الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته
المبحث الأول: التعريف بالسلف الصالح وبأهل السنة والجماعة
.
…
المبحث الأول التعريف بالسلف الصالح وبأهل السنة والجماعة
أولاً: التعريف بالسلف:
أ- معنى السلف لغة:
(السلف: جمع سالف على وزن حارس وحرس، وخادم وخدم، والسالف المتقدم، والسلف
…
الجماعة المتقدمون) 1.
قال ابن فارس: (السين، واللام، والفاء) أصل يدل على تقدم وسبق، من ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون) 2.
ب- المقصود بالسلف الصالح:
(تعددت أقوال العلماء في تحديد ذلك من حيث المدى الزمني:
ا- فمن العلماء من قصر ذلك على، الصحابة -رضوان الله عليهم- فقط.
2-
ومن العلماء من قال بأنهم هم: الصحابة والتابعون.
3-
ومن العلماء من قال بأنهم هم: الصحابة والتابعون وتابعو التابعين3.
والقول الصحيح المشهور الذي عليه جمهور أهل السنة هو أن المقصود بالسلف الصالح هم القرون الثلاثة المفضلة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم
1 لسان العرب 9/158
2 معجم مقاييس اللغة 3/95 مادة "سلف"
3 وسطية أهل السنة بين الفرق د. محمد باكريم ص92-94، وكتاب لزوم الجماعة ص 276-277 تأليف جمال بادي.
بالخيرية، حيث قال:"خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، متفق عليه1، فالسلف الصالح هم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين.
وكل من سلك سبيلهم وسار على نهجهم فهو سلفي نسبة إليهم.
والسلفية: هي المنهج الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة من بعده والذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه باق إلى أن يأتي أمر الله، لحديث:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"2.
فيصح الانتساب إلى هذا المنهج متى التزم الإنسان بشروطه وقواعده، فكل من حافظ على سلامة العقيدة طبقًا لفهم القرون الثلاثة المفضلة فهو ذو نهج سلفي.
ج- قواعد المنهج السلفي:
يمكن حصر ركائز وقواعد المنهج السلفي على سبيل الاختصار في النقاط التالية:
أولاً: ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها.
ثانيًا: التقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث، وذلك يتم بـ:
أ- الاجتهاد في تمييز صحيحه من سقيمه.
ب- الاجتهاد في الوقوف على معانيه وتفهمه3.
1 أخرجه البخاري 5/199، 11/460، ومسلم 7/184، 185
2 أخرجه مسلم في صحيحه 3/1523
3 بيان فضل السلف على الخلف لابن رجب ص 150-152، وأصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 1/9-10
ثالثاً: العمل بذلك والاستقامة عليه اعتقادًا وتفكيرًا وسلوكا وقولاً والبعد عن كل ما يخالفه ويناقضه.
رابعًا: الدعوة إلى ذلك باللسان والبنان.
فمن التزم هذه القواعد في الاعتقاد والعمل فهو على النهج السلفي بإذن الله.
د- الأدلة على وجوب اتباع السلف الصالح ولزوم منهجهم:
أولاً: من القرآن الكريم:
فرضي عز وجل عن السابقين الأولين رضاءً مطلقًا، ورضي عن التابعين لهم بإحسان.
فتوعد الله من اتبع غير سبيلهم بعذاب جهنم، ووعد في الآية السابقة متبعهم بالرضوان.
ثانيًا: الأدلة من السنة:
ا- قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"3.
فهذه "الخيرية" التي شهد النبي صلى الله عليه وسلم بها لهذه القرون الثلاثة تدل على تفضيلهم وسبقهم وجلالة قدرهم وسعة علمهم بشرع الله، وشدة تمسكهم
1 الآية 100 من سورة التوبة
2 الآية 115 من سورة النساء
3 أخرجه البخاري 5/199، 7/6، 11/460، وأخرجه مسلم 7/184، 185
بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما تؤكده الأحاديث التالية.
2-
قوله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" 1 حديث صحيح مشهور.
3-
قوله صلى الله عليه وسلم: "
…
فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" 2.
فحث صلى الله عليه وسلم بأن يتبعوا سنته وسنة من بعده من الخلفاء الراشدين، عند وقوع التفرق والاختلاف.
ثالثًا: من أقوال السلف الصالح وأتباعهم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا"3.
وعنه رضي الله عنه قال: "من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أبر هذه الأمة قلوبًا،
1 أخرجه أبو داود 4596، 4597، والترمذي 2640، 2641، والإمام أحمد 2/332، 3/120، 145، 4/120، وابن ماجه 3991-3993
2 أخرجه الإمام أحمد 4/126، 127، وأبو داود 4607، والترمذي 2676، والدارمي 1/44، وغيرهم
3 الزهد لابن المبارك ص 281 ح 815
وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"1.
وعنه رضي الله عنه قال: "إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر"2.
وعنه رضي الله عنه قال: " اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم"3.
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم، فوالله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبقًا بعيدًا، ولئن أخذتم يمينًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا"4.
وقال مجاهد: "العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم"5.
وقال الأوزاعي: "العلم ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما كان غير ذلك فليس بعلم"، وكذا قال الإمام أحمد رحمه الله6.
وقال أيضًا: "اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم"7.
وكان الحسن البصري في مجلس فذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال: "إنهم
1 جامع بيان العلم وفضله 2/87
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (ح115)
3 البدع والنهي عنها لابن وضاح ص13
4جامع بيان العلم 2/29
5 جامع بيان العلم 2/29
6 جامع بيان العلم 2/29
7 الشريعة للآجري ص 58
كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفا، قومًا اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فإنهم ورب الكعبة على الهدى المستقيم1.
وقيل لأبي حنيفة رحمه الله: ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟
قال: "مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة، فإنها بدعة2.
وقال الأوزاعي: "عليك بآثار السلف وإن رفضك الناس، وإياك ورأي الرجال وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت منه على طريقٍ مستقيم3.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحدة لا شريك له وطاعة رسوله، يدور على ذلك، ويتبعه أين وجده، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصارا مطلقًا عامًّا إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لطائفة انتصارًا مطلقًا عامًّا إلا للصحابة رضي الله عنهم أجمعين. فإن الهدي يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا، فإذا أجمعوا لم يجمعوا على خطأ قط، بخلاف أصحاب عالم من العلماء، فإنهم قد يجمعون على خطأ، بل كل ما قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ، فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليست مسلما إلى عالم واحد
1 جامع بيان العلم 2/97
2 صون المنطق للسيوطي 322
3 المدخل إلى السنن للبيهقي رقم 233
وأصحابه، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم.
ولابد أن يكون الصحابة والتابعون يعرفون ذلك الحق الذي بعث الله به الرسول، قبل وجود المتبوعين الذين تنسب إليهم المذاهب في الأصول والفروع، ويمتنع أن يكون هؤلاء جاءوا بحق يخالف ما جاء به الرسول، فإن كل ما خالف الرسول فهو باطل، ويمتنع أن يكون أحدهم علم من جهة الرسول ما يخالف الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فإن أولئك لم يجتمعوا على ضلالة، فلابد أن يكون قوله- إن كان حقا- مأخوذًا عما جاء به الرسول، موجودًا فيمن قبله، وكل قول قيل في دين الإسلام، مخالف لما مضى عليه الصحابة والتابعون، لم يقله أحد منهم بل قالوا خلافه، فإنه قول باطل"1.
ثانيا: التعريف بأهل السنة:
يستعمل العلماء تارة مسمى "أهل السنة والجماعة" بدلاً من عبارة "السلف".
وهذه العبارة وردت في استعمال العلماء لمعنيين هما:
أ- المعنى الأخص:
وهو بعينه مدلول لفظة السلف، فأهل السنة والجماعة هم الصحابة والتابعون وتابعوهم ومن سلك سبيلهم وسار على نهجهم من أئمة الهدى ومن اقتدى بهم من سائر الأمة أجمعين.
فيخرج من هذا المعنى كل طوائف المبتدعة وأهل الأهواء.
فالسنة هنا في مقابل البدعة.
1 منهاج السنة 5/262-263
والجماعة هنا في مقابل الفرقة.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} 1 قالت: "تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة"2.
وهذا المعنى هو المقصود في الأحاديث التي وردت في لزوم الجماعة. والنهي عن التفرق.
وهذا المعنى وإن كان أخص من جهة معناه لكنه هو الأكثر ورودًا واستعمالاً في كلام العلماء.
2-
المعنى الأعم:
والذي يدخل فيه بعض طوائف المبتدعة في حالة موافقة قولهم لقول السلف في مسألة بعينها في مقابلة طائفة بعينها.
وهذا المعنى أقل استعمالاً لتقيده بشروط معينة هي:
ا- كونه في مسائل اعتقادية معينة.
2-
كونه في مقابل طوائف معينة.
مثاله: استعمال هذا المسمى في مقابل الرافضة في مسألتي "الخلافة" و"الصحابة".
فيقال هنا: المنتسبون للإسلام قسمان:
ا- أهل السنة.
2-
الرافضة.
1 الآية 106 من سورة آل عمران
2 تفسير ابن كثير 1/390
فيدخل هنا مع أهل السنة بعض طوائف المبتدعة كالأشاعرة وغيرهم، وقد أدخلوا هنا لموافقة قولهم لقول السلف في مسألتي " الخلافة" و" الصحابة" لما حصل فيهما النزاع مع الرافضة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلفظ (أهل السنة) يراد به:
ا- من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة.
2-
وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول:(إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة) "1.
وقد عبر شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذين القسمين بتسمية:
أهل القسم الأول: بأهل "السنة العامة" وهو كل ما ليس برافضي2.
وأهل القسم الثاني: بأهل " السنة الخاصة" أي أهل الحديث.
1 منهاج السنة 2/221، ط: جامعة الإمام محمد بن سعود
2 قال شيخ الإسلام: "ولا ريب أنهم (أي الروافض) أبعد طوائف المبتدعة عن الكتاب والسنة، ولهذا كانوا هم المشهورين عند العامة بالمخالفة للسنة، فجمهور العامة لا تعرف ضد السني إلا الرافضي، فإذا قال أحدهم: أنا سني، فإنما معناه: لست رافضيا.." مجموع الفتاوى 3/356