الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
القرآن والعلم
(الاعجاز في القرآن أنه يستخدم الالفاظ التي تعبر بدقة عما يريد..ولا تصادم في مفهومها مع أي عنصر..يقول الله (والارض مددناها) ..وذلك مطابق لما تراه العين منذ الازل..بأن الارض مبسوطة..ولكنه في نفس الوقت أكبر دليل على كروية الارض..ووصف الجبال أنها تمر مر السحاب..يؤكد لنا أن الجبال لا تتحرك بذاتها..بل تدور بحركة الارض..تماما كالسحاب لابد أن تدفعه الرياح ليتحرك..وعندما يقول الله (ولا الليل سابق النهار) فهو ينفى أن يسبق النهار الليل..أو يسبق الليل النهار..أي أنهما موجودان معا على سطح الكرة الارضية..لا سباق بينهما..وعندما يتحدث القرآن عن الذرة..فانه يذكر ما هو أصغر من الذرة قبل أن يعرفه العالم..) عندما نزل القرآن كان له أكثر من معجزة..تحدى
العرب في بلاغتهم..ثم مزق حواجز الغيب الثلاثة..مزق حجاب الزمن الماضي وروى لنا بالتفصيل تاريخ الرسل وحوادث من سبقنا من الامم..وتحدى فيها..ثم مزق حجاب المكان..وروى لنا ما يدور داخل نفوس الكفار والذين يحاربون الاسلام وما يبيتون للمسلمين..روى لنا ما يدور داخل نفوسهم..ولم تنطق به شفاههم..ولم يجرؤ واحد منهم أن يكذب القرآن ويقول لم تهمس نفسي بهذا..ثم مزق حجاب
المستقبل القريب..وتنبأ بأحداث ستقع بعد شهور..وبأحداث ستقع بعد سنوات وتحدى..وحدث كل ما انبأ به القرآن..هذا ما بينته في الفصل السابق بالتفصيل..وضربت الامثلة عليه.
ثم بعد ذلك مزق القرآن حجاب المستقبل البعيد..ليعطى الاجيال القادمة من اعجازه ما يجعلهم يصدقون القرآن ويسجدون لقائله وهو الله..ولكن القرآن نزل في زمن لو أن هذه المعجزات المستقبلة جاءت تفصيلية لكفر عدد من المؤمنين..وانصرف آخرون..ذلك أن الكلام كان فوق طاقة العقول في ذلك الوقت..ومن هنا وحتى لا يخرج المؤمن عن ايمانه..ويستمر الاعجاز..جاء القرآن بنهايات النظريات..بقمة نواميس الكون..إذا تليت على المؤمنين في ذلك الوقت..مرت عليهم..ولم
ينتبهوا الى مدلولها الحقيقي العلمي..وإذا قيلت بعد ذلك على الاجيال القادمة..عرفوا ما فيها من اعجاز..وقالوا ان هذا الكلام لا يمكن أن يقوله شخص عاش منذ آلاف السنين..إذ لابد أن هذا القرآن حق من عند الله..وان قائله هو الله الخالق..بقيت نقطة..هل يأتي هذا في الاحكام..الجواب: لا..أن أحكام الدين افعل ولا تفعل نزلت كاملة واضحة لا لبس فيها ولا اضافة عليها ولا تبديل ولا غموض..منهج الله كامل فسرته الاحاديث القدسية والاحاديث النبوية..وشرح وفسر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تفسيرا كاملا..بحيث أصبح واضحا لكل انسان يريد أن يعبد الله..وأن يعيش في الارض طبقا لقوانين الله: افعل ولا تفعل..جاءت واضحة وكملت وفسرت في عهد الرسالة..وأصبح الحلال بينا..والحرام بينا..والدين بينا.
أما آيات الله في الكون..فنلاحظ أنها لم تفسر تفسيرا كاملا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم..حتى لا تكون ملزمة للمسلمين..لماذا؟ لان لها عطاء يتجدد في كل الاجيال..وهذه الايات هي التي سنتحدث عن بعضها..لقد تحدى القرآن العرب بالاعجاز في اللغة..طلب ان يأتوا بمثل القرآن..ثم زاد في التحدي وقال بسورة من مثله..ولكن التحدي للعالم لا يمكن أن يكون باللغة..فاللغات مختلفة..اذن بماذا تحداهم..بالعلم..وكان التحدي مطلقا..الى يوم الدين..قال أنتم جميعا لن تستطيعوا أن تخلقوا شيئا..حتى نهاية العالم..ثم تحداهم بخلق ماذا؟ ! بخلق كون كالذي خلقه..لا..بخلق مجموعة شمسية من عشرات المجموعات الشمسية الموجودة في الكون..لا..بخلق شمس أو قمر أو نجم..لا..اذن تحداهم بخلق الكرة الارضية مثلا..أبدا..لابد أنه تحداهم بخلق الانسان..أبدا..لقد تحداهم أن يخلقوا ذبابا..وكأنه يقول اننى أنا الله أقول لكم سأعطيكم من العلم..وأريكم آياتي في الافاق..ولكنكم لن تخلقوا ذبابة..ولو اجتمع لذلك كل علماء الارض في كل العصور..وهكذا تحدى الله البشرية كلها الى يوم القيامة بأن يخلقوا ذبابة..وقال ان العلم الذي ستعبدونه من دون الله..والذي ستؤمنون به..هذا العلم وكل القائمين عليه..لن يستطيعوا أن يخلقوا ذبابة ولو اجتمعوا..ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له..ثم قال الله سبحانه وتعالى: (ضعف الطالب والمطلوب) ..وأضاف (وما قدروا الله حق قدره) ..والعجب أن الانسان قد وصل الى القمر..وقد يصل الى المريخ..وقد يستكشف أبعد من ذلك..ولكنه عاجز أن يخلق جناح ذبابة حتى الان..وهو طلب ضعيف جدا بالنسبة
لقدرة الله سبحانه وتعالى في خلق ملايين الكائنات ولذلك قال الله (ضعف الطالب والمطلوب) ..ثم أضاف سبحانه وتعالى (وما قدروا الله حق قدره) أي أن قدرة الله سبحانه وتعالى تفوق كل الحدود والتصورات التي قد ترد على خواطركم..وأنتم لا تعرفون قدرة الله..ثم تحدى الله بعد ذلك في قرآنه..تحدى باستمرار الحياة..الماء الذي خلق منه كل شئ حي..قال الله تعالى (أفرأيتم الماء الذي تشربون..أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون) وقال تعالى (ينزل الغيث) أي ان الله سبحانه وتعالى هو الذي يرسل اليكم الامطار..والماء يأتي مدرارا ليسقى الدنيا كلها..البشر والطيور والوحوش والزرع وكل شئ حي..هذا الماء الذي تعب منه البشرية كلها عبا..تجد الانسان عاجزا عن أن يصنع نهرا..مع أن عناصر تكوين الماء موجودة في الكون..أمام العلماء..والمساحات الشاسعة من الصعارى في الارض محتاج الى قطرة ماء..ثم تحدى الله سبحانه وتعالى بعد ذلك..تحدانا بأن نهرب من الموت..قال (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) ..أي أن الله سبحانه وتعالى يتحدى..مهما وصلتم الى العلم..فلن تستطيعوا أن تنجوا من الموت..انكم تقولون في العلم الارضي أن الموت يحدث بسبب جراثيم كذا وأمراض كذا إلى آخره..حسنا شيدوا برجا وضعوا فيه انسانا..وأبعدوا عنه كل المخاطر التي في رأيكم وفي نظركم وفي علمكم
تسبب الموت..فلا هو يحارب ولا يمشى في أي مكان ليصاب في حادث..فلا يستنشق هواء ملوثا بل يستنشق هواء نقيا..ويأكل من طعام مطهر على أحداث الوسائل الصحية..ويشرب من ماء ليس فيه جرثومة واحدة
…
والجو الذي يعيش فيه منقى الى آخر درجات العلم..هنا نكون قد أبعدنا عن هذا الانسان كل مسببات الموت التي نعرفها..ومع ذلك هل يمكن أن يكتب لانسان مثل هذا الخلود رغم أننا منعنا عنه كل الاسباب الظاهرية للموت..الجواب طبعا مستحيل..لان الله هو الذي يحيي ويميت..والاسباب لا تفعل بنفسها ولكنها تفعل بارادة الله.
ثم تحدى الله العالم كله في القرآن بخمس مغيبات.. (ان الله عنده علم الساعة..وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام..وما تدري نفس ماذا تكسب غدا..وما تدري نفس بأرض أرض تموت..) تحدى الله بهذه المغيبات..تحدى البشر جميعا..فكان القرآن كما تحدى العرب في اللغة عندما نزل..حمل تحديات للعالم أجمع..وقال لهم: انكم لن تصلوا الى كذا وكذا إلى آخره..عشرات التحديات التي ساقها القرآن للبشرية جميعا..قال لن تصلوا الى كذا..لن تفعلوا كذا لن تخلقوا كذا..وكانت هذه التحديات لكل البشرية..ولكل العصور..القرآن أخبرنا بحقائق الكون
وبعد أن تحدى الله البشر جميعا..قال: (سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) .
قال (في الافاق) أي أن الله سبحانه وتعالى سيكشف لعباده بعضا من آياته ليتبين لهم أن هذا القرآن هو الحق..وكيف يتبين لهم أنه الحق..ذلك أن حقائق الكون..التي سيصلون إليها بعد مئات السنين أو آلاف السنين
بنشاطات الذهن..سيجدون القرآن قد أشار إليها..وحينئذ يتبين لهم أن هذا القرآن هو الحق..لان الذي قال هو الله..والذي خلق هو الله.
ومن هنا جاء في القرآن أن الارض كروبة..وأنها تدور..وجاء فيه كيفية خلق الانسان..وكيف تعلم الكلام..وجاء فيه ان هناك ما هو أصغر من الذرة..وجاء فيه وصف دقيق لما يحدث للجنين وهو في بطن أمه..وجاء فيه أن الليل والنهار يوجد أن على الارض معا..وحقائق أخرى كثيرة لا يتسع المجال للحديث عنها..على اننا قبل أن نمضى في هذا الموضوع يجب أن نحدد معنى العلم..العلم لابد أن يمر بمرحلتين..مرحلة التصور ومرحلة التصديق..ومعنى التصور اننا قبل أن نتكلم عن أي قضية اثباتا أو نفيا..لابد أن نكون متصورين للالفاظ التي سنكون منها حديثنا..يعني كلمة سماء مثلا..ماذا تعنى..وكلمة الارض ما معناها..وما معنى كلمة زرقاء إلى آخره..هذا هو التصور..وليس في هذا نسبة..فإذا جاء النسب..وهي أن تحكم على شئ بشئ..يجب أن تكون مسبوقة بعلم التصور.
ننتقل بعد ذلك بايجاز شديد الى مرحلة التصديق..فأنت حين تحدثني عن حقيقة علمية اسألك هل هي واقعة..فإذا قلت نعم أسألك أأنت جازم بها..فإذا قلت نعم..اسألك: هل تستطيع التدليل عليها..فإذا قلت نعم..فهذا هو العلم.
فالعلم نسبة واقعة مجزوم بها وعليها دليل..ولكن افرض اننى جازم بالنسبة..وهي ليست واقعة..هذا
هو الجهل..نسبة مجزوم بها وهي غير واقعة..وآفة الدنيا كلها الجهل..فالذي لا يعرف نسبة أو حقيقة علمية يمكن أن يتعلمها..ولكن المصيبة في ذلك الذي يجزم أو يصدق في قضية كاذبة..ثم يقيم الدنيا محاولا أن يدلل على شئ غير حقيقي..وهذا ما تعانى منه البشرية..وإذا تحدثنا عن القرآن والعلم..فإن العلم هنا المراد به علم البشر الذي يوجد في زوايا الكون المتعددة.. (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) .
ونحن أحيانا ندعى حقيقة علمية..وهي ليست حقيقة علمية..أو ندعى حقيقة قرآنية وهي ليست حقيقة قرآنية..الاولى ادعاء حقيقة
علمية وهي مجرد نظرية وتخمين..ولكن ادعاءنا حقيقة قرآنية وهي ليست حقيقة قرآنية..ما هو..مثلا يأتي انسان ويقول الارض مبسوطة..ويستدل على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى يقول (والارض مددناها) ..أي بسطناها..لان المد هو البسط..ولقد فهم أن هذه حقيقة قرآنية حتى أنه بعد أن خرج الانسان خارج الغلاف الجوي للارض ورآها كروية..فان هذا الرجل يرفض تصديق العلم..ويقول لا..الارض مبسوطة..هكذا قال القرآن..وكل ما عدا ذلك كفر نقول له: انك اخطأت في فهم الحقيقة القرآنية..وان الدليل الذي أتيت به لا يخدم ما تدعيه..بل هو ضد ما تدعيه..فالارض ان كانت مبسوطة لا تخرج عن أشياء..اما مربعة..وأما مثلثة..وأما مستطيلة
…
واما متوازية..وأما شبه منحرف..أو شكل مختلف الاضلاع..وباختصار أترك لك أن تتصور أي وضع للارض غير وضع الكرة..أو شكل الكرة.