المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: الأسس التي قام عليها معتقد أهل السنة في أسماء الله وصفاته - معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات

[محمد بن خليفة التميمي]

الفصل: ‌المبحث الثالث: الأسس التي قام عليها معتقد أهل السنة في أسماء الله وصفاته

‌المبحث الثالث: الأسس التي قام عليها معتقد أهل السنة في أسماء الله وصفاته

المبحث الثالث: الأسس التي قام عليها معتقد أهل السنة في باب الأسماء والصفات

ارتكز معتقد أهل السنة في باب أسماء الله وصفاته على ثلاثة أسس رئيسية، هي1:

الأساس الأول: الإيمان بما ورددت به نصوص القرآن والسنة الصحيحة من أسماء الله وصفاته إثباتًا ونفيًا.

الأساس الثاني: تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيئًا من صفات المخلوقين.

الأساس الثالث: قطع الطمع عن إدراك كيفية اتصاف الله بتلك الصفات.

وهذه الأسس الثلاثة هي التي تفضل وتميز عقيدة أهل السنة في هذا الباب عن عقيدة أهل التعطيل (من الفلاسفة وأهل الكلام) من جهة.

وعن عقيدة أهل التمثيل (من الكرامية والهشامية وغيرهم) من جهة أخرى.

فالأساس الأول: فيه تمييز لعقيدة أهل، السنة عن عقيدة المعطلة، فأهل السنة يجعلون الأصل في إثبات الأسماء والصفات أو نفيها عن الله تعالى هو

1 منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 25

ص: 71

كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يتجاوزونها، فما ورد إثباته من الأسماء والصفات في القرآن والسنة الصحيحة فيجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما فيجب نفيه.

(وأما ما لم يرد إثباته ونفيه فلا يصح استعماله في باب الأسماء وباب الصفات إطلاقًا، وأما في باب الأخبار فمن السلف من يمنع ذلك، ومنهم من يجيزه بشرط أن يستفصل عن مراد المتكلم فيه، فإن أراد به حقًّا يليق بالله تعالى فهو مقبول، وإن أراد به معنى لا يليق بالله عر وجل وجب رده)1.

ومجمل القول إن في الأمر ثلاثة أبواب:

ا- باب الأسماء: وهذا يجب الاعتماد فيه على الكتاب والسنة فقط.

2-

باب الصفات: وهذا كذلك يجب الاعتماد فيه على الكتاب والسنة فقط.

3-

باب الأخبار: وهذا لا يشترط فيه ورود النص الشرعي، ولكن يشترط أن يكون معنى اللفظ المستعمل ليس بسيء.

أما أهل التعطيل: فقد جعلوا "العقل" وحده هو أصل علمهم، فالشبه العقلية هي الأصول الكلية الأولية عندهم، وهي التي تثبت وتنفي، ثم يعرضون الكتاب والسنة على تلك الشبه العقلية، فإن وافقتها قبلت اعتضادًا لا اعتمادًا، وإن عارضتها ردت تلك النصوص الشرعية وطرحت، وفي هذا يقول قائلهم: (كل ما ورد السمع به ينظر فإن كان العقل مجوزا له وجب التصديق به..

وأما ما قضى العقل باستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به، ولا يتصور أن يشمل السمع على قاطع مخالف للمعقول.

1 رسالة في العقل والروح 2/46- 47 لابن تيمية (ضمن مجموعة الرسائل المنيرية)

ص: 72

وظواهر أحاديث التشبيه- يعني بها أحاديث الصفات- أكثرها غير صحيحة، والصحيح منها ليس بقاطع، بل هو قابل للتأويل) 1.

فهذا النقل يبين لك مدى تقديم هؤلاء لشبههم العقلية وتعصبهم لها، وكيف أنهم يجعلونها هي الأصول والسمع معروضا عليها، فما أجازته عقولهم قبلوه، وما لم تجزه عقولهم شككوا فيه وانتقصوه، ومن ثم سعوا في تأويله وتحريفه، ومن يلقي نظرةً على كتب الأشاعرة مثلاً يجد أن القوم يقسمون أبواب العقيدة إلى إلهيات- ونبوَّات- وسمعيات، وهم في باب الإلهيات والنبوات لا يقبلون نصوص الكتاب والسنة، ولذلك لن تجد في هذين البابين إلا الشبه العقلية المركبة وفق القواعد المنطقية، ويا عجبا أنأخذ ديننا من كلام الله ورسوله، أم من ملاحدة اليونان وتلاميذهم!

وأما باب السمعيات- أي البعث والحشر والجنة والنار والوعد والوعيد- فهم يقبلون فيه النصوص الشرعية، وبالتالي سموا هذا الباب بالسمعيات. في مقابل باب الإلهيات والنبوات، إذ إنهم يعتمدون فيهما على العقليات، وهؤلاء شابهوا حال من قال الله تعالى فيهم:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 2.

1 الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي ص 132- 133. وقال في كتابه المستصفى 2/137- 138: "كل ما دل العقل فيه على أحد الجانبين فليس للتعارض فيه مجال، إذ الأدلة العقلية يستعجل نسخها وتكاذبها، فإن ورد دليل سمعي على خلاف العقل، فإما أن لا يكون متواترًا فيعلم أنه غير صحيح، وإما أن يكون متواترًا فيكون مؤولاً ولا يكون متعارضًا"

2 الآية 85 من سورة البقرة

ص: 73

وأما الأساس الثاني: وهو تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، ففيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المعطلة من جهة، وعن عقيدة المشبهة من جهة أخرى.

فأهل السنة: يعتقدون أن ما اتصف الله به من الصفات لا يماثله فيها أحد من خلقه، فالله عز وجل قد أخبرنا بذلك بنص كتابه العزيز حيث قال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1، فإذا ورد النص بصفة من صفات الله تعالى في الكتاب أو السنة فيجبب الإيمان به والاعتقاد الجازم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو مما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فالشر كل الشر في عدم تعظيم الله، وأن يسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فعلى القلب المؤمن المصدق بصفات الله التي تمدح بها أو أثنى عليه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يكون معظمًا لله جل وعلا غير متنجس بأقذار التشبيه، لتكون أرض قلبه طيبة طاهرة قابلة للإيمان بالصفات على أساس التنزيه أخذا بقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 2

أما أهل التعطيل: فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات التي لا وجود لها إلا في أفهامهم الفاسدة، فعقيدة هؤلاء المعطلة جمعت بين التمثيل والتعطيل، وهذا الشر إنما جاء من تنجس قلوبهم وتدنسها بأقذار التشبيه، فإذا سمعوا صفة من صفات الكمال التي أثنى الله بها على نفسه كاستوائه على عرشه ومجيئه يوم

1 الآية 11 من سورة لشورى

2 انظر: منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 21- 22

ص: 74

القيامة وغير ذلك من صفات الجلال والكمال، فإن أول ما يخطر في أذهانهم أن هذه الصفة تشبه صفات الخلق، فيتلطخ القلب بأقذار التشبيه لم يقدر الله حق قدره ولم يعظم الله حق عظمته حيث سبق إلى ذهنه أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فيكون أولاً نجس القلب بأقذار التشبيه ثم دعاه ذلك إلى أن ينفي صفة الخالق جلَّ وعلا عنه بادعاء أنها تشبه صفات المخلوق، فيكون فيها أولاً مشبهًا، وثانيًا معطلاً ضالاًّ ابتداءً وانتهاءً متهجمًا على رب العالمين ينفي صفاته عنه بادعاء أن تلك الصفة لا تليق1.

وأما عقيدة أهل التمثيل: فهي تقوم على دعواهم أن الله عز وجل لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا أخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة، فشبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا: له يد كيدي، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

وأمَّا العارفون به، المصدقون لرسله، المقرون بكماله فهم يثبتون لله جميع صفاته، وينفون عنه مشابهة المخلوقات، فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل، فمذهبهم حسنة بين سيئتين، وهدًى بين ضلالتين.

وأما الأساس الثالث: ففيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المشبهة، فأهل السنة يفوضون علم كيفية اتصاف الباري عز وجل بتلك الصفات إلى الله عز وجل، فلا علم للبشر بكيفية ذات الله-تبارك وتعالى (ولا تفسير كنه شيء من صفات ربنا تعالى كأن يقال استوى على هيئة كذا، وكل من تجرأ على شيء من ذلك فقوله من الغلو في الدين والافتراء على الله عز وجل، واعتقاد ما لم

1 انظر: منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 19- 20

ص: 75

يأذن به الله ولا يليق بجلاله وعظمته ولم ينطق به كتاب ولا سنة، ولو كان ذلك مطلوبًا من العباد في الشريعة لبينه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو لم يدع ما بالمسلمين إليه حاجة إلا بينه ووضحه، والعباد لا يعلمون عن الله تعالى إلا ما علمهم كما قال تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} 1 فليؤمن العبد بما علمه الله تعالى وليقف معه، وليمسك عما جهله وليكل معناه إلى عالمه) 2.

وأما المشبهة فقد تعمقوا في شأن كيفيات صفات الله وتقولوا على الله بغير علم، فقالوا: له بصر كبصري، ويد كيدي،، وقدم كقدمي، تعالى الله عمّا يقولون علوًّا كبيرًا.

1 الآية 255 من سورة البقرة

2 انظر: معارج القبول 1/326- 327

ص: 76

توضيح الأسس الثلاثة

ا- الأساس الأول: الإيمان بما وردت به نصوص القرآن والسنة الصحيحة من أسماء الله وصفاته إثباتا ونفيا.

وهذا الأساس لابد فيه من مراعاة ما يلي:

أولاً: إن طلب العلم في المطالب الإلهية إنما يكون عن طريق الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة.

فالذي يجب اعتقاده هو أن معرفة هذا النوع من أنواع التوحيد تتوقف على دراسة الكتاب والسنة، لأن هذا التوحيد يتطلب، أسماء وصفات معينة، وهذه لا سبيل إلى معرفتها والحصول عليها إلا من طريق الكتاب والسنة (فنحن نؤمن بالله تعالى وبما أخبر به عن نفسه سبحانه على ألسنة رسله من أسمائه الحسنى وصفاته العلى بلا تكييف ولا تمثيل، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه مما لا يليق بجلاله وعظمته، فإنه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأبين دليلاً من غيره) 1، ولذلك كان معتقد أهل السنة هو الإيمان بما سمى ووصف الله به نفسه إثباتًا ونفيًا، لأنه لا يسمي الله أعلم بالله من الله، قال تعالى:{أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه} 2، وقال تعالى:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} 3، وقال تعالى:{وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 4، وقال تعالى:

1 معارج القبول 1/330- 331

2 الآية 140 من سورة البقرة

3 الآية 122 من سورة النساء

4 الآية 14 من سورة فاطر

ص: 77

{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} 1، فالله عز وجل، هو الذي سمى ووصف نفسه بما جاء في نص كلامه الذي هو القرآن.

ولا يسمي ويصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال الله في حقه:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} 2، ولقد جاءت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بإثبات الصفات إثباتًا مفصلاً على وجه ثلجت به الصدور واطمأنت به القلوب، واستقر الإيمان في نصابه، وفصلت ذلك أعظم من تفصيل الأمر والنهي، وقررته أكمل تقرير في أبلغ لفظ، ولذلك كان لزامًا على كل مسلم أن يؤمن بأسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة من غير زيادة ولا نقصان.

ثانيًا: تقديم الشرع على العقل، فالأصل في الدين الاتباع والمعقول تبع. فمعتقد أهل السنة في هذا الباب وفي غيره من أبواب العقائد والأحكام أن العقل المجرد ليس له إثبات شيء من العقائد والأحكام، وإنما المرجع في ذلك إلى القرآن والسنة.

فالعقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء والصفات فوجب الوقوف في ذلك على النص، لأن العقل يقصر عن إدراك حقيقة المغيبات حتى وإن كانت تلك المغيبات أقرب شيء إليه، فهو قاصر عن أن يحيط علمًا بحقيقة روحه التي بين جنبيه لما أخفى الله أمرها عنه، قال تعالى:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} 3، فإذا كان الإنسان يجهل أمر روحه فكيف يحيط علمًا بذات الله وما يصلح وما لا يصلح لذاته من الأسماء والصفات، والله قد أخفى عن الخلق كيفية ذاته؟!.

1 الآية 59 من سورة الفرقان

2 الآيتان 3، 4 من سورة النجم

3 الآية 85 من سورة الإسراء

ص: 78

(ونحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين من ذكر صفات الله، وما تعبد الناس باعتقاده من ذكر عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، والحوض، والميزان، والصراط، وصفة الجنة وصفة النار، وجدناها أمورًا لا ندرك حقائقها بعقولنا، وإنما ورد الأمر بقبولها والإيمان بها، فإذا سمعنا شيئا من أمور الذين، وعقلناه، وفهمناه، فلله الحمد في ذلك، والشكر ومنه التوفيق، وما لم يمكنَّا إدراكه ولم تبلغه عقولنا آمنا به، وصدقناه، واعتقدنا أن هذا من قبل ربوبيته وقدرته، واكتفينا في ذلك بعلمه، ومشيئته، قال تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء} 21.

(واعلم أن فصل ما بيننا وبين المعطلة هو "مسألة العقل"، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعًا للمعقول) .

وأما أهل السنة فقالوا: الأصل في الدين الإتباع، والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء) 3.

فالتقرير بأن النقل مقدم على العقل لا ينبغي أن يفهم منه أن أهل السنة ينكرون العقل والتوصل به إلى المعارف والتفكير به في خلق السموات والأرض، وفي الآيات الكونية الكثيرة، فأهل السنة لا ينكرون استعمال العقل، ولكتهم توسطوا في شأن "العقل" بين طائفتين ضلتا في هذا الباب، هما:

أهل الكلام: الذين يجعلون العقل وحده أصل علمهم، ويفردونه،

1 الآية 255 من سورة البقرة

2 الحجة في بيان المحجة 1/321 بتصرف

3 المصدر السابق 1/320

ص: 79

ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له، والمعقولات عندهم هي الأصول الكلية الأولية، المستغنية بنفسها عن الإيمان والقرآن.

فهؤلاء جعلوا عقولهم هي التي تثبت وتنفي والسمع معروضا عليها، فإن وافقها قيل اعتضادًا لا اعتمادًا، وإن عارضها رُدَّ وطُرِحَ، وهذا من أعظم أسباب الضلال التي دخلت على هذه الأمة.

وأهل التصوف: الذين يذمون العقل ويعيبونه، ويرون أن الأحوال العالية، والمقامات الرفيعة، لا تحصل إلا مع عدمه، ويقرون من الأمور بما يكذب صريح العقل.

ويمدحون السكر والجنون والوله، وأمورًا من المعارف والأحوال التي لا تكون إلا مع زوال العقل والتمييز، كما يصدقون بأمور يعلم بالعقل الصريح بطلانها.

وكلا الطرفين مذموم.

وأما أهل السنة: فيرون أن العقل شرط في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال، وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلاًّ بذلك.

فالعقل غريزة في النفس، وقوة فيها، بمنزلة قوة البصر التي في العين.

فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن، كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس أو النار.

وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها.

وإن عزل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أمورًا حيوانية.

فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأقوال المخالفة للعقل باطلة، والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه، ولم تأت بما يعلم بالعقل

ص: 80

امتناعه1.

فائدة: "مسكن العقل":

سُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية: أين مسكن العقل في الإنسان؟

فأجاب بقوله: "العقل قائمٌ بنفس الإنسان التي تعقل، وأمَّا البدن فهو متعلق بقلبه، قال تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} 2.

وقيل لابن عباس: بماذا نلت العلم؟

قال: "بلسانٍ سؤولٍ وقلبٍ عقولٍ"، لكن لفظ القلب قد يُرَادُ به:

ا- المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن، التي جوفها علقة سوداء، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" متفق عليه3.

2-

وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقًا، فإن قلب الشيء باطنه، كقلب الحنطة، واللوزة والجوزة، ونحو ذلك، ومنه، سمي القُليب قُليبًا، لأنه أخرج قلبه وهو باطنه، وعلى هذا فإذا أريد بالقلب هذا فالعقل متعلق بدماغه أيضًا، ولهذا قيل: إن العقل في الدماغ كما يقوله كثير من الأطباء، ونقل ذلك عن الإمام أحمد، ويقول طائفة من أصحابه:(إن أصل العقل في القلب، فإذا كمل انتهى إلى الدماغ) .

والتحقيق "أن الروح التي هي النفس لها تعلق بهذا وهذا، وما يتصف من

1 مجموع الفتاوى 3/338- 339 بتصرف

2 الآية 46 من سورة الحج

3 أخرجه البخاري في الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه 1/126 ح52، ومسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات 5/50- 51

ص: 81

العقل به يتعلق بهذا وهذا، لكن:

مبدأ الفكر والنظر في الدماغ.

ومبدأ الإرادة في القلب.

والعقل يراد به العلم، ويراد به العمل، فالعلم والعمل الاختياري أصله الإرادة، وأصل الإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريدًا إلا بعد تصور المراد، فلابد أن يكون القلب متصورًا، فيكون منه هذا وهذا، ويبتديء ذلك من الدماغ وآثاره صاعدة إلى الدماغ، فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء.

وكلا القولين له وجه صحيح"1.

ثالثًا: الإيمان بما دلت عليه نصوص الأسماء والصفات من المعاني والأحكام.

فالسلف يؤمنون بأسماء الله وصفاته، وبما دلت عليه من المعاني والأحكام، أما كيفيتها فيفوضون علمها إلى الله.

وهم برآء مما اتهمهم به المعطلة الذين زعموا أن السلف يؤمنون، بألفاظ نصوص الأسماء والصفات، ويفوضون معانيها.

وهذا الزعم جهل على السلف، فإنهم كانوا أعظم الناس فهما وتدبرًا لآيات الكتاب وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تعالى، فكانوا يدرون معاني ما يقرأون ويحملون من العلم، ولكنهم لم يكونوا يتكلفون الفهم للغيب المحجوب، فلم يكونوا يخوضون في كيفيات الصفات شأن أهل الكلام والبدع، فإنهم حين خاضوا في ذات الله وصفاته وقعوا في التأويل والتعطيل، وإنما ألجأهم إلى ذلك، الضيق الذي دخل عليهم بسبب

1 رسائل في العقل والروح 2/48- 49 (مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية)

ص: 82

التشبيه، فأرادوا الفرار منه فوقعوا في التعطيل،، ولم يقع تعطيل إلا بتشبيه، ولو أنهم نزهوا الله تعالى ابتداء عن مشابهة الخلق، وأثبتوا الصفة مع نفي المماثلة لسلموا ونجوا، ولوافقوا اعتقاد السلف ولبان لهم أن السلف لم يكونوا حملة أسفار لا يدرون ما فيها.

ومن تدبر كلام أئمة السلف المشاهير في هذا الباب علم أنهم كانوا أدق الناس نظرًا، وأعلم الناس في هذا الباب، وأن الذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، ولذلك صار أولئك الذين خالفوا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب، وقد قال تعالى:{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} 1.

ومن له اطلاع على أقوال الأسف المدونة في كتب العقيدة والتفسير والحديث عند الحديث عن نصوص الصفات يعلم أن السلف تكلموا في معاني الصفات وبينوها ولم يسكتوا عنها، وهذه الأقوال هي أكبر شاهد على فهم السلف لمعاني الصفات وإيمانهم بها.

رابعًا: رفض التحريف والتعطيل لنصوص الأسماء والصفات.

فالسلف يعتقدون أن الواجب في نصوص القرآن والسنة بما في ذلك نصوص الأسماء والصفات هو إجراؤها على ظاهرها، وذلك بأن تُفهتم وفق ما يقتضيه اللسان العربي، وأن لا يتعرض لها بتحريف أو تعطيل كما فعل المعطلة، الذين تلاعبوا بظواهر النصوص! لمجرد أنها خالفت باطلهم ومناهجهم الفاسدة2.

1 الآية 176 من سورة البقرة

2 درء تعارض العقل والنقل 2/301

ص: 83

فنصوص الصفات ألفاظ شرعية يجب أن تحفظ لها حرمتها، وذلك بأن نفهمها وفق مراد الشارع، فلا نتلاعب بمعانيها لنصرفها عن مراد الشارع.

فمن الأصول الكلية عند السلف أن الألفاظ الشرعية لها حرمتها، ومن تمام العلم أن يبحث عن مراد الله ورسوله بها ليثبت ما أثبته الله ورسوله من المعاني، وينفى ما نفاه الله ورسوله من المعاني1.

وبحمد الله وفضله نجد أن نصوص الصفات الواردة في القرآن والسنة هي من الوضوح والكثرة بمكان، بحيث يستحيل تأويلها والتلاعب بنصوصها، فلقد جاءت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بإثبات الصفات إثباتًا مفصَّلاً على وجه أزال الشبهة وكشف الغطاء، وحصل به العلم اليقيني، ورفع الشك والريب، فثلجت به الصدور، واطمأنت به القلوب، واستقر الإيمان في نصابه، فلقد فصلت رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الأسماء والصفات والأفعال أعظم من تفصيل الأمر والنهي، وقررت إثباتها أكمل تقرير في أبلغ لفظ.

فالمطلع على نصوص القرآن والسنة الخبير بهما، لا يزيده تحريف المعطلة لتلك النصوص إلا احتقارًا لهم، ويقينًا بفساد معتقدهم وبطلانه.

ولا تروج تحريفات المعطلة إلا على الجاهل بمعرفة تلك النصوص قليل البضاعة فيها، فهذا الصنف! أتي من جهة جهله لا من قلة النصوص الواردة في هذا الباب، والله أعلم.

1 مجموع الفتاوى 12/113- 114 بتصرف

ص: 84

وأما الأساس الثاني وهو: تنزيه الله جل وعلا أن يماثل شيء من صفاته شيئا من صفات المخلوقين.

فتوضيحه يكون وفق ما يلي:

أولاً: الأدلة الشرعية الواردة في تنزيه، الله عن مشابهة المخلوقين:

ا- قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1

2-

وقال تعالى.: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} 2.

3-

وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} 3.

4-

وقال تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} 4.

5-

وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} 5.

6-

وقال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 6.

7-

وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 7.

وجه دلالة الآيات:

ا- قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} : دليل على أن الله منزه عن أن يكون له مثل في شيء مما يوصف به من صفات كماله8.

1 الآية 11 من سورة الشورى

2 الآية 74 من سورة النحل

3 لآية 60 من سورة النحل

4 الآية 27 من سورة الروم

5 الآية 65 من سورة مريم

6 الآية 1 من سورة الإخلاص

7 الآية 4 من سورة الإخلاص

8 مجموع الفتاوى 16/98

ص: 85

والآية في تفسيرها وجهان:

الأول: أن يكون معناه: ليس هو كشيء، وأدخل "المثل "في الكلام توكيدًا للكلام.

والثاني: أن يكون معناها: ليس مثله شيء، فتكون "الكاف" هي المدخلة في الكلام توكيدًا1 وهذا وجه قوي حسن وهو الأظهر2.

وقد اتفق أهل السنة على أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله3.

2-

وقوله تعالى: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} :

قال ابن جرير الطبري في تفسيرها: "فلا تمثلوا لله الأمثال، ولا تشبهوا له الأشباه، فإنه لا مثل ولا شبه"4.

وقال ابن كثير: "أي لا تجعلوا له أندادًا وأشباهًا وأمثالاً"5.

3-

وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} .

4-

وقوله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

(فالله تعالى وصف نفسه بأن له المثل الأعلى، وهو الكمال المطلق، المتضمن للأمور الوجودية والمعاني الثبوتية، التي كلَّما كانت أكثر في الموصوف وأكمل كان بها أكمل وأعلى من غيره.

1 تفسير الطبري 25/12- 13

2 شرح الطحاوية ص 146

3 شرح الطحاوية ص 99

4 تفسير الطبري 14/148

5 تفسير ابن كثير 2/578

ص: 86

ولما كانت صفات الرب سبحانه وتعالى أكثر وأكمل، كان له المثل الأعلى وكان أحق به من كل ما سواه، بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى المطلق اثنان، لأنهما إن تكافآ من كل وجه، لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ، فالموصوف به أحدهما وحده، فيستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير، وهذا برهان قاطع على استحالة التمثيل والتشبيه، فتأمله فإنه في غاية الظهور والقوة) 1.

5-

وقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} : روي عن ابن عباس في تفسيرها قوله: هل تعلم للرب مثلاً أو شبيهاً2.

وكذلك قال مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وابن جريج وغيرهم3.

6-

وأما قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} : فالأحد يقتضي أنه لا مثل له ولا نظير.

7-

وكذا قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} فالوحدانية تقتضي الكمال، والشركة تقتضي النقص4.

ثانيًا: دلالة العقل على بطلان. شبيه صفات الخالق بصفات المخلوقين:

ا- القول في الصفات كالقول في الذات، فإن الله ليس كمثله شي لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات،

1 الصواعق المنزلة 3/1032، وشرح الطحاوية ص 144

2 تفسير الطبري 16/106

3تفسير الطبري 16/ 106، وتفسير ابن كثير 3/ 131

4 مجموع الفتاوى 16/99

ص: 87

فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تماثل صفات سائر الذوات1.

فقد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تباينًا في الذات، وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات، لأن صفة كل موصوف تليق به كما هو ظاهر من صفات المخلوقين المتباينة في الذوات، فقوة البعير مثلاً غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكهما في الإمكان والحدوث، فظهور التباين بينهما وبين الخالق أجلى وأقوى2.

وبهذا نعلم أن الله لا مثل له، ولا تضرب له الأمثال، التي فيها مماثلة لخلقه، بل له المثل الأعلى.

2-

أن يقال: كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهًا في صفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى من يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلا تنقص لحق الخالق، فإن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصًا3.

3-

(إذا كان المخلوق منزهًا عن مماثلة المخلوق، مع الموافقة في الاسم، فالخالق أولى أن ينزه عن مماثلة المخلوق وإن حصلت موافقة في الاسم)4.

(فإن الله سبحانه وتعالى أخبرنا عما في الجنة من المخلوقات، من أصناف المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمساكن، فأخبرنا أن فيها لبنًا وعسلاً وخمرًا وماءً ولحمًا وفاكهةً وحريرًا وذهبًا وفضةً وحورًا وقصورًا.

وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء".

1 لرسالة التدمرية ص 43

2 القواعد المثلى ص 26

3 القواعد المثلى ص 26

4 الرسالة التدمرية ص 50

ص: 88

فإذا كانت تلك الحقائق التي أخبر الله عنها، هي موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة في الدنيا، وليست مماثلة لها بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فالخالق سبحانه وتعالى أعظم مباينة للمخلوقات من مباينة المخلوق للمخلوق، ومباينته لمخلوقاته أعظم من مباينة موجود الآخرة لموجود الدنيا، إذ المخلوق أقرب إلى المخلوق الموافق له في الاسم من الخالق إلى المخلوق، وهذا بين واضح1.

ثالثًا: الاتفاق في الاسم لا يلزم منه تماثل المسمى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الله سبحانه وتعالى سمى نفسه وصفاته بأسماء وسمى بها بعض المخلوقات.

فسمى نفسه حيًّا عليمًا سميعًا بصيرًا عزيزًا جبارًا متكبرًا ملكًا رؤوفًا رحيمًا.

وسمَّى بعض عباده عليمًا، وبعضهم حليمًا، وبعضهم رؤوفًا رحيمًا، وبعضهم سميعًا بصيرًا، وبعضهم ملكًا، وبعضهم عزيزًا، وبعضهم جبارًا متكبرًا.

ومعلوم أنه ليس العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم، ولا السميع كالسميع، وهكذا في سائر أسماء الله.

قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} 2.

وقال: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} 3.

1 المصدر السابق ص 47

2 الآية 30 من سورة الإنسان

3 الآية 28 من سورة الذاريات

ص: 89

وقال: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} 1، وقال:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} 2. وقال: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 3.

وقال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 4.

وقال. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} 5.

وقال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} 6.

وكذلك سائر ما ذكر، لكن الإنسان يعتبر بما عرفه على ما لم يعرفه، ولولا ذلك لانسدت عليه طرق المعارف للأمور الغائبة، فإن الإنسان يعلم أنه حي عليم قدير سميع بصير متكلم فيتوصل بذلك إلى أن يفهم ما أخبر الله به عن نفسه من أنه حي عليم قدير سميع بصير، فإنه لولا تصوره لهذه المعاني من نفسه ونظره إليها لم يمكن أن يفهم ما غاب عنه، كما أنه لولا تصوره لما في الدنيا من العسل واللبن والماء والخمر والحرير والذهب والفضة لما أمكنه أن يتصور ما أخبر به من ذلك من الغيب، لكن لا يلزم أن يكون الغيب مثل الشهادة، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما:"ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء"، فإن هذه الحقائق التي أخبر بها أنها في الجنة ليست مماثلة لهذه الموجودات في الدنيا بحيث يجوز على هذه ما يجوز على تلك، ويجب لها ما يجب لها، ويمتنع ما يمتنع عليها، ويكون مادتها مادتها ويستحيل استحالتها، فإنا نعلم

1 الآية 44 من سورة الإسراء

2 الآية 101 من سورة الصافات

3 الآية 143 من سورة البقرة

4 الآية 128 من سورة التوبة

5 الآية 58 من سورة النساء

6 الآية 2 من سورة الإنسان

ص: 90

أن ماء الجنة لا يفسد ولا يأسن، ولبنها لا يتغير طعمه، وخمرها لا يصدع شاربها ولا ينزف عقله، فإن ماءها ليس نابعًا من تراب ولا نازلاً من سحاب مثل ما في الدنيا، ولبنها ليس مخلوقًا من أنعام كما في الدنيا وأمثال ذلك.

فإذا كان المخلوق يوافق ذلك المخلوق في الاسم وبينهما قدر مشترك وتشابه فعلم به معنى ما خوطبنا به، مع أن الحقيقة ليست مثل الحقيقة.

فالخالق جل جلاله أبعد عن مماثلة مخلوقاته مما في الجنة لما في الدنيا، فإذا وصف نفسه بأنه حي عليم سميع بصير قدير لم يلزم أن يكون مماثلاً لخلقه، إذ كان بعدها عن مماثلة خلقه أعظم من بعد مماثلة كل مخلوق لكل مخلوق، وكل واحد من صغار الحيوان له حياة وقوة وعمل وليست مماثلة للملائكة المخلوقين، فكيف يماثل رب العالمين شيئًا من المخلوقين"1.

رابعًا: توضيح المسألة من جهة اللغة ثم الشرع:

يشكل على البعض كون الله سمى نفسه بصفات وسمى عباده بنظير ذلك، فيتردد عند ذلك هل يثبت تلك الصفات لله حقيقة أم لا؟.

فمن أجل توضيح هذه المسألة أقول: اعلم وفقك الله أن الألفاظ منها:

ا- ما هو مترادف: هو ما اختلف لفظه واتحد معناه.

مثال ذلك: الليث- الأسد- أسامة- الغضنفر.

هذه ألفاظ مختلفة والمسمى بها واحد، فتسمى الألفاظ المترادفة.

2-

ما هو مشترك: وهو ما اتحد لفظه واختلف معناه.

مثال ذلك: لفظ: " العين ":

1 رسالة في العقل والروح لابن تيمية 2/42- 43 (مطبوعة ضمن المجموعة المنيرية) بتصرف

ص: 91

فهي تطلق على العين الباصرة- والعين الجارية- والجاسوس- والحسد.

فاللفظ واحد والمعاني مختلفة، وهذه تسمى الألفاظ المشتركة.

3-

ما هو متباين: وهو ما اختلف لفظه ومعناه:

مثال ذلك: السماء والأرض- والجنة والنار.

فلكل لفظ من هذه الألفاظ معنى يختلف عن الآخر، فهذه تسمى الألفاظ المتباينة.

4-

ما هو متواطيء: وهو ما اتفق لفظه ومعناه، وهو نوعان:

الأول: التواطؤ المطلق: وذلك إذا كان المعنى متساويًا في الجميع.

مثاله: لفظ "الرجل" يقال: زيد رجل وعمر رجل، فالمعنى متساو في الجميع.

الثاني: التواطؤ المشكِّك: وذلك إذا كان المعنى متفاوتا متفاضلاً، وسمي بالمشكك لتشكك السامع هل هذا اللفظ من قبيل المتواطيء أم من المشترك؟.

مثاله: لفظ " النور" فيقال: نور الشمس ونور السراج، فالمعنى في الاثنين واحد، ولكن هناك تفاوت وتفاضل، فشتان بين نور الشمس ونور السراج1.

فالأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد هي من الألفاظ المتواطئة التواطؤ المشكك، فالحق فيها هو أن يقال إنه بالنسبة للأسماء والصفات التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي، والسميع، والبصير، والعليم، والقدير، والحياة، والسمع، والبصر، والعلم ونحوها هي حقيقة في الرب وحقيقة في العبد.

1 التحفة المهدية 209 بتصرف

ص: 92

ولكن للرب تعالى منها ما يليق بجلاله.

وللعبد منها ما يليق به.

وذلك لأن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاثة اعتبارات:

الاعتبار الأول: اعتبار من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب تبارك وتعالى أو العبد.

الاعتبار الثاني: اعتباره مضافًا إلى الرب مختصًّا به.

الاعتبار الثالث: اعتباره مضافًا إلى العبد كل مقيدًا به.

فما لزم الاسم لذاته وحقيقته كان ثابتًا للرب والعبد، وللرب منه ما يليق بكماله، وللعبد منه ما يليق به.

وهذا كاسم السميع الذي يلزمه إدراك المسموعات.

والبصير الذي يلزمه رؤية المبصرات.

والعليم والقدير وسائر الأسماء.

فإن شرط صحة إطلاقها حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها، فما لزم هذه الأسماء لذاتها فإثباتها للرب تعالى لا محذور فيه بوجه، بل يثبت له على وجه لايماثله فيه خلقه ولا يشابههم.

فمن نفاه عنه لإطلاقه على المخلوق ألحد في أسمائه وجحد صفات كماله، ومن أثبته على وجه لا يماثل فيه خلقه به، كما يليق بجلاله وعظمته فقد بريء من فرث التشبيه ودم التعطيل، وهذا طريق أهل السنة.

وما لزم الصفة لإضافتها إلى العبد وجب نفيه عن الله كما يلزم حياة العبد من النوم والسنة والحاجة إلى الغذاء ونحو ذلك، وكذلك ما يلزم إرادته من حركة نفسه في جلب ما ينتفع به ودفع ما يتضرر به، وكذلك ما يلزم علوَّه من

ص: 93

احتياجه إلى ما هو عال عليه وكونه محمولاً به، مفتقرًا إليه، محاطا به، كل هذا يجب نفيه عن القدوس السلام تبارك وتعالى.

وما لزم الصفة من جهة اختصاصه تعالى بها فإنه لا يثبت للمخلوق بوجه، كعلمه الذي يلزمه القدم والوجوب والإحاطة بكل معلوم، وقدرته وإرادته وسائر صفاته، فإن ما يختص به منها لا يمكن إثباته للمخلوق.

فإذا أحطت بهذه القاعدة خبرًا وعقلتها كما ينبغي خلصت من الآفتين اللتين هما أصل بلاء المتكلمين:

ا-آفة التعطيل 20- وآفة التشبيه.

فإنك إذا وفيت هذا المقام حقه من التصور أثبت لله الأسماء الحسنى والصفات العلى حقيقة فخلصت من التعطيل، ونفيت عنها خصائص المخلوقين ومشابهتهم، فخلصت من التشبيه، فتدبر هذا الموضع واجعله جنتك التي ترجع إليها في هذا الباب، والله الموفق للصواب) 1.

ومن كلام شيخ الإسلام في هذا الموضوع قوله: "سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره".

وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم، توافق تلك الأسماء إذا قطعت من الإضافة والتخصيص.

1 بدائع الفوائد 1/164، 166

ص: 94

ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده -عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص- اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلاً عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص.

فقد سمى الله نفسه حيًّا فقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 1.

وسمى بعض عباده حيًّا فقال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيّ} 2.

وليس هذا الحي مثل هذا الحي.

لأن قوله: "الحي" اسم لله مختص به.

وقوله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} اسم للحي المخلوق مختص به.

وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرًا مشتركًا بين المسميين.

وعند الاختصاص: يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق.

ولابد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته.

يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق.

وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى.

وكذلك سمى الله نفسه: {عَلِيماً حَكِيماً} وسمى بعض عباده حليمًا {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} ، يعني إسماعيل، وسمى آخر عليمًا، فقال:{وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} يعني إسحاق، وليس العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم.

1 الآية 255 من سورة البقرة

2 الآية 19 من سورة الروم

ص: 95

وسمى نفسه سميعًا بصيرًا {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} وسمى بعض عباده سميعًا بصيرًا فقال: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإَنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} وليس السميع كالسميع ولا البصير كالبصير

".

(وكذلك سمى صفاته بأسماء، وسمى صفات عباده بنظير ذلك، فقال:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} 2، وقال:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّة} 4، وسمى صفة المخلوق علمًا وقوة:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} 6، وقال:{فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} 7، وقال:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَة} 8، وقال:{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} 9، وليس العليم كالعلم ولا القوة كالقوة.

ووصف نفسه بأنه استوى على عرشه، فذكر ذلك في سبعة مواضع من كتابه أنه استوى على العرش.

ووصف بعض خلقه بالاستواء على غيره في مثل قوله: {لِتَسْتَوُوا عَلَى

1 الآية 255 من سورة البقرة

2 الآية 166 من سورة النساء

3 الآية 58 من سورة الذاريات

4 الآية 15 من سورة فصلت

5 الآية 85 ن سورة الإسراء

6 الآية 76 من سورة يوسف

7 الآية 83 من سورة غافر

8 الآية 54 من سورة الروم

9 الآية 52 من سورة هود

ص: 96

ظُهُورِه} 1، وقوله:{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} 2.

وقوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} 3، وليس الاستواء كالاستواء.

ووصف نفسه ببسط اليدين فقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء} 4.

ووصف بعض خلقه ببسط اليد في قوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} 5، وليس اليد كاليد، ولا البسط كالبسط، وإذا كان المراد بالبسط الإعطاء والجود فليس إعطاء الله كإعطاء خلقه، ولا جوده كجودهم، ونظائر هذا كثيرة.

فلا بد من إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي ماثلته لخلقه.

فمن قال: ليس لله علم، ولا قوة، ولا رحمة، ولا كلام، ولا يحب، ولا يرضى، ولا نادى، ولا ناجى، ولا استوى- كان معطلاً جاحداً ممثلاً له بالمعدومات والجمادات.

ومن قال: له علم كعلمي أو قوة كقوتي، أو حب كحبي، أو رضاء كرضائي، أو يدان كيداي، أو استواء كاستوائي- كان مشبهاً ممثلاً لله بالحيوانات، بل لا بد من إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل)

خامساً: فصل ما بين معتقد أهل السنة في هذا الأساس ومعتقد أهل التعطيل وأهل التمثيل:

قال شارح الطحاوية: " اتفق أهل السنة على أن الله ليس كمثله شيء لا في

1 الآية 13 من سورة الزخرف

2 الآية 28 من سورة المؤمنون

3 الآية 44 من سورة هود

4 الآية 64 من سورة المائدة

5 الآية 29 من سورة الإسراء

6 الرسالة التدمرية ص 8- 12 بتصرف

ص: 97

ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.

ولكن لفظ "التشبيه" قد صار في كلام الناس لفظًا مجملاً يراد به:

ا- المعنى الصحيح: من أن خصائص الرب تعالى لا يوصف بها شيء من المخلوقات، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته، وهذا ما دل عليه القرآن، قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فهذا رد على الممثلة المشبهة.

فمن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوقين فهو المشبه المبطل المذموم، ومن جعل صفات المخلوق مثل صفات الخالق فهو نظير النصارى في كفرهم.

2-

المعنى المردود: أن يراد به أنه لا يثبت لله شيء من الصفات فلا يقال: له قدرة، ولا علم، ولا حياة، لأن العبد موصوف بهذه الصفات ولازم هذا القول إنه لا يقال له: حي، عليم، قدير، لأن العبد يسمى بهذه الأسماء، وكذلك كلامه وسمعه وبصره وإرادته وغير ذلك1.

وأصل الخطأ والغلط توهمهم أن هذه الأسماء العامة الكلية يكون مسماها المطلق الكلي هو بعينه ثابتا في هذا المعين وهذا المعين، وليس كذلك، فإن ما يوجد في الخارج لا يوجد مطلقًا كليًّا، بل لا يوجد إلا معينًا مختصًّا.

وهذه الأسماء إذا سُمي الله بها كان مسمَّاها معينا مختصا به.

فإذا سُمي بها العبد كان مسماها مختصًّا به.

فوجود الله وحياته لا يشاركه فيها غيره، بل وجود هذا الموجود المعين لا يشركه فيه غيره، فكيف بوجود الخالق؟

وبهذا ومثله يتبين لك أن المشبهة أخذوا هذا المعنى فزادوا فيه على الحق

1 شرح الطحاوية ص 99 بتصرف

ص: 98

فضلوا.

وأن المعطلة أخذوا نفى المماثلة بوجه من الوجوه وزادوا فيه على الحق حتى ضلوا.

وأن كتاب الله دل على الحق المحض الذي تعقله العقول السليمة الصحيحة، وهو الحق المعتدل الذي لا انحراف فيه1.

الأساس الثالث: قطع الطمع عن إدراك كيفية اتصاف الله بصفاته:

وتوضيح هذا الأساس يتم بما يلي:

أولاً: إن الله لم يطلع الخلق على ذاته ولم يكلفهم معرفة ذاته.

لم يشأ الله عز وجل أن يجعل للعباد من سبيل إلى معرفة كيفية وكنه صفاته، فقد سد سبحانه الطرق الموصلة إلى ذلك، فهو من جهة لم يطلع الخلق على ذاته، فهذا باب موصود إلى قيام الساعة كما جاء في الحديث:"تعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا".

ومن جهة ثانية لم يخبرنا الله عز وجل بكيفية وكنه صفاته في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وردت به النصوص إنما هو إثبات وجود لتلك الصفات لا إثبات كيفية.

ومن جهة ثالثة فإن الله لم يكلف العباد معرفة كيفية صفاته، ولم يتعبدهم بذلك ولا أراده منهم، بل قصرهم على الإيمان بما أخبرهم به، فالواجب عليهم أن يؤمنوا الإيمان الصحيح بما كلفوا به، وأن لا يتجاوزوا حدود ذلك.

وقد ورد النص في وجوب قطع الطمع عن إدراك حقيقة كيفية صفات الله، فإدراك ذلك مستحيل، قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ

1 شرح الطحاوية ص 104 بتصرف

ص: 99

بِهِ عِلْماً} 1

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "إدراك حقيقة الكيفية مستحيل، وهذا ما نص عليه في هذه الآية من سورة طه، فقوله: {يُحِيطُونَ بِهِ} فعل مضارع منفي، والفعل الصناعي الذي يسمى (بالفعل المضارع، وفعل الأمر، والفعل الماضي) ينحل عند النحويين عن مصدر وزمن، فالمصدر كامن في مفهومه إجماعًا، فيحيطون في مفهومها (الإحاطة) فيتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل فيكون معه كالنكرة المبنية على الفتح، فيصير المعنى: لا إحاطة للعلم البشري برب السموات والأرض، فينفى جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها، فالإحاطة المسندة منفية (للخلق) عن رب العالمين"2.

ثانيًا: قصور العقل عن معرفة كيفية صفات الله.

إن على العقل أن ييأس من تعرف كنه الصفات وكيفياتها لعجزه عن معرفة ذلك، لأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته، أو العلم بنظيره المساوي له، أو بالخبر الصادق، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله، فوجب بطلان تكييفها.

وعلم الإنسان محدود كما أخبر الله بذلك، حيث قال:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} 3، وقال تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} 4.

1 الآية 110 من سورة طه

2 منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 24

3 الآية 85 من سورة الإسراء

4 الآية 255 من سورة البقرة

ص: 100

وإذا كانت نفس الإنسان التي هي أقرب الأشياء إليه بل هي هويته، لا يعرف الإنسان كيفيتها ولا يحيط علمًا بحقيقتها، فالخالق جل جلاله أولى أن لا يعلم العبد كيفيته ولا يحيط علمًا بحقيقته1.

وقد أدب الله عباده المؤمنين ووجههم بأن لا يخوضوا في أمور لا علم لهم بها، فقال:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} 2.

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 3.

ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفاته عز وجل، لأنه تعالى أخبرنا عنها، ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تعمقنا، في أمر الكيفية قفوًا لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به، ومخالفة لما نهانا الله وحذرنا منه، وحرمه علينا.

فيجب الكف عن التكييف تقديرًا بالجنان أو تقريرًا باللسان، أو تحريرًا بالبنان، لأن أية كيفية تقدرها الأذهان فالله أعظم وأجل من ذلك، ثم هي في الوقت ذاته ستكون كذبًا، لأنه لا علم لقائلها بذلك4. ولهذا نقل أصحاب المقالات عن بعض المشبهة -الذين خاضوا في كيفية صفات الله- أنه قال في

1 رسالة في الحقل والروح لابن تيمية 2/44 "مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية"

2 الآية 36 من سورة الإسراء

3 الآية 33 من سورة الأعراف

4 القواعد المثلى ص 27- 28

ص: 101

ربه في عام واحد خمسة أقاويل1، وصدق الله إذ قال في كتابه العزيز:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} 2.

فعلى المسلم أن يحذر من التكييف أو محاولته، فإن من فعل ذلك فقد وقع في مفاوز لا يستطيع الخلاص منها، فالخوض في ذلك هو مما يلقيه الشيطان في القلوب، وهو نزغة من نزغاته، فلذلك يجب على المؤمن أن يلجأ إلى ربه ويستعيذ به من نزغات الشيطان، قال تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 3.

ثالثاً: معنى قول السلف: "بلا كيف".

إن معنى قول السلف "بلا كيف" أي بلا كيف يعقله البشر، فليس المراد من قولهم "بلا كيف" هو نفي الكيف مطلقًا، فإن كل شيء لابد أن يكون على كيفية ما، ولكن المراد هو نفي العلم بالكيف، إذ لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه4، فهذا مما استأثر الله بعلمه فلا سبيل إلى الوصول إليه، فكما أن ذات الله لا يمكن للبشر معرفة كيفيتها، فكذلك صفاته سبحانه لا نعلم كيفيتها. ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله فقيل له:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 5 كيف استوى؟

قال رحمه الله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ثم قال للسائل: وما أراك إلا رجل سوء، وأمر بإخراجه من مجلسه.

1 مقالات الإسلاميين ص 33

2 الآية 82 من سورة النساء

3 الآية 200 من سورة الأعراف

4 شرح العقيدة الواسطية للهراس

5 الآية 5 من سورة طه

ص: 102

وقد روى عن شيخه ربيعة بن عبد الرحمن قوله: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول" أي لا تعقله العقول ولا تحيط به.

وهذا يقال في سائر الصفات، وقد مشى أهل العلم على هذا الميزان واعتبروا ذلك قاعدة من قواعد الصفات.

فقول الإمام مالك (الاستواء معلوم) : أي معلوم المعنى في لغة العرب، فاستوى هنا عديت بعلى فهي هنا بمعنى علا وارتفع، وهكذا الأمر في سائر نصوص الصفات، فإن معانيها معروفة في لغة العرب، وليست مجهولة.

(والكيف مجهول) : أي مع إثباتهم لمعنى الاستواء واعتقادهم بأن الله مستوٍ على عرشه ومرتفع عليه، إلا أنهم يكلون علم كيفية ذلك الاستواء إلى الله عز وجل، لأنه مما استأثر الله بعلمه.

(والإيمان به واجب) : أي الإيمان باستواء الله على عرشه حقيقة واجب لوروده في النصوص الشرعية.

(والسؤال عنه بدعة) : أي السؤال عن كيفية الاستواء، لأن السائل قال: كيف استوى؟

رابعًا: عدم معرفة الكيفية لا يقدح في الإيمان بالصفات ومعرفة معانيها.

إن عدم العلم بكيفية صفات الله لا يقدح في الإيمان بتلك الصفات ومعرفة معانيها، لأن الكيفية وراء ذلك، فالسلف يثبتون لله ما أثبته لنفسه من صفات الكمال ويفهمون معاني تلك الصفات، ويفسرونها، فإذا أثبتوا لله السمع والبصر أثبتوهما حقيقية وفهموا معناهما، وهكذا سائر الصفات يجب أن تجري هذا المجرى، وإن كان لا سبيل لنا إلى معرفة كنهها وكيفيتها، فإن الله

ص: 103

سبحانه لم يكلف العباد ذلك ولا أراده منهم ولم يجعل لهم إليه سبيلاً.

وكثير من المخلوقات لم يجعل الله للعباد سبيلاً إلى معرفة كنهها وكيفيتها، فهذه أرواح الخلائق التي هي أدنى إليهم من كل دان قد حجب عنهم معرفة كنهها وكيفيتها، وقد أخبرنا الله عن تفاصيل يوم القيامة وما في الجنة والنار، فقامت حقائق ذلك في قلوب أهل الإيمان وشاهدته عقولهم ولم يعرفوا كيفيته وكنهه، فلا يشك المسلمون أن في الجنة أنهارًا من خمر وأنهارًا من عسل، ولكن لا يعرفون كنه ذلك ومادته وكيفيته كما قال ابن عباس:"ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء".

فكذا الأسماء والصفات لا يمنع انتفاء نظيرها في الدنيا من فهم معانيها وحقائقها والإيمان بذلك واعتقاد اتصاف الله بها1.

فإيماننا صحيح بحق ما كلفنا به، وإن لم نعرف حقيقة ماهيته وكيفيته، والله أعلم.

وهذه الأسس الثلاثة يجب الأخذ بها جميعًا، ولا يجوز الإخلال بشيء منها، فهذا ما كان عليه معتقد السلف من هذه الأمة ومن سار على نهجهم.

وهم بهذا توسطوا في هذا الباب بين طائفتين ضلتا في هذا الباب هما:

ا- المعطلة 20- المشبهة.

فمعتقد السلف هو الإثبات بلا تشبيه، والتنزيه بلا تعطيل، فهم لا ينفون عن الله ما سمى أو وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعطلوا أسماءه الحسنى وصفاته العلى ويحرفوا الكلم عن مواضعه، ويلحدوا في أسمائه وآياته كما فعل المعطلة.

كما أنهم لا يشبهون صفات الله بصفات خلقه كما فعل المشبهة.

1 مدارج السالكين 3/358

ص: 104

الخاتمة

دين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه، وإنما القصد في سلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين.

فدين الإسلام وسط بين الأطراف المتجاذبة، فالمسلمون وسط بين أهل الملل.

فهم وسط في التوحيد بين اليهود والنصارى:

فاليهود تصف الرب تعالى بصفات النقص التي يختص بها المخلوق ويشبهون الخالق بالمخلوق، كما قالوا: إنه بخيل، وإنه فقير، وإنه لما خلق السموات والأرض تعب، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، ولعنوا بما قالوا.

وهو سبحانه الجواد الذي لا يبخل، والغني الذي لا يحتاج إلى غيره، والقادر الذي لا يمسه لغوب.

والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها ويشبهون المخلوق بالخالق، حيث قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة.

وقالوا: المسيح ابن الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح بن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عمَّا يشركون.

فالمسلمون وحدوا الله ووصفوه بصفات الكمال، ونزهوه عن جميع

ص: 105

صفات النقص، ونزهوه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات، فهو موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص، وليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

وكذلك هم وسط في النبوَّات.

فاليهود تقتل بعض الأنبياء، وتستكبر عن اتِّباعهم، وتكذبهم وتتهمهم بالكبائر.

والنصارى يجعلون من ليس بنبي ولا رسول نبيًّا ورسولاً، كما يقولون في الحواريين: إنهم رسل، بل يطيعون أحبارهم ورهبانهم كما تطاع الأنبياء.

فالنصارى تصدق بالباطل واليهود تكذب بالحق.

فاليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون.

وأما الشرائع:

فاليهود منعوا الخالق أن يبعث رسولاً بغير شريعة الرسول الأول، وقالوا: لا يجوز أن ينسخ ما شرعه.

والنصارى: جوزوا لأحبارهم أن يغيروا من الشرائع ما أرسل الله به رسوله.

فاليهود عجَّزوا الخالق، ومنعوه ما تقتضيه قدرته في النبوَّات والشرائع.

والنصارى جوَّزوا للمخلوق أن يغير ما شرعه الخالق، فضاهوا المخلوق بالخالق.

وكذلك في العبادات:

فاليهود معرضون عن العبادات حتى في يوم السبت الذي أمرهم الله أن يتفرغوا فيه لعبادته، إنما يشتغلون فيه بالشهوات.

ص: 106

والنصارى يعبدونه ببدع ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان.

فاليهود مستكبرون عن عبادته، والنصارى مشركون به.

والمسلمون عبدوا الله وحده بما شرع، ونم يعبدوه بالبدع.

وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به جميع النبيين، وهو أن يستسلم العبد لله لا لغيره، وهو الحنيفية دين إبراهيم، فمن استسلم له ولغيره كان مشركًا، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر.

وكذلك في أمر الحلال والحرام: في الطعام واللباس وما يدخل في ذلك من النجاسات.

فاليهود حرمت عليهم طيبات ما أحل لهم، فهم يحرِّمون من الطيبات ما هو منفعة للعباد، ويجتنبون الأمور الطاهرات مع النجاسات، فالمرأة الحائض لا يأكلون معها ولا يجالسونها فهم في آصار وأغلال عذبوا بها.

والنصارى لا تحرِّم ما حرَّمه الله ورسوله، ويستحلُّون الخبائث المحرمة كالميتة والدم ولحم الخنزير، حتى إنهم يتعبدون بالنجاسات كالبول والغائط ولا يغتسلون من جنابة، ولا يتطهرون للصلاة، وكلَّما كان الرَّاهب عندهم أبعد عن الطهارة، وأكثر ملابسة للنجاسة، كان معظمًا عندهم1.

كذلك أهل السنة في الإسلام متوسطون في جميع الأمور، فإن أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل.

وقد توسط أهل السنة في كثير من مسائل الاعتقاد، منها ما يلي:

ا- في أسماء الله وصفاته: فإن مذهب السلف هو إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها، فتوسطوا بذلك بين المعطلة الذين نفوها

1 منهاج السنة 5/168، 172

ص: 107

فأبطلوا ما أثبته الله ورسوله.

والمشبهة الذين خرجوا بها إلى ضرب من التشبيه والتكييف.

2-

في أفعال الله "القدر": فإن مذهب السلف هو أنهم أثبتوا لله فعلاً ومشيئة وأثبتوا للعبد فعلاً ومشيئة داخلة تحت مشيئة الله وقدرته، فتوسطوا بذلك بين الجبرية الذين أنكروا قدرة العبد ومشيئته والقدرية الذين أنكروا قدرة الله في أفعال العباد.

3-

في الإيمان: فإن مذهب السلف هو أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل يزيد وينقص، فتوسطوا بذلك بين المرجئة الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، والخوارج والمعتزلة الذين أنكروا زيادة الإيمان ونقصانه.

4-

في وعيد الله "أي مرتكب الكبيرة": فإن مذهب السلف هو أن مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه، فاسق بمعصيته، وهو مستحق للوعيد ولكنه تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه على قدر ذنبه ثم يخرجه من النار، وإن شاء غفر له وأدخله الجنة.

فهم بذلك توسطوا بين المفرطين من المرجئة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وبين الوعيدية (الخوارج والمعتزلة)، فالخوارج يقولون: هو كافر في الدنيا، والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين منزلتين، ويتفقون على أنه في الآخرة خالد مخلد في النار.

5-

في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن مذهب السلف هو الاعتراف بفضل الصحابة جميعًا رضي الله عنهم وأرضاهم، وأنهم أكمل هذه الأمة إيمانًا وإسلامًا وعلمًا وحكمة، وأنهم عدول بتعديل الله لهم، ولكنهم لم يغلوا فيهم ولم يعتقدوا عصمتهم، بل قاموا بحقوقهم وأحبوهم لعظيم سابقتهم وحسن

ص: 108

بلائهم في نصرة الإسلام وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم بذلك توسطوا بين الرافضة والخوارج.

فالرافضة -قبحهم الله- يسبون الصحابة ويلعنوهم وربَّما كفروهم أو كفروا بعضهم، والغالية منهم مع سبهم لكثير من الصحابة والخلفاء يغلون في علي رضي الله عنه وأولاده ويعتقدون فيهم الإلهية.

والخوارج قابلوا هؤلاء الروافض فكفروا عليًّا ومعاوية ومن معهما من الصحابة وقاتلوهم واستحلُّوا دماءهم وأموالهم.

والمقصود أن أهل الستة هم أعرف الناس بالحق، ولذلك فإن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينفردون عن طائفة أهل السنة إلا بقول فاسد، ولا ينفردون بقول صحيح، وكل من كان عن السنة أبعد، كان انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر.

فالسعيد من لزم السنة، والله الموفق وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.

ص: 109