المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: العلاقة بين أنواع التوحيد - معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات

[محمد بن خليفة التميمي]

الفصل: ‌المبحث الثاني: العلاقة بين أنواع التوحيد

‌المبحث الثاني: العلاقة بين أنواع التوحيد

بعد شرح تعريف توحيد الأسماء والصفات، لعل من المناسب هنا ذكر العلاقة بين هذا النوع من أنواع التوحيد وبقية أنواع التوحيد.

ونمهد لذلك بذكر تقسيمات أهل العلم للتوحيد فنقول:

أقسام التوحيد:

تنوعت عبارات علماء أهل السنة في التعبير عن أنواع التوحيد، ولكنها مع ذلك التنوع متفقة في المضمون، ولعل السبب في ذلك هو أن تلك التقسيمات مأخوذ من استقراء النصوص ولم يُنص عليها باللفظ مباشرة، ولذلك فمن العلماء1 من قدم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، هي:

ا- توحيد الربوبية: وهو إفراد الله بأفعاله كالخلق والرزق.

2-

توحيد الأسماء والصفات: وقد تقدم ذكر تعريفه.

3-

توحيد الألوهية: وهو إفراد الله بأفعال العباد التعبدية؟ كالصلاة والصوم والدعاء.

ومن المتأخرين من زاد قسمًا رابعًا على الأقسام الثلاثة السابقة وسماه:

4-

توحيد الاتباع أو توحيد الحاكمية (أي التحاكم إلى الكتاب والسنة) ، ولكن يلاحظ على من ذكر هذا القسم أن هذا القسم في الحقيقة داخل ضمن

1 انظر: طريق الهجرتين ص.3، وشرح الطحاوية ص 76، ولوامع الأنوار للسفاريني 1/128، وتيسير العزيز الحميد ص 17- 19

ص: 37

توحيد الألوهية، لأن العبادة لا تقبل شرعًا إلا بشرطين هما:

ا- الإخلاص.

2-

الاتباع.

كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 1.

ومن العلماء من قسم التوحيد إلى قسمين، وهذا هو الأغلب في كلام أهل العلم المتقدمين لأنهم يجمعون بين توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وذلك بالنظر إلى أنهما يشكلان بمجموعهما جانب العلم بالله ومعرفته عز وجل، فجمعوا بينهما لذلك، بينما توحيد الألوهية يشكل جانب العمل لله.

وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام راجع إلى اعتبار متعلق التوحيد، وتقسيمه إلى قسمين راجع إلى اعتبار ما يجب على الموحد.

فمن العلماء من يقول: التوحيد قسمان2:

القسم الأول: توحيد المعرفة والإثبات:

ويريد به توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وسمي بتوحيد المعرفة، لأن معرفة الله عز وجل إنما تكون بمعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله.

والإثبات: أي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات والأفعال.

القسم الثاني: توحيد القصد والطلب:

ويراد به الألوهية، وسمي بتوحيد القصد والطلب لأن العبد يتوجه بقلبه

1 الآية 110 من سورة الكهف

2 ممن ذكر ابن القيم في كتابه مدارج السالكين 3/449

ص: 38

ولسانه وجوارحه بالعبادة لله وحده رغبة ورهبة، ويقصد بذلك وجه الله وابتغاء مرضاته.

ومن العلماء من يقسم التوحيد إلى قسمين هما1:

القسم الأول: التوحيد العلمي الخبري:

والمقصود به توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.

وسمي بالتوحيد العلمي: لأنه يعتني بجانب معرفة الله، فالعلمي أي "العلم بالله".

والخبري: لأنه يتوقف على الخبر أي: "الكتاب والسنة".

القسم الثاني: التوحيد الإرادي الطلبي:

والمقصود به توحيد الألوهية، وسمي بالتوحيد الإرادي لأن العبد له في العبادات إرادة، فهو إما أن يقوم بتلك العبادة أو لا يقوم بها، وسمي بالطلبي، لأن العبد يطلب بتلك العبادات وجه الله ويقصده عز وجل بذلك.

ومن العلماء من يقسم التوحيد إلى قسمين فيقول2:

القسم الأول: التوحيد القولي:

والمراد به توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وسمي بالقولي لأنه في مقابل توحيد الألوهية الذي يشكل الجانب العلمي من التوحيد، وأما هذا الجانب فهو مختص بالجانب القولي العلمي.

القسم الثاني: التوحيد العملي:

والمراد به توحيد الألوهية، وسمي بالعملي، لأنه يشمل كلاًّ من عمل

1 ممن ذكر ذلك ابن القيم في كتابه مدارج السالكين 3/450، وابن تيمية في الصفدية 2/228

2 ممن ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر: مجموع الفتاوى 1/367

ص: 39

القلب وعمل اللسان وعمل الجوارح التي تشكل بمجموعها جانب العمل من التوحيد، فالتوحيد له جانبان: جانب تصديقي علمي، وجانب انقيادي عملي.

ومن العلماء من يقسم التوحيد إلى قسمين فيقول:

القسم الأول: توحيد السيادة:

ويعنى بذلك توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وسمي بذلك لأن تفرد الله بأفعاله وأسمائه وصفاته يوجب له القيادة المطلقة والتصرف التام في هذا الكون خلقا ورزقا وإحياء وإماتة وتصرفا وتدبيرًا، سبحانه وتعالى. فمن واجب الموحد أن يفرد الله بذلك.

والقسم الثاني: توحيد العبادة:

المراد به توحيد الألوهية، وتسميته بذلك واضحة لا تحتاج إلى مزيد تفصيل.

وهذا ما وقفت عليه من تقسيمات العلماء للتوحيد وهي واحدة من حيث مضمونها كما سبق إيضاح ذلك من خلال ربطها بالتقسيم الأول، ولذا فإن الاختلاف بينها منحصر في الألفاظ فقط. والله أعلم.

وأما عن "العلاقة بين هذه الأقسام للتوحيد" فأقول:

هذه الأقسام تشكل بمجموعها جانب الإيمان بالله الذي نسميه التوحيد" فلا يكمل لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد الثلاثة فهي متكافلة متلازمة يكمل بعضها بعضًا، ولا يمكن الاستغناء ببعضها عن الآخر، فلا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، وكذلك لا يصح ولا يقوم توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الله في ربوبيته وألوهيته لا يستقيم بدون توحيد الله

ص: 40

في أسمائه وصفاته، فالخلل والانحراف في أي نوع منها هو خلل في التوحيد كله. (فمعرفة الله لا تكون بدون عبادته، والعبادة لا تكون بدون معرفة الله، فهما متلازمان)1.

وقد أوضح بعضا أهل العلم هذه العلاقة بقوله: (هي علاقة تلازم وتضمن وشمول) .

فتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية.

وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية.

وتوحيد الأسماء والصفات شامل للنوعين معًا.

بيان ذلك: أن من أقر بتوحيد الربوبية وعلم أن الله سبحانه هو الرب وحده لا شريك له في ربوبيته لزمه2 من ذلك الإقرار أن يفرد الله بالعبادة وحده سبحانه وتعالى، لأنه لا يصلح أن يعبد إلا من كان ربا خالقًا مالكًا مدبرًا، وما دام كله لله وحده وجب أن يكون هو المعبود وحده.

ولهذا جرت سنة القرآن الكريم على سوق آيات الربوبية مقرونة بآيات الدعوة إلى توحيد الألوهية، ومن أمثلة ذلك:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 3.

1 تحذير أهل الإيمان 1/140 (ضمن مجموعة الرسائل المنيرية)

2 اللازم هنا قد يتخلف كما هو الحال في كفار قريش، فهم يقرون بتوحيد الربوبية كما دلت على ذلك النصوص، ولكنهم لم يحققوا اللازم من إقرارهم بتوحيد الربوبية

3 الآيتان 21، 22 من سورة البقرة

ص: 41

وأما توحيد الألوهية فهو متضمن لتوحيد الربوبية، لأن من عبد الله ولم يشرك به شيئًا فهذا يدل ضمنًا على أنه قد اعتقد بأن الله هو ربه ومالكه الذي لا رب غيره.

وهذا أمر يشاهده الموحد من نفسه، فكونه قد أفرد الله بالعبادة ولم يصرف شيئًا منها لغير الله، ما هو إلا لإقراره بتوحيد الربوبية وأنه لا رب ولا مالك ولا متصرف إلا الله وحده.

وأما توحيد الأسماء والصفات فهو شامل للنوعين معًا، وذلك لأنه يقوم على إفراد الله تعالى بكل ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تنبغي إلا له سبحانه وتعالى، والتي من جملتها: الرب- الخالق- الرازق- الملك، وهذا هو توحيد الربوبية.

ومن جملتها: الله- الغفور- الرحيم- التواب، وهذا هو توحيد الألوهية1.

فائدة: القرآن كله دعوة للتوحيد.

قال ابن القيم رحمه الله: "كل سورة في القرآن هي متضمنة للتوحيد، بل نقول قولاً كليا: إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه.

فإن القرآن: ا- إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري

1 انظر: الكواشف الجلية عن معاني الواسطية للشيخ عبد العزيز السلمان ص 421-422

ص: 42

2-

وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي.

3-

وإما أمر ونهي، وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته.

4-

وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده.

5-

وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم توحيده.

فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم"1.

1 مدارج السالكين 3/449-450

ص: 43