المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أصول سعادة الأمة - مقالات موقع الدرر السنية - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌من روائع المقالات القديمة

- ‌السياسة الرشيدة في الإسلام

- ‌تهيئة الشرق لوراثة الحضارات والمدنيات

- ‌حالة المسلمين

- ‌وحي القبور

- ‌المرأة المسلمة

- ‌نحن المسلمين

- ‌الصراع بين الإسلام وأعدائه

- ‌الغيرة على الحقائق والمصالح

- ‌الدعوة إلى الحق

- ‌كلمة الحق

- ‌المدنية المادية

- ‌الحضارة المتبرجة

- ‌الفتح الإسلامي

- ‌عِظَم الهمة

- ‌محاورة دينية اجتماعية (1/ 2)

- ‌محاورة دينية اجتماعية (2/ 2)

- ‌لماذا نحج

- ‌من ذكريات الحج

- ‌تهنئة وترحيب إلى الحجاج الكرام

- ‌لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها

- ‌دولة الكلام المبطلة الظالمة

- ‌أبصر طريقك

- ‌أصول سعادة الأمة

- ‌لا قوة إلا قوة الحق ولا مجد إلا مجد التضحية *

- ‌السعادة

- ‌أعيادنا بين العادة والعبادة

- ‌الصيام

- ‌معنى الصوم

- ‌عبادة الأحرار

- ‌فضل شهر رمضان

- ‌العجيبة الثامنة

- ‌ويلك آمن

- ‌النبوغ

- ‌العلماء والإصلاح

- ‌العلم وعلو الهمَّة

- ‌لمن أكتب

- ‌شرعة الحرب في الإسلام

- ‌سنن الاجتماع

- ‌ريع اللصوص

- ‌صدق العزيمة - أو قوة الإرادة

- ‌أثر الدعوة المحمدية في الحرية والمساواة (1/ 2)

- ‌أثر الدعوة المحمدية في الحرية والمساواة (2/ 2)

- ‌حقوق المال في الإسلام

- ‌نهجُ الأحرارِ من قديم

- ‌ضريبة الذل (يا ليت قومي يعلمون)

- ‌سماحة الإسلام

- ‌بيان أن سعادة الأمة في التهذيب

- ‌أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام

- ‌إلى علماء الأزهر

- ‌الاستبداد يشل القوى

- ‌الحرية

- ‌إباءة الضيم

- ‌يوم البعث

- ‌موت الأمم وحياتها

- ‌مقالات مميزة

- ‌السلفيون ليسوا وحدهم

- ‌خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام

- ‌تلميذ يحكي أحوال شيخه

- ‌سيادة القهر

- ‌مقتطفات من مقال مفاتيح السياسة الشرعية

- ‌ليبرالية بقشرة إسلامية

- ‌سيادة الشريعة: من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة (1)

- ‌على هامش سجال "السيادة

- ‌من ربقة الحرية إلى نعمة العبودية

- ‌سيادة الشريعة .. (الحد الفاصل بين الإسلام والعلمانية)

- ‌فوز حركة النهضة والمفاهيم الإسلامية

- ‌نداء إلى أهل ليبيا

- ‌مقتطفات من مقال الخيط الناظم في كتاب الله

- ‌عضوية المرأة للشورى .. تأصيل وتنزيل

- ‌الأسد، هل يوشك على السقوط

- ‌الانتفاضات التي حيرت الغرب

- ‌تمثيل الأنبياء كفر وتمثيل الصحابة وغيرهم من سادات الأمة حرام

- ‌عندما تصبح السماحة وثناً

- ‌البيان الثالث بشأن مجازر النظام السوري ضد شعبه

- ‌تمثيل الصحابة" مرة أخرى

- ‌التحذير من شهوات الفكر المهلكة

- ‌مسلسل الحسن والحسين ومعاوية - رؤية فنية شرعية

- ‌بيان الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح

- ‌الحياد الأجوف

- ‌هلْ واحدٌ منْ بينكمْ يعرفُ معنى الشَّام

- ‌رسالة من رابطة علماء المسلمين إلى الشعب التونسي

- ‌حمى الضنك الفكري

- ‌وجوه سلفية

- ‌البيان الثاني بشأن الأحداث في سوريا

- ‌البيان الثالث من رابطة علماء المسلمين

- ‌نحو تأصيل فكري للممانعة المجتمعية

- ‌هل للمرأة حقٌّ في قيادةِ السَّيَّارة

- ‌السلفية…منهج، أم جماعة

- ‌الحِمْيَة الفكرية

- ‌فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌مشاريع الإثارة…قيادة المرأة أنموذجاً

- ‌قراءة في الفكر التنويري

- ‌لماذا يرفض العلماء مشروع قيادة المرأة للسيارة

- ‌قيادة المرأة…حتى تُفهم

- ‌قيادة المرأة للسيارة .. مناقشة ليبرالية

- ‌الاستبدادان

- ‌التشغيب على المحكمات والثوابت

- ‌بيان من رابطة علماء المسلمين عن الأوضاع في سوريا

- ‌قصة الغرب و"الآخر

- ‌نكوص الهداة

- ‌ملوك الأرض أهل الرفض

- ‌بيان بشأن جرائم النظام السوري ضد إخواننا في سوريا

- ‌المخزون السياسي في الشريعة

- ‌حجاب الفقراء

- ‌للذين يسألون أين المشروع السلفي

- ‌الثبات يا شعب ليبيا

- ‌حديث عن المستقبل

- ‌التعامل مع المبتدعة في مقام الدعوة

- ‌بيان بشأن أحداث البحرين

- ‌البيان الختامي للمؤتمر الأول لرابطة علماء المسلمين

- ‌العلماء .. وقصور الرسالة

- ‌إضاءات في طريق البناء الفكري المتوازن

- ‌تهافت الفراعنة

- ‌نظرة واقعية في أحداث ليبيا

- ‌بيان حول أحداث ليبيا

- ‌بيان العلماء والدعاة في أحداث مصر وتونس

- ‌بيان حول أحداث البحرين

- ‌توحيد القلوب أولى من الحكم على صدَّام

- ‌الرد على من زعم جواز التبرك بالآثار النبوية المكانية

- ‌وقفات مع موضوع المسعى الجديد

- ‌في الأحداث عبرة - رؤية منهجية

- ‌غداً سأحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بيان من الهيئة الشرعية لحماية الحقوق والحريات بشأن الأحداث

- ‌نظرة شرعية في الأحداث الراهنة

- ‌الثورة على الظلم والعلمانية

- ‌على هامش أحداث تونس

- ‌التسربات الفكرية

- ‌عفواً يا شيخ سلمان، إنه رسول الله

- ‌رابطة علماء أهل السنة تهنئ شعب تونس

- ‌بيان رابطة علماء المسلمين بشأن أحداث تونس

- ‌من تجديد الفقه إلى تجديد الفقيه

- ‌المدخل الفقهي للمشروع التغريبي

- ‌بيان حول تمثيل شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم وجميع

- ‌شيوخ بني أمية "طبعة جديدة

- ‌مستقبل السودان بعد الانفصال

- ‌حلقات التحفيظ .. توقف وعودة

- ‌ولا تهنوا

- ‌هوس التفسير السياسي

- ‌مقاصد المحتسبين

- ‌وثائق ويكيليكس .. صيد ثمين أم طعم مثير

- ‌الانقلاب على المنهج .. الأسباب والعلاج

- ‌المسلمون إرهابيون .. عدا %99.6 منهم

- ‌بيان آل البيت النبوي من أهل الحرمين الشريفين في الدفاع عن الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين وإعلان حقيقة مذهبهم قديما وحديثا في تعظيم وإجلال الأزواج والأصحاب

- ‌فقه التيسير: الواجهة الخلفية للعصرانية

- ‌الحسابات الجارية - حقيقتها وتكييفها

- ‌المدخل المنهجي في التعامل مع جيل الصحابة

- ‌إيقاف القنوات الإسلامية…الأسباب والحلول

- ‌لماذا فشلت الليبرالية العربيَّة

- ‌البُقْعَة التَّنْويريَّة

- ‌قراءة بين سطور كرة الثلج التنويرية

- ‌ازدواجية ليبرالية: فضائح ملا وقس وحاخام .. وزلة شيخ

- ‌تلطف ولا تدهن

- ‌الأخطاء التاريخية والمنهجية في مؤلفات محمد أركون ومحمد عابد الجابري

- ‌تقرير مصير السودان…لا مصير الجنوب

- ‌بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌فلسفة عمل المرأة

- ‌(ميبي) مشروع هيمني أمريكي في الوطن العربي

- ‌القلق الفكري

- ‌محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة - رؤية تأصيلية

- ‌الفتوى وتغيير المجتمعات

الفصل: ‌أصول سعادة الأمة

‌أصول سعادة الأمة

محمد الخضر حسين (ت:1377هـ)

نشر عام 1349هـ

سعادة الأمة: أن تستنير عقولها، وتسمو أخلاقها، وتغتبط بالنظم التي تساس بها، وترضى عن طريق تطبيقها، وترتاح إلى تنفيذها، وتأمن أن تمتد يد غريبة إلى حق من حقوقها.

أما استنارة عقولها، فبإقامة معاهد كافية للتعليم؛ فإن الأمة التي تتألف من متعلمين وغير متعلمين، يصعب على قادتها، متى أرادوا توجيهها نحو الحياة الصالحة، أن يجدوها لينة القياد، خفيفة الخطا.

والتعليم الصحيح: ما يؤخذ فيه بأرقى النظم وأحكم الأساليب. وتلقي العلوم بأساليب غير مهذبة هو العلة في تباطؤ النهضة العلمية، وعدم انتظام طرق البحث والتفكير.

ولا سبيل إلى أن يغبط الشعب بنهضته العلمية، حتى يتربى نشؤه على أن يطلبوا العلم بداعي اجتلاء الحقائق، والحرص على أسمى الفضائل. ومما يقعد بهم عن مرتبة النبوغ والابتكار في العلوم: أن يجعلوا لطلب العلم غاية مادية، حتى إذا أدركوها، انقطعوا.

والتعليم الذي تؤمن عاقبته، وتزكو ثمرته: ما اهتدى فيه الطلاب إلى طريقة نقد الآراء وتمحيصها، حتى لا يقبلوا رأياً إلا أن يستبينوا رجحانه بدليل، وقد رأينا رأي العين أن طائفة من أبنائنا قد انحرفوا عن طريق الرشد، ولو كانوا ممن يرد الآراء إلى قوانين البحث المعقولة، لاستقاموا على هدى الله وما كانوا من المفتونين.

وأما سمو أخلاقها، فلِتستقيم أعمالها، وتنتظم المعاملات بينها، والأعمال الخطيرة إنما تقوم على نحو الصبر والعزم والكرم والإقدام، والمعاملات الرابحة لا تدوم في تماسك وصفاء، إلا أن تكون محفوظة بنحو الصدق والأمانة والحلم، وسماحة النفس ورقة العاطفة، وهذا الوجه من وجوه السعادة ملقى في عهدة من يتولى أمر التربية؛ كالأمهات والآباء ورجال التعليم، ولا يكون في الأمهات والآباء والمعلمين كفاية لأن يخرج الطفل أو الفتى من بين أيديهم طاهر السريرة، مستقيم السيرة، حتى يكون التعليم الديني ضارباً بأشعته في جميع مدارسنا، أولية كانت أو عليا، وإذا وصلت التربية الدينية إلى النفوس من طريقها الصحيح، فلا ترى منها إلا حياء وعفافاً، وصدقاً وأمانة، واستصغاراً للعظائم، وغيرة على الحقائق والمصالح، وما شئت بعد من عزة النفس وكبر الهمة. تلك خصال لا تثبت أصولها وتعلو فروعها إلا أن يتفيأ عليها ظلال الهداية ذات اليمين وذات الشمال.

وأما توافر وسائل الثروة، فلِتكون مرافق الحياة بين يديها، والعيش ميسوراً لكل فرد من أفرادها، وما أبعد الأمة عن سعادة الحياة إذا كثر فيها أولئك الذين يتكففون الناس في أيديهم، وأولئك الذين يترددون على المقاهي والنوادي في الصباح، كما يترددون عليها في المساء!

من حقوق الأمة أن يهيئ لها ولاة أمورها الوسائل للأعمال العامة، وينظروا في ترقية الصناعة والزراعة والتجارة، وتوسيع دائرتها، يُعنَون بها من الوجهة العلمية: بفتح مدارس لتلقي ما له اختصاص بهذه الأصول الاقتصادية من علوم وفنون، ويُعنَون بها من الوجهة العملية: بإنشاء مصانع، وتشجيع الزراع، وتدبير الوسائل لرواج البضائع الوطنية ما استطاعوا، وبمثل هذه المساعي تجد الأيدي العاطلة مجالاً للعمل، ولا تخرج أثمان ملابسنا وأمتعة منازلنا وسائر مرافق حياتنا عن حدود أوطاننا.

وليست تبعة الحالة الاقتصادية ملقاة على عاتق أولي الأمر وحدهم، بل على الموسرين حظ من هذه التبعة عظيم؛ إذ في ميسورهم تأليف شركات تراعي في نظمها أصول الدين الحنيف، فتفيض بربح مبارك غزير، ويعيش من العمل بها خلق كثير.

أقمت في عاصمة ألمانيا وبعض مدنها وقراها زمناً غير قصير، فلم أر قط سائلاً سليم البنية، بل لم أر في تلك المدة متكففاً غير نفر قليل هم ما بين رجل مقطوع اليد أو الرجل، أو عجوز بلغت من الكبر ما فت في عضدها، لم أر سليم البدن يتكفف؛ إذ لا يعدم سليم البدن أن يجد هنالك عملاً حيوياً إذا شاء، والتعليم -وهو هناك إلزامي- يقبح لصاحبه أن يقف موقف الاستجداء.

وكثير من أمراء الإسلام كانوا ينظرون الأمة برأفة، ويجتهدون في أن يخففوا عنها متاعب الحياة ما قدروا.

وهذا طاهر بن الحسين يقول في كتابه الذي بعث به إلى ابنه عبد الله حين ولاه المأمون مصر والرقة وما بينهما: (وتعاهد ذوي البأساء وأيتامهم وأراملهم، واجعل لهم أرزاقاً من بيت المال، وانصب لمرضى المسلمين دوراً تؤويهم، وقواماً يرفقون بهم، وأطباء يعالجون أسقامهم، وأسعفهم بشهواتهم ما لم يؤدِّ ذلك إلى سرف في بيت المال).

وفي فتح طرق العمل للمستطيعين، وإقامة مستشفيات وملاجئ للمرضى والعاجزين، إنقاذ للأمة من أن تقود الحاجة طائفة من أبنائها إلى نواد أو مستشفيات يفتحها من يقصد إلى إفساد عقائدها الدينية، أو إطفاء غيرتها الوطنية.

وأما الاغتباط بالنظم المدنية، فذلك ما يدعوها إلى أن تحترمها من صميم أفئدتها، فتراعيها في السر؛ كما تتقيها في العلانية، فيكتفي الناس في أكثر الخصومات بمعرفة الحق من طريق الاستفتاء. وأولو الأمر هم الذين يقررون النظم المدنية، ويقومون على تطبيقها، فأولو الأمر - على اختلاف طبقاتهم، وتفاوت مقاماتهم - طائفة من الأمة تولوا النظر في شؤونها العامة، فيجب أن يتجلى فيهم روح النيابة عنها، ولا يتجلى هذا الروح إلا أن يعملوا على ما يكفل مصالحها، ومقتضى هذا أن تساس بنظم تراها أحكم وضعاً، وأرعى للمصالح. والأمة الإسلامية إنما تشهد للنظم بالحكمة ورعاية المصالح، متى وافقت أصول شريعتها، ولم ينتهك بها شيء من حرمتها.

وأما الرضا عن حال التطبيق، فلأن صحة النظم إنما يظهر أثرها على أيدي من يوكل إليهم أمر تطبيقها. وما مزية القانون العادل إذا وكل العمل به إلى من لم تحسن المدرسة أدبه؟ فتطبيق القوانين على الحوادث، يرجع إلى أدب الحاكم، ومبلغه من العلم والفهم. فمن حق الأمة أن لا يتولى الحكم فيما شجر بينها إلا ذو ثقافة يجيد بها عمل التطبيق، واستقامة يقف أمامها القوي والضعيف على سواء، وهذا ما يدور عليه فضيلة العدل المأمور به في قوله تعالى:{وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [النساء: 58]، وقوله تعالى:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45].

وأما الارتياح لطرق التنفيذ، فيعود إلى السلطة الإجرائية؛ كإدارة الشرطة. وحق الشعب على هؤلاء أن تأخذهم به الرحمة، ويشعروا بأنه جسدهم بعض أعضائه.

أقمت في بعض البلاد الشرقية، فكنت أرى بين رجال القوة المسلحة وسائر الوطنيين جفاء يتطاير شرره لأدنى مخاطبة تدور بينهما، ثم رحلت إلى عاصمة أوربية، وطفت في بعض المدن والقرى، فكنت أرى تعطفاً وائتلافاً بين الجند والشرطة وبقية الشعب، ولا يكاد الناظر يفرق بينهما إلا بما يحمله الأولون من هيئة رسمية أو سلاح، كنت أشاهد سائق العجلة يجادل الشرطي مدة غير قصيرة، وأصواتهما في ارتفاع متساوية، ولا يكون بعد هذا إلا أن يقنع أحدهما الآخر ويفترقا.

نحن نعلم أن انتشار التعليم في الشعب يساعد رجال الأمن وغيرهم على تنفيذ النظم العامة بكلمة ينبهون بها من يروم مخالفتها، ولكن المحروم من التعليم هو في حاجة إلى أن ينظر إليه بشفقة، ويعالج إليه بشيء من الرفق، إلا أن يخرق النظام متمرداً.

قال معاوية بن أبي سفيان: (لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني).

وتطبيق النظم على الواقع، وتنفيذها بعدل، حق من حقوق الأمة على ولاة أمورها، وإذا توقف على شيء يرجع الخطاب فيه إلى بعض أفراد الأمة؛ كأداء الشهادة على وجهها، كانت تبعته على أولئك الذين يستطيعون أن يشهدوا بحق، ويكتمون الشهادة وهم يعلمون.

وأما أمن الأمة من أن تسطو يد غريبة على حق من حقوقها، فلتطمئن على عزتها وكرامتها، ولتشعر بأن من تلدهم سيعيشون كما تعيش الأمم ذات الشوكة أحراراً، ولا تأمن بأس خصومها، ولا تنظر إلى مستقبل أبنائها، فتراه أغر محجلاً، إلا أن يكون ما بينهما وبين رعاتها عامراً بالنصح من ناحية، وبحسن الطاعة من ناحية أخرى، فبالنصح ترقى معاهد التعليم، فتستغني بعلم أبنائها وكفايتهم للعمل عن أن تستمد وسائل الدفاع والمنعة من وطن غير وطنها، وبحسن الطاعة ينتظم أمر الجند، وتبلغ القوة المالية غايتها.

وقد عني الإسلام - فيما عني - بهاتين الخصلتين العظيمتين: إخلاص ولاة الأمور للأمة، وطاعة الأمة لولاة أمورها، فأوجب على الولاة أن يقيموا سياستهم على رعاية الحقوق والمصالح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصحه، إلا لم يجد ريح الجنة).ثم التفت إلى الرعية، فأمرهم بحسن الطاعة. ومن شواهد هذا: قوله عليه الصلاة والسلام: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة).

فالحق أن سعادة الأمة في أيدي رؤسائها، فإذا استقاموا على الطريقة، وساسوها برفق وحرص على مصالحها وكرامتها، سرت بجانبهم مستقيمة، فلا تلبث أن تنجح في سيرتها، وتظفر ببغيتها؛ {الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} [يونس: 63 - 64].

المصدر: كتاب (موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين)، دار النوادر بسوريا، ط1، 1431هـ، (5/ 130)

ص: 24