الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا زكاةٌ واجبة، ولا غيبة لمسلم بغير حق، ولا مخاصمةٌ ولا شحناءُ ولا بغضاء بغير حقٍّ، واعمل على أن تُبرئ ساحَتَك من كُلِّ حَقٍّ بينك وبين الله، ومن كل حَقٍّ بينكَ وبين العباد، فهنالك تدخل إِن شاء الله تعالى في زُمرة الصَّالحين.
فصل
وإن أردت أن تدخل في زمرةِ خواصّ العلماء المُربِّين، فعليك بطلب الحديث وسماعِهِ وروايته احتسابًا لله عز وجل. تكون نيتك فيه أن تعرف دين ربك عز وجل، وسنَّة نبيك صلى الله عليه وسلم، تكون بذلك عاملًا وعلى أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم محافظًا.
ويكونُ لك وردٌ من الأدعية الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تقرؤها كُلّ يوم، ووردٌ من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وأنت حاضر كأنك تراه مع المحبة له والتعظيم لحرمته، فأرجو لك بذلك وصول بركة الرسول صلى الله عليه وسلم إِلى قلبك (1)، وأرجو لك بذلك أن تُرزقَ محبّته ومحبة التَّأسي به؛ فذلك مصباح كل خير إِن شاء الله تعالى.
فصل
وعليك بطلب الفقه ومعرفة الأحكام احتسابًا لله تعالى لا تنوي به أن تكون قاضيًا ولا مُدرِّسًا ولا صاحب جامكيّةٍ (2)،
(1) لو قال المصنف رحمه الله وصول بركة الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قلبك لكان أولى.
(2)
الجامكية: أي الراتب.
فـ "لكل امرءٍ ما نوى والأعمال بالنيات، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه"(1).
لكن اطلب العلم لتبتغي به وجه الله تعالى وتعرف به أحكامه وفرائضه وحُدوده؛ لتعمل وتُعلِّم غيرك من المؤمنين فتقيم به دين الله عز وجل بين أظهر المسلمين، فتكون بذلك ناصرًا للشريعة وجُنديًّا من جنودِ الله عز وجل، إذا اهتدى بك رجل واحدٌ كان ذلك أفضلُ لك مما طلعت عليه الشمس، وتصير بهذه النيّة إن شاء الله تعالى من خواصِّ العلماء أهل القلوب المنوّرة الذين ورثوا ثمرة العلم ووصلوا إلى حقيقته، وهم أهل الخشيةِ والمخافةِ، قال الله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
واحذر أن يكون قلبُك كقلوب علماء الدُّنيا؛ فإِن قلوبهم لاهية، وعلى الدُّنيا والمناصب مُقبلة، يفرحون بوجود الدنيا ويحزنون على فواتها، يُحبّون الرِّفعة والسُّمعة؛ فأولئك صار العلمُ لهم كسبًا ينالون به دنياهم ومناصبهم؛ إذ لِكُلِّ امرئ ما نوى، ومن عامل الله لم يخسر.
وفي بعض الآثار يقول الله عز وجل: "إنما خلقت الخلق ليربحوا عليّ"، فطوبى لمن كانت معاملته مع الله عز وجل ورُزِقَ
(1) أخرجه البخاري (1/ 9)، ومسلم (3/ 1515) من حديث عمر رضي الله عنه.
الزهد في الدنيا والإِقبال على الآخرة، وأراد الله عز وجل بعلمه وعمله وسائر سعاياته الظاهرة والباطنة، وبالله المستعان.
فصل
ومن وفّقه الله عز وجل لحفظ فرجه في صباه اجتمع قلبُه وتوفرت جمعيَّتُه وتَنَوّر سره، وصار سِرُّه وعاءً للعلم والحكمة والحال.
ومن حفظ فرجه في صباه أورثه الله الحكمة في كهوليتهِ والأمانة في شيخوخيّته على قدر استعداده، ورزقه الله عز وجل الحياء، وماءَ الوجه والسكينة والوقار، وأورثه المحبة من قلوب المؤمنين.
ومن لم يحفظ فرجه في صباه تغيّرت فطرته، وتنكد قلبه، وانعكس وانتكس، وصار قلبه مقلوبًا، يظهر ذلك في سيماه بقسوة قلبه، وخُبْث سريرته، وتفرق بذلك جمعيته، فلا يألف العلمَ ولا الحكمة، ولا يألف الأولياء ولا الصالحين، ويصيرُ قلبه مأوى الشياطين، ويبقى مَثَله كمثل الجيفة الملقاة التي تدخل الهوام في أعضائها وعيونها ومناخرها.
والخيّر مثله كمثل الطير في جوّ السماء لا يناله من أراد صيدَه، وما أحسن حال من سَلِمَ من النَّاس، وسَلِمَ الناس منه فقد فاز فوزًا عظيمًا، ومثلُ هذا يترشَّحُ لولاية الله عز وجل؛ لأن من بذل فرجه أوشك أن لا يتخذه الله وليًّا؛ لأنه ضيّع أمانة الله وخان فيما استودَعَهُ فلا يكون مثله مأمونًا على الأسرار إلا أن يقلع عن ذلك إقلاعًا تامًّا فيرجى للتائب المنيب كل خير إن شاء الله تعالى،
وقد جاء في الأثر: أنّ الله عز وجل لما خلق آدم بيده وخلق فرجه قال: يا آدم هذا وديعتي لك وأمانتي عندك. قال الله عز وجل {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5 - 7].
فصل
أيُّها الأخ إِن أردت أن تنال درجة أهل التقوى والخشية فعليك بالحياء من الله في الخَلَوات، واعلم أنَّه يراك من فوق عرشه وفوق سبع سماواته، وأنَّه يرى ما تتحرك به جوارحك، قال الله تعالى:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 108].
وكذلك يعلم ما توسوس به نفسك ويجول في صدرك، قال الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [تبارك:12 - 14].
فعوِّد نفسك أيُّها الأخ بالحياء من الله عز وجل ولو ساعة من نهار، ثُمَّ عد إلى أشغالك ومُهمّاتك، ثُمَّ عد واحفظ تلك الساعة واكتم هذه المعاملة بينك وبين مولاك، لا تحدِّث أحدًا بأنك تعمل مثل هذا فيُخشى أن ينطفئ نور المراقبة من قلبك، ولا تزال كذلك تتعوَّد هذا ساعة بعد ساعة حتى يبقى الحياء من الله طبيعة فيك
لا يفارق قلبك أنَّ الله عز وجل يراك، فينعم بذلك القلب، وتسكنه الخشية والمهابة والحياء والتعظيم، فإِن صبرت على ذلك مدة من الدهر في قيامك وقعودك واشتغالك وبحثك بين يدي الشيخ وأكلك وشربك أرجو أن ترتقي بذلك إلى درجة العارفين من أهل المعاملة لله عز وجل والتقوى الباطنة له، يا طوباك ثُمَّ يا طوباك إن وصلت إلى ذلك وعلمتَ علم الحديث والفقه فيُجمع لك بين العلم والعَمل والمعرفة وتصير إِمامًا يُقتدى بك إِن شاء الله تعالى.
فصل
وعليك بمفارقة الإِخوان البطالين الذين يخوضون كثيرًا في قيل وقال، وجانب أهل المنكر والفواحش الذين لا همة لهم، ولا يظهرُ عليهم أثر المخافة من الله عز وجل، واهرب من هؤلاء فرارك من الأسد، وحاسنهم في السلام والكلام كما قال الله عز وجل:{وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10].
وعليك بصحبة أهل التقوى والورع في الكلام والمأكل والملبس، وأهل الأخلاق المرضية، والوفا في سائر أصناف العالَم من الفقهاء والفُقراء والصُّوفية أهل السُّنَّة الذين يكونون على علم الحديث والأثر وقليل ما هم.
فصل
واحفظ قلبك في الصلاة، وكن حاضرًا بين يدي مولاك إذا
وقفت في الصَّلاة فاعلم بين يدي من أنت واقف، وإذا قرأت في الصَّلاةِ فاعلم أنك إِنما تُناجي بالقراءة مولاك، واحفظ قلبك في الصَّلاة من الوسواس، وكن كأنك بين يدي سلطان قاهر عظيم ذي عظمة وجبروت فافهم ما تقول ومع من تقول، وإذا ركعت فاعلم أن ركوعك تواضع لعظمة الله عز وجل، وكذلك سجودك فكن بقلبك مع جسدك راكعًا وساجدًا، واحفظ قلبك من الغفلة في الصلاة مهما استطعت ترزق بذلك النور والإِقبال من الله عز وجل إن شاء الله تعالى، واحفظ هذه الوصايا واعمل على القيام بها واجعلها أصولك عليها تؤسسُ معاملتَك ................ (1)
* * *
(1) حصل في السطر الأخير وجزء من الذي قبله قطع في أصل المخطوط جار عليه التجليد فذهب بمعالمه فتركت له هذا الفراغ.
* انتهيت من مقابلته بأصله المخطوط مع الأخ الشيخ رمزي بن سعد الدِّين دمشقية، وبحضور الأخ الشيخ عالم البحرين نظام يعقوبي، والأخ المفضال المربي مساعد بن سالم العبد القادر، وذلك في المسجد الحرام تجاه الكعبة المعظمة، في الحادي والعشرين من رمضان، في الساعة المباركة من يوم الجمعة قُبيل المغرب، وصلى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
فقير عفو ربه
محمّد بن ناصر العجمي