المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أنواع التوحيد الذي بعث الله به الرسل عليهم الصلاة والسلام - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٢

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌حقيقة التوحيد والشرك

- ‌أنواع التوحيد الذي بعث الله به الرسل عليهم الصلاة والسلام

- ‌توحيد المرسلين وما يضاده من الكفر والشرك

- ‌تعليق علىالعقيدة الطحاوية

- ‌معنى المعية والقيام

- ‌بيان مذهب أهل السنة في الاستواء

- ‌تعقيب وتوضيح على مقالةالدكتور محيي الدين الصافيبعنوان(من أجل أن نكون أقوى أمة)

- ‌إجابة عن سؤال حول علو الله تعالى

- ‌حكم الاستغاثة بغير الله سبحانه

- ‌تنبيه على مسألة الحلف بغير الله

- ‌تحريم الحلف بغير الله

- ‌حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم

- ‌التعلق بالنجوم والأبراج والطالع

- ‌وجوب التوبة إلى الله والضراعة إليه عند نزول المصائب

- ‌حرمة القرآن الكريم

- ‌اعتقاد فاسد في آيات تجلب الخير وتمنع الضرر

- ‌نصيحة عامة

- ‌نصيحة موجهة إلى كافة المسلمين

- ‌نصح وإرشاد

- ‌نصيحة عامة لرؤساء الدول الإسلامية وعامة المسلمين

- ‌كلمة بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي

- ‌لا أخوة بين المسلمين والكافرين ولا دين حق غير دين الإسلام

- ‌وجوب عداوة اليهود والمشركين وغيرهم من الكفار

- ‌التضامن الإسلامي

- ‌التعريف بالإسلام ومحاسنه

- ‌الشريعة الإسلامية ومحاسنها وضرورة البشر إليها

- ‌التمسك بالإسلام حقاهوسبب النصر والنجاة في الآخرة

- ‌في ظل الشريعة يتحقق الأمن والحياة للمسلمين

- ‌الإسلام هو الدين الحق وما سواه من الأديان باطل

- ‌التقوى سبب كل خير

- ‌العلم بأحكام الله من أهم الواجبات

- ‌العلم وأخلاق أهله

- ‌على طريق العلم

- ‌نصيحه لطلبة العلم

- ‌حكم من درس القوانين الوضعية أو تولى تدريسها

- ‌كلمة في المؤتمر الأول للدعوة والدعاة

- ‌الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌الدعوة إلى الله وأثرها في المجتمع

- ‌ما هكذا الدعوة إلى إصلاح الأوضاع يا حمد

- ‌ما هكذا الدعوة إلى الله يا صالح

- ‌الحركات الإسلامية ودور الشباب فيها

- ‌الأقليات الإسلامية ظروفها وآمالها

- ‌الرد على مزاعم هيئة الإذاعة البريطانية(تكذيب خبر)

- ‌إجابة عن سؤال حول مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه بالغيب

- ‌إجابة عن أسئلة متفرقة حول كتابة التعاويز بالآيات وأمور أخرى تتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصفة كاملة

- ‌كلمة تحذيرية حول إنكار رشاد خليفة للسنة المطهرة

- ‌تنبيه هامحول الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجدين الشريفين

- ‌تنبيه هامعلى قصيدة بعنوان (الزيارة)

- ‌نداء من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورةللمسلمين كافة

- ‌فضل الجهاد والمجاهدين

- ‌المقصود من الجهاد:

- ‌وجوب الإعداد للأعداء:

- ‌فضل الرباط والحراسة في سبيل الله

- ‌لقاء مجلة تكبير الباكستانيةمع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الفصل: ‌أنواع التوحيد الذي بعث الله به الرسل عليهم الصلاة والسلام

‌أنواع التوحيد الذي بعث الله به الرسل عليهم الصلاة والسلام

(1)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى بعث رسله عليهم الصلاة والسلام دعاة للحق وهداة للخلق، بعثهم مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فبلغوا الرسالة وأدوا الأمانة، ونصحوا لأممهم، وصبروا على أذاهم، وجاهدوا في الله حق جهاده، حتى أقام الله بهم الحجة وقطع بهم المعذرة.

كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (2) وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (3) وقال سبحانه: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (4) فبين سبحانه في هذه الآيات أنه أرسل الرسل ليدعوا الناس إلى عبادة الله وحده وينذروهم عن الشرك به

(1) نشرت ضمن كتاب محاضرات رابطة العالم الإسلامي للموسم الثقافي في حج عام 1400 هـ ص 79_86

(2)

سورة النحل الآية 36

(3)

سورة الأنبياء الآية 25

(4)

سورة الزخرف الآية 45

ص: 30

وعبادة غيره، وقد بلغ الرسل عليهم الصلاة والسلام ذلك ودعوا إلى توحيد الله في عبادته فأرسوا لأممهم قواعد العدالة والبر والسلام، ونجحوا في مهمتهم غاية النجاح، لأن مهمتهم هي البلاغ والبيان، أما الهداية للقلوب وتوفيقها لقبول الحق فهذا بيد الله سبحانه ليس بيد الرسل ولا غيرهم كما قال الله عز وجل:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (1) وقال سبحانه: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (2) وقال سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (3) ولا سيما خاتمهم وإمامهم وأفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه قد نجح في دعوته أعظم نجاح، وأكمل الله له ولأمته الدين، وأتم عليهم النعمة، وجعل شريعته شريعة كاملة عامة لجميع الثقلين منتطمة لجميع مصالحهم العاجلة والآجلة، كما قال الله عز وجل:

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (4) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (5) وقال عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (6) وقد أجابهم الأقلون وكفر بهم الأكثرون جهلا وتقليدا للآباء والأسلاف، واتباعا للظن والهوى

(1) سورة البقرة الآية 272

(2)

سورة النحل الآية 35

(3)

سورة الحديد الآية 25

(4)

سورة المائدة الآية 3

(5)

سورة سبأ الآية 28

(6)

سورة الأعراف الآية 158

ص: 31

كما قال سبحانه: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} (1){وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (2){أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} (3){بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (4){وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (5){قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} (6){فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (7)

وقال تعالى لما ذكر اللات والعزى ومناة: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (8) والآيات في هذا المعنى كثيرة وقد يحمل بعضهم على التكذيب والمخالفة الحسد والبغي والاستكبار، مع كونه يعرف الحق كما جرى لليهود فإنهم يعرفون محمدا عليه الصلاة والسلام كما يعرفون أبناءهم ولكن حملهم البغي والحسد وإيثار العاجلة على تكذيبه وعدم اتباعه وكما جرى لفرعون وقومه. قال الله تعالى عن موسى أنه قال لفرعون:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} (9) الآية.

وقال تعالى عن فرعون وقومه: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} (10){وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (11) وقال سبحانه عن كفار

(1) سورة الزخرف الآية 19

(2)

سورة الزخرف الآية 20

(3)

سورة الزخرف الآية 21

(4)

سورة الزخرف الآية 22

(5)

سورة الزخرف الآية 23

(6)

سورة الزخرف الآية 24

(7)

سورة الزخرف الآية 25

(8)

سورة النجم الآية 23

(9)

سورة الإسراء الآية 102

(10)

سورة النمل الآية 13

(11)

سورة النمل الآية 14

ص: 32

قريش في تكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (1) وقد كانوا يعرفونه في الجاهلية بالصدق والأمانة ويسمونه الأمين ويشهدون له بالصدق، فلما جاءهم بغير ما عليه آباؤهم وأسلافهم أنكروا عليه وكذبوه وعادوه وآذوه وقاتلوه، وهذه سنة الله في عباده مع الرسل ودعاة الحق يمتحنون ويكذبون ويعادون ثم تكون لهم العاقبة، كما شهدت بذلك الآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة والوقائع المعروفة قديما وحديثا، وكما شهد هرقل عظيم الروم لما سأل أبا سفيان عن حال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وكيف الحرب بينهم وبينه فقال أبو سفيان: إنها بينهم وبينه سجال يدالون عليه ويدال عليهم فقال هرقل: هكذا الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة.

وقد وعد الله الرسل وأتباعهم بالنصر والتمكين وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} (2){إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} (3){وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (4) وقال سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (5){يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (6) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7){وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} (8){ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (9) وقال عز وجل: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (10)

(1) سورة الأنعام الآية 33

(2)

سورة الصافات الآية 171

(3)

سورة الصافات الآية 172

(4)

سورة الصافات الآية 173

(5)

سورة غافر الآية 51

(6)

سورة غافر الآية 52

(7)

سورة محمد الآية 7

(8)

سورة محمد الآية 8

(9)

سورة محمد الآية 9

(10)

سورة الروم الآية 47

ص: 33

وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1) والآيات في هذا المعنى كثيرة ومن تأمل سنة الله في عباده علم صحة ما دلت عليه هذه الآيات من جهة الواقع كما قد علم ذلك من جهة النقل وإنما يصاب أهل الإسلام في بعض الأحيان بسبب ما يحصل منهم من الذنوب والتفريط في أمر الله وعدم الإعداد المستطاع لأعدائهم ولحكم أخرى وأسرار عظيمة كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (2) وقال سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) وقال عز وجل: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (4)

ومن يتأمل دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام وحال الأمم الذين دعتهم الرسل يتضح له أن التوحيد الذي دعوا إليه ثلاثة أنواع، نوعان أقر بهما المشركون فلم يدخلوا بهما في الإسلام وهما توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.

أما توحيد الربوبية فهو الإقرار بأفعال الرب من الخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة إلى غير ذلك من أفعاله سبحانه

(1) سورة النور الآية 55

(2)

سورة الشورى الآية 30

(3)

سورة آل عمران الآية 165

(4)

سورة النساء الآية 79

ص: 34

فإن المشركين قد أقروا بذلك واحتج الله عليهم به، لأنه يستلزم توحيد العبادة ويقتضيه، كما قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (1) وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (2) الآية وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (3) المعنى فقل أفلا تتقون الإشراك به في عبادته وأنتم تعلمون أنه الفاعل لهذه الأشياء وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4){سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (5){قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (6){سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (7){قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (8){سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (9)

والآيات في هذا المعنى كثيرة وكلها دالة على إقرارهم بأفعال الرب سبحانه ولم يدخلهم ذلك في الإسلام، كما تقدم لعدم إخلاصهم العبادة لله وحده وذلك حجة عليهم فيما أنكروه من توحيد العبادة لأن الخالق لهذه الأشياء التي أنكروها هو المستحق لأن يعبد وحده لا شريك له.

أما النوع الثاني وهو توحيد الأسماء والصفات فقد ذكر الله ذلك

(1) سورة العنكبوت الآية 61

(2)

سورة الزخرف الآية 87

(3)

سورة يونس الآية 31

(4)

سورة المؤمنون الآية 84

(5)

سورة المؤمنون الآية 85

(6)

سورة المؤمنون الآية 86

(7)

سورة المؤمنون الآية 87

(8)

سورة المؤمنون الآية 88

(9)

سورة المؤمنون الآية 89

ص: 35

في آيات كثيرات ولم ينكره المشركون سوى ما ذكر عنهم من إنكار الرحمن في قوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} (1)

وهذا منهم على سبيل المكابرة والعناد وإلا فهم يعلمون أنه سبحانه هو الرحمن كما وجد ذلك في كثير من أشعارهم، قال الله سبحانه:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (2) وقال الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3){اللَّهُ الصَّمَدُ} (4){لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (5){وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (6) وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (7) وقال عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (8){الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (9){مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (10) وقال سبحانه: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (11) والآيات في هذا المعنى كثيرة وكلها دالة على أن الله سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلا وله الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله لا شريك له في ذلك.

وقد أجمع سلف الأمة على وجوب الإيمان بكل ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة من الأسماء والصفات وإقرارها كما جاءت، والإيمان بأن الله سبحانه موصوف بها على الحقيقة لا على المجاز على الوجه اللائق به لا شبيه له في ذلك ولا ند له ولا كفو ولا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه وهو

(1) سورة الرعد الآية 30

(2)

سورة الحشر الآية 22

(3)

سورة الإخلاص الآية 1

(4)

سورة الإخلاص الآية 2

(5)

سورة الإخلاص الآية 3

(6)

سورة الإخلاص الآية 4

(7)

سورة الشورى الآية 11

(8)

سورة الفاتحة الآية 2

(9)

سورة الفاتحة الآية 3

(10)

سورة الفاتحة الآية 4

(11)

سورة النحل الآية 74

ص: 36

الموصوف بمعانيها كلها على الكمال المطلق الذي لا يشابهه فيها أحد كما تقدم في قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) وهذا النوع حجة قاطعة على استحقاق ربنا سبحانه العبادة كالنوع الأول.

أما النوع الثالث فهو توحيد العبادة وهو الذي جاءت به الرسل، ونزلت الكتب بالدعوة إليه، والأمر بتحقيقه وخلق الله من أجله الثقلين، وفيه وقعت الخصومة بين الرسل وأممهم، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (2) وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (3)

وقال عن نوح وهود وصالح وشعيب عليهم الصلاة والسلام أن كل واحد منهم قال لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (4) وقال سبحانه: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (5){إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (6)

وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (7) وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (8)

(1) سورة الشورى الآية 11

(2)

سورة النحل الآية 36

(3)

سورة الأنبياء الآية 25

(4)

سورة الأعراف الآية 59

(5)

سورة العنكبوت الآية 16

(6)

سورة العنكبوت الآية 17

(7)

سورة الذاريات الآية 56

(8)

سورة البقرة الآية 21

ص: 37

وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) الآية وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) والآيات في هذا المعنى كثيرة وكلها تدل على أن الله سبحانه أرسل الرسل وأنزل الكتاب وخلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له ويخص بالعبادة دون كل ما سواه.

وقد تنوعت عبادة المشركين لغير الله، فمنهم من عبد الأنبياء والصالحين ومنهم من عبد الأصنام ومنهم من عبد الأشجار والأحجار ومنهم من عبد الكواكب وغيرها، فأرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب لإنكار ذلك كله، ودعوة الخلق كلهم إلى عبادة الله وحده دون كل ما سواه فلا يدعى إلا الله ولا يستغاث إلا به ولا يتوكل إلا عليه ولا يتقرب بالنذور والذبائح إلا له عز وجل، إلى غير ذلك من أنواع العبادة وهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

وقد زعم المشركون أنهم قصدوا بعبادة الأنبياء والصالحين واتخاذهم الأصنام والأوثان آلهة مع الله زعموا أنهم إنما أرادوا بذلك القربة والشفاعة إلى الله سبحانه فرد الله عليهم ذلك وأبطله بقوله عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3) وقال عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (5)

(1) سورة الإسراء الآية 23

(2)

سورة الفاتحة الآية 5

(3)

سورة يونس الآية 18

(4)

سورة الزمر الآية 2

(5)

سورة الزمر الآية 3

ص: 38

ولما دعا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قريشا وغيرهم من كفار العرب إلى هذا التوحيد أنكروه واحتجوا على ذلك بأنه خلاف ما عليه آباؤهم وأسلافهم كما قال سبحانه: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (1){أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (2) وقال سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (3){وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (4) قال الله سبحانه: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} (5) والآيات الدالة على كفرهم واستكبارهم وعنادهم كثيرة جدا قد سبق ذكر الكثير منها.

فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه أن يبلغوا عن الله دينه بعلم وبصيرة، وأن يصبروا ولا ييأسوا وأن يتذكروا وعد الله رسله وأتباعهم بالنصر والتمكين في الأرض إذا نصروا دينه وثبتوا عليه واستقاموا على طاعة الله ورسوله، كما تقدم ذكر ذلك في الآيات المحكمات وكما جرى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أوذي وعودي من القريب والبعيد فصبر كما صبر الرسل قبله واستمر في الدعوة إلى ربه وجاهد في الله حق الجهاد وصبر أصحابه وناصروه وجاهدوا معه حتى أظهر

(1) سورة ص الآية 4

(2)

سورة ص الآية 5

(3)

سورة الصافات الآية 35

(4)

سورة الصافات الآية 36

(5)

سورة الصافات الآية 37

ص: 39

الله دينه وأعز جنده وخذل أعداءه ودخل الناس في دين الله أفواجا، سنة الله في عباده، فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (1) وتقدم قوله عز وجل: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2) وقوله سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (3) الآية. وقال سبحانه: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (4)

وأسأل الله عز وجل أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين، ويجمع قلوبهم على الحق، وأن يفقههم في دينه، وأن يصلح قادتهم، ويجمعهم على الهدى، ويوفقهم لتحكيم شريعته والتحاكم إليها والحذر مما خالفها إنه جواد كريم. . وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

(1) سورة المائدة الآية 56

(2)

سورة الروم الآية 47

(3)

سورة النور الآية 55

(4)

سورة هود الآية 49

ص: 40