الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
الْجُزْء الثَّانِي
شَوَاهِد الْفَنّ الثَّانِي وَهُوَ علم الْبَيَان
73 -
(وكأنَّ مُحْمرَّ الشَّقيقِ إِذا تصَوَّبَ أَو تَصَعَّدْ
…
)
(أعلامُ ياقوتٍ نشرن
…
عَلى رماح من زَبَرْجَدْ)
البيتان من الْكَامِل المجزوء المرفل وَلم أَقف على اسْم قائلهما وَرَأَيْت بعض أهل الْعَصْر نسبهما فِي مُصَنف لَهُ إِلَى الصنوبري الشَّاعِر
والشقيق أَرَادَ بِهِ شقائق النُّعْمَان وَهُوَ النُّور الْمَعْرُوف وَيُطلق على الْوَاحِد وَالْجمع وَسمي بذلك لحمرته تَشْبِيها بشقيقة الْبَرْق وأضيف إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَهُوَ آخر مُلُوك الْحيرَة لِأَنَّهُ خرج إِلَى ظهر الْحيرَة وَقد اعتم نبته مَا بَين أصفر وأحمر وأخضر وَإِذا فِيهِ من هَذِه الشقائق شَيْء كثير فَقَالَ مَا أحْسنهَا احموها فَكَانَ أول من حماها فنسبت إِلَيْهِ
وَكَانَ أَبُو العميثل يَقُول النُّعْمَان اسْم من أَسمَاء الدَّم وَلذَلِك قيل شقائق النُّعْمَان نسبت إِلَى الدَّم لحمرتها قَالَ وَقَوْلهمْ إِنَّهَا منسوبة إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر لَيْسَ بِشَيْء قَالَ وَحدثت الْأَصْمَعِي بِهَذَا فنقله عني انْتهى وَالَّذِي قدمْنَاهُ هُوَ الَّذِي ذكره أَرْبَاب اللُّغَة
وَالشَّاهِد فيهمَا التَّشْبِيه الخيالي وَهُوَ الْمَعْدُوم الَّذِي فرض مجتمعاً من أُمُور كل واحدٍ مِنْهَا مِمَّا يدْرك بالحس فَإِن الْأَعْلَام الياقوتية المنشورة على الرماح الزبرجدية مِمَّا لَا يُدْرِكهُ الْحس إِنَّمَا يدْرك مَا هُوَ مَوْجُود فِي الْمَادَّة حَاضر عِنْد الْمدْرك على هيآت محسوسة مَخْصُوصَة لَكِن مادته الَّتِي تركب مِنْهَا كالأعلام والياقوت والرماح والزبرجد كل مِنْهَا محسوس بالبصر
وَقَرِيب من هَذَا النَّوْع قَول بَعضهم
(كلنا باسِطُ اليدِ
…
نَحْو نيلو فرندي)
(كَدَبابيسِ عسْجَدٍ
…
قُضْبُها من زبرجد) // المقتضب //
وَمثله قَول أبي الْغَنَائِم الْحِمصِي
(خود كأنَّ بنانَها
…
فِي خُضْرَةِ النْقشِ المزَرَّدْ)
(سمَكٌ من البلورِ فِي
…
شَبك تكَوَّنَ من زبرجد) // من مجزوء الْكَامِل //
وَقد تفنن الشُّعَرَاء فِي وصف الشقائق فمما ورد من ذَلِك قَول ابْن الرُّومِي أَو الأخيطل الْأَهْوَازِي
(هذي الشَّقَائِقُ قد أبْصَرْتَ حُمْرَتها
…
معَ السوَاد على قُضبانها الذُّبُلِ)
(كَأَنَّهَا أدمُعٌ قد غسلت كُحُلاً
…
جَادَتْ بهَا وَقْفَة فِي وَجْنَتَيْ خَجِلِ) // الْبَسِيط //
وَقَول سيدوك الوَاسِطِيّ
(انْظُر إِلَى مُقَلِ العقيق تَضَمَّنت حدق السبج
…
)
(من فَوق قاماتٍ حَسُنّ وَمَا سَمجْنَ من العوَجْ
…
) // من مجزوء الْكَامِل //
وَقَول الخباز الْبَلَدِي من أَبْيَات
(إِلَى الرَّوْض الَّذِي قد أضْحَكتْهُ
…
شآبيبُ السَّحائِبِ بالبكاءِ)
(كَأَن شقائق النعمانِ فِيهِ
…
ثيابٌ قد رَوِينَ من الدِّمَاء) // الوافر //
وَقَول ولد القَاضِي عِيَاض رحمهمَا الله تَعَالَى
(انْظُر إِلَى الزَّرع وخاماتهِ
…
تحكي وَقد وَلّتْ أَمَام الرياحْ)
(كتَيبَةً خضراء مَهزومةً
…
شقائق النُّعْمَان فِيهَا جراح) // السَّرِيع //
وَقَول الخالدي أَيْضا
(وصبغ شقائق النُّعْمَان يحْكى
…
يواقيتاً نُظِمْنَ على اقترانِ)
(وَأَحْيَانا تُشَبِّهها خدُوداً
…
كساها الرَّاحُ ثوبا أرجُواني)
(شقائق مثلُ أقداح مِلاءٍ
…
وخَشخاشٌ كفارِغَةِ القَناني)
(وَلما غازَلّتنا الرِّيح خِلْنا
…
بهَا جَيشَىْ وغيً يتقاتلانِ) // الوافر //
وَقَول الصنوبري
(وجوهُ شقائِقٍ تَبدو وتَحفى
…
على قُضبٍ تميسُ بهِنَّ ضعفا)
(ترَاهَا كالعذارى مسبات
…
عَلَيْهَا من حميم الشَّعْر سِجفا)
(إِذا طَلعت أرَتكَ السُّرجَ تذكى
…
وَإِن غَرَبَت أرتك السرج تُطْفَا)
(تخَالُ إِذا هِيَ اعتَدَلت قَواماً
…
زُجاجاتٍ ملئنَ الراحَ صِرفا)
(تَنازعتِ الخدودَ الْحمر حُسناً
…
فَمَا قد أخطأتْ مِنْهُنَّ وَصفا) // الوافر //
وَقَول ابْن الدويدة
(كَأَن الشقائق والأقْحُوانَ
…
خُدُود تقَبِّلُهنَّ الثُّغُور)
(فهاتيكَ أخْجَلَهن الحياءُ
…
وهاتيك أضحكن السرُور) // المتقارب //
وَقَول أبي الْحسن بن وَكِيع من أرجوزة
(يضْحك فِيهَا زَهَرُ الشَّقِيق
…
كَأَنَّهُ مَدَاهِنُ العقيقِ)
(مُضَمَّنات قطعا من السَّبَجْ
…
فأشرَقت بَين احمرار ودَعَجْ)
(كَأَنَّمَا المحمَرُّ فِي المسْوَدِّ
…
منهُ إِذا لَاحَ عيونُ الرَّمْدِ) // الرجز //
وَقَول أبي الْفضل الميكالي
(تَصوغُ لنَا أَيدي الرَّبيع حدائقاً
…
كَعِقد عقيقٍ بينِ سْمطِ لآلِ)
(وفيهن أنوارُ الشقائق قد حَكَتْ
…
خدودَ عذارَى نُقِّطَتْ بغوالي) // الطَّوِيل //
وَقَول الخبرأرزي أَيْضا
(ورَوضَةٍ راضَها النَّدى فَغَدَتْ
…
لَهَا من الزَّهْرِ أنجُمٌ زُهْرُ)
(تنشر فِيهَا أَيدي الرّبيع لنا
…
ثوبا من الوَشْيِ حاكه القَطْرُ)
(كأنمَا شُقّ من شقائِقهَا
…
علىَ رُباها مطارفٌ خُضْرُ)
(ثمّ تبدَّتْ كَأَنَّهَا حَدَقٌ
…
أجفانُهَا منْ دمائها حمر) // المنسرح //
74 -
(وَمَسْنُونة زُرْق كأنياب أغوالِ
…
)
هُوَ من الطَّوِيل وصدره
(أيَقْتُلنِي والمشْرَفيُّ مضَاجِعِي
…
)
وقائله امْرُؤ الْقَيْس الْكِنْدِيّ من قصيدة أَولهَا
(أَلا عَم صباحا أَيهَا الطلل الْبَالِي
…
وَهل يعمن من كَانَ فِي الْعَصْر الخَالِي)
(وهلْ يَعِمَنْ إِلا َسعيدٌ مُخَلَّدُ
…
قليلُ همُومٍ مَا يبيتُ بأوجالِ)
(وهلْ يعمن من كَانَ آخرُ عهِدِه
…
ثلاثينَ شهرا أَو ثلاثةَ أحوالِ)
(دِيارٌ لسلمَى عافيَاتٌ بِذِي الخالِ
…
ألَحَّ عَلَيْهَا كلُّ أسْحَمَ هَطّالِ)
(وتحسبُ سَلمَى لَا تزَال كعهدنَا
…
بِوَادي الخُزَامىَ أَو على رأسِ أوعالِ)
(ألَا زَعمَتْ بَسباسةُ اليومَ أنني
…
كبرْتُ وأَن لَا يشهَدَ اللهوَ أمثالي)
(بَلَى رُبّ يومٍٍ قدْ لهوتُ وليلةٍ
…
بآنسَةٍ كأنهَا خطُّ تمثَالِ)
(يُضيء الْفراش وَجْهُهَا لضجيعها
…
كمصباح زَيْتٍ فِي قناديل ذَبْالِ)
(إذَا مَا الضجيعُ ابتَزَّهَا منْ ثيابهَا
…
تميلُ عليهِ هَونةً غيرَ مِعطالِ)
(كدعصِ النقَا يمشي الوَليدَانِ فوقهُ
…
لما احتسبَا من لين مسّ وتسهْالِ)
(إذَا مَا اسْتَحَمَّتْ كانَ فيضُ حميمهَا
…
على مَتنتَيهَا كالجُمان لدَى الجالِي)
(تَنوّرْتها من أَذْرُعَات وَأَهْلهَا
…
بِيَثْرِب أدنى دارها نظرٌ عالِي)
(نَظرُت إِلَيْهَا والنجومُ كَأَنَّهَا
…
مصابيحُ رُهبانٍ تُشَبُّ لِقُفَّالِ)
(سَمَوْتُ إِلَيْهَا بعدَ مَا نامَ أهلُها
…
سُمُوّ حَبابِ المَاء حَالا على حالِ)
(فَقَالَت سباكَ اللهُ إِنكَ فاضِحِي
…
أَلَسْت ترى السُّمَّارَ والناسَ أحوَالِي)
(فقلتُ يمينُ اللهِ لَا أَنا بارحٌ
…
وَلَو قطعُوا رَأْسِي لديك وأوصالِي)
(فَلَمَّا تَنازَعنا الحديثَ وأسمَحَتْ
…
هصرْتُ بغصنٍ ذِي شَمارِيخَ ميالِ)
(فصرْنا إِلَى الحُسنى ورقّ كلامُنا
…
ورُضْتُ فَذَلت صعبة أيّ إذلال)
(حَلفتُ لَهَا بِاللَّه حَلفَةَ فاجرٍ
…
لنامُوا فَمَا إِن من حديثٍ وَلَا صالِي)
(فأصبَحْتُ معشوقاً وأصبحَ بعلهُا
…
عليهِ قَتامٌ كاسفُ اللونِ والبالِ)
(يَغُطُّ غَطيطَ البكرِ شُدَّ خِناقهُ
…
ليقتْلَني والمرء ليسَ بقتالِ) // الطَّوِيل //
وَبعده الْبَيْت وَبعده
(وليسَ بِذِي سيف فَيَقْتُلنِي بهِ
…
وليسَ بِذِي رُمحٍ وليسَ بنبَّالِ)
(أيَقتلني وَقدْ قطرْتُ فؤادها
…
كَمَا قَطرَ المَهْنوَّةَ الرَّجلُ الطالي)
(وَقد علمت سلمى وَإِن كَانَ بَعْلهَا
…
بِأَن الْفَتى يهذي وَلَيْسَ بفَعَّالِ)
(وماذَا عَلَيْهِ إِن ذكرتُ أوَانساً
…
كغزلان رملٍ فِي مَحاريب أقوالِ) // الطَّوِيل //
وَهِي طَوِيلَة
والمشرفي بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء نِسْبَة إِلَى مشارف الشَّام وَهِي قرى من أَرض الْعَرَب تَدْنُو من الرِّيف مِنْهَا السيوف المشرفية والمسنون المحدد المصقول وَوصف النصال بالزرقة للدلالة على صفائها وَكَونهَا مجلوة وَأَرَادَ بقوله أَنْيَاب أغوال أَي شياطين وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يهول قَالَ أَبُو نصر سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن الغول فَقَالَ همرجة من همرجة الْجِنّ
وَالشَّاهِد فِيهِ التَّشْبِيه الوهمي وَهُوَ الْغَيْر الْمدْرك بِإِحْدَى الْحَواس وَلكنه بِحَيْثُ لَو أدْرك لَكَانَ مدْركا بهَا فَإِن أَنْيَاب الغول مِمَّا لَا يُدْرِكهُ الْحس لعدم تحققها مَعَ أَنَّهَا لَو أدْركْت لم تدْرك إِلَّا بحس الْبَصَر
وَذكرت بِأول القصيدة مَا حَكَاهُ ناشب بن هِلَال الْحَرَّانِي الْوَاعِظ البديهي وَكَانَ يلقب بِهِ لقَوْله الشّعْر بديهاً قَالَ قصدت ديار بكر متكسباً بالوعظ فَلَمَّا نزلت قلعة ماردين دَعَاني بهَا صَاحبهَا تمرداس بن المغان بن أرتق للإفطار عِنْده فِي شهر رَمَضَان فَحَضَرت إِلَيْهِ فَلم يرفع مجلسي وَلم يكرمني وَقَالَ بعد الْإِفْطَار لغلام عِنْده إئتنا بِكِتَاب فجَاء بِهِ فَقَالَ لَهُ ادفعه إِلَى الشَّيْخ ليقْرَأ فِيهِ فازداد غيظي لذَلِك وَفتحت الْكتاب فَإِذا هُوَ ديوَان امرىء الْقَيْس وَإِذا أول مَا فِيهِ
(ألَا عَم صباحا أَيهَا الطلل الْبَالِي
…
وَهل يعمن من كَانَ فِي الْعَصْر الْخَالِي)
فَقلت فِي نَفسِي أَنا ضيف وغريب وأستفتح مَا أقرأه على سُلْطَان كَبِير وَقد مضى هزيع من اللَّيْل أَلا عَم صباحاً فَقلت
(أَلَا عِمْ مسَاء أَيهَا الملكُ العالِي
…
ولَا زلْتَ فِي عز يدومُ وإقبالِ)
ثمَّ أتممت القصيدة فتهلل وَجه السُّلْطَان لذَلِك وَرفع مجلسي وأدناني إِلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك سَبَب حظوتي عِنْده
75 -
(وكأنَ النُّجُومَ بينَ دُجاها
…
سُنن لاحَ بينهُنَّ ابتداعُ)
الْبَيْت للْقَاضِي التنوخي من أَبْيَات من الْخَفِيف أَولهَا
(رُبّ ليلٍ قطعْتُهُ بِصدُودٍ
…
أَو فراقٍ مَا كانَ فِيهِ وَدَاعُ)
(موحشٍ كالثقيلِ تقذَى بِهِ العَينُ وتأبى حَدِيثه الأسماع
…
) // الْخَفِيف //
وَبعده الْبَيْت وَبعده
(مُشْرِقاتٌ كأنهنّ حجاجٌ
…
تقطعُ الخصمَ والظلامَ انقطاعُ)
(وكأنّ السَّمَاء خيمة وَشْيٍ
…
وكأنّ الجوزاء فِيهَا شراعُ) // الْخَفِيف //
والدجى جمع دجية وَهِي الظلمَة وَالضَّمِير رَاجع إِلَى اللَّيَالِي أَو النُّجُوم والابتداع الْحَدث فِي الدّين بعد الْكَمَال أَو مَا استحدث بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم من الْأَهْوَاء والأعمال
وَالشَّاهِد فِيهِ التَّشْبِيه التخييلي وَهُوَ أَن لَا يُوجد فِي أحد الطَّرفَيْنِ أَو فِي كليهمَا إِلَّا على سَبِيل التخييل والتأويل وَوَجهه فِي هَذَا الْبَيْت هُوَ الْهَيْئَة
الْحَاصِلَة من حُصُول أَشْيَاء مشرقة بيض فِي جَوَانِب شَيْء مظلم أسود فَتلك الْهَيْئَة غير مَوْجُودَة فِي الْمُشبه بِهِ إِلَّا على طَرِيق التخييل وَذَلِكَ أَنه لما كَانَت الْبِدْعَة وكل مَا هُوَ جهل تجْعَل صَاحبهَا كمن يمشي فِي الظلمَة فَلَا يَهْتَدِي للطريق وَلَا يَأْمَن أَن ينَال مَكْرُوها شبهت بالظلمة وَلزِمَ بطرِيق الْعَكْس أَن تشبه السّنة وكل مَا هُوَ علم بِالنورِ لِأَن السّنة وَالْعلم تقَابل الْبِدْعَة وَالْجهل كَمَا أَن النُّور يُقَابل الظلمَة
وَالْقَاضِي التنوخي هُوَ عَليّ بن مُحَمَّد بن دَاوُد أَبُو الْقَاسِم التنوخي قدم بَغْدَاد وتفقه على مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ حَافِظًا للشعر ذكياً وَله عرُوض بديع وَولي الْقَضَاء بعدة بلدان وَهُوَ وَالِد أبي عَليّ الْحسن التنوخي صَاحب نشوار المحاضرة وَكتاب الْفرج بعد الشدَّة وَغَيرهمَا وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم هَذَا بَصيرًا بِعلم النُّجُوم قَرَأَ على الْكسَائي المنجم وَيُقَال إِنَّه كَانَ يقوم بِعشْرَة عُلُوم وَكَانَ يحفظ للطائيين سَبْعمِائة قصيدة ومقطوعة سوى مَا يحفظ لغَيرهم من الْمُحدثين وَغَيرهم وَكَانَ يحفظ من النَّحْو واللغة شَيْئا كثيرا وَكَانَ فِي الْفِقْه والفرائض والشروط غَايَة واشتهر بالْكلَام والمنطق والهندسة وَكَانَ فِي الْهَيْئَة قدوة
وَقَالَ الثعالبي فِي حَقه رحمهمَا الله تَعَالَى هُوَ كَمَا قرأته فِي فصل للصاحب إِن أردْت فَإِنِّي سبْحَة ناسك أَو أَحْبَبْت فَإِنِّي تفاحة فاتك أَو اقترحت فَإِنِّي مدرعة رَاهِب أَو آثرت فَإِنِّي نخبة شَارِب
وَكَانَ الْوَزير المهلبي وَغَيره من وزراء الْعرَاق يميلون إِلَيْهِ جدا ويتعصبون لَهُ ويعدونه رَيْحَانَة الندماء وتاريخ الظرفاء ويعاشرون مِنْهُ من تطيب عشرته
وتلين قشرته وتكرم أخلاقه وتحسن أخباره وتسير أشعاره ناظمة حاشيتي الْبر وَالْبَحْر وناحيتي الشرق والغرب
ويحكى أَنه كَانَ من جملَة الْقُضَاة الَّذين ينادمون الْوَزير المهلبي ويجتمعون عِنْده فِي الْأُسْبُوع لَيْلَتَيْنِ على أطراح الحشمة والتبسط فِي القصف والخلاعة وهم ابْن قريعة وَابْن مَعْرُوف والأيذحي وَغَيرهم وَمَا مِنْهُم إِلَّا أَبيض اللِّحْيَة طويلها وكذاك كَانَ المهلبي فَإِذا تَكَامل الانس وطاب الْمجْلس ولذ السماع وَأخذ الطَّرب مِنْهُم مأخذه وهبوا أَثوَاب الْوَقار للعقار وتقلبوا فِي أعطاف الْعَيْش بَين الخفة والطيش وَوضع فِي يَد كل مِنْهُم طاس من ذهب ألف مِثْقَال مَمْلُوء شرابًا قطربليا أَو عكبرياً فيغمس لحيته فِيهِ بل ينقعها حَتَّى تتشرب أَكْثَره ثمَّ يرش بهَا بَعضهم على بعض ويرقصون بأجمعهم وَعَلَيْهِم المصبغات ومخانق الْبرم وإياهم عني السرى الرفاء بقوله
(مَجَالسٌ ترقُصُ القضاةُ بهَا
…
إِذا انتَشَوْا فِي مخانِقِ البُرَمِ)
(وصاحبٌ يخلط المجونَ لنا
…
بِشيمَة حُلوَةٍ من الشِّيمِ)
(تخْضِبُ بِالرَّاحِ شَيبُه عَبَثاً
…
أَناملٌ مثل حمرَة العنم)
(حَتَّى تخَالَ العيونُ شيبتَهُ
…
شيبةَ عُثمانَ ضرجت بِدَم) // المنسرح //
فَإِذا أَصْبحُوا عَادوا لعادتهم من الْتِزَام التوقر والتحفظ بأبهة الْقَضَاء وحشمة الْمَشَايِخ الكبراء
وَكَانَ لَهُ غُلَام يؤثره على غَيره من غلمانه يُسمى نسيماً فَكتب إِلَى القَاضِي التنوخي بعض أَصْحَابه
(هَل عليٌّ لامُهُ مُدْغمةٌ
…
لاضطرار الوَزنِ فِي ميمِ نَسيم) // الرمل //
فَوَقع تَحْتَهُ نعم وَلم لَا
وَقَالَ مَنْصُور الخالدي كنت ذَات لَيْلَة عِنْد التنوخي فِي ضِيَافَة فأغفى إغْفَاءَة فَخرج مِنْهُ ريح فَضَحِك بعض الْقَوْم فانتبه بضحكه وَقَالَ لَعَلَّ ريحًا فسكتنا من هيبته فَمَكثَ سَاعَة ثمَّ قَالَ
(إِذَا نَامَتْ العينانِ من مُتيَقِّظٍ
…
تراخَتْ بِلَا شكٍ تشاريجُ فَقحتهْ)
(فَمن كَانَ ذَا عقلٍ فيعذر نَائِما
…
وَمن كَانَ ذَا جهل فَفِي جَوفِ لحيته) // الطَّوِيل //
وَهَذِه نبذة من شعره
قَالَ من قصيدة كَثِيرَة الْعُيُون وَكَانَ الصاحب بن عباد يفضلها على سَائِر شعره ويروي أَنَّهَا من أُمَّهَات قلائده وَهِي
(أحْبب إليَّ بنهر مَعْقلٍ الَّذِي
…
فيهِ لقَلبي من همومي معقِلُ)
(عَذْبٌ إِذا مَا عبَّ منهُ ناهلٌ
…
فَكَأَنَّهُ من ريق حِبّ يَنْهَلُ)
(مُتَسَلسلٌ وكأنهُ لِصَفائه
…
دمْعٌ بخدَّي كاعبٍ يتسلسلُ)
(وَإِذا الرِّياح جَرين فَوق متونه
…
فَكَأَنَّهُ دِرْعٌ جلاها صقيل)
(وكأنّ دجلةَ إِذْ تغطغط مَوْجها
…
ملك يُعظِّم خيفةً ويبجل)
(وَكَأَنَّهُ ياقوتة أَو أعين
…
زرق يلاءم بَينهَا ويوصل)
(عذبت فَمَا نَدْرِي أماء مَاؤُهَا
…
عِنْد المذاقة أم رَحيقٌ سَلْسَل)
(وَلها بمدٍّ بعد جَزْر ذاهبٍ
…
جيشان يُدْبر ذَا وَهَذَا يُقْبل)
(وَإِذا نظرت إِلَى الأبْلَّةِ خلتها
…
من جنَّة الفردوس حِين تخيَّلُ)
(كم منزل فِي نهرها آلى السرُور
…
بِأَنَّهُ فِي غَيره لَا ينزل)
(وكأنما تِلْكَ الْقُصُور عرائس
…
وَالرَّوْض حَلْى فَهِيَ فِيهِ تَرْفُل)
(غَنَّتْ قِيان الوُرْق فِي أرجائها
…
هَزَجاً يقلّ لَهُ الثقيلُ الأولُ)
(وتعانقت تِلْكَ الغصون فأذكرت
…
يومَ الْوَدَاع وعِيرُهُمْ تترحَّلُ)
(ربع الرّبيع بهَا فحاكت كفُّه
…
حللاً بهَا عُقَدُ الهمومِ تحلل)
(فمدَّبج وموشح ومدنر
…
ومعمد ومحبر ومهلهل)
(فتخال ذَا عَيْناً وَذَا ثغراً وَذَا
…
خَدّاً يعضض مرّة وَيقبل) // الْكَامِل //
وَمن شعره أَيْضا قَوْله
(كَأَنَّمَا المرِّيخُ والمشْترِي
…
أمامَهُ فِي شامِخ الرِّفعه)
(مُنْصَرف بِاللَّيْلِ عَن دَعوة
…
قد أوقدَتْ قُدامَه شمعه) // السَّرِيع //
وَمثله قَول أبي عَتيق السفار
(وكأنّ البدرَ والمرّيخ إِذْ وافى إليهِ
…
)
(ملكٌ توقدُ لَيْلًا
…
شَمْعةٌ بَين يَدَيْهِ) // الرمل //
رَجَعَ إِلَى شعر القَاضِي التنوخي رحمه الله قَالَ
(وَلَيْلَة مشتاق كأنّ نجومها
…
قد اغتصبت عَيْني الْكرَى فَهِيَ نُوّمُ)
(كأنّ سَوَادَ الليلِ والفجرُ ضاحكٌ
…
يلوحُ وَيخْفى أسودٌ يبتسم) // الطَّوِيل //
وَله أَيْضا فِي غور الْكَوَاكِب عِنْد الصَّباح
(عَهْدِي بهَا وضياء الصُّبْح يُطْفئها
…
كالسُّرْج تُطْفأ أَو كالأعينِ العورِ)
(أعجبْ بهَا حينَ وافىَ وَهيَ نَيرةٌ
…
فظلَّ يطمسُ مِنْهَا النَورُ بالنورِ) // الْبَسِيط //
وَكتب إِلَى الْوَزير المهلبي وَقد مَنعه الْمَطَر من خدمته
(سَحابٌ أَتَى كالأمن بعد تخوفِ
…
لهُ فِي الثرى فعلُ الشِّفَاء بُمدْنَفِ)
(أكبّ على الْآفَاق إطراقَ مطرقٍ
…
يفكرُ أَو كالنادِمِ المتلهف)
(ومدّ جناحيه على الأَرْض جانحاً
…
فراحَ عَلَيْهَا كالغراب المرَفْرِفِ)
(غَدَا الْبر بحرا زاجرا وانثَنَى الضُّحَى
…
بظلمَته فِي ثوب ليلٍ مُسَجِّفِ)
(يعبسُ عَن برْقٍ بِهِ مُتبسمٍ
…
عبُوُسً بخيلٍ فِي تَبَسم مُعتفي)
(تُحَاولُ منهُ الشمسُ فِي الجوّ مخرَجاً
…
كَمَا حَاولَ المغلوبُ تجريدَ مرهف) // الطَّوِيل //
أَيْن هَذَا من قَول ابْن المعتز رحمه الله
(تحاول فتْقَ غيم وهوَ يَأْبَى
…
كَعنينٍ يريدُ نكاحَ بكرِ)
(فأفرَغَ مَاء قَالَ حَوْضه واردُ حَوْضه
…
أسَلْسال مَاء أمْ سُلافةُ قَرْقفِ)
أَتَى رَحْمَة للنَّاس غَيْرِي فإِنهُ
…
عليّ عَذَاب مَاله من تَكَشُّفِ)
(سَحَاب عَدَا بِي عَن سَحَاب وعارضٌ
…
مُنعتُ بِهِ من عَارض متكفكِفِ) // الوافر //
أَخذه من قَول الْحسن بن وهب لمُحَمد بن عبد الْملك الزيات
(لستُ أدرى مَاذَا أذمّ وأشكو
…
مِنْ سمَاء تعوقني عَن سَمَاء) // الْخَفِيف //
وَمن شعر القَاضِي التنوخي أَيْضا
(أَما ترَى البردَ قد وافتْ عساكرُهُ
…
وعسكر الحرّ كَيفَ انصاع منطلقَا)
(فالأرض تَحت ضريب الثَّلج تحسبُهَا
…
قد أُلبستْ حُبكاً أَو غُشيت ورقَا)
(فانهض بِنَار إِلَى فَحم كَأَنَّهُمَا
…
فِي الْعين ظلمٌ وإنصافٌ قد اتفقَا)
(جاءَتْ وَنحن كقلب الصب حِين سلا
…
بردا فصرنا كقلب الصب إِذْ عشقا) // الْبَسِيط //
وَمِنْه أَيْضا
(رضاكَ شبابٌ لَا يَلِيهِ مشيبُ
…
وسخطك دَاء لَيْسَ مِنْهُ طبيبُ)
(كَأَنَّك من كل النُّفُوس مُركبٌ
…
فَأَنت إِلَى كل النُّفُوس حبيب) // الطَّوِيل //
وَله فِي معذر
(قلتُ لِأَصْحَابِي وَقد مرّ بِي
…
منتقباً بعد الضياءِ بالظُّلَم)
(باللهِ يَا أَهْلَ ودادِي قفُوا
…
كي تبصروا كَيفَ زَوَال النعم) // السَّرِيع //
ومحاسنه رحمه الله كَثِيرَة وَهَذَا الأنموذج كافٍ فِيهَا وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثلثمائة
76 -
(وَقد لَاحَ فِي الصُّبْح الثريا لمن رأى
…
كعنقود ملاحية حِين نَوْرَا)
الْبَيْت لأبي الْقَيْس بن الأسلت من الطَّوِيل
والملاحي بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف اللَّام وَقد تشدد عِنَب أَبيض فِي حبه طول وَمعنى نور تفتح نوره والثريا مصغرة قيل تَصْغِير تَعْظِيم وَقيل تَصْغِير تقريب إعلاماً بِأَن نجومها قريب بَعْضهَا من بعض ومكبرها ثروي وَهِي الْكَثْرَة وَسميت هَذِه النُّجُوم المجتمعة بِالثُّرَيَّا لِكَثْرَة نورها وَقيل لِكَثْرَة نجومها مَعَ صغر مرآها فَكَأَنَّهَا كَثِيرَة الْعدَد بِالْإِضَافَة إِلَى ضيق الْمحل وَعدد نجومها سَبْعَة أنجم سِتَّة ظَاهِرَة وَوَاحِد خَفِي تختبر بِهِ النَّاس أَبْصَارهم وَذكر القَاضِي عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرَاهَا أحد عشر نجماً
وَالشَّاهِد فِيهِ الْمركب الْحسي فِي التَّشْبِيه الَّذِي طرفاه مفردان الْحَاصِل من الْهَيْئَة الْحَاصِلَة من تقارن الصُّور الْبيض الصغار الْمَقَادِير فِي المرأى وَإِن كَانَت كبارًا فِي الْوَاقِع على الْكَيْفِيَّة الْمَخْصُوصَة منضمة إِلَى الْمِقْدَار الْمَخْصُوص وَالْمرَاد بالكيفية الْمَخْصُوصَة أَنَّهَا لَا مجتمعة اجْتِمَاع التضام والتلاصق وَلَا هِيَ شَدِيدَة الِافْتِرَاق بل لَهَا كَيْفيَّة مَخْصُوصَة من التقارب والتباعد على نِسْبَة قريبَة مِمَّا نجده فِي رأى الْعين بَين تِلْكَ الأنجم والطرفان المفردان هما الثريا والعنقود
وَمِمَّا جَاءَ فِي وصف الثريا أَيْضا قَول امرىء الْقَيْس
(إِذا مَا الثريا فِي السَّمَاء تعرضت
…
تعرض أثْنَاء الوشاح الْمفصل) // الطَّوِيل //
وَقد أبدعَ الْمُتَأَخّرُونَ فِي وصفهَا فَمن ذَلِك قَول ابْن المعتز
(قَدِ انقَضَتْ دولةُ الصّيام وقَدْ
…
بَشَّرَ سُقْمُ الهلالِ بالعيدِ)
(يَتلوُ الثريا كفَاغِرٍ شَرِهٍ
…
يفتحُ فاهُ لأكل عنقود) // المنسرح //
وَمثله قَوْله أَيْضا
(زَارَني والدُّجى أحمُّ الحوَاشي
…
والثريا فِي الغْربِ كالعُنقُودِ)
(وهلَالُ السَّمَاء طوقُ عَرُوسٍ
…
باتَ يُجْلَي على غلائل سود) // الْخَفِيف //
وَقَول ابْن بابك
(وليلةٍ جوْزَاؤها
…
مثلُ الخِباء المنهَتِكْ)
(قَطعتُها والبدرُ عنْ
…
سَمْتِ الثريا مُنفركْ)
(كأنهَا فِي عُرْضِهِ
…
بازٍ على كفّ مَلكْ) // من مجزوء الرجز //
وَقَول سهل بن الْمَرْزُبَان
(كمْ لَيْلَة أحييتها ومُؤَانسي
…
طُرَفُ الحَدِيث وَطيب حثّ الأكؤُسِ)
(شَبَّهتُ بَدْرَ سمائها لما دَنتْ
…
منهُ الثريا فِي قميصٍ سندُسي)
(مَلِكاً مَهيباً قَاعِدا فِي روضةٍ
…
حيَّاهُ بعضُ الزائرينَ بنرجس) // الْكَامِل //
وَمثله قَول ابْن المعتز أَيْضا
(أتانيَ والإِصباحُ يَرْفُلُ فِي الدُّجى
…
بِصفرَاء لم تفسدْ بطبْخٍ وإحراقِ)
(فناوَلَنِيها والثريا كَأَنَّهَا
…
جَنىَ نرجسٍ حيّا الندَامى بِهِ الساقِي) // الطَّوِيل //
وَمثله قَول النَّاشِئ الْأَصْغَر
(وليلٍ تَوارى النجمُ من طُولِ مُكثهِ
…
كَمَا ازْوَرَ محبوبٌ لخوف رقيبهِ)
(كأنّ الثريا فِيهِ باقةُ نرجسٍ
…
يُحيّى بهَا ذُو صبوةٍ لحبيبهِ) // الطَّوِيل //
وَقَول أبي الْفَرح الببغاء من أَبْيَات
(تَرى الثريا والبدر فِي قَرَنٍ
…
كَمَا يُحَيَّا بنرجسٍ مَلكْ) // المنسرح //
وَقَول الْوَزير أبي الْعَبَّاس الضَّبِّيّ
(خلت الثريا إِذا بَدَتْ
…
طالعةً فِي الحِندِسِ)
(مُرْسلَة من لؤلؤٍ
…
أَو باقةً من نرجس) // من مجزوء الرجز //
وَقَوله أَيْضا
(إِذا الثريا اعترضتْ
…
عندَ طلوعِ الفجرِ)
(حَسبْتَها لامعةً
…
سَبيكةً من در) // من مجزوء الرجز //
ونفيس قَول ابْن حمديس أَيْضا من قصيدة
(فاسْقِني عَن إِذن سُلطانِ الْهوى
…
لَيْسَ يَشْفي الرُّوحَ إِلَّا كاسُ راحْ)
(وانتَظر للحلم مني كَرَّةً
…
كم فَسادٍ كانَ عُقباهُ صَلاحْ)
(فالقَضيبُ اهتزّ والبَدرُ بدا
…
والكَثيبُ ارْتَجّ والعَنبرُ فاحْ)
(والثرَيا زجج الجو بهَا
…
كابنِ مَاء ضَمَّ للوَكْرِ جَناحْ)
(وكأَنَّ الغَرْبَ مِنْهَا نَاشِقٌ
…
باقَةً من ياسمينٍ أَو أفاح) // الرمل
وَقَول الصاحب بن عباد
(تُنيرُ الثريا وَهِي قُرْطٌ مُسَلسلٌ
…
وَيَعقلُ مِنْهَا الطرْفَ دُرٌّ مبدد) // الطَّوِيل //
وَمَا ألطف قَول ابْن حُصَيْن
(عَليَّ أَن أَتَذَلَّلْ
…
لهُ وأنْ يتَدَلَّلْ)
(خَدّ كأَن الثريا
…
عَليهِ قُرْط مُسلسل) // المقتضب //
وَقَول أبي الْفرج الببغاء
(خُذُوا من الْعَيْش فالأعمارُ فانِيةٌ
…
والدهر منصَرِفٌ والعيشُ منقرضُ)
(فِي حامِلِ الكأس من بدرِ الدجَى خلف
…
وَفِي المدَامَةِ من شمس الضُّحى عِوضُ)
(كَأَن نجم الثريا كفُّ ذِي كرم
…
مَبسوطَة للعطايا لَيْسَ تنقبض) // الْبَسِيط //
وَقَول ابْن سكرة الْهَاشِمِي
(ترى الثريا والغربُ يجذبها
…
والبدر يَسري والفجرُ يَنفجرُ)
(كَفَّ عروسِ لاحَتْ خواتمهُا
…
أَو عِقْدَ دُرٍّ فِي الجو يَنتثرُ) // المنسرح //
وَمثله قَول أبي الْقَاسِم عَليّ بن جلبات
(وَخِلتُ الثريا كف عَذراءَ طفلةٍ
…
مختَّمةٍ بالدر مِنْهَا الأنامِلُ)
(تخيلتُها فِي الْأُفق طُرَّةَ جعبة
…
مُكوكَبة لم تَعْتَلقها حَبَائِلُ) // الطَّوِيل //
وَقَول أبي الْقَاسِم بن هَانِئ الأندلسي
(وَوَلَّتْ نُجُوم للثريا كَأَنَّهَا
…
خَوَاتِم تبدو فِي بنان يَد تخفى) // الطَّوِيل //
وَمَا أحسن قَول محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر
(مَلأتَ اللَّيَالِي من عُلاً وخَتَمْتَهَا
…
فقد أصبَحَتْ محشُوَّةً من مَكارمكْ)
(خَتمت عَلَيْهَا بِالثُّرَيَّا فَقُلْ لنا
…
أَهَذا الَّذِي فِي كَفِّها من خواتِمكْ) // الطَّوِيل //
وَقد أحسن الصنوبري فِي تشبيهه الثريا فِي جَمِيع أحوالها حَيْثُ يَقُول من أَبْيَات
(قُم فاسقني والظلام مُنْهَزِمُ
…
والصُّبح بادٍ كأنهُ عَلمُ)
(والطَيرُ قد طرَّبَتْ فأفصحت الألحان طُرّاً وكلُّها عجم
…
)
(ومَيَّلت رَأسهَا الثريا لاسرارٍ إِلَى الغَرْبِ وَهِي تحْتَشمُ
…
)
(فِي الشرق كأس وَفِي مَغاربها
…
قُرط وَفِي أوْسَطِ السما قدم) // المنسرح //
وَقد وصفهَا الوأواء الدِّمَشْقِي فِي حالتي الشروق والغروب فَقَط فَقَالَ
(قد تأمَّلْتُ الثريا
…
فِي شروق وغروب)
(فَهِيَ كأس فِي شروق
…
وَهِي قرط فِي غرُوب) // من مجزوء الرمل //
وَمَا أبدع قَول بَعضهم أَيْضا
(وكأنما نجم
…
إِذْ تَعَرَّضَ كالوِشاحْ
…
)
(كأس بكَف خَرِيدَةٍ
…
تَسقى الْمَسَابِيَدِ الصَّباح) // من مجزوء الْكَامِل //
وَقَول الوأواء الدِّمَشْقِي
(وجَلا الثريا فِي ملاءة
…
نُورِهِ بدرُ التمامْ)
(فَكَأَنَّهَا كأسٌ ليَشْربها الدجَى والبدرُ جامْ
…
)
(وَكَأن زُرْقَ نجومها
…
حدق مفتحة نيام) // من مجزوء الْكَامِل //
وبديع قَول عبد الْوَهَّاب الْأَزْدِيّ الْمَشْهُور بالمثقال
(يَا ساقيَ الكأس اسْقِ صحبي
…
وأسقني إِنَّنِي أُوَاسِي)
(وَانْظُر إِلَى حيرةِ الثريا
…
والليلُ قد سُدَّ باندماسِ)
(مَا بَين بَهْرامِها المُلاحي
…
وَبَين مرِّيخها المواسِي)
(كَأَنَّهَا رَاحَةٌ أشارَتْ
…
لأخذِ تفاحة وكاس) // من مخلع الْبَسِيط //
وَقَوله أَيْضا
(رَأَيْت بهْرَام والثريا
…
والمُشْتري فِي القِران كرَّهْ)
(كراحَةٍ حَيَّرتْ يداها
…
مَا بَين ياقوتة ودره) // من مخلع الْبَسِيط //
قَالَ عبد الْوَهَّاب الْمَذْكُور هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لما أنْشدهُ ابْن رَشِيق قَوْله
(والثريا قُبَالَةَ الْبَدْر تحكي
…
باسطاً كفَّه ليَأْخُذ جَاما) // الْخَفِيف //
وللوأواء الدِّمَشْقِي
(رُبَّ ليلٍ مَا زلتُ ألثم فِيهِ
…
قمراً لابساً غُلالَةَ وردِ)
(والثريا كَأَنَّهَا كفُّ خَوْدٍ
…
داخلتها للبين رِعْدَةُ وَجدِ) // الْخَفِيف //
وَمثله قَول بَعضهم
(كَأَن الثريا بَين شَرْقٍ ومغرب
…
وَقد سَلْمَتّ للصبح طَوعاً عِنانها)
(مُرَوَّعة بالبينِ نحوَ أليفِها
…
تُقَلب من خوف الْفِرَاق بنانها) // الطَّوِيل //
وَقَول الآخر
(والليلُ قد ولىَّ يُقَلصُ بُردَهُ
…
كدّاً ويَسحب ذيله فِي الْمغرب)
(وكأنما نجم الثريا سُحْرَةً
…
كفٌّ تمسّحُ عَن مَعَاطِفِ أَشهب) // الْكَامِل //
ولإبراهيم بن الْعَبَّاس الصولي فِي اقتران الثريا والهلال
(وليلةٍ من ليَالِي النس بتُّ بهَا
…
والرَّوضُ مَا بيَن منظوم ومنضودِ)
(والنسرُ قد حام فِي الظلماءِ من ظمإِ
…
وللمَجَرَّةِ نهرٌ غيرُ مَوْرودِ)
(وَابْن الغَزَالَةِ فَوق النَّجْم منعطفٌ
…
كَمَا تأوَّدَ عُرجُونٌ بعنقود) // الْبَسِيط //
وَلأبي عَاصِم الْبَصْرِيّ فِي اقتران الْهلَال والثريا والزهرة
(رأيتُ الْهلَال وَقد أحدقته
…
نُجُوم السَّمَاء لكَي تَسْبقْه)
(فشبَّهته وَهُوَ فِي إثْرهَا
…
وَبَينهمَا الزهرة المشرقة)
(ِبقوْسٍ لرامٍ رمى طائراً
…
فأتبعَ فِي إثره بندقه) // المتقارب //
وَلأبي الْحسن الْكَرْخِي فِي مثله
(كأنّ الهلالَ المستنيرَ وَقد بدَا
…
وَنجم الثريا واقفٌ فوقَ هَالَتهْ)
(مليكٌ على أعلاهُ تاجٌ مرصَّعٌ
…
ويُزْهى على من دونه بجلالته) // الطَّوِيل //
وَمَا أحسن قَول ابْن طَبَاطَبَا الْعلوِي
(أمَا والثريا والهلال جلتْهُما
…
لِيَ الشمسُ إِذْ ودّعت كُرْهاً نهارَها)
(كأسماء إِذْ زارت عشيا وغادَرَتْ
…
دَلالاً لدينا قُرْطهَا وسوارها) // الطَّوِيل //
وَقَول أبي عَليّ الْحَاتِمِي
(وليلٍ أَقَمْنَا فِيهِ نُعملُ كأسنا
…
إِلَى أَن بَدَا للصبح فِي اللَّيْل عسكرُ)
(ونجمُ الثريا فِي السَّمَاء كأنهُ
…
على حُلةٍ زرقاء جَيْبٌ مدنر) // الطَّوِيل //
وَمن بديع أَوْصَاف الثريا قَول البديع القليوبي الْكَاتِب
(وصافية باتَ الغلامُ يديرُها
…
على الشرْبِ فِي جنحٍ من اللَّيْل أدعجِ)
(كأنَ حَبابَ المَاء فِي وَجنَاتها
…
فرائدُ دُرّ فِي عقيق مُدَحرجِ)
(ولَا ضوء إلاّ من هلالٍ كَأَنَّمَا
…
نفرق عَنهُ الغيمُ عَن نصف دُملجِ)
(وقدْ حَالَ دونَ المشتريْ من شعاعهِ
…
ومِيضٌ كمثْلِ الزئبقِ المُتَرجرجِ)
(كَأَن الثريا فِي أواخرِ ليلِها
…
نجيةُ وَرْدٍ فَوقَ زَهرِ بنفسج) // الطَّوِيل //
وَمَا أحسن قَول ابْن فضال
(كأنّ بهرَامَ وَقد عارضَتْ
…
فِيهِ الثريا نظرَ المبصرِ)
(ياقوتةٌ يعرضهَا بائعٌ
…
فِي كَفه والمشتَري المشترِي) // السَّرِيع //
وبديع قَول الشهَاب مَحْمُود فِي تَشْبِيه الثريا والهلال والدارة
(كأنّ الثريا والهلالَ ودارَةً
…
حوَتهُ وَقد زَان الثريا التئامُهَا)
(حَبابٌ طَفا من فوقِ زورقِ فضةٍ
…
بكَفِّ فتاة طَاف بِالرَّاحِ جامها) // الطَّوِيل //
وَقد أغرب ابْن عون بقوله
(رُبَّ ليلٍ لم أنمهُ
…
ونجوم اللَّيْل تَشْهَدْ)
(والثريا فِي مَدَاها
…
حِين تَنْحَط وتَصْعَدْ)
(عقْرَبٌ يسعَى من الدّرّ
…
على صحن زَبْرجد)
(خَلْفها طالبُ نَار
…
وشهاب لَيْسَ يخمد)
(فَهِيَ حَيرَى مَا أَرَاهَا
…
من سَبِيل الغي ترشد) // من مجزوء الرمل //
وبديع قَول ظافر الْحداد
(كَأَن الثريا تَقْدُم الفجرَ والدجى
…
يَضُمُّ حَوَاشِي سِجْفِهِ للمغاربِ)
(مُقَّدَم جَيش الرومِ أَوْمَأ بكفِّه
…
لتَبديدِ جَيش من بني الزنج هارب) // الطَّوِيل //
وَقَوله أَيْضا
(كَأَن نُجُوم اللَّيْل لما تَنَحَّلت
…
تَوقُّدَ جمرٍ فِي سَوادٍ رَمَادِ)
(حكى فوقَ ممتَدُّ المجرَة شكلُها
…
فواقعَ تَطفو فَوق لجةِ وادِ)
(وَقد سَبَحَتْ فِيهِ الثريا كَأَنَّهَا
…
بَقيةُ وشْي فِي قَمِيص حِدَادِ)
(ولاحَتْ بتو نَعْش كتنقيط كاتِبٍ
…
بيُسْراه للتعليم هيئةَ صادِ)
(إِلى أَن بدا وَجه الصَّباح كأنهُ
…
رِدَاء عَروسٍ فِيهِ صِبْغ مداد) // الطَّوِيل //
وَقَوله أَيْضا
(وليلةٍ مثلِ عين الظَبي داجيةٍ
…
عَسَفتها ونجوم اللَّيْل لم تَقِدِ)
(كَأَن أنْجمَهَا فِي اللَّيْل زاهرةً
…
دَرَاهِم والثريا كفّ منتَقِدِ) // الْبَسِيط //
وظريف قَول بَعضهم فِي شكاية طول اللَّيْل
(كَأَن الثريا راحَة تَشبْرُ الدجى
…
لتعلم طَال اللَّيْل أم لي تَعَرَّضا)
(عجبت لليلٍ بَين شَرق ومغرب
…
يُقَاسُ بشبرٍ كَيفَ يُرْجى لَهُ انقضا) // الطَّوِيل //
ولبعضهم
(والثريا كَأَنَّهَا رأَسُ طِرْفٍ
…
أدهم زين باللجام الْمحلى) // الْخَفِيف //
وَمثله قَول ابْن المعتز
(أَلا فاسقنيها والظلام مُقَوَّض
…
وَنجم الدجى فِي لجةِ اللَّيْل يركضُ)
(كَأَن الثريا فِي أَوَاخِر لَيْلهَا
…
مفتحُ نورٍ أَو لجام مفضض) // الطَّوِيل //
واالاطلاع على تفنن الأدباء فِي أَوْصَاف الثريا يغتقر الإطالة هُنَا
وَأَبُو قيس لم يَقع لي إِلَى الْآن اسْمه والأسلت لقب أَبِيه واسْمه عَامر بن جشم بن وَائِل يَنْتَهِي نسبه لِلْأَوْسِ وَهُوَ شَاعِر من شعراء الْجَاهِلِيَّة وَأسلم ابْنه عقبَة بن أبي قيس رضي الله عنه وَاسْتشْهدَ يَوْم الْقَادِسِيَّة وَكَانَ يزِيد بن مرداس السّلمِيّ أَخُو عَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ الشَّاعِر قتل قيس بن أبي قيس فِي بعض حروبهم فَطلب بثأره هَارُون بن النُّعْمَان بن الأسلت حَتَّى تمكن من يزِيد ابْن مرداس فَقتله بقيسٍ ابْن عَمه ولقيس يَقُول أَبوهُ أَبُو قيس بن الأسلت الْمَذْكُور
(أقيسٌ إِن هلكتُ وَأَنت حيّ
…
فَلَا تَعْدَم مواصلَةَ الْفَقِير) // الوافر //
وَقَالَ هِشَام الْكَلْبِيّ كَانَت الْأَوْس قد أسندوا أَمرهم فِي يَوْم بغاث إِلَى
أبي قيس بن الأسلت الوائلي فَقَامَ بِحَرْبِهِمْ وآثرها على كل أَمر حَتَّى شحب وَتغَير ولبث أشهراً لَا يقرب امْرَأَته ثمَّ إِنَّه جَاءَ لَيْلَة فدق على امْرَأَته وَهِي كَبْشَة بنت ضَمرَة بن مَالك من بني عَمْرو بن عَوْف ففتحت لَهُ فَأَهوى بِيَدِهِ إِلَيْهَا فأنكرته ودفعته فَقَالَ أَنا أَبُو قيس فَقَالَت وَالله مَا عرفتك حَتَّى تَكَلَّمت فَقَالَ فِي ذَلِك أَبُو قيس
(قالتْ وَلم تقصِدْ مقَال الْخَنَا
…
مَهلاً فقد أبلَغْتَ أسماعي)
(استَنكرتْ لوناً لَهُ شاحباً
…
وَالْحَرب غولٌ ذاتُ أوجاع)
(مَنْ يَذُقِ الْحَرْب يجد طعمها
…
مُرّاً وتتركْهُ بجمجاع)
(لَا نألم الْقَتْل ونجزي لَهُ الْأَعْدَاء كيلَ الصَّاع بالصاع
…
) // السَّرِيع //
وَلما قتل عبد الْملك بن مَرْوَان مُصعب بن الزبير رضي الله عنهما خطب النَّاس بالنخيلة فَقَالَ فِي خطبَته أَيهَا النَّاس دعوا الْأَهْوَاء المضلة والآراء المشتتة وَلَا تكلفونا أَعمال الْمُهَاجِرين وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ بهَا فقد جاريتمونا إِلَى السَّيْف برأيتم كَيفَ صنع بكم وَلَا أعرفنكم بعد الموعظة تزدادون جَرَاءَة فَإِنِّي لَا أزداد فَعَدهَا إِلَّا عُقُوبَة وَمَا مثلي ومثلكم إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو قيس بن الأسلت
(مَنْ يَصْلَ نَارِي بِلَا ذَنبٍ وتِرَلاةٍ
…
يصلَ بنارِ كريمٍ غيرِ غَدّارِ)
(أَنا النذيرُ لكمْ مني مُجَاهرةً
…
كيلَا أُلامَ عَلى نَهْيٍ وإِعذارِ)
(فإِن عصيتم مقالي اليومَ فاعترِفُوا
…
أنْ سوفَ تَلقون خزياً ظاهرَ العارِ)
(لتُتْرَكُنّ أحاديثاً وملعبةً
…
عندَ المقيمِ وَعند المُدْلِجِ السارِي)
(وصاحبُ الْوتر ليسَ الدهْرَ يدركهُ
…
عِنْدِي وإِني لَطَلَاّبٌ لأوتارِ)
(أقيم عَوْجتهُ إِن كَانَ ذَا عِوَج
…
كَمَا يُقوّمُ قدحَ النَّبْعَةِ الْبَارِي)
وَعَن الْهَيْثَم بن عدي قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْد صَالح بن حسان فَقَالَ لنا أنشدوني بَيْتا خفراً فِي امْرَأَة خفرة فَقُلْنَا قَول حَاتِم
(يُضيءُ بهَا البيتُ الظليلُ خَصاصُهُ
…
إِذا هِيَ يَوْمًا حاولَتْ أَن تبسما) // الطَّوِيل //
فَقَالَ هَذِه من الْأَصْنَام أُرِيد أحسن من هَذَا فَقُلْنَا قَول الْأَعْشَى
(كأنّ مشيتهَا من بَيت جارتها
…
مرُّ السحابة لَا رَيْثٌ وَلَا عجل) // الْبَسِيط //
فَقَالَ هَذِه خراجة ولاجة كَثِيرَة الِاخْتِلَاف فَقُلْنَا مَا عندنَا شَيْء فَقَالَ قَول أبي الْقَيْس بن الأسلت
(ويُكرمُها جارَاتُهَا فيزُرْنها
…
وتعتلّ عَن إتيانهنّ فتُعْذَرُ)
(وليسَ لَهَا أَن تستهينَ بجارةٍ
…
وَلكنهَا منهنّ تَحْيا وتخفر) // الطَّوِيل //
ثمَّ قَالَ انشدوني أحسن بَيت وصفت بِهِ الثريا فَقُلْنَا بَيت الزبير الْأَسدي وَهُوَ
(وَقد لَاحَ فِي الْغَوْر الثريا كَأَنَّمَا
…
بِهِ رايةٌ بيضاءُ تخفق لِلطَّعْنِ) // الطَّوِيل //
فَقَالَ أُرِيد أحسن من هَذَا فَقُلْنَا بَيت امرىء الْقَيْس
(إِذا مَا الثريا فِي السَّمَاء تعرضت
…
تعرض أثْنَاء الوشاح الْمفضل) // الطَّوِيل //
قَالَ أُرِيد أحسن من هَذَا قُلْنَا بَيت ابْن الطثرية
(إِذا مَا الثريا فِي السَّمَاء كَأَنَّهَا
…
جمان وَهِي من سلكه فتسرعا) // الطَّوِيل //
قَالَ أُرِيد أحسن من هَذَا قُلْنَا مَا عندنَا شَيْء قَالَ قَول أبي قيس ابْن الأسلت
(وَقد لَاحَ فِي الصُّبْح الثريا لمن رأى
…
كعنقود ملاحية حِين نورا) // الطَّوِيل //
قَالَ فَحكم لَهُ بالتقدم عَلَيْهِم فِي هذَيْن الْمَعْنيين وَالله أعلم
77 -
(كأنّ مُثارَ النَّقعِ فوقَ رُؤُّوسنا
…
وأسيافَنا ليلٌ تهاوى كواكبُه)
الْبَيْت لبشار بن برد من قصيدة من الطَّوِيل يمدح بهَا ابْن هُبَيْرَة وأولها
(جَفا ودّه فازْورَّ أَو مَلَّ صاحبهْ
…
وأزرى بِهِ أَن لَا يزَال يعاتبهُ)
(خليليَّ لَا تستكثر الوعة الهوىَ
…
وَلَا سلوةَ المحزون شَطَّتْ حبائبهْ) // الطَّوِيل //
يَقُول فِيهَا
(إِذا كنتَ فِي كل الْأُمُور معاتباً
…
صديقكَ لم تلقَ الَّذِي لَا تعاتبهْ)
(فعش وَاحِدًا أَو صِلْ أخاكَ فإِنهُ
…
مُقارفُ ذنبٍ مرّة ومُجَانبهْ)
(إِذا أَنْت لم تشرب مرَارًا على القَذَى
…
ظمئتَ وأيُّ النَّاس تصفو مشاربه)
(رُوَيداً نصاهل بالعراق جيادنا
…
كَأَنَّك بِالضحاكِ قد قَامَ نادبُهْ) // الطَّوِيل //
وَمِنْهَا
(وَسامٍ لمروان وَمن دونه الشَّجا
…
وهولٌ كلُجّ الْبَحْر جَاشَتْ غواربه)
(أخلت بِهِ أمُّ المنايا بنانها
…
بأسيافنا إِنَّا رَدَى مَنْ نحاربه)
(وَكُنَّا إِذا دبّ العدوِّ لسخطنا
…
وراقبنا فِي ظاهرٍ لَا نراقبهْ)
(رَكبنا لَهُ جَهرا لكل مثقَّفٍ
…
وأبيضَ تستسقي الدماءَ مضاربُهْ)
(وجيشٍ كجنح اللَّيْل يزحف بالحصا
…
وبالشوك والْخطىِّ حمرا ثعالبه) // الطَّوِيل //
وَمِنْهَا
(غدونا لَهُ والشمسُ فِي خِدْر أمهَا
…
تطالعها والطلّ لم يجر ذائبُهْ)
(بِضرب يذوقُ الموتَ من ذاق طعمه
…
وتدركُ من نَجيَّ الفرارُ مثالبهْ)
وَبعده الْبَيْت وَبعده
(بعثنَا لَهُم موت الفُجَاءة إننا
…
بَنو الْمَوْت خَفَّاقٌ علينا سبائبهْ)
(فراحوا فريقٌ فِي الأسَارَى ومثلهُ
…
قتيلٌ ومثلٌ لَاذَ بالبحر هاربُهْ)
(إِذا الْملك الْجَبَّار صغر خدَّهُ
…
مشينا إِلَيْهِ بِالسُّيُوفِ نعاتبه) // الطَّوِيل //
وَهِي طَوِيلَة فوصله ابْن هُبَيْرَة بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَكَانَت أول عَطِيَّة سنية أعطيها بشار بالشعر وَرفعت من ذكره
وَالنَّقْع الْغُبَار وَمعنى تهاوى كواكبه يتساقط بَعْضهَا فِي إِثْر بعض وَالْأَصْل تتهاوى فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ
وَالشَّاهِد فِيهِ الْمركب الْحسي فِي التَّشْبِيه الَّذِي طرفاه مركبان الْحَاصِل من الْهَيْئَة الْحَاصِلَة من هوى أجرام مشرقة مستطيلة متناسبة الْمِقْدَار مُتَفَرِّقَة فِي جَوَانِب شَيْء مظلم فَوجه الشّبَه مركب كَمَا ترى وَكَذَا طرفاه كَمَا فِي أسرار البلاغة
يرْوى أَنه قيل لبشار وَقد أنْشد هَذَا الْبَيْت مَا قيل أحسن من هَذَا التَّشْبِيه فَمن أَيْن لَك هَذَا وَلم تَرَ الدُّنْيَا قطّ وَلَا شَيْئا مِنْهَا فَقَالَ إِن عدم النّظر يُقَوي ذكاء الْقلب وَيقطع عَنهُ الشّغل بِمَا ينظر إِلَيْهِ من الْأَشْيَاء فيتوفر حسه وتذكو قريحته وأنشدهم قَوْله
(عميتُ جَنِينا والذكاءُ من الْعَمى
…
فَجئْت عَجِيب الظَّن للْعلم موئلا)
(وغاضَ ضياءُ الْعين للْعلم رافداً
…
لقلب إِذا مَا ضيعَ الناسُ حَصَّلا)
(وشعرٍ كنَوْر الرَّوْض لاءَمْت بينهُ
…
بقول إِذا مَا أَحْزَن الشعرُ أسهلا) // الطَّوِيل //
وَحدث أَبُو يَعْقُوب الخريمي الشَّاعِر أَن بشاراً قَالَ لم أزل مُنْذُ سَمِعت قَول امرىء الْقَيْس فِي تشبيهه شَيْئَيْنِ بشيئين فِي بَيت وَاحِد حَيْثُ يَقُول
(كَأَن قُلُوب الطير رطبا ويابسا
…
لَدَى وَكرها الْعنَّاب والحشف الْبَالِي) // الطَّوِيل //
أعمل نَفسِي فِي تَشْبِيه شَيْئَيْنِ بشيئين حَتَّى قلت
(كأنَّ مُثار النَّقْع
…
الْبَيْت
…
)
وَقد كَرَّرَه بشار فَقَالَ
(خلقت سَمَاء فَوْقنَا بنجومها
…
سيوفاً ونقعاً يقبض الطّرف أقْتَمَا) // الطَّوِيل //
وَقد أَخذ هَذَا الْمَعْنى مَنْصُور النمري فَقَالَ وَأحسن
(ليلٌ من النَّقْع لَا شمسٌ وَلَا قمرٌ
…
إِلَّا جَببنُكَ والمذروبة الشَّرْع) // الْبَسِيط //
وَمُسلم بن الْوَلِيد أَيْضا حَيْثُ يَقُول
(فِي عَسكر تُشْرق الأَرْض الفضاء بِهِ
…
كالليل أنْجُمُه القضبانُ والأسل) // الْبَسِيط //
ولمؤلفه رحمه الله من قصيدة عثمانية مظفرية
(وَالنَّقْع ليلُ سَمَاء لَا نجومَ لَهُ
…
إِلَّا الأسِنَّهُ والهِنْدِيةُ البتر) // الْبَسِيط //
وَله فِي مَعْنَاهُ من قصيدة مظفرية أَيْضا مَعَ زِيَادَة مخترعة فِيمَا يظنّ
(يَعقُد النقُع فوقَها سحباً كالليل فيهِ السيوفُ أضحَتْ نجومَا
…
)
(فَمَتَى مَا رَأَتْ سَواد شَيَاطينِ بُغاةِ الحروب عَادَتْ رجومَا
…
) // الْخَفِيف //
وَابْن المعتز حَيْثُ قَالَ
(إِذا شئتُ أوقَرْتُ الْبِلَاد حَوافِراً
…
وسارت ورائي هاشمٌ ونزارُ)
(وعمَّ السَّمَاء النقعُ حَتَّى كَأَنَّهُ
…
دُخانٌ وأطرافُ الرِّماح شَرَارُ) // الطَّوِيل //
وَبَعْضهمْ أَيْضا حَيْثُ قَالَ
(نَسجَتْ حوافرُهَا سَمَاء فَوْقهَا
…
جعلَتْ أَسِنَّتَها نُجُوم سمائها) // الْكَامِل //
وَأَبُو الطّيب المتنبي حَيْثُ قَالَ
(فَكَأَنَّمَا كُسِىَ النَّهَار بهَا دجى
…
ليلٍ وأطلَعَت الرماحَ كواكبا) // الْكَامِل //
وَقد نَقله إِلَى مِثَال آخر فَقَالَ
(تزور الأعادي فِي سماءِ عجاجةٍ
…
أسنَّتُها فِي جانبيها الكواكبُ) // الطَّوِيل //
وَقد ضمنه سيف الدّين بن المشد فَقَالَ
(كَأَن دُخان الْعود والنَّد بَيْننَا
…
وأقداحنا ليل تهاوى كواكبه)
(ولاحَتْ لنا شمسُ العُقارِ فمزّقت
…
دُجى اللَّيْل حَتَّى نظم الْجزع ثاقبه) // الطَّوِيل //
والبرهان القيراطي ضمن المصراع الْأَخير وَإِن كَانَ من غير هَذِه القصيدة بقوله وأجاد
(وَلما بدَا والليلُ أسْوَدُ فاحمٌ
…
قدْ انْتَشَرت فِي الخافقَينِ ذَوائبهْ)
(أَضَاء ببَدْر الثغر عنْدَ ابتسامهِ
…
دجى اللَّيْل حَتَّى نظم الْجزع ثاقبه) // الطَّوِيل //
78 -
(والشَّمْسُ كَالمرْآةِ فِي كف الأشل
…
)
هُوَ من الرجز وَاخْتلف فِي قَائِله فَقيل الشماخ وَقيل ابْن أَخِيه وَقيل أَبُو النَّجْم وَقيل ابْن المعتز
والأشل هُوَ الَّذِي يَبِسَتْ يَده أَو ذهبت
وَالشَّاهِد فِيهِ مَجِيء الْمركب الْحسي فِي الهيآت الَّتِي تقع عَلَيْهَا الْحَرَكَة من الاستدارة والاستقامة وَغَيرهَا وَيعْتَبر فِيهَا التَّرْكِيب وَيكون مَا يَجِيء فِي تِلْكَ الهيآت على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يقرن بالحركة غَيرهَا من أَوْصَاف الْجِسْم كالشكل
واللون وَالثَّانِي أَن تجرد هَيْئَة الْحَرَكَة حَتَّى لَا يُرَاد غَيرهَا فَالْأول كَمَا فِي الْبَيْت وَوجه الشّبَه من الْهَيْئَة الْحَاصِلَة من الاستدارة مَعَ الْإِشْرَاق وَالْحَرَكَة السريعة الْمُتَّصِلَة مَعَ تموج الْإِشْرَاق واضطرابه بِسَبَب تِلْكَ الْحَرَكَة حَتَّى يرى الشعاع كَأَنَّهُ يهم بِأَن ينبسط حَتَّى يفِيض من جَوَانِب الدائرة ثمَّ يَبْدُو لَهُ فَيرجع من الانبساط إِلَى الانقباض فالشمس إِذا أحد الْإِنْسَان النّظر إِلَيْهَا ليتبين جرمها وجدهَا مؤدية إِلَى هَذِه الْهَيْئَة وَكَذَلِكَ الْمرْآة إِذا كَانَت فِي كف الأشل
وَمَا أعدل قَول المعوج الشَّاعِر فِي مَعْنَاهُ
(كَأَن شُعَاعَ الشمسِ فِي كل غُدْوةٍ
…
على ورَقِ الْأَشْجَار أول طالع)
(دنانيُر فِي كف الأشل يضمنهَا
…
لقَبْضٍ فتَهْوِى من فروج الْأَصَابِع) // الطَّوِيل //
وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول أبي الطّيب المتنبي
(وَألقى الشرق مِنْهَا فِي ثِيَابِي
…
دنانيراً تَفِرُّ من البَنَان) // الوافر //
وَأَخذه أَيْضا القَاضِي عبد الرَّحِيم الْفَاضِل فَقَالَ
(والشمسُ من بَين الأرائِكِ قد حكَتْ
…
سَيْفا صَقيلاً فِي يدرعشاء) // الْكَامِل //
وَمَا أبدع قَول الشهَاب التلعفري
(أفدي الَّذِي زارني فِي اللَّيْل مُستتراً
…
أحلى من الأَمْنِ عندَ الخائِفِ الدهِشِ)
(ولاحَتِ الشَّمْس تحكي عِنْد مَطْلعها
…
مرآةَ تبرٍ بَدَتْ فِي كف مرتعش) // الْبَسِيط //
وبديع قَول إِدْرِيس بن اليماتي الْعَبْدي
(قُبلةٌ كانَتْ على دهَشٍ
…
أُذهَبَتْ مَا بِي من العَطَش)
(وَلها فِي القَلْبِ مَنزلةٌ
…
لَو عَدَتها النفسُ لم تَعِشِ)
(طَرَقَتني والدجى لابِسٌ
…
خِلَعاً من جِلَدةِ الحَبَش)
(وكأنَّ النجمَ حِين بدا
…
درْهمٌ فِي كف مرتعش) // المديد //
وَقَول النامي
(سَمَاء غصُونٍ تحْجُبُ الشمسَ أَن تُرَى
…
على الأرضِ إِلَّا مثلَ نثرِ الدراهِمِ) // الطَّوِيل //
79 -
(وكأنَّ الْبَرْق مصحفُ قارٍ
…
فَانْطِبَاقاً مرةَ وانفتاحا)
الْبَيْت لِابْنِ المعتز من قصيدة من المديد وأولها
(عَرَفَ الدَّار فحيَّا وناحا
…
بَعْدَمَا كَانَ صَحا واسترَاحَا)
(ظَلَّ يَلحاه العَذُولُ ويأبى
…
فِي عِنَان العَذْلِ إِلَّا جِمَاحا)
(عَلِّموني كَيفَ أسْلُو وَإِلَّا
…
فَخُذُوا من مُقْلَتيَّ الملاحَا)
(من رأى بَرْقاً يُضيءُ التماحا
…
ثَقَبَ الليلَ سَنَاهُ فلاحا) // المديد //
وَبعده الْبَيْت وَبعده
(لم يزل يلمعُ بِاللَّيْلِ حَتَّى
…
خِلْتُه نَبه فِيهِ صَبَاحَا)
(وَكَأن الرَّعْدَ فحلُ لِقَاح
…
كلما يُعْجِبُهُ الْبَرْق صاحا) // المديد //
والبرق وَاحِد بروق السَّحَاب أَو هُوَ ضرب ملك السَّحَاب وتحريكه إِيَّاه لينساق فترى النيرَان
وَالشَّاهِد فِيهِ الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ تجرد الْحَرَكَة عَن غَيرهَا من الْأَوْصَاف مَعَ اخْتِلَاط حركات كَثِيرَة للجسم إِلَى جِهَات مُخْتَلفَة لَهُ كَأَن يَتَحَرَّك بعضه إِلَى الْيَمين وَبَعضه إِلَى الشمَال وَبَعضه إِلَى الْعُلُوّ وَبَعضه إِلَى السّفل ليتَحَقَّق التَّرْكِيب وَإِلَّا لَكَانَ وَجه الشّبَه مُفردا وَهُوَ الْحَرَكَة لَا مركبا فحركة الْمُصحف الشريف فِي انطباقه وانفتاحه فِيهَا تركيب لِأَن الْمُصحف يَتَحَرَّك فِي الْحَالَتَيْنِ إِلَى جِهَتَيْنِ فِي كل حَالَة إِلَى جِهَة
وَمثله قَول القلعي المغربي
(والسحب تلعبُ بالبروق كَأَنَّهَا
…
قار على عجلٍ يقلبُ مصحفَا)
(قد قلدت بالنَّوْر أجيادَ الرُّبا
…
حَلْياً وألبست الخمائل مُطْرفَا) // الْكَامِل //
وَمَا أحسن قَول بَعضهم فِي وصف الْبَرْق
(عارضٌ أقبلَ فِي جنح الدُّجى
…
يتهادى كتهَادي ذِي الوجَى)
(أتلفتْ ريحُ الصِّبَا لؤلؤهُ
…
فانبرَى يُوقد عَنْهَا سُرُجَا)
(وكأنَّ الرَّعْد حادِي مُصْعَبٍ
…
كلما صالَ عَلَيْهِ وشجا)
(وكأنّ البرقَ كأسٌ سكبتْ
…
فِي لهاه المزنُ حَتَّى لهجا)
(وكأنَّ الجوَّ ميدان وغىً
…
رَفعتْ فِيهِ المذاكي رهجا) // الرمل //
وَمَا أحسن قَول ابْن المعتز فِيهِ أَيْضا
(رأيتُ فِيهَا برقها منذُ بدتْ
…
كَمثل طرف الْعين أَو قلبٍ وجبْ)
(ثمَّ حدا بهَا الصِّبَا حَتَّى بدا
…
فِيهَا لِيَ البرقُ كأمثال الشُّهْبُ)
(تحسبه فِيهَا إِذا مَا انصدعتْ
…
أحشاؤها عَنهُ شجاعاً يضطرب)
(وَتارَة تحسبهُ كَأَنَّهُ
…
أبلقُ مالَ جُلُّه حِين وثبْ)
(حَتَّى إذَا مَا رَفعَ الْيَوْم الضُّحَى
…
حسبته سلاسلاً من الذَّهَب) // الرجز //
وَقد ولد أَبُو الْعَبَّاس بن أبي طَالب الْعَرَبِيّ من تَشْبِيه الْبَرْق بالسلاسل توليداً بديعاً فَقَالَ يصف ممدوحه بِسُرْعَة البديهة إِذا كتب
(لَهُ قلم لَو يجاري البروقَ
…
لخلتَ السلَاسِل فِيهِ قيودَا) // المتقارب //
وللأديب أبي حَفْص أَحْمد بن برد فِي السَّحَاب والبرق
(وَيَوْم تفنن فِي طيبهِ
…
وجاءَت مواقيته بالعجبْ)
(تجلَّى الصَّباح بِهِ عَن حَياً
…
قد أسْقى وَعَن زَهَر قد شرب)
(وَمَا زلت أَحسب فِيهِ السَّحَاب
…
ونار بوارِقه تلتهبْ)
(بخاتيَّ تُوضِع فِي سَيرهَا
…
وَقد فُزِّعَتْ بسياط الذَّهَب) // المتقارب //
وَلأبي عُثْمَان الخالدي فِي مثله
(أدْنِ من الدَّنِّ لي فداكَ أبي
…
واشربْ وأُسق الْكَبِير وانتخب)
(أما ترى الطَّلَّ وَهُوَ يلمع فِي
…
عُيُون نَوْرٍ تَدْعُو إِلَى الطربِ)
(وَالصُّبْح قد جُرِّدَتْ صَوَارمهُ
…
وَاللَّيْل قد همّ مِنْهُ بالهَربِ)
(والجوُّ فِي حُلَّةٍ ممسَّكةٍ
…
قدْ كتبتها البروق بِالذَّهَب) // المنسرح //
وللسري الرفاء فِي مثله
(غيومٌ تمسِّك أفقَ السَّمَاء
…
وبرقٌ يكتِّبها بِالذَّهَب) // المتقارب //
وَله أَيْضا وينسب للخالدي
(وبرقٍ مِثلُ حاشيتي رداءٍ
…
جديدٍ مُذْهَبٍ فِي يَوْم ريحِ) // الوافر //
وللخالدي فِيهِ أَيْضا وأجاد
(أَلا فاسقني وَاللَّيْل قد غابَ نوره
…
لغيبة بدر فِي الظلام غريق)
(وَقد فَضَحَ الظلماء برقٌ كَأَنَّهُ
…
فؤاد مشوق مولع بخفوق) // الطَّوِيل //
وَقد سَرقه من قَول ابْن المعتز
(أمنك سرى يَا بشر طيفٌ كَأَنَّهُ
…
فؤاد مشوق مولع بخفوق) // الطَّوِيل //
وَسَرَقَهُ السّري الرفاء أَيْضا فَقَالَ من قصيدة
(أما ترى الصُّبْح قد قَامَت عساكرهُ
…
فِي الشرق تنشر أعلاماً من الذَّهَب)
(والجوُّ يختال فِي حُجْبٍ ممسكة
…
كَأَنَّمَا الْبَرْق فِيهَا قلبُ ذِي رعب) // الْبَسِيط //
وَمَا أحسن قَوْله فِيهِ أَيْضا
(وَحَدَائِق يَسبيكَ وشيُ برودها
…
حَتَّى تشبهها سَبائبَ عَبْقَرِ)
(يجْرِي النسيمُ خلالها فَكَأَنَّمَا
…
غُمِسَتْ فُضُولُ رِدائه فِي عنبرِ)
(باتتْ قُلُوب الْمَحْلِ تخفقُ بَينهَا
…
بخفوقِ رايات السَّحَاب الممطرِ)
(من كل نائي الحجزتين مولعٍ
…
بالبرق دَانى الظلتين مُشَهَّرِ)
(تُحْدَى بألسنة الرعود عشاره
…
فتيسير بَين مُغَرّدٍ ومُزَمُجِرِ)
(طارتْ عقيقةُ برقه فَكَأَنَّمَا صَدَعَتْ ممسكَ غيمه بمعصفر) // الْكَامِل //
وَلأبي الْقَاسِم الزاهي فِيهِ أَيْضا
(الريحُ تعصفُ والأغصان تعتنقُ
…
وَالمزنُ باكيةٌ والزهرُ معتبقُ)
(كَأَنَّمَا الليلُ جفنٌ والبروقُ لهُ
…
عينٌ من الشَّمْس تبدو ثمَّ تنطبق) // الْبَسِيط //
ولبعضهم
(برقٌ أطارَ القلبَ لما استطارْ
…
أنارَ جَنحَ اللَّيْل لما استنارَ)
(ذابَ لجينُ المزنِ لما رَمى
…
معدنه مِنْهُ بمقياس نَار) // السَّرِيع //
وَابْن المعتز هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد وَقيل الزبير المعتز بِاللَّه ابْن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد العباسي الْأَمِير الأديب صَاحب النّظم البديع والنثر الْفَائِق أَخذ الْأَدَب والعربية عَن الْمبرد وثعلب ومؤدبه أَحْمد بن سعيد الدِّمَشْقِي ومولده فِي شعْبَان سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ أول من صنف فِي صَنْعَة الشّعْر وضع كتاب البديع وَهُوَ أشعر بني هَاشم على الْإِطْلَاق وأشعر النَّاس فِي الْأَوْصَاف والتشبهات وَكَانَ يَقُول إِذا قلت كَأَن وَلم آتٍ بعْدهَا بالتشبيه ففض الله فاي
وَحدث جَعْفَر بن قدامَة قَالَ كنت عِنْد ابْن المعتز يَوْمًا وَعِنْده سَرِيَّة وَكَانَ يُحِبهَا ويهيم بهَا فَخرجت علينا من صدر الْبُسْتَان فِي زمن الرّبيع وَعَلَيْهَا غلالةٌ معصفرة وَفِي يَدهَا جنابي من باكورة باقلاء والجنابي لعبة للصبيان فَقَالَت لَهُ يَا سَيِّدي تلعب معي جنابي فَالْتَفت إِلَيْنَا وَقَالَ على بديهته غير متفكر وَلَا مُتَوَقف
(فديتُ من مر يمشي فِي معصفرةٍ
…
عَشِيَّة فسقاني ثمَّ حياني)
(وَقَالَ تلعب جنابي فَقلت لهُ
…
من جَدَّ بالوصل لم يلْعَب بهجران) // الْبَسِيط //
وَأمر فغنى بِهِ
وَحدث جَعْفَر قَالَ كَانَ لعبد الله بن المعتز غُلَام يُحِبهُ وَكَانَ يُغني غناء صَالحا وَكَانَ يدعى بنشوان فجدر فجزع عبد الله لذَلِك جزعاً شَدِيدا ثمَّ عوفي وَلم يُؤثر الجدري فِي وَجهه أثرا قبيحاً فَدخلت عَلَيْهِ ذَات يَوْم فَقَالَ لي يَا أَبَا الْقَاسِم قد عوفي فلَان بعْدك وَخرج أحسن مِمَّا كَانَ وَقلت فِيهِ بَيْتَيْنِ وغنت زرياب فيهمَا رملاً ظريفاً فاسمعهما إنشاداً إِلَى أَن تسمعهما غناء فَقلت يتفضل الْأَمِير أبده الله بإنشادي إيَّاهُمَا فأنشدني
(بِي قمرٌ جدِّرَ لما اسْتَوى
…
فَزَادهُ حُسناً وزالت هُمُومْ)
(أظُنُّه غَنَّى لشمس الضُّحى
…
فَنَقطَتهُ طَرباً بالنجوم) // السَّرِيع //
فَقلت أَحْسَنت وَالله أَيهَا الْأَمِير فَقَالَ لَو سمعته من زرياب كنت أَشد اسْتِحْسَانًا لَهُ وَخرجت زرياب فغنته لنا فِي طَريقَة الرمل غناء شربنا عَلَيْهِ عَامَّة يَوْمنَا
قَالَ وَغَضب هَذَا الْغُلَام عَلَيْهِ فجهد أَن يترضاه فَلم تكن لَهُ فِيهِ حِيلَة وَدخلت عَلَيْهِ فأنشدني فِيهِ
(بِأبي أنتَ قد تماديت
…
فِي الهجْر والغَضَبْ)
(واصطباري على صدودك
…
يَوْمًا من العَجَبْ)
(ليسَ لي إِن فَقَدْت وجهَكَ فِي الْعَيْش من أرب
…
)
(رحم الله من أعَان
…
على الصُّلْح واحتَسبْ) // من مجزوء الْخَفِيف //
قَالَ فمضيت إِلَى الْغُلَام وَلم أزل أداريه وأرفق بِهِ حَتَّى ترضيته لَهُ وجئته بِهِ فَمر لنا يَوْمئِذٍ أطيب يَوْم وَأحسنه وغنتنا زرياب فِي هَذَا الشّعْر رملاً عجيباً
وَحدث عبد الله بن مُوسَى الْكَاتِب قَالَ دخلت على عبد الله بن المعتز وَفِي دَاره طَبَقَات من الصناع وَهُوَ يبنيها ويبيضها فَقلت لَهُ مَا هَذِه الغرامة الجادة والكلفة فَقَالَ السَّيْل الَّذِي جَاءَ من لَيَال أحدث فِي دَاري مَا أحْوج إِلَى هَذِه الغرامة الجادة والكلفة فَقلت
(أَلا من لنفسٍ وأحزانها
…
وَدَار تدَاعَى بحيطانها)
(أظلُّ نهاريَ فِي شمسهَا
…
شَقيّاً مُعنًّى ببنُيانها)
(أُسَوِّدِ وَجْهي بتَبييضها
…
وأَهدمُ كيسي بعُمرانها) // المتقارب //
وَمن هُنَا أَخذ أَبُو الْحُسَيْن الجزار قَوْله
(أُكلِّفُ نَفسِي كلَّ يَوْم وَلَيْلَة
…
شروراً على من لَا أفوز بخيرهِ)
(كَمَا سَوَّدَ القصَّار فِي الشَّمْس وجههُ
…
ليَجْهدَ فِي تَبْييض أَثوَاب غَيره) // الطَّوِيل //
وَحدث جَعْفَر بن قدامَة قَالَ كنت عِنْد عبد الله بن المعتز ومعنا النميري فَحَضَرت الصَّلَاة فَقَامَ النميري فصلى صَلَاة خَفِيفَة جدا ثمَّ دَعَا بعد انْقِضَاء صلَاته وَسجد سَجْدَة طَوِيلَة جدا حَتَّى استثقله جَمِيع من حضر بِسَبَبِهَا وَعبد الله ينظر مُتَعَجِّبا ثمَّ قَالَ
(صَلاتُكَ بَين الملا نَقْرَةٌ
…
كَمَا اخْتَلس الجرْعَة الوالغُ)
(وتسجُدُ من بعْدِها سجْدةً
…
كَمَا خُتمَ المزودُ الفارغ) // المتقارب //
وَقَالَ كُنَّا عِنْد عبد الله بن المعتز يَوْمًا ومعنا النميري وَعِنْده جَارِيَة لبَعض بَنَات المعتز تغنيه وَكَانَت محسنة إِلَّا أَنَّهَا كَانَت فِي غَايَة الْقبْح فَجعل عبد الله يجمشها ويتعاشق فَلَمَّا قَامَت قَالَ لَهُ النميري أَيهَا الْأَمِير سَأَلتك بِاللَّه أتعشق هَذِه الَّتِي مَا رَأَيْت قطّ أقبح مِنْهَا فَقَالَ وَهُوَ يضْحك
(قَلبيَ وثَّابٌ إِلَى ذَا وَذَا
…
ليسَ يرى شَيْئا فَيأباهُ)
(يهيمُ بالْحسنِ كَمَا ينبَغي
…
ويرْحَم القبحَ فيهواه) // السَّرِيع //
وَقَالَ كنت أشْرب مَعَ عبد الله بن المعتز فِي يَوْم من أَيَّام الرّبيع بالعباسية وَالدُّنْيَا كالجنة المزخرفة فَقَالَ عبد الله
(حَبَّذا آذارُ شَهراً
…
فيهِ للنور انتشارُ)
(يَنقص الليلُ إِذا حَلَّ ويمتَدُّ النهارُ
…
)
(وعَلى الأَرْض اصفرارٌ
…
واخضرارٌ واحمرارُ)
(فكأنَّ الرَّوضَ وَشْيٌ
…
بالَغَتْ فِيهِ التَّجَارُ)
(نَقْشه آسٌ ونَسْرينٌ ووَرْدٌ وبهار
…
) // من مجزوء الرمل //
وَكتب ابْن المعتز إِلَى عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر وَقد اسْتخْلف مؤنس ابْنه مُحَمَّد بن عبيد الله على شرطة بَغْدَاد
(فَرحْتُ بِمَا أضعَافُهُ دون قَدْركمْ
…
وقلتُ عَسى قد هَبَّ من نَومه الدهرُ)
(فترجعُ فِينَا دَولةٌ طاهِرِيَّة
…
كَمَا بدَأت والأمرُ من بعده الأمرُ)
(عَسى الله إِنَّ اللهَ ليسَ بغافِلٍ
…
وَلَا بدَّ من يُسْرٍ إِذا مَا انْتهى العُسْرُ) // الطَّوِيل //
فَكتب إِلَيْهِ عبيد الله قصيدة مِنْهَا
(وَنحن لكم إِن نالنا مَسَّ جَفْوة
…
فمنَّا على لأوائها الصَّبْرُ والعُذْرُ)
(فَإِن رَجَعت من نعمةِ الله دَولَةٌ
…
إِلَيْنَا فمنا عندَها الْحَمد وَالشُّكْر) // الطَّوِيل //
وَجَاء مُحَمَّد بن عبيد الله الْمَذْكُور بعقب هَذَا شاكراً لتهنئته وَلم يعد إِلَيْهِ مُدَّة طَوِيلَة فَكتب إِلَيْهِ ابْن المعتز يَقُول
(قد جئتنا مرّة وَلم تكد
…
وَلم تزُرْ بعدَها وَلم تَعُدِ)
(لست تُرَى واجداً بِنَا عِوضاً
…
فاطلب وجَرِّبْ واستقص واجتهِدِ)
(ناولَنِي حَبل وصْلِه بيَدِ
…
وهجْرُهُ جاذبٌ لَهُ بيَدِ)
(فَلم يكن بينَ ذَا وَذَا أمَدٌ
…
إِلَّا كَمَا بَين لَيْلَة وغد) // المنسرح //
وَلم يزل فِي طيب عَيْش ودعة من عوادي الزَّمَان إِلَى أَن قَامَت الدولة ووثبوا على المقتدر وخلعوه وَأَقَامُوا ابْن المعتز فَقَالَ بِشَرْط أَن لَا يقتل بِسَبَب مُسلم ولقبوه المرتضى بِاللَّه وَقيل الْمنصف وَقيل الْغَالِب وَقيل الراضي
فَحدث الْمعَافي بن زَكَرِيَّا الْجريرِي قَالَ لما خلع المقتدر وبويع ابْن المعتز
دخلُوا على شَيخنَا مُحَمَّد بن جرير رحمه الله فَقَالَ مَا الْخَبَر فَقيل لَهُ بُويِعَ ابْن المعتز قَالَ فَمن رشح للوزارة فَقيل مُحَمَّد بن دَاوُد قَالَ فَمن ذكر للْقَضَاء قيل الْحسن بن الْمثنى فَأَطْرَقَ ثمَّ قَالَ هَذَا الْأَمر لَا يتم قيل وَكَيف قَالَ كل وَاحِد مِمَّن سميتم فَتقدم فِي مَعْنَاهُ على الرُّتْبَة وَالدُّنْيَا مولية وَالزَّمَان مُدبر وَمَا أرى هَذَا إِلَّا لاضمحلال وَمَا أرى لمدته طولا
وَبعث ابْن المعتز إِلَى المقتدر يَأْمُرهُ بالتحول إِلَى دَار مُحَمَّد بن طَاهِر لكَي ينْتَقل هُوَ إِلَى دَار الْخلَافَة فَأجَاب وَلم يكن بَقِي مَعَه غير مؤنس الْخَادِم ومؤنس الخازن وغريب خَاله وَجَمَاعَة من الخدم فباكر الْحُسَيْن بن حمدَان دَار الْخلَافَة فقاتلها فَاجْتمع الخدم فدفعوه عَنْهَا بعد أَن حمل مَا قدر عَلَيْهِ من المَال وَسَار إِلَى الْموصل ثمَّ قَالَ الَّذين عِنْد المقتدر يَا قوم نسلم هَذَا الْأَمر وَلَا نجرب أَنْفُسنَا فِي دفع مَا نزل بِنَا فنزلوا فِي الزوارق وألبسوا جمَاعَة مِنْهُم السِّلَاح وقصدوا المخرم وَبِه عبد الله بن المعتز فَلَمَّا رَآهُمْ من حوله أوقع الله فِي قُلُوبهم الرعب فانصرفوا منهزمين بِلَا حَرْب وَخرج ابْن المعتز فَركب فرسا وَمَعَهُ وزيره مُحَمَّد بن دَاوُد وحاجبه يمن وَقد شهر سَيْفه وَهُوَ يُنَادي معاشر الْعَامَّة ادعوا لخليفتكم وأشاروا إِلَى الْجَيْش ليتبعوهم إِلَى سامرا ليثبتوا أَمرهم فَلم يتبعهُم أحد فَنزل ابْن المعتز عَن دَابَّته وَدخل دَار بن الْجَصَّاص الْجَوْهَرِي واختفى الْوَزير ابْن دَاوُد وَالْقَاضِي الْحسن بن الْمثنى ونهبت دُورهمْ وَوَقع النهب وَالْقَتْل فِي بَغْدَاد وَقبض المقتدر على الْأُمَرَاء والقضاة الَّذين خلعوه وسلمهم إِلَى مؤنس الخازن فَقَتلهُمْ واستقام الْأَمر للمقتدر واستوزر ابْن الْفُرَات ثمَّ بعث جمَاعَة فكبسوا دَار ابْن الْجَصَّاص وَأخذُوا ابْن المعتز وَابْن الْجَصَّاص فصودر ابْن الْجَصَّاص وَحبس ابْن المعتز ثمَّ أخرج فِيمَا بعد مَيتا ورثاه عَليّ بن مُحَمَّد بن بسام بقوله
(لله دَرك من مَلْكٍ بمضيعة
…
ناهيكَ فِي الْعقل والآداب والحسب)
(مَا فِيهِ لَوٌّلا وَلَا ليتٌ تنقصهُ
…
وَإِنَّمَا أَدركتهُ حِرْفَة الْأَدَب) // الْبَسِيط //
وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول أبي تَمام الطَّائِي
(مَا زلتُ أرمي بآمالي مطالبها
…
لم يخلقِ العرضَ مني سوءُ مُطَّلَبِي)
(إِذا قصدتُ لشأوٍ خِلتُ أنِّي قَدْ
…
أَدركته أدركتني حِرْفَة الْأَدَب) // الْبَسِيط //
وَقد تلاعب الشُّعَرَاء بِهَذَا الْمَعْنى فَقَالَ ابْن الساعاتي
(عِفتُ القريضَ فَلَا أسمو لَهُ أبدا
…
حَتَّى لقد عِفتُ أَن أرويه فِي الْكتب)
(هجرْتُ نظمي لهُ لَا من مهانتهِ
…
لَكِنَّهَا خيفةٌ من حرفةِ الأدبِ) // الْبَسِيط //
وَقَالَ ابْن قلاقس
(
(لَا أقتضيكَ لتقديمِ وعدْتَ بهِ
…
من عادَةِ الْغَيْث أَن يَأْتِي بِلَا طلبِ)
(عيونُ جاهكَ عني غيرُ نائمةٍ
…
وَإِنَّمَا أَنا أخْشَى حرْفةَ الْأَدَب) // الْبَسِيط //
وَذكرت بِهَذَا مَا أنشدنيه بعض أدباء الْعَصْر متسلياً حِين قعدت الْأَحْوَال وَقَامَت الْأَهْوَال وَهُوَ الشهَاب ابْن مَحْمُود النابلسي رَحمَه الله تَعَالَى
(عبدَ الرّحيم أضاعُوا
…
بدَولة ضَيَّعَتْهُ)
(مَا فِيهِ لَو وَلَا لَيْت
…
إِنَّمَا أَدْرَكته) // المجتث //
رَجَعَ إِلَى أَخْبَار ابْن المعتز رحمه الله
قَالَ بعض من كَانَ يَخْدمه إِنَّه خرج يَوْمًا يتنزه وَمَعَهُ ندماؤه وَقصد بَاب الْحَدِيد وبستان الناعورة وَكَانَ ذَلِك آخر أَيَّامه فَأخذ خزقة وَكتب على الجص
(سيقا لِظلّ زَماني
…
ودهريَ المحمودِ)
(وَلَّي كليلةِ وصلٍ
…
قدّامَ يومِ صدود) // المجتث //
قَالَ وَضرب الدَّهْر ضرباته ثمَّ عدت بعد قَتله فَوجدت خطه خفِيا وَتَحْته مَكْتُوب
(أفٍّ لظلّ زَمانِي
…
وعيشيَ المنكودِ)
(فارَقتُ أَهلِي وإلفي
…
وصاحبي ووَدُودي)
(وَمن هَويتُ جفاني
…
مطاوعاً لِحَسودي)
(يَا ربّ موتا وَإِلَّا
…
فراحةً من صدود) // المجتث //
وَيُقَال إِنَّه لما سلم لمؤنس الْخَادِم ليهلكه أنْشد
(يَا نفسُ صبرا لَعَلَّ الخيرَ عقباكِ
…
خانتك من بعد طول الْأَمْن دنياكِ)
(مرّتْ بِنَا سحَراً طيرٌ فقلتُ لَهَا
…
طُوباكِ يَا لَيْتَني إياكِ طوباكِ)
(إِن كانَ قصْدُكِ شوقاً بِالسَّلَامِ عَلَى
…
شاطئ الْفُرَات ابلغي إِن كَانَ مثواكِ)
(مِنْ موثَقٍ بالمنايا لَا فكاكَ لهُ
…
يبكي الدِّمَاء على إلفٍ لَهُ باكي) // الْبَسِيط //
إِلَى أَن قَالَ
(أظنهُ آخرَ الْأَيَّام من عُمُرِي
…
وأوشَكَ الْيَوْم أَن يبكي لَهُ الباكي)
وَمن نثره الْجَارِي مجْرى الحكم والأمثال من تجَاوز الكفاف لم يغنه الْإِكْثَار رُبمَا أورد الطمع وَلم يصدر من ارتحل الْحِرْص أضناه الطّلب
الْحَظ يَأْتِي من لَا يَأْتِيهِ أَشْقَى النَّاس أقربهم من السُّلْطَان كَمَا أَن أقرب الْأَشْيَاء إِلَى النَّار أسرعها إِلَى الاحتراق من شَارك السُّلْطَان فِي عز الدُّنْيَا شَاركهُ فِي ذل الْآخِرَة يَكْفِيك للحاسد غمه بسرورك
وَمن شعره
(وَإِنِّي لمعذورٌ على طولِ حبها
…
لِأَن لهَا وَجها يدلّ على عُذْرِي)
(إِذا مَا بدَتْ والبدرُ ليلةَ تِمِّهِ
…
رأَيتَ لَهَا فضلا مُبينًا على البدرِ)
(وتهتز من تَحت الثِّيَاب كَأَنَّهَا
…
قضيبٌ من الريحان فِي الْوَرق الخضرِ)
(أَبى الله إِلَّا أَن أَمُوت صبَابَة
…
بِساحرةِ الْعَينَيْنِ طيبَة النشر) // الطَّوِيل //
وَمِنْه
(من لي بقَلبٍ صيغَ من صخرةٍ
…
فِي جسدٍ من لُؤْلُؤ رطب)
(جرجت حديه بلحظي فَمَا
…
برحتُ حَتَّى اقْتصّ من قلبِي) // السَّرِيع //
وَمِنْه ويعزى لغيره
(تفقد مساقط الخظ المريبِ
…
فإِنَ العيونَ وُجُوه القلوبِ)
(وطالعْ بوادرهُ فِي الْكَلَام
…
فإِنكَ تجني ثمار الغيوب) // المتقارب //
وَمِنْه
(سابقْ إِلَى مالِكَ وُرّاثهُ
…
مَا المرءُ فِي الدُّنْيَا بلَبَّاثِ)
(كم صَامت تحفق أكياسهُ
…
قدْ صاحَ فِي ميزَان ميراثِ) // السَّرِيع //
وَمِنْه
(يَا طارقي فِي الدُّجى والليلُ مُنبسطُ
…
على الْبِلَاد بهيم ثابتُ الدَّعَمِ)
(طرقت بَاب غنى طابتْ مواردهُ
…
ونائلاً كانهمال الْعَارِض السجم)
(حكم الضيوف بِهَذَا الرّبع أنفَذُ من
…
حكم الخلائف آبَائِي على الْأُمَم)
(فَكل مَا فِيهِ مبذولٌ لطارقهِ
…
وَلَا زِمَام لهُ إِلَّا على الْحرم) // الْبَسِيط //
وَمِنْه قَوْله فِي الْقَلَم
(قلم مَا أرَاهُ أم فَلكٌ يجْرِي بِمَا شَاءَ قاسمٌ ويسيرُ
…
)
(راكعٌ ساجدٌ يقبل قرطاسا
…
كَمَا قبل البساطَ شكور) // الْخَفِيف //
وَمِنْه قَول ابْن طَبَاطَبَا
(قلم يُدورُ بكفه فكأنهُ
…
فَلكٌ يَدورُ بنحسِهِ وسعوده) // الْكَامِل //
وَقَوله فِيهِ أَيْضا وأجاد
(أَقسَمْتُ بالقَلم الحسام فَلَمْ يزلْ
…
يَرْدَى بِهِ حَيٌّ ويَنْتَاش الرَّدِي)
(وَإِذا رَضيتَ فريقُهُ أرَبى وَإِن
…
أَضْمَرت سُخطا مجَّ سَمِعت الأُسْوَدِ)
(فَكَأَنَّهُ فلك بكفك دائرٌ
…
يُجري النُّجُوم بأنحُسٍ وبأسعُدِ) // الْكَامِل //
وَمَا أحسن قَول الآخر فِيهِ
(قلم يفل الْجَيْش وَهُوَ عرمْرَمٌ
…
وَالْبيض مَا سُلَّت من الأغماد)
(وهبت لَهُ الآجام حِين نشا بهَا
…
كرمَ السُّيُول وصولةَ الآساد) // الْكَامِل //
وَقَول التهامي فِيهِ أَيْضا
(قلم يقلِّم ظُفْرَ كل ملمةٍ
…
ويكفّ كفَّ حوادث الْأَيَّام) // الْكَامِل //
وَقَول أبي سعيد بن بوقة
(قلم يمجُّ على العداة سمامهُ
…
لكنه للمرتجين سَمَاء)
(كم قد أسَلتَ بِهِ لعبدك ريقةً
…
سوداءَ فِيهَا نعمةٌ بيضاءُ) // الْكَامِل //
ومحاسن ابْن المعتز كَثِيرَة وَكَانَ قَتله فِي ربيع الآخر سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ رحمه الله وسامحه
80 -
(يُقْعِي جلوسَ البَدَويِّ المُصْطَلى
…
)
قَائِله المتنبي من أرجوزة قَالَهَا ارتجالاً فِي مَجْلِسه يصف كَلْبا أَخذ ظَبْيًا وَحده بِغَيْر صقر وأولها
(ومنزل ليسَ لنا بمنزل
…
وَلَا لِغَير الغَادياتِ الهُطَّلِ)
(نَدى الخزامىَ ذَفرِ القَرَنفُل
…
مُحَلَّلٍ مِلْوَحْشِ لم يَحلَّلِ)
(عَنَّ لنا فِيهِ مُرَاعِي مُغْزلِ
…
مُحَيَّنُ النَّفس بعيدُ الموْئِل)
(كأنّه مُضَمَّخٌ بصَنْدَلِ
…
مُعْتَرضًا بِمثل قَرْنِ الأيِّل)
(يحول بَين الْكَلْب والتأمُّل
…
فحلَّ كلَاّبي وثَاق الأحْبلِ)
(عنْ أشدقٍ مُسَوْجَرٍٍ مُسلسلٍ
…
أقبّ ساطٍ شَرِسٍ شَمَرْدلٍ)
(مِنها إِذا يُثْغَ لَهُ لَا يغزل
…
مؤجِّد الفِقْرَةِ رخو الْمفصل)
(لَهُ إِذا أدبر لحظُ المقبِلِ
…
يعدو إِذا أَحْزَن عَدْوَ المُسْهِلِ)
(إِذا تلَا جَاءَ المدَى وقدْ تُلِي
…
)
وَبعده الْبَيْت وَبعده
(بأرْبع مَجْدُولة لم تُجدَلِ
…
فُتْلِ الأيادي رَبِذَاتِ الأرجُلِ)
(آثارُها أَمثالُها فِي الجندَلِ
…
يكادُ فِي الوثبِ من التفتُّلِ)
(يجمعُ بَين متنهِ والكلْكَلِ
…
وَبَين أعلاهُ وَبَين الأسفلِ)
وَهِي طَوِيلَة
والإقعاء الْجُلُوس على الأليتين والمصطلى المتدفئ بالنَّار
وَالشَّاهِد فِيهِ وُقُوع التَّرْكِيب فِي هَيْئَة السّكُون لوجه الشّبَه من الْهَيْئَة الْحَاصِلَة من موقع كل عُضْو من الْكَلْب فِي إقعائه فَإِنَّهُ يكون لكل عُضْو مِنْهُ موقع خَاص وَالْمَجْمُوع صُورَة خَاصَّة مؤلفة من تِلْكَ المواقع وَكَذَلِكَ صُورَة جُلُوس البدوي عِنْد الاصطلاء بالنَّار الموقدة على الأَرْض
وَفِي مثل ذَلِك قَول الأخيطل الْأَهْوَازِي يصف مصلوبا
(كَأَنَّهُ عاشقٌ قد مدَّ صفحتهُ
…
يومَ الْفِرَاق إِلَى توديع مُرتحلِ)
(أَو قَائِم من نُعاس فِيهِ لُوثَتهُ
…
مُواصلٌ لتمطِّيهِ من الكسل) // الْبَسِيط //
شبهه بالمتمطي المواصل لتمطيه مَعَ التَّعَرُّض لسببه وَهُوَ اللوثة والكسل فَنظر إِلَى الْجِهَات الثَّلَاث فلطف بِحَسب التَّرْكِيب وَالتَّفْصِيل بِخِلَاف تشبيهه بالمتمطي فَإِنَّهُ قريب التَّنَاوُل يَقع فِي نفس الرَّائِي للمصلوب لكَونه أمرا جلياً
وَقد أحسن ابْن الرُّومِي فِي وصف المصلوب بقوله
(كَأَن لَهُ فِي الجوّ حبلاً يَبُوعُهُ
…
إِذا مَا انْقَضى حبْلٌ أُتيح لَهُ حبلُ)
(يُعانقُ أنفاسَ الرياحِ مُودَّعاً
…
وَدَاعَ رحيلٍ لَا يحطّ لَهُ رَحل) // الطَّوِيل //
وللبحتري فِيهِ
(فتراهُ مطرداً على أعوادهِ
…
مثلَ اطرادِ كواكبِ الجوزاء)
(مستشرفاً للشمس منتصباً لَهَا
…
فِي أخريات الجذعِ كالحرباء) // الْكَامِل //
وَلابْن المعتز فِيهِ
(أرَانيكَ الإلهُ قرينَ جذعٍ
…
يضمكَ غيرَ ضم الِالْتِزَام)
(كلُوطِيٍّ لهُ أيرٌ طَويلٌ
…
يفخد للمواجر منْ قيامِ) // الوافر //
ولإبراهيم بن الْمهْدي فِيهِ
(كأنهُ شِلوُ كبشٍ والهجيرُ لهُ
…
تَنُّورُ شاويةٍ والجذعُ سَفُّودُ) // الْبَسِيط //
وَلابْن حمديس فِيهِ
(ومُرتفعٍ فِي الْجذع إِذ حُطَّ قدرُهُ
…
أَساء إِلَيْهِ ظالمٌ وَهُوَ محسنُ)
(كذي غَرَقٍ مدَّ الذرَاعين سابِحاً
…
من الجوّ بحراً عومُهُ لَيْسَ يمكنُ)
(وتحسبهُ من جنَّة الْخلد دانياً
…
يعانقُ حوراً لَا تراهن أعين) // الطَّوِيل //
وَمَا أحسن قَول ابْن الْأَنْبَارِي فِي ابْن بَقِيَّة الْوَزير لما صلب من أَبْيَات
(كأنَّ النَّاس حولكَ حينَ قامُوا
…
وُفُودُ يديكَ أيامَ الصِّلاتِ)
(كأنكَ قائمٌ فيهمْ خَطِيبًا
…
وكلهُّمُ قيامٌ للصَّلَاة) // الوافر //
وَقد أَخذ معنى الْبَيْت الأول من قَول ابْن المعتز
(وصلَّوْا عليهِ خاشعين كأنهمْ
…
وُفُودٌ وُقوفٌ للسلام عَلَيْهِ) // الطَّوِيل //
ولعمر الْخَرَّاط فِيهِ
(انظرْ إليهِ كَأَنَّهُ فِي وَصفه
…
متظلم لَحَظَ السَّمَاء بطرفهِ)
(بسطَ الْيَدَيْنِ كأنهُ يدعوُ على
…
من قد أشارَ على الْأَمِير بحتفه) // الْكَامِل //
وللفقيه عمَارَة اليمني فِيهِ
(ومَدَّ على صَليبٍ الصَّلبِ منهُ
…
يَمِينا لَا تَطولُ إِلَى شمالِ)
(ونكَّسَ رأسَهُ لعتابِ قَلب
…
دَعاهُ إِلَى الغَوايةِ والضَّلَالِ) // الوافر //
وَمن العجيب أَنه صلب بعد قَوْله هَذَا بِقَلِيل صلبه الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فَكَانَت هَذِه الْكَلِمَات كالفأل عَلَيْهِ وَله فِي مَعْنَاهُ أَيْضا
(وَرَأَتْ يَدَاهُ عظيمَ مَا جَنَتا
…
فَفَرَرنَ ذِي شَرْقاً وَذي غَرْبا)
(وأمالَ نحوَ الصدرِ منهُ فَمَا
…
ليَلومَ فِي أفْعَالهِ القلبا) // الْكَامِل //
81 -
(كَمَا أبرقت قوما عِطَاشاً غَمَامَةٌ
…
فلمَّا رَأوْهَا أقْشَعَتْ وتجَلَّتِ)
الْبَيْت من الطَّوِيل وَلَا أعرف قَائِله
وَالْمعْنَى أبرقت الغمامة للْقَوْم فَحذف الْجَار وأوصل الْفِعْل وَمعنى أقشعت وتجلت تَفَرَّقت وانكشفت
وَالشَّاهِد فِيهِ الْمركب الْعقلِيّ من وَجه الشّبَه وَأَنه قد ينْزع من مُتَعَدد فَيَقَع الْخَطَأ لوُجُوب انْتِزَاعه من أَكثر كَمَا إِذا انتزع وَجه الشّبَه من الشّطْر الأول من الْبَيْت فَإِنَّهُ يكون خطأ لوُجُوب انْتِزَاعه من جَمِيعه فَإِن المُرَاد تَشْبِيه الْحَالة
الْمَذْكُورَة فِي الأبيات السَّابِقَة على هَذَا الْبَيْت بِظُهُور الغمامة لقوم عطاش ثمَّ تفرقها وانكشافها بِوَاسِطَة اتِّصَال مطمع بانتهاء مؤنس لِأَن الْبَيْت مثل فِي أَن يظْهر للْمُضْطَر إِلَى الشَّيْء الشَّديد الْحَاجة إِلَيْهِ أَمارَة وجوده ثمَّ يفوتهُ وَيبقى تحسره وَزِيَادَة ترجيه
وَفِي مَعْنَاهُ قَول مُسلم بن الْوَلِيد
(وشمْتُكَ إِذْ أَقبلت فِي عارِض الغِنَى
…
فأقْلَعْتَ لم تَنْبض بِرِيٍّ وَلَا مَحْلِ) // الطَّوِيل //
وَقَول بشار بن برد
(أظَلَّتْ علينا منكَ يَوْمًا سَحابةٌ
…
أضاءَت لنا برقا وأبْطَا رَشاشُهَا)
(فَلَا غَيْمُها يُجْلي فيَيْأَسَ طامعٌ
…
وَلَا غيْثها يَأْتِي فَيرْوَي عِطاشهُا) // الطَّوِيل //
وَقَوله
(لمروان مواعد كاذبات
…
كَمَا برق الْحيَاء وَمَا استهلا) // الوافر //
وَالْأَصْل فِيهِ قَول الْأَحْوَص
(وكنْتُ وَمَا أمَّلْتُ مِنْك كَبارقٍ
…
لوى قطره من بعد مَا كَانَ غيما) // الطَّوِيل //
وَمَا أحسن قَول بَعضهم
(أَلا إِنَّمَا الدُّنْيَا كَظِلِّ غَمَامَةٍ
…
إِذَا مَا رَجاها المسْتَهِلُّ اضمَحَلَّتِ)
(فَلَا تكُ مِفْرَاحاً إِذا هِيَ أقْبلَتْ
…
وَلَا تَكُ مْحِزَاناً إِذا مَا تولت) // الطَّوِيل //
وَلابْن الطراوة النَّحْوِيّ فِي معنى الْبَيْت وَقد خَرجُوا ليستسقوا على إِثْر قحط فِي يَوْم غامت سماؤه فَزَالَ ذَلِك عِنْد خُرُوجهمْ
(خَرَجوا ليَسْتَسْقُوا وَقد نَشأت
…
بَحْريَّةٌ قَمِنٌ بهَا السَّحُّ)
(حَتَّى إِذا اصْطَفُّوا لدعوتهم
…
وبدا لأعينُهم بهَا نَضْحُ)
(كُشِف الغمامُ إِجَابَة لهمُ
…
فكأنهم خَرجُوا ليستصحوا) // الْكَامِل //
وَقد سبقه إِلَى ذَلِك أَبُو عَليّ المحسن التنوخي فَقَالَ
(خرجنَا لنستسقي بيُمْنِ دُعائهِ
…
وَقد كَاد هُدْبُ الْغَيْم أَن يلبس الأرضا)
(فَلَمَّا بدا يَدْعُو تَقَشَّعت السما
…
فَمَا تمّ إِلَّا والغمامُ قد ارفضا) // الطَّوِيل //
وَمِنْه قَول بَعضهم
(لما بدا وجهُ السَّمَاء لهمْ
…
مُتَجهِّماً لم يُبْدِ أنَواءَ)
(قَامُوا ليَستسقوا الإلهَ لَهُم
…
غَيْثاً فَلم يسقيهم المَاء) // الْكَامِل //
82 -
(فَإِن تَفُقِ الأنامَ وأنتَ مِنهُمْ
…
فإنَّ الْمسك بعض دم الغَزَالِ)
الْبَيْت لأبي الطّيب المتنبي من قصيدة من الوافر يرثي بهَا وَالِدَة سيف الدولة بن حمدَان أَولهَا
(نُعِدُّ المْشَرفيَّة والعَوالي
…
وتَقْتلنا المنُونُ بِلَا قِتَالِ)
(ونرْتَبطُ السَّوابِقَ مُقرَبَاتٍ
…
وَمَا يُنْجينَ من خبب اللَّيَالِي) // الوافر // وَهِي طَوِيلَة وَقبل الْبَيْت قَوْله يُخَاطب سيف الدولة
(رَأيتُكَ فِي الَّذين أرى ملُوكاً
…
كأَنكَ مُستقيمٌ فِي مَحالِ)
حكى أَن المتنبي قيل لَهُ إِن الْمحَال لَا يُطَابق الاسْتقَامَة وَلَكِن القافية ألجأتك إِلَى ذَلِك فَلَو فرض أَنَّك قلت كَأَنَّك مُسْتَقِيم فِي اعوجاج كَيفَ كنت تصنع فِي الثَّانِي فَقَالَ وَلم يتَوَقَّف فَإِن الْبيض بعض دم الدَّجَاج فَاسْتحْسن هَذَا من بديهته
وَالشَّاهِد فِيهِ بَيَان أَن الْمُشبه أَمر مُمكن الْوُجُود وَذَلِكَ فِي كل أَمر غَرِيب يُمكن أَن يُخَالف فِيهِ وَيَدعِي امْتِنَاعه فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن يَقُول إِن الممدوح
قد فاق النَّاس بِحَيْثُ لم يبْق بَينه وَبينهمْ مشابهة بِوَجْه بل صَار أصلا بِرَأْسِهِ وجنساً بمفرده وَهَذَا فِي الظَّاهِر كالممتنع لاستبعاد أَن تتناهى بعض آحَاد النَّوْع فِي الْفَضَائِل الْخَاصَّة بذلك النَّوْع إِلَى أَن يصير كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا فاحتج لهَذِهِ الدَّعْوَى وَبَين إمكانها بِأَن شبه حَاله بِحَال الْمسك الَّذِي هُوَ من الدِّمَاء ثمَّ إِنَّه لَا يعد مِنْهَا لما فِيهِ من الْأَوْصَاف الشَّرِيفَة الَّتِي لَا تُوجد فِي الدَّم وَيُسمى مثل هَذَا تَشْبِيها ضمنياً أَو مكنياً عَنهُ لدلَالَة الْبَيْت عَلَيْهِ ضمنا
وَقد أحسن السراج الْوراق تَضْمِينه بقوله
(وأصْيَدَ ظلَّ يدركُ يومَ صَيْدِ
…
طَرائدَهُ بجُردٍ كالسِّعَالي)
(فَإِن عَبَقَتْ لنا يمناهُ مسكا
…
فَإِن الْمسك بعض دم الغزال) // الوافر //
والشهاب ابْن بنت الْأَعَز بقوله
(وَقَالُوا بالعِذَارِ تَسَلَّ عَنهُ
…
وَمَا أَنا عَن غزالِ الحْسنِ سَالي)
(وإنْ أبْدَتْ لنا خَدَّاهُ مسكاً
…
فَإِن الْمسك بعض دم الغزال) // الوافر //
وَيُشبه قَول أبي الطّيب المتنبي هُنَا فِي سيف الدولة قَوْله فِي عضد الدولة
(وَلَوْلَا كَونكم فِي الناسِ كَانُوا
…
هُرَاءَ كَالْكَلَامِ بِلَا معانِ) // الوافر //
وَمثله قَول يحيى بن بَقِي
(هَل يَسْتَوي النَّاس قَالُوا كلُّنا بَشَرٌ
…
فالمنْدَلُ الرطبُ والطرفاءُ أَعْوَاد) // الْبَسِيط //
وللغزي فِي مثله
(فلَا غروَ إِن كنتَ بَعضَ الورَى
…
فإِنَّ اليَلَنْجُوجَ بعضُ الْحَطب) // المتقارب //
وَمِنْه قَول خلف بن عبد الْعَزِيز النَّحْوِيّ
(مَا أنتَ بعضَ النَّاس إلَاّ مثل مَا
…
بعضُ الْحَصَا الياقوتة الْحَمْرَاء) // الْكَامِل //
وللحصري فِيهِ
(أَبَا بكرٍ أَن أَصبَحت بعضَ ملوكهمْ
…
فإِن اللَّيَالِي بعضُها لَيْلَة الْقدر) // الطَّوِيل //
وَمثله قَول ابْن قلاقس وأجاد
(أنشرْتَ من آبائكَ الصيدِ الأولى
…
ذكرا لسانُ الدَّهْر ناشر نَشْرهِ)
(كرُمُوا فزدتَ عليهمُ فكأنهمْ
…
شهرُ الصّيام وأنتَ ليلةُ قدره) // الْكَامِل //
وَمثله قَول التهامي
(لقدْ شرّفَ الرحمنُ قدرَكَ فِي الورى
…
كَمَا فِي اللَّيَالِي شُرِّفَتْ ليلةُ القدرِ)
(وَإِن كنتَ من جنس البرايا وفقتهُمْ
…
فللمسك نشرٌ لَيْسَ يوجَدُ فِي العطرِ) // الطَّوِيل //
وَمَا أحسن قَول شيخ الشُّيُوخ رحمه الله
(فَاقَتْ بيوسفُها الدُّنْيَا وفاحَ لَهَا
…
طيبٌ طوى المسكَ من نشرٍ لَهَا أرجِ)
(فَإِن يُشارِكْهُ فِي اسْم الْملك طائفةٌ
…
فَإِن شمس الضُّحَى من جملَة السُّرُجِ) // الْبَسِيط //
وَمثله قَول عبد الصَّمد بن بابك
(تقاعسَ عنكَ الفاخرون فأحجموا
…
وخيْلُ المغاني غيرُ خيل المواكبِ)
(فَإِن زَعمَ الأملاكُ أنَّكَ منهُمُ
…
فَخاراً فَإِن الشَّمْس بعضُ الْكَوَاكِب) // الطَّوِيل //
وَمن البديع فِي مَعْنَاهُ قَول ابْن شرف القيرواني
(سَلكَ الورى آثَار فضلكَ فانثنى
…
متكلف عَن مسلكٍ مطبوعِ)
(أبناءُ جنسكَ فِي الحلى لَا فِي العُلَا
…
وأقولُ قولا لَيْسَ بالمدفوع) // الْكَامِل //
أبدا ترى الْبَيْتَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي المعني ويتفقان فِي التقطيع
وَفِي مقلوب معنى الْبَيْت قَول الصاحب بن عباد يهجو
(أبوكَ أَبُو عليّ ذُو اعتلاءٍ
…
إِذا عُدَّ الكرَامُ وأنتَ نَجْلُهْ)
(وَإِن أباكَ إِذْ تُعُزَى إليهِ
…
لكالطَّاووس تقبُحُ منهُ رجلهْ) // الوافر //
83 -
(وَلَا زور دِيَة تزهو برُرْقتِها
…
وسْطَ الرياض على حُمْر اليواقيت)
(كَأَنَّهَا وضعافُ القضب تحملهَا
…
أوائلٌ النَّار فِي أَطْرَاف كبريتِ)
البيتان لِابْنِ الرُّومِي يصف البنفسج وقبلهما
(بنفسجٌ جُمِعَتْ أوْرَاقُهُ فحكىَ
…
كُحلاً تَشَرِّبَ دَمعاً يَوْم تشتيتِ)
وَهِي من قصيدة من الْبَسِيط
وَالشَّاهِد فيهمَا كَون الْمُشبه بِهِ نَادِر الْحُضُور فِي الذِّهْن عِنْد حُضُور الْمُشبه فَإِن صُورَة اتِّصَال النَّار بأطراف الكبريت ينْدر حُضُورهَا فِي الذِّهْن عِنْد حُضُور صُورَة البنفسج فيستطرف لمشاهدة عنَاق بَين صُورَتَيْنِ متباعدتين غَايَة التباعد فَإِنَّهُ أَرَاك شبها لنبات غض يرف وأوراق رطبَة من لَهب نَار استولى عَلَيْهِ اليبس ومبنى الطبائع على أَن الشَّيْء إِذا ظهر من مَوضِع لم يعْهَد ظُهُوره مِنْهُ كَانَ ميل النُّفُوس إِلَيْهِ أَكثر وَهِي بالشغف بِهِ وأجدر
وَهَذَا البيتان من نَادِر التَّشْبِيه وغريبه وَلَيْسَ يعدلهما إِلَّا قَول النميري
(بَنفسجٌ بذكِيِّ الْمسك مخصوصُ
…
مَا فِي زمانكَ إِن وافاكَ تنغيص)
(كَأَنَّمَا شغل الكبريت منظره
…
أوخد أغيدَ بالتخميش مَقْروصُ) // الْبَسِيط //
وَقَول الآخر
(مَا زلتُ من شغفي ألمعُ كفهَا
…
وذراعها بالقَرْص والآثارِ)
(حَتَّى جعلتُ أدِيمَهَا وكأنما
…
غُرِسَ البنفسجُ فِي نقَا الجمارِ) // الْكَامِل //
وَقد لطف ابْن كيغلغ فِي اسْتِعَارَة الْمَعْنى فَقَالَ
(لما الْتَقَيْنَا للودَاعِ وأعرَبتْ
…
عبراتُنا عَنَّا بِدمعِ ناطقِ)
(فرْقنَ بينَ محاجرٍ ومعاجرٍ
…
وجمعنَ بينَ بَنفسجٍ وشقائق) // الْكَامِل //
واستعارة أَبُو تَمام فِي قَوْله
(لَهَا من لوعة البينِ التدامٌ
…
يُعيدُ بنفسجاً ورْدَ الخدودِ) // الوافر //
وَقَوله التدام مِمَّا أَخذ عَلَيْهِ بِهِ فِي جملَة مَا أَخذ
84 -
(وبَدَا الصباحُ كأنَّ غُرَّتهُ
…
وَجْهُ الْخَلِيفَة حِين يُمتدحُ)
الْبَيْت لمُحَمد بن وهيب الْحِمْيَرِي من قصيدة من الْكَامِل يمدح بهَا الْمَأْمُون أَولهَا
(العذرُ إِن أنصفتَ متضحُ
…
وشهودُ حبكَ أدمُعٌ سفُحُ)
(وَإِذا تكلمتِ العيونُ علىَ
…
إعْجامها فالسرُّ مفتضحُ)
(فضحتْ ضميرَكَ عَن ودَائعهِ
…
إِن الجفون نواطقٌ فُصُحُ)
(رُبَمَا أبيتُ مُعانقي قمرٌ
…
لِلْحسنِ فِيهِ مخايلٌ تَضِحُ)
(نشرّ الجمالُ على مَحَاسنهِ
…
بِدَعاً وأذهَبَ همهُ الْفَرح)
(يختال فِي حُلَلِ الشبابِ بِه
…
مَرَحٌ وَدَاؤُكَ أَنه مرح)
(مَا زَالَ يُلْثمني مَرَاشفهُ
…
ويعلّني الإِبريقُ والقدحُ)
(حَتَّى استردَّ الليلُ خِلعتَهُ
…
ونشَا خِلَال سَوادِهِ وضح) // الْكَامِل //
وَبعده الْبَيْت ثمَّ إِنَّه يَقُول فِيهَا
(نشرَتْ بكَ الدُّنيا محاسنها
…
وتزَينتْ بصفاتكَ المِدَحُ)
(وكأنَّ مَا قد غابَ عنكَ لهُ
…
بإِزاء طرفكَ عارضاً شبَحُ)
(وإِذا سَلمْتَ فكلُّ حَادِثَة
…
جَلَلٌ فلَا بُؤْسٌ وَلَا تَرحُ)
وَالشَّاهِد فِي الْبَيْت إِيهَام أَن الْمُشبه بِهِ أتم من الْمُشبه وَيُسمى التَّشْبِيه
المقلوب فَإِنَّهُ قصد إِيهَام أَن وَجه الْخَلِيفَة أتم من الصَّباح فِي الوضوح والضياء وَفِي قَوْله حِين يمتدح دلَالَة على اتصاف الممدوح بِمَعْرِِفَة حق المادح وتعظيم شَأْنه عِنْد الْحَاضِرين بالإصغاء إِلَيْهِ والارتياح لَهُ وعَلى كَونه كَامِلا فِي الْكَرم يَتَّصِف بالبشر والطلاقة عِنْد اسْتِمَاع المديح
وَفِي مَعْنَاهُ قَول البحتري
(كَأَن سَنَاها بالعَشِيِّ لصبُحها
…
تبَسُّمُ عِيسَى حِين يلفظُ بالوعْدِ) // الطَّوِيل //
وَتقدم ذكر ابْن وهيب فِي شَوَاهِد الْمسند
85 -
(تَشَابَهَ دَمْعِي إِذْ جَرَى وَمُدَامَتي
…
فمِنْ مِثْل مَا فِي الكأسِ عَيْنَي تَسْكبُ)
(فوَاللَّه مَا أَدْري أَبالخمر أسْبَلَتْ
…
جُفونيَ أمْ من عَبْرَتي كُنْتُ أشْرَبُ)
البيتان لأبي إِسْحَاق الصابي من الطَّوِيل وَرَأَيْت فِي الْيَتِيمَة الْبَيْت الأول بِلَفْظ تورد بدل تشابه
وَالشَّاهِد فيهمَا ترك التَّشْبِيه والعدول إِلَى الحكم بالتشابه ليَكُون كل وَاحِد من الشَّيْئَيْنِ مشبهاً ومشبهاً بِهِ احْتِرَازًا من تَرْجِيح أحد المتساويين فِي وَجه الشّبَه فَإِن الشَّاعِر لما اعْتقد التَّسَاوِي بَين الْخمر والدمع وَلم يعْتَقد أَن أَحدهمَا زَائِد فِي الْحمرَة وَالْآخر نَاقص يلْحق بِهِ حكم بَينهمَا بالتشابه وَترك التَّشْبِيه
وَفِي مَعْنَاهُ قَول الصاحب بن عباد
(رقَّ الزجاجُ ورَاقَتِ الخمرُ
…
وتَشَابها فَتشاكلَ الْأَمر)
(فَكَأَنَّمَا خمرٌ وَلَا قَدَحٌ
…
وكأنما قدح وَلَا خمر) // الْكَامِل //
وَقَوله أَيْضا من أَبْيَات
(مُتغايرات قد جمِعْنَ وكلُّها
…
مُتشاكلٌ أشْباحُها أرْواحُ)
(وَإِذا أرَدتَ مُصَرَّحاً تَفسيرها
…
فالرَّاحُ والمِصباحُ والتُّفاحُ)
(لم يَعلم السَّاقي وَقد جُمِّعَن لي
…
من أَي هذي تملأ الأقداح) // الْكَامِل //
وَمثله مَا كتب بِهِ أَبُو الْوَلِيد بن زيدون إِلَى الْمُعْتَمد بن عباد صَاحب إشبيلية مَعَ تفاح أهداه إِلَيْهِ
(يَا من تَزينت السِّيَادَة
…
حِين أُلْبسَ ثوبهَا)
(جاءتك جامدة المدام
…
فَخذ عَلَيْهَا ذَوْبهَا) // من مجزوء الْكَامِل //
وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول الخليع
(الرَّاحُ تفاحٌ جرى ذائباً
…
كَذَلِك التُّفْاحُ راحٌ جمَدْ)
(فاشْرَب على جامده ذُوْبَهُ
…
وَلَا تَدَعْ لَذَّة يَوْم لغد) // السَّرِيع //
وللسري الرفاء فِي مَعْنَاهُ
(وَقد أَضَاءَت نجومُ مَجْلِسنَا
…
حَتَّى اكتسى غرَّة وأوضاحا)
(لَو جمَدَتْ راحُنا اغتدت ذَهَبا
…
أَو ذابَ تفاحنا اغتدى رَاحا) // المنسرح //
ولطاهر العتابي فِي هَذَا الْمَعْنى
(أيا لَيْلَة قد بت أهزمُ بردَها
…
بجيشين من خمر عَتيق وَمن جَمْرِ)
(فطوراً أَظن الْخمر من ذوب جمرها
…
وطوراً أَظن الْجَمْر من جَمِدَ الْخمر) // الطَّوِيل //
والصابي هُوَ إِبْرَاهِيم بن هِلَال بن هَارُون الْحَرَّانِي قَالَ فِي حَقه أَبُو مَنْصُور الثعالبي هُوَ أوحد الْعرَاق فِي البلاغة وَمن بِهِ تثنى الخناصر فِي الْكِتَابَة وتتفق الشَّهَادَات لَهُ ببلوغ الْغَايَة من البراعة فِي الصِّنَاعَة وَكَانَ قد بلغ التسعين فِي خدمَة الْخُلَفَاء وَخِلَافَة الوزراء وتقلد الْأَعْمَال الجلائل مَعَ ديوَان الرسائل وحلب الدَّهْر أشطره وذاق حلوه ومره ولابس خَيره ومارس شَره ورئس وَرَأس وخدم وخدم ومدحه شعراء الْعرَاق فِي جملَة الرؤساء وشاع ذكره فِي الْآفَاق وَدون لَهُ من الْكَلَام الْبَهِي النقي الْعلوِي مَا تناثرت درره وتكاثرت غرره وَفِيه يَقُول بعض أهل الْعَصْر
(أصبحْتُ مُشتاقاً حَليفَ صَبابةٍ
…
برَسائلِ الصابي أبي إِسحَاقِ)
(صَوبُ البلاغَة وَالحلاوَةِ والحِجَى
…
ذَوْبُ البراعةِ سَلوةُ العُشاقِ)
(طَوْراً كَمَا رَقَّ النسيمُ وتارَةً
…
يحْكى لنا الأطواقَ فِي الأعْنَاقِ)
(لَا يَبْلُغ البُلغاءُ شأوَ مبرز
…
كتبت بدائعه على الأحداق) // الْكَامِل //
وَيَقُول أَيْضا
(يَا بؤس من يُمْنَى بدمع ساجم
…
يَهْمِي على حُجُبِ الْفُؤَاد الوجم)
(لَوْلَا تعللهُ بكأسِ مُدَامَةٍ
…
ورَسائل الصَّابي وَشعر كشاجم) // الْكَامِل //
ويحكى أَن الْخُلَفَاء والملوك والوزراء راودوه كثيرا على الْإِسْلَام وأداروه بِكُل حِيلَة وتمنية جميلَة حَتَّى إِن السُّلْطَان بختيار عرض عَلَيْهِ الوزارة إِن أسلم فَلم يهده الله تَعَالَى لِلْإِسْلَامِ كَمَا هداه إِلَى محَاسِن الْكَلَام وَكَانَ يعاشر الْمُسلمين أحسن عشرَة ويخدم الأكابر أوقع خدمَة ويساعدهم على صِيَام شهر رَمَضَان ويحفظ الْقُرْآن الْكَرِيم حفظا يَدُور على طرف لِسَانه وَسن قلمه وَكَانَ فِي أَيَّام شبابه واقتباله أحسن حَالا وأرخى بالأمنه فِي أَيَّام استكماله وَفِي زمن اكتهاله أورى زنداً وأسعد جدا مِنْهُ حِين مَسّه الْكبر وَأخذ مِنْهُ الْهَرم فَفِي ذَلِك يَقُول من قصيدة فِي فنها فريدة كتب بهَا إِلَى الصاحب يشكو بثه وحزنه ويستمطر سَحَابَة وحزنه بعد أَن كَانَ يخاطبه بِالْكَاف وَلَا يرفعهُ عَن رُتْبَة الْأَكفاء
(عجبا لحظي إِذْ أرَاهُ مُصالحي
…
عَصْرَ الشَّبَاب فِي المشيب مغاضبي)
(أمنَ الغَواني كانَ حَتَّى خانني
…
شَيخا وكانَ لَدَى الشبيبَةِ صَاحِبي)
(أمَعَ التَضعضع مَلَّنِي متجنباً
…
وَمَعَ التَّرَعرع كَانَ غير مجانبي)
(يَا لَيْت صَبْوَته إلىَّ تأخَّرَت
…
حَتَّى تكون ذخيرةً لعواقبي) // الْكَامِل //
وَكَانَ المهلبي لَا يرى الدُّنْيَا إِلَّا بِهِ ويحن إِلَى براعته وَتقدم قدمه ويصطنعه لنَفسِهِ ويستدعيه فِي أَوْقَات أنسه فَلَمَّا مَاتَ المهلبي وَأَبُو إِسْحَاق
يَلِي ديوَان الرسائل والخلافة على ديوَان الوزارة اعتقل فِي جملَة عُمَّال المهلبي وَأَصْحَابه فَمن قَوْله فِي ذَلِك الاعتقال من قصيدة
(يَا أَيهَا الرُّؤساءُ دعوةَ خَادِمٍ
…
أَوْفَتْ رَسائلهُ على التعديدِ)
(أيجوزُ فِي حكمِ المُرُوءةِ عندكَمْ
…
حبسي وَطول تهدودي وَوعيدي)
(أَنسيتمُ كتبا شحنت فُصولَهَا
…
بفصول دُرّ عنكمُ منضودِ)
(ورسائلاً نَفَذَتْ إِلَى أطرافكمْ
…
عبدُ الحميد بهنّ غيرُ حميدِ)
(يهتزُّ سامعُهنّ من طَرَبٍ كَمَا
…
هزّ النديمَ سمَاعُ صوتِ العودِ) // الْكَامِل //
وَمِنْهَا
(قصرَتْ خُطاهُ خلَاخلٌ من قَيده
…
فتراه فِيهَا كالفتاة الرُّودِ)
(يمشي الهوَيْني ذِلةً لَا عزة
…
مشيَ النزيفِ الخائفِ المزؤدِ)
وَلما خلى عَنهُ وأعيد إِلَى عمله لم يزل يطير وَيَقَع وينخفض ويرتفع إِلَى أَن دفع فِي أَيَّام عضد الدولة إِلَى النكبة الْعُظْمَى والطامة الْكُبْرَى إِذْ كَانَ فِي صَدره حزازات كَثِيرَة من إنشا آتٍ لَهُ عَن الْخَلِيفَة وَعَن بختيار نقمها مِنْهُ واحتقدها عَلَيْهِ قيل كَانَ من أقوى أَسبَاب تغير عضد الدولة على أبي إِسْحَاق بعد ميله إِلَيْهِ وضنه بِهِ فصلٌ لَهُ من كتاب أنشأه عَن الْخَلِيفَة فِي شَأْن بختيار وَهُوَ وَقد جدد لَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ مَعَ هَذِه المساعي السوابق والمعالي
السوامق الَّتِي يلْزم كل دَان وَقاص وعام وخاص أَن يعرف لَهُ حق مَا أكْرم بِهِ مِنْهَا ويتزحزح عَن رُتْبَة الْمُمَاثلَة فِيهَا فَإِن عضد الدولة أنكر هَذِه اللَّفْظَة أَشد إِنْكَار وَلم يشك فِي التَّعْرِيض بِهِ وأسرها فِي نَفسه إِلَى أَن ملك بَغْدَاد وَسَائِر الْعرَاق وَأمر أَبَا إِسْحَاق بتأليف كتاب فِي أَخْبَار الدولة الديلمية يشْتَمل على ذكر قديمَة وحديثة وَشرح سيره وحروبه وفتوحه فامتثل أمره وافتتح كِتَابه المترجم بالتاجي واشتغل بِهِ فِي منزله وَأخذ يتأنق فِي تصنيفه وترصيفه وَينْفق من روحه على تقريظه وتشنيفه فَرفع إِلَى عضد الدولة أَن صديقا للصابي دخل إِلَيْهِ فَرَآهُ فِي شغل شاغل من التَّعْلِيق والتسويد والتبديل والتبيض فَسَأَلَهُ عَمَّا يعْمل من ذَلِك فَقَالَ أباطيل أنمقها وأكاذيب ألفقها فانضاف تَأْثِير هَذِه الْكَلِمَة فِي قلب عضد الدولة إِلَى مَا كَانَ فِي نَفسه من أبي إِسْحَاق وتحرك من ضغنه السَّاكِن وثار من سخطه الكامن فَأمر أَن يلقى تَحت أرجل الفيلة فأكب جمَاعَة من أَرْبَاب الدولة على الأَرْض يقبلونها بَين يَدَيْهِ ويشفعون إِلَيْهِ فِي أمره ويتلطفون فِي استيهابه إِلَى أَن أَمر باستحيائه مَعَ الْقَبْض عَلَيْهِ وعَلى أَسبَابه واستصفاء أَمْوَاله فَبَقيَ فِي ذَلِك الاعتقال بضع سِنِين إِلَى أَن تخلص فِي آخر أَيَّام عضد الدولة وَقد رزحت حَاله وتهتك ستره
وَكَانَ الصاحب ابْن عباد يُحِبهُ أَشد الْحبّ ويتعصب لَهُ ويتعهده على بعد الدَّار بالمنح والصابي يخْدم حَضرته بالمدح وَكَانَ الصاحب يتَمَنَّى انحيازه إِلَيْهِ وقدومه عَلَيْهِ وَيضمن لَهُ الرغائب على ذَلِك إِمَّا تشوقاً أَو تشرفاً وَكَانَ هُوَ يحْتَمل ثقل الْخلَّة وَسُوء أثر العطلة وَلَا يتواضع للاتصال بجملة الصاحب بعد كَونه من نظرائه وتحليه بالرياسة فِي أَيَّامه
وَكَانَ الصاحب كثيرا مَا يَقُول كتاب الدُّنْيَا وبلغاء الْعَصْر أَرْبَعَة
الْأُسْتَاذ ابْن العميد وَأَبُو الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن يُوسُف وَأَبُو إِسْحَاق الصابي وَلَو شِئْت لذكرت الرَّابِع يَعْنِي نَفسه
فَأَما التَّرْجِيح بَين هذَيْن الصادين أَعنِي الصاحب والصابي فقد خَاضَ فِيهِ الخائضون وخب فِيهِ المخبون وَمن أشف مَا سمعته من ذَلِك أَن الصاحب كَانَ يكْتب كَمَا يُرِيد والصابي يكْتب كَمَا يُؤمر أَي كَمَا يُرَاد وَبَين الْحَالين بونٌ بعيد وَكَيف جرى الْأَمر فهما هما وَلَقَد وقف فلك البلاغة بعدهمَا
ولنذكر نبذا من نثره ونظمه لتَكون كالعنوان على محاسنه
فَمن ذَلِك فصل لَهُ من كتاب إِلَى عضد الدولة فِي التهنئة بتحويل سنة أسأَل الله مبتهلاً لَدَيْهِ مَادًّا يَدي إِلَيْهِ أَن يحِيل على مَوْلَانَا هَذِه السّنة وَمَا يتلوها من أخواتها بالصالحات الْبَاقِيَات والزيادات الغامرات ليَكُون كل دهر يستقبله وأمد يستأنفه موفياً على الْمُتَقَدّم لَهُ قاصراً عَن الْمُتَأَخر عَنهُ ويوفيه من الْعُمر أطوله وأبعده وَمن الْعَيْش أعذبه وأرغده عَزِيزًا منصوراً محمياً موفوراً باسطاً يَده لَا يقبضهَا إِلَّا على نواصي أَعدَاء وحساد سامياً طرفه فَلَا يعضه إِلَّا على لَذَّة غمض ورقاد مستريحة ركابه فَلَا يعملها إِلَّا لاستضافة عز وَملك فائزة قداحه فَلَا يجيلها إِلَّا لحيازة مَال وَملك حق ينَال أقْصَى مَا تتَوَجَّه إِلَيْهِ أُمْنِية صَالِحَة وتسمو لَهُ همة طامحة
فصل من رسَالَته فِي وصف المتصيد وَالصَّيْد وخيلنا كالأمواج المتدفقة والأطواد الموثقة متشوقة عاطية مستبقة جَارِيَة تشتاق الصَّيْد وَهِي لَا تطعمه وتحن إِلَيْهِ كَأَنَّهُ قضيم تقضمه وعَلى أَيْدِينَا جوارح مؤللة المخالب والمناسر
مذربة النصال والخناجر طامحة الألحاظ والمناظر بعيدَة المرامي والمطارح ذكية الْقُلُوب والنفوس قَليلَة القطوب والعبوس سابغة الأذناب كَرِيمَة الْأَنْسَاب صلبة الأعواد قَوِيَّة الأوصال تزيد إِذا طعمت شَرها وقرماً وتتضاعف إِذا شبعت كَلْبا ونهماً فَبينا نَحن سائرون وَفِي الطّلب ممعنون إِذْ وردنا مَاء زرقاً جمامه طامية أرجاؤه يبوح بأسراره صفاؤه وتلوح فِي قراره حصباؤه وأفانين الطير بِهِ محدقة وغوائبه عَلَيْهِ وَاقعَة مُتَغَايِرَة الألوان وَالصِّفَات مختلفات الْأَصْوَات واللغات فَمن صَرِيح خلص وتهذب نَوعه وَمن مشوب تهجن أَو أقرف عرقه فَلَمَّا أوفينا عَلَيْهَا أرسلنَا الْجَوَارِح إِلَيْهَا كَأَنَّهَا رسل المنايا أَو سِهَام القضايا فَلم نسْمع إِلَّا مسمياً وَلم نر إِلَّا مذكياً ثمَّ عدنا لشأننا دفعات وأطلقنا مَرَّات
وَمن فصل مِنْهَا ثمَّ عدلنا عَن مطارح الْخيام إِلَى مسارح الآرام نستقرئ ملاعبها ونؤم مجامعها حَتَّى أفضينا إِلَى أسراب لاهية بأطلائها راتعة بأكلائها ومعنا فهود أخطف من البروق وألقف من الليوث وأمكر من الثعالب وأدب من العقارب وأنزى من الجنادب خمص الخصور قب الْبُطُون رقش الْمُتُون حمر الآماق خزر الأحداق هرت الأشداق عراض الجباه غلب الرّقاب كاشرة عَن أَنْيَاب كالحراب
وَله فصل فِي ذكر الأقدار لله تَعَالَى أقدار ترد فِي أَوْقَاتهَا وقضايا تجْرِي إِلَى غاياتها لَا يرد شَيْء مِنْهَا عَن شأوه ومداه وَلَا يصددون مطلبه ومنحاه فَهِيَ كالسهام الَّتِي لَا تثبت إِلَّا فِي الْأَغْرَاض وَلَا ترجع بالاعتراض وَالنَّاس
فِيهَا بَين عَطِيَّة يجب الشُّكْر عَلَيْهَا ورزية يوثق بِالْعِوَضِ عَنْهَا
وَله من فصل عَن بختيار إِلَى سبكتكين الغزنى لَيْت شعري بِأَيّ قدم توافينا وراياتنا خافقة على رَأسك ومماليكنا عَن يَمِينك وشمالك وخيلنا الموسومة بأسمائنا تَحْتك وثيابنا المنسوجة فِي طرزنا على جسدك وَسِلَاحنَا المشحوذ لأعدائنا فِي يدك
وَمن فصل فِي ذكره هُوَ أرق دنيا وَأَمَانَة وأخفض قدرا ومكانة وَأتم ذلاً ومهانة وَأظْهر عَجزا وزمانة من أَن تستقل بِهِ قدم فِي مطاولتنا أَو تطمئِن لَهُ ضلوع على منابذتنا وَهُوَ فِي نشوره عَنَّا وطلبنا إِيَّاه كالضالة المنشودة وَفِيمَا نرجو من الظفر بِهِ كالظلامة الْمَرْدُودَة
وَمن ملح شعره قَوْله فِي الْغَزل وَهُوَ فِي معنى الْبَيْتَيْنِ المستشهد بهما
(جَرَتِ الدُّمُوع دَماً وكأسِي فِي يَدي
…
شَوْقاً إِلَى من لَجِ فِي هِجْرَاني)
(فَتَخالفَ الفعلانِ شَارِب قَهْوَةٍ
…
يبكي دَمًا وتَشابهَ اللوْنانِ)
(فَكَأَن مَا فِي الجِفن من كأسي جرى
…
وَكَأن مَا فِي الكأس من أجفاني) // الْكَامِل //
وَقَالَ
(لَسْت أَشْكُو هواكَ يَا من هَواهُ
…
كلَّ يومٍ يَرُوعُني مِنْهُ خطبُ)
(مُرُّ مَا مر بِي منَ أَجلك حلوٌ
…
وعذابي فِي مثل حبك عذب) // الْخَفِيف //
وَقَالَ
(إِنْ نحنُ قِسناكَ بالغُصْنِ الرَّطيب فقدْ
…
حفْنَا عليكَ بِهِ ظلما وعُدْوانَا)
(الغُصْنُ أحسنُ مَا نلقاهُ مكتسياً
…
وأنتَ أحسنُ مَا نلقاكَ عُرْيانا) // الْبَسِيط //
وَقَالَ
(مَرِضتُ منَ الهَوى حَتَّى إِذا مَا
…
بَدَا مَا بِي لإِخواني الحُضُورِ)
(تكنَفَني ذَوُو الإشفاق منهمْ
…
ولَاذُوا بِالدُّعَاءِ وبالنذُورِ)
(وَقَالُوا للطبيبِ أشِرْ فإنَّا
…
نُعِدُّكَ للمهمّ منَ الأمورِ)
(فقالَ شفَاؤهُ الرُّمانُ مِمَّا
…
تضمنَهُ حشاهُ منَ السعيرِ)
(فقلتُ لُهمْ أصابَ بغيرِ عَمدٍ
…
ولكنْ ذَاكَ رُمانُ الصُّدُور) // الوافر //
وَقَالَ
(مَا أنسَ لَا أنسَ لَيلةَ الأحدِ
…
والبدرُ ضَيْفي وأَمرهُ بيدِي)
(قبَّلتُ منهُ فَمَا مُجَاجَتُهُ
…
تجمعُ بينَ المدَامِ والشُّهُدِ)
(كأنَّ مجرَى سِوَاكِه بَرَدٌ
…
وَريقهُ ذَوْبُ ذَلِك الْبرد) // المنسرح //
وَقَالَ فِي شمامة كافور
(وشَمَّامةٍ كالبدرِ عندَ اعتراضهِ
…
وكالكوكبِ الدريّ عندَ انقضاضهِ)
(يَودُّ سوَادُ الْعين من شغفٍ بهَا
…
لَو اعتاضهَا مُسْتَبْدِلاً ببياضهِ) // الطَّوِيل //
وَقَالَ
(وحرورة الأحشاء تحسبُ أنهَا
…
مُتيمةٌ تَشْكُو منَ الْحبّ تبريجا)
(تُناجيك نجوَى يسمعُ الأنفُ وَحيْها
…
وتجهله الْأذن السمعية إِذْ يُوحَى)
(تحرق فِيهَا الندَّ عَوْداً وبَدْأة
…
فتأخذهُ جسماً وتنفثه روحا) // الطَّوِيل //
وَقَالَ فِي غُلَام لَهُ أسود اسْمه رشد
(أَبصرتُ فِي رُشْدٍ وَقد أحببتهُ
…
رُشدي وَلم أَحفل بِمن قَدْ يُنكرُ)
(يَا لائمي أَعلَى السوَاد تَلومني
…
من لونهِ وبهِ عليكَ المفخرُ)
(دَعْ لي السوادَ وَخذ بياضكَ إِنَّنِي
…
أدْرَي بِمَا آتِي وَمَا أتخيَّرُ)
(مثوى البصيرةِ فِي الْفُؤَاد سوَادُه
…
والعينُ بالمسودّ مِنْهَا تُبْصرُ)
(فالدينُ أنتَ مُناظرٌ فِيهِ بذَا
…
وكذاكَ فِي الدُّنْيَا بِهذِي تنظرُ)
(بسواد ذَيْنِك تستضيء ولوهما ابْيضَّا تَغَشَّاكَ الظلامُ الأكدرُ
…
)
(فغدَا بياضُكَ وَهُوَ ليلٌ دامسٌ
…
وغدَا سوَادِي وَهُوَ فجر أنور) // الْكَامِل //
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا
(قد قَالَ رشدٌ وَهُوَ أَسودُ للَّذي
…
ببياضه يَعْلُو علوّ الخاتن)
(مَا فحر خَدِّكَ بالبياض وَهل ترى
…
أَن قد أفدت بِهِ مُرِيد محاسنِ)
(لَو أنّ مني فِيهِ خالاً زانهُ
…
وَلَو أَن منهُ فيّ خالاً شانني) // الْكَامِل //
وَلَقَد تفنن الشُّعَرَاء فِي مدح السودَان وَأَكْثرُوا فَمن ذَلِك قَول ابْن الرُّومِي من قصيدة طَوِيلَة
(أكسبها الحبُّ أَنَّهَا صُبِغَتْ
…
صِبْغَةَ حَبِّ الْقُلُوب والحدق) // المنسرح //
وَقَول ابْن خفاجة الندلسي أَيْضا
(وأَسودٍ يسبحُ فِي لجةٍ
…
لَا تكتمُ الْحَصْبَاء غُدْرانُهَا)
(كَأَنَّهَا فِي شكلها مقلة
…
زرقاء والأسودُ إنسانها) // السَّرِيع //
وَقَول الآخر
(يَا أسودا يسبح فِي بركةٍ
…
فقتَ الورى حسنا وإحسانَا)
(كنت لحسن الخدِّ خالاً وقدْ
…
صرتَ لعين الْعين إنسانَا) // السَّرِيع //
وَقَول شرف الدّين بن عنين
(وماذَا عَلَيْهِم أَن كلفتُ بأسودٍ
…
محلَّتهُ بِالْقَلْبِ وَالْعين منهمُ)
(وَقد عابني قوم بتقبيل خَدّه
…
وَمَا ذاكَ عيبٌ أسودُ الركنِ يُلْثْمُ)
(وَمَا شأنهُ ذاكَ السوادُ لأنهُ
…
لغير الثنايا وَالْخَلَائِق معلم) // الطَّوِيل //
وَقَالَ ابْن ريَاح الملقب بالحجام
(يَا لُعبةً بذوي الْأَلْبَاب لاعبةً
…
فِي أصلِ حسنكَ معنى غير متفقِ)
(خُلِقْتِ بَيْضَاء كالكافور ناصعَةً
…
فصرت سَوْدَاء من مثواك فِي الحدق) // الْبَسِيط //
وَقَالَ أَحْمد بن بكر الْكَاتِب
(يَا من فؤاديَ فِيهَا
…
متيما لَا يزالُ)
(إِن كَانَ لِليْل بدرٌ
…
فأنتَ للصبح خَال) // المجتث //
وَقَالَ الْوَزير المغربي
(يَا رُبَّ سَوْدَاء تيمتني
…
يَحْسُن فِي مثلهَا الغرامُ)
(كالليل تستهل الْمعاصِي
…
فِيهِ ويستعذبُ الْحَرَام) // من مخلع الْبَسِيط //
وَقَرِيب مِنْهُ قَول ابْن أبي الجهم
(غُصْنٌ من الآبنوس أهْدَى
…
من مسك دَارِينَ لي ثمارَا)
(ليلُ نعيمٍ أظلُّ فِيهِ
…
للطيب لَا أشتهي نَهَارا) // من مخلع الْبَسِيط //
وَمَا أحسن قَول بَعضهم مضمنا
(وسوداءِ الْأَدِيم إِذا تَبَدَّتْ
…
ترى مَاء النَّعيم جَرَى عليهِ)
(رَآهَا ناظري فَصَبَا إِلَيْهَا
…
وشِبْهُ الشيءِ منجذب إِلَيْهِ) // الوافر //
وَقَالَ نجم الدّين يَعْقُوب بن صابر
(وَجاريةٍ من بَنَات الحُبوش ذَات جفون صِحَاح مراض
…
)
(تعشقها للتصابي فشِبْتُ
…
غراماً وَلم أك بالشيب راضي)
(وكنتُ أعَيِّرُها بِالسَّوَادِ
…
فَصَارَت تعيرني بالبياض) // المتقارب //
وَقد أغرب ابْن دفتر خوان بقوله
(إِن لمعتْ لَيْلًا نجومُ السما
…
بيضًا على أدهم مُرْخَي الإِزارْ)
(وأوجبَ العكسُ مِثَالا لَهَا
…
فِي الأَرْض فالسودُ نجومُ النَّهَار) // السَّرِيع //
رَجَعَ إِلَى شعر الصابي
قَالَ يرثي ابْنه سِنَانًا
(أَسعداني بالدمعةِ الحمراءِ
…
جلُّ مَا حلّ بِي عَن الْبَيْضَاء)
(يُؤلم القلبَ كلُّ فقدٍ ولَا مِثْلَ افْتقاد الآباءِ للأبناء
…
)
(كُنتَ مِني وكُنتُ مِنكَ اتِّفَاقًا
…
والتئَاماً مِثلَ الْعَصَا واللِّحاءِ)
(كُنتَ لِليُتْم فيَّ أجملَ مِنِّي
…
فيكَ للثُّكلِ فِي أوَانِ فنائي)
(ولئنْ كَانَ من أَخِيك وأولادكما
…
مَا يَغُضُّ منْ بُرحائي)
(فَلَعَمْري لرُبما هيجوا الشوق
…
فزادوا فِي لَوْعَتي وبكائي) // الْخَفِيف //
ألم فِيهِ بقول ابْن الرُّومِي وَلم يحسن إحسانه
(وإِنِّي وإِنْ مُتِّعْتُ بِابنىَّ بعدهُ
…
لذاكِرُهُ مَا حَنَّتِ النَّيبُ فِي نَجدِ)
(وأوْلادنا مِثل الجوارحِ أيُّما
…
فقدناه كانَ الفاجعَ البينَ الفَقْدِ)
(لكٍّل مكانٌ لَا يسدّ اختلالَه
…
مَكانُ أخيهِ منْ جزوع ومنْ جَلْدِ)
(هلِ العينُ بعد السمعِ تَكْفِي مَكَانَهُ
…
أمِ السمعُ بعدَ الْعين يَهدِي كَمَا تهدي) // الطَّوِيل //
وَقَالَ الصابي مفتخراً من قصيدة
(وَقد علم السُّلطان أنِّي أمِينُه
…
وكاتبهُ الْكَافِي السِّديدُ الموفّق)
(أوازره فِيما عرَى وأمدّه
…
بِرأى يُريهِ الشمسَ وَاللَّيْل أغسقُ)
(يُجدِّد بِي نَهجَ الْعلَا وهْوَ دارسٌ
…
وَيفتح بِي بابَ الهدَى وَهْوَ مُغْلَق)
(فَيمنايَ يُمناه ولَفظيَ لفظُه
…
وعيني لَهُ عينٌ بهَا الدَّهرَ يَرْمُقُ)
(ولِي فِقرٌ تُضْحِي الْمُلُوك فقيرةً
…
إِلَيْهَا لدَى أحداثِها حينَ تطرق)
(أرد بِها رأسَ الجَموحِ فينثني
…
وأجعلُها سَوْط الحرون فيُعْنِقُ)
(فإِنْ حاولتْ لطفاً فماء مُرَوَّقٌ
…
وإِنْ حاولَتْ عُنفاً فَنارٌ تألق)
(يسلم لِي قُسٌّ وسحبانُ وائلٍ
…
ويَرْضَى جريرٌ مَذْهبي والفرزْدق)
(فيغضي لنثرِي خاطبٌ وهوَ مِصْقَعٌ
…
ويعنو لنظمي شاعرٌ وهوَ مُفْلقُ)
(مَعالٍ لَو الْأَعْشَى رآهنُّ لم يَقُلْ
…
وباتَ على النارِ الندَي والمحلق) // الطَّوِيل //
وَقَالَ فِي المهلبي الْوَزير
(قلْ للوزير أبي محمدٍ الَّذِي
…
قدْ أعجزَتْ كلّ الوَرَى أوْصافُهُ)
(لكَ فِي المحافلِ منطقٌ يشفي الجوَى
…
ويسوغ فِي أذُنِ الأديب سُلَافُهُ)
(فكأنَّ لفظكَ لُؤْلُؤ متنخَّلٌ
…
وكأنما آذاننا أصدافه) // الْكَامِل //
وَقَالَ أَيْضا
(تلوح نواجذِي والكأس شربي
…
وأشربُها كَأَنِّي مستطيب)
(وَفَوق السرِّ لي جهرٌ ضحوك
…
وتحتَ الجهرِ لي سرٌّ كئيب)
(سأثبتُ إِذْ يُصادمني زَماني
…
بِركنيه كَمَا ثبتَ النحيب)
(وأرْقب مَا تجيءُ بِهِ اللَّيَالِي
…
فَفِي أثنائهِ فرجٌ قريب) // الوافر //
وَقَالَ أَيْضا فِي عضد الدولة
(لَا تحسبِ المُلكَ الَّذِي أوتيتَهُ
…
يُفْضِي وإِنْ طالَ الزّمان إِلَى مَدَى)
(كالدَّوْحِ فِي أفق السَّمَاء فروعهُ
…
وعروقه متولِّجَاتٌ فِي الندَى)
(فِي كل عامٍ يستجدّ شبيبةً
…
فَيَعُود ماءُ العُودِ فيهِ كَمَا بَدا)
(حَتَّى كأنكَ دائر فِي حلقةٍ
…
فلكيةٍ فِي مُنْتَهَاهَا المبتدا) // الْكَامِل //
وَكتب إِلَى عضد الدولة فِي يَوْم مهرجان مَعَ اصطرلاب أهداه إِلَيْهِ
(أهدَى إليكَ بَنو الأَمَوالِ وَاخْتلفُوا
…
فِي مِهرجانٍ جديدٍ أَنْت مُبْليهِ)
(لكنَّ عبدكَ إبراهيمَ حِين رَأى
…
علوَّ قدركَ عنْ شَيْء يُدَانيهِ)
(لم يرضَ بالأرضِ مُهْدَاة إليكَ فقدْ
…
أهدَى لكَ الفلكَ الْأَعْلَى بِمَا فيهِ) // الْبَسِيط //
وَمن لطيف شعره قَوْله
(دفتري مؤنسي وفكري سميري
…
ويدِي خادِمي وحِلْمي ضجيعي)
(ولسانِي سَيْفي وبطشي قَريضي
…
ودَوَاتِي غَيثي ودرجي ربيعي) // الْخَفِيف //
وَمثله قَول أبي مُحَمَّد الخازن
(فدفتري رَوضتي ومحبرَتي
…
غديرُ عِلمي وصارمِي قَلَمِي)
(ورَاحتي فِي قَرَار صَوْمَعَتِي
…
تُعْلمني كيفَ موقعُ النعم) // المنسرح //
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الصابي وَهُوَ فِي الْحَبْس
(إِذا لم يكن للمرء بدٌّ من الرّدى
…
فأسهلُه مَا جَاءَ والعيشُ أنكد)
(وأصعبهُ مَا جَاءَهُ وهْوَ راتِعٌ
…
تطيف بهِ اللذّات والحظّ مُسْعِد)
(فإِن أك سوءَ العيشتينِ أعيشُها
…
فإِني إِلَى خيرِ المماتينِ أقصد)
(وسيَّانِ يَوْمًا شقوةٍ وسعادةٍ
…
إِذا كانَ غبّاً وَاحِدًا لَهما الْغَد) // الطَّوِيل //
وَقَالَ
(لقدْ أخلقتْ جدَّتِي الحادثاتُ
…
ومَنْ عاشَ فِي رَيْبها يَخلق)
(وبذلني صَلَعاً شَامِلًا
…
من الشَّعَرِ الفاحم الأغْسَقِ)
(وَقد كنْتُ أمْرَدَ من عارضني
…
فَقد صرت أَمْرَد من مفرقي) // المتقارب //
وَكتب إِلَى قَاضِي الْقُضَاة ابْن مَعْرُوف وَكَانَ قد زَارَهُ فِي معتقله رقْعَة نسختها
قوى دُخُول قَاضِي الْقُضَاة إِلَى نَفسِي وجدد أنسي وَأغْرب نحسي ووسع حبسي فدعوت الله لَهُ بِمَا قد ارْتَفع إِلَيْهِ وسَمعه فَإِن لم اكن أَهلا لِأَن يُسْتَجَاب مني فَهُوَ أيده الله تَعَالَى أهلٌ لِأَن يُسْتَجَاب فِيهِ وَأَقُول مَعَ ذَلِك
(دخلتَ حَاكم حكام الزَّمان إِلَى
…
صَنيعةٍ لَك رَهْنِ الْحَبْس ممتَحَنِ)
(أخْنتْ علَيه خطوبٌ جارَ جائرُها
…
حَتَّى توفاهُ طولُ الْهم والحَزَنِ)
(فَعاشَ عَن كلماتٍ مِنكَ كنَّ لهُ
…
كالرُّوح عائِدَةً منهُ إِلى الْبدن) // الْبَسِيط //
وَكتب إِلَى بعض الرؤساء عرفت أَن سيدنَا الْأُسْتَاذ الْجَلِيل أَطَالَ الله بَقَاءَهُ يشتكي الثنايا
(فَلَو اسْتَطَعْت أخذت علَّةَ جِسمهِ
…
فَقَرنتُها مني بعِلِةِ حَالي)
(وجَعلتُ صحَّتَي الَّتِي تَصْفُ لي
…
صَفواً لَهُ معَ صِحَة الإقْبَالِ)
(فَتكونُ عِنْدِي العَّلتانِ كِلَاهُمَا
…
والصِّحَّتانِ لَهُ بغيرِ زَوالِ) // الْكَامِل //
وَقَالَ
(عهدِي بشعري وكلَّه غَزَلُ
…
يضحكُ عنهُ السرُور والجذَلُ)
(أيامَ همِّي أحبةٌ بِهمُ القلبُ عَن النَائباتِ يشتغلُ
…
)
(والآنَ شِعري فِي كلِّ داهيةٍ
…
نِيرانُها فِي الضلوعِ تشتعل)
(أَخرجُ منْ نكبةِ وأدخلُ فِي
…
أُخرَى فنحسي بهنَّ متصلُ)
(كأنَّها سُنَّةٌ مؤكدةٌ
…
لَا بُد من أَنْ تقُيمَهَا الدولُ)
(فالعيشُ مرٌّ كأنهُ صَبِرٌ
…
والموتُ حُلْو كَأَنَّهُ عسل) // المنسرح //
وَقَالَ يهجو
(أيُّها النابحُ الذِي يتَصَدَّى
…
بقبيح يَقُوله لجَوابي)
(لَا تؤمَّلْ أنِّي أقولُ لكَ اخْسَأْ
…
لستُ أسخو بهَا لكلِّ الكلابِ) // الْخَفِيف //
وَحكى أَبُو الْقَاسِم بن برهَان قَالَ دخلت على أبي إِسْحَاق الصابي وَكَانَ قد لحقه وجع المفاصل وَقد أبل والمجلس عِنْده حافل وَأَرَادَ أَن يُرِيهم أَنه قَادر على الْكِتَابَة فَفتح الدواة ليكتب فتطاولوا بِالنّظرِ إِلَى كِتَابَته فَوضع الْقَلَم وَقَالَ بديها
(وجعُ المفاصل وهوَ أيسرُ مَا لقيتُ منَ الأذَى
…
)
(جعل الذِي استحسنتهُ
…
واليأسَ منْ حظي كذَا)
(والعمرُ مثلُ الكاسِ يرسب
…
فِي أواخرهِ القذَى) // الْكَامِل //
وَقد ألم بِهَذَا الْمَعْنى أَمِين الدولة سبط التعاويذي وَزَاد فِيهِ فَقَالَ
(فَمن شَبَّه الْعُمر كأساً يقرَّ
…
قَذَاهُ ويرسب فِي أسفلِهْ)
(فَإِنِّي رأيتُ القَذَى طافياً
…
على صفحة الكاس من أَوله) // المتقارب //
والأمير سيف الدّين بن المشد بقوله
(إِن ترقى إِلَى الْمَعَالِي أولو الْفضل وَساخت تَحت الثرى السفهاءُ
…
)
(فَحَبابُ المدام يَعْلُو على الكأس
…
محلاًّ وترسب الأقذاء) // الْخَفِيف //
وَمَا أحسن قَول ابْن زِيَاد فِيهِ أَيْضا
(باضطراب الزَّمَان ترتفعُ الأنذالُ فِيهِ حَتَّى يعم البلاءُ
…
)
(وَكَذَا المَاء راكداً فَإِذا حرّكَ ثارت من قَعْره الأقذاء
…
) // الْخَفِيف //
وَقَول الآخر
(بَادر إِلَى الْعَيْش فالأيام راقدةٌ
…
وَلَا تكن لصروف الدَّهْر تنتظرُ)
(فالعمر كالكأس يَبْدُو فِي أَوَائِله
…
صفواً وآخِرُه فِي قَعْره كدر) // الْبَسِيط //
وَلما مَاتَ أَبُو إِسْحَاق الصابي رثاه الشريف أَبُو الْحسن الموسوي بقوله
(أَعلمتَ من حَمَلوا على الأَعْوادِ
…
أرأيتَ كَيفَ خَبَا ضِياء النادِي)
(جَبلٌ هوى لَو خَرَّ فِي البَحر اغتَدَى
…
من وَقعِه مُتَتابعَ الإِزبادِ)
(مَا كنت أعلم قبلَ حطكَ فِي الثرى
…
أَن الثرَى يَعْلُو على الأطْوَاد) // الطَّوِيل //
وَمِنْهَا
(بَعْداً ليومكَ فِي الزمانِ فإِنهُ
…
أقْذَى العُيُونَ وفَتَّ فِي الأعْضَادِ)
(لَا تطلبي يَا نفسُ خِلاًّ بعدهُ
…
فلمثلُهُ أعيا على المرتادِ)
(فُقِدتْ ملاءمةُ الشكولِ بفقدهِ
…
وبقيتُ بينَ تباينِ الأضدادِ)
(مَا مَطْعمُ الدُّنيا بحلوٍ بعدهُ
…
أبدا وَمَا مَاء الْحَيَاة ببادي)
(لكَ فِي الحشا قبرٌ وإنْ لم تأوِهِ
…
ومنَ الدُّموعِ روائحٌ وغوادي)
(سَلُّوا منَ الأبرادِ جسمك فانثنى
…
جِسمي يُسلّ عليكَ فِي الأبراد)
وَمِنْهَا
(الفضلُ ناسبَ بَيْننَا إِذْ لم يكنْ
…
شَرَفي مناسبهُ وَلَا ميلادِي)
(إنْ لم تكن من أسرتي وعشيرتي
…
فلأنت أعقلهمْ يدا بفؤادي)
(أولَا تكنْ عالي الأصولِ فقدْ وَفَى
…
عظمُ الجدود بِسودَد الأجداد) // الطَّوِيل //
وَهِي طَوِيلَة ورثاه بِغَيْر ذَلِك أَيْضا وَقَالَ وَقد ليم على رثائه لَهُ إِنِّي رثيت علمه وَكَانَ سنه أَرْبعا وَثَمَانِينَ سنة وَمَات ابْنه المحسن على كفره أَيْضا وَابْن ابْنه هِلَال أسلم بآخرة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
86 -
(يَا صَاحِبيّ تَقَصَّيَا نَظَرَيكما
…
تَرَيا وجُوهَ الأرْضِ كَيْف تُصَوَّرُ)
(تَرَيا نَهاراً مُشْمِساً قَدْ شَابَهُ
…
زَهْرُ الرُّبا فَكأنَّما هُوً مُقْمِرُ)
البيتان لأبي تَمام الطَّائِي من قصيدة من الْكَامِل يمدح بهَا المعتصم أَولهَا
(رقَّتْ حَوَاشي الدهرِ فَهِيَ تَمَرْمَرُ
…
وَغدا الثرى فِي حَلْيهِ يتكسرُ)
(بذلتْ مُقَدّمَة المصيف حميدةً
…
وَيَد الشتَاء جَدِيدَة لَا تكفر)
(لولَا الَّذِي غرس الشتَاء بكفِّهِ
…
قاسي المصيفُ هشائماً لَا تُثْمرُ)
(كم ليلةٍ آسى الْبِلَاد بِنَفسِهِ
…
فِيهَا وَيَوْم وبلُهُ متفجرُ)
(مطرٌ يذوب الصخرُ مِنْهُ وبعدُه
…
صَحْوٌ يكَاد من الغضارة يقطر)
(غثيان فالأنواء غيثٌ ظاهرٌ
…
لكَ وَجهه والصَّحو غيث مضمرُ)
(ونَدَى إِذا ادَّهَنتْ بهِ لممُ الثرى
…
خلتَ السَّحَاب أَتَاهُ لَهُ وَهو معذرُ)
(أربيعنا فِي تسع عشرَة حجَّة
…
حَقًا لَوَجْهكَ لَلرَّبيعُ الأَزهر)
(مَا كَانَت الأَيامُ تسلب بهجةً
…
لَو أَن حسن الرَّوْض كَانَ يُعَمَّرُ)
(أَولا ترى الْأَشْيَاء إِن هِيَ غيرتْ
…
سمُجتْ وَحسن الأَرْض حِين تغيرُ) // الْكَامِل //
وَبعده البيتان وبعدهما
(دنيا مَعاش للورى حَتَّى إِذا
…
حَلَّ الربيعُ فَإِنَّمَا هيَ منظرُ)
(أضْحَتْ تصُوغُ بطونُها لظُهُورِها
…
نَوْراً تكادُ لَهُ القلوبُ تُنَوِّرُ)
(من كل زَاهرةٍ ترقرَقُ بالنَّدى
…
فَكَأَنَّهَا عينٌ لديكَ تحدر) // الْكَامِل //
وَهِي طَوِيلَة
وَمعنى تقصيا نظريكما ابلغا أقْصَى نظريكما وَغَايَة مَا تبلغانه واجتهدا فِي النّظر وتصور أَصْلهَا تتَصَوَّر فَحذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ
وَالشَّاهِد فيهمَا تَشْبِيه الْمركب بالمفرد فَإِنَّهُ شبه المشمس الَّذِي اخْتَلَط بِهِ أزهار الربوات فنقصت باخضرارها من ضوء الشَّمْس حَتَّى صَار يضْرب إِلَى السوَاد بِاللَّيْلِ المقمر فالمشبه مركب والمشبه بِهِ مُفْرد قيل وَلَا يَخْلُو هَذَا من تسَامح
87 -
(كَأَن قُلُوب الطير رطبا ويابسا
…
لَدَى وَكرها الْعنَّاب والحشف الْبَالِي)
الْبَيْت من الطَّوِيل وقائله امْرُؤ الْقَيْس من قصيدته السَّابِقَة فِي أول هَذَا الْفَنّ وَقَبله
(كَأَنِّي بفتْخَاءِ الجناحين لِقْوَةٍ
…
على عجَلٍ مِنْهَا أطأطئ شمَالي)
(تخطَّفُ خِزَّان الأُنَيْعِمِ بالضحى
…
وَقد حجرت مِنْهَا ثعالبُ أورال)
وَبعده الْبَيْت وَبعده
(فَلَو أَن مَا أسْعَى لأدنى مَعِيشَةٍ
…
كفاني وَلم أطلب قليلٌ من المالِ)
(ولكنما أسْعَى لمجدٍ مُؤثَّلٍ
…
وَقد يُدْركُ الْمجد المؤثل أمثالي)
(وَمَا المرْءُ مَا دَامَتْ حُشَاشةُ نَفسه
…
بمُدْرِكِ أطرافِ الخطوب وَلَا آلي) // الطَّوِيل //
والحشف أردأ التَّمْر والضعيف الَّذِي لَا نوى لَهُ أَو الْيَابِس الْفَاسِد
وَالشَّاهِد فِيهِ التَّشْبِيه الملفوف وَهُوَ أَن يُؤْتى على طَرِيق الْعَطف أَو غَيره بالمشبهات أَولا ثمَّ بالمشبه بهَا فَهُنَا شبه الرطب الطري من قُلُوب الطير بالعناب وبالبابس الْعَتِيق مِنْهَا بالحشف الْبَالِي إِذْ لَيْسَ لاجتماعهما هَيْئَة مَخْصُوصَة يعْتد بهَا ويقصد تشبيهها وَلذَا قَالَ الشَّيْخ عبد القاهر أَنه إِنَّمَا يتَضَمَّن الْفَضِيلَة من حَيْثُ اخْتِصَار اللَّفْظ وَحسن التَّرْتِيب فِيهِ لَا أَن للْجمع فَائِدَة فِي عين التَّشْبِيه
وَذكرت بِهَذَا الْبَيْت مَا ضمنه الْجمال ابْن نباتة مجونا وَهُوَ
(دنَوْت إِلَيْهَا وهوَ كالفرخ رَاقِد
…
فواخجلتي لما دَنَوْت وإذلالي)
(وقلْتُ امْعَكيه بالأنامِل فالْتَقى
…
لَدَي وَكرها الْعنَّاب والحشف الْبَالِي) // الطَّوِيل //
88 -
(النَّشْر مِسْكٌ والوجُوهُ دَنَانِير
…
وأطْرَافُ الأكُفِّ عَنمْ)
الْبَيْت لمرقش الْأَكْبَر من قصيدة من السَّرِيع قَالَهَا فِي مرثية عَم لَهُ أَولهَا
(هَل بالديار أَن تجيبَ صَمَمْ
…
لَو أَن حيَّاً ناطِقاً كلَّمْ)
(الدارُ وحْشٌ والرسُوم كَمَا
…
رَقَّشَ فِي ظَهْر الْأَدِيم قَلْم)
(ديارُ أسمَاءَ الَّتِي سَلَبَتْ
…
قلبِي فَعَيني مَاؤُهَا يَسْجُمْ)
(أضحَتْ خلاءٌ نبْتُها ثَئِدٌ
…
نوَّرَ فِيهَا زهرُه فَاعْتَمَّ)
(بل هَل شجَتك الظُّعْنُ باكرةً
…
كأنهن النَّخْلُ من مَلهَم) // السَّرِيع //
وَبعده الْبَيْت وَمِنْهَا
(لسنا كأقْوَام خَلائقُهُمْ
…
نَثُّ الحديثِ ونَهْكة المحَرمْ)
(إِن يُخْصِبُوا يَبْغُوا بخصبهمُ
…
أَو يُجْدِبوا فهمْ بِهِ ألأم) // السَّرِيع //
وَهِي قصيدة طَوِيلَة لَيست بصحيحة الْوَزْن وَلَا حَسَنَة الروي وَلَا متخيرة اللَّفْظ وَلَا لَطِيفَة الْمَعْنى قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَلَا أعلم فِيهَا شَيْئا يستحسن إِلَّا قَوْله النشر مسك
…
الْبَيْت
ويستجاد مِنْهَا أَيْضا قَوْله
(لَيْسَ على طولِ الحياةِ نَدَم
…
وَمن وَرَاء المرْءِ مَا يعْلَمْ)
النشر الرّيح الطّيبَة أَو أَعم أَو ريح فَم الْمَرْأَة وأعطافها بعد النّوم والعنم شجر لين الأغصان يشبه بنان الْجَوَارِي وَقيل هِيَ أَطْرَاف الخروب الشَّامي عَن أبي عُبَيْدَة وَقيل هُوَ شجر لَهُ أَغْصَان حمر وَقيل هُوَ ثَمَر العوسج يكون أَحْمَر ثمَّ يسود إِذا عقد ونضج
وَالشَّاهِد فِيهِ التَّشْبِيه المفروق وَهُوَ أَن يُؤْتى بمشبه ومشبه بِهِ ثمَّ آخر وَآخر وَهُوَ وَاضح فِي الْبَيْت
وَنَظِيره قَول المتنبي
(بَدَتْ قمراً ومالَتْ خُوطَ بانٍ
…
وفاحَتْ عنبراً ورنَتْ غَزَالا) // الوافر //
وَتَبعهُ أَبُو الْقَاسِم الزاهي فَقَالَ
(سَفَرْنَ بدوراً وانتَقَبَْن أهلَّةً
…
ومِسْنَ غصوناً والتَفَتْنَ جآذرا)
(وأطْلَعْنَ فِي الأجياد بالدرِّ أنجماً
…
جعلن لحبَّاتِ الْقُلُوب ضرائرا) // الطَّوِيل //
وَمِمَّنْ نسج على هَذَا المنوال إِسْمَاعِيل الشَّاشِي فَإِنَّهُ قَالَ من قصيدة
(رأيْت على أكْوارنا كلَّ ماجدٍ
…
يرى كل مَا يَبْقَى من المَال مَغْرما)
(ندوم أسيافا ونعلو قَوَاضباً
…
وننْقَضُّ عقباناً ونطلع أنجما) // الطَّوِيل //
وَقَالَ أَبُو الْحسن الْجَوْهَرِي فِي وصف الْخمر إِلَّا أَنه ثلث التَّشْبِيه
(يقولونَ بغدادُ الَّتِي اشْتَقْتَ نزهةٌ
…
تباكِرُها والعبقَريَّ المقيَّرَا)
(إِذا فُضَّ عَنهُ الخْتُم فاحَ بَنفسجاً
…
وأشرق مصباحاً ونوَّرَ عُصفُرا) // الطَّوِيل //
ولبعض الشُّعَرَاء فِي غُلَام مغن
(فَدَيتكَ يَا أتَمَّ النَّاس ظَرْفاً
…
وأصلحهُم لمتَّخذٍ حبيبا)
(فوجْهُك نُزهة الأَبْصَارِ حسنا
…
وشَدْوكَ مُتعةُ الأسماع طيبا)
(وسائَلةٍ تسائل عَنْك قُلْنَا
…
لَهَا فِي وصفك الْعجب العجيبا)
(رنا ظَبْيًا وغَنَّى عَنْدَليباً
…
ولاح شقائقاً ومَشَى قَضِيبًا) // الوافر //
وَلابْن الْأَثِير الْجَزرِي
(منوَّع الْحسن يُبْدِي من محاسنه
…
لأعْيُنِ النَّاس أوْصافاً وأشكالا)
(فلاح بَدْراً ووافى دُمْيَةً وذكا
…
مسكاً وعلَّ طلاً وازورَّ رئبالا)
(وافتر دُرَّاً وغَنَّى بلبَلاً وسطا
…
عَضْبَا وماس نقاً واهتز عسالا) // الْبَسِيط //
وَمَا أحسن قَوْله أَيْضا
(إنَّ الَّتِي ملكتني فِي الْهوى ملكت
…
مجامع الْحسن حَتَّى لم تَدَعْ حَسَنَا)
(رنت غزالاً وفاحت رَوْضةً وبدتْ
…
بَدْرًا وَمَاجَتْ غديرا وانثنت غصنا) // الْبَسِيط //
وَلابْن سكرة الْهَاشِمِي أَيْضا
(فِي وَجه إنسانة كلفت بهَا
…
أَرْبَعَة مَا اجْتَمعْنَ فِي أحدِ)
(الخدُّ وردٌ والصدغ غَالِيَة
…
والريق خمر والثغر من برد) // المنسرح //
والمرقش اسْمه عَمْرو وَقيل عَوْف بن سعد بن مَالك يَنْتَهِي نسبه لبكر بن وَائِل وَهُوَ أحد من قَالَ شعرًا فلقب بِهِ وَهُوَ أحد المتيمين كَانَ يهوى ابْنة عَم لَهُ وَهِي أَسمَاء بنت عَوْف بن مَالك وَكَانَ المرقش الْأَصْغَر ابْن أخي
المرقش الْأَكْبَر واسْمه ربيعَة وَقيل عَمْرو وَهُوَ عَم طرفَة بن العَبْد وَهُوَ أَيْضا أحد المتيمين كَانَ يهوى فَاطِمَة بنت الْمُنْذر الْملك ويشبب بهَا وَكَانَ للمرقشيين جَمِيعًا موقع فِي بكر بن وَائِل وحروبها مَعَ بني تغلب وبأسٌ وشجاعة ونجدة وَتقدم فِي الْمشَاهد ونكاية فِي الْعَدو وَحسن أثر
وَكَانَ من خبر المرقش الْأَكْبَر أَنه عشق ابْنة عَمه أَسمَاء بنت عَوْف وَهُوَ غُلَام فَخَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا فَقَالَ لَا أزَوجك إِيَّاهَا حَتَّى تعرف بالبأس وَكَانَ يعده فِيهَا المواعيد الكاذبة ثمَّ انْطلق مرقش إِلَى ملك من الْمُلُوك وَكَانَ عِنْده زَمَانا ومدحه فَأَجَازَهُ وَأصَاب عوفاً زمانٌ شَدِيد فَأَتَاهُ رجل من مُرَاد فأرغبه فِي المَال فَزَوجهُ أَسمَاء على مائَة من الْإِبِل ثمَّ تنحى عَن بني سعد ابْن مَالك وَرجع مرقش فَقَالَ إخْوَته لَا تخبروه إِلَّا أَنَّهَا مَاتَت فذبحوا كَبْشًا وأكلوا لَحْمه ودفنوا عِظَامه ولفوها فِي ملحفة ثمَّ قبروها فَلَمَّا قدم مرقش عَلَيْهِم أَخْبرُوهُ أَنَّهَا مَاتَت وَأتوا بِهِ مَوضِع الْقَبْر فَنظر إِلَيْهِ وَصَارَ بعد ذَلِك يعتاده ويتردد إِلَيْهِ ويزوره فَبينا هُوَ ذَات يَوْم مُضْطَجع وَقد تغطى بِثَوْبِهِ وابنا أَخِيه يلعبان بكعبين لَهما إِذْ اخْتَصمَا فِي كَعْب فَقَالَ أَحدهمَا هَذَا كعبي أعطانيه أبي من الْكَبْش الَّذِي دفنوه وَقَالُوا إِذا جَاءَ مرقش أخبرناه أَنه قبر أَسمَاء فكشف مرقش عَن رَأسه ودعا الْغُلَام وَكَانَ قد ضنى ضنى شَدِيدا فَسَأَلَهُ عَن الحَدِيث فَأخْبرهُ بِهِ وبتزوج الْمرَادِي أَسمَاء فَدَعَا مرقش وليدة لَهُ وَلها زوج من عقيل كَانَ عشير المرقش فَأمرهَا بِأَن تَدْعُو لَهُ زَوجهَا فدعته وَكَانَ لَهُ رواحل فَأمره بإحضارها ليطلب المرادى فَأحْضرهُ إِيَّاهَا فركبها وَمضى فِي طلبه فَمَرض فِي الطَّرِيق حَتَّى مَا يحمل إِلَّا معروضا ثمَّ إنَّهُمَا نزلا كهفاً بِأَسْفَل نَجْرَان وَهِي أَرض مُرَاد وَمَعَ الْعقيلِيّ امْرَأَته وليدة مرقش فَسمع مرقش زوج الوليدة يَقُول لَهَا اتركيه فقد هلك سقماً وهلكنا مَعَه ضراً وجوعاً فَجعلت الوليدة تبْكي من ذَلِك فَقَالَ لَهَا زَوجهَا أطيعيني وَإِلَّا فَإِنِّي
تاركك وذاهب قَالَ وَكَانَ مرقش يكْتب كَانَ أَبوهُ دَفعه وأخاه حَرْمَلَة وَكَانَا أحب وَلَده إِلَيْهِ إِلَى نَصْرَانِيّ من أهل الْحيرَة فعلمهما الْخط فَلَمَّا سمع مرقش قَول الْعقيلِيّ للوليدة كتب مرقش على مُؤخر الرحل هَذِه الأبيات
(يَا صَاحِبي تلَبّثَا لَا تعجَلَا
…
إنَّ الروَاحَ رَهينْ أَن لَا تفعلا)
(فلعلَّ لُبْثَكما يفرْط سَيِّئاً
…
أَو يحدث الإسراعُ سيْباً مُثقلًا)
(يَا رَاكباً إِمَّا وصلتَ فبلغنْ
…
أنس بن سعد إِن لقِيت وحرملَا)
(للهِ دَرُّكما ودرُّ أبيكما
…
إِن أفلتَ العبدان حَتَّى يُقتَلَا)
(من مبلغُ الأقوام أنَّ مرقَّشاً
…
أضحى على الْأَصْحَاب عبئا مُثقلَا)
(وكأنما تَردُ السباعُ بشِلْوهِ
…
إِذْ غَابَ جمع بني ضبيعة منهلا) // الْكَامِل //
قَالَ فَانْطَلق الْعقيلِيّ وَامْرَأَته حَتَّى رجعا إِلَى أهليهما فَقَالَا مَاتَ المرقش وَنظر حَرْمَلَة إِلَى الرحل وَجعل يقلبه وَقَرَأَ الأبيات فدعاهما وخوفهما وَأَمرهمَا أَن يصدقاه فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَر فَقَتَلَهُمَا وَكَانَ الْعقيلِيّ قد وصف لَهُ الْموضع فَركب فِي طلب المرقش حَتَّى أَتَى الْمَكَان فَسَأَلَ عَن خَبره وَعرف أَن مرقشاً كَانَ فِي الْكَهْف وَلم يزل فِيهِ حَتَّى إِذا هُوَ بِغنم تنزو على الْغَار الَّذِي هُوَ فِيهِ وَأَقْبل
راعيها إِلَيْهَا فَلَمَّا أبْصر بِهِ قَالَ لَهُ من أَنْت وَمَا شَأْنك فَقَالَ لَهُ مرقش أَنا رجل من مُرَاد وَقَالَ لَهُ فراعي من أَنْت قَالَ راعي فلَان فَإِذا هُوَ راعي زوج أَسمَاء فَقَالَ لَهُ مرقش أتستطيع أَن تكلم أَسمَاء امْرَأَة صَاحبك قَالَ لَا وَلَا أدنو مِنْهَا وَلَكِن تَأتِينِي جاريتها كل لَيْلَة فأحلب لَهَا عَنْزًا فتأتيها بلبنها فَقَالَ لَهُ خُذ خَاتمِي هَذَا فَإِذا حلبت فألقه فِي اللَّبن فَإِنَّهَا ستعرفه وَإنَّك مصيبٌ بِهِ خيرا لم يصبهُ رَاع قطّ إِن أَنْت فعلت ذَلِك فَأخذ الرَّاعِي الْخَاتم وَفعل ذَلِك وَلما راحت الْجَارِيَة بالقدح وحلب لَهَا العنز طرح الْخَاتم فِيهِ فَانْطَلَقت الْجَارِيَة بِهِ وَتركته بَين يَديهَا فَلَمَّا سكنت الرغوة أَخَذته فَشَربته وَكَذَلِكَ كَانَت تصنع فقرع الْخَاتم ثنيتها فَأَخَذته واستضاءت بالنَّار فعرفته فَقَالَت لِلْجَارِيَةِ مَا هَذَا الْخَاتم قَالَت مَالِي بِهِ علم فأرسلتها إِلَى مَوْلَاهَا وَهُوَ فِي شرف بِنَجْرَان فَأقبل فَزعًا فَقَالَ لَهَا لم دعوتني فَقَالَت لَهُ ادْع عَبدك راعي غنمك فَدَعَاهُ فَقَالَت سَله أَيْن وجد هَذَا الْخَاتم فَقَالَ وجدته مَعَ رجل فِي كَهْف خبان وَقَالَ لي اطرَحهُ فِي اللَّبن الَّذِي تشربه أَسمَاء فَإنَّك تصيب بِهِ خيرا وَمَا أَخْبرنِي من هُوَ وَلَقَد تركته بآخر رَمق فَقَالَ لَهَا زَوجهَا وَمَا هَذَا الْخَاتم قَالَت خَاتم مرقش فاعجل السَّاعَة فِي طلبه فَركب فرسه وَحملهَا على فرس آخر وسارا حَتَّى طرقاه من ليلتهما فاحتملاه إِلَى أهليهما فَمَاتَ عِنْد أَسمَاء فَدفن فِي أَرض مُرَاد
وَحدث التوزي قَالَ كَانَ مساور الْوراق وَحَمَّاد عجرد وَحَفْص بن أبي بردة مُجْتَمعين على شراب وَكَانَ حَفْص مرمياً بالزندقة وَكَانَ أعمش أفطس
أغضف مقبح الْوَجْه فَجعل حَفْص يعيب شعر المرقش ويلحفه فَأقبل عَلَيْهِ مساور فَقَالَ
(لقد كَانَ فِي عَيْنَيْك يَا حفصُ شاغلٌ
…
وأنفٍ كثيل العَوْد عَمَّا تتبعُ)
(تَتَبَّعْتَ لحناً فِي كَلَام مرقشِ
…
ووجهك مبنيٌّ على اللّحن أجمعُ)
(فأذناك إِقواءٌ وأنفك مُكفأ
…
وعيناك إيطاءٌ فَأَنت المرقعُ) // الطَّوِيل //
فَقَامَ حَفْص من الْمجْلس خجلاً وهجره مُدَّة
89 -
(صُدغُ الحبيبِ وحالي
…
كِلَاهُمَا كالليالي)
هُوَ من المجتث وَلَا أعرف قَائِله
وَالشَّاهِد فِيهِ تَشْبِيه التَّسْوِيَة وَهُوَ تعدد طرف الْمُشبه وَهُوَ هُنَا الصدغ وَالْحَال دون الْمُشبه بِهِ وَهُوَ اللَّيَالِي
وَمثله قَول أبي مُحَمَّد المطراني
(مُهفهفةٌ لَهَا نصفٌ قصيفٌ
…
كخُوط البان فِي نصف رداحِ)
(حكتْ لوناً وليناً واعتدالاً
…
ولحظاً قَاتلا سمر الرماح) // الوافر //
90 -
(كَأَنَّمَا يبسمُ عَن لؤلؤٍ
…
مُنَضُّدٍ أَو برد أَو أقاح)
الْبَيْت للبحتري من قصيدة من السَّرِيع يمدح بهَا أَبَا نوح عِيسَى ابْن إِبْرَاهِيم أَولهَا
(بَات نديماً ليَ حَتَّى الصباحْ
…
أغيدُ مجْدولُ مَكَان الوِشَاحْ)
(كَأَنَّمَا يضحكُ عَن لُؤْلُؤ
…
منظَّمٍ أَو بردٍ أَو أقاح) // السَّرِيع //
هَكَذَا وجدت الْبَيْت فِي ديوانه
(تحسبهُ نَشْوانَ أنِّي رَنَا
…
للفتر من أجفانه وَهُوَ صاحْ)
(بِتُّ أفَدِّيه وَلَا أرْعوِي
…
لنَهْيِ ناه عنهُ أَو لَحْيِ لاحْ)
(أمزج كأسي يجني رِيقه
…
وَإِنَّمَا أمزج رَاحا براح)
(يساقطُ الوردَ علينا وَقد
…
تبلَّج الصبحُ نسيمُ الرِّيَاح)
(أغضيت عَن بعض الَّذِي يُتَّقى
…
من حَرَج فِي حبه أَو جُناحْ)
(سحرُ الْعُيُون النُّجْل مستهلكٌ
…
لُبّي وتوريدُ الخُدود الملاحْ)
والمنضد المنظم وَالْبرد حب الْغَمَام والأقاح جمع أقحوان وَهُوَ ورد لَهُ نور
وَالشَّاهِد فِيهِ تعدد طرف الْمُشبه بِهِ وَهُوَ هُنَا اللُّؤْلُؤ وَالْبرد والأقاح دون الْمُشبه وَهُوَ الثغر
وَقد جَاءَ تَشْبِيه الثغر بِخَمْسَة فِي قَول الحريري
(يفترُّ عَن لُؤْلُؤ رطبٍ وَعَن بَرَدٍ
…
وَعَن أقاح وَعَن طَلْع وَعَن حَبَبِ) // الْبَسِيط //
وَمثل الْبَيْت المستشهد بِهِ قَول امرىء الْقَيْس
(كَأَن المدام وَصوب الْغَمَام
…
وريح الخزامي وَنشر الْعطر)
(يُعَلّ بِهِ بردُ أنيابها
…
إِذا غَرَّدَ الطائرُ المستحر) // المتقارب //
وَمن محَاسِن تعدد التَّشْبِيه قَول الصاحب ابْن عباد فِي وصف أَبْيَات أهديت إِلَيْهِ
(أَتَتْنِي بالْأَمْس أبياتهُ
…
تُعلِّل روحي برَوْح الجِنانِ)
(كبُرْد الشَّبَاب وبَرْد الشَّرَاب
…
وظِلَّ الْأمان ونيل الْأَمَانِي)
(عهد الصِّبا ونسيم الصُبا
…
وصَفْو الدِّنان ورَجْع القيان) // المتقارب //
وَقَول الثعالبي فِي الْأَمِير أبي الْفضل الميكالي
(لكَ فِي المحاسن معجزاتٌ جَمَّةٌ
…
أبدا لغيرك فِي الورى لم تجمعِ)
(بحران بحرٌ فِي البلاغة شابَهُ
…
شِعرُ الْوَلِيد وحسنُ لفظ الْأَصْمَعِي)
(كالنورِ أَو كالسحرِ أَو كالدُّرّ أَو
…
كالوشي فِي بُرْدِ عَلَيْهِ موشع) // الْكَامِل //
91 -
(صَدَفْتُ عنهُ وَلم تَصْدِف مواهبهُ
…
عني وعاوَدَهُ ظَنِّي فَلم يخبِ)
(كالغيثِ إنْ جئتهُ وافاكَ رَيِّقُهُ
…
وَإِن ترحَّلْتَ عنهُ لج فِي الطّلب)
البيتان لأبي تَمام من قصيدة من الْبَسِيط يمدح بهَا الْحسن بن رَجَاء ابْن الضَّحَّاك أَولهَا
(أَبدَتْ أسىً أَن رَأتني مُخْلَس القصبِ
…
وآلَ مَا كَانَ من عُجْب إِلَى عَجَبِ)
(ستّ وعشرونَ تَدعُونِي فأتبعها
…
إِلَى المشيبِ وَلم تظلم وَلم تجب)
(يَوْمي من الدَّهْر مثلُ الدَّهْر تجربةً
…
حزما وعزما مِنْهُ وساعي كالحِقْبِ)
(وأصغري أنَّ شيباً لاحَ لي حَدثا
…
وأكبري أنني فِي المهد لم أشبِ)
(ولَا يؤرّقْكِ إيماضُ القتير بهِ
…
فَإِن ذَاك ابتسام الرَّأْي وَالْأَدب) // الْبَسِيط //
يَقُول فِي مديحها
(ستصبحُ العيسُ بِي وَاللَّيْل عندَ فَتىً
…
كثير ذكر الرّضى فِي سَاعَة الْغَضَب)
وَبعده البيتان
وَمعنى صدفت أَعرَضت وربق كل شَيْء أَوله وَأَصله وَالرِّوَايَة فِي ديوَان أبي تَمام مروءته بدل مواهبه وَكَانَ بدل لج
وَذكرت بقول فَإِن ذَاك ابتسام الرَّأْي وَالْأَدب قَول أبي الْحسن عَليّ بن طَاهِر بن مَنْصُور
(أعرَضَتْ حينَ أبصرَتْ شعراتٍ
…
فِي عِذَارِى كأنهنَّ الثُّغَامُ)
(قلتُ هَذَا تبسمُ الدّهرِ قالتْ
…
قد سعى فِي صدُودِكَ الابتسامُ) // الْخَفِيف //
وَالشَّاهِد فِي الْبَيْتَيْنِ التَّشْبِيه الْمُجْمل الْمَذْكُور فِيهِ وصف الْمُشبه والمشبه بِهِ فَإِنَّهُ وصف الممدوح بِأَن عطاياه فائضة عَلَيْهِ أعرض أَو لم يعرض وَكَذَا وصف الْغَيْث بِأَنَّهُ يصيبك جِئْته أَو ترحلت عَنهُ وَهَذَانِ الوصفان مشعران بِوَجْه الشّبَه أَعنِي الْإِفَاضَة فِي حالتي الطّلب وَعَدَمه وحالتي الإقبال عَلَيْهِ والإعراض عَنهُ
92 -
(وثَغْرُه فِي صفَاءٍ
…
وأدْمُعِيَ كاللآلي)
الْبَيْت من المجتث وَهُوَ كالبيت السَّابِق
وَالشَّاهِد فِيهِ التَّشْبِيه الْمفصل وَهُوَ مَا ذكر فِيهِ وَجه الشّبَه وَهُوَ هُنَا الصفاء
93 -
(حَمَلْتُ رُدَيْنِيّاً كَأَن سنانَهُ
…
سنَا لَهبٍ لم يَتَّصِلْ بدْخانِ)
الْبَيْت لامرىء الْقَيْس من قصيدة من الطَّوِيل أَولهَا
(لمن طلل أبصرته فشجاني
…
كخظ زبور فِي عسيب يمانِي)
(دِيار لهندٍ والرّباب وفَرْتَنَى
…
ليَالينا بالنَّعْفِ من بدَلانِ)
(ليالِيَ يدعوني الصِّبَا فأجيبهُ
…
وأعيُنُ مَنْ أَهْوى إلىَّ رَوَاني)
(فإِنْ أمْسِ مكرُوباً فيارب بهمةٍ
…
كشفتُ إِذا مَا اسودّ وجهُ جبان)
(وَإِن أمس مكروبا فيارب قينةٍ
…
مُنعمةٍ أعملتها بكرَانِ)
(لهَا مِزْهرٌ يَعْلُو الخميسَ بصوتهِ
…
أجشّ إذَا مَا حركته يدان) // الطَّوِيل //
وَهِي طَوِيلَة
والرديني الرمْح نِسْبَة إِلَى امْرَأَة كَانَ تعْمل الرماح اسْمهَا ردينة
وَالشَّاهِد فِيهِ تَفْصِيل التَّشْبِيه وَهُوَ على وُجُوه أعرفهَا أَن يَأْخُذ بَعْضًا من الْأَوْصَاف ويدع بَعْضًا كَمَا فعل امْرُؤ الْقَيْس هُنَا حَيْثُ عزل الدُّخان عَن السنا وجرده
وَذكرت بِأَبْيَات امرىء الْقَيْس هَذِه تضمين أبي الْحُسَيْن الإشبيلي لبعضها وَكَانَ قد تنَاول من يَد معذرٍ الْأَشْعَار السِّتَّة فَأول مَا وَقعت عينه على قصيدة امرىء الْقَيْس هَذِه قَالَ
(وذى صَلَفٍ خَطَّ العذارُ بخدّه
…
كخطّ زبور فِي عسيب يماني)
(فقلتُ لَهُ مستفهماً كُنْهَ حالهِ
…
لمن طلل أبصرته فشجاني)
(فقالَ وَلم يملك عزاءَ لنفسهِ
…
تمتّع من الدُّنْيَا فَإنَّك فَإِنِّي)
(فَمَا كانَ إِلَّا برْهةً إِذْ رَأيتهُ
…
كتيسِ ظِباء الحُلبِ العَدَوَانِ) // الطَّوِيل //
94 -
(لم تلق هَذَا الْوَجْه شمس نهارنا
…
إِلَّا بِوَجْه لَيْسَ فيهِ حياءُ)
الْبَيْت للمتنبي من قصيدة من الْكَامِل يمدح بهَا هَارُون بن عبد الْعَزِيز الأوارجي وأولها
(أمنَ ازدِيارَكِ فِي الدُّجى الرُّقباءُ
…
إِذْ حَيْثُ كنتِ مِنَ الظلام ضِيَاء)
(قلق المليحة وَهِي مسك هتكها
…
ومَسيرُها فِي اللَّيْل وهيَ ذُكاء)
(أسَفي على أسَفِي الَّذِي دَلّهْتِنِي
…
عَن علمه فبِهِ عليَّ خَفاء)
(وشَكيتي فَقدُ السَّقَام لأنُه
…
قد كانَ لمَّا كَانَ لي أعْضَاء)
(مَئَلت عَينك فِي حَشَايَ جِرَاحَة
…
فتشابها كلتاهما نَجْلاء)
(نَفَذَتْ عليَّ السابريَّ وَرُبمَا
…
تندق فِيهِ الصَّعْدة السمراء)
(أَنا صَخْرَةُ الْوَادي إِذا مَا زُوحَمتْ
…
فَإِذا نَطَقْتُ فإِنني الجوْزاءُ)
(وإِذا خَفيتُ على الغبي فَعاذرٌ
…
أَن لَا ترانيَ مُقلةٌ عمياء) // الْكَامِل //
وَمِنْهَا
(فَإِذا سُئِلْتَ فَلَا لأنَّكَ محوِجٌ وَإِذا كُتِمت وشَتْ بك الآلاء)
(وَإِذا مدحت فَلَا لتكسب رفعَةً
…
للشاكرينَ على الإِله ثَنَاء)
(وَإِذا مُطرتَ فَلَا لِأَنَّك مُجْدِبٌ
…
يُسْقَى الخصيبُ وتمطر الدَّأَماءُ)
وَالشَّاهِد فِي الْبَيْت التَّصَرُّف فِي التَّشْبِيه الْقَرِيب المبتذل بِمَا يَجعله غَرِيبا ويخرجه عَن الابتذال فَإِن تَشْبِيه الْوَجْه بالشمس قريب مبتذل لَكِن حُدُوث الْحيَاء عَنهُ قد أخرجه عَن الابتذال إِلَى الغرابة لاشْتِمَاله على زِيَادَة دقة وخفاء ثمَّ إِن كَانَ قَوْله لم تلق من لَقيته بِمَعْنى أبصرته فالتشبيه فِيهِ مكني غير مُصَرح وَإِن كَانَ بِمَعْنى قابلته وعارضته فَهُوَ فعل يُنبئ عَن التَّشْبِيه أَي لم تقابله وَلم تعارضه فِي الْحسن والبهاء إِلَّا بِوَجْه لَيْسَ فِيهِ حَيَاء
وَمثله قَول الآخر
(إِن السَّحَابَ لتَسْتَحْيِي إذَا نَظَرَت
…
إِلَى نَدَاكَ فَقاستُه بِمَا فِيهَا) // الْبَسِيط //
95 -
(عَزَماتهُ مِثْلُ النُّجُوم ثَواقِباً
…
لَو لم يكن للثَّاقِبَاتِ أفُولُ)
الْبَيْت لرشيد الدّين الوطواط من قصيدة من الْكَامِل
والثواقب جمع ثاقب وَهُوَ النَّجْم الْمُرْتَفع على النُّجُوم والأفول الْغَيْبَة
وَالشَّاهِد فِيهِ كَمَا فِي الْبَيْت الَّذِي فان قبله تَشْبِيه الْعَزْم بِالنَّجْمِ مبتذل لَكِن الشَّرْط الْمَذْكُور أخرجه إِلَى الغرابة وَيُسمى هَذَا التَّشْبِيه الْمَشْرُوط وَهُوَ
أَن يُقيد الْمُشبه أَو الْمُشبه بِهِ أَو كِلَاهُمَا بِشَرْط وجودي أَو عدمي يدل عَلَيْهِ بِصَرِيح اللَّفْظ أَو سِيَاق الْكَلَام
وَسَيَأْتِي ذكر الوطواط فِي شَوَاهِد التَّفْرِيق إِن شَاءَ الله تَعَالَى
96 -
(والرِّيحُ تَعْبَثُ بالغُصُونِ وقَدْ جَرَى
…
ذَهَبُ الأصيلِ على لُجَيْنِ الماءِ)
الْبَيْت من الْكَامِل وَلَا أعرف قَائِله
وعبث الرّيح بالغصون عبارَة عَن إمالتها إِيَّاهَا والأصيل هُوَ الْوَقْت من بعد الْعَصْر إِلَى الْغُرُوب ويوصف بالصفرة قَالَ الشَّاعِر
(ورُبَّ نهارٍ للفراق أصيلُهُ
…
ووجهي كلا لونيهما متناسب) // الطَّوِيل //
وَمَا أحسن قَول الْخَطِيب أبي الْقَاسِم بن مُعَاوِيَة فِيهِ
(كأنَّ الموج فِي عُبْرَيْهِ تُرْسٌ
…
تُذَهِّبُ مَتْنَهُ كفُّ الْأَصِيل) // الوافر //
وَقَوله ايضا
(فَجدْولهُ فِي سَرْحَةِ المَاء مُنْصُلٌ
…
وَلكنه فِي الْجذع عطْفُ سِوارِ)
(وأمَوْاجُه أردافُ غيدٍ نواعِمٍ
…
تَلَفَّعْنَ بالآصال رَيْطَ نُضَار) // الطَّوِيل //
(وَمثله لِابْنِ الْأَبَّار
(ونهرٍ كَمَا ذابَتْ سبائكُ فضَّةٍ
…
حكى بَمحَانيهِ انْعِطَافَ الأراقِمِ)
(إِذا الشَّفَقُ استولى عَلَيْهِ احمِرارُهُ
…
تَبَدَّى خَضيباً مثلَ دامي الصوارم) // الطَّوِيل //
وَلابْن قلاقس فِي تَشْبِيه الشَّمْس وَقت الْأَصِيل
(وَالشَّمْس فِي وَقت الْأَصِيل بَهارَةٌ لفت بورد
…
) // من مجزوء الْكَامِل //
وَله أَيْضا فِي معنى مَا سبق
(كَأَن الشعاعَ على مَتنه
…
فرِندٌ بصفحة سَيْفٍ صَدِي)
(وأشْبَهَ إِذْ درَّجَتْه الصَّبا
…
بُرادَةَ تِبْرٍ على مبرد) // المتقارب //
وَمن بديع مَا وَقع لشاعر فِي وصف نهر جعده النسيم قَول ابْن حمديس وَقد جلس فِي متنزه بإشبيلية وَمَعَهُ جمَاعَة من الأدباء وَقد هبت ريح لَطِيفَة صنعت من المَاء حبكاً جميلَة فَأَنْشد
(حاكتِ الرِّيحُ من المَاء زردْ
…
)
واستجاز الْحَاضِرين فَأتوا بِمَا لم يرض إِلَى أَن قَالَ الشَّاعِر الْمَشْهُور بالحجام مجيزاً لَهُ
(هُوَ دِرْعٌ لقِتَالٍ لَو جَمَدْ
…
)
وَمن الأندلسيين من ينْسب هَذَا الْبَيْت إِلَى أبي الْقَاسِم بن عباد
وَلابْن حمديس الْمَذْكُور مطلع قصيدة من وزن هَذَا الْبَيْت وَقَرِيب من مَعْنَاهُ وَهُوَ
(نَشَرَ الجوُّ على التُّرْبِ برَدْ
…
هُوَ درٌّ لنُحُورٍ لَو جمَدْ)
(لُؤْلُؤ أصْدَافُهُ السُّحْبُ الَّتِي
…
أنْجز البارقُ فِيهَا مَا وعد) // الرمل //
وَمن بديع مَا وَقع لَهُ فِيهَا من التَّشْبِيه أَيْضا قَوْله
(وَكَأن الصبحَ كفٌّ حَلَّلَتْ
…
من ظلام اللَّيْل بِالنورِ عُقَدْ)
(وَكَأن الشَّمْس تجْرِي ذَهَبا
…
طائراً من جيده فِي كل يَد) // الرمل //
وَمن بديع مَا يذكر فِي معنى الْبَيْت المستشهد بِهِ قَول عبد الْعَزِيز بن المنفتل الْقُرْطُبِيّ أَو ابْن الْحداد
(إِنِّي أرى شمس الْأَصِيل عليلةً
…
ترتاد من بَين المغارب مَغْرِبَا)
(مَالَتْ لتحجُبَ شخصها فَكَأَنَّهَا
…
مَدَّتْ على الدُّنْيَا بساطاً مذهبا) // الْكَامِل //
وَمَا أحسن قَول ابْن لؤلؤة الذَّهَبِيّ
وَمَا ذَهَبَتْ شمسُ الْأَصِيل عَشِيَّة
…
إِلَى الغرب حَتَّى ذَهْبَتْ فضَّة النَّهر) // الطَّوِيل //
وَمَا أبدع قَول الآخر أَيْضا
(ونهْرٍ إِذا مَا الشمْسُ حَان غروبُها
…
عليهِ ولاحت فِي ملابسها الصُّفْرِ)
(رَأينا الَّذِي أبقتْ بِهِ من شعاعهَا
…
كأنا أرَقْنَا فِيهِ كأساً من الْخمر) // الطَّوِيل //
وَقَول إِبْرَاهِيم بن خفاجة أَيْضا
(وقدْ غَشِيَ النبتُ بطحاءهُ
…
كبدو العذَارِ بخدٍّ أسيلِ)
(وَقد ولَّتِ الشمسُ مُحْتَثَّةً
…
إِلَى الغرب تَرْنُو بطَرْف كحيل)
(كأنّ سناهَا على نهْرهِ
…
بقايا نجيعٍ بسيْفٍ صقيل) // المتقارب //
وبديع أَيْضا قَول ابْن سارة هُنَا
(النهرُ قدْ رَقتْ غلالةُ صَفوه
…
وَعَلِيهِ من صِبْغ الْأَصِيل طرازُ)
(تترَقرَقُ الأمواجُ فِيهِ كَأَنَّهَا
…
عُكَنُ الخصور تهزها الأعجازُ) // الْكَامِل //
وَمَا أعذب قَول الْحسن بن سراح فِيهِ
(عمْري أَبَا حسنٍ لقد جئتَ الَّتِي
…
عطفَتْ عليكَ ملامةَ الإخوانِ)
(لما رأيتُ اليومَ ولّي عمرهُ
…
وَاللَّيْل مُقْتَبِل الشبيبة داني)
(والشمسُ تنفضُ زَعفراناً بالرُّبا
…
وثَّغْتُ مسكتها على الْغِيطَان)
(أطلعتها شمساً وأنتَ صَباحها
…
وحففتها بكواكب النُّدمان)
(وأتيت بِدْعاً فِي الْأَنَام مخلداً
…
فِيمَا قرَنتَ ولاتَ حِين قرَان) // الْكَامِل //
وَمَا أبدع قَول عِيسَى بن لبون أَيْضا
(لَو كنتَ تشهدُ يَا هَذَا عشيَّتَنَا
…
والمزنُ يسكبُ أَحْيَانًا وينحدرُ)
(والأرضُ مصفرةٌ بالمزن كاسية
…
أبصرتَ تبراً عَلَيْهِ الدّرّ ينتثر) // الْبَسِيط //
وبديع أَيْضا قَول أبي الْعَلَاء المعري
(ثمَّ شابَ الدُّجى وَخافَ من الهَجرِ فَغطّى المشيبَ بالزعفرانِ
…
) // الْخَفِيف //
وَقَول أسعد بن إِبْرَاهِيم بن اِسْعَدْ بن بليطه
(لَو كنتَ شاهدنا عَشِيَّة أُنْسُهَا
…
والمزنُ يبكينا بعينَيْ مُذْنبِ)
(والشمسُ قد مدّتْ أديمَ شعاعها
…
فِي الأَرْض تَجْنحُ غيرَ أنْ لم تذهبِ)
(خِلتَ الرَّذَاذَ بُرَادةً من فضَّة
…
قد غربلتْ من فَوق نطع مَذْهَب) // الْكَامِل //
وَلابْن حمديس فِي وصف نهر أَلْقَت الشَّمْس عَلَيْهِ حمرتها عِنْد الشروق من أَبْيَات
(ومشرقٍ كِيميَاءُ الشَّمْس فِي يدهِ
…
ففضةُ المَاء من إلقائها ذهب) // الْبَسِيط //
وَمثله أَيْضا قَول أبي الْعَلَاء المعري
(يُظَنُّ بِهِ ذوبُ اللجين فإِن بَدَتْ
…
لَهُ الشمسُ أجرت فوقَهُ ذوب عَسجدِ) // الطَّوِيل //
وبديع قَول الشريف أبي الْقَاسِم شَارِح مَقْصُورَة حَازِم
(وغريبة ِالإنشاء سرنا فَوْقهَا
…
والبحرُ يسكن تَارَة ويموج)
(عَجنا نؤمُّ بهَا معاهدَ طَالمَا
…
كرمَتْ فعاج الحسنُ حِين تعوجُ)
(وامتدَّ من شمس الْأَصِيل أمامنا
…
نورٌ لَهُ مرأى هناكَ بَهيجُ)
(فكأنَّ مَاء الْبَحْر ذائبُ فضةٍ
…
قد سالَ فِيهِ من النضار خليج) // الْكَامِل //
وبديع قَول ابْن الْعَطَّار وَهُوَ فِي معنى قَول ابْن حمديس السَّابِق وَهُوَ
(مرَرْنا بِشاطئ النهرِ بينَ حدائقٍ
…
بهَا حدقُ الأزهار تستوقف الحدقْ)
(وَقد نسَجت كفُّ النسيم مُفَاضةً
…
عَلَيْهِ وَمَا غيرُ الْحباب لَهَا حلقْ) // الطَّوِيل //
وَقَوله أَيْضا
(هَبَّتِ الرّيح بالعشيِّ فحاكتْ
…
زَرَداً للغديرِ ناهيكَ جُنَّهْ)
(فانجلى البَدْر بعد هَدْءٍ فصاغتْ
…
كَفه لِلْقِتَالِ فِيهِ أسِنّهْ) // الْخَفِيف //
وَالشَّاهِد فِي الْبَيْت حذف أَدَاة التَّشْبِيه وَيُسمى التَّشْبِيه الْمُؤَكّد وَهُوَ هُنَا تَشْبِيه صفرَة الْأَصِيل بِالذَّهَب وَبَيَاض المَاء وصفائه باللجين وَهُوَ الْفضة
وَمن محَاسِن التَّشْبِيه من غير أداته قَول الواواء الدِّمَشْقِي
(قَالُوا وَقد فتكتْ فِينَا لواحظُهَا
…
مهلا أما لقتيل الْحبّ من قَوَدِ)
(وأسبَلَتْ لؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ
…
وَرْداً وعضَّتْ على العُنَّاب بالبردِ) // الْبَسِيط //
وَمثله قَول الحريري
(سَأَلتهَا حينَ زَارتْ نَضْو برقعها القاني وإيداعَ سَمْعِي أطيب الخبرِ
…
)
(فزحزَحت شفقاً غشّى سنا قمرٍ
…
وساقطتْ لؤلؤاً من خَاتم عطر) // الْبَسِيط //
وَقَوله أَيْضا
(وَأَقْبَلت يَوْم حد الْبَين فِي خلل
…
سودٍ تَعَضُّ بنان النادم الْحَصِر)
(فلاحَ ليلٌ على صبح أقلهما
…
غضن وضَرَّست البَلُّورَ بالدُّررِ) // الْبَسِيط //
وَقَول الْغَزِّي الشَّاعِر
(وَمَا نسيتُ وَمَا أنسى تبسُّمَهَا
…
وملبسُ الجوْ غفلٌ غيرُ ذِي علم)
(حَتَّى إِذا طاح عَنْهَا المِرْط من دَهَشٍ
…
وانحلَّ بِالضَّمِّ عقدُ السلك فِي الظُّلم)
(تبسمتْ فأضاء الجوّ فالتقطتْ
…
حبَّات منتثر فِي ضوء مُنْتَظم) // الْبَسِيط //
وَقَول أبي طَالب المأموني
(عزماتهم قُضُبٌ وفيضُ أكفهم
…
سحبٌ وَبِيضُ وُجُوههم أقمار) // الْكَامِل //
وَقَول صردر
(الباذلي العرفِ والأنواء باخلَةٌ
…
والمانعي الجارِ والأعمارُ تُخْتَرمُ)
(حَيْثُ الدجى النَّقْع وَالْفَجْر الصوارم والأسد
…
الغوارس والخطية الأجم) // الْبَسِيط //
وَقَول مُحَمَّد بن حمدون القنوع من قصيدة فِي شبْل الدولة بن صَالح لما هزم ملك الرّوم
(لبسوا دروعا من ظباكَ تقيهمُ
…
كَانَت عَلَيْهِم للحتوف شِباكا)
(نَالَتْ بك العربُ الْغنى من مَالهم
…
وتقاسمت أتراكك الأتراكا)
(لَو لم يَفرّ جعلت صفحة خَدّه
…
نعلا وقوسَىْ حاجبيه شراكا) // الْكَامِل //
أردْت الْبَيْت الْأَخير وَمِنْه قَول أبي حَفْص عمر المطوعي
(ومعسولِ الشَّمَائِل قامَ يسْعَى
…
وَفِي يَده رحيقٌ كالحريق)
(فأسقاني عقيقاً حَشْوَ درّ
…
ونقّلني بدُرٍّ فِي عقيق) // الوافر //
وَمَا أبدع قَول أبي الْحسن الْعقيلِيّ
(وللأقاحي قصورٌ كلهَا ذَهبٌ
…
من حولهَا شُرُفاتٌ كلهَا دُرَرُ) // الْبَسِيط //
ولنذكر هُنَا طرفا من التشبيهات على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا وغريب أسلوبها واختراعها فَمن ذَلِك قَول مَنْصُور بن كيغلغ وَهُوَ
(عادَ الزمانُ بِمن هويتُ فأعتبَا
…
يَا صاحبيّ فأسقياني واشربا)
(كم ليلةٍ سامرتُ فِيهَا بدرَها
…
من فَوق دجلة قبل أَن يتغيبا)
(قامَ الغلامُ يُديرها فِي كفهِ
…
فحسبت بدر التم يحمل كوكبا)
(والبدر يَجنح للغروب كَأَنَّهُ
…
قد سلَّ فَوق المَاء سَيْفاً مذهبا) // الْكَامِل //
وَأحسن مَا سمع فِي هَذَا الْمَعْنى قَول التنوخي
(أحسنْ بدجلةَ والدُّجى متصوب
…
والبدر فِي أفق السَّمَاء يغرب)
(فَكَأَنَّهَا فِيهِ بِساطٌ أزرَقٌ
…
وَكَأَنَّهُ فِيها طِرَازٌ مَذْهَب) // الْكَامِل //
وَلأبي فراس فِي وصف الجلنار
(وجلنَارٍ مُشرق
…
عَلى أعالي شَجَرَة)
(كأنَّ فِي رُؤُوسهِ
…
أحْمَرهُ وأصفرهْ)
(قُراضةً من ذهبٍ
…
فِي خرق معصفرة) // من مجزوء الرجز //
وَلأبي الْفرج الببغاء فِي وصف كانون نَار من أَبْيَات وتعزى إِلَى السرى الرفاء
(وَذي أرْبعٍ لَا يُطيقُ النُّهوض
…
وَلَا يألَّفُ السَّيْر فيمَنْ سَرَى)
(تُحمِّلُهُ سَبجاً أسْودَاً
…
فيَجعلُهُ ذَهَبا أحمرا) // المتقارب //
وَله فِي مَعْنَاهُ أَيْضا
(وأحدقنا بأزهر خافقات
…
حَوْله العَذَبُ)
(فَمَا يَنْفكَ عَنْ سَبَج
…
يعود كَأَنَّهُ ذهب) // من مجزوء الوافر //
وَله أَيْضا فِيهِ أَيْضا
(والتهبت نارنا فمنظرنا
…
يُغْنِيك عَن كل منظَر عجبِ)
(إِذا رَمَت بالشَّرارِ واضطرَمتْ
…
على ذرَاها مطارفُ اللَّهَبِ)
(رأيتَ ياقوتَةً مُشبكَةً
…
تَطيرُ منْها قراضة الذَّهَب) // المنسرح //
وَلأبي مُحَمَّد الخالدي فِي مَعْنَاهُ
(ومُقعدٍ لَا حِراك يُنهضُه
…
وهْو على أَربع قد انتصبا)
(مُصفِّر مُحْرق تنفُّسُه
…
تخالُه العيْنُ عَاشِقًا وصِبَا)
(إِذا نَظمْنا فِي جِيدهِ سَبجاً
…
صيَّرهُ بَعد ساعةٍ ذَهَبا) // المنسرح //
وَلأبي بكر الخالدي فِي وصف الصَّباح من هَذِه القصيدة أَيْضا
(طوَى الظلامُ البنودَ مُنصَرفاً
…
حِين رأى الفَجْر يَنْشُرُ العذَبا)
(واللَّيلُ مِن فتْكَةِ الصَّباح بِهِ
…
كرَاهِبٍ شقّ جيْبَهُ طَربا)
وللسرى الرفاء فِي مثله
(كَرَاهِبِ جُنّ لِلْهوى طَرباً
…
فَشقَّ جِلبَابهُ من الطَّرب) // المنسرح //
وَله فِي مَعْنَاهُ أَيْضا
(والفَجْرُ كالرّاهِب قد مُزِّقتْ
…
منْ طَرَب عَنهُ الجلابيب) // السَّرِيع //
وَمَا أحسن قَول ابْن حَيَّان الْكَاتِب أَيْضا
(كَأَنَّمَا الفَحْمُ والزنادُ وَمَا
…
تَفْعَلهُ النارُ فيهمَا لَهبَا)
(شيْخٌ مِنَ الزّنْج شابَ مَفْرِقُهُ
…
عَليْه دِرْع منسوجة ذَهَبا) // المنسرح //
وَقَول مجير الدّين بن تَمِيم
(وكأنما النَّارُ الَّتِي قد أوقِدَّت
…
مَا بينَنَا ولَهيبُها المُتضرِّمُ)
(سَوداءُ أُحرِقَ قلبُها فلسانُها
…
بسفاهةٍ لِلحَاضرين يكلم) // الْكَامِل //
وَقَوله أَيْضا
(كَأَنَّمَا نارُنا وَقد خمِدَتْ
…
وَجمْرها بالرَّمادِ مَستُورُ)
(دَمٌ جَرى مِنْ فواخِتٍ ذُبحَتْ
…
من فَوْقهَا ريشُهنّ منشور) // المنسرح //
وَقَوله أَيْضا
(كَأَنَّمَا النَّار فِي تلَهُّبها
…
والفَحْمُ مِنْ فَوْقها يغطِّيها)
(زَنجيَّة شبَّكتْ أنامِلَهَا
…
من فَوق نارنْجةٍ لتخفْيها) // المنسرح //
وَقَول الآخر
(كَأَن كانونَنَا سَماءٌ
…
والجمر فِي وَسْطِهِ نجَوم)
(ونَحْن جنٌّ بخافَتَيْهِ
…
والشَّرَر الطائِرُ الرجوم) // من مخلع الْبَسِيط //
وبديع أَيْضا قَول ابْن مكنسة
(إِبْريقنَا عَاكِف عَلى قدحٍ
…
كأنَّهُ الأُمُّ ترضِع الْوَلدَا)
(أَو عَابِد مِنْ بَني الْمَجُوس إِذا
…
توَهَّمَ الكأسَ شُعَلةً سَجَدَا) // المنسرح //
وَفِي معنى الْبَيْت الثَّانِي قَول القَاضِي أبي الْفَتْح بن قادوس
(وليلةٍ كاغتِماض الجفن قصَّرها
…
وصْلُ الحبيب وَلم تَقْصُر عَن الأمل)
(وكلَّما رام نطقاً فِي مُعَاتَبتي
…
سَدَدْت فَاه بنظم اللَّثْم والقُبل)
(وباتَ بَدْر تَمام الحسْن مُعْتنقى
…
والشمْس فِي فلكِ الكاسَات لم تفل)
(فبتُّ مِنْها أرى النَّار الَّتِي سَجَدَت
…
لَهَا المجوسُ مِن الأبريق تسْجدُ لي) // الْبَسِيط //
وَمن بديع التَّشْبِيه وغريبه قَول ابْن حمديس من أَبْيَات
(حَمراء تَشْرَبُ بالأنوفِ سلافها
…
لطْفاً مَع الأسماع والأحدَاق)
(بزُجاجةٍ صور الفوارس نَقشها
…
فترى لَهَا حربأً بكفِّ السّاقي)
(وكأنما سفكتْ صوارُمهَا دَمًا
…
لبستْ بِهِ عرفا إِلَى الْأَعْنَاق)
(وكأنّ لِلْكاساتِ حُمْر غلائلٍ
…
أزْرارها دُرَرٌ على الأطواق) // الْكَامِل //
وَمَا أحسن قَول ابْن عَطِيَّة أَيْضا
(بتنَا نُديرُ الرَّاح فِي شَاهِق
…
لَيْلًا على نَغمةِ عودَين)
(والنّار فِي الأَرْض الَّتِي دوننَا
…
مثْلُ نُجُوم الجوِّ فِي العيْن)
(فيا لَهُ مِنْ مَنظَر مونِق
…
كأننا بَين سماءين) // السَّرِيع //
وَمَا أحسن قَول الخالدي من قصيدة أَولهَا
(لَو أشْرَقتْ لَك شَمْسُ ذَاك الهوْدجِ
…
لأرَتكَ سالفَتي غَزَال أدْعج)
(أرْعَى النجومَ كأنَّها فِي أُفْقِها
…
زَهرُ الأقاحي فِي رياض بَنفْسج)
(والمُشتَري وَسط السَّماءِ تَخالُهُ
…
وسَنَاهُ مِثْلُ الزِّئبق المتَرجرج)
(مِسمارَ تِبْرٍ أصفَر ركبتَهُ
…
فِي فَصِّ خاتَم فضةٍ فيْرُوزَج)
(وتَمايلُ الجوْزاءِ يحْكي فِي الدُّجى
…
مَيلانَ شاربِ قَهوةٍ لم تُمْزَج)
(وتنقّبت بخفيفِ غَيْم أبْيض
…
هِيَ فيهِ بَين تَخفُّر وتبَرُّج)
(كتَنَفسِ الحسْنَاءِ فِي الْمرْآة إِذ
…
كمَلَتْ محاسنُهَا وَلم تَتَزَوََّج) // الْكَامِل //
وَهَذَا تَشْبِيه بديع لم يسْبق إِلَيْهِ وَمثله قَول أبي حَفْص بن برد
(والبدْرُ كالمرآةِ غيَّرَ صَقْلَها
…
عبَثُ الغواني فِيهِ بالأنفاس) // الْكَامِل //
وَقَول ابْن طَبَاطَبَا الْعلوِي
(مَتى أبْصَرْتَ شمساً تحتَ غَيم
…
ترى المرآةَ فِي كفِّ الحسُودِ)
(يُقَابلُها فيلبسهُا غِشَاءً
…
بأنفاسِ تزايَدُ فِي الصعُود) // الوافر //
وللخالدي فِي وصف النُّجُوم
(كَأَنَّمَا أنجُمُ السماءِ لمن
…
يرمُقُهَا والظلامُ منطَبقُ)
(مالُ بخيلٍ يظلُّ يجمعهُ
…
من كل وجهٍ فَلَيْسَ يفْتَرق) // المنسرح //
ولأخيه أبي عُثْمَان الخالدي فِي وصف النُّجُوم أَيْضا
(وليلةٍ ليلاء فِي اللونِ كلَوْنِ المفرِقِ
…
)
(كَأَنَّمَا نجومُهَا
…
فِي مغرب ومشرق)
(دَرَاهِم منثورة
…
على بساطٍ أَزْرَق) // من مجزوء الرجز //
وَمن التَّشْبِيه النفيس قَول ابْن حمديس فِي وصف خضاب الشيب
(وكأَنَّ الخِضَّابُ دْهمُة ليلٍ
…
تحتَهُ للمشيب غرَّة صبح) // الْخَفِيف //
وَقَوله أَيْضا فِي تَشْبِيه العذار من أَبْيَات
(أَو دبَّ بالْحسنِ فَوْقَ عَارضه
…
نَمْلٌ أصابَ المدادُ أرجلهَا) // المنسرح //
وَقَوله أَيْضا فِي وصف الشمعة
(كَأَنَّهَا راقصَةٌ بيننَا
…
لم تَنْتَقِل بالرَّقص مِنْهَا قَدمْ)
(قَائِمَة فِي مَلْبسٍ أَصفَر
…
قد حَرَّكت مِنْهُ لنا فَرْدكمْ) // السَّرِيع //
وبديع قَوْله أَيْضا فِي وصف الشيب
(ولى شَبَابِي وراعَ شَيْبي
…
منيَ سِرْبُ المَهَا وفَضَّهْ)
(كَأَنَّمَا المُشْطُ فِي يَمِيني
…
يجُرُّ منهُ خيوط فضَّة) // من مخلع الْبَسِيط //
وللوأواء الدِّمَشْقِي
(ولربَّ ليلٍ ضَلَّ عنهُ صَباحهُ
…
وكأنَّه بك خَطْرَة المتَذكرِ)
(والبدْر أوَّلَ مَا بدا متلَثَّما
…
يبدِي الضياء لنا بخدٍ مُسْفِر)
(فَكَأَنَّمَا هوَ خوذَة من فضةٍ
…
قد ركِّبَتْ فِي هَامَةٍ من عنْبرِ) // الْكَامِل //
وَلأبي طَالب الرفاء فِي وصف أترجة مقنعة
(مُصْفَرَّة الظَّاهِر بيضاءُ الحشَى
…
أبدَعَ فِي صنعتها ربُّ السما)
(كَأَنَّهَا كَفُّ مُحِبٍّ دنِفٍ
…
مبَّعد يحسُب أَيَّام الجفا) // الرجز //
وَلابْن لنكك الْبَصْرِيّ
(ورَوْضٍ عَبْقَريِّ الوَشي غَضٍّ
…
يُشَاكل حِين زُخْرِفَ بالشَّقيق)
(سَمَاء زَبرْجَدٍ خَضْرَاء فِيهَا
…
نجومٌ طالِعَات من عقيق) // الوافر //
وللنفري الْكَاتِب فِي الباقلاء الْأَخْضَر
(فُصُوصُ زبرجد فِي غلْفِ دُرٍّ
…
بأقْماع حكت تقْليمَ ظُفْرِ)
(وَقد صاغَ الإِله لَهَا ثيابًا
…
لَهَا لوْنانِ من بيضٍ وخضر) // الوافر //
ولعبدان الخوذي فِي قينة
(لنا قَينَة تَحْمِي من الشُّرْب شَرْبنَا
…
فقد أمِنوا سكرا وخَوْفَ خُمَارِ)
(تكَشِّرُ عَن أنيَّابهَا فِي غنائهَا
…
فتحكى حمارا شمَّ بوْلَ حمارِ) // الطَّوِيل //
وَمَا ألطف قَول عبد الله بن النطاح فِي أحدب
(وقُصَيِّرٍ قد جمِّعَتْ أعضاؤهُ
…
ليكونَ فِي بَاب الخلاعَةِ أطبعا)
(قَصُرَتْ أخادعهُ وغاصَ قَذَالهُ
…
فكأنهُ متوقِّع أَن يُصْفَعَا)
(وَكَأَنَّهُ قد ذاقَ أوَّلَ صَفْعةٍ
…
وأحَسَّ ثَانِيَة لَهَا فتجمعا) // الْكَامِل //
وبديع قَول السراج المحار يهجو امْرَأَة سَوْدَاء زامرة
(ولربَّ زامرة تهيج بزَمْرِهَا
…
ريحَ البطونِ فليتهَا لم تزمرَ)
(شَبَّهتُ أُنملها على صرنابها
…
وقبيح مَبْسَمِها الشَّنيع الأبخر)
(بخَنَافس قصدت كنيفاً واغتَدَتْ
…
تسْعَى إِلَيْهِ على خيارِ الشنبر) // الْكَامِل //
وَهُوَ من قَول الأول يهجو زامراً اسود أَيْضا
(فَكَأَنَّهَا فِي حالةِ العِيَانِ
…
خَنَافس دبت على ثعبان) // الرجز //
وَقَول مُحَمَّد بن الْحسن الْمصْرِيّ الْكَاتِب
(رَأَيْت يحيى إِذْ أفادَ الْغنى
…
هاجَ بِهِ ذكر ووسْوَاس)
(كَأَنَّهُ كلب على جيفةٍ
…
يخَاف أَن يطرده النَّاس) // السَّرِيع //
وَقَول البسامي فِي رجل لبس خلعة تطول عَلَيْهِ وَيقصر عَنْهَا
(كَأَنَّهُ لما بدا طالعاً
…
فِي خلعة يقصر عَن لبسهَا)
(جاريةٌ رعْناء قد قدَّرتْ
…
ثِيَاب مَوْلَاهَا على نَفسهَا) // السَّرِيع //
ولطيف قَول ابْن قلاقس فِي عواد اسْمه حسن
(حسن ملاوي عوده
…
مَهْما تناولهُ مساوي)
(وَكَأَنَّهُ إِن جَّسَّهُ
…
من بَعْدِ تحريرِ الملاوي)
(كلبٌ تجاذبُ كفُّه
…
أنْشوطَة وَالْكَلب عاوي) // الْكَامِل //
وَلأبي طَالب المأموني فِي رمانة تفت
(رمانةٌ مَا زلت مستخرجاً
…
فِي الْجَام من خقتها جوْهرا)
(فالجام أَرض وبناني حَيا
…
يُمْطر مِنْهَا ذَهَبا أحمرا) // السَّرِيع //
وللصادع بِالْحَقِّ الواثقي وأجاد
(وليلةٍ شَاب بهَا المفرِقُ
…
بل جمَدَ النَّاظر والمنطقُ)
(كَأَنَّمَا فحمُ الغضا بَيْننَا
…
وَالنَّار فِيهِ ذهبٌ محرق)
(أَو سبج فِي ذهب أَحْمَر
…
بَينهمَا لينوفر أَزْرَق) // السَّرِيع //
وَللْإِمَام أبي عَامر التَّمِيمِي رَحمَه الله تَعَالَى
(يَا رُب كَوْماء خَضَبْتُ نحْرَها
…
بِمدية مثل الْقَضَاء السَّابق)
(كَأَنَّهَا والدمُ حبس حولهَا
…
سَوْسَنُة زرقاءُ فِي شقائق) // الرجز //
وَله فِي وصف الرُّمَّان
(خُذُوا صفة الرُّمان عني فإنَّ لي
…
لِسَانا عَن الْأَوْصَاف غيرَ قصيرِ)
(حِقَاق كأمثالِ الكُرَاتِ تضمنتْ
…
فصوصَ بلخش فِي غشاء حَرِير) // الطَّوِيل //
وَله فِي النرجس
(يَا نرجسَاً لم تَعْدُ قامتُه
…
سهم الزمرذ حِين تنتسب)
(فرصافُهُ عظم وقدَّتهُ
…
قطع اللجينِ وفوقه ذهب) // الْكَامِل //
وَلأبي مَنْصُور الْبَغَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى
(تراءت لنا من خدْرِها بسوالفٍ
…
كَمَا لاحَ بدرٌ من خلالِ سَحَاب)
(وهز الصِّبَا صدغاً لَهَا فوقَ خدِّها
…
كَمَا روَّحت نارٌ بريش غراب) // الطَّوِيل //
ولنصر بن بشار الْهَرَوِيّ فِي تفاحة معضوضة
(تفاحة قد عَضَّها قمر
…
عمدَا ومَسَّك مَوضِع العضَهْ)
(وَكَأن عضّته ممسكة
…
صَدغٌ أحَاط بوجنة غضة)
(وكأنما نونان قد كتبا
…
بالمسك فِي كرةٍ من الفِضة) // الْكَامِل //
وَله أَيْضا
(وبدَا لنا بدر الدجى وَاللَّيْل قد
…
شَمِلَ الْأَنَام بفاضل الجلباب)
(غطى الْكُسُوف عليهِ إِلَّا لمْعَة
…
فَكَأَنَّهُ حسناء تحتَ نقاب) // الْكَامِل //
وَله فِي النرجس
(ونرجسٍ غادرني
…
مَا بَين عُجْب وَعجَبْ)
(كطبقٍ من فضةٍ
…
عَلَيْهِ كأس من ذهب) // الرجز //
وَمَا أبدع قَول أسعد بن إِبْرَاهِيم بن بليطة
(أحببْ بنَوْر الأقاح نوَّارا
…
عسجدُه فِي لُجينه حارا)
(كَأَن مَا اصفرَّ من مُوَسَّطه
…
عليلُ قوم أَتَوْهُ زوّارا)
(كَأَن مُبْيَضَّه صقالبة
…
كَانُوا مجوساً فَاسْتَقْبلُوا نَارا)
(كَأَنَّهُ ثغر مَنْ هَويت وَقد
…
وضعت فِيهِ بِفيَّ دِينَارا) // المنسرح //
وَمن بديع مَا قيل فِيهِ قَول ابْن عباد الإسكندراي أَيْضا
(كَأَن شمعته من فضةٍ حُرِست
…
خَوف الْوُقُوع بمسمارٍ من الذَّهَب) // الْبَسِيط //
وَقَول ظافر الْحداد الإسكندراي أَيْضا
(والأقحوانة تحكي ثَغْر غانيةٍ
…
تبسمت فِيهِ من عُجْب وَمن عَجَب)
(كشمسة من لجيْن فِي زبرجدة
…
قد شرفت تَحت مِسْمَار من الذَّهَب)
(وللشقائق جَمْر فِي جوانبها
…
بقيةُ الفحم لم تستره باللهب) // الْبَسِيط //
وَمن لطيف التَّشْبِيه قَول مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر فِي الْورْد
(أما ترى شجرات الْورْد مظهرة
…
مِنْهَا بَدَائِع قد رُكبن فِي قضب)
(أوراقها حمر أوساطها جمم
…
صفر وَمن حولهَا خضر من الشطب)
(كأنهن يَوَاقِيت يطِيف بهَا
…
زمرُّد وَسطه شذر من الذَّهَب) // الْبَسِيط //
وَلأبي الحكم مَالك بن المرحل يصف قصر اللَّيْل وأجاد
(وعشيةٍ سبق الصباحُ عشاءها
…
قِصَراً فَمَا أمسيت حَتَّى أسفرا)
(مسكيَّة لبست حُلَّىً ذهبيةً
…
وجلا تبسُّمُهَا نقاباً أحمرا)
(وَكَأن شُهْبَ الرجمِ بعضُ حليها
…
عثرت بِهِ من سرعةٍ فتكسرَا) // الْكَامِل //
وَمَا أحسن قَول صَفْوَان بن إِدْرِيس من أَبْيَات
(والورْدُ فِي شطِّ الخليج كَأَنَّهُ
…
رَمد أَلَّم بمقلَةٍ زرقاء) // الْكَامِل //
وَمَا ألطف قَول بَعضهم
(وشادنٍ أبصرتهُ رَاكِبًا
…
فِي كَفه جوكانه يلْعَب)
(كالبدر فَوق الْبَرْق فِي كَفه
…
هلالةَ والكرة الْكَوْكَب) // السَّرِيع //
وَمثله قَول الصفي الْحلِيّ وَلم أدر أَيهمَا أَخذ من الآخر
(ملك بروضٍ فَوق طرف ضَارِبًا
…
كرة بجوكان حناه ضرابا)
(فَكَأَن بَدْرًا فِي سَمَاء رَاكِبًا
…
برقاً يزحزح بالهلال شهابا) // الْكَامِل //
وَمن بديع التَّشْبِيه قَول الْأُسْتَاذ عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن سعد الْخَيْر فِي دولاب
(لله دولابٌ يفيضُ بسلسل
…
فِي رَوْضَة قد أينَعتْ أفنانا)
(قد طارحَتْهُ بهَا الحمائم شَجْوَها
…
فيجيبهَا وَيرجِّع الألحانا)
(فَكَأَنَّهُ دَنِفٌ يَدُور بمعهدٍ
…
يبكي وَيسْأل فِيهِ عَمَّنْ بانا)
(ضَاقَتْ مجاري طَرْفه عَن دمعه
…
فتفتحت أضلاعه أجفانا) // الْكَامِل //
وَبَاب التَّشْبِيه وَاسع جدا تضيق الطَّاقَة عَن حصره وَهَذَا الْقدر كَاف فِيهِ