المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أخبار وأفكار ماليتنا يؤخذ من خطاب جاويد بك وزير المالية في مجلس - مجلة المقتبس - جـ ٩٦

[محمد كرد علي]

الفصل: ‌ ‌أخبار وأفكار ماليتنا يؤخذ من خطاب جاويد بك وزير المالية في مجلس

‌أخبار وأفكار

ماليتنا

يؤخذ من خطاب جاويد بك وزير المالية في مجلس النواب العثماني أنه لما أعلنت الدولة الحرب على دول الائتلاف لم يكن لديهم من المال غير مليون ومائتين وأثني عشر ألف ليرة كانت مدخرة في المصرف العثماني على أن هذا المبلغ الزهيد لم يكن وافياً بنفقات أسبوع واحد فاضطرت الدولة إلى عقد فروض بربا قليلة لدى الخزينة الألمانية وقد بلغت مقادير هذه القروض تسعة وسبعين مليوناً من الليرات وإذا أضفنا إلى هذا المبلغ أحد عشر مليوناً ونصف مليون تناولناها من ألمانيا ذهباً وسفائج بلغ المجموع تسعين مليوناً بيد أن قروضنا لم تنحصر في هذه الأموال بل استلفنا من ألمانيا مليونين وثلثمائة وسبعين ألف ليرة وأرصدناها للمشاريع المستعجلة وهذه السلفات أو القروض قد أنفقناها وننفقها على سد الحاجات الداخلية.

وهناك عقود أخرى عقدناها مع ألمانيا والنمسا كأثمان النقل على السكك الشركات الحديدية وقسم تحاويل الأسهم العثمانية في بلاد الحلفاء وأثمان البضائع والذخائر والمواد الحربية التي ابتعناها من الشركات والمعامل في برلين وفينا. فقد اقترضنا من حكومة ألمانيا عشرين مليون مارك لإيفاء ديون سكة حديد الأناضول وخط بغداد وهي النقليات العسكرية وتناولنا منها مائتين وثمانية ملايين مارك لتأدية أثمان الذخائر التي قدمتها إلينا والمعامل المصانع الألمانية وكذلك عقدنا سلفة قدرها مائتان وخمسون مليوناً من الماركات أرصدناها لمشاريع أخرى ويكون المجموع أربعمائة وستة وتسعين مليون مارك أو خمسة وعشرين مليون جنيه ولألمانيا دين أخر على خزينتنا يبلغ عشرين أو خمسة وعشرين مليوناً وهي لقاء الحربية.

وصفوة القول أن مجموع قروضنا التي عقدناها مع ألمانيا سواء بحساب المارك أو بحساب التحاويل على الخزينة أو أثمان الحربية منذ ابتداء الحرب إلى اليوم يبلغ مائة وأثنين وأربعين مليون ليرة على أن هناك قرضاً آخر لم يدخل في هذا الحساب عقدناه مع النمسا لقاء أثمان ما اشتريناه من معاملها وشركاتها ويبلغ هذا القرض نحو مائتين وأربعين مليون 1 أو أثني عشر مليون ليرة وعلينا ديون تراكمت منذ بداية الحرب وهي ثمانية ملايين

ص: 86

وثلثمائة وثلاثة وثمانون ألفاً سندات بنك القروض التي لم نقم بتأديتها وبقيت ديون أخرى تبلغ مليون ليرة وهي مائة وستون ألف ليرة قيمة نصف الرواتب التي لم تندفع ومائتان وستة وخمسون ألف ليرة للمتقاعدين في الولايات وثلثمائة ألف لموظفي الولايات أيضاً وأجتمع دين أخر في وزارة الحربية وهو ثلاثة ملايين وأربعمائة وثمانية وثمانون ألف ليرة بسندات الأداء ولكنها بقيت حتى الآن ديناً على الخزينة وهناك دين أخر يناهز ستمائة وأربعة عشر ألف ليرة تراكم في وزارة الحربية غير أنه على وشك التأدية هذا غير الديون التي اجتمعت في الولايات والناطق الأخرى.

وعلى هذا تكون ديونناً إلى نهاية أب في هذه السنة نحو مائة وخمسة وستين مليوناً من الجنيهات ما عدا أثمان التكاليف الحربية وبعد تنزيل خمسة ملايين ليرة من الأوراق النقدية التي أرصدناها على حساب ألمانيا وتبلغ مقادير التكاليف الحربية على وجه التخمين نحو سبعة ملايين وثمانمائة وثلاثة وخمسين ألف ليرة وإذا طرح منها نحو مليون وتسعمائة ألف ليرة صارت محسوبة بموجب قوانين مختلفة بقيت خمسة ملايين وتسعمائة وتسعة وأربعين ألف ليرة وإذا أضفنا إلى ديونناً أثمان التكاليف الحربية الأخرى وهي نحو عشرين مليوناً بلغ مجموع الديون في زمن الحرب نحو مائة وثمانين مليون ليرة فنكون قد أنفقنا في كل شهر نحو خمسة ملايين ليرة.

هذا هو مجموع ما عقدناه من القروض واستلفناه من المصارف وأنفقناه من الأموال والأعتاد في أثناء الحرب وإذا أضفنا هذا المبلغ إلى ما كان على خزينتنا من الديون قبل الحرب وهي مائة وخمسون مليون ليرة بلغ مجموع ديوننا إلى هذا اليوم نحو ثلاثمائة وثلاثين مليوناً من الجنيهات وإذا حسبنا معدل تقاسيطها السنوية مئة في المئة نضطر أن ندفع كل سنة مقدار احد وعشرين مليون ليرة.

أما نقودنا المتداولة بين أيدي الأفراد فهي عبارة عن المسكوكات الذهبية والفضية والمعدنية النيكلوأقدم نقودنا الذهبية هو ما أصدرته الخزينة العامرة في أيام السلطان عبد المجيد بين سنة1260و1276هـ وتبلغ أربعة عشر مليون وأربعمائة وثمانين ألف ليرة وفي أيام السلطان عبد العزيز ضربت الخزينة من الذهب بين سنة1277و1297ما يناهز أربعة عشر مليوناً وتسعمائة وسبعين ألف ليرة وفي أيام السلطان المخلوع سك من المسكوكات

ص: 87

الذهبية بين 1292وسنة1320ما ستة عشر مليوناً وستة وثلاثون ومنذ جلوس مولانا السلطان الحالي على أريكة الملك إلى اليوم ضربت الخزينة من نقود الذهب ما يزيد على ثلاثة وعشرين مليوناً وثمانمائة ألف ليرة فيكون مجموع الذهب المتداول في بلاد السلطنة لا يزيد جميعه على تسعة وستين مليون ليرة ومائتين وستة وثمانيين ألف ليرة يخرج منها نحو مليون ليرة أعيد سبكها على أنه يجب أن لا ننسى الحوادث والكوارث التي حدثت في هذا الملك الواسع في مدة سبعين عاماً فقد ذهبت كثيرة بقي فيها 11 كبيرة من النقود ولذلك يعتقد الألمانيون أن نقودنا الذهبية اليوم لا تزيد على أربعين مليوناً على ربع هذا المبلغ لم يبرز إلى ميدان التداول فهو مخزون في البيوتات المالية وفي صناديق أرباب اليسار.

عن النقود الفضية اقل كثيراً من الذهب ففي أيام السلطان عبد الحميد صدر من مسكوكات الفضة ما يقرب من ثلاثة ملايين وثمانمائة وخمسة وستين ألف ليرة وفي أيام السلطان عبد العزيز أبرزت الدولة من نقود الفضة نحو ثلاثة ملايين ومائتين وثمانية آلاف ليرة وفي أيام السلطان عبد الحميد الثاني صدر منها نحو أربعة ملايين 1 وتسعة وعشرين ألف ليرة وفي أيام سلطاننا الحالي أبرز للتداول منها ما قيمته مليون وثلاثمائة وخمسة وسبعون ألف ليرة وبذلك تناهز جميع مسكوكاتنا الفضية ثلاثة عشر مليوناً ومائة وسبعة وسبعين ألف ليرة وقد بقيت المسكوكات الفضية في بلادنا حتى أنه انتقلت إلينا من البلاد التي وقعت في مخالب المستعمرين وهناك مسكوكات معدنية أخرى من النيكل وغيره تبلغ قيمتها مليوناً ومائتي ألف ليرة وبالجملة فإن مقدار ما تتداوله الأمة من النقود على اختلاف الأنواع والأجناس لا يزيد على خمسين مليوناً.

إن هذه الكمية القليلة من النقود لم تكن كافية لإدارة الحركة الاقتصادية في البلاد أيام هذه الحرب ولهذا السبب أصدرت الدولة القوائم النقدية تلافياً لما يحدث من في الأسواق التجارية وقد أبرزت أوراقاً نقدية بقيمة ستة ملايين وخمسمائة وتسعة عشر ألف ليرة لقاء أول قرض عقدناه مع ألمانيا ولكنها استردت منها ما يزيد على ثمانمائة وسبعة وخمسين ألف ليرة وما بقي منها أرصد لقاءه في صناديق الديوان العمومية في ألمانيا ما يناهز ثلاثة ملايين وثلاثمائة وخمسين ألف ليرة وفي النمسا ما يبلغ مائة مليونين ومائة وتسعة وآلاف ليرة وهذا هو القسم الأول من الأوراق النقدية الذي تؤديه الديون العمومية بعد انعقاد

ص: 88

الصلح بستة أشهر أما القرضان الثاني والثالث فهما عبارة عن الأوراق النقدية وهي التي تسدد بعد الحرب بسنة واحدة ولكنها لم يكن 1 مال مرصود في الصناديق كما في القسم الأول غير أنه يجب أن نعرف أن هذه القوائم التي تبلغ تسعة عشر مليوناً هي لقاء تحاويل الخزينة على ألمانيا وهي الآن في أيدي الديون العمومية فألمانيا مضطرة إلى دفع هذا المبلغ ذهباً في الأستانة بعد انعقاد الصلح بعام أما القسم الرابع وهو الذي يبلغ سبعة عشر مليوناً وسبعمائة وسبعة وسبعين ألفاً وتسعمائة وأربعين ليرة فشأنها شأن الذهب وهي تحاويل على الخزينة الألمانية التي تدفعها بعد الحرب بثلاث سنين على أقساط ففي كل عام تسترد منها مقدار سبعة ملايين ومائتي ألف ليرة وتدفعها ذهباً في الأستانة لحاملي هذه القوائم وآخر ما أصدرته الدولة ما قيمته اثنان وثلاثون مليوناً تؤديها ألمانيا ذهباً في العاصمة بعد الحرب بسبعة أعوام ففي كل من السنة الثامنة والتاسعة تدفع ستة ملايين وفي كل من السنة العاشرة والحادية عشرة تؤدي عشرة ملايين فلا يدخل العام الثاني عشر إلا وتكون الأوراق قد تحولت إلى ذهب إبريز ولا يبقى منها شيء للتداول.

وإذا قسنا هذه الشروط في إصدار أوراقنا بما تصدره الحكومات الأخرى علمنا أن قوائمنا أكثر اعتبارا وأعظم قيمة من غيرها فإن الأوراق النقدية التي مصرف الإمبراطورية الألمانية لم يذكر فيها زمن تأديتها ذهباً فهي إلى أجل غير معلوم وكذلك أخرجت فرنسا أوراقاً قيمتها ستة عشر ملياراً على هذا النمط بدون أن تعطي ضماناً على زمان تأديتها وهكذا فعلت النمسا والمجر فقد نشرت أوراقاً بقيمة عشرة ملايين كورون بلا وعدة معينة ولذلك فلا محل للاشتباه في أوراقاً والتردد في تداولها فهي صادرة من أعظم حكومة في العالم وتضمنها حكومة ألمانيا المعروفة باقتدارها لمالي وفي غالب أن لا شيء يدعو إلى الريبة والشك غير ما حدث في حرب سنة 1293 مع روسيا على عهد السلطان السابق فقد أصدرت الدولة مقداراً وفيراً من القوائم في زمن الحرب وتنصلت من دفعها أيام السلم هذا هو الذي زعزع الثقة المالية غير أن هذا الأمر هم فاضح لا لأن الدولة اليوم غيرها بالأمس فهي تسير على أصول ونظامات محكمة كما أن الأوراق القديمة لم تكن مضمونة من حكومة عظيمة كما هي أوراقنا اليوم.

لم تكد الحرب تنشب أظفارها في العالم لا واختفت النقود عن الأنظار وأختزنها الناس في

ص: 89

صناديقهم لا في بلادنا فقط بل جرى نظيره في بلاد العالم المتمدن أيضاً ففي فرنسا مثلاً لا يستطيع المرء أن يرى بعينه قطعة من النقود حتى في عاصمتها فضلاً عن ولاياتها فاضطرت البلديات أن تصدر أوراقاً بقيمة فرنك واحد تسهيلاً للمعاملات وترويجاً للأشغال لكيلا يقف دولاب الحركة الاقتصادية ولكن لم تكن ثابتة المبدأ وقائمة على أسس التأمين كما هي قراطيسنا وإن ما أصدرناه من الأوراق وهو نحو 46 مليوناً بلا ضمان هو معادل لمقدار النقد المتداول وهذا مما يزيل كل شك وريب في أوراقنا ولا يدع مجالاً لهبوطها إلى أقل من قيمتها الحقيقية.

كانت أميركا قبل الحرب ترسل كل عام مقداراً عظيماً من الذهب إلى خزائن أوربا ومصارفها لأن صادراتها التجارية كانت أقل من وارداتها ولما أعلنت الحرب العامة اضطرت دول الائتلاف إلى ابتياع ذخائر كثيرة من أعتاد الحرب من مصانع أميركا فانتقل الذهب إليها وقد كان ما في خزائنها لا يتجاوز ستة مليارات فأصبح اليوم يناهز خمسة عشر ملياراً وبعث الضيق دول الائتلاف أن تعقد قروضاً طائلة بربا فاحش لم يسبق له نظير في الأسواق الأميركية فأصبحت دولهم رازحة تحت أثقال الديون.

لا فرق بين الذهب والقراطيس المالية المعتبرة لأن الاثنين لا يؤكلان ولا يشربان وقيمتهم اعتبارية ولكن الناس اتفقوا أن تكون لها قيمة أضافية وما دامت الأمم تستطيع أن تدفع احتياجها المبرم بهذه القراطيس فلا يمضي قليل من الزمن إلا وتصبح أكثر شيوعاً واستعمالا في الأسواق المالية ولو اتفقت كلمة شعوب العالم على منع الذهب من التداول وأقامت مقامه الورق لما بقي للذهب ثمن لأنه لا يدفع جرعاً ولا يروي غليلاً وإذا نظرنا إلى نفقات الدول التجارية رأينا أن دول التحالف أقل نفقة من الائتلاف وأن الدولة العثمانية كانت أكثر الأمم اقتصاداً في النفقة فقد أنفقت إنكلترا مائة مليار فرنك وخسرت فرنسا ستين ملياراً وصرفت ألمانيا مثل هذا المبلغ أما الدولار 1 فلم تناهز نفقاتها أكثر من أربعة مليارات غير أن هاتيك الدول استطاعت أن تقترض من شعوبها ومن بيوتاتها المالية فلم تضطر كثيراً إلى استعمال القراطيس المالية فإن ألمانيا لم تصدر من الأوراق أكثر من تسعة مليارات في بلادها وفي ما احتلته من ديار أعدائها كبلجيكا وبولونيا لأنها كانت تستعين بنقود الأمة عند 1 الحاجة وتتناول ما يسد عوزك من البنك الأمبرطوري فتعقد معه

ص: 90

سلفات وقروضاً بشروط معتدلة ولما لم يتيسر لنا في بلادنا ما تيسر لألمانيا في مملكتها من عقد قروض داخلية لفقدان المعاهد الاقتصادية اضطررنا إلى إبراز القراطيس وكذلك تفعل ما دامت الحرب ناشبة قلنا أن ألمانيا تعهدت بدفع قيمة الأوراق النقدية ذهباً في العاصمة حسب الشروط المدونة على أننا استطعنا أن نقطف ثماراً يانعة من الائتلاف المنعقد بيننا وبينها فهو مشيد على أسس التساهل والولاء غير أن بلادنا تشتبك بعد الحرب مع جميع دول العالم بعلائق أقتصادية أكثر من الأول وقد كنا قبل الحرب مثقلين بأصفاد الديون لشعوب أوربا لأن الوارد من البضائع والسلع كان أعظم من الصادر حتى أننا كنا مضطرين ندفع مقدار تسعة ملايين للمرابين الأجانب كما أن الأمة تخسر كل عام أضعاف هذا المبلغ في المعاملات التجارية فكان يتسرب إلى مصارف أوربا وبيوتها المالية نحو خمسة وعشرين مليوناً من الليرات يبتزه الإفرنج بافانين متنوعة من ثروة السلطنة مما لا يتيسر لهم بعد الحرب.

وبلغت ميزانية هذه السنة نحو ثلاثة وعشرين مليوناً من الواردات وستة وأربعين مليوناً من النفقات على أن الحقيقة لم تزل مجهولة فقد قال جاويد أن الوردات أقل من هذا التخمين كما أن النفقات تناهز ثلاثة وثمانين مليوناً ففي فصل أعانة العائلات التي لا معين لها أرصدت الدولة مليوناً من الليرات في حين أنها أنفقت على هذا المشروع نحو خمسة ملايين وكذلك يقال عن ميزانية أسكان المهاجرين فهي لا تزيد على خمسمائة ألف ليرة ولكن زادت النفقات على مليون ونصف وتحتاج الدولة إلى تخصيص تسعمائة وثلاثين ألف ليرة حسب قانون التكليف الزراعي اما الواردات فقد أنتقدها فصلاً فصلاً وقال إن واردات الجمرك مشكوك فيها فقد خمنت الواردات بمليونين وسبعمائة وخمسين ألف ليرة إذا كانت نصف السنة نقضيها في الحرب والنصف الأخير منها في السلم بيد أن مجموع ربع الجمارك لم يزد هذا العام على سبعمائة وخمسين ألف ليرة ولهذا وجب طي مليونين من ميزانية الواردات التي لا تنيف حينئذ على احد وعشرين مليوناً على أن معظم فصول النفقات لا يكون له أثر في ميزانيتنا بعد الحرب فيذهب عن كاهلها خمسة ملايين نصف كنا نعطيها للمعوزين والمحاويج وكذلك تهبط ميزانية إسكان المهاجرين ويرتفع عن عاتقها ربا تحاويل الخزينة وهو يبلغ مقداراً جسيماً وأجور السكك الحديدية وهي تزيد على

ص: 91

ثلاثمائة ألف ليرة ولا نعود ننفق على مجريتنا وبريتنا كما يفعل اليوم بل على تنشيط الزراعة والتجارة والصناعة وتوليد منابع جديدة نسد بها العجز في ميزانيتنا ونحفظ بها شرفنا المالي على أن نفقاتنا لا تزيد بعد الحرب على أربعين مليوناً من الليرات. نحن لا ننكر أن الأمة تصاب بفتور في حركتها التجارية بعد الحرب لم لاقته من الخسائر في النفوس والنفائس فتنقص النواتج وتقل 1 وهذا طبعاً يولد تناقص واردات الدولة فتكون الواردات بعد الحرب أقل منها قبلها بثلاثة ملايين فتصبح سبعة وعشرين مليوناً بعد أن كانت ثلاثين مليوناً على أننا يمكننا تلافي هذا النقص فقد تيسرت لدينا مصادر ثروة جديدة وهي واردات الجمارك والأعشار والضرائب على التبعية الأجنبية ويمكن تخمينها بأربعة أو خمسة ملايين ولا مناص للدولة من أحداث ضرائب تستقي منها ماليتنا ما يروي غليلها اقتداء بدول العالم وإصلاحا لما أخربته الحرب فقد التمست حكومات العالم طرقاً شتى لا يجاد موارد لها فطرحت رسوماً ومكوساً على المكاسب التي كانت سبباً لإثراء التجار في الحرب وشاركتهم في أرزاقهم وكانت تسد النفقات التي أنشأتها الحرب بالاستقراض وبالمكوس الحديد فقد أحدثت فرنسا ضرائب كانت وارداتها منها نحو مليار مارك واقتدت بها ألمانيا فاستطاعت أن تجمع واردات من المكوس الحديثة نحو مليار ونصف مليار مارك وبلغ ريع المكوس الحربية في إنكلترا نحو ثلاثة مليارات من الليرات.

ومن أهم الضرائب التي على أحداثها ضريبة على المكتسبين من الحرب تفيد الدولة ولا قضر بالأمة وثروتها وهذا عمل مشروع التجأت إليه جميع دول الأرض على الإطلاق فقد رأينا كثيراً من أرباب رؤوس الأموال الصغيرة أصبحوا من أرباب الثروة الطائلة بسبب الحرب وليس من العدل أن يتمتعوا بهذه النعم ويضنوا على امهم الحنون بقليل من المال تنفقه على ما يحفظ ثغورهم ويقيم موازيين العدل بينهم وتحمي متاجرهم وأوطانهم وإذا قسنا مقدار الضرائب التي يؤديها المتوطن في فرنسا أو إنكلترا أو في إيطاليا أو ألمانيا ظهر لنا عطف الدولة على رعاياها ورأفتها بالشعوب الخاضعة لها فهي ارأف الحكومات المتمدنة فلا تحمل الوطني فوق طاقته ولا ترهقه في الضرائب والمكوس كما هي الحال في البلاد الأجنبية. وقد يستكثر بعضهم ويتصور غولاً اقتصاديا يفترس استقلالنا ويزدد موارد حياتنا ومرافق ثروتنا ولكن الذي يعرف غنى البلاد العثمانية بمناجمها ومعادنها

ص: 92

ومراعيها وحراجها يزول منه الخوف على المستقبل فديوننا لا تزيد على ثلثمائة وخمسين مليوناً من الليرات في حين كانت ديون فرنسا قبل الحرب نحو مليار جنيه وديون إنكلترا مليارين وديون ألمانيا سبعمائة مليون وديون إيطاليا نصف مليار على أن أوسع ساحة وأخصب تربة وأجمل بقعة وأغنى في الكرة وإذا تمشت فيها روح العصر واستثمرت كنوزها وخزائنها وتعودت الأمة خوض المعارك الاقتصادية فأقيمت المصارف وتألفت الشركات وعمرت البلاد وأنشئت الغابات وسقيت البقاع واشتغلت يد الصانع والعمل في المناجم والمعادن وانتشرت المصانع العقول وتبدلت المحاريث القديمة بسكك بخارية وارتبطت البلاد بشبكة من خطوط الحديد فلا تلبث قليلاً من الزمن إلا وتكون مواردنا أعظم من واردات أكبر دولة في العالم وقد تعلمنا من هذه الحرب الضروس الاعتماد على النفس وأن الحياة عراك عقلي دائم يفوز فيه الشعب العامل ويندحر في ميدان الحامل المكسال أهـ.

حياة أديسون العلمية

لم يبق أحد غير واقف على شهرة أديسون العالم الأميركي المشهور باختراعاته واكتشافاته الكبيرة وقد أقيمت له في جامعات أميركا حفلات عظيمة بمناسبة بلوغه سبعين عاماً من حياته التي قضاها في الجد والاجتهاد.

ولد أديون الأخصائي في علم الكهرباء سنة 1847 في مدينة ميلان وهي من مقاطعة أوهايو في البلاد المتحدة الأميركية وقد توظف بادئ الأمر في الخط الحديدي الكبير بين كندا وميشيكان الوسطى فبقي في هذا العمل بضعة أعوام في غضونها أصدر جريدة علمية تولى بنفسه تحريرها وطبعها بلا مساعدة من أحد دعاها جريدةالخطوط الحديدية الكبرى وكانت من ركاب القطارات.

وفي سنة 1862 تولى أديسون وظيفة في دائرة البرق في بورهرثون بعد عامين أخترع برق دوبليكس وهو إيجاد طريقة لتسهيل مرور برقيتين الواحدة ذاهبة والأخرى آتية في وقت واحد وعلى خط واحد وهو اختراع كان له اثر عظيم في المخابرات البرقية أفاد التجارة والسياسة في اقتصاد الوقت وفي سنة 1868 أختار الإقامة في مدينة بوستون وهناك زاول بعض أرائه وتدقيقاته في مسألة الأدوات الاهتزازية وفي سنة 1869 فتح

ص: 93

مصنعاً لأدوات البرق على أحدث طرز وأكمل صناعة.

وفي سنة أسند إليه منصب مهندس شركات الخطوط البرقية على اختلافها وقد باع مخترعاته من هذه الشركات لقاء مبلغ سنوي تدفعه إليه ومن ثم أصبح من أرباب الثروة واليسار فأنشأ معمله الكبير المسمى مثلو - بارق في مدينة وونش من مقاطعة ينوجيرسي الأميركية ومن جملة اختراعاته سنة1877 الاكتشاف المدعوميفروته ليفون وهو الذي كان عاملاً وحيداً في استعمال التليفون وفي السنة نفسها أوجد أداة ميليفون وأعقبها باختراعات كثيرة وقد بلغت اكتشافاته نحو ستمائة من أهمها اختراع الفوتوغراف الحاكي ولا يزال مثابر على أعماله العقلية بهمة ونشاط قلما نرى نظيره في الشبان ففي كل سنة ينال امتيازاً بل امتيازات كثيرة بإبداع جديد وأثر حديث.

الصفر

يرى كثيرون أن عادت استعمال الصفر في الرياضيات كان من علائم الارتقاء وقد تبين أن قدماء البابليين لم يكونوا يعرفوا الصفر في الأعداد وأن الهنود لم يستعملوه إلا نحو سنة 600 للمسيح وأقدم استعمال للصف عند الهنود لم تختلف فيه كان منذ سنة 870 ويؤخذ من البحث الذي وقع في أميركا الوسطى أن شعوب المايا كانوا يعرفوا الصفر قبل الشعوب الآسيوية بستة قرون ولم يكن أهل المايا يحسبون على الطريقة العشرية بل على الطريقة العشرينية أي يحسبون عشرين عشرين والأعداد من الواحد إلى التسعة عشر كانوا يرقمونها بنقط أو أشارات ويكون الصفر أشبه بعين مطبقة على ما عرف من عادياتهم.

ص: 94