الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأرض مددنا وهي كرة
اذن ما دامت الارض مسطحة..فلابد أن يكون لها حيز..فإذا جئت في آخر السطح..لابد أن تصل الى حافة..ولكن الله سبحانه وتعالى يقول (والارض مددناها) ..ومعنى مددناها انك أينما ذهبت فوق سطح الكرة الارضية..تراها ممدودة امامك..أي منبسطة
أمامك..فإذا ذهبت الى القطب الشمالي رأيت الارض منبسطة..وإذا أسرعت الى القطب الجنوبي رأيت الارض منبسطة..وإذا ذهبت الى خط الاستواء وجدت الارض أمامك منبسطة..في أي مكان نذهب إليه نرى الارض منبسطة..وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت الارض كروية..اذن فقول الله سبحانه وتعالى (والارض مددناها) دليل على كروية الارض..ولكن انسانا اخطأ وفسر ذلك اللفظ على أنه دليل على أن الارض مبسوطة..وخرج من ذلك بأن هذه حقيقة قرآنية..وهي ليست حقيقة قرآنية فإذا ثبت أن الارض كروية بدأ تعارض وهمى بين حقيقة كونية..وحقيقة قرآنية..وهنا يبرز دور الجهل في محاولة النيل من كتاب الله..ولو تعمق بعض الناس قليلا لعرفوا أن كروية الارض ودوران الارض موجودان في القرآن..وهذا ما سنعود إليه في موضع آخر..كذلك مثلا قول الله سبحانه وتعالى (ويعلم ما في الارحام) يأتي انسان ليقول أن معنى ويعلم ما في الارحام..ان الله يعلم هل الطفل الذي في بطن أمه ذكر أو أنثى..فإذا جاء في نشاط العلم انهم يستطيعون بطريقة ما أن يعرفوا قبل ولادة الموولد بفترة إذا كان ذكرا أو أنثى..يقول بعض
الناس أن (ويعلم ما في الارحام) قد خرجت عن المغيبات
الخمس التي اختص الله سبحانه وتعالى بها علمه يتحدى بها البشر أجمعين..ويبدأ هنا الجدل..ولكن السؤال الذي كان يجب أن يوجه الى قائل مثل هذا الكلام هو: من الذي أخبرك ان معرفة نوع الجنين إذا كان ذكرا أو أنثى..هو معنى الاية الكريمة (ويعلم ما في الارحام) من الذي حصر كلمة (ما) في ذكر أو أنثى..وهي مطلقة على العموم..انك ادعيت أن (ما) في ذكر وأنثى..وقلت انها الحقيقة القرآنية..ولكن مدلول (ما) أكثر من ذلك كثيرا..ذكر وأنثى حقيقة..وطويل أم قصير حقيقة أخرى..واسمر أو أبيض أو أشقر حقيقة ثالثة..وسعيد أؤ شقي حقيقة رابعة..وذكى أو غنى حقيقة سادسة..ومريض أم معافى حقيقة سابعة..واستطيع أن أمضى إلى مئات..بل والوف الحقائق التي عبر الله سبحانه وتعالى عنها بكلمة (ما) في الاية الكريمة (ويعلم ما في الارحام) .
ثم ان الذي يحاول العلم أن يصل إليه بالتحليل..ما زال في دور التخمين لم يصل الى قين بعد..فبالنسبة للبنت والود..هناك 50
…
نسبة مسبقة معطاة..أي انك إذا رأيت امرأة حاملا..وقلت هذه ستلد بنتا..فان قولك صادق بنسبة 50
…
فجاء العلم ليضيف على هذه ل 50
…
أؤ 20
…
أو 30
…
فقط..ولكن ليقل لنا العلم ما هي أوصاف الجنين..أو أي شئ منه ليس فيه نسبة معطاة مسبقا..على اننى هنا أحب أن نقف قليلا حول الضجة
التي تثيرها بعض النظريات العلمية..فمثلا حين أجريت تجارب ما أسموه انتاج أطفال في أنابيب الاختيار..وبدأ الحديث عن الاطفال الذين سيولدون من أنابيب الاختيار..
الى آخر هذا الكلام..ثم انتهت إلى لا شئ..والى فشل ذريع..وكذلك الحديث عن خلق المادة الحية وما الى ذلك..وقد تحدى القرآن الانسان أنى خلق ذبابة..وأعطى الله العلم للانسان ليصل به الى القمر..ولكنه لم يعطه العلم ليخلق جناح ذبابة.
التصادم بين القرآن والعلم اذن فالتصادم يحدث بين حقائق الكون والقرآن..إذا كان هناك تصادم..يوجد عندما ندعى حقيقة علمية في الكون..وهي ليست حقيقة علمية..أو ندعى حقيقة قرآنية وهي ليست حقيقة قرآنية لا يمكن أن يصدم أبدا بحقيقة علمية ثبتت بالتجربة..لان قائل القرآن هو الله.
والفاعل هو الله.
إذا انتهينا الى ذلك..يكون علينا أن نوضح نقطة صغيرة قبل أن نمضى في حديثنا..ان الذين يقولون ان القرآن لم يأت ككتاب علم..صادقون..ذلك أنه كتاب أتى ليعلمني الاحكام..ولم يأت ليعلمني الجغرافيا أو الكيمياء أو الطبيعة..وفي نفس الوقت عندما نقول ان القرآن ذكر لي معجزات لم يصل الى بعضها العلم حتى
الان..فهذا صحيح أيضا..إن هذه المعجزات هي ما تنتهي إليه حقائق الكون..فالقرآن وان لم يأت ليعلمني الطب مثلا..الا أنه يأتي فيمن قضية طبية يخبرني بذقائقها..ولا يصل إليها علم الطب الا بعد مئات السنين أو ألوف السنين..يأتي في الجغرافيا مثلا ويمس قضية هامة لا نعرفها الا بعد مئات السنين..وكذلك في كل علوم الدنيا..أي أن ما ينتهى إليه من الحقائق..قضايا الكون
الاساسية
…
الحقائق التي خلق على أساسها الكون يمسها القرآن على أنها حقائق علمية سواء وصلت إليها أنت بالعلم أم لم تصل..ولنبدأ باستعراض بعض من هذه الحقائق.
الحقيقة الاولى: كروية الارض..واعتقد أنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد من البشر يعرف شيئا عن كروية الارض..أو لم يكن ذلك قد وصل إلى علم أحد..وهنا يأتي القرآن ويقول (والارض مددناها) ويلاحظ دقة تعبير القرآن في ألفاظه..لقد اختار اللفظ الوحيد المناسب للعصر الذي نزل فيه والعصور القادمة فكلمة مددناها تعطى المعنى للاثنين معا.
عندما يقول (والارض مددناها) أي بسطناها..لا تنشأ مشكلة لان الارض تظهر امام الناس منبسطة في ذلك الوقت..فإذا مر الزمن وثبت أن الارض كروية..نجد هذا اللفظ هو المناسب تماما الذي يصف لنا بدقة كروية الارض.
ثم نتأمل قول الله تعالى (يكور الليل على النهار) ..لماذا استخدم الله سبحانه وتعالى كلمة يكور..لماذا استخدم الله لفظ يكور..ولم يقل يبسط الليل والنهار..ما دامت الارض منبسطة..أو بغير الليل والنهار..أو أي لفظ آخر..انك لو جئت بشئ ولففته حول كرة..فتقول انك كورت هذا القماش مثلا..أي جعلته يأخذ شكل الكرة الملفوف حولها..وإذا أردت من انسان أن يصنع لك شيئا على شكل كرة..فتقول له خذ هذا وكوره..أي اصنعه على شكل كرة..ومعنى قول الله تعالى يكور الليل على النهار..أي يجعلهما يحيطان بالكرة الارضية..ومن اعجاز القرآن أن الليل والنهار مكوران حول الكرة الارضية في كل
وقت..أي أن الله لم يقل يكور الليل ثم يكور النهار..ولكنه قال يكور الليل على النهار واستخدام كلمة (على) هنا تستحق وقفة..لتتصور مدى انطباقها على كروية الارض.. (يكور الليل والنهار) ومعناه انهما موجودان في نفس الوقت حول الكرة الارضية وهذا ما نبا به القرآن منذ أربعة عشر قرنا ولم يصل الى علم البشر الا في الفترة الاخيرة.
وقضية كروية الارض مسها القرآن في أكثر من مكان..لماذا؟ لانها حقيقة كونية كبرى..ثم نتأمل بعد ذلك قوله سبحانه وتعالى (ولا الليل سابق النهار) ما معنى
الاية الكريمة ولا الليل سابق النهار..معناه أنه يرد عليهم في قضية في عصرهم ليصححها لهم..فهم يقولون ان النهار يسبق الليل..يبدأ اليوم بشروق الشمس وينتهي بغروبها، ثم يأتي بعد ذلك الليل، أي أن النهار يسبق الليل..فيأتي الله سبحانه وتعالى ويقول (ولا الليل سابق النهار) ..ومن هنا فانه يرد على قولهم بأن النهار يسبق الليل قائلا لا..لا النهار يسبق الليل ولا الليل يسبق النهار..وهذا اعلان لهم بأن الارض كروية.
وان الليل والنهار موجودان في وقت واحد على سطحها..فلو ان الارض مبسوطة فان الامر لا يخرج عن حالتين..الحالة الاولى..ان الله قد خلق الشمس مواجهة للارض المسطحة..وفي هذه الحالة يكون النهار موجودا أولا..ثم يغيب الله الشمس فيأتي الليل ثانيا..أو أنه خلق الشمس غير مواجهة لسطح الارض..وفي هذه الحالة يكون الليل موجودا أولا..ثم تطلع الشمس على السطح فيأتي النهار..لا يخرج الامر عن هذين الشيئين..فعندما يأتي الله ويقول (ولا الليل سابق النهار) أي أنه ينفى كلية ان النهار
يسبق الليل..أو ان الليل يسبق النهار..حيث انهما لا يسبق أحدهما الاخر منذ متى..منذ بداية خلق الارض..أو منذ خل قالله الارض..ولا يتأتى هذا في عالم الاحجام أبدا الا إذا كانت الارض مكورة..فحين خلق الله الشمس
والارض وجد الليل والنهار معا..فنصف الارض المواجهة للشمس صار نهارا..والنصف الاخر صار ليلا..ثم دارت الارض..فأصبح الليل نهارا..والنهار ليلا وهكذا..اذن فالاية الكريمة (ولا الليل سابق النهار) ..تعطيني ان الارض مخلوقة على هذه الصورة الكروية.
دوران الارض في القرآن نأتي بعد ذلك الى قضية أخرى..وهي دوران الارض..هل يستطيع أحد أن يحكم على مكان هو جالس فيه..والمكان كله يتحرك كما فيه هو..انك لا تستطيع أن تدرك أنه متحرك..لماذا؟..لانك لا تعرف حركة المتحرك الا إذا قسته مع شئ ثابت ولا شئ ثابت لان الارض كلها تدور..والمواقع فوق سطحها ثابتة..لاننا مثلا عندما نجلس في حجرة مغلقة تماما وهي تدور بنا جمعا..وموقعنا عليها ثابت لا يتغير..لا نحس بدوران هذه الحجرة الا إذا فتحنا نافذة مثلا..ونقيس حركة الحجرة على شئ ثابت كعمود مثلا أو شجرة..ومن هنا لا نستطيع أن نعرف حركة المتحرك إلا إذا قسناه الى شئ ثابت..ومن يستطيع أن يقيس الارض كما الى شئ ثابت ليعرف حركتها..لا أحد يستطيع..ما دمت أنا لا أدرك الحركة..يأتي الله سبحانه وتعالى ليقول لي (وترى الجابل تحسبها جامدة وهي تمر مر
السحاب) تحسبها معناه كان ذلك حسبان وليس حقيقة..لان هذه الجبال التي تراها امامك جامدة ثابتة لا تتحرك هي ليست كذلك..فإن الله يريد أن يقول لنا أن هذه الجبال الراسخة أوتاد الارض التي تبدو امامك جامدة ثابتة صلبة لا تستطيع أن تفتتها انت ولا تزيلها..هذه الجبال الرهيبة تمر امامك مر السحاب وأنت لا تدرى..ثم عندما تتعجب وتقول وانت تسمع هذه الاية كيف تمر هذه الجبال مر السحاب..وهي ثابتة أمامى هكذا لا تتحرك من مكانها..يقول لك الله سبحانه وتعالى..لا تتعجب..صنع الله الذي اتقن كل شئ..فان قال قائل ان هذا يحدث في الاخرة..فاننا نقول له أن الارض لن تكون نفس الارض..وان الجبال ستمور..مصداقا لقوله تعالى يوم تبدل الارض غير الارض إلى آخر الاية الكريمة..ثم هل يكون في الاخرة حسبان..أبدا..الاخرة نرى فيها الحقائق..نرى فيها كل شئ عين اليقين..ونعرف كل شئ على حقيقته..الجنة والنار.
والثواب والحساب وكل شئ..اذن فقول الله سبحانه وتعالى (تحسبها جامدة) ..معناه..انك وأنت امام هذه الجبال وأهم..لانك تظن أنها جامدة وهي تمر مر السحاب.
ثم يأتي بعد ذلك استخدام الله سبحانه وتعالى كلمة مر السحاب..وكما قلت ان اختيار الالفاظ في القرآن دقيق جدا.
مر السحاب.
لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى مثلا مر الرياح..أو مر العواصف..أو مر الامواج..أو أي لفظ آخر..لان السحاب لا يتحرك بنفسه..بل تدفعه
قوة ذاتية هي قوة الريح فحين يتحرك السحاب من مكان الى مكان آخر..لا ينطلق بذاته ويمضى..بل تأتي الرياح وتحمله من المكان الذي هو فيه الى مكان آخر وهكذا..فكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا انتبهوا..ان حركة الجبال ليست حركة ذاتية كحركة الارض..وليست حركة ذاتية كحركة الرياح..فهي لا تتحرك بذاتها..أي لا تنتقل من مكانها على سطح الارض الى مكان آخر على سطح الارض..لا..ان مكانها ثابت..ولكنها تمر امامكم مر السحاب..أي تتحرك بحركة الارض..تماما كما تحرك الرياح السحاب..والا فلماذا لم يقل الله..وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تسير..أو وهى تجرى..أو وهي تتحرك..أو وهى تمر من مكان الى آخر..أبدا..استبعد كل الالفاظ التي تعطى الجبال ذاتية الحركة..أي أن الذي يتحرك ذاتيا هي الارض..والجبال تتبع هذه الحركة وهي تمر امامك مر السحاب الذي لا يملك ذاتية الحركة..أترى دقة التعبير..ودقة التصوير لدوران الارض في القرآن..هل كان من الممكن أن يقول محمد هذا الكلام..أو يصل الى هذا العلم..الا يعتبر هذا اعجازا
حين يقول العلماء ان الارض تدور حول نفسها فنقول له هذه الحقيقة مسها القرآن..بل واعطى تفصيلا فيها..ان كل شئ على الارض يتبع الارض في حركتها الذاتية بما في ذلك الجبال الشاهفة الضخمة..ذلك في الدنيا طبعا..لان في الاخرة ينسف الله الجبال نسفا..ولا يكون هناك حسبان..ولكن يكون هناك يقين..فكون القرآن يخترق حجاب المستقبل..وبعد ذلك يمس قضايا كونية بما يثبت نشاط الذهن بعد أربعة عشر
قرنا.
فهذا يدل على أن القرآن اخترق حجاب المستقبل للبشرية كلها..ولكن بعض الناس يجادل في خلق الانسان..وهي محاولة للاضلال..وانكار آيات الله في الكون..وهذا أيضا من اعجاز القرآن..وجود هؤلاء المضلين في الدنيا ومحاولتهم الاضلال..ومحاربة دين الله..هو اعجاز قرآني لان الله سبحانه وتعالى أخبرنا عنهم قبل أن يوجدوا..ولقد شرحت ذلك بالتفصيل في الفصل الثاني.
وما أرسلناك الا رحمة للعالمين (شهر رمضان..هو شهر القرآن..وهو شهر الرحمة والمغفرة والتسوية..وهو الشهر الذي نزلت فيه الرسالة على محمد عليه الصلاة والسلام وهي رحمة..رحمة للعالمين
..مصداقا لقوله سبحانه وتعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..) وهذا الموضوع عن تفسير معنى هذه الاية الكريمة) .
يلاحظ أن موكب الرسل حين يبعثها الله سبحانه وتعالى لعباده..كل رسول يأتي برحمة..كيف ذلك..إذا نظرنا الى الانسان الاول..ونظرنا الى العالم الان..نخرج بحقيقة هامة..ان الذي يزيد في المستقبل..إذا رجعت إليه في الماضي يقل..فإذا نظرنا الى السكان مثلا..وتكاثرهم..نجد أنهم في السبعينات قد زادوا عن الستينات..وفي الستينات زادوا عن الخمسينات والاربعينات..وبذلك يزداد التكاثر مع مرور السنوات..فإذا مشينا بخط عكسي..عكس الزمن..فان هذا الخط يجب أن يقل..ويستمر في النقصان..حتى نصل الى نقطة البداية..نقطة لابد أنه قد بدأ منها هذا التكاثر البشري الذي نشهده..وهذه النقطة هي بداية الخلق..أو آدم وحواء..ذلك ان الرسم البياني التنازلي الذي سنعده عن زيادة السكان لابد أن يصل بنا الى نقطة البداية..ولكي يتكاثر هؤلاء الناس..ويزدادوا في العدد..لابد أن يكون هناك ذكر وأنثى..فلو كانت البداية ذكرا بمفرده أو أنثى بمفردها.
ما حدث هذا التكاثر..وهذا هو ما أخبرنا به القرآن الكريم عن بداية الخلق..خلقكم من نفس واحدة..وجعل منها
زوجها..وبث منهما رجالا كثيرا ونساء..بث من الذكر والانثى..ومن ذريتهم كان هناك رجال ونساء قاموا بعملية البث ايضا..وهكذا كل رجل وأنثى تم بواسطتهما اضافة خلق ج ديد للبشرية حتى حدث هذا التكاثر..ومن ذريتهم كان هناك رجال ونساء قاموا بعملية هذا التكاثر..وعلى ألوف السنين.
أو عشرات الالوف من السنين وصلت البشرية الى هذا العدد الهائل من الخلق الذي يعيش في الارض الان..نأتي بعد ذلك الى نقطة هامة جدا..ان هذا الانسان الذي خلقه الله..الذي عمر الارض..وأقام كل ما نشاهده الان من مدنية وحضارة..كان يجب أن تكون هناك وسيلة ما للتفاهم بين هؤلاء البشر..فبدون وجود وسيلة للتفاهم لا يمكن أن تقوم حضارة..ولا أن يتم تعايش حقيقي..وكانت هذه الوسيلة هي اللغة أو الكلمة كما يقول العلماء هي ابنة المحاكاة..ما تسمعه الاذن يتكلم به اللسان وإذا ولد الانسان أصم لا يسمع..فانه لا ينطق..اذن ليست اللغة هي فصيلة دم..ولا هي بيئة..ولا هي جنس..ولا هي وراثة..وإنما ما تسمعه الاذن يتكلم به الانسان..فلو انني أتيت بانسان فرنسي أو أمريكي أو هولندي أو افريقي..أو من أي جنسية في العالم..أتيت به كطفل ووضعته في بيئة تتكلم العربية..وتركته دون أن يسمع غير اللغة العربية..فانه سيتكلم هذه اللغة..ورغم أن أصله وجنسه ودمه
ووراثته ليست عربية..ولو كان الطفل في بلد عربي..
ومن أصل عربي..ولا يسمع اللغة العربية..فسيتكلم اللغة العامية التي سمعتها اذنه.
ما تسمعه الاذن يحكيه اللسان..اذن فلا جدوى أبدا من النطق بالفاظ لها مدلول ومعنى الا إذا كانت قد سمعت أولا..فلو انك أتيت بشخص أجنبي لم يسمع اللغة العربية..ونطقت أمامه ألفاظا عربية..فانه لا يفهم شيئا..وذلك بالنسبة للعربي الذي تنطق أمامه ألفاظا غير عربية..فانه لا يفهم أيضا.
وعلم آدم الاسماء كلها ونعود بعد ذلك الى بداية العالم..إذا كان العالم قد ابتدأ من ذكر وأنثى..كما دللنا على ذلك فكيف تكلما..كيف تفاهما..لابد أنهما سمعا شيئا اعتادت عليه آذانهما..فنطق به لساناهما..وتكلما به..ولكن كيف سمعا وهما الاول والبداية..وممن سمعا..اذن لابد أن يكون هناك سمع ليس من جنسيهما..لانهما هما الاصل..في الجنس البشري أن من لا يسمع لا ينطق..كما نعرف جميعا..اذن لابد أن يكون قد علمهما معلم آخر..اذن فالايمان بوجود الله ضرورة لغوية..لانه لابد أن الله سبحانه وتعالى قد كلم آدم فسمع..وكلم آدم حواء فسمعت..وبدأت اللغة..لغة التخاطب والتفاهم نقلا عما علمهما الله.
هذا واقع ما دامت هذه الانسانية كلها قد بدأت من ذكر وأنثى..وكان بين هذا الذكر وهذه الانثى تفاهم..فلابد أنهما سمعا الكلام.
وهنا يأتي قول الله سبحانه وتعالى.. (وعلم آدم الاسماء كلها) .
ليشرح لنا ما حادث..فالله سبحانه وتعالى علم آدم الاسماء..أي اللغة التي يتحدث بها ويتفاهم بها..ويتكلم بها..ومن معجزات القرآن أن ذلك لا يزال هو المتبع حتى الان رغم مرور هذا الوقت الطويل..وهذا التقدم العلمي الضخم في العلام..فنحن الان حين نريد أن نعلم طفلا أن يتكلم فاننا نبدأ بأن نعلمه الاسماء..ولا نبدأ بأن نعلمه الاحداث..أو أي شئ آخر..انما نعلمه الاسماء أولا..أول شئ نقول له هذا قلم..وهذا كراسة..وهذا أسد..وهذا كوب..وهذا طعام..وهذا طريق..وهذا نور..وهذا ظلام..نعلمه الاسماء أولا..وبعد أن يتعلم الاسماء تصبح الاشتقاقات من الاسماء..أو أخذ الاحداث منها عملية سهلة..اذن عندما يقول سبحانه وتعالى: (وعلم آدم الاسماء كلها) ..فيجب أن نعرف أن الله قد علم آدم لغة الكلام أولا..وان لغة الكلام حتى عصرنا هذا تبدأ بتعليم الاسماء كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم..الدين بدا مع خلق الانسان
ثم نمضى بعد ذلك..بعد أن أخبرنا الله سبحانه وتعالى بقصة تعليم آدم الاسماء..ليعرف كيف يتكلم ويتفاهم في الارض..قال.. (اهبطوا منها جميعا) وهي المهمة للانسان..التي حددها الله سبحانه وتعالى بقوله (اني جاعل في الارض خليفة) ..وأكمل الله سبحانه وتعالى حديثه لادم فقال: (فأما يأتينكم مني هدى..فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ..وفي آية أخرى
(فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى) ..اذن بعد أن خلق الله الانسان..وعلمه وسيلة التعبير عما في نفسه لغيره..جاء الدين أو المنهج..هذا الدين هو لتنظيم حركة خلافة الانسان في الارض..والمفروض أن ينقل آدم الدين لاولاده بما علمه الله من لغة الكلام..وأن يقوم الابناء بدورهم بنقل الدين الى أبنائهم وهكذا..الا أن علم الدين يختلف عن كل العلوم الاخرى..ذلك أن التعليم في النواحي الاخرى..أو في العلوم الدنيوية..كالكيمياء والطبيعة والهندسة وغيرها..لا يقتضى من الانسان أن يغير سلوكه في الحياة..على مقتضى ما علم..بمعنى أنه يكفى أن يستوعب النظرية ويفهمها ويطبقها أما حياته فهو حر فيها..يفعل ما يريده..ولا يفعل ما يريد..أي أننى لا أطلب منه شيئا يقيد حركته في الحياة..ولكن عندما أعلمه الدين..فأنا أعلمه شيئا يؤثر في سلوكه
وحياته..وأقول له: افعل هذا ولا تفعل هذا..وتأتي كلمة لا تفعل لتتصادم مع هوى النفس وشهواتها..اذن مهمة العلوم الاخرى هي نقل المعلوم الى المتعلم..وأطالب الانسان بأن يصوغ حركته في الحياة وفق ما قرره الله من افعل ولا تفعل..ولذلك عندما يقال أن علم الدين قد فشل..فليس معنى ذلك أن الناس لا تعرف أحكام الدين..ولكن معناه أنها لا تطبق هذه الاحكام.
ونظرا لان الدين يتدخل في حركة الحياة لينظمها بأفعل ولا تفعل..والنفس دائما لا تتقبل ما يقيد هواها وشهواتها..فيبدأ الابناء الذين سمعوا من آدم ومن بعدهم من ذريتهم
يبدأون يتناسون شيئا مما أمر به الله ومع مرور الوقت يزداد هذا التناسى والتراخي فيما طلبه الله من خلقه..فيرسل الله سبحانه وتعالى رسولا إليهم ليذكرهم بأن الرسل في الاصل لم تأت..لكى تبدأ الرسالة أو تبدأ نقل تعاليم الله الى خلقه..لان الله سبحانه وتعالى قد أعطاهم المنهج مع الخلق..ولو ظلوا محافظين على الدين كما أنزله الله..ما احتاج البشر الى الرسل..ولكن يأتي رسول ليذكر..ثم ينسى الناس..وتمر فترة من الوقت يتركون فيها دين الله..فيأتي رسول آخر ليذكر..وهكذا..بل انه في بعض الازمان يبعث الله أكثر من رسول واحد في نفس الوقت..مثلما حدث مع ابراهيم ولوط..فقد أرسلا
في وقت واحد..وقد يأتي الرسول الى بيئة محتاجة للتذكير بمنهج الله..ولا يأتي رسول الى قوم آخرين يعيشون في نفس الزمن..ولكن في بقعة أخرى ويبعون منهج الله أتباعا سليما..اذن فالديانات كلها..انما تهدف الى بقاء المنهج الالهي الذي صاحب الانسان الاول..حتى ينظم حركته في الارض..وتأتي الرسل تذكر من نسى أو انحرف..أو خالف هذا المنهج من ذرية آدم..وذلك نظرا لان المنهج يتطلب سلوكا يتعارض مع شهوات النفس وتحدث الغفلة والنسيان والانحراف.
وقد عبر الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذلك بالنومة..وهي الغفلة عن المنهج أو تعاليم الدين..فقال ينام الرجل النومة فتقبض الامانة من قلبه..فيظل أثرها مثل أثر الوكت وهو الحرق البسيط..ومعنى ذلك أن
الرجل يغفل عن دينه..فتقبض الامانة من قلبه..أي اشعاع الايمان..فيظل أثرها مثل أثر الوكت..ثم ينام النومة أي يغفل مرة أخرى..فيظل أثرها من أثر المجل - وهو ما يحدث عندما تضع جمرة مشتعلة على يدك - كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس به شئ..هذه هي كيفية دخول الغفلة الى النفس البشرية..ينام عن هذا قليلا..ويغفل عن هذا قليلا..وفي حديث آخر تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا..أي
بطريقة نسج الحصير العود الاول ثم الثاني ثم الثالث..فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة..سوداء..وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء..حتى تكون على قلبين..على أبيض مثل الصفا.
لا تضره فتنة ما دامت السموات والارض..والاخر أسود مرباد..لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا..وذلك هو الراني..الذي قال فيه الله سبحانه وتعالى (كلا بل ران على قلوبهم) أي انتهت صلتهم بالله بغفلتهم الكاملة عن أحكام الدين.
اذن مواكب الرسل كلها جاءت لكي تذكر بالعهد الاول الذي أعطى لادم والذي عبر الله سبحانه وتعالى عنه بقوله (فأما يأتينكم منى هدى) ..لكن الغفلة تطرأ على القلب..ومن رحمة الله يرسل رسولا يذكر الناس بالمنهج..لكل زمان وكل مكان وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام..جاء على فترة من الرسل..تلاحظ ان رسالته صلى الله عليه وسلم لم تكن لقوم معينين..ولا لجنس بشرى معين خلافا للرسل السابقين..فيقول الله سبحانه وتعالى لنبيه..
(وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) ثم يقول الله (للناس كافة) ..رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أخذت هنا عمومية..عمومية المكان..ثم يقول الله سبحانه وتعالى خاتم النبيين..اذن أخذت الرسالة هنا عمومية الزمان
أيضا..أخذت عمومية للزمان والمكان..ولذلك يجب أن يأتي التشريع لكل زمان..وكل مكان..ولكن لماذا جاءت الرسالة..رسالة النبي صلى الله عليه وسلم..لها عمومية المكان..وعمومية الزمان..هذا أيضا من اعجاز القرآن..ذلك أن الله سبحانه وتعالى في علمه ان آفات البشرية كلها ستصبح آفات واحدة..ذلك ان العالم كلما تقدم وازداد اتصاله..توحدت الافات التي يشكو منها..فقبل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم..كان هناك انعزال في الدنيا..لا توجد اتصالات بين المجتمعات البشرية..وكان كل مجتمع بشري يعيش وينتهى..دون أن يدرى مجتمع بشري آخر في مكان بعيد عنه..ذلك أن الاتصالات بين المجتمعات البشرية المختلفة..كانت شبه معدومة لبعد المسافة..وضعف وسائل المواصلات أو انعدامها..وعدم تقدم العلم الذي يمكن البشر من الاتصالات ببعضهم البعض في أوقات قصيرة..ومن هنا كان لكل مجتمع آفاته الخاصة..وأمراضه..وانحرافاته..وغفلته عن الدين..وكانت الرسل تأتى الى هذه المجتمعات.
لتذكر بمنهج الله ولكنها كانت ترسل الى مجتمع بعينه كعاد وثمود وآل لوط وغيرهم..بل كما قلت في أحيان كان يرسل الله سبحانه وتعالى أكثر من رسول في نفس الوقت..هذا ليعالج آفات مجتمع..وهذا ليعالج مجتمعا آخر..كما حدث مع لوط وابراهيم مثلا..
كان هناك انعزال
…
وكان هذا الانعزال يجعل الداءات مختلفة..ويتم ارسال الرسل الى كل مجتمع لتذكير أهله..ولكن الان وبعد أن التقى العالم وارتقى..توحدت الداءات..أو أصبحت كلها حول دائرة واحدة
…
يحدث شئ في أمريكا فيصبح عندك بعد ساعة واحدة..تكاد تكون هناك وحدة الافات في العالم كله..آفة البشرية واحدة في البلاد المتقدمة..وفي البلاد غير المتقدمة..لانه حدث النقاء بشري..وعندما يحدث الحادث يعرفه العالم كله بعد دقائق..ما دامت الافات قد توحدت نتيجة للاتصال البشري الكبير الذي تم..فلابد من وحدة المعالجة..وهكذا انبأنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم منذ وقت نزوله..ان العالم سيتقدم ليصبح وحدة واحدة..وان الافات في العالم تكاد نتوحد نتيجة الاتصال السريع بين أجزائه..ولذلك لابد من وحدة المعالجة..فأرسل هذا الدين رحمة للعالمين..وهذا معنى كلمة رحمة للعالمين..أي للعالم كله الذي يستوحد داءاته وآفاته..ولابد أن يكون المعالج واحد يشمل الجميع.
وما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين..فمعنى ذلك أن الدين الذي سيأتي به سيعالج آفات العالم..وانه سيكون رحمة للعالمين في كل زمن حتى تقوم الساعة..معنى الشفاء ومعنى الرحمة ومعنى هذه الاية الكريمة..انه لا توجد قضية في العالم تمس حياة البشرية..الا وموجودة في منهج الله ما يعالج
هذه القضية..نحن نقول يعالج..لان التشريعات عندما تأتي تعالج واقعا موجودا في المجتمع..وفسادا انتشر..ولذلك فهي تعالجه لتشفى الناس منه..وبعد ذلك عندما نتبع تعاليم الله..لا يأتي لنا الفساد..ولا الافات..ولا أمراض المجتمع..وفي هذه الحالة يكون هذا الدين وقاية لنا من آفات المجتمع وانحرافاته..ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن.. (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة) شفاء معناها أنه سيعالج الانحرافات والفساد الموجود في المجتمع..ورحمة معناها انه يمنع أن تأتي هذه الداءات الى المجتمع..وذلك عين الرحمة..رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء للعالمين عموما..زمانا ومكانا..بمبادئ..هذه المبادئ رحمة..ومعنى الرحمة اننا لو اتبعناها..لن يقع فساد في المجتمع..يضطرنا أن نعالج..وعندما نغفل عن هذه المبادئ..يوجد لهذه الغفلة آثار ضارة في المجتمع..نبدأ في التفكير في العلاج..فنكتشف اننا تركنا مبدأ كذا ومبدأ كذا..مما أمر به الله..فيبدأ العلاج بمنهج الله..اذن فقول الله (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) ..معناه انك جئت بمنهج من عندنا تبلغه للناس..لو أنهم اتبعوا هذا المنهج..لعمتهم الرحمة بحيث لا يوجد شقاء انساني في المجتمع ولا فساد..والدين ليس موضوعه الاخرة فقط..بل هو ينظم حركة الانسان في الدنيا..ينظم حركة حياته..أما الاخرة ففيها الجزاء..الجزاء على اتباعك المنهج..أما ما أمر به الله..أو عدم اتباعك له..تطبيق الدين..وتعاليم الدين
.مقصود بها أولئك الموجودون في الدنيا..مصداقا لقوله تعالى (لتنذر من كان حيا) ..والجزاء على الشئ ليس هو عين موضوعه..لذلك فان الدين لا يقتصر على الغيبيات فقط..فالغيبيات يصدقها من آمن بالله..لانها جاءت عن الله اما غير المؤمن فليس له الا واقع الحياة ولابد أن يبين لنا واقع الحياة أن هذا المنهج الذي جاء من عند الله..لو اتبع كما يريده الله فسيختفى الشقاء من المجتمع..ولذلك نجد القرآن يفسر ذلك تفسيرا دقيقا.. (فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى..ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا) ..هذا في الدنيا..ثم قال تعالى: (ونحشره يوم القيامة أعمى) ..قول الله معيشة ضنكا..يدل على أن تعاليم الله نزلت لتحمى الانسان من ضنك وشقاء المعيشة في الدنيا..والشقاء البشري ليس اقتصاديا فحسب..لا يتعلق بالمال وحده..وانما معنى ضنك المعيشة هو الضيق..في المعيشة..وهذا له أسباب متعددة..فقد يملك الانسان أموالا طائلة..ومع ذلك يضيق بحياته..ذلك أن جوانب النفس البشرية جوانب شتى..قد يشبع المال جانبا منها..وتبقى الجوانب الاخرى في ضيق وشقاء..ولذلك نجد أن انسانا يملك أموالا طائلة..قد يرغمه ظرف من ظروفه أن ينتحر..لماذا؟..لقد ضربت مثلا لذلك بالسويد..وهي أعلى دول العالم في نصيب الفرد من ترف الحياة..ومع ذلك فان الاحصاءات تقول انها من أعلى دول العالم في الانتحار والامراض العصبية والنفسية..المسألة ليست مسألة مادية فقط..وشقاء الحياة لا يجب أن يؤخذ على أنه فقط جانب المال..بل هناك جوانب أخرى تسبب لصاحبها شقاء انسانيا أكثر من قلة المال..
إذا خالفنا انكشفت العورة نكون الان قد وصلنا الى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء عاما لجميع الازمان والامكنة بمبادئ هي الرحمة..لو اتبعت لنجونا من الشقاء في الدنيا..وأخذنا الجزاء في الاخرة..وهذه هي الرحمة..كل هذا يفسر لنا ما حدث لادم..وهو أن الله سبحانه وتعالى منعه أن يقرب الشجرة فلما ذاقا الشجرة..بدت
لهما سوأتهما..يعني العورة بدت عند المخالفة..فأي عورة في مجتمع من المجتمعات..إذا بحثت عن أسبابها وجدت انها حدث بسبب مبدأ من مبادئ الله عطل في الارض..ولو لم يحصل ذلك لما وجد الجمال في الكون..إذا كان المستقيم وغير المستقيم أمرهما سواء في الحياة..لا يكون هذا جمالا..ولو أن الطالب المجتهد والطالب الذي لا يذاكر نجحا لا يكون هذا جمالا في الحياة..بل أنه يكون جمالا يورث قبحا..لانه قد تساوى من اجتهد ومن لم يجتهد..وبذلك لن يجتهد أحد..فلو لم يوجد الشقاء والفساد في البيئات التي تبتعد عن منهج الله..لما كان ذلك جمالا ولا شهادة للدين..أن الشهادة للدين ان الجماعة التي تبتعد عن منهج الله يحدث لها شقاء وداءات وفساد وانحرافات..وبذلك يدلل الله سبحانه وتعالى في الحياة الدنيا..ومن واقع تجربتها على صدق منهجه وتعاليمه..فتح التوبة امام البشر الا ان هناك معنى أوسع أود أن أضيفه..ذلك أن السماء قبل الرسالة المحمدية..كانت لا تطلب من الرسل الا مجرد البلاغ..وهي التي تتولى التأديب..تأديب
المخالفين..وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذا في القرآن..منهم من أغرقنا..ومنهم من خسفنا به الارض..ومنهم أخذته الصيحة..السماء هي التي كانت تؤدب العاصين
..والرسل كان عليهم البلاغ..لكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام..أمن الله الاسلام على أنه هو الذي يقوم بتأديب المخالف..فالذي يعصى تعاليم الله.
فان له معيشة صنكا في الدنيا غير عذاب الاخرة..ولذلك كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم انه رحمة للعالمين..للكافر والمؤمن منهم..ذلك أن السماء لم تعجل بعذابهم في الدنيا..كما كان يعجل بالمخالفين للرسل في الامم السابقة..تركت لهم فرصة التوبة..وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم..وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون..فكان الله سبحانه وتعالى قد أرسل نبيه رحمة للعالم كله دون تمييز بين مؤمن وغير مؤمن رحمة من عذاب السماء في الدنيا..وليفتح أمامهم أبواب التوبة عن المعاصي فيغفر لهم في الاخرة..وهذا هو معنى الاية الكريمة: (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) .
ليلة القدر (ليلة القدر هي الليلة التي نزل فيها القرآن..والقرآن ازلى لانه صفة من الله سبحانه وتعالى..ولذلك فان القرآن نزل في هذه الليلة من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا ليباشر مهمته بافعل ولا تفعل..) ولو أخذنا اختلاف السنة القمرية عن السنة الشمسية لوجدنا أن ليلة القدر..جاءت في كل يوم من أيام السنة..فرمضان يأتي في الربيع والخريف والصيف والشتاء..أي أنه يدور في العام كله..في كل فصل من فصوله..ما من شهر من شهور السنة الشمسية الا وشهد رمضان أو جزءا من رمضان..ومع طول الزمن نجد أن ليلة القدر هي الاخرى قد مرت في العام كله..في كل يوم من أيامه..واختيار الليل هنا لانه الوقت الذي تكون فيه العبادة لله وحده..فيه صفاء وهدوء..وفيه صدق التعبير..فالذي يرائى بعبادة الله لا يمكن أن يقوم الليل..والذي يراد أن يقال عنه أنه رجل صالح..رياء أو نفاقا لا يمكن أن يقوم الليل..ولكن الذي يقوم الليل هو الخاشع لله سبحانه وتعالى المؤمن به.
وعندما يختار الله وقتا من الاوقات..أو مكانا من الامكنة أو شخصا من الاشخاص لينعم عليه بما شاء..ويصطفيه لرسالته أو لابلاغ خلقه منهجه..فهذا الاختيار هو خير للبشرية كلها..فاختيار مكة مثلا مكانا لبيت الله الحرام هو في نفس الوقت تكريم للعالم كله..فالناس من جميع انحاء العالم تذهب هناك لتحج وتؤدى المناسك وتتوب الى الله وتستغفره وتعود إلى بلادها مغفورة
الذنب..اذن فالخير هنا لم يقتصر على مكة وحدها..بل امتد ليشمل رحمة الله للعالم أجمع.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ارسل رحمة للعالمين وكلنا ندعو له بالرفعة والمقام المحمود..فنحن ندعو
لانفسنا..لانه بالمقام المحمود الذي سيكون فيه يوم القيامة..سيشفع لنا جميعا..فيصيبنا الخير والرحمة على يديه.
كذلك اختيار ليلة القدر..هي لتعم الدنيا كلها بفضل من الله ورحمة..فالنفس البشرية لكي تعيش آمنة في الحياة الدنيا يجب أن تتخلص من عدة أشياء..أولها الخوف، والخوف يكون من شئ معلوم..ثم الهم والحزن الذي يدخل القلب..وهذا قد يأتي من شئ مجهول غير معلوم لك..ثم المكر أن يمكر بك غيرك..وليلة القدر سلام وأمن..لانها تذكرنا بالقرآن الذي لو اتبعناه لاذهب عنا الخوف والهم والحزن..وكان الامام جعفر الصادق يقول..عجبت لمن خاف كيف لا يفزع الى قول الله سبحانه وتعالى:(حسبنا الله ونعم الوكيل) ..فان الله يعقبها بقوله (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء) وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع الى قول الله تعالى (لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين) فالله يعقبها بقوله: (فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننج المؤمنين..) وعجبت لمن يمكر به كيف لا يفزع الى قول الله تعالى (وافوض أمري الى الله..ان الله بصير بالعباد) فان الله يعقبها بقوله (فوقاه الله سيئات ما مكروا) وعجبت لمن طلب الدنيا وزينتها لا يفزغ الى قول الله سبحانه وتعالى
(ما شاء الله لا قوة الا بالله) فاني سمعت الله يعقبها بقوله (ان ترن انا أقل منك مالا وولدا..فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك) .
كل شئ في هذا الكون لكي يحدث..لابد أن يكون هناك فاعل ليقوم به..ولابد أن يكون هناك مفعول به..وقد يوجد الفاعل والمفعول..ولكن السبب الذي من أجله ينشأ الفعل ينعدم..اذن الفعل لابد له من وجود هذه العناصر الثلاثة..الفاعل والمفعول به والسبب..لذلك ادبنا الله سبحانه وتعالى في الاحداث..وأمرنا الا نقول لشئ نريد أن نفعله غدا..الا أن يشاء الله.. (ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) ..لابد أن تقول الا أن يشاء الله..لماذا؟..لانك لا تملك عنصرا واحدا من عناصر الفعل..لا تملك وجود الفاعل الذي هو نفسك غدا..أو بعد ساعات..ولا تملك وجود المفعول غدا..ولا تملك بقاء السبب غدا..ولا تملك بقاء الزمان غدا..ولا تملك بقاء المكان غدا..ولكن قولك أن تفعل ذلك غدا..مجاز..ولذلك يجب أن تردها الى من يملك وجود هذه الاشياء..وتقول الا أن يشاء الله..وفي هذه الحالة تكون قد خرجت من الكذب الى الصدق..والى الحقيقة..وما دامت الاحداث لها هذه العناصر..فحين نريد حدث نزول القرآن يقتضي منزلا..ويقتضي منزلا عليه..ويقتضي سببا للانزال..ويقتضي مكانا للانزال وزمانا للانزال..فليلة القدر تعرضت لزمان الانزال..لكن القرآن إذا نظرنا إليه وجدناه نزل في ليلة القدر وفي غير ليلة القدر..لانه نزل منجما حسب الحوادث..ونزل ليلا..ونزل نهارا..ونزل في كل وقت من الاوقات..ولكن
الانزال في ليلة القدر..معناه ارادة الحق أن يبرز القرآن من كنزه الذي كان مكنونا فيه الى الارض ليباشر مهمته في الوجود..من عالم الغيب..الى عالم الشهادة..وتنزيل القرآن منسوب الى الله سبحانه وتعالى مصداقا لقوله (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) ..ولكنه يأتي أيضا منسوبا الى جبريل..نزل به الروح الامين..يبقى الذي نزل به..الروح الامين..ولكن الذي أنزله هو الله سبحانه وتعالى..ان مادة انزل لم تسند الا لله سبحانه وتعالى..فقول الله (انا أنزلناه في ليلة القدر) ..أي أخرجناه من اللوح المحفوظ من عالم الغيب الذي كان مستورا فيه يباشر مهمته في الوجود..وما دام قد أنزله في ليلة القدر..والانزال للقرآن..يكون الانزال ليس للبلاغ وحده ولكن لكى يبتدئ القرآن مباشرة مهمته..وبذلك يكون ما قالوه من أنه نزل من اللوح المحفوظ الى الدنيا ليباشر مهمته..وبعد ذلك من الجائز أن يكون أول نجم فيه قد نزل في هذه الليلة..والذي يجب أن نفهمه ان الله سبحانه وتعالى حين
نسب القرآن إلى ذاته..والنزول به إلى جبرئيل..معناه ان جبريل حمله كما هو..كما أنزله الله..الى النبي صلى الله عليه وسلم..وانه لم يجر فيه أي تعديل أو تبديل..بل هو كما أنزله الله سبحانه وتعالى..يبقى ليلة القدر..الليلة التي أنزله فيها الله سبحانه وتعالى ليباشر مهمته في الوجود أنزله الى السماء الدنيا ليأخذ منه جبريل..لينزله على محمد صلى الله عليه وسلم..لقد كان القرآن الى أن أخذ منه جبريل في طى غيب الله..وبعد ذلك حين أوصله جبريل الى رسول الله كان في طى الغيب عن رسول الله..ثم حين أخذه رسول الله..وأبلغه الناس كان في طب الغيب عنا..فقول الله
سبحانه وتعالى (انا أنزلناه في ليلة القدر) ..يدل على أن معنى الانزال ابتداء مباشرة القرآن مهمته في الوجود..بافعل ولا تفعل..وذلك بأن ينزل دفعة واحدة الى السماء الدنيا..ثم ينزل به جبريل بعد ذلك منجما حسب الحوادث..معنى الزمان ليس قائما بذاته يلاحظ هنا أن الضمير في قول الله (انا انزلناه) ضمير جمع..وفي المنزل هاء الغيبة.
وإذا قرأت القرآن وجدت ان الحق سبحانه وتعالى في كل فعل يفعله يأتي بضمير الغيبة الجمع..لان الفعل يتطلب تكاتف صفات متعددة لله
سبحانه وتعالى..الحكمة والرحمة والقوة والعلم الى آخره..لكن الحق إذا تكلم عن الذات..يتكلم بالافراد..فلم يقل سبحانه وتعالى نحن الله..بل قال انني أنا الله..وفي هذه الحالة فهو يتكلم عن وحدانيته ولا شريك له..ولكن عندما يتكلم عن حدث يتطلب عدة صفات مجتمعة..فانه يستخدم صيغة الجمع..انا انزلناه.
اذن المنزل هو الله والمنزل هو القرآن والوقت الذي تنزل فيه هو ليلة القدر..حين يخص الله زمنا من الازمان باختيار..وهو الخالق ويختار ما يشاء..يصطفى من الملائكة رسلا..ويصطفى من البشر رسلا..ويصطفى من الارض مكانا..ويصطفى من الزمان زمانا..هو أعلم بما خلق..هذا الاختيار ليس لخصوصية الزمان ذاته..وانما جاءت الخصوصية بما حدث فيه..اختيار الله لزمان أو مكان أو بشر أو ملائكة، لا يعني إلا أن يستطرق أو ينتشر أو يعم الاصطفاء فيها إلى كل شئ..فهي ليست محاباة للزمان..وليست محاباة للمكان..وليست محاباة للانسان..وليست محاباة للملائكة..لان
المحاباة هنا بسبب الحدث الذي نزل..ونحن لا نريد لهذا الحدث الا أن ينتشر ويعم البشرية جمعاء..رسول الله عليه الصلاة والسلام حين اختاره الله سبحانه وتعالى فهو يريد أن يعم هذا الاختيار البشرية كلها..حين يختار
ملائكة..يريد أن يعم اختيارها والاشراق فيها إلى كل مكان..حين يختار ليلة يريد أن يعم اختيارها كل زمان..فالاختيارات كلها سواء كان الاختيار فيها زمانا أو مكانا..المراد منها أن يعم الاختيار الى كل زمان..والى كل مكان..والى كل انسان..الرسول صلى الله عليه وسلم حين اختاره الله وفضله على الرسل..وطلب منا نحن أن ندعو له بالمقام المحمود..زيادة في تكريمه..ولكننا في الحقيقة حين ندعو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاننا ندعو لانفسنا..لانه حين يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المقام المحمود فان أول عمل له سيكون أن يشفع لنا في يوم القيامة..فأنا حين أدعو..لرسول الله صلى الله عليه وسلم ادعو لنفسي.
نعود الى ليلة القدر..مادام القرآن قد نزل فيها..والقرآن يحمل هدى الله للبشر جميعا..فيجب أن تون محل حفاوة بما أنزل فيها..والانسان حين يحتفى بزمان..يحتفى بما حدث في هذا الزمان..فالزمان ليس ملحوظا..ولكن ما حدث في الزمان هو الملحوظ..حين يحيى الانسان ليلة القدر..فهو لا يحييها الا لان الله كرمها..لانها كانت ميلادا للقرآن..فتكريمها تكريم للحدث الذي وقع فيها وهو القرآن..ولا يكرم الانسان حدثا وقع في زمن إلا لانه فرح بآثار هذا الحدث نفسه..فقول الله (انا أنزلناه في ليلة القدر) ..معناه ابراز القرآن من اللوح المحفوظ..الذي كان مستورا فيه الى الوجود ليباشر مهمته.
لكن أكانت ليلة القدر لها وجود..بمعنى آخر حتى أن الله سبحانه وتعالى اختارها لينزل فيها القرآن..من الجائز..فهي زمان التقدير الاصيل للاحداث..زمان نزول قدر الله الى السماء الدنيا كان يتم في هذه الليلة..فلانها الزمان لتقدير الاشياء اختارها الله لميلاد أو لانزال أكبر حدث بالنسبة للبشرية..اذن أخذت كلمة ليلة القدر من ماذا..انها كانت ذات قدر قبل أن ينزل الله فيها القرآن..فاختارها الله لينزل فيها أعظم قدر..أو أنها أخذت القدر بنزول القرآن فيها.. (تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل أمر) ..وعلى هذا يمكن أن تكون هذه الليلة زمانا لتجليات الحق سبحانه وتعالى وعطاءاته لعباده..وبعد ذلك أخذها لتكون محلا لتجليات الحق على آخر ما يشرق به على عباده..وهو القرآن..فليلة القدر هنا يمكن أن يكون معناها الشرف..ويمكن أن يكون معناها تقدير الاشياء..فان أخذت بمعنى الشرف..فقد أخذته من القرآن..وإن كانت بمعنى تقدير الاشياء..فلا مانع أن تكون محلا لتقدير الاشياء..وخير ما قدر فيها القرآن.
ليلة القدر أخذت القدر من جهتين..التقدير والقدر..ثم يضخم الله الليلة..وما أدراك ما ليلة القدر..ما أدراك..أدرى هنا فعل ماض..ومعناها ما أحد ادراك بليلة
القدر..وما دام الله قد نفى أن يكون أحد قد أدرى نبيه بليلة القدر..فكأنه لا يعرف قدرها إلا الله سبحانه وتعالى..فإذا أردت أن تعرف قدرها فاسمع من الله.
ألف شهر لماذا؟ القرآن حين يتكلم في ادراك أو يدريك..لابد أن نلاحظ شيئا..ما أدراك معناها انه لم يوجد أحد قد أدراك معناها
انه لم يوجد احد قد ادراك قبل الان..ويدريك معناه أن أحدا لم يدرك في الماضي..وأن أحدا لن يدريك في المستقبل..اذن ما يدريك لا يمكن أن يدرك أو يعرف..انما ما ادراك في الزمن الماضي..معناها أن أحدا لم يخبرك بشئ عنها حتى الان..ولكن الله سيدريك الان..وهنا ادراكه الله وقال ليلة القدر خير من ألف شهر..فإذا قرأت في القرآن ما أدراك فاعلم أن الله سيدريك..وإذا قرأت ما يدريك فاعلم أن ذلك من مكنونات الغيب..وأن الله لا يدريك بها..ولا تقال هذه الكلمة..وما أدراك ما ليلة القدر..إلا إذا كان القدر عظيما لا يمكن أن يستوعبه أحد باجتهاده أو بعلمه..إلا الله..وهذا تفخيم لليلة القدر..فكان الخير فيها أكثر من أن يدركه البشر..وإنما يدركه من اختارها لانزال خير ما أنزل..ثم يقول الله سبحانه وتعالى (ليلة القدر خير من الف شهر) ..هنا تفضيل الليلة على ألف شهر لابد أن
نقف امامه..فما دامت ألف شهر والسنة 12 شهرا..كان الالف شهر فيها ثمانون عاما..أي ثمانون ليلة قدر..اذن هي خير من ألف شهر..ولكن هل هي مفضلة على مكررها..أي أنه خلال الثمانين عامة القادمة ستتكرر ليلة القدر ثمانين مرة..فهل ليلة القدر التي نحن فيها الان خير من ثمانين ليلة قدر قادمة..ولماذا اختيرت الالف بالذات..لان سبحانه وتعالى كان يخاطب العرب بعقولهم..وقد كان العرب يعتقدون أن الالف هي نهاية الارقام..ولذلك إذا زادوا عليها كرروا كذا ألفا..فلم يكونوا مثلا يعرفون المليون أو البليون..اذن الالف قمة العدد..فكان الله أراد أن يقول (إن ليلة القدر خير من ألف شهر) ..أي أنها خير من أضخم شئ يعرفون به
مقاييس الاعداد..واذن معناها ان ليلة القدر خير من الزمن كله مهما طال..ولكن خير من ألف شهر في ماذا..ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولامته..فرسول الله صلى الله عليه وسلم سمع أن رجلا حمل السيف في سبيل الله ألف سنة..فاستقصر عمر أمته..فكأن الله أراد أن يبشره..فقال له..عندكم ليلة..لو أحسنتم القيام فيها والعبادة لله لاغنتكم عن ألف شهر..وألف شهر في ماذا..في حمل سيف في سبيل الله..ويكون المعنى في ذلك أن الله سبحانه وتعالى عوض أمة محمد في الزمن
اليسير..ما يتسع له ما أخذه غيرهم في الزمن الطويل..ولكن الله أراد أن يعطينا شيئا آخر عن ليلة القدر..هي أنها محل لتنزلات الملائكة برحمة الله في الارض..تنزلات رحمة الله في الارض هي بنواميس..وبقوانين..ولا يتعارض العقل أن يكون لكل ناموس أو لكل قانون نوع من الملائكة..الملائكة خلق من خلق الله الغيبي..كل قانون كالارزاق وكالرحمة..وكالموت..له ملائكة..بدليل ان الله يقول عن الملائكة (فالمدبرات أمرا) ..أي أنه خلق الملائكة الغيبيين..لكي يباشروا مهمة غيبية محددة في الحياة..ويمكن أن تكون ليلة القدر قد خصت بنزول القرآن فيها..لان الله قد خصها من قديم الزمان..بأنها محل لتنزلاته الى الارض..تنزل الاحكام الى الملائكة..ثم يباشرونها على امتداد العام كله..ثم يقول الله تعالى (سلام هي حتى مطلع الفجر) الذي يدلنا على أن التنزلات في ليلة القدر شملت غير القرآن..قوله سبحانه وتعالى (تنزل الملائكة والروح فيها) ..فالروح الامين وهو جبريل تنزل بالقرآن..والملائكة..تنزلت لخير الله في الارض..أي أن الملائكة لتنزلات أخرى غير القرآن ليباشر كل ملك
مهمته في الناس الذي خصه الله به..وبعد ذلك قال (سلام هي حتى مطلع الفجر) ..معنى ذلك لا ينزل فيها الا كل ما هو خير..وكل ما هو سلام..لان تنزلات الله
بالخير في نواميسه جاءت خيرا للناس في كل ما يتصل بحياتهم..هذا فيما يتعلق بماديات الحياة..وفيما يتعلق بمعنوياتها..فان خير ما ينزل في هذه الليلة هو القرآن الذي وضع آخر منهج لحركة حياة الانسان على الارض..وما دام الامر كذلك..فإذا استقبلنا ما نزل في هذه الليلة..وجعلناه منهجا..في هذه الحياة ملا الكون السلام والرحمة والبركة..فسلام ليلة القدر هو سلام لكل الازمنة..لا يختل السلام أبدا..السلام نزل في ليلة القدر..لكن نحن الذين ننفذه أو لا ننفذه..فإن نفذناه يكون سلام ليلة القدر قد امتد لكل الازمان..وإذا أخذناه وعطلنا مهمته..يكون السلام قد نزل في ليلة القدر..ونحن الذين امتنعنا عن أن ننتفع بذلك السلام.
والمفروض اننا نمضي ليلة القدر في عبودية صادقة لله..فإذا أمضينا هذه الليلة ونحن نعبد الله حق عبادته..كان معنى ذلك اننا كررنا الزمن الذي أنزل فيه ما تحب..وهو القرآن..المنهج الذي أوضح لنا صفاء العبودية للحق سبحانه وتعالى..فاحتفالنا بليلة القدر..هو فرحتنا بتلك الليلة..بما نزل فيها..ولا نفرح بما نزل فيها إلا إذا كانت آثار ما نزل فيها قد نضحت على نفوسنا صفاء..وعلى سلوكنا تضرعا..وهنا يتجلى الله سبحانه وتعالى: (ما دام عبدي قد فرح بمنهجي فرحا جعله يكرم ليلة البداية
في نزول هذا المنهج فليس له جزاء عندي الا أن أغفر له)
تحديد الليلة في رمضان بعد ذلك نأتى الى تحديد الليلة..اليتيمة في شهر رمضان..لان الله سبحانه وتعالى قال (انا أنزلنا في ليلة القدر) والقرآن نزل في ليلة القدر..وفي آية أخرى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) القرآن نزل في رمضان..وفي غير رمضان..أذن لابد أن بداية الانزال أو الاذى لمباشرة القرآن لمهمته في الكون..في شهر رمضان..ولكن ليلة القدر دائرة في الزمن..بمعنى أنها مرت في كل يوم من أيام الزمن..فالفرق بين العام القمري والعام الشمسي أحد عشر يوما..وهذا الفرق مثلا يجعل رمضان يأتي في الشتاء..وفي الصيف..في الخريف..وفي الربيع..أي أنه مقسم على أيام السنة كلها.
وعلى فصولها جميعا..فإذا حسبنا الاختلاف مع طول الزمن..نجد أن ليلة القدر جاءت منذ بدء الخليفة حتى الان مرة واحدة على الاقل في كل يوم من أيام السنة..ليلة القدر تدور في الدنيا لتشمل كل يوم فيها..لتشمل الزمن كله.
هي بالنسبة لنا في رمضان..ولكن بالنسبة لحساب الزمن تدور في كل يوم منه..والذي يقول التمسوها في العشر الاواخر..أو في وتر العشر الاواخر من رمضان..لو أنه قال التمسوها في شئ معطوف على العشرين..يكون
الخلاف موجودا..ولكن في العشر الاواخر من رمضان قد يكون رمضان فيها ثلاثين يوما..وقد يكون 29 يوما..وعندما يكون رمضان 29 يوما ويلتمسها في العشر الاواخر تكون بدأت من 20..وبذلك تكون عشرين، 22، 24، الى آخره..فإذا كان رمضان ثلاثين يوما..تكون البداية 21، وبذلك نلتمسها أيام 21، 23، 25، وهكذا..هنا يبرز سؤال..من يدرينا ونحن في العشرين من رمضان إذا
كان رمضان سيكون تسعة وعشرين يوما أو ثلاثين يوما..من يدرينا بذلك..طبعا نحن لا نعرف ذلك مقدما..ومن هنا فاننا إذا كنا نلتمس العشر الاواخر من رمضان..فيجب أن نلتمسها في كل ليلة من العشر الاواخر..أو في وتر العشر الاواخر..نقول له أن الشفع يسبق وترا..والوتر يسبق شفعا باختلاف نهاية شهر رمضان..وهل 29 يوما..أو 30 يوما..ومن هنا فاننا يجب أن نلتمسها في العشر الاواخر من رمضان..ولا خلاف على ذلك.
نأتي بعد ذلك الى نقطة أخرى..وهي ترقب يوم 21، 23، 25، 27 أن هذا أثر من آثار نضح الشر على الخبر..الرسول صلى الله عليه وسلم خرج وقال كنت قد خرجت لاخبركم بليلة القدر..الا أنه تلاحى فلان وفلان..أي تشاجرا في المسجد..فرفعت عني..فالتمسوها في العشر الاواخر..فكأن الذي جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره عن تحديد ليلة القدر بالذات..ثم بعد
ذلك حدثت المشاجرة التي قامت بين اثنين في المسجد فأخفيت ليلة القدر..فكأن الله يريد أن يخبرنا أن التشاجر هو ميدان الشيطان لمعارك الشر..وأن ذلك يمنع الخير..والصفاء نفسه يستدعى الصفاء..فعندما يجد الله سبحانه وتعالى ج معا كله صفاء..تتنزل فيه ملائكة الرحمة..لماذا..لان الله سبحانه وتعالى يحب من خلقه الاخاء والصفاء..فيقول الله سبحانه وتعالى فيهم (والذين اهتدوا زادهم هدى) ..ولكن عندما يريد الله أن ينزل خيرا عميما على الناس..ثم يأتي فيجد أنهم ليسوا أهلا لهذه الرحمة..أو لهذا الخير..أجهزة الاستقبال عندهم تالفة..حينئذ يقبض عنهم الخير..فإذا أردنا أن نكون أهلا لعطاء الله..فيجب أن نكون دائما على الصفاء..
لنستطيع أن نستقبل عطاء الله..وبعد ذلك شاء الله رحمة منه الا يحرمنا من الخير كله..فأتعبنا قليلا..قال انها في العشر الاواخر من رمضان..بدلا من تحديد الليلة..وفي ذلك حكمة من الله سبحانه وتعالى في أنه يريد أن يقف الناس في وجه الشر مهما كان هذا الشر حتى يمكنهم أن يستقبلوا عطاء الله ورحمته..وفي هذه الحالة يكون التمسك بالخير هو دفاع الانسان عن ذاتية نفسه مصداقا لقوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ..
هو ميدان الشيطان لمعارك الشر..وأن ذلك يمنع الخير..والصفاء نفسه يستدعى الصفاء..فعندما يجد الله سبحانه وتعالى ج معا كله صفاء..تتنزل فيه ملائكة الرحمة..لماذا..لان الله سبحانه وتعالى يحب من خلقه الاخاء والصفاء..فيقول الله سبحانه وتعالى فيهم (والذين اهتدوا زادهم هدى) ..ولكن عندما يريد الله أن ينزل خيرا عميما على الناس..ثم يأتي فيجد أنهم ليسوا أهلا لهذه الرحمة..أو لهذا الخير..أجهزة الاستقبال عندهم تالفة..حينئذ يقبض عنهم الخير..فإذا أردنا أن نكون أهلا لعطاء الله..فيجب أن نكون دائما على الصفاء..
لنستطيع أن نستقبل عطاء الله..وبعد ذلك شاء الله رحمة منه الا يحرمنا من الخير كله..فأتعبنا قليلا..قال انها في العشر الاواخر من رمضان..بدلا من تحديد الليلة..وفي ذلك حكمة من الله سبحانه وتعالى في أنه يريد أن يقف الناس في وجه الشر مهما كان هذا الشر حتى يمكنهم أن يستقبلوا عطاء الله ورحمته..وفي هذه الحالة يكون التمسك بالخير هو دفاع الانسان عن ذاتية نفسه مصداقا لقوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ..
مطابع المختار الاسلامي دار السلام