المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المصلحة عند الجمهور - التعيين في شرح الأربعين - المقدمة

[الطوفي]

الفصل: ‌ المصلحة عند الجمهور

‌الإشارة إلى‌

‌ المصلحة عند الجمهور

وعند الطوفي

المصلحة عند الجمهور:

والمصلحة من الأهمية بمكان والخطورة بمحل، إذ هي من موارد الاجتهاد عند فقد النصوص، والنصوص ومعانيها المستثارة منها المعزَّوة إليها لا تقع من مُتَّسع الشريعة غرفة من بحر، كما قاله الجويني.

ولا يمكن رفضها وإلغاؤها مطلقا كما ذهب إليه بعض المتكلمين إذ الشرع أقرَّها في الجملة، ولا يمكن قبولها مطلقا إذ أن هذا تفلت من الشرع، وخلع لربقة الدين، ووضع للشرع بالرأي، واستغناء عن الشرع، وهي حينئذ تصبح بابة مفتوحة يلج منها كل عاث في الأرض فسادا عابث بالدين باسم الدين.

والأمر كما قال الجويني: "وَمَسَاقُهُ رَدُّ الأمر إلى عقول العقلاء، وإحكام الحكماء"(1) فيجب وزنها بميزان الشرع وضبطها بمعياره وتأصيلها تأصيلا محكما، وحصر قضاياها بمحكمات الشرع، ولا يقوم بذلك إلا فقيه النفس، صفي الذهن، ضليع في فقه الكتاب والسنة (2).

(1) البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين الجويني 2/ 725. الطبعة الثالثة.

(2)

ألفت رسائل جامعية في بحث المصلحة؛ منها رسالة ماجستير للدكتور مصطفى زيد قدمت إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة بعنوان "المصلحة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي"، ومنها رسالة دكتوراه للدكتور حسين حامد حسان قدمت إلى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بعنوان "نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي" ومنها رسالة دكتوراه للدكتور البوطي قدمت إلى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بعنوان "ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية".

والحقيقة أن موضوع المصلحة أعظم أهمية من تناوله في رسالة جامعية يقدمها طالب لنيل شهادة، وقد ذكر الفقيه الأبياري أن معالجة المصلحة وتقديرها يتوقف على مجتهد.

وهذه الكتب التي قدمت لم تقع الموقع المطلوب في نظري، إذ تفقد فقه الكتاب والسنة.

ص: 15

والمصلحة من الأدلة التي قيل: إنها من الأدلة المختلف فيها، أو الأدلة الموهومة، ولكن الفقهاء كلهم يمارسها ويستدل بها في واقعه العملي.

ولقد لخص تلخيصا جيدًا الإمام الشاطبي في كتابه "الاعتصام" مذاهب الأصوليين فيها، حيث قال: "إن القول بالمصالح المرسلة ليس متفقا عليه، بل قد اختلف فيه أهل الأصول على أربعة أقوال:

1 -

فذهب القاضي وطائفة من الأصوليين إلى رده، وأن المعنى لا يعتبر ما لم يستند إلى أصل.

2 -

وذهب مالك إلى اعتبار ذلك، وبنى الأحكام عليه على الإطلاق (1).

3 -

وذهب الشافعي ومعظم الحنفية إلى التمسك بالمعنى الذي لم يستند إلى أصل صحيح، لكن بشرط قربه من معاني الأصول الثابتة. هذا ما حكى الإمام الجويني (2).

وذهب الغزالي إلى أن المناسب إن وقع في رتبة التحسين والتزيين لم يعتبر حتى يشهد له أصل معين، وإن وقع في رتبة الضروري فميله إلى قبوله، لكن بشرط، قال: ولا يبعد أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد.

واختلف قوله في الرتبة المتوسطة، وهي رتبة الحاجي فرَدَّه في المستصفى (3)،

(1) هذا ما قرره إمام الحرمين، لكن يأتي في كلام الأبياري شارح البرهان ما يعكر على ذلك.

(2)

البرهان 2/ 721 - 722.

(3)

(2/ 487 طبعة د. حمزة بن زهير).

ص: 16

وهو آخر قوليه، وقبله في شفاء الغليل (1)، كما قَبِلَ ما قبله.

وإذا اعتبر من الغزالي اختلاف قوله فالأقوال خمسة (2) ".

وهذا الإطلاق الذي نسبه إمام الحرمين إلى الإمام مالك ونقله عنه الشاطبي في الاعتصام رَدَّه العلامة الفقيه الأصولي علي بن إسماعيل الأبياري ت 616 في شرح البرهان لإمام الحرمين، وقرَّر أن مذهب الإمام مالك في المصلحة هو مذهب الإمام الشافعي بعينه، وقد قرَّر ذلك في أكثر من موضع في كتابه المشار إليه.

فمن ذلك: قوله: "إن أحدًا لا يُجَوِّز اتباع المصلحة المجردة، بل المصالح التي فهم من الشريعة ملاحظتها، وقد قَدَّمنا أن مقصد الشرع أن يحفظ على الخلق خمسة أمور: وهي الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسب، فحفظ هذه الأمور مصلحة، وتفويتها مفسدة، فإذا لحظ العلماء هذه الأصول لم يتباعد اختلافهم أصلا".

وقال أيضًا: "إنَّا قلنا: لسنا نريد بالمصلحة في هذا المكان مجرد حلب المنفعة ودفع المضرة، وإنما نريد بها المحافظة على رعاية مقصود الشرع، وهذا إنما يعرفه العلماء دون العوام، ولا يتصور لذي عقل أن يمكن العامي من

(1)(209 طبعة د. حمد الكبيسي).

(2)

الاعتصام (2/ 608 طبعة سليم بن عيد) وتلخيصه هذا مأخوذ من كلام الفقيه الأصولي علي بن إسماعيل الأبياري ت 616 شارح البرهان لإمام الحرمين. انظر شرح البرهان جـ 2/ 118 نسخة مكتبة برنستون، وعنها مصورة في معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى برقم 430 أصول فقه.

ص: 17

الفتوى في الشريعة. وعلى الجملة فليس بين مذهب مالك والشافعي فرق بوجه، وأما الإمام (1) فإنه يقصد أن يفرق بين المذهبين، وهو لا يجد إلى ذلك سبيلا أبدًا".

وقال أيضًا: "فقد صح أن مذهب مالك هو مذهب الشافعي بعينه"(2).

وعلى هذا فالمذاهب في المصلحة ثلاثة: مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي، والحنفية، ومذهب القاضي أبي بكر الباقلاني وطائفة من الأصوليين، ومذهب أبي حامد الغزالي.

(1) يقصد إمام الحرمين.

(2)

انظر هذه الأقوال في شرح البرهان جـ 2/ 118 - 127.

ص: 18