المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لماذا فشلت الليبرالية العربية - مقالات موقع الدرر السنية - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌من روائع المقالات القديمة

- ‌السياسة الرشيدة في الإسلام

- ‌تهيئة الشرق لوراثة الحضارات والمدنيات

- ‌حالة المسلمين

- ‌وحي القبور

- ‌المرأة المسلمة

- ‌نحن المسلمين

- ‌الصراع بين الإسلام وأعدائه

- ‌الغيرة على الحقائق والمصالح

- ‌الدعوة إلى الحق

- ‌كلمة الحق

- ‌المدنية المادية

- ‌الحضارة المتبرجة

- ‌الفتح الإسلامي

- ‌عِظَم الهمة

- ‌محاورة دينية اجتماعية (1/ 2)

- ‌محاورة دينية اجتماعية (2/ 2)

- ‌لماذا نحج

- ‌من ذكريات الحج

- ‌تهنئة وترحيب إلى الحجاج الكرام

- ‌لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها

- ‌دولة الكلام المبطلة الظالمة

- ‌أبصر طريقك

- ‌أصول سعادة الأمة

- ‌لا قوة إلا قوة الحق ولا مجد إلا مجد التضحية *

- ‌السعادة

- ‌أعيادنا بين العادة والعبادة

- ‌الصيام

- ‌معنى الصوم

- ‌عبادة الأحرار

- ‌فضل شهر رمضان

- ‌العجيبة الثامنة

- ‌ويلك آمن

- ‌النبوغ

- ‌العلماء والإصلاح

- ‌العلم وعلو الهمَّة

- ‌لمن أكتب

- ‌شرعة الحرب في الإسلام

- ‌سنن الاجتماع

- ‌ريع اللصوص

- ‌صدق العزيمة - أو قوة الإرادة

- ‌أثر الدعوة المحمدية في الحرية والمساواة (1/ 2)

- ‌أثر الدعوة المحمدية في الحرية والمساواة (2/ 2)

- ‌حقوق المال في الإسلام

- ‌نهجُ الأحرارِ من قديم

- ‌ضريبة الذل (يا ليت قومي يعلمون)

- ‌سماحة الإسلام

- ‌بيان أن سعادة الأمة في التهذيب

- ‌أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام

- ‌إلى علماء الأزهر

- ‌الاستبداد يشل القوى

- ‌الحرية

- ‌إباءة الضيم

- ‌يوم البعث

- ‌موت الأمم وحياتها

- ‌مقالات مميزة

- ‌السلفيون ليسوا وحدهم

- ‌خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام

- ‌تلميذ يحكي أحوال شيخه

- ‌سيادة القهر

- ‌مقتطفات من مقال مفاتيح السياسة الشرعية

- ‌ليبرالية بقشرة إسلامية

- ‌سيادة الشريعة: من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة (1)

- ‌على هامش سجال "السيادة

- ‌من ربقة الحرية إلى نعمة العبودية

- ‌سيادة الشريعة .. (الحد الفاصل بين الإسلام والعلمانية)

- ‌فوز حركة النهضة والمفاهيم الإسلامية

- ‌نداء إلى أهل ليبيا

- ‌مقتطفات من مقال الخيط الناظم في كتاب الله

- ‌عضوية المرأة للشورى .. تأصيل وتنزيل

- ‌الأسد، هل يوشك على السقوط

- ‌الانتفاضات التي حيرت الغرب

- ‌تمثيل الأنبياء كفر وتمثيل الصحابة وغيرهم من سادات الأمة حرام

- ‌عندما تصبح السماحة وثناً

- ‌البيان الثالث بشأن مجازر النظام السوري ضد شعبه

- ‌تمثيل الصحابة" مرة أخرى

- ‌التحذير من شهوات الفكر المهلكة

- ‌مسلسل الحسن والحسين ومعاوية - رؤية فنية شرعية

- ‌بيان الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح

- ‌الحياد الأجوف

- ‌هلْ واحدٌ منْ بينكمْ يعرفُ معنى الشَّام

- ‌رسالة من رابطة علماء المسلمين إلى الشعب التونسي

- ‌حمى الضنك الفكري

- ‌وجوه سلفية

- ‌البيان الثاني بشأن الأحداث في سوريا

- ‌البيان الثالث من رابطة علماء المسلمين

- ‌نحو تأصيل فكري للممانعة المجتمعية

- ‌هل للمرأة حقٌّ في قيادةِ السَّيَّارة

- ‌السلفية…منهج، أم جماعة

- ‌الحِمْيَة الفكرية

- ‌فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌مشاريع الإثارة…قيادة المرأة أنموذجاً

- ‌قراءة في الفكر التنويري

- ‌لماذا يرفض العلماء مشروع قيادة المرأة للسيارة

- ‌قيادة المرأة…حتى تُفهم

- ‌قيادة المرأة للسيارة .. مناقشة ليبرالية

- ‌الاستبدادان

- ‌التشغيب على المحكمات والثوابت

- ‌بيان من رابطة علماء المسلمين عن الأوضاع في سوريا

- ‌قصة الغرب و"الآخر

- ‌نكوص الهداة

- ‌ملوك الأرض أهل الرفض

- ‌بيان بشأن جرائم النظام السوري ضد إخواننا في سوريا

- ‌المخزون السياسي في الشريعة

- ‌حجاب الفقراء

- ‌للذين يسألون أين المشروع السلفي

- ‌الثبات يا شعب ليبيا

- ‌حديث عن المستقبل

- ‌التعامل مع المبتدعة في مقام الدعوة

- ‌بيان بشأن أحداث البحرين

- ‌البيان الختامي للمؤتمر الأول لرابطة علماء المسلمين

- ‌العلماء .. وقصور الرسالة

- ‌إضاءات في طريق البناء الفكري المتوازن

- ‌تهافت الفراعنة

- ‌نظرة واقعية في أحداث ليبيا

- ‌بيان حول أحداث ليبيا

- ‌بيان العلماء والدعاة في أحداث مصر وتونس

- ‌بيان حول أحداث البحرين

- ‌توحيد القلوب أولى من الحكم على صدَّام

- ‌الرد على من زعم جواز التبرك بالآثار النبوية المكانية

- ‌وقفات مع موضوع المسعى الجديد

- ‌في الأحداث عبرة - رؤية منهجية

- ‌غداً سأحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بيان من الهيئة الشرعية لحماية الحقوق والحريات بشأن الأحداث

- ‌نظرة شرعية في الأحداث الراهنة

- ‌الثورة على الظلم والعلمانية

- ‌على هامش أحداث تونس

- ‌التسربات الفكرية

- ‌عفواً يا شيخ سلمان، إنه رسول الله

- ‌رابطة علماء أهل السنة تهنئ شعب تونس

- ‌بيان رابطة علماء المسلمين بشأن أحداث تونس

- ‌من تجديد الفقه إلى تجديد الفقيه

- ‌المدخل الفقهي للمشروع التغريبي

- ‌بيان حول تمثيل شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم وجميع

- ‌شيوخ بني أمية "طبعة جديدة

- ‌مستقبل السودان بعد الانفصال

- ‌حلقات التحفيظ .. توقف وعودة

- ‌ولا تهنوا

- ‌هوس التفسير السياسي

- ‌مقاصد المحتسبين

- ‌وثائق ويكيليكس .. صيد ثمين أم طعم مثير

- ‌الانقلاب على المنهج .. الأسباب والعلاج

- ‌المسلمون إرهابيون .. عدا %99.6 منهم

- ‌بيان آل البيت النبوي من أهل الحرمين الشريفين في الدفاع عن الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين وإعلان حقيقة مذهبهم قديما وحديثا في تعظيم وإجلال الأزواج والأصحاب

- ‌فقه التيسير: الواجهة الخلفية للعصرانية

- ‌الحسابات الجارية - حقيقتها وتكييفها

- ‌المدخل المنهجي في التعامل مع جيل الصحابة

- ‌إيقاف القنوات الإسلامية…الأسباب والحلول

- ‌لماذا فشلت الليبرالية العربيَّة

- ‌البُقْعَة التَّنْويريَّة

- ‌قراءة بين سطور كرة الثلج التنويرية

- ‌ازدواجية ليبرالية: فضائح ملا وقس وحاخام .. وزلة شيخ

- ‌تلطف ولا تدهن

- ‌الأخطاء التاريخية والمنهجية في مؤلفات محمد أركون ومحمد عابد الجابري

- ‌تقرير مصير السودان…لا مصير الجنوب

- ‌بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌فلسفة عمل المرأة

- ‌(ميبي) مشروع هيمني أمريكي في الوطن العربي

- ‌القلق الفكري

- ‌محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة - رؤية تأصيلية

- ‌الفتوى وتغيير المجتمعات

الفصل: ‌لماذا فشلت الليبرالية العربية

‌لماذا فشلت الليبرالية العربيَّة

؟

عائض الدوسري

15ذي القعدة1431هـ

في البدء قالت .. "كيركبا تريك" المستشارة في إدارة الرئيس "ريغان" وممثلة أمريكا في الأمم المتحدة، تؤكد أن الديمقراطية مجرد لعبة لتحقيق مصالح الغرب، وأن قيم الغرب وسياساته خاضعة للعبة المعايير المزدوجة .. تقول:

(إنه ينبغي علينا عدم تشجيع الديمقراطية في وقت تكون فيه الحكومة المؤيدة من قبلنا تصارع أعداءها من أجل البقاء، وإن الإصلاحات المقترحة بعد ذلك لا بد أن يكون منها إحداث التغيير، وليس إقامة ديمقراطية).

تساؤل عقلي مشروع يطوف في أذهان بعض الإسلاميين والعلمانيين العرب: لماذا فشلت الليبرالية العربيَّة؟

وجواب هذا التساؤل معلق على جواب تساؤل آخر: فهل يوجد أصلاً ليبرالية عربية حقيقية؟!

هنا جوهر المشكلة لأن بعض الإسلاميين وخصومهم يخلطون بين العلمانية وبين الليبرالية، فلا يلزم من كون الإنسان علمانياً أن يكون ليبرالياً، إذ العلمانية موقف أيديولوجي فكري من الدين أو النص أو المقدس، فالعلماني قد يكون ديكتاتورياً -وهذا الغالب- وقد يتحالف مع الشيطان، ومع الديكتاتور، ومع أي جهة كانت، ما دامت تساعده في إدارة رحى معركته ضد الدين أو ضد المتدينين.

لذا فلا وجود موضوعي لليبرالية عربية، ولا أدل على ذلك من غياب ممارسة حقيقية للتسامح واحترام المخالف، وغياب أي مشروع إصلاحي مدني حقيقي، ينفع المواطن العربي في عالمنا العربي المتألم!

إن سلوك العلماني العربي جعل "الليبرالية" كلمة مكروهة مشوهة تحتقرها الجماهير الصارخة بآلامها، لأنها تشاهد بأم أعينها خيانة النخب العلمانية العربية لهمومها وآمالها، ولا تجد من هذه النخب إلا تحالفاً وتبريراً للدكتاتور، مع أن هذه النخب المتخمة بالعلمنة تصيح صباح مساء قائلة: قدسوا الحرية كي لا يدوسكم الطغاة!

وهم كل يوم بل كل لحظة يدوسون هموم الشعوب، ويتحالفون مع الشيطان الأصغر والأكبر، كي يتمكنوا من أغراضهم الخاصة، ونزواتهم الشخصية.

العقلاء -يا سادة- مع اختلافهم وتباين توجهاتهم فإنهم قد يحترمون من يخالفهم إذا رأوه صادقاً مع نفسه ومبادئه. إن الليبرالي الذي يؤمن بمبادئه ويمارسها حقيقة، ويدافع عن كرامة الناس وحقوقهم، ويتسامح مع خصومه، ويتقبلهم، يضع له خصومه حساباً لأنهم يعلمون أنه مؤمن حقيقة بقضيته.

ومن يتأمل الصحابي الكريم "عمرو بن العاص" الذي يقول عن الروم .. ما ورد في صحيح مسلم ما قد يبيّن بعض طباع هؤلاء الناس، مع إنصافهم وعدم غمط حقهم. فقد روى مسلم عن المستورد القرشي أنه قال عند "عمرو بن العاص" رضي الله عنه:

(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " تقوم الساعة والروم أكثر الناس ". فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالاً أربعاً:

إنهم لأحلم الناس عند فتنة.

وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة.

وأوشكهم كرة بعد فرة.

وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف.

وخامسة حسنة وجميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك).

فتأملوا كلام هذا الصحابي العظيم رضي الله عنه، وكيف أنصفهم وشهد لهم بما هم أهله، مع كفرهم وعداوتهم، وتأملوا في المقابل المثقف العلماني العربي فستجدونه -في أكثر الأحيان- متسلطاً دكتاتوراً محارباً للدين في أصوله وتفاصيله، لا يهمه مسكين أو يتيم، بل سليط اللسان بذيء الألفاظ، إذا خاصم فجر، عنده كل القابلية لأن يطعن في أعراض خصومه بالبهتان، تجده يمارس أشد أنواع الإقصاء، فهو دغمائي، سادي -كما يعبرون- ليس عنده أي قابلية لأن يتسامح.

وما أجمل ما صوره النصراني العلماني (رفيق حبيب) لهذه النخبة حينما قال:

ص: 464

(الانبهار بالغرب أدى إلى هزيمة عقل الأمة ومن العقول المهزومة ظهر فريق يحاول أن يتحد مع المنتصر ويتبنى حضارة الغرب، ولكن لدى وكلاء الغرب كانت الصدمة سببا في الالتحاق بالغرب ونقل قيمه وأفكاره ونموذج حياته وكانت الدعوة للحرية الغربية تجد طريقها لدى النخبة المثقفة، إن وكلاء الغرب يشكون من عدم إتاحة الفرصة كاملة لحرية البحث ويؤكدون أن حضارتنا وتراثنا قيود على البحث العلمي، والحقيقة أن هذه الشكوى تنبع من قضية على جانب كبير من الخطورة، لأن تطبيق العلم الغربي في سياق حضارتنا يمثل تعديا على كل مقدسات الأمة ولذلك فانه يواجه من مجموع الأمة ومن هنا يشكو وكلاء الغرب بسبب إن حرية البحث العلمي مقيدة والحقيقة أن التعدي على مقدسات الأمة مقيد).

العلماني يريد أن يمارس حريته -عبثه- مع المقدس لأنه يرى أن لا مقدس إلا هو، الدين لا قداسة له، هو متغير ومتحول، وغير ثابت، لكن الديكتاتور عند العلماني العربي ثابت غير متحول، ولذا فهو يلعق حذاء الدكتاتور ويسبح بحمده، يغرد بسرد إنجازاته، إنه يعبده ويتخذه آلهة، ولا ينبس بكليمة صغيرة من أجل ضمير الشعب المطحون تحت قهر الفقر والذل!

العلماني العربي قوي شجاع حينما يتكلم عن الله سبحانه، وعن دينه، يدعي بطولة رخيصة، فإذا ثارت الجماهير المؤمنة صارخة متألمة من أجل ربها وحبيبها نبيها ودينها، صاح العلماني العربي: أين الحرية؟ أين التسامح؟ أين قبول الرأي الأخر؟!

يا له من شجاع وجريء على دين الله، ويا له من جبان ورعديد ومنافق حينما يتحدث عن الديكتاتور!

إن الجماهير مقتت من يطنطن بالحرية وتراه لا يمارس حريته إلا حينما يتحدث عن الله ودينه، لكنه لا يتحدث بهذه الحرية حينما سرقت اللقمة الصغيرة من أفواه ملايين الشعوب، ولم يتحدث عن الأيتام، عن الفساد، عن مشاريع حقيقية ينتفع بها الإنسان.

إن ما تروجه العلمانية الغربية والأمريكية، والتي تتشدق بالحرية والديمقراطية هذه الأيام وقبلها هي أبعد ما تكون عن تطبيقها وممارستها في العالم العربي والإسلام، لأنها تعتقد أننا غير قابلين لمثل هذه القيم، ومهما تشدقوا فثقوا أن ديمقراطيتهم لا تباع ولا تستبدل، إن الديمقراطية مجرد فزاعة للأنظمة وللحكومات، وجزرة للشعوب اللاهثة.

ولذا نتفهم وجهة نظر الخبير الفرنسي بشؤون الإسلام السياسي "أوليفيه روا" حينما يتحدث عن خيارات الغرب تجاه الحرية والديمقراطية في العالم العربي البائس؛ حينما تتعرض مصالحه للخطر، فهنا يضحي بقيمه وتعاليمه المقدسة، في سبيل الحفاظ على مصالحه .. يقول:

(عندما يكون على الغرب الاختيار بين العلمانية والديمقراطية، فهو يختار العلمانية دائماً، وعندما تكون العلمانية في كفة والديمقراطية في كفة كما في الجزائر وتركيا فالغرب يختار دائماً العلمانية لا الديمقراطية، الغرب يفضل قيام نظام تسلطي دكتاتوري على وصول الإسلاميين إلى السلطة).

وقد أكد هذه الحقيقة ودون مواربة أو خجل (أدوارد ما نسفليد - وجاك سنايدر) عندما تحدثا عن فوز جبهة الإنقاذ الجزائرية، وحزب الرفاة في تركيا وضرورة ضربهما .. يقولان:

(في كلتا الحالتين، كان لا بد من انتهاك المسار الديمقراطي، وذلك لإيقاف ما أسفرت عنه العملية الديمقراطية نفسها، فقد عبر كثير من المراقبين والحكومات عن ارتياحهما لهذا، مبررين ذلك بأنه من الأفضل وجود حكومة " فاشية " نستطيع التعامل معها، بدلاً من حكومة إسلامية لا نستطيع التعامل معها).

ص: 465

ولذا يقرر الغرب أنه من الخطأ الاستراتيجي دعم أعظم القيم الغربية "الديمقراطية والحرية" قيمةً في بلدان تتقاطع مصالحها مع تلك القيم، وهذه الحقيقة يقررها المفكر الغربي "روبرت كانمان" في كتاب ألفه لهذا الغرض اسماه ب " الديمقراطية والمعايير المزدوجة " ومما قاله في هذا الكتاب:

(إن الجميع - في الغرب - يتفق على أنه من الخطر دعم الديمقراطية بجميع صورها في العالم الإسلامي).

وإذا كان العلماني العربي يدرك ذلك سياسياً، فهو لا يجد غضاضة في وضع يده في يد أعداء دينه ووطنه، والصياح دائماً بالحرية التي تعني له: أنه يجب أن يلعن الدين ويشتم الله بدون أن يضايقه أحد، وهو يعلم أن الغرب لن ُيصدر أقدس قيمه "الحرية" لحفنة من البشر يراهم دون قيمة البشر!

وحينما نتجه للمرأة وما أدراك ما المرأة؟! تجده يتحدث عن المرأة .. عفواً .. ليست المرأة الإنسان، ليست المرأة الأم .. ليست المرأة اليتيمة .. ليست المرأة الفقيرة .. إنه يتحدث عن المرأة الصغيرة الجميلة، إنه يريد أن لا يتعطل نصف المجتمع في البيوت لصناعة الجيل القادم رجلاً ونساءً، إنه يريد أن يعمل نصف المجتمع قريباً منه وتحت ناظريه، ليخلو البيت!

ألم يقل كبيرهم العلماني المشهور "بوعلي ياسين":

(الرجل المثقف -العلماني- في مجتمعنا يدعو إلى المساواة ويطالب المرأة بأن تكون ندا للرجل ولكنه نادرا ما يتزوج هذه المرأة المتساوية معه أو الند له، إنه يقبلها صديقة ورفيقة وزميلة لكنه يخافها ويبتعد عنها كزوجة .. إنه يريدها غرّة، ولذلك تراه يركض وراء المراهقات).

إن الليبرالي الغربي -المؤمن بكرامة أمته- قدم نفسه وحياته قبل كلماته في الصحف المستأجرة، مات هو يخدم قضيته، ضحى من أجلها، مات وهو صارخ بها، لأنه يعتقد أن الكرامة ملك للإنسان في بلاده يجب الحصول عليها، وهي حريته وليبراليته، ولذا وقف ضد الدكتاتور، ومات تحت جنازير دباباته، وقتل برصاصه، لكنه عاد وفي كل مرة حتى بناء حلمه على أرض الحقيقة.

في أمريكا حينما ضربت في صباح عجيب، في ضحى 11 سبتمبر، توحدت العقول والقلوب، وتوحد اليمين مع اليسار، وتوحدت الديمقراطية مع الجمهورية، وتوحد الشمال مع الجنوب، وتوحد العلماني والليبرالي مع الزعيم الراديكالي الأصولي الإنجليكاني!

لقد تناسوا كل خلافاتهم وتوحدوا في وجه العدو الخارجي، لقد قرر زعيمهم "بوش" الإنجليكاني الجديد أن يتحفظ على بعض حقوق الليبرالية في وقت الأزمة، فأقروا له وأخبتوا، طاعة وحباً كرامة، لقد صارت أمريكا -يا سادة- كقطعة معدنٍ صلبة في زمن الضربة.

لكن -ويا أسفي على لكن- تجد العكس عندنا، دهمنا العدو بخيله ورجله، بصحفه وقنواته، سدد سهامه للنيل من بلادنا وشعبنا وقيادتنا وتقسيم وطننا، طعن في عقيدتنا، وتهجم على عقولنا، وسخر من كرامتنا، وداس على عزتنا .. فماذا فعلنا؟

شُتت الجهود، وتفرقنا، وتمزقنا، وصار العلماني يرحب بالفاتح الجديد ويرحب به، ويهدد من خلاله قائلاً:[غيروا بأنفسكم أحسن من يجيكم من يغيركم بالعصى]!

لقد ابتزوا في الفتنة، وشطروا البلاد، وجعلوا منبر الكلمة منبراً للطعن في ضمير الأمة، وتشتيت كلمتها، وطعن في علمائها، لقد ابتغوا الفتنة وقلبوا الأمور، واستأجروا كل مريض وصاحب سوابق، لقد مزقوا عقل الوطن وضميره وانتماءه.

ثم خرجت خارجة من شباب الوطن تضرب بره وفاجره، ولا تتحاشى مؤمنه، كفرت بطاعة الإمام، وقتل أهل الإسلام والأوثان، فبكى الوطن، واشتكى الدين إلى الله، وسكبت العبرات على عقول تاهت ووجوهٍ شاهت.

ص: 466

قفز الليبرالي في منبر الكلمة وفرح بهذا الخنجر الذي طعن خاصرة الوطن والإيمان، فاستثمره لصالحه، وظفه لخدمت أجندته الخاصة، فمال على كل ما هو إسلامي فعاث به ضرباً باليمين وضرباً بالشمال .. وإلى الله المشتكى.

فبدل أن تتوحد الجهود وتتراص الأقدام، وتجتمع القلوب في أزمنة الفتنة، صارت فتنة فوق فتنة!!

فكان العلماني العربي مفلساً ليس عنده أدنى ذرة لأن يضحي لأجل مبدأ، أو دين، أو وطن، بل عنده كل الاستعداد لأن يضع نفسه ويده مع أعداء أمته ودينه ووطنه، عنده استعداد للدفاع عن إسرائيل، وتبرير جرائم الأمريكان في كل مكان، وتحويل فضيحة سجن أبوغريب إلى حديثة الزهور، مع أن الليبرالي الأمريكي لا يزال صارخاً يدين جرائم بلاده!

مفارقة غريبة .. قد يفسرها فهم كثير من العلمانيين أن الحرية هي الجنس، أو المزيد من الجنس، والفوضوية، وعدم المسؤولية، والعبث بأي شيء.

لهذا السبب كره الناس هؤلاء، ورفضوهم .. وهكذ1 فشلوا، وسوف يفشلون دائماً.

لقد أعجبني ما قاله الدكتور (برهان غليون) أستاذ كبير في جامعة السوربون، علماني يساري التوجه، ولكنه منصف وباحث جاد وحيادي:

(ليس صحيحا أن الذي يعيق الأنظمة العربية مثلا عن تحقيق الديمقراطية هو خوفها من الإسلاميين، بل هي لم ترفع شعار الديمقراطية إلا لمواجهتهم وبسببهم، إن تفجر الأزمة - كما هي اليوم - لتبدو وكأنها مواجهة أهلية شاملة، لم تحصل إلا بسبب طفوح الكيل من الغش والخداع والكذب والتلاعب بعقول الشعب، واحتقار ذكائه ومخيلته، إن ما نسميه بالمجتمع " المدني " ومنظماته هو اليوم نهب لأجهزة المخابرات وضحية لها.

إن الحركات الإسلامية لم تتوسع إلا لأن السلطات القائمة رفضت أي تشغيل للقنوات السياسية الطبيعية، وحاولت منع المجتمع من التنفس والحياة، وهذه الحركات تشكل آخر تعبير سياسي عن روح الثورة والتمرد الكامنة في شعب اغتصب حقه في المشاركة والحياة منذ عقود).

ثم يعتب الدكتور غليون على النخب العلمانية في معاونتها للطغاة في القضاء على المتدينين، بحجة العمل للديمقراطية وتنظيف الساحة منهم، وأن الحكام في الجزائر قتلوا مالا يقل عن (30) ألف إسلامي بحجة تنظيف الساحة منهم!!!

يقول الدكتور غليون بالحرف الواحد:

(من هم الإسلاميون، غير إخواننا وأبنائنا وبناتنا؟ أليسوا هم أنفسهم القوى التي نحتاج إليها لمواجهة التحديات الكبرى المادية والمعنوية، الخارجية والداخلية التي تعمل لتدميرنا؟؟).

وأخيراً

هل يفهم العلماني العربي ما يقوله "صاموئيل هنتنغتون" الخبير في وزارة الخارجية الأمريكية:

(إن المشكلة بالنسبة للغرب ليست الإسلاميين المتطرفين، وإنما الإسلام ككل، فالإسلام بكل طوائفه وفي مختلف دوله عبارة عن حضارة كاملة تشتمل الدين والدنيا، وكل مظاهر الحياة اليومية، ولذا قلت إن الإسلام ونظام الدول الغربية لن يلتقيا، إن المسلمين يعلنون في وجه كل غربي إن دينهم هو الأحسن وأن عاداتهم وتقاليدهم هي الأفضل، كلهم يقول ذلك المتطرف والمعتدل).

ص: 467