المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صاحب المقتبس يفتري على علماء الدين - مجلة الحقائق - جـ ٩

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌صاحب المقتبس يفتري على علماء الدين

‌صاحب المقتبس يفتري على علماء الدين

اعتاد هذا الصحفي أن يدور في أثناء كتاباته على مناهضة علماء الدين وتحقيرهم أمام الشعب فتارة يصفهم بالجمود وأخرى يندد بسلطتهم الدينية وآونة يزعم أنهم عقبة في سبيل الترقي والنجاح وغير ذلك من المزاعم الباطلة. وما نخال الحامل له على ذلك إلا ما يراه من بعض متطرفة الغربيين الذين يناوؤن سلطة أحبارهم ورهبانهم مع أن بيننا وبينهم بون كبير فإن أولئك يحسون بوطئة تلك السلطة ولا سلطة في الدين إلا العلم.

وها هو اليوم قد قام ينتصر للزنادقة لينال من علماء المسلمين فنشر في مقتبسه الشهري في الجزء العاشر في المجلد الخامس مقالة بقلمه ترجم فيها كتاب الدرر الكامنة في أعيان الماية الثامنة لحافظ عصره ونابغة دهره العلامة ابن حجر العسقلاني_ابتدء فيها بالكلام على ترتيب الكتاب وتراجمه ثم قال (ومن أعظم ما يلفت نظرك في هذا الكتاب روح التعصب التي كانت مستحوذة في ذاك العصر أيام كان يقتل كل من يخالف رأي الجمهور في فكر أو مذهب فنقرأ فيه صورة مكبرة من حال ذاك القرن الذي استولت فيه على هذه البلاد الجراكسة والتتار ممن أصبحوا ألعوبة في أيدي المتعصبة من رجال الدين) أه ثم استشهد على مدعاه بتراجم بعض من قتلوا في ذلك العصر مما هو واضح في الشهادة عليه لا له فنقل ترجمة إسماعيل بن سعيد الكردي وقال ما خلاصته: أنه رمي بالزندقة حتى صار يقال له إسماعيل الكافر أو إسماعيل الزنديق فحبس ثم أن بعض الصلحاء رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وأمره أن يقول للقاضي اقتل اسمعيل (ثم قال) فاستدعي إلى مجلس القضاء فأقيمت عليه البينة الشرعية (تأمل) لدى القاضي تقي الدين الأخناي فقتل. ثم نقل ترجمة ناصر بن أبي الفضل بن إسماعيل المقري وخلاصتها أنه أقيمت البينة على زندقته عند القاضي شرف الدين المالكي فأعذر إليه فما أبدى عذراً فقتل، ثم نقل عن ابن كثير أن ناصراً هذا ضربت عنقه على كفره واستهتاره بآيات الله وشركه وحبته الزنادقة وحضر قتله العلماء والأكابر وأرباب الدولة وكان يوماً مشهوداً أعز الله فيه الإسلام وأذل فيه الزنادقة وأهل البدع وكان ابن تيمية حاضؤراً فأنبه وقرعه على ما كان يصدر منه.

ثم ذكر ترجمة علي بن حسن الرافضي وحاصلها أن علياً هذا حمل إلى القاضي تقي الدين السبكي فاعترف بسب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فكرروا عليه التوبة ثلاثة ايام فأصر فضربت عنقه أه. ثم قال صاحب المقتبس بعد أن سرد هذه التراجم (ومن أنعم النظر

ص: 9

في تراجم من قتلوا يتضح له أنهم كانوا على جانب عظيم من العقل والعلم وأن أكثر ما وري عنهم منقول عليهم ليجدوا السبيل إلى إقناع العامة والحكام لإزهاق أرواحهم).

هذا ما أورده صاحب المقتبس دليلاً على قيام التعصب في ذاك العصر أوردناه ليعلم الناس مبلغه من العلم ومكانته من الفهم وتشبثه بالحط من قدر علماء الدين والانتصار للزنادقة والملحدين مع أنه لا ذنب للعلماء والقضاة كما يرى القارئ إلا محافظتهم على دين الله وإقامة حدوده لكبح جماح أهل البدع والضلالة فما أكثر بلاء هؤلاء الكتاب البسطاء على الأمة والدين وما أشد تغريرهم بالعامة المساكين ذا كان جميع الأمم متفقين على وضع عقوبات شديدة من السجن والنفي والقتل للمحافظة على القانون الذي وضعوه والحد الذي رسموه ويرون أن ذلك ضروري لحصول الانتظام وقمع الفتن فكيف يتجرأ صحاب المقتبس على الله بأن يسمي المحافظة على دينه تعصباً وهو القانون السماوي الذي أنزله الله رحمة للعالمين به تحفظ الحقوق وتدرأ المفاسد وهو مناط السعادتين من اعتصم به نجا ومن انحرف عنه ضل وغوى.

ربما يقال أن في من عوقبوا على الاستهتار بالدين من قد يكون براء مما وصموا به كما يديعه صاحب المقتبس فنقول أن ذلك الاحمال يمكن أن يقال في أكثر المحاكمات ولو كان مجرد احتمال البراءة يدرء عن الجاني العقوبة لتعطلت الحدود وسادت الفوضى ولترك الجاني وجنايته والسارق وسرقته والقاتل وفعلته والملحد وضلالته والمفتري وفريته.

فلا يحاكمون ولا يعاقبون لاحتمال ان يكونوا براء إن هذا لعمر الحق لا يقول به م عنده مسكة من عقل ولو نتفة من إدراك.

هل يعد من التعصب قتل من ثبتت عليه الزندقة وطلب منه أن يعتذر فلم يفعل بل ظل معانداً؟.

هل يعد من التعصب قتل من يصرح بسب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتعرض عليه التوبة لثلاثة أيام فلا يقبل وهما أفضل م طلعت عليه الشمس بعد النبيين.

هل يعد من التعصب قتل من ثبت عليه بالبينة الشرعية أنه خرج عن الدين والصراط المستقيم.

إن هذا لعجيب وأعجب منه هذه الجملة الأخيرة التي لم تر في كلام صاحب المقتبس

ص: 10

أغرب منها وهي أن الزندقة متقولة على هؤلاء المترجمين وقد علمت أن أولهم ثبتت عليه بإقراره والثاني أخذ بالبينة الشرعية والثالث طلب منه أن يعتذر فلم يعتذر.

على رسلك أيها الكاتب فإنك محسوب علينا معاشر الدمشقيين فلا تدع الأغيار ينظرون إلينا نظر الاحتقار والجهل فإن الصحافة عنوان البلاد التي تصدر فيها وما نظنك نحيت هذا المنحى في انتقاد ذاك العصر وتبرئة المتزندقين إلا انتصاراً لابن تيمية لأنه سجن في ذاك العصر ولكن العدو العاقل خير من الصديق الجاهل فإنك أردت الانتصار له فعددته مع المتزندقين مع أن ابن تيمية مشهود له بالعلم والمعرفة والتقوى وسعة الاطلاع وإن كان ينكر عليه مسائل يؤاخذ بها والعصمة لأنبياء الله.

وكان بودنا لو ينشر صاحب المقتبس ما يهذب أمته ويرقي مداركها ويزيدها تمسكاً بالدين الذي هو مبعث كل فضيلة بدلاً من أن ينشر ما يحمل المسلمين على إساءة الظن بعلمائهم الذين خدموا الدين وأفادوا الأمة بعلومهم وأفكارهم وأولى لكم أيها الكتاب أن تحافظوا على الصحافة فإنها موضوعة لغير ما تكتبون والمقصود منها غير ما تتوهمون فرفقاً بالأمة رفقاً، وسيراً على الخطة المثلى فإن الله من ورائكم محيط.

ص: 11