المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقالة الرابعة في بيان حال المتأخرين منهم وحكم دارهم وإفتاء المسلمين في حقهم - مختصر اليمانيات المسلولة على الرافضة المخذولة

[-]

الفصل: ‌المقالة الرابعة في بيان حال المتأخرين منهم وحكم دارهم وإفتاء المسلمين في حقهم

حتى خابوا عن موارد النقل وآبوا إلى شوارد العقل، أعاذنا الله تعالى من قبائح أفعالهم وأحوالهم وشنائع أقوالهم.

قال ابن حجر: فالحذر الحذر مما يلقونه إليهم -أي إلى أهل البيت- من أباطيل [من أن] من اعتقد تفضيل أبي بكر على علي رضي الله عنهما كان كافرا، لأن مرادهم بذلك أن يقرروا عندهم تكفير الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدين وعلماء الشريعة وعوامهم وأنه لا مؤمن غيرهم، وهذا مؤد إلى هدم قواعد الشريعة من أصلها وإلغاء العمل بكتب السنة وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته وأهل بيته، إذ الرواة لجميع آثارهم وأخبارهم وللأحاديث بأسرها بل الناقل للقرآن في كل عصر إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وإلى هؤلاء هم الصحابة والتابعون وعلماء الدين، إذ ليس لنحو الرافضة رواية ولا دراية يدرون بها فروع الشريعة. ثم قال: فإذا قدحوا فيهم قدحوا في القرآن والسنة وأبطلوا الشريعة رأسا وصار الأمر كما في زمن الجاهلية، فلعنة الله وأليم عذابه وعظيم نقمته على من يفتري على الله تعالى ورسوله بما يؤدي إلى إبطال ملته وهدم شريعته، وكيف يسع العاقل أن يحكم بكفر السواد الأعظم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى كلامه رفع مقامه.

ونقل عضد الملة والدين عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني أن كل مخالف يكفرنا فنحن نكفره. وهؤلاء الكفرة قد ضربوا الجزية على المسلمين الساكنين في بلادهم مع ما سبق منه إكفارهم للسواد الأعظم ويقطعون رجل من غسل رجليه كما شاهده الثقات منهم.

‌المقالة الرابعة في بيان حال المتأخرين منهم وحكم دارهم وإفتاء المسلمين في حقهم

اعلم أن ما سبق هو بيان حال مطلق الشيعة، فلو تنزلنا عن تكفيرهم جميعا فلا شك أن كثير من متأخري هذه الفرقة سيما الإمامية قد التحقوا بالفرق الضالة كما مر نقله عن المواقف وشرحه. ومن هؤلاء الضالين الطائفة الشاهية كما وصل إلينا من ثقات العلماء العاملين المخالطين لهم وكما شاهدناه منهم

ص: 16

بعد مخالطتنا لهم ومجالستهم معنا وبحثنا عن عقائدهم لا على سبيل التجسس المنهي عنه بل لتحقيق الحق وإظهار الصواب. حتى إن كثيرا من المتصلفين المتوسمين بالمصنفية فيهم جعلوا سب الصحابة والتبرء منهم وسب عائشة رضي الله عنها ونسبتها إلى الزنا جزءا من الدين، وقد مر حكم ذلك. وجعل هؤلاء الضالون سبها وسب أبيها وسب عمر وسب عثمان رضي الله عنهم شعارا على المنابر والمنارات في بلادهم؛ بل جعلوا ذلك بدلا من الصلوات المفروضات والجمعة والجماعات. وكثير من عوامهم ينكرون صحبة أبي بكر رضي الله عنه، بل يسمون الكلاب بأسماء كبار الصحابة ويكتبون أسماءهم الشريفة تحت النعال. ويحكى أن بعض الأكراد رأى واحدا منهم على طرف سطح مكتوبا تحت نعله اسم واحد من الصحابة الكبار فغضب من قبيح فعله فرماه بسهم فأصاب موضع الاسم وقتله، فأخذوه مهتمين بقتله سائلين عنه لم فعلت ذلك فقال في جوابهم: فعلت ذلك بغضا لصاحب الاسم وإني من جملتكم، فاستحسنوا منه ذلك وأحسنوا عليه.

والسبب الأكثري في هذه الشناعات والقبائح هو معاداة المسلمين ومخالفة أهل الدين، حتى إنهم يخالفونهم في الملابس والمشارب والمجالس والمآكل عنادا وبغضا. وإن بعض عوامهم يفضلون عليا على محمد صلى الله عليه وسلم بمجرد التعصب، كيف ولو كان سبهم للصحابة رضي الله عنهم بأرفع أصواتهم مع رفع الأعلام واجتماع الصبيان والنسوان وعمل الصور ورفعها صادرا عنهم مع غرض ثابت وملاحظة استحقاق لشركوا في ذلك من يستحق اللعن قطعا كأبي لهب وفرعون وهامان ونمرود وإبليس خذلهم الله خذلانا أصيرا وأوصلهم إلى جهنم

ص: 17

وساءت مصيرا. ونعوذ بالله من حالاتهم الشينة وضلالاتهم البينة.

قال ابن حجر: أما قدحهم فإن خالف دليلا قطعيا كقذف عائشة رضي الله عنها وإنكار صحبة أبيها رضي الله عنه كان كفرا. وصرح بذلك العلامة التفتازاني والعلامة الدواني مع كونهما من أهل الخبرة بمعتقدات هؤلاء الضالين.

وإذا عرفت هذا فما نقل عن الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه والإمام الشافعي رضي الله عنه في أحد قوليه وأبي حسن الأشعري في كتابه المسمى بمقالات الإسلام وأبي بكر الرازي والكرخي والحاكم صاحب المختصر في كتابه المسمى بالمنتقى وغيرهم من أنهم كانوا لا يكفرون أحدا من أهل القبلة حتى صار ذلك قاعدة لأهل السنة والجماعة ويقبلون شهادتهم: محمول على من خالف في أمور متشابهة كمسئلة الصفات وخلق الأعمال وغيرها بعد اتفاقه على ما هو من ضروريات الدين كحدوث العالم وحشر الأجساد وما أشبه ذلك ككثيرين من متقدمي هؤلاء، كذا حققه بعض المحققين. ثم قال: لا نزاع في كفر أهل القبلة المواظب على الطاعات طول العمر مع اعتقاد قدم العالم ونفي الحشر ونفي العلم بالجزئيات ونحو ذلك وكذا صدور شيء مما يوجب الكفر. انتهى ونسب كلامه من أوله إلى آخره إلى شرح المقاصد.

وعند ذلك يتعجب من استشكال العلامة التفتازاني في شرح العقائد الجمع بين قولهم لا نكفر أحدا من أهل القبلة وقولهم بكفر القائلين بخلق القرآن وسب الشيخين ونحوهما كالمعتزلة والشيعة. والتطبيق بين الكلامين بالاجتهاد وعدمه كما وقع لبعض معاصرينا شطط وفتح لباب الضلالة والكفر، بل التطبيق إنما هو على الوجه الذي سبق آنفا بنقل

ص: 18

بعض المحققين عن شرح المقاصد. ثم إن محققي المتأخرين منا لما رأوا متأخري هؤلاء الضالين مجتمعين على ما ذكرنا من العقائد القبيحة والأفعال الشنيعة غيروا اعتذارنا في حقهم وردنا على من أكفرهم كما هو مبسوط في المواقف وشرحه. ألا ترى أن ابن حجر رحمه الله أكفرهم بكثير مما رده أصحابنا وذلك لإمكان التوجيه في الرد في حق متقدميه بخلاف متأخريهم الضالين كالطائفة الشاهية وغيرهم من الذين هم أشد ضرا في الدين من اليهود والنصارى كما سبق.

وممن صرح بكفرهم وأفتى به فيما بلغنا العالم الزاهد المحقق المدقق مفتي الثقلين أستاذ الفريقين أبو السعود قدس الله سره والفاضل الكامل المدقق عصام الدين الإسفرائيني مع كثرة ممارسته لهم وطول مؤانسته بهم. وأفتى به العالم الزاهد الشيخ الصالح الحكاري والمحقق الكامل محمد البرقعلي والمولى البرسفي والمولى حسين الشيفكي. وإن منهم من بلغ الدرجة الوسطى الكافية في الاجتهاد. ولو تنزلنا عن ذلك فمنهم من بلغ التجزء الكافي في الإفتاء كما مر نقلا عن السبكي. ولو تنزلنا عن ذلك أيضا فلا أقل [من] أنهم مقلدون والمقلد يجوز له الإفتاء إن قلد الأئمة الأربعة أو غيرهم ورأى في الإفتاء مصلحة دينية. ولا مصلحة فوق زجر من يكفر السواد الأعظم ومن هو أضر في الدين من اليهود والنصارى. وقد مر كل ذلك في المقدمة وما بعدها.

وأيضا أفتوا بأن دارهم دار كفر، أي دارهم المخصوصة بهم بخلاف الديار التي يداري أهلها مع هؤلاء الضالين مع كونهم على السنة السَّنية وإقامتهم للجماعة والجمعة ومدحهم للصحابة رضي الله

ص: 19

عنهم ودعائهم لسلطان الإسلام أيده الله تعالى على المنابر. وأفتى بذلك العالم الزاهد جدي المحقق أبو بكر المشهور بالمصنف ورئيس المفسرين خالي العزيز مولانا عبد الكريم مع تبحره واختباره بحال هؤلاء الضالين، حتى إنه غزاهم مع الأمير المرحوم العادل هلوخان الأردلاني وقتل هو بنفسه منهم نيفا، وكانوا يقولون له إن هذا الفارس علي رضي الله عنه، صالح أهل السنة فيعينهم علينا.

ووقع في كتاب المتفق والمختلف أن مذهب الإمام مالك أن أمارات الكفر إذا ظهرت في بلاد يصير حكمها حكم دار الحرب. وقد سبق أن هؤلاء الكفرة جعلوا أمارات الكفر شعارا فيما بينهم. ونحن تنزلنا إلى أنهم في دراهم كالكفرة الأصلية حكما بلا خلاف، ومن خرج من بلادهم إلى بلادنا فلا بد من بيان حاله، فإن صدر عنه ما يكفر به أجرينا مقتضى كفره، أو لا فلا.

فإن قلت يحتمل أن يكون بينهم من المسلمين رجالا أو يكون في أيديهم من أموالهم شيئا؟ قلت: لا فرق بينهم وبين سائر الحربيين في ذلك الاحتمال.

فإن قلت: يتلفظون بالشهادتين، قلت: لا بد مع ذلك من استبرائهم عما كفروا به كما قرره جمهور الفقهاء. والحال أنهم لا يستبرءون عما كفروا به ولو قطعوا إربا إربا، على أنهم بمثابة الزنادقة كما سبق نقلا عن أبي زرعة الرازي، وتوبة الزنديق لا تقبل. قال النووي: وقال الروياني في الحلية: والعمل على هذا، وعليه الإمام الأعظم أبو حنيفة ومالك وأحمد في أحد روايتيه.

ص: 20