المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح العيني (عمدة القاري): - مقارنة بين شروح كتب السنة الستة - جـ ٢

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح العيني (عمدة القاري):

والكتاب يحتاج إلى زمن طويل لنشر محاسنه ومزاياه؛ لكن هذا ما يحتمله الوقت.

بعد هذا (عمدة القاري في شرح صحيح البخاري) لبدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة.

طالب: الطبعة المعتمدة لفتح الباري؟

يسأل عن الطبعة، أفضل الطبعات بالنسبة لفتح الباري، هذه إن تيسرت طبعة بولاق فهي أجود الطبعات على الإطلاق؛ لأن الذين طبعوها، المطبعة السلفية، نعم الشيخ رحمه الله راجع مجلدين وشيء من الثالث؛ لكن بقية الكتاب طبع بحروفه بطبعة بولاق، طبعة بولاق هي الأصل التي أخذت منها الطبعة السلفية، إن لم تتيسر فالطبعة السلفية الأولى، وليست الثانية ولا الثالثة، الطبعة الثانية فيها أسقاط كثيرة وأوهام، والثالثة فرع عنها، مصورة عنها، وإن سموها طبعة ثالثة، لكن الطبعة السلفية الأولى متقنة إلى حدٍ ما.

طالب: المتقنة الأولى أو الثالثة؟

الأولى الأولى، الثانية لا شيء، فيها أسقاط وأسطر أحياناً، لا لا الطبعة السلفية الأولى، وهي تكاد أن تكون صورة لطبعة بولاق؛ لكن فيها بعض الأخطاء اليسيرة، هنا حتى في بعض التعليقات أشياء في تصويب بعض الكلمات مثل هنا يقول:"فينبغي الاضطراب" في هذه الطبعة، السلفية الأولى، "فينبغي الاضطراب" علق الشيخ رحمه الله، قال:"فينبغي أن لا اضطراب" لأن الحافظ نفى الاضطراب عن الحديث؛ لكن لا هذا ولا ذاك: "فينتفي الاضطراب" الحافظ في الفتح يقول: "فينبغي الاضطراب" فعلق الشيخ رحمه الله فقال: "ينبغي أن لا اضطراب" صواب العبارة: "فينتفي الاضطراب" يعني بعد كلام وتقرير الحافظ ابن حجر نفى فيه الاضطراب، على كلٍ البشر هذا ما ودع فيهم، من يعرى من الخطأ والنسيان.

‌شرح العيني (عمدة القاري):

ص: 21

(عمدة القاري) لبدر الدين العيني شرع في تأليفه مؤلفه كما قال القسطلاني في أواخر سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وفرغ منه في آخر الثلث الأول من ليلة السبت خامس شهر جمادى الأولى سنة سبعٍ وأربعين وثمانمائة، يعني بدأ بعد الحافظ بأربع سنوات، وفرغ بعده بخمس سنوات، ذكر في مقدمته أنه لما رحل إلى البلاد الشمالية قبل الثمانمائة مستصحباً صحيح البخاري لنشر فضله عن ذوي الألباب ظفر هناك من بعض مشايخه بغرائب النوادر مما يتعلق باستخراج ما في الصحيح من الكنوز، ثم لما عاد إلى الديار المصرية ندبه إلى شرح الكتاب أمور:

الأول: يقول: "أن يعلم أن في الزوايا خبايا، وأن العلم من منايح الله عز وجل ومن أفضل العطايا.

الثاني: إظهار ما منحه الله من فضله الغزير، وإقداره إياه على أخذ شيءٍ من علمه الكثير، يقول:"والشكر مما يزيد النعمة، ومن الشكر إظهار العلم للأمة".

الثالث: كثرة دعاء بعض الأصحاب للتصدي لشرح الكتاب، يقول: أنه طلب منه بإلحاح أن يتصدى لشرح الكتاب، ثم أجاب هذه الدعوة فشرح الكتاب.

ص: 22

افتتح الكتاب بمقدمة مختصرة، مقدمة لا تعدو عشرة صفحات، قريبة جداً من مقدمة النووي، افتتح المقدمة بذكر أسانيده إلى الإمام البخاري، ثم فوائد في اسم الصحيح وسبب تأليفه، وترجيح الصحيح على غيره، في شرطه، وعدد الأحاديث المسندة في صحيح البخاري، في فهرس أبواب البخاري مع عدد أحاديث كل كتاب، طبقات شيوخ البخاري، من تكلم فيه من رجال الصحيح، الفرق بين الاعتبار والمتابعة والشاهد، ضبط الأسماء المتكررة، معلقات الصحيح، ثم عرف بموضوع علم الحديث ومبادئه ومسائله، موضوع علم الحديث ومبادئه أخذها من شرح الكرماني، ولذا وقع فيما وقع فيه الكرماني، قال:"موضوع علم الحديث ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم"، هذا الكرماني قاله قبل، ثم العيني من بعده، ولذا يقول السيوطي في مقدمة التدريب:"ما زال شيخنا محي الدين الكافيجي يتعجب من قول الكرماني أن موضوع علم الحديث ذات الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: لأن ذاته موضوع علم الطب وليس موضوع علم الحديث"، ذاته، بدنه، شخصه، المقصود أن التقليد يوقع في مثل هذا، كل هذا المسائل التي ذكرها لا تزيد على عشر صفحات، نعم المباحث التي أودعها الحافظ في مقدمته موجودة في ثنايا هذا الكتاب، كل مبحث في موضعه، وإن كان ليس بصورة جلية وواضحة كما فعل الحافظ -رحمه الله تعالى-.

ص: 23

شرع بعد ذلكم في شرح الكتاب على ترتيبٍ جميل منظم، يشوّق القارئ، يبدأ أولاً: بمناسبة الحديث للترجمة، ثم يتحدث عن رجال رواة الحديث، ثم في ضبط أسماء الرجال ثم الأنساب، يعنون عناوين، مناسبة الحديث للترجمة: ثم إذا انتهى قال: رواة الحديث، ثم ضبط أسماء الرجال، ثم ضبط الأنساب، ثم يذكر فوائد تتعلق بالرجال، ثم لطائف الإسناد، قد يوجد مثل هذه في فتح الباري لكنها غير معنونة، ثم يبين نوع الحديث إن كان الحديث متميزاً بنوعٍ خاص من العزة والغرابة والتواتر، يقول: نوع الحديث، ثم يذكر مواضع الحديث من صحيح البخاري، ثم يذكر من أخرجه غير البخاري، ثم يبين اختلاف لفظه في المواضع، ثم يقول: بيان اللغة، عنوان، ثم بعد ذلكم بيان الإعراب، ثم بيان المعاني، عناوين هذه، بيان البيان، بيان البديع، ثم بعد ذلكم يقول: الأسئلة والأجوبة، يورد إشكالات في الحديث ثم يجيب عنها، ثم سبب الحديث إن كان له سبب، ثم استنباط الأحكام، وهو في كل ذلكم يطيل ويغرب في النقول والردود والمناقشات، ينقل من الشراح، وينقض أقوالهم، المقصود أن الشرح منظم ومرتب لو كان على وتيرةٍ واحدة، لكنه في هذا الترتيب وهذا التنظيم في أوائله لأنه اعتمد على أشياء انقطعت فانقطع معها على ما سيأتي ذكره.

ينقل ممن سبقه من الشراح كالخطابي والكرماني وابن بطال والنووي وغيرهم، وينقل كثيراً من فتح الباري، أحياناً ينقل المقطع الكبير من فتح الباري ويبهم المؤلف يقول: قال بعضهم، ولا يسمي، لا يسمي ابن حجر وإن كان ينقل منه واستفاد منه كثيراً، ثم بعد ذلكم يتعقبه كثيراً.

ص: 24

يقول القسطلاني: "واستمد فيه من فتح الباري"، يقول:"كان فيما قيل يستعيره من البرهان بن خضر بإذن مصنفه"، القدر الذي يفرغ منه الحافظ يستعيره العيني من البرهان من خضر بإذن ابن حجر، ما في بأس أن يطلع على الكلام ويناقش ويرد عليه ما في إشكال؛ لأن قصد الجمع الوصول إلى الحقيقة، بإذن مصنفه وتعقبه في مواضع، وطوله بما تعمد الحافظ ابن حجر في الفتح حذفه، من سياق الحديث بتمامه وإفراد كل من تراجم الرواة بالكلام، وبيان الأنساب واللغات والإعراب والمعاني والبيان، واستنباط الفرائد من الحديث والأسئلة والأجوبة إلى غير ذلك، يقول:"وقد حكي أن بعض الفضلاء ذكر للحافظ ابن حجر ترجيح شرح العيني بما اشتمل عليه من البديع وغيره، فقال بديهةً: "هذا شيء نقله من شرح لركن الدين -يعني أحمد بن محمد القريني هذا له شرح على البخاري، قطعة، شرح أوائل البخاري وجد فيها مثل هذا الترتيب وهذا التنظيم، والكلام على الحديث من حيث اللغة والإعرابات والبيان والمعاني والبديع إلى غير ذلك، يقول:"هذا شيء نقله من شرحٍ لركن الدين، وكنت -يقول الحافظ- قد وقفت عليه قبله، ولكن تركت النقل عنه؛ لكونه لم يتم، إنما كتبت منه قطعة وخشيت من تعبي بعد فراغها في الاسترسال"، يقول: إن أردت الاستمرار في هذا الترتيب لا شك أنه متعب، متعب جداً، الاسترسال في بيان ما في كل حديث من هذه المباحث متعب، يقول:"وخشيت من تعبي بعد فراغها في الاسترسال في هذا المهيع، ولذا لم يتكلم البدر العيني بعد تلك القطعة بشيءٍ من ذلك"، هذا الترتيب البديع الذي مشى عليه شيء يسير بالنسبة لعمدة القاري، يعني مشى فيه قرابة جزأين من الخمسة والعشرين، ممكن أن نقول: عشر الكتاب أو أقل، ثم بعد ذلك ترك كثير من هذه المباحث، نعم مشى على الترتيب، يمشي على تراجم الرواة، والرابط والاستنباط والأسئلة والأجوبة؛ لكن ما يتعلق بغرائب اللغة من النقول وما يتعلق به البيان والبديع وغير ذلك لما انتهى شرح ركن الدين انتهى العيني من ذلك.

ص: 25

ولا شك أن شرح العيني شرح موسع ومطول، وشرح حافل لا سيما في ثلثه الأول، والسبب في ذلكم أنه لم يفرق شرح الأحاديث على المواضع المتعددة، ويتحدث عن كل حديث في الموضع المناسب له، لا، أجلب بكل ما عنده في أول الكتاب، ثم في النهاية اختصر جداً، ميزة فتح الباري كما ذكرنا سابقاً التوازن في الشرح، حيث شرح آخر حديث في الكتاب بنفس المنهج والطريقة التي سار عليها في أوله، ثم بعد ذلكم العيني كما هو معروف حنفي المذهب، يتعصب لمذهبه، وهذا مما يحط من قيمة الكتاب، وابن حجر وإن كان شافعياً إلا أنه قد يخرج عن مذهبه لموافقة الحديث على أن المخالفة بين الكتاب المشروح، أحاديث الكتاب المشروح وبين مذهب الشافعي ليست كبيرة، بينهما تقارب كثير، ولذا لا يظهر التعصب بالنسبة لمن شرح الكتاب حينما يكون شافعياً أو يكون حنبلياً مثلاً، لكن حينما يكون الشارح حنفي، وكثير من الكتاب من أحاديث الكتاب تخالف مذهبه، الفجوة كبيرة، بخلاف الهوة التي بين الأحاديث التي في الصحيح وبين مذهب الحنابلة مثلاً أو مذهب الشافعية، الكرماني وابن حجر في مواضع ذكروا أن البخاري إذا قال: قال بعض الناس فمراده الحنفية، هذا يدل على أن فيه اختلاف كبير بين الإمام البخاري وبين مذهب أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-.

طالب:. . . . . . . . .

كلاهما، الكرماني (24، 66) وفتح الباري (12، 320) وغيرهم، يقولون: إذا قال البخاري: قال بعض الناس فمراده الحنفية، هذا يبين لنا سبب ظهور التعصب في شرح العيني وخفاؤه في شرح ابن حجر، هذا الأمر ينبغي أن يتنبه له، يقال: يحمل النصوص على غير مراد مؤلفها؟ نعم فرق كبير بين ما يراه البخاري واختياراته ومذهب أبي حنيفة رحمه الله، لا شك أن مذهب أبي حنيفة مذهب متبوع، وله أصوله من الكتاب والسنة، نعم يختلفون في بعض الأصول؛ لكن القدر المشترك من الأصول والأقطاب التي يعتمد عليها في الاستنباط والاستدلال متقارب؛ لكن بعض الأصول التي يعتمدها الحنفية قد توجد بعض الفجوة بينهم وبين غيرهم.

ص: 26