المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

دمشق غرة جمادى الأولى 1329 و 17 نيسان و 30 - مجلة الحقائق - جـ ٩

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: دمشق غرة جمادى الأولى 1329 و 17 نيسان و 30

دمشق غرة جمادى الأولى 1329 و 17 نيسان و 30 نيسان 1911

‌الدين النصيحة

لا شيء أتم نفعاً وأكمل فائدة لانتظام الهيئة الاجتماعية من بث النصيحة بين أفراد الأمة لينبعث عنها روح التعاون على البر الذي هو قوام حياة المجتمع الإنساني.

أدل أمر على حسن حال الأمة وانتظام شؤونها شيوع النصيحة بين أفرادها وإرشاد بعضها بعضاً إلى ما يجمع كلمتها ويرأب صدعها.

ويسلك بها مسالك الجد في أعمالها والدأب وراء تحقيق آمالها وما تركت أمة النصيحة إلا وتشتت جمعها وانحلت عرى ألفتها وضرب عليها الذل وسجل عليها الشقاء وجعل بأسها بينها شديداً.

النصيحة كلمة جامعة وهي من وجيز السماء ومختصر الكلام قالوا (وليس في كلام العرب كلمة مفردة تسوفي العبارة غير معنى هذه الكلمة) فهي ينبوع يتفجر منه سلسبيل الحياة الاجتماعية وتتدفق منه أمواج النور عليها وهي التي تأخذ بالأيدي عن السفاسف وتصعد بالأرواح إلى مكانات الفضائل ومقامات المكارم وبها يستبين الحق في أهبى مجاليه ويتضاءل الباطل في أقصى مراميه.

فهم الكثير من الناس أن النصيحة خاصة في ترك الغش في المعاملات الدنيوية من بيعه وشراء ونحو ذلك من العقود مع أنها في لسان العرب واصطلاح الشرع أعم مما فهم إذ هي عبارة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع صيانة الأقوال والأفعال عن شوائب الغش والخيانة والنفاق بحيث لا يصدر من الإنسان قول ولا عمل إلا وقد أراد به حسن المعاملة مع الخالق جل شأنه والخلائق.

إذا تأملت أيها القارئ في قوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة يتبين لك بالبداهة:

أن النصيحة هي القطب الذي تدور عليه أفلاك الدين الحق والأساس الذي ترتكز عليه دعائمه والدين الحق هو ضالة الأرواح وأنشودة العواطف ونسيم الرحمة.

بالنصيحة بعث الله أنبياءه ورسله صلوات الله وسلمه عليهم وأمر بها عباده بقوله: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) فما من نبي إلا وجهر بالنصح لأمته واجتهد في إرشادهم واستفرغ. . . . . . .) من حديث شريف أخرجه الإمام مسلم.

ص: 1

الوسع في إسعادهم ولم يصدهم عليهم الصلاة والسلام عن سبيل النصيحة ما كانوا يقاسونه من الأذى ويلقونه من الشدائد والجفا بل منحهم الله من الصبر والثبات ما هون عليهم البلايا وحبب إليهم تكبد المشاق في سبيل النصح والإرشاد.

وعلى هذا سلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة وسلف الأمة عملاً بقوله تعالى (ولتكن منك أمة يدعون إلى الخير الآية) واهتداء بيديه صلى الله عليه وسلم فلم يألوا جهداً في بذل النصيحة إلى الإضرار بدنياه فكلم في ذلك فقال عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم ولم يهابوا في نصحهم ملكاً لسطوته ولا غنياً لشوكته يروى أنه لما تولى هارون الرشيد الخلافة جلس للناس مجلساً عاماً فدخل عليه رجل ممن اشتهر بالصلاح يقال له بهلول فقال يا أمير المؤمنين احذر جلساء السوء واعتمد جليساً صالحاً يذكرك بمصالح الخلق إذا غفلت والنظر فيهم إذا لهوت فإن هذا نفع لك وللناس وأكثر في الأجر مما يأتي به من صوم وصلاة وقراءة وحج ولا تكن كمن قال الله في حقه (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) فقال له هرون زدني فقال إن الله قد قاد لك الناس وجعل أمرك فيهم مطاعاً وكلمتك فيهم نافذة وما ذلك إلا لتحملهم على الإتيان بما أمر الله والانتهاء عما نهى عنه وتعطي من هذا المال الأرملة واليتيم والشيخ والكبير وابن السبيل يا أمير المؤمنين أخبرني فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد أحشر الملوك وغيرهم من ولاة أمور الناس فيقول ألم أمكنكم من بلادي وأطعه لكم عبادي لا لجمع الأموال وحشد الرجال بل لتجمعوهم على طاعتي وتنفذوا فيهم أمري ونهي وتنصروا المظلومين من الظالمين يا هرون تفكر كيف يكون جوابك عما تسل عنه من أمور العباد في ذلك الموقف فبكى هارون بكاءً شديداً فقال بعض الحاضرين كدرت على أمير المؤمنين مجلسه فقال هرون لهم إن المغرور من غررتموه والسعيد من بعدتم عنه. فانظر يا رعاك الله إلى نصيحة هذا الرجل كيف واجه بها الخليفة مع ما هو عليه من الملك والسطوة والجاه والثروة ولم يخش بأسه ولم يرهب سلطانه هكذا كانت نصائح السلف الصالح ومواعظهم ويرويها لنا التاريخ تذكيراً للساهي وتنبيهاً للغافل ومضياً مع الهمم العالية والعزائم الصادقة.

أصبح المسلمون اليوم في حالة يصهر لها الجسم أسفاً ويذوب الفؤاد حسرة ولهفاً لا ناصح

ص: 2

للخير ينصحهم ولا مرشد إلى معالم دينهم يرشدهم ولا هاد إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأدب يهديهم وقد ابتلوا بكتّاب أبدلوا النصائح بالتئام واستعطاف العزائم بسرد الذمائم وتشهير المآثم يذهبون في القدح كل مذهب ويسهبون في شرح المساوي ونشر القبائح لا مادة لمقالاتهم إلا الطعن والهمز ولا روح لنصائحهم إلا الغمز واللمز رغبة في أن يقال فلان بل الغليل وجاء بما يشفي العليل بأمر الآمر منهم بالمعروف وهو أول المنتهكين لحماه وينهي الناهي عن المنكر وهو أول من يغشاه ويذم الخمر وهو في دنها غريق ويزرى بالميسر وهو له زعيم يدعو إلى الإصلاح وهو أول المفسدين ويحض على التمسك بالعدالة وهو رأس الظالمين، ويحث على الاقتصاد وهو أول المسرفين. وتراه يبالغ في الأسى والأسف علا صلابة القلوب وخمود العواطف ومن لم يأتمر به من الناس كيف يطمع أن يطاع له أمر أو يعمل له بنصيحة (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).

لو أن أولئك الكتاب حفظوا لأنفسهم أمام الأمة مكاناً صالحاً لوضعت فيهم ثقتها وعلقت عليهم مستقبل آمالها ولكن أكثرهم (كما هو مشاهد) لم يحفظ لنفسه تلك المكانة فسقط من عين الأمة أنشدكم الله أيها الكتاب أهكذا كانت نصيحة المسلمين في عهد السلف الصالح وأئمة الدين؟ أهكذا كانت وصاياهم ومواعظهم للناس؟ (جدال وخصام وشتائم وسباب) كلا ثم كلا بل كانوا يأخذون الناس باللطف لا بالعنف، باللين لا بالشدة، بالهدوء لا بهذا اللغط المزعج، وبالاتحاد والتحابب لا بالتخاصم والتباغض، وبالتعاطف والتراحم، لا بالتقاطع والتنابذ، وببث روح الحياة لا بنفخ روح اليأس، مع قيامهم بالأوامر واجتنابهم المناهي.

ما أحوج هذه الأمة واشد عوزها إلى أقوام قوام بأعباء الشريعة أقوياء في دين الله نصحاء أمناء يعرفون مكامن الداء ومظان الدواء يحيون ما درس من أطلالها ويوقفون الناس عند حدودها ويميزون لهم حرامها من حلالها يصدعون بأمر الله ولا يخشون في الحق لومة لائم ولا يؤثرون العاجلة على الآجلة يسلكون في تربية عواطف الأمة تربية الحكيم العارف بمكان الضعف والقوة من ثنيات القلوب وأحناء الصدور ويهدونها إلى أمثل الطرق التي يجب اتباعها وأقوم السبل الموصلة إلى خير معاشها ومعادها بالمواعظ الحسنة والنصائح المؤثرة الباعثة على تهذيب الأخلاق وتدميث الطباع وتطهير القلوب من أرجاس الرذائل وأوضاء المثالب لعلها تدرك شأو سلفها الصالح وترتقي أوج النجاح وتصبح قابضة على

ص: 3

ناصية العزة والمجد وزمام السعادة والتقدم.

ولا ريب لو قيض الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة المحمدية أهل العلم (ورثة الأنبياء) وقاموا بما يجب عليهم من النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتذكير بآيات الله زمناً قليلاً وتصدوا لإرشاد الناس ووعظهم بما جاء به القرآن العظيم والسنة المطهرة لرأينا لذلك اثراً عظيماً في هذه الأمة يبقى ذكره ولشاهدنا لها يوماً تسترجع فيه سابق مجدها وسالف عزها إذ المسلمون بما ورثوا عن أسلافهم وبما تمكن من أفئدتهم من آثار العقائد الصحيحة والانقياد لأوامر الشرع في غنى عمن يدعو بالويل والبال ويندب الحال والمآل والله يتولى الصالحين.

سؤال:

حضرة الفاضل أصحاب مجلة الحقائق الغراء

انتشرت منذ مدة رسالة للشيخ محسن العاملي اعتمد فيها حل المتعة وحط من قدر بعض أجلاء الصحابة الكرام وأورد شبهات على أهل السنة القائلين بتحريم المتعة فكان للرسالة وقع سيء في نفسو المسلمين خصوصاً لما رأينا بعض العامة قد اغتروا بها وتوهموا أنها حجة على أهل السنة وكنا نتوقع صدور ردود من العلماء الأعلام في هذه المسألة لمكانتها من الأهمية لما ينشأ عنها من استباحة الفروج التي حرمها الله تعالى. وقد مضى على تأليف الرسالة نحو سنة ولم نر أحد من العلماء تعرض لها ولما كانت مجلتكم هي المجلة الوحيدة التي أنشئت لخدمة الدين وتوفرت على رد الشبه الواردة عليه جئت بهذا السؤال راجياً منكم تبيين الحقيقة في هذه المسألة وكشف الحجاب عنها لتطمئن قلوب أهل السنة وترتاح ضمائرهم والله يكتبكم مع الهادين المصلحين. .

دمشق

ط ي

الجواب:

إن تحريم المتعة من الأمور المقررة المفروغ منها ولذلك لم يتعرض علماء العصر للرد على مؤلف الرسالة المذكورة ونحن أيضاً كنا نود أن لا نشغل وقت القراء ببيان أمر

ص: 4

مفروغ منه كهذا لكن ضرورة السؤال ألجأتنا أن نبين الصواب في هذه المسألة صدعاً للحق ودحضاً للشبهات راجين من الله تعالى أن يحفظنا من الزيغ ويهدينا لسلوك محجة الإنصاف أنه ولي التوفيق

إن من قرأ ما استدل به مؤلف الحصون المنيعة على بقاء مشروعية المتعة ربما يتوهم في بادئ الأمر أن ما كتبه يقدح في مذهب أهل السنة لكن كل من علم ما ذكره علماء السنة في ذلك يتحقق بالبداهة فساد ما قاله مؤلف الرسالة المذكورة في المتعة وها نحن نبين ذلك بأجلى بيان إن شاء الله تعالى. .

حاصل ما استدل به مؤلف الرسالة على مدعاه ثلاثة أمور (الأول) قوله تعالى في سورة النساء (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) قال أن الآية واردة في المتعة وقد اعترف بذلك غير واحد من علماء السنة.

ثم قال واحتمال أن يراد بالآية النكاح الدائم مدفوع بأنه خلاف ظاهر لفظ الاستمتاع والأجور الخ. .

(ونقول) أما ادعاؤه أن الآية واردة في المتعة فهو مخالف لما عليه السواد الأعظم من المسلمين وجماهير علماء التفسير قال ابن جرير ما مؤداه اختلف أهل التأويل في هذه الآية قال بعضهم أنها واردة في النكاح الدائم وقال آخرون أنها واردة في نكاح المتعة إلى أجل وأولى التأويلين في ذلك الصواب الأول لقيام الحجة بتحريم الله المتعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الفخر الرازي: في الآية قولان أحدهما وهو قول أكثر علماء الأمة أن المراد بالآية ابتغاء بالأموال عن طريق النكاح والأجور المهور والقول الثاني أن المراد بها حكم المتعة. ويستفاد من كلام الحافظ بن كثير في تفسيره أن الجمهور ذهبوا إلى أن الآية نزلت في النكاح الدائم وتابعهم على ذلك السيوطي والزمخشري والبيضاوي والنسفي والخطيب والشربيني والألوسي والخازن وصاحب روح البيان وغيرهم.

وقال في لسان العرب ما خلاصته أما قول الله تعالى في سورة النساء (وأحل لكم ما وراء ذلكم ما تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) فالمراد بها النكاح الدائم ومعنى الآية ما نكحتم منهن على الشريطة التي جرى في

ص: 5

الآية أنها الإحصان والمراد بالأجور المهور، هذه الآية قد غلط فيها قوم غلطاً عظيماً لجهلهم باللغة فزعموا أن المراد بها المتعة التي أجمع أهل العلم أنها حرام وهذا الزعم خطأ عظيم لأن الآية واضحة بينة وقد صح أن ابن عباس رضي الله عنه لما صح له نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة الشرطية رجع عن إحلالها إلى تحريمها وإنما بينت هذا البيان لئلا يغر بعض الرافضة غراً من المسلمين فيحل له ما حرمه الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأن النهي عن المتعة صح من جهات لو لم يكن فيها غير ما وري عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه ونهيه ابن عباس عنها لكان ذلك كافياً أه.

وأما قول مؤلف الرسالة أن حمل الآية على النكاح الدائم مدفوع بأنه خلاف ظاهر لفظ الاستمتاع والأجور فهو دليل على عدم تضلعه بالكتاب ومعانية وقد رأيت أن صاحب لسان العرب وهو من كبار أئمة اللغة فسر الآية كما ذكرنا أما الاستمتاع فالظاهر أن معناه الانتفاع قال الله تعالى:

(ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض) أي انتفع بعضنا ببعض وقال الله تعالى (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها) أي تعجلتم الانتفاع بها وفي حديث ابن الأكوع كما في النهاية الأثيرية قالوا يا رسول الله لولا متعتنا به هلا تركتنا ننتفع به أه والشواهد على ذلك كثيرة فتبين أن الاستمتاع قد ورد في القرآن والسنة بمعنى الانتفاع ولا يخفى أن الانتفاع أظهر في النكاح الدائم من المتعة.

وأما الأجور فمعناها المهور قال الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) والمراد بالأجور في هاتين الآيتين المهور ولا يصح حمل الأجور فيهما على غير المهور بالاتفاق. فظهر بطلان قول مؤلف الرسالة أن حمل آية النساء على النكاح الدائم مخالف لظاهر لفظ الاستمتاع والأجور. على أن حمل الآية على المتعة مخالف لسياق الكلام قال الشهاب الألوسي ما مفاده أن نظم القرآن الكريم يقتضي أن تكون آية فما استمتعتم واردة في النكاح الدائم. وأما حملها على المتعة فهو بعيد

ص: 6

فإنه سبحانه بين أولاً المحرمات ثم قال عز شأنه (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) وفيه إشارة إلى النهي عن كون القصد مجرد قضاء شهوة وصب الماء واستفراغ أوعية المني فبطلت المتعة بهذا القيد لأن المقصود المتمتع ليس إلا ذاك دون التأهل والاستيلاد وحماية الذمار والعرض لذا تجد المتمتع بها في كل شهر تحت صاحب وفي كل سنة بحجر ملاعب فالإحصان غير حاصل في امرأة المتعة أصلاً ولهذا قالت الشيعة أن المتمتع الغير الناكح إذا زنا لا رجم عليه وقد أردف سبحانه الآية المذكورة بقوله (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) ثم قال تعالى: (ذلك لمن خشي العنت منكم) وفي هذه الآية أيضاً إشارة إلى المنع فإن من لم يستطع غنى لنكاح الحرائر وخاف الوقوع في الزنا قد أمره الله أن ينكح من الإماء ولو كانت المتعة حلالاً لقال الله تعالى ومن لم يستطع منكم طولاً فليتمتع. لأن المتعة أخف مؤونة وأقل كلفة فإنها مادة يكفي فيها الدرهم والدرهمان. فلو كانت مباحة لما كان ثم ضرورة داعية إلى نكاح الإماء.

وعلى تقدير أن المراد من الآية نكاح المتعة فغاية ما يفيده أن ذلك كان مباحاً ونحن لا ننكره بل نقول أن الله نسخ ذلك بقوله تعالى في سورة المؤمنون (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) روى الترمذي في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إنما كانت المتعة حلالاً في أول الإسلام حتى إذا نزلت آية إلا على أزواجهم أو ما مالكت أيمانهم قال ابن عباس فكر فرج سواهما فهوا حرام أه.

وبيان هذا أن الله تعالى جعل من ابتغى غير زوجته وملك يمينه من العادين والمتمتع بها ليست ملك يمين وهو ظاهر ولا زوجة لأنها لو كانت زوجة لجرت عليها أحكام الزواج من الإرث وتوقف الفرقة على الطلاق وعدم صحة نفي ولدها إلا باللعان كما في النكاح الدائم والمتمتع بها لا تجري عليها هذه الأحكام حتى عند الشيعة فإنها لا ترث عند على الأظهر الأصح من الأقوال إذا لم يشترط الإرث.

وفراقها لا يتوقف على الطلاق بل يحصل لمجرد مضي الأجل وإن لم يرض المتمتع بها كما هو واضح الولد منها يصح نفيه بمجرد إنكاره ولو من غير لعان كما نقله مؤلف السالة

ص: 7

صحيفة 72 وقال الشهاب الألوسي في تفسيره قد صرح علماء الشيعة بانتفاء لوازم الزوجية كالميراث والطلاق والنفقة في المتعة وروى أبو منصور منهم في صحيحه عن الصادق رضي الله عنه تعالى أنه سئل عن امرأة المتعة أهي من الربع قال لا ولا من السبعين وهو صريح في أنها ليست زوجة وإلا لكانت محسوبة في الأربع.

أما زعم مؤلف الرسالة أن آية المؤمنون مكية فلا دليل عليه لأن قول المفسرين أن سورة كذا مكية أو مدنية مثلاً لا يستلزم أن تكون فيها من الآيات ما ليس بمكي وأوضح دليل على أن آية إلا على ازواجهم مدنية استدلال ابن عباس بها على تحريم المتعة كما تقدم في حديث الترمذي وابن عباس رضي الله عنهما أدرى بعلوم القرآن وأعلم بمواقع نزول الآيات.

بقي أن مؤلف الرسال نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ فيما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن والجواب أنها قراءة شاذة ولا يصح الاعتماد عليها وما دل على التحريم كآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم قطعي فلا تعارضه القراءة الشاذة على أن الدليلين إذا تساويا في القوة وتعارضنا في الحل والحرمة وقدم دليل الحرمة منها لا سيما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله حرم المتعة تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة كما يأتي إن شاء الله.

(للكلام صلة)

ص: 8