الكتاني في الرسالة المستطرفة ص63 ومنها كتاب العلم ويوجد منه نسختان مخطوطتان في المكتبة الظاهرية بدمشق إحداهما في المجموع رقم 94 والثانية في المجموع رقم 120 وقد طبع في المطبعة العمومية بدمشق بتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني.

وفاته:

ص: 476

توفي الإمام أبو خيثمة سنة أربع وثلاثين ومائتين أرخ وفاته في هذه السنة الإمام البخاري في التاريخ الكبير وابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين والذهبي في التذكرة وفي العبر والخطيب في تاريخه نقله عن ابنه أبي بكر وعن مطين وعبيد ابن محمد خلف البزار، والحافظ في تقريب التهذيب، وابن كثير في البداية والنهاية، وابن العماد في شذرات، الذهب واتفقت الأقوال على أنه مات في هذه السنة إلا قولا ذكره الخطيب في تاريخه عن أبي غالب علي بن أحمد بن النصر وقال الخطيب: هذا وهم، وكانت وفاته في بغداد ذكره البخاري في التاريخ الكبير والذهبي في العبر، وقد ذكر البخاري في التاريخ وابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين أن وفاته في شهر ربيع الآخر، ونقل الخطيب عن أبيه أبي بكر أنه قال: ولد أبي زهير بن حرب سنة ستين ومائة، ومات ليلة الخميس لسبع ليال خلون من شعبان سنة أربع وثلاثين ومائتين في خلافة جعفر المتوكل وهو ابن أربع وسبعين سنة وكذا ذكر الذهبي في العبر أن وفاته في شعبان وأظهر القولين في تعيين الشهر الذي مات فيه ما قاله ابنه لكونه أخص به وأدرى من غيره في ذلك، وقد ذكر مدة عمره وأنها أربع وسبعون سنة سوى ابنه ابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين والذهبي في التذكرة وفي العبر والحافظ ابن حجر في التقريب.

ممن ترجم له:

1-

الذهبي في العبر 1/416، وتذكرة الحفاظ 2/34.

2-

وابن حجر في تهذيب التهذيب 3/342، والتقريب 1/264.

3-

والخزرجي في الخلاصة 104.

4-

والخطيب في تاريخ بغداد 8/482.

5-

وابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين 153.

6-

والبخاري في التاريخ الكبير 1/2-392.

7-

وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/1-591.

8-

وابن العماد في شذرات الذهب 2/80.

سل ابنك..

ص: 477

جاء رجل إلى الأعمش فقال: يا أبا محمد هذا ابني، إن من علمه القرآن، إن من علمه بالفرائض، إن من علمه بالشعر.. إن من علمه بالنحو، إن من علمه بالفقه.. والأعمش ساكت.. ثم سأل الأعمش عن شيء، فقال سل ابنك.

ص: 478

أتوعِد سنات الرسول بمَحوها

شعر الدكتور محمد تقي الدين الهلالي

المدرس في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة

وقلت في أحد الرؤساء من أهل المغرب كان يحارب توحيد الله واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وغره منصبه فأخذ يبعث الجواسيس ليحضروا دروسي وجمعني معه مجلس فأراد أن يوبخني ويهددني فأغلظت له القول ولم أعبأ بتهديده فكاد لي ولجماعتي السلفيين الذين معي كيدا عظيما فرد الله كيده في نحره كما جاء في القصيدة. وكم حاول أعداء السنة إطفاء نور الله تعالى فأحبط الله أعمالهم وتفضل بالنصر على أنصار توحيد الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فله الحمد والشكر ونسأله أن يجعلنا منهم ويحيينا ويميتنا على الحنفية ملة إبراهيم والحمد لله رب العالمين.

وبرح بي شوق إلى ربة الخدر

لقد طال ليلي والجوى مالئ صدري

وليلي تسهاد إلى مطلع الفجر

أقضي نهاري دائم الفكر والأسى

ومهما أبح فالحب أفقدني صبري

وأكتم أسراري حذار من العدى

تذكرها قلبي يطير من الصدر

تذكرت أيام الوصال فكاد من

ومن فرط آلام الصبابة والهجر

فيا ويح قلبي ما يلاقي من الهوى

نعاب غراب للفؤاد عذابيري

وعاذلة جاءت بلوم كأنه

فكفى عن الإسفاف والمنطق الهجر

ولست بسال لو أطلت ملامتي

وأنفقت في حبي لها زهرة العمر

وكيف سلوى بعد ما شاب مفرقي

عديما من الجدوى فبالحب قد يغرى

ألم تعلمي أن الملام وأن غدا

على قدمي طورا وطورا على مهر

وطفت بلاد الله شرقاً ومغرباً

على جائبات الجو كالنجم إذ يسرى

وأنضيت بعرانا وحلقت في السما

ثبير يروع الحوت في لجة البحر

وطورا على فلك عظيم كأنه

وإن كنت في أهل كثير ذوي وفر

حليف اغتراب في ثواء ورحلة

ولكنه) في الدين والخلق والبر

ص: 479

(وما غربة الإنسان من شقة النوى

وطغيان أهل الكفر والفسق والغدر

إلى الله أشكو غربة الدين والهدى

يحرق أنيابا من الغيظ والكبر

وأرعن غمر جاء يرعد مبرقا

وعيدك تطنان الذباب على النهر

فقلت له شؤشؤ لك الويل إنما

ومهما دنت تردى وتهوى إلى القعر

وليس يضير النهر صوت ذبابة

تعرضت للتدمير ويلك والثبر

أتوعد سنات الرسول بمحوها

يعذب في الدنيا وفي فتنة القبر

ومن يقل سنات الرسول فإنه

وما من جواب عنده غير لا أدري

ويسأله فيه نكير ومنكر

يحارب دين الله في السر والجهر

وذي سنة الجبار في كل من غدا

وموقع أهل البغي في دارة الخسر

ألم تدر أن الله ناصر دينه

بكيد فرد الله كيده في النحر

وكم قد سعى ساع لإطفاء نوره

وناصر هذي خاسر أبد الدهر

وتنصر إشراكا وفسقا وبدعة

ومن يلعن المختار فهو إلى شر

دعا المصطفى قدما عليه بلعنة

كذلك أهل الارض في السهل والوعر

وتلعنه الأملاك من فوق سبعة

وأنت يمين الله أجهل من حمر

تحدد للوعاظ ما يدرسونه

كلاها) وحتى سامها كل ذي عسر

(لقد هزلت حتى بدا من هزالها

لتلفيق أخبار من المين والمكر

تدس جواسيسا لئاما بوعظهم

وفي الكيد والبهتان والختل والختر

لقد فقت الاستعمار في اللؤم والخنا

وتلك لعمرو الله قاصمة الظهر

حارب من يدعو لسنة أحمد

مدورة جوفا حذار من الكسر

فيا ناطح الطود المتين بهامة

وحافر بئر الغدر يسقط في البئر

وليس يحيق المكر إلا بأهله

على نفسه قد جر في ذلك الحفر

وكم حافر لحدا ليدفن غيره

وسادن قبرياء بالخزي والخسر

وكم مشرك طاغ تردى بشركه

أصيب بذاك السهم في ثغرة النحر

وكم رائش سهما ليصطاد غيره

حقير كفأر صال في غيبة الهر

ص: 480

هل أنت يا مغرور إلا معبد

من النسر والثعبان والباز والصقر

وقبرة أضحى لها الجو خاليا

ويسقيك كأس الحتف كالصاب والصبر

فلا تفرحن يوما سيأتيك صائد

وإن كنت تدري) زدت وزرا على وزر

(فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

ضعيف ولم يغلبك) كالساقط القدر

(وإن أنت لم يفخر عليك كفاخر

كأن أباها) من لؤي ومن فهر

(فيا عجبا حتى كليب تسبني

عدمتك إهمالا وذا ديدن الغمر

أتغتر بالإمهال تحسب أنه

أتت عن نبي الله ذي الفتح والنصر

وما نحن إلا خادمون لسنة

كخادمها من بعد ما صار في القبر

وخادم سنات الرسول حياته

وأنواره تبقى إلى الحشر والنشر

وما غاب إلا شخصه عن عيوننا

بخزي على خزي وقهر على قهر

فيا مبغضي هدى النبي ألا أبشروا

أبو جهل المقصوم في ملتقى بدر

سلكتم سبيلا قد قفاها إمامكم

كما لزم الإحراق للقابض الجمر

وعاقبة المتبوع حتم لتابع

فكم كذبت من قبلكم أمم الكفر

فإن أنتم كذبتم بوعيده

فصاروا أحاديث المقيمين والسفر

فصب عليهم ربهم سوط نقمة

عليهم) إليك الأمر في العسر واليسر

(فيارب هل إلا بك النصر يرتجى

وكادوا لها فاجعل لهم كيدهم يفري

قلوا سنة المختار يبغون محوها

قليل وقد يعلو القليل على الكثر

هم استضعفونا اليوم من أجل أننا

وأعداؤه للبغي من جهلها تجري

ولا سيما أن كاد لله قائما

لمن يقتدي بالمصطفى من ذوي الحجر

وإدراك إحدى الحسنين محقق

وخاذل أنصار النبي بذا العصر

ومن ظن أن الله مخلف وعده

عريض القفا بين الورى مظلم الفكر

فذاك غليظ الطبع أرعن جاهل

حياتهم هذى وفي موقف الحشر

تكفل بالنصر العلي لحزبه

ولكنه يخفى على الفدم والغمر

ص: 481

ففي غافر قد جاء ذلك واضحا

فهم أولياء الله في كل ما دهر

سلام على أنصار سنة أحمد

فرؤيتهم تشقى السقيم من الضر

إليهم أجوب البر والبحر قاصدا

عن الحق بالبرهان والبيض والسمر

هم حفظوا الدين الحنيف وناضلوا

بفعل وأقوال تلألأ كالدر

هم خلفوا المختار في نشر سنة

من الشرك والإلحاد والزيغ والمكر

هم جردوا التوحيد من كل نزعة

ولم يعبدوا قبرا بذبح ولا نذر

فلا قبة تبنى على قبر ميت

فذلك فعل المشركين ذوي الكفر

ولا بطواف أو بتقبيل تربة

مساجد خصت بالفضائل والأجر

ولا رحلوا يوما لغير ثلاثة

بغير إله الناس ذي الخلق والأمر

ولم يستغيثوا في الشدائد كلها

بنص كتاب الله والسنن الزهر

ولم يصفوا الرحمن إلا بما أتى

كما فعل المختار مع صحبة الغر

يقرون آيات الصفات جميعها

به فهم الفرسان في النظم والنشر

فلو كان في التأويل خير لبادروا

إذا ما) اجتمعنا في المجالس للفخر

(أولئك آبائي فجئني بمثلهم

فلم يبق من زيد لزيد ولا عمرو

وقد أكمل الرحمن من قبل دينه

وإتمام أنعام يجل عن الحصر

بمائدة قد جاء بالنص ختمه

يبدل دين الله بالحدس والحذر

وكم زائد في الدين أصبح ناقصا

فأفتى بتقليد فياله من غر

ومن ظن تقليد الأئمة منجيا

أضاف له جرما تجدد بالعذر

كمنتحل عذرا ليغفر ذنبه

وطالبه خلو من العلم والخير

ألا إنما التقليد جهل وظلمة

جرى خلف آل لاج في مهمة قفر

كطالب ورد بعدما شفه الظما

فإياك والتقليد فهو الذي يزري

فإن قمت بالإفتاء أو كنت قاضيا

عن الحدس والتخمين والسخف والهتر

وجرد سيوفا من براهين قد سمت

رياض حوت ما تشتهيه من الزهر

وطرفك سرح بالكتاب فإنه

ص: 482

فأنواره تسمو على الشمس والبدر

ومن بعده فاعلق بسنة أحمد

كما حلت الميتات أكلا لمضطر

ولا تحكمن بالرأي إلا ضرورة

أقيم فبادر للرجوع على الفور

ومهما بدا أن القضاء على خطا

كهشوا غدت في كافر حالك تسري

ومن يقض بالتقليد فهو على شفا

وفي النحل نص جاء في غاية الزجر

ومن يفت بالتقليد فهو قد افترى

وأما نصوص الوحي فهي التي تبري

لعمرك ما التقليد للجهل شافيا

صلاة تدوم الدهر طيبة النشر

وصل وسلم يا إله على النبي

مهفهفة غيدا عروسا من الشعر

فدونكما بكرا عروبا خريدة

وليس لها إلا القراءة من مهر يضئ ظلام الليل نور جمالها

وناصرها لا شك يظفر بالنصر

قصدت بها نصرا لسنة أحمد

وأختمها بالحمد لله والشكر

وعدتها تسعون من بعد خمسة

ص: 483

الحكم بقطع يد السارق في الشريعة الإسلامية

بقلم الدكتور: أحمد عبيد الكبيسي

مدرس الشريعة الإسلامية بجامعة بغداد

السرقة: من الجرائم التي توافرت النصوص من الكتاب والسنة على تجريم فعلها وتحديد العقوبة عليها تحديدا دقيقا، ليس لأحد الحق – إذا ما ثبت موجبها – أن يزيد فيها أو ينقص منها، أو يستبدل بها غيرها. ولهذه المعاني قال الفقهاء في تعريف الحد: عقوبة مقدرة حقا لله تعالى. [1]

حكمة تحديد عقوبة السرقة:

اتجهت الشريعة الإسلامية – في هذه الجريمة – إلى حماية الجماعة، وأهملت شأن المجرم. فشددت العقوبة عليه وجعلتها مقدرة محددة، من أجل القضاء على ما يتهدد الناس في أموالهم وما يتبع ذلك من إذلال وإرغام، فأحكم الشارع الحكيم وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجناية غاية الأحكام وشرعها على أكمل الوجوه، المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم مجاوزة ما يستحقه الجاني من العقاب. فلا بد أن يكون العقاب مكافئا للجريمة، ولا يتسنى تقدير ذلك إلا لله العليم الخبير.

ص: 484

ولو ترك تقدير العقوبة على السرقة إلى اجتهاد مجتهد، أو نظر حاكم، أو رأي جماعة، لأدى ذلك إلى تناقض لا تؤمن عاقبته، ولا يضمن معه تحقيق العدالة التي يجد الناس فيها أمانا من الظلم والقهر. فكان من رحمة الله – سبحانه وتعالى – أن تكفل هو بتقدير العقوبات على الخطير من الجرائم. وترك للناس تقدير غيرها من العقوبات: مما لا يترتب على تقديرها منهم أذى أو فساد. وفي هذا المعنى يقول ابن القيم [2] : " فلما تفاوتت مراتب الجنايات، ولم يكن بد من تفاوت مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وكلوا إلى عقولهم في معرفة ذلك وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنسا ووصفا وقدرا لذهبت بهم الآراء كل مذهب، وتشعبت بهم الطرق كل مشعب، ولعظم الاختلاف واشتد الخطب. فكفاهم أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين مؤونة ذلك، وأزال عنهم كلفته، وتولى بحكمته وعلمه وقدرته ورحمته تقديره نوعا وقدرا. ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة، وما يليق بها من النكال ".

حكمة الشدة في عقوبة السرقة:

من الواضح أن الشارع الحكيم لا حظ في عقوبة السرقة أن تكون شديدة قاسية [3] . إذ أن قطع يد السارق بربع دينار عقوبة شديدة تنخلع لها القلوب. وقد كان هذه الشدة مرتكزا للمغرضين – على مدى الأيام – في نيلهم من الشريعة الإسلامية. ومن حسنت نيته منهم: كان مرددا لأصداء ما يقال عنها، دون نظر سديد في موجبات هذه الشدة. والحكمة فيها واضحة جلية.

ص: 485

فإنه لما كان الإسلام معنيا بتوفير الحياة الكريمة والعيش المطمئن لكل الناس. كان لا بد من حماية الفضيلة بالقضاء على الرذيلة والفساد، وكل ما من شأنه أن يدنس واجهة الجماعة التي أراد لها الإسلام: أن تكون نقية ناصعة. والغاية السليمة تبرر الوسيلة الحازمة ولو كانت شديدة قاسية. لأن القسوة ليست شرا في كل أحوالها. فإن من لا يراعي مصلحة الآخرين، ليس له أن يطمع في أن تراعى مصلحته ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الشرع [4] . لأن في الرحمة بالجاني – حينئذ – قسوة على المجتمع. والعدل كل العدل في أن يعاقب من يستحق العذاب وليس أجدر بالعقاب، من ذلك النوع من المجرمين الذين تقتضي طبيعة جرائمهم أن تتم في الخفاء – كالسرقة – لما في خفائها من رهبة شديدة في نفوس الناس. وقد بين الله – سبحانه وتعالى – سببين للشدة، في عقوبة السرقة. فقال:{جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً} [5] .

معنى الجزاء

أما الجزاء فمعناه أن العقوبة مكافئة للجريمة مساوية لها، موافقة لآثارها: أي أن العقوبة: إنما هي على الجريمة بكل الآثار الناتجة عنها، والأضرار المترتبة عليها مما لا يقف عند حد أخذ المال المسروق. بل يتعدى ذلك إلى ما تحدثه السرقة من ترويع وإفزاع. وليس أدل على ذلك من حادثة سرقة واحدة، تقع في حي، أو قرية، نرى معها أي ذعر يعيش فيه الناس، لما أصبح معلوما: أن السارق لا يتورع عن اقتراف كل ما يخطر له في سبيل تحقيق مأربه. حتى أصبحت حوادث القتل لأجل السرقة من المألوف الشائع. فإن طبيعة السارق موسومة بالشراهة والنهم. وليس بين السارق وبين الناس إلا ما بين الذئب وفريسته. لا يهمه منها إلا نهشها من أي طرف.

فمن أجل هذه النتائج المفزعة، كانت الشدة في العقوبة. لأن الشارع بين أمرين: إما أن يردع الآثم، وإما أن يفزع الآمن، وليس من عدل الله ورحمته إلا ردع الآثم وزجره. بعقوبة تكافئ جرمه، نالها جزاء لذلك الجرم.

ص: 486

ولهذا السبب لم تقطع يد الغاصب والمنتهب والخائن - مع أن هذه الجرائم وقعت على مال الغير، كالسرقة – إلا أنه ليس فيها من الإفزاع ما في السرقة. لأنها تقع في العلن. وليس فيه من الرهبة والإذلال مثل ما في الخفاء. وفي ذلك يقول المازري [6] :

"صان الله الأموال. بإيجاب قطع سارقها. وخص السرقة. لقلة ما عداها بالنسبة إليها من الانتهاب والغضب. ولسهولة إقامة البينة على ما عدا السرقة، بخلافها. وشدد العقوبة فيها ليكون أبلغ في الزجر. ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع به حماية لليد. ثم لما خانت هانت"[7] .

ومما يدل على أن الله – سبحانه وتعالى – رتب العقوبة على ما تشيعه السرقة من خوف واضطراب، وليس على ذات المال المسروق: أن قطع اليد يعاقب به السارق إذا سرق ربع دينار. والسارق إذا سرق ألف دينار. ولو كان القطع على ذات الفعل، لتفاوتت العقوبة في هذا وذاك. وكما يقول العز بن عبد السلام [8] :"إن السرقتين: استويتا في المفسدتين"وما ذلك إلا بأثرهما على الجماعة. وإلا فإنه لا وجه لتساويهما كما هو ظاهر.

معنى النكال

وأما النكال فهو منع الغير من ارتكاب السرقة اعتبارا بما وقع للسارق المقطوعة يده من شدة وحزم. وقد جاء في اللسان – في كلمة نكل – قوله [9] : "نكل بفلان: إذا صنع به صنيعا يحذر منه غيره إذا رآه"ومنه قوله تعالى [10] : {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} أي عبرة. ولا عبرة أعظم من قطع اليد الذي يفضح صاحبه طول حياته ويسمه بميسم العار والخزي. ولا شك أن هذه العقوبة أجدر بمنع السرقة، وأجدى لتأمين الناس على أموالهم وأرواحهم [11] .

ص: 487

ولعل من أبسط نتائج هذا النكال: أن عقوبة السرقة – القطع – لم تطبق في خلال نحو قرنين من الزمن إلا في أيد أقل من القليل [12] .ولم يتحقق ذلك إلا بشدة العقاب. فكانت الشدة والقسوة سببا لصيانة الأيدي وطهارة النفوس وكلما أشتد العقاب، قوى المنع. وفي ذلك يقول ابن القيم [13] :"ومن المعلوم: أن عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلم يردعهم. ويجعل الجاني نكالا وعظة لمن يريد أن يفعل مثل فعله. وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته".

ويقول ابن عبد السلام: "من أمثلة الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحها على مفاسدها قطع يد السارق فإنه إفساد لها، ولكنه زاجر حافظ لجميع الأموال فقدمت مصلحة حفظ الأموال على مفسدة قطع يد السارق"[14] .

ومن هنا شاع الفساد وعمت الفوضى، عندما شاء الله لهذه الشريعة أن تحتجب بعض الوقت لحكمة يعلمها. فخلفتها القوانين الوضعية التي تجمع في باب واحد بين السرقة وقطع الطريق، وتتساهل في كلتا الحالتين إلى حد اعتبار السرقات المعتادة من قبيل الجنح البسيطة. ففتحوا على المجتمع أبواب شرور لا تتناهى فأصبحت جرائم السرقة في مجتمع الوضعيين، من الجرائم المسلم بوقوعها على كثرة تنذر بالخطر المروع، حتى فر الناس خوفا وذعرا من سكنى الأطراف، ولم يأمنوا مع ذلك – وهم في قلب المدينة الكبيرة – أما القرى النائية، والطرق العمومية، والمرتفعات الجبلية، فلا تسأل عما يبتلى به الناس من تسليط عتاة المجرمين المتمردين. لأنهم تحاقروا العقوبة على أخطر جريمة.

حكمة العقاب بقطع اليد:

كانت عقوبة السارق: قطع يده، دون غيرها من العقوبات. لأجل المناسبة بين الجريمة والعقوبة. وكان الشارع الحكيم قصد بذلك إلى إتلاف آلة الجريمة.

ص: 488

وكما يقول ابن القيم [15] : "أما القطع فجعله عقوبة السارق. فكانت عقوبة به أبلغ وأردع من عقوبة الجلد. ولم تبلغ جنايته حد العقوبة بالقتل. فكان أليق العقوبات به: إبانة العضو الذي جعله وسيلة إلى أذى الناس وأخذ أموالهم"ويقول: "ثم هو مستعد للهرب والخلاص بنفسه إذا أخذ الشيء. واليدان للإنسان كالجناحين للطائر في إعانته على الطيران"ولهذا يقال: "وصلت جناح فلان إذا رأيته يسير منفردا فانضممت إليه لتصحبه. فعوقب السارق بقطع يده قصا لجناحه وتسهيلا لأخذه إن عاود السرقة".

ونجاري ابن القيم في طريقته في التحليل، فنقول: إن السارق – عادة لا يطلب من جريمته غير المال. إما ما ينتج عن السرقة من قتل أو اغتصاب فإنما هو تابع لا مقصود. ولهذا الاعتبار جاءت العقوبة: قطع اليد. للقضاء على هذا الدفاع في نفسه. لأن قطع اليد يؤدي – غالبا- إلى نقص الرزق وقلة الكسب. فتكون الشريعة الإسلامية قد دفعت العامل النفسي عند السارق، بعامل نفسي مضاد. وقد يرد على هذا: لزوم قطع آلة الزنا والقذف، وليس هو حكم الشريعة.

فنقول: إن هذا الإيراد مدفوع بأن فيه إسرافا وتجاوزا ونكوصا عن أهداف العقوبة المرسومة. إذ ليس من مقصود الشارع من العقوبة مجرد الأمن من عدم المعاودة وإلا لقتل السارق. وإنما المقصود الزجر والنكال وأن يكون إلى كف عدوانه أقرب، ولم تقطع آلة الزنا. لأن الزاني يزني بجميع بدنه. والتلذذ بقضاء شهوته يعم البدن كله. فعوقب بما يعم جميع بدنه من الجلد والرجم.

وفي ذلك يقول النسفي [16] : "وقطعت اليد لأنها آلة السرقة. ولم تقطع آلة الزنا تفاديا من قطع النسل".

ص: 489

وزاد القرطبي على هذا الذي ذكره النسفي سببين آخرين [17] . "الأول: للسارق مثل يده التي قطعت. فإن انزجر بها اعتاض بالثانية وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه. الثاني: أن الحد زجر للمحدود وغيره. وقطع اليد في السرقة ظاهر. وقطع الذكر في الزنا باطن".

لا سلطة لغير الشارع في تكييف عقوبة السرقة

قلنا إن عقوبة السرقة تثبت بالنص. فلا يجوز تغييرها، أو تبديلها، أو إسقاطها، وليس للزمان، أو المكان أثر في ذلك.

رأي المجوزين

إلا أن بعض الباحثين [18]، ذهبوا: إلى جواز إلغاء عقوبة السرقة أو تبديلها بعقوبة أخرى، تبعا لتغير الأزمان والأحوال. وعلى هذا فإن لولي الأمر، الحق في تكييف عقوبة السرقة حسب الظروف والمقتضيات.

وهؤلاء الباحثون – ومن وافقهم – على اصل: جواز تغيير الأحكام المنصوص عليها إذا دعت إلى تغييرها مصلحة، يقرها اجتهاد. حتى ولو تعارض ذلك مع نصوص الكتاب والسنة. وقد استدلوا على ذلك ببعض ما لا تقوم لهم به حجة. وبشيء من النظر الخاص كما يظهر ذلك من نصوصهم التالية:

يقول بعض الكاتبين [19] : "إن العمل بمبدأ تغير الأحكام بتغير الأزمان تؤيده الأصول المتفق عليها، وهي: أن التشريع لا يكون حكيما عادلا إلا إذا كانت أحكامه ملائمة من شرع لهم متفقة ومصالحهم، وما تقتضيه بيئتهم. وأن التشريع الذي تلائم أحكامه أمة، ويتفق ومصالحها. قد لا تلائم أحكامه أمة أخرى، ويعارض مصالحها. بل أحكام التشريع الواحد قد تكون ملائمة للأمة ومتفقة ومصالحها في حين غير ملائمة لها ولا متفقة ومصالحها في حين آخر ثم يستطرد قائلا: "وهذه أصول تكاد تكون بديهية غير مفتقرة إلى برهان. وأصدق شاهد لها: نسخ بعض الأحكام الشرعية ببعض في التشريع"

ص: 490

ويستشهد هذا الكاتب بابن القيم فيقول: "ولقد كتب في ذلك العلامة ابن القيم الجوزية في كتابه – إعلام الموقعين – فصولا ممتعة. وقال – تحت عنوان، فصل في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد -: "هذا فصل عظيم النفع جدا، وقع بسببه غلط عظيم على الشريعة الإسلامية، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم: أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح، لا تأتي به. فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم، ومصالح العباد في المعاش والمعاد. وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث. فليست من الشريعة، وإن دخلت فيها بالتأويل".

ويقول كاتب آخر [20] : "ولم يقطع عمر يد سارق أو سارقة في عام المجاعة. لأنه رأى أن هذه السرقة كانت لحفظ الحياة. وحفظ الحياة مقدم على حفظ المال. هذا، مع أن آية حد السرقة صريحة في الأمر بقطع يد السارق والسارقة دون قيد".

ونقف قليلا عند قول هذا الكاتب: دون قيد. لنقول له: لا. إن الآية صريحة في قطع يد السارق. ولكن بقيد، وهو النصاب والحرز وغيرهما من القيود التي جاءت بها السنة المطهرة والتي خصصت عموم الآية. ومن القيود – أيضا -: أن لا تكون السرقة لضرورة حفظ الحياة لأن المضطر مأذون بالأخذ فلا يكون سارقا. وإذا لم يكن سارقا، فكيف يقطعه عمر؟

ص: 491

وقول كاتب ثالث [21] : "إذا استعرضنا ما قدمنا من الفروع المأثورة في رعاية المصلحة، وجدنا منها ما اعتبرت فيه المصلحة مع معارضتها للكتاب أو السنة أو القياس. فمن الأول: إسقاط عمر سهم المؤلفة قلوبهم. وذلك معرض لقوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} ومنه إسقاط حد السرقة عام المجاعة محافظة على الأنفس. وذلك معارض لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} .

ويقول أحد هؤلاء [22]- أيضا -: "وكان في مقدمة من فتح هذا الباب للمجتهدين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وذلك في حوادث متعددة. ومن هذا القبيل: اجتهاد عمر – رضي الله عنه – عام المجاعة في وقف تنفيذ حد السرقة على السارقين، وهو قطع اليد. واكتفاؤه بتعزير السارق عن قطع يده. معتبرا: أن السرقة ربما كان يندفع إليها السارقون – حينذاك – بدافع الضرورة، لا بدافع الإجرام. وفي هذا كما ترى تغيير لحكم السرقة – الثابت بنص القرآن. عملا بتغيير الظروف التي أحاطت بالسرقة".

جواز إسقاط الأحكام

وخلاصة الأمر: فإن هؤلاء يستدلون على جواز إسقاط الأحكام أو تغيرها بما يلي:

1-

بالنسخ الواقع في الشريعة الإسلامية. فإنه تغيير للحكم.

2-

بالإجماع على إسقاط حق المؤلفة قلوبهم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

3-

برأي ابن القيم في جواز تغير الفتوى بتغير الظروف.

4-

بفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إسقاط عقوبة السرقة عام المجاعة.

ونتكلم عن هذه الأدلة فنقول:

استدلالهم بالنسخ

ص: 492

أولا: إن أخذهم بوقوع النسخ كدليل على جواز تغيير الأحكام المنصوص عليها غير مسلم. فإن وقوع النسخ في القرآن، لا يدل من قريب، أو بعيد على صحة دعواهم، لأن النسخ – كما هو عند الأصوليين – رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنه. فشرط جواز نسخ الحكم الشرعي: أن يكون ناسخة حكما شرعيا مثله متأخرا عنه. والحكم الشرعي الذي يجوز النسخ به، هو ما جاء في كتاب، أو سنة. ولا يجوز النسخ بغيرهما. فلا ينسخه القياس. لأن شرط القياس: التعدي إلى فرع لا نص فيه. كما لا ينسخه الإجماع. لأنه إن كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فناسخه السنة وليس الإجماع وإن كان بعد وفاته فلا نسخ حينئذ لأن الأحكام صارت مؤبدة بانقطاع الوحي [23] على أن من الفقهاء من لا يجيز نسخ الكتاب بالسنة فضلا عن عدم جواز نسخها بالإجماع استدلالا بقوله تعالى [24] : {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} على خلاف في ذلك نجده مبسوطا في كتب الأصول.

وهكذا نرى: أنه لا حجة في وقوع النسخ في الشريعة الإسلامية على دعواهم: جواز تغيير الأحكام وإسقاطها. لأن التغيير والإسقاط من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم – لا يتوفر له نص شرعي يجوزه. والتغيير والإسقاط بغير نص شرعي ممنوع.

ثانيا: أما استدلالهم بالإجماع الواقع في زمن عمر – رضي الله عنه – على إسقاط نصيب المؤلفة قلوبهم. فلا حجة لهم به – أيضا – لأن عمر – رضي الله عنه – لم يسقط حكما ولم يعطل نصا. فإن عدم تطبيق النص، أو عدم تنفيذه لا يلزم منه إسقاطه أو تغييره وإنما كان ذلك لانعدام محله، وعدم موجبه.

ص: 493

فإن الله – سبحانه وتعالى – أمر بجلد الزاني، وقد لا ينفذ هذا الحكم مرة واحدة. لعدم وجود الزاني، ولا يصح مع ذلك القول: بأن حكما قد سقط، أو نصا قد عطل. وهكذا: في مسألة المؤلفة قلوبهم. فإنه لا نصيب للمؤلفة قلوبهم عند عدم وجود فريق من الناس يطلق عليهم هذا الاسم. فلا محل – والحالة هذه – لنصيبهم الذي نصت عليه الآية، ولا فرق بينهم وبين ابن السبيل مثلا في احتمال عدم وجوده وعند عدم وجوده. لا يتعلق به حكم كما هو معرف. وكذلك الغارم والعامل وغيرهما. وهذا هو ما وقع في زمن عمر –رضي الله عنه فإن المؤلفة قلوبهم. لا يوجدون إلا إذا تألفهم الإسلام. وهو لا يتألفهم إلا إذا كان بحاجة إلى ذلك. فإذا انتفت الحاجة، لم يعد هناك من يتأليفه. فرأى أمير المؤمنين: انتفاء الحاجة إلى تآلف قلوب الأعداء بعد أن أصبح الإسلام ذا قوة وشوكة. فإعطاء المؤلفة قلوبهم –حينئذ- اعتراف غير صحيح بحاجة الإسلام إلى كف شر هؤلاء عن الإسلام الذي لم يعد بحاجة إلى ذلك.

وعمر –نفسه- لا يخالف في وجوب دفع أنصبتهم لو دعت الحاجة إليه، أو كان أمر الدولة الإسلامية في حال لا يستقيم معه أمرها إلا بذلك. ففعل عمر ليس اجتهادا أدى إلى تعطيل النص أو إسقاطه. وإنما هو اجتهاد في تحقيق مناط الحكم. ومعلوم أن الاجتهاد المتعلق بتحقيق مناط الحكم لا علاقة له بأمر النص. وإنما هو استجلاء لحقائق الأشياء، وإدراكها على ما هي عليه. لتعلق حكم شرعي بها. كاستجلاء حقيقة البلوغ في الصبي [25] .

وفعل عمر رضي الله عنه إنما هو تطبيق لموجبات النص، واعتبار لعلته، لأن إعطاء المؤلفة قلوبهم: معلل بحاجة الدعوة الإسلامية لذلك. وعندما يشتد ساعد المسلمين وتنعدم حاجتهم إلى تآلف قلوب الأعداء حينئذ تنتفي الحاجة إلى شراء تأييد هؤلاء وكف شرهم بالمال. لأن للمسلمين أكثر من وسيلة لكف الأذى عن أنفسهم وعقيدتهم.

ص: 494

ومن أجل هذا يقول الأصوليون: إن حكم عمر هذا الذي وافق إجماع المسلمين هو من قبيل: انتهاء الحكم. لانتهاء العلة [26] . وليس نسخا للحكم. لأن الإجماع لا ينسخ النص بل إن الجمهور على أن الإجماع ينسخ الإجماع. فما بالك بالنص [27] .

استدلالهم بقول ابن القيم

ثالثا: إما استشهادهم بما قاله ابن القيم، فليس له أساس إلا سوء الفهم. فمع التسليم بكل ما جاء على لسان ابن القيم جملة وتفصيلا. فإنا لا نسلم بفهم الكاتب –المشار إليه- لما قاله ابن القيم. ذاك أنه اقتطع بعضا من كلامه، الذي لا يستقيم معناه إلا بضم بعض أجزائه إلى بعض.

ففي مسألة [28] : (المصلحة أصل الأحكام في الشريعة) استعراض ابن القيم بعض المسائل التي قد يتوهم: أن فيها معارضة للنص، أو تغييرا للحكم، وإسقاطا للعقوبة، تبعا لاختلاف الفتوى فيها، واختلاف فقهاء الصحابة في كيفية تطبيق النصوص عليها. فأوضح الخفاء في وجوه تلك المسائل، وبين: أن ما تظنه بعض الإفهام تناقضا، ليس هو كذلك في الواقع. وما تتوهمه إسقاطا، أو تصرفا في نص، إنما هو في دقة تنفيذه في الحقيقة.

وقد ضرب ابن القيم لذلك بعض الشواهد، فوفق بين قوله –عليه الصلاة والسلام:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده"وبين قوله: "من رأى من أميره ما يكره فليصبر، ولا ينزعن يدا من طاعة".

وبين ابن القيم وجه تعطيل الحد في السفر (حين أتى برجل من الغزاة قد سرق فلم يقطعه بسر بن أرطأة [29] ) ويرى ابن القيم أن ذلك لم يكن تعطيلا للحد، أو تغييرا للحكم، أو إسقاطا للعقوبة. كما قد يتوهم المتوهمون.. وإنما كان ذلك تطبيقا للنص من بعض وجوهه. فقد نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم:"أن تقطع الأيدي في السفر والغزو، خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تأخيره. بأن يلحق صاحبه بالمشركين".

ص: 495

ثم ذكر ابن القيم، قصة أبي محجن [30] : حين شرب الخمر يوم القادسية، فلما أبلى في القتال بلاء حسنا لم يقم سعد ابن أبي وقاص عليه الحد، "لا والله لا أضرب اليوم رجلا أبلى للمسلمين ما أبلاهم فخلى سبيله"

ثم عقب ابن القيم على ذلك كله فقال: "وليس في هذا ما يخالف نصا، ولا قياسا، ولا قاعدة من قواعد الشرع، ولا إجماعا". "وأكثر ما فيه تأخير الحد لمصلحة راجحة، إما من حاجة المسلمين إليه، أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة كما يؤخر الحامل والمرضع، وعن وقت الحر والبرد والمرض"[31] .

هذا هو مجمل كلام ابن القيم: لا نرى فيه جانبا واحداً يدل على: أنه قصد –فيما قال- إلى جواز تغيير الأحكام بتغير الأزمان والأحوال بل على العكس من ذلك فقد كان دأبه في كل ما ذكره: إزالة اللبس عما يمكن أن يعد من هذا القبيل.

فلا ندري: كيف فهم هذا الكاتب –من كلام ابن القيم- ما فهم إلا أن يكون قد خدع بالعنوان الذي أدرج ابن القيم كلامه تحته. فقد كان (فصل في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغيير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد) ففهم من عبارة (تغير الفتوى) تغير الحكم. وليس الأمر كذلك. فإن الفتوى غير الحكم. وإنما هي بيانه [32] ، وكيفية تطبيقه على المسألة. ولا يختلف الأمر في هذه المسألة –التي سردها ابن القيم- عن الصيام في رمضان مثلا. فإن حكمه هو الوجوب ولكن يفتى بإسقاطه عن الحامل المرضع. ولا يقال –حينئذ- بأن حكما قد أسقط، أو بدل، أو عطل وإنما هو تطبيق له من وجه آخر.

استدلالهم بعمر

ص: 496

رابعا: أما استدلالهم بما فعله، عمر –رضي الله عنه عام الرمادة حين عطل حد السرقة –على حد زعمهم- حيث اعتبروا عدم قطع عمر لغلمان حاطب بن أبي بلتعة- لما سرقوا:[33] تصرفا في النص وتعطيلا للحد-: فهو استدلال مرفوض. لأن ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه ما هو إلا: محض القياس، ومقتضى قواعد الشريعة الغراء- التي جعلت لكل حكم علة وشروطا يدور الحكم معها وجودا وعدماً.

فإن آية السرقة: ليست نصا بالمعنى المقابل للظاهر. بل هي عام قابل للتخصيص [34] . فهي لا تستعمل وحدها بالدلالة على حكم السرقة بالتفصيل قبل البحث عن المخصصات. وإذا فالتمسك بظاهر الآية وحدها دون النظر إلى ما يتعلق بها من مخصصات في السنة الصحيحة، إنما هو تنكب عن جملة الدليل. وقد خصصت السنة الصحيحة –كما ذكرنا في أكثر من مكان- كثيرا من آخذي مال الغير فلم تعتبرهم سراقا بالمعنى الذي تقطع به يد السارق. كآخذ الشيء التافه. وآخذ الثمر والكثر، والآخذ من غير حرز. وآخذ ما دون النصاب. وغير ذلك.

ومن هذا القبيل –أيضا- من يأخذ مال الغير بدون حق، للضرورة [35] . وكأن تكون السنة سنة مجاعة وشدة بحيث يغلب على الناس الحاجة الملحة لحفظ الحياة.

فحينئذ يكون المظنون الغالب: أن لا يسلم سارق من ضرورة تدعوه إلى الحصول على ما يسد به رمقه. مما يجعل المالكين بحال يجب معها البذل والعطاء بالثمن، أو بدونه على خلاف في ذلك. والناس أرجح [36] .

ص: 497

فإذا سرق السارق في هذه الحالة خرج عن مدلول قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} وإلى هذا أشار أمير المؤمنين حين قال لحاطب بن أبي بلتعة: "إنكم تستعملونهم وتجيعونهم.. حتى أن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له"فهل من قواعد الشريعة الإسلامية: أن تقطع أيديهم بعد ذاك؟ والضرورات تبيح المحظورات. ثم إن شبهة الضرورة في هذا المكان أقوى من كثير من الشبه التي جعلها الفقهاء سببا لدرء الحد. مثل كون المال المسروق مما يتسارع إليه الفساد، أو ادعاء السارق ملكية الشيء المسروق دون حجة قائمة، وغير ذلك من الشبه الضعيفة التي لا تعد شيئاً إلى جانب هذه الشبهة القوية التي ألجأت الإمام العادل إلى درء القطع عن غلمان حاطب [37] . لولا ذلك لقطعهم. كما صرح هو بذلك حين قال:"لولا أعلم أنكم تجيعوهم لقطعت أيديهم". لأن الجائع مأخوذ مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد به رمقه ويحفظ عليه الحياة.

ثم إنه على فرض التسليم: بأن ما فعله عمر بن الخطاب –رضي الله عنه كان تغيير للحكم، وإسقاطا للعقوبة. فليس فيه دليل على جواز ذلك. لأنه ليس فيمن دون رسول الله –صلى الله عليه وسلم حجة. وهذا أصل يقره عمر بن الخطاب نفسه فيما رواه ابن وهب عن يونس ابن يزيد عن ابن شهاب، أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه قال: وهو على المنبر: "يا أيها الناس، إن الرأي: إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا، إن الله كان يريه. وإنما هو منا الظن والتكلف"[38] .

ومن ذلك ما أخرجه البيهقي، من طريق الثوري بالسند إلى مسروق، قال: كتب كاتب لعمر بن الخطاب، فذكر في آخر كتابه:"هذا ما أرى الله، أمير المؤمنين عمر. فانتهزه وقال: لا. بل أكتب: هذا ما رأى عمر. فإن كان صوابا: فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر"[39] .

ويقول –رضي الله عنه: "السنة ما سنه الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم ولا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة"[40] .

ص: 498

خامسا: أما قولهم: "إن التشريع الذي تلائم أحكامه أمة ويتفق ومصالحها قد لا تلائم أحكامه أمة أخرى ويعارض مصالحها"فهذا ما نستعيذ بالله من شر خطراته على الذهن. فإن هذه السمة، إن انطبقت على أحكام الشرائع الوضعية التي جبلت بضعف البشر، وقصر النظر، وضيق المدارك، فإنها أبعد ما تكون عن شريعة الله التي أحكم نسجها، وشهد بكمالها فقال [41] :{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وأقرها لكل زمان ومكان فقال –مخاطبا رسوله الكريم-[42] : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} .

وإن من أبسط الفروق بين الشرائع السماوية والوضعية هو [43] : "أن التشريع السماوي من الله سبحانه وتعالى، وهو محيط بكل ما دق وخفي من شئون عباده. يكون مستوفيا لما يعنيهم من وجوه المصالح التي يعلمها الله لهم حتى ينتهي الأمد الذي قدر لهذا التشريع بخلاف النظام الوضعي. فإنه من عمل الواضعين من ذوي السلطة في الجماعة. وليس من شك في أن الواضع يتأثر في تكوينه وفي عمله بالعوامل الاجتماعية، كالعرف والعادة والبيئة. وأن تلك العوامل عرضة للتغيير. فلا يكون القانون الذي وضعه الواضع في هذه الحالة ملائما لحالة أخرى".

والله سبحانه وتعالى –حينما حكم بالقطع على السارق: لم يكن ليخفى على علمه، ما سوف يستجد من اختلاف الظروف والأحوال، ولو شاء لغير عقوبة القطع بعقوبة أخرى.

أما وقد تم التشريع الإسلامي، وأكمل الله دينه –وعقوبة السرقة على حالها- فليس لا حد: أن يدعي أنه يعلم من وجوه المصلحة ما غاب عن علم الله –تنزه ذكره- ومن شقي بادعاء ذلك فليسمع قوله تعالى [44] : {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .

(نقلا عن مجلة العربي)

ص: 499

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

أنظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص120

[2]

انظر: إعلام الموقعين 2/66

[3]

انظر: الموافقات للشاطبي 1/237

[4]

انظر القواعد للعز بن عبد السلام 2/88

[5]

انظر: تفسير أبي السعود 2/26 فلسفة العقوبة - أبو زهرة – ص214.

[6]

هو: أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري الصقلي. إمام أهل إفريقية وما وراءها من المغرب. وكان آخر المشتغلين من شيوخ إفريقية بتحقيق الفقه ورتبة الاجتهاد والنظر. توفي سنة 536 هـ

[7]

انظر: طرح التثريب 8/23 فتح الباري 15/104

[8]

انظر: القواعد 1/40

[9]

انظر: لسان العرب 11/677

[10]

سورة البقرة، الآية 66.

[11]

انظر: تفسير المراغي 6/115

[12]

قيل: إن الذين قطعوا في الإسلام بالسرقة ستة فقط.

[13]

انظر: أعلام الموقعين 2/103

[14]

انظر: قواعد الأحكام 1/116.

[15]

انظر: تفسير القرطبي 6/175.

[16]

انظر: إعلام الموقعين 2/97 و 107.

[17]

انظر: تفسير القرطبي 6/175.

[18]

من هؤلاء: معروف الدواليبي في كتابه: مدخل إلى علم أصول الفقه ص321، ومصطفى زيد في كتابه: المصلحة في التشريع الإسلامي ص31 وعلي حسب الله في كتابه: أصول التشريع الإسلامي ص156 وأحمد أمين في كتابه فجر الإسلام ص238 الدكتور حمد الكبيسي في كتابه: مباحث التعليل ص66 – 67.

[19]

معروف الدواليبي: في المدخل ص318-319-320.

[20]

مصطفى زيد: في كتابه – المصلحة في التشريع الإسلامي – فقرة 21.

[21]

الأستاذ علي حسب الله. في كتابه – أصول التشريع الإسلامي – ص156

[22]

معروف الدواليبي – المصدر السابق ص321-322.

[23]

انظر: شرح التلويح على التوضيح 2/34.

[24]

سورة يونس الآية 15.

ص: 500