المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ هذه نبذة في معرفة أصول الفقه - مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد

[فيصل آل مبارك]

الفصل: ‌ هذه نبذة في معرفة أصول الفقه

[2/]

‌ هذه نُبذَةٌ في مَعْرفةِ أُصُولِ الفِقْهِ

.

[والفِقْهُ](1) هُوَ العِلْمُ بالأَحْكامِ الشَّرْعِيَّة (2) .

قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) (3) .

وأُصُولُ الأَدلَّةِ: الكِتَابُ، والسُّنَّةُ، والإِجْمَاعُ، وشَرْعُ مَنْ قَبْلَنا شَرْعٌ لنَا إِذَا قَصَّه اللهُ عَلَيْنا ورَسُولُهُ ولَمْ يُنْسخْ؛ لِقَولِ اللهِ تَعَالى:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90](4)

وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ (5)

(1) ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.

(2)

هذا تعريفٌ مختصرٌ للفقه، والتعريف المشهور له هو:((العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية)) ومصطلح (الفِقْه) يختلف بين المتقدمين والمتأخرين. وانظر في بيان ذلك بياناً لطيفاً في تاريخ الفقه الإسلامي لشيخنا العلامة أ. د. عمر الأشقر حفظه الله (11: 17) والمدخل الفقهي العام للعلامة مصطفى الزرقا رحمه الله (1/65) ومعجم أصول الفقه. خالد رمضان حسن (213) .

(3)

أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، حديث (71) وغيره. ومسلم: الزكاة، باب النهي عن المسألة، حديث (2389) وغيره، من حديث معاوية رضي الله عنه.

(4)

يضاف للأصول الثلاثة الأولى القياس؛ لتكون أصول الأدلة الأساسية، وأما الفرعية؛ فهي: الاستحسان، والمصالح المرسلة، وسدِّ الذرائع، والعُرْف، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والاستصحاب. انظر: المستصفى للغزالي (1/189) ، والمدخل الفقهي العام للعلامة مصطفى الزرقا رحمه الله (1/73) وتيسير الوصول إلى قواعد الأصول للفوزان (1/102) وما بعدها، ومعالم في أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (68) .

(5)

الفِرَاء: حمار الوحش. انظر: المعجم الوسيط (678) مادة (الفَرَأُ) وَتحفة الأحوذي (5/324) .

ص: 19

؛ فَقَالَ: ((الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ)) (1)

والسُّنَّةُ: مَا وَرَدَ عَنْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَولٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ (2) .

قالَ إِمَامُ الحَرَمَيْن: ((والأَحْكامُ سَبعةٌ: الوَاجبُ، والمنْدُوبُ، والمُبَاحُ، والمَحْظُورُ، والمكرُوهُ، والصَّحيحُ، والفَاسِدُ)) (3)

قَالَ: والتَّقليدُ: قَبولُ [/3] قَوْلِ القَائِلِ بِلا حُجَّةٍ.

(1) أخرجه الترمذي: كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء، ح (1726)، وابن ماجه: كتاب الأطعمة، باب أكل السمن والجبن، حديث (3367) ، والحاكم في مستدركه (4/ حديث 7115) = =والبيهقي في سننه الكبرى (9/320) ، و (10/12) . وحسَّنَهُ الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (2/1726/267) ، وصحيح سنن ابن ماجه (3/3430/141) والله أعلم.

(2)

تعريف السنة يقابل تعريف الحديث، وبعض أهل الحديث يُفرِّق بينها من حيث العموم والخصوص، والتعريف هنا خاص بالأصوليين؛ إذ يقتصرون في تعريفهم على ما يكون محلاً للتشريع بخلاف أهل الحديث؛ فهم يبحثون كل ما أضيف للنبي صلى الله عليه وسلم ويضيفون الصفات الخَلْقية والخُلُقية. انظر: معالم في أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (118)، ومنهج النقد في علوم الحديث للدكتور نور الدين عتر نفع الله به (26: 30) .

(3)

متن الورقات (497) من الجامع للمتون العلمية للشمراني، وفيه (الباطل) بدل الفاسد.

لطيفة: كثير من النسخ الخطية والمطبوعة فيها (الفاسد) بدل (الباطل) وأيَّاً كان؛ فإن جمهور الأصوليين لم يفرِّقوا بين الباطل والفاسد، سواء كان ذلك في العبادات أو في المعاملات، وأما الحنفيّة ففرَّقوا بينهما في المعاملات، وأما في العبادات فوافقوا الجمهور في عدم التفريق بين الباطل والفاسد. انظر: شرح الورقات للمحلي (86) و (94) تحقيق د. حسام الدين عفانه، وشرح الورقات للفوزان (48) ، والمدخل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله لشيخنا الدكتور أحمد سعيد حوى (153) . ومعجم أصول الفقه (212)، وفي ذلك يقول صاحب مراقي السعود رحمه الله:

والصحة القبول فيه يدخل

وبعضهم للاستواء ينقل

وخصص الإجزاء بالمطلوب

وقيل بل يختص بالمكتوب

وقابل الصحة بالبطلان

وهو الفساد عند أهل الشان

وخالف النعمان فالفساد

ما نهيه للوصف يستفاد

ج

نثر الورود للعلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله (1/64، 65) .

ص: 20

والاجْتِهادُ: بَذْلُ الوُسْعِ في بُلُوغِ الغَرَضِ (1) .

وَقالَ مَالكٌ: ((يَجِبُ على العَوَامِ تَقْليدُ المُجْتَهدِين في الأَحْكامِ، كَمَا يَجِبُ على المُجْتَهدِين الاجْتِهادُ في أَعْيَانِ الأَدِلَّةِ)) (2) .

قَالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّة: ((النَّبِيهُ الَّذِي سَمِعَ اخْتَلافَ العُلَمَاءِ وأَدِلَّتَهُم؛ في الجُمْلةِ عِنْدَهُ مَا يَعْرِفُ بِهِ رُجْحَانَ القَوْلِ)) (3) .

قَالَ: ((وأَكثرُ مَنْ يُميِّزُ في العِلْمِ من المتّوسِّطِينَ إذَا نَظَرَ وتَأَمَّلَ أَدِلَّةَ الفَرِيقَيْنِ بقَصْدٍ حَسَنٍ، ونَظَرٍ تَامٍ، تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُهما، لكِنْ قَدْ لا يَثِقُ بِنَظَرِهِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لا يَعْرِفُ جَوَابَهُ، والوَاجِبُ عَلى مِثْلِ هَذَا مُوافَقَتهُ القَوْلَ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدهُ بِلا دَعْوَى مِنْهُ لِلاجْتِهَادِ)) (4) . انْتَهَى.

وقَالَ الشَّافِعيُّ في الرِّسَالةِ: ((فَكلُّ مَا أَنَزْلَ اللهُ في كِتَابِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَحمةٌ وحُجَّةٌ [4/] ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ. وَالنَّاسُ طَبَقاتٌ في العِلْمِ مَوقِعُهُم مِنْ العِلْمِ بِقَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ فِيْهِ؛ فَحَقٌّ عَلى طَلَبَةِ العِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جَهْدَهِمْ في الاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ، والصَّبرُ عَلى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ، واخْلاصُ النِّيَّةِ للهِ في اسْتِدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصَّاً واستِنْبَاطَاً، وَالرَّغبَةُ إلى اللهِ في العَوْنِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهً لا يُدْرَكُ خَيرٌ إلَّا بِعَوْنِهِ.فَإنّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ اللهِ مِنْ كِتَابِهِ نَصَّاً واسْتِدْلالاً، وَوَفَّقَهُ اللهُ لِلقَوْلِ والعَمَلِ بِمَا عَلِمَ مِنْهُ، فَازَ بِالفَضِيلَةِ في دِيْنِهِ ودُنْياهُ؛ فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا فَهْمَاً في كِتَابِهِ ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّه ِ صلى الله عليه وسلم (5)) ) .

(1) الورقات (508) باختصار. وانظر: معجم أصول الفقه (91) و (21) ومعالم في أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (463) و (489) فهو نفيس، والتقليد للدكتور سعد الشثري (16) ففيه مناقشة لتعريف التقليد نفيسة.

(2)

لم أجد من ذكره على طول بحث.

(3)

الاختيارات مع الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام (5/555) .

(4)

الاختيارات مع الفتاوى الكبرى (5/556) .

(5)

الرسالة (34) .

ص: 21

قَالَ: ((وَإِنَّمَا خَاطبَ اللهُ بِكِتَابِهِ العَرَبَ بِلِسَانِهَا عَلى مَا تَعْرِفُ مِنْ مَعَانِيْهَا)) (1) .

وَقَالَ أَيْضَاً: ((القِيَاسُ [/5] أَنْ يُحَرِّمَ اللهُ في كِتَابِهِ، أَوْ يُحَرِّمَ رَسُولُهُ القَلِيلَ مِنْ الشَّيءِ؛ فيُعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَهُ إِذَا حُرِّمَ كَانَ كَثيرُهُ مِثلَ قَلِيلِهِ في التَّحْرِيم أَوْ أَكثرَ، وكَذَلِك إذا حُمِدَ على يَسيرٍ مِنْ الطاعَةِ كانَ مَا هُوَ أكثرُ مِنْها أَوْلَى أَنْ يُحْمَدَ عَليهِ، وَكذَلِك إِذَا أَبَاحَ كثيرَ شَيءٍ كانَ الأَقَلُّ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ يَكونَ مُبَاحَاً)) (2) .

وقال أيضاً: ((القِيَاسُ مَنْزِلَةُ ضَرُورةٍ؛ لأنَّهُ لا يَحِلُّ القِياسُ والخَبرُ مَوجودٌ، كَما يكونَ التَّيَمُّمُ طَهارةً في السَّفَرِ عِنْدَ الإِعْوَازِ مِنْ الماءِ.)) (3) . انْتَهَى مُلَخَّصَاً.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ بِنِ جَبَلٍ حِيْنَ بَعَثَهُ إِلى اليَمَنِ: ((بِمَ تَقْضِي؟ فَقَالَ أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَقْضِي َبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ.

قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي؛ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ)) (4) .

(1) الرسالة (51) .

(2)

الرسالة (513) .

(3)

الرسالة (599) بتلخيصٍ وتصرفٍ لما سبق من المؤلف رحمه الله كما ذكر. وانظر: إعلام الموقعين (4/43) .

(4)

أخرجه: أبو داود. في كتاب القضاء، باب اجتهاد الرأي في القضاء، حديث (3592)، والترمذي: في كتاب الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، حديث (1327) ، وأحمد في مسند (36/ حديث 22007 و 22100 و 22061، طبعة الرسالة) ، والدارمي في مسنده (1/267 / رقم 170) تحقيق الأسد، وأبو داود الطيالسي في مسنده رقم (559) طبعة المعرفة، وفي المنحة (1/286/رقم 1452) ، والبيهقي في السنن الكبرى (10/114) ، وابن أبي شيبة في مصنفه، (4/544/22979) ، وابن عبد البر في جامعه (2/ رقم 1592، 1593) ، والعُقَيْلي في الضعفاء في ترجمة الحارث بن عمرو (1/234/ رقم 263) طبعة السلفي، والدارقطني في العلل (6/88/ رقم 1001) ، وغيرهم.

من طرق عن شعبة عن أبي العون محمد بن عبيد الله الثقفي عن الحارث بن عمرو - أخي المغيرة بن شعبة - عن معاذ، وتارة عن أصحاب معاذ عن معاذ، واخرى عن أناس من أصحاب معاذ من أهل حمص عن معاذ قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/82) :((الحارث بن عمرو؛ روى عن أصحاب معاذ، روى عنه أبو عون الثقفي سمعت أبي يقول ذلك)) .=

=وقال الذهبي في الميزان (2/175) : ((عن رجال عن معاذ بحديث الاجتهاد، قال البخاري لا يصح

حديثه)) . وانظر: التاريخ الصغير للبخاري (1/304) ؛ فمدار الحديث على الحارث بن عمرو:

قال الحافظ: ((مجهول)) ، وقال البخاري:((لا يصح حديثه)) وقال الذهبي: ((تفرد به أبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي، عن الحارث بن عمرو الثقفي ابن أخي المغيرة، وما روى عن الحارث غير أبي عون، فهو مجهول)) . وانظر: التهذيب (1/474) طبعة المعرفة.

وقال الترمذي: ((هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل)) . وانظر تحفة الأحوذي (3/449) .

وقال ابن الجوزي في العلل (2/758) : ((لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه وإن كان معناه صحيحاً)) .

وقال الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/243 رقم 101) طبعة الفريوائي: ((هذا حديث باطل)) .

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/424) تحقيق السلفي: ((رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف، وقال البخاري: مرسل، وقال ابن حزم: لا يصح، وقال عبد الحق: لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح.)) باختصار.

وقال العلامة المحدث الراحل الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الضعيفة (2/273)((منكر)) وذكر كلاماً لابن حزم رحمه الله فقال: ((هذا حديث ساقط، لم يروه أحد من هذا الطريق، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين لم يُسموا، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو؟ وفيه الحارث بن عمرو، وهو مجهول لا يعرف من هو؟ ولم يأت هذا الحديث من غير طريقه)) وقال في موضع آخر بعد أن نقل قول البخاري فيه: ((لا يصح)) ثم قال: ((وهذا حديث باطل لا أصل له)) أ. هـ.

وقال الحافظ رحمه الله في التلخيص الحبير (4/182) فيما نقله عن محمد بن طاهر المقدسي (ت

507هـ) : ((اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل؛ فلم أجد له غير طريقين؛ إحداهما طريق شعبة؛ والأخرى عن محمد بن جابر، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن رجل من ثقيف، عن معاذ؛ وكلاهما لا يصح)) . أ. هـ.

ولقد صنَّف جمع من أهل العلم في بيان درجة هذا الحديث، انظر: التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتصنيف للشيخ يوسف العتيق أثابه الله.

وجوَّد إسناده الحافظُ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/113)، فقال:((وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد كما هو مقرَّر في موضعه)) .

= ومن رام مزيد بيان وتوضيح وردٍّ على من صحَّح الحديث أو حسَّنه يُرجع إلى ما سطرته يراعُ العلاّمَة المحدِّث الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (2/273/ رقم 881) والله أعلم.

ص: 22

وقالَ عُمرَ بنَ الخطَّابِ في كِتَابِهِ إِلى أَبِي مُوسَى: ((ثُمَّ الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا أُدْلِيَ إِليْكَ مِمَّا وَرَدَ عَلَيْكَ مِمَّا لَيْسَ فِي قُرْآنٍ وَلا سُنَّة، ثُمَّ قَايِسِ الأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَاعْرِفِ الأَمْثَالَ، ثُمَّ َاعْمَدْ فِيْمَا تَرَى إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ)) (1) .

وَقَالَ الشَّافِعيُّ: ((أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ)) (2) .

قَالَ في الوَرَقَاتِ:

((وَالفِقْهُ أَخَصُّ مِنْ العِلْمِ. والعِلْمُ: مَعْرفةُ المعْلُومِ عَلى مَا هُوَ بِهِ في الوَاقِعِ.

(1) أخرجه الدارقطني في سننه (5/367/ رقم 4471 الرسالة) ، والبيهقي في الكبرى (10/150) ، والمعرفة (7/366) وعبد الرزاق في مصنفه (8/300 رقم 15290) ، ووكيع في أخبار القضاة (1/70) ، وخرَّجه الزيلعي في نصب الراية (4/63) ، وضعَّفه ابن حزم رحمه الله في الإحكام (2/1002) ووصفه في المحلَّى (1/59) بأنه مكذوب موضوع على عمر! ففنّد ذلك العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه وانتهى إلى ثبوته بعد أن جمع طرقه وأسانيده. (أفدته من بحث شيخنا العلامة أ. د. عمر الأشقر حفظه الله من كتابه (نظرات في أصول الفقه (117) حاشية) ، وكذا الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء (8/241/ رقم 2619) وقال ((صحيح)) . فانظره إنْ رُمْتَ فائدةً.

وانظر مزيداً: تحقيق صحة هذا الكتاب في مجلة الشريعة العدد (4) من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض (1402هـ) للشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله بعنوان: ((تحقيق ثبوت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في شأن القضاء، وفيه العمل بالقياس)) صـ (299) ، وبحثاً للشيخ سعود الدريب في مجلة البحوث الإسلامية العدد (7) صـ (269) ، وكذا تحقيق رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الشعري رضي الله عنهما للدكتور ناصر بن عقيل الطريقي في العدد (17) صـ (195) حيث أثبت صحتها وردَّ الشُّبَه عنها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (6/71) : ((ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى الأشعري تداولها الفقهاء وبنوا عليها واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول الفقه)) . وانظر إعلام الموقعين (2/158) ، وشرحها (2/163)، وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (13/264) : ((فيما أنشد ابن عبد البر لأبي محمد اليزيدي النحوي من أبيات طويلة في إثبات القياس:

وكتاب الفاروق يرحمه الله

إلى الأشعري في تبيان

قس إذا أشكلت عليك الأمور

ثم قل بالصواب والعرفان)) .

(2)

إعلام الموقعين (2/11) .

ص: 24

والجَهْلُ: تَصوُّرُ الشَّيءِ عَلى خِلافِ مَا هُوَ بِهِ في الوَاقِعِ.

والعِلْمُ الضَّرُوريُّ: مَا لا يَقَعُ عَنْ [/7] نَظَرٍ واسْتِدْلَالٍ؛ كَالعِلْمِ الوَاقعِ بِإِحْدَى الحوَاسِّ الخَمْسِ.

وأمَّا العِلمُ المُكْتَسبُ؛ فَهُوَ: الموقُوفُ عَلى النَّظرِ والاسْتِدْلَالِ.

والنَّظرُ: هُوَ الفِكْرُ في حَالِ المنْظُورِ فِيْهِ.

والاسْتِدْلَالُ: هُوَ طَلبُ الدَّليلِ. والدَّليلُ: هُوَ المُرْشِدُ إِلى المطْلُوبِ.

والظَّنُّ: تَجْويزُ أَمْرَين أحدُهُما أظهرُ من الآخر.

والشَّكُّ: تَجْويزُ أَمْرَين لا مَزيَّةَ لأحدِهِما عن الآخَر)) (1) .

انْتَهَى.

قَالَ الخَطَّابِيُّ: ((ورَأَيْتُ أَهْلَ العِلْمِ في زَمَانِنَا قَدْ حَصَلُوا حِزْبَيْنِ، وانَقْسَمُوا إِلى فِرْقَتَيْنِ: أَصْحَابُ حَدِيثٍ وأَثَرٍ، وَأَهْلُ فِقْهٍ وَنَظَرٍ.

وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لا تَتَمَيَّزُ عَنْ أُخْتِهَا في الحَاجَةِ، ولا تَسْتَغنِي عَنْهَا في دَرَكِ مَا تَنْحُوهُ مِنْ البُغْيَةِ والإِرَادَةِ؛ لأَنَّ الحدِيثَ بِمَنْزِلَةِ الأَسَاسِ الَّذِي هُوَ الأَصْلُ، [8/] وَالفِقْهُ بِمَنْزِلَةِ البِنَاءِ الَّذِي هُوَ لَهُ كَالفَرْعِ.

وَكُلُّ بِنَاءٍ لَمْ يُوضَعْ عَلى قَاعِدةٍ وأَسَاسٍ؛ فَهُوَ مُنْهَارٌ، وَكُلُّ أَسَاسٍ خَلا عَنْ بِنَاءٍ وعِمَارَةٍ؛ فَهُوَ قَفْرٌ وخَرَابٌ.

قَالَ: وَوَجدْتُ هَذَيْنِ الفَرِيقَيْنِ عَلى مَا بَيْنَهُمُ مِنْ التَّدَانِي؛ إِخْوَانَاً مُتَهَاجِرِينَ؛ فأَمَّا هَذِهِ الطَّبَقةُ - الَّذِين هُمْ أَصْحَابُ الأَثَرِ والحَدِيثِ - فَإِنَّ الأَكْثَرِينَ مِنْهُم إِنَّما وَكْدُهُمُ (2) الرِّوَايَاتِ، وَجَمْعُ الطُّرُقِ، وَطَلَبُ الغَرِيبِ والشَّاذِّ مِنْ الحَدِيثِ الَّذِي أَكْثرهُ مَوْضُوعٌ أَوْ مَقْلُوبٌ لا يُرَاعُونَ المُتُونَ، ولا يَتَفَهَّمُونَ المَعَانِي، ولا يَسْتَنْبِطُونَ سِيَرَهَا، ولا يَسْتَخْرِجُونَ

(1) الورقات صـ (498) .

(2)

(وَكْدُهم) قال ابن فارس في معجمه: ((وَكَدَ)) الواو والكاف والدال: كلمةٌ تدل على شَدٍّ وإحكام، وقال: وَكَدَ وَكْدَه: إذا أمَّه وعُنِيَ به " أ. هـ فيكون المعنى أي: أن عملهم ووَكْدهم أي؛ قصدهم الروايات في مظانها واستخراجها وجمعها. وانظر لسان العرب (6/482) مادة: (وكد) .

ص: 25

رِكَازَهَا وَفِقْهَهَا، وَرُبَّمَا عَابُوا الفُقَهَاءَ وتَنَاوَلُوُهُمْ بِالطَّعْنِ، وادَّعُوْا عَلَيْهِمُ مُخَالَفةَ السُّنَنِ، ولايَعْلَمُونَ أَنَّهُمُ عَنْ مَبْلَغِ مَا أُوْتُوهُ مِنْ العِلْمِ قَاصِرُونَ، وبِسُوءِ القَوْلِ فِيْهِمُ آثِمُونَ.

[/9] وأَمَّا الطَّبَقةُ الاخْرَى - وَهُمْ أَهْلُ الفِقْهِ والنَّظَرِ - فِإِنَّ أَكْثَرَهُمُ لا يُعَرِّجُونَ مِنْ الحَدِيثِ إَلَّا عَلى أَقلِّهِ، ولا يَكادُونَ يُمَيِّزُونَ صَحِيْحَهُ مِنْ سَقِيْمِهِ، وَلا يَعْرِفُونَ جَيِّدَهُ مِنْ رَدِيْئِهِ، ولا يَعْبَؤُونَ بِمَا بَلَغَهُمُ مِنْهُ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ عَلى خُصُومِهمُ إِذَا وَافَقَ مَذَاهِبَهُم الَّتِي يِنْتَحِلُونَهَا، ووَافَقَ آرَاءَهُمُ الَّتِي يَعْتَقِدُونَها، وقَدْ اصْطَلَحُوا عَلى مَوَاضِعةٍ بَيْنَهُمُ في قَبُولِ الخَبَرِ الضَّعِيْفِ، والحَدِيثِ المُنْقَطِعِ، إِذَا كانَ ذَلِك قَدْ اشْتُهِرَ عِنْدَهُم.

إِلى أَنْ قَالَ: وَلكِنَّ أَقْوَامَاً عَسَاهُم اسْتَوْعَرُوا طَرِيقَ الحَقِّ، واسْتَطَالُوا المدَّةَ في دَرَكِ الحَظِّ، وأَحَبُّوا عُجَالَةَ النَّيْلِ؛ فاخْتَصَرُوا طَرِيقَ العِلْمِ، واقْتَصَرُوا على نُتَفٍ وحُرُوفٍ مُنْتَزَعَةٍ مِنْ مَعَانِي أُصُولِ الفِقْهِ سَمَّوْهَا [10/] عِلَلا، وجَعَلُوهَا شِعَاراً لِأَنْفُسِهِم في التَّرَسُّمِ بِرَسْمِ العِلْمِ، واتَّخَذُوهَا جُنَّةً عِنْدَ لِقَاءِ خُصُومِهِمُ، ونَصَبُوهَا دَرِيْئَةً للخَوْضِ والجِدَالِ، يَتَناظَرُونَ بِهَا، ويَتَلاطَمُونَ عَلَيْهَا، وعِنْدَ التَّصَادُرِ عَنْهَا قَدْ حُكِمَ لِلغَالِبِ بالحَذْقِ والتَّبْرِيزِ؛ فَهُوَ الفَقِيْهُ المذْكُورُ في عَصْرِهِ، والرَّئِيسُ المعَظَّمُ في بَلَدِهِ ومَصْرِهِ.

هَذا وقَدْ دَسَّ لَهُمُ الشَّيطَانُ حِيْلةً لَطِيفًَة، وبَلَغَ مِنْهُمْ مَكِيدَةً بَلِيغَةً؛ فَقَالَ لَهُمْ:

هَذَا الَّذِي في أَيْدِيِكُمُ عِلْمٌ قَصِيرٌ، وبِضَاعَةٌ مُزْجَاةٌ لا يَفِي بِمَبْلَغِ الحَاجَةِ والكِفَايِةِ؛ فَاسْتَعِينُوا عَلَيْهِ بِالكَلامِ، وَصِلُوُه بِمَقْطَعَاتٍ مِنْهُ، واسْتَظْهِرُوا بِأُصُولِ المتَكَلِّمِينَ، يِتَّسِعُ لَكُمُ مَذْهبُ الخَوضِ ومَجَالُ النَّظَرِ؛ فَصَدَّقَ عَلَيْهُمُ ظَنَّهُ، وأَطَاعَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمُ واتَّبَعُوهُ [/11] إِلَّا فَرِيقَاً مِنْ المؤْمِنِيْنَ.

فَيَا لِلرِّجَالِ والعُقُولِ! أَنَّى يُذْهَبُ بِهِمُ! وأَنَّى يَخْتَدِعَهُمُ الشَّيْطَانُ عَنْ حَظِّهِمْ وَمَوْضِعِ رُشْدِهِمْ، وَاللهُ المُسْتَعَان)) (1) انْتَهَى.

واعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الكَلامِ في هَذا الفَنِّ تَعَبٌ عَاجِلٌ في تَحْصِيلِ حَاصِلٍ.

وَالمقْصُودُ؛ العَمَلُ بِكِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، واتِّبَاعِ الحَقِّ والعَدْلِ.

(1) معالم السنن للخطابي رحمه الله (1/4: 6) بتصرف.

ص: 26

وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء: 59] .

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: ((فَأَمَرَ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَأَعَادَ الْفِعْلَ إعْلَامًا بِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ تَجِبُ اسْتِقْلَالًا مِنْ غَيْرِ عَرْضِ مَا أَمَرَ بِهِ عَلَى الكِتَابِ، بَلْ إذَا أَمَرَ وَجَبَتْ [12/] طَاعَتُهُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَا أَمَرَ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ أُوتِيَ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ اسْتِقْلَالًا، بَلْ حَذَفَ الْفِعْلَ وَجَعَلَ طَاعَتَهُمْ فِي ضِمْنِ طَاعَةِ الرَّسُولِ؛ إيذَانًا بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُطَاعُونَ تَبَعًا لِطَاعَةِ الرَّسُولِ؛ فَمَنْ أَمَرَ مِنْهُمْ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، وَمَنْ أَمَرَ بِخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ؛ فَلَا سَمْعَ لَهُ وَلَا طَاعَةَ.

ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى بِرَدِّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا فِي الْعَاقِبَةِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا أُمُورًا:

مِنْهَا: أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ قَدْ يَتَنَازَعُونَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلَا يَخْرُجُونَ بِذَلِكَ عَنْ الْإِيمَانِ، إذَا رَدُّوا مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ تَحَاكَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَى غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَدْ حَكَّمَ الطَّاغُوتَ وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ.

[/13] وَالطَّاغُوتُ: كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ أَوْ مَتْبُوعٍ أَوْ مُطَاعٍ.

ثُمَّ أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْ الْعِبَادِ حَتَّى يُحَكِّمُوا رَسُولَهُ فِي كُلِّ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَيَنْقَادُوا)) (1) انْتَهَى مُلَخَّصَاًَ.

وعن عبد الرحمن بن زيد عن ابن مسعود، قال: ((أَكْثَرُوا عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ؛ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَلَسْنَا نَقْضِي، وَلَسْنَا هُنَالِكَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ بَلَّغْنَا مَا تَرَوْنَ؛ فَمَنْ عَرَضَ لَهُ مِنْكُمْ قَضَاءٌ بَعْدَ الْيَوْمِ؛ فَلْيَقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ فَإِنْ جَاءَهُ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ فَلْيَقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ نَبِيُّهُ؛ فَإِنْ جَاءَهُ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا قَضَى بِهِ؛ فَلْيَقْضِ بِمَا قَضَى

(1) إعلام الموقعين (2/89: 93) .

ص: 27

بِهِ الصَّالِحُونَ؛ فَإِنْ جَاءَهُ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا قَضَى بِهِ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ؛ فَلْيَجْتَهِدْ رَأْيَهُ؛ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ فَلْيَقُمْ وَلا يَسْتَحْي)) (1) .

وقال أيضاً: ((إنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَرَأَى قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَهُ لِرِسَالَتِهِ. ثُمَّ اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَهُ فَرَأَى قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَهُمْ لِصُحْبَتِهِ؛ [14/] فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّه حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ)) (2) .

وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

العِلْمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُهُ

قَالَ الصَّحَابَةُ لَيْسَ خُلْفٌ فِيْهِ

مَا العِلْمُ نَصْبُكَ لِلخِلافِ سَفَاهةً

بَيْنَ النُّصُوصِ وَبَيْنَ رَأْيِ سَفِيْهِ

كَلَّا وَلا نَصْبُ الخِلافِ جَهَالة

بَيْنَ الرَّسُولِ وَبَيْنَ رَأْيِ فَقِيْهِ

ً

كَلَّا وَلا رَدُّ النُّصُوصِ تَعَمُّدَاً

حَذَرَاً مِنْ التَّجْسِيمِ والتَّشْبِيْهِ

(1) أخرجه النسائي، كتاب آداب القضاة، باب الحكم باتفاق أهل العلم ح (5412) ، والدارمي، باب الفتيا وما فيه من الشدة ح (172) ، والحاكم في مستدركه (4/106/ رقم 7030) ، والبيهقي في الكبرى (10/115) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/455/22979) ، وعبد الرزاق في مصنفه (8/301/ رقم 15295) ، ووكيع في أخبار القضاة (1/76) ، وابن عبد البر في جامعه (2/874/ رقم 1597) ، والدارقطني في العلل (5/210)، والضياء المقدسي في المختارة (1/239/ رقم 133) . وقال محققه:

((إسناده صحيح)) وأطال ابن حزم رحمه الله في الإحكام (5/205) في ذكر طرقه وشواهده؛ فانظره.

وقال النسائي: ((وهذا الحديث جيدٌ جيد)) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/301) : ((وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن مسعود نحو حديث عمر من رواية الشيباني)) ، وقال الحاكم في المستدرك:((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح النسائي ((صحيح الإسناد موقوفاً)) وانظر سياقه عند ابن القيم رحمه الله في الإعلام (2/116 وَ 118) .

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (6/84) ، والطيالسي في مسنده (33) ، وفي المنحة (69) ، والحاكم في مستدركه (1/177) ، والدارقطني في العلل (5/66) ، والبغوي في شرح السنة (1/214/ رقم 105) ، وأورده الهيثمي في المجمع (1/428/ رقم 832)، وقال:((رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله موثقون)) ، وحسَّن وقفه على ابن مسعود رضي الله عنه الشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة (2/ رقم 532) ، واللفظ للطبراني (8/12) والله أعلم.

ص: 28

حَاشَا النُّصُوصَ مِنْ الَّذِي رُمِيتْ بِهِ

مِنْ فِرْقَةِ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْوِيْهِ (1)

وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى شُرَيْحٍ: ((إذَا حَضَرَك أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ فَانْظُرْ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ وَأَئِمَّةُ الْعَدْلِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ؛ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَجْتَهِدَ رَأْيَك فَاجْتَهِدْ رَأْيَك، وَإِنْ شِئْت أَنْ تُؤَامِرنِي، وَلَا أَرَى مُؤَامَرَتَك إيَّايَ إلَّا خَيْرًا لَك، وَالسَّلَامُ)) (2)

وَعَنْ الشَّعْبِي أَيْضَاً قَالَ: ((أَخَذَ عُمرَ فَرَساً مِنْ رَجُل عَلى سَوْمٍ (3) .

(1) نسبها إلى الذهبي رحمه الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مؤلفاته (3/ قسم الرسائل الخاصة /144) ، والقنوجي في أبجد العلوم (3/98) ، وكذا الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله في تقديمه لتخريج كتاب الجهاد لابن أبي عاصم (1/8) ولم أقف عليه في مؤلفاته الآن، وبعضهم نسبها إلى ابن القيم الجوزية رحمه الله في كتابه ((عناية النساء بالحديث النبوي)) (20) وأظنه وهماً؛ فقد أوردها ابن القيم في إعلام الموقعين (2/149) وقال: ولبعض أهل العلم، ولو كانت له لنسبها لنفسه.

أما الأبيات التي في النُّونيَّة (226 ط: ابن الجوزي) فهي قريبة منها؛ لكنها على قافية النون، ويقول فيها:

العِلمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُهُ

قَالَ الصَّحَابَةُ هُم ذَوُو العِرفَانِ

مَا العِلمُ نَصبَكَ لِلخِلَافِ سَفَاهَةً

بينَ الرَّسُولِ وَبَينَ رَأي فَلَانِ

كَلَاّ وَلَا جَحدَ الصِّفَاتِ لِرَبِّنَا

فِي قَالَبِ التَّنزِيهِ وَالسُّبحَانِ

(2)

أخرجه النسائي، كتاب آداب القضاة، باب الحكم باتفاق أهل العلم (8/231/ رقم 5414) ، والدارمي في مسنده، باب الفتيا وما فيه من الشدة (1/265/169) ، والبيهقي في الكبرى (10/150) ، وأبو نعيم في الحلية (4/149) ، ووكيع في أخبار القضاة (1/189) ، وهو في تحفة الإشراف (8/29/ رقم 10463) ، والفقيه والمتفقه باسنادٍ صحيح (2/99/ برقم 527) ، وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (13/352) وسكت عنه. وصحَّحه في موافقة الخُبر الخَبر (1/120) ، والله أعلم.

(3)

السَّوْم: المُحاذَبَة بين البائِع والمشتري على السّلْعةِ وفَصلُ ثَمنِها يقال سَام يَسُوم سَوْماً. انظر النهاية (2/425) مادة (سوم) .

ص: 29

؛ فحَمَلَ عَلَيْهِ فَعُطِبَ؛ فَخَاصَمَهُ الرَّجُلُ، فَقالَ عُمَرُ: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ رَجُلاً.

فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي أَرْضَى بِشُرَيحٍ العِرَاقِي [/15] ؛ فَقَالَ شُرَيْحٌ: أَخَذْتَهُ صَحِيْحَاً سَلِيْمَا ً؛ فأَنْتَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى تَرُدَّهُ صَحِيْحَاً سَلِيْمَاً. قَالَ: فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ؛ فَبَعَثَهُ قَاضِيَاً، وقَالَ: مَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ كِتَابِ اللهِ؛ فَلا تَسْأَلْ عَنْهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ في كِتَابِ اللهِ؛ فَمِنْ السُّنَّةِ؛ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ في السُّنَّةِ؛ فَاجْتَهِدْ رَأْيَك)) (1) .

قَالَ ابنُ القَيِّمِ: ((فَالرَّأْيُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: رَأْيٌ بَاطِلٌ بِلَا رَيْبٍ، وَهُوَ الرَّأْيُ الْمُخَالِفُ لِلنَّصِّ، والْكَلَامُ فِي الدِّينِ بِالْخَرْصِ.

وَرَأْيٌ صَحِيحٌ، وهُوَ الَّذِي اسْتَعْمَلهُ السَّلَفُ وَعَمِلُوا بِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: سَوَّغُوا الْعَمَلَ وَالْفُتْيَا وَالْقَضَاءَ بِهِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بُدٌّ، وَلَمْ يُلْزِمُوا أَحَدًا الْعَمَلَ بِهِ، وَلَمْ يُحَرِّمُوا مُخَالَفَتَهُ، وَلَا جَعَلُوا مُخَالِفَهُ مُخَالِفًا لِلدِّينِ)) . انْتَهَى مُلَخَّصَاً مَعْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ (2) .

وَقَالَ أَيْضَاً: ((لَفْظَ الْقِيَاسِ لَفْظٌ مُجْمَلٌ، يَدْخُلُ فِيهِ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، فَالْأَوَّلُ قِيَاسُ الطَّرْدِ، وَالثَّانِي قِيَاسُ الْعَكْسِ، وَهُوَ مِنْ الْعَدْلِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، وَحَيْثُ عَلِمْنَا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخِلَافِ قِيَاسٍ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ)) (3)

[16/] وَقَالَ أَيْضَاً: ((ذِكْرُ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِي التَّقْلِيدِ وَانْقِسَامِهِ إلَى مَا يَحْرُمُ الْقَوْلُ فِيهِ وَالْإِفْتَاءُ بِهِ، وَإِلَى مَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَإِلَى مَا يَسُوغُ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ.

فَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ؛ فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

أَحَدُهَا: الْإِعْرَاضُ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ اكْتِفَاءً بِتَقْلِيدِ الْآبَاءِ.

الثَّانِي: تَقْلِيدُ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْمُقَلِّدُ أَنَّهُ أَهْلٌ لَأَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِهِ.

(1) أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه (2/88 برقم 526) ، وأبو نعيم في الحلية (4/149) ، والمزي في تهذيب الكمال (3/377) ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/332/ ترجمة 1458) .

(2)

إعلام الموقعين (2/125) .

(3)

الإعلام (3/165) .

ص: 30

الثَّالِثُ: التَّقْلِيدُ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ وَظُهُورِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْمُقَلَّدِ.)) (1)

إلى أن قال: ((وَالْمُقَلِّدُ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ، وَقَدْ نَهَاهُمُ أَئِمَّتُهُم عَنْ تَقْلِيْدِهِم، وَأَوْصَوْهُمْ إذَا ظَهَرَ الدَّلِيلُ أَنْ يَتْرُكُوا أَقْوَالَهُمْ وَيَتَّبِعُوهُ، فَخَالَفُوهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ!

وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ فِي كُتُبِهِمْ بِبُطْلَانِ التَّقْلِيدِ وَتَحْرِيمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَلَوْ اشْتَرَطَ الْإِمَامُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ وَلَا تَوْلِيَتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ التَّوْلِيَةَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ.

وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِفْتَاءُ بِمَا لَا يَعْلَمُ صِحَّتُهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَالْمُقَلِّدُ لَا عِلْمَ لَهُ بِصِحَّةِ الْقَوْلِ وَفَسَادِهِ؛ إذْ طَرِيقُ ذَلِكَ مَسْدُودَةٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُقَلِّدٌ لِمَتْبُوعِهِ لَا يُفَارِقُ قَوْلَهُ، [/17] وَيَتْرُكُ لَهُ كُلَّ مَا خَالَفَهُ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قَوْلِ صَاحِبٍ أَوْ قَوْلِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ مَتْبُوعِهِ أَوْ نَظِيرِهِ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ)) . انْتَهَى مُلَخَّصَاً (2) .

وَقَالَ الأَمِيرُ مُحَمَّدُ بِنُ إِسْمَاعِيل الصَّنْعَانِي فِي قَصِيْدَتِهِ المشْهُورَةِ:

وَمَا كُلُّ قَوْلٍ بَالقَبُولِ مُقَابَلٌ

وَمَا كُلُّ قَوْلٍ وَاجِبُ الرَّدِّ والطَّرْدِ

ً

سِوَى مَا أَتَى عَنْ رَبِّنَا ورَسُولِهِ

فَذَلِك قَوْلٌ جَلَّ يَا ذَا عَنْ الرَّدِّ

وَأَمَا أَقَاوِيلُ الرِّجَالِ فَإِنَّهَا

تَدُورُ عَلى حَسْبِ الأَدِلَّةِ فِي النَّقْدِ

فَمُقْتدِياً كُنْ فِي الهُدَى لا مُقَلِّدَاً

وَخَلِّ أَخَا التَّقْلِيدِ فِي الأَسْرِ بِالقَدِ (3)

(1) الإعلام (3/447) .

(2)

الإعلام (3/484) .

(3)

ديوان الصنعاني (128) عن نسخة الشيخ الغفيلي وفقه الله.

ص: 31

وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ مُحَمَّدُ بِنُ عَبْدِ الوَهَّابِ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ:

((وأَمَّا هَذَا الخَيَالُ الشَّيْطَانِي الَّذِي اصْطَادَ بِهِ النَّاسَ، أَنَّ مَنْ سَلَكَ هَذا المسْلَكَ فَقَدْ نَسَبَ نَفْسَهُ لِلاجْتِهَادِ، وَترَكَ الاِقْتِدَاءَ بِأَهْلِ العِلْمِ، وَزَخْرَفَهُ بِأَنْوَاعِ الزَّخَارِفِ؛ فَلَيْسَ هَذا بِكَثيرٍ مِنْ الشَّيْطَانِ وزَخَارِفِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالى:{يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [سورة الأنعام: 112] .

فَإِنَّ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ وأَدْعُوُكُمْ إِلَيْهِ هُوَ فِي الحَقِيْقَةِ، الاِقْتِدَاءِ بِأَهْلِ العِلْمِ فَإِنَّهُمُ قَدْ وَصَّوْا النَّاسَ بِذَلِك، وَمِنْ أَشْهَرِهِمْ كَلامَاً فِي ذَلِكَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ:

((لا بُدَّ أَنْ تَجِدُوُا عَنِّي مَا يُخَالِفُ الحَدِيثَ؛ فَكُلُ مَا خَالَفَهُ فَأُشْهِدُكُمْ [18/] أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْهُ))

وَأَيْضَاً: ((أَنَا فِي مُخَالَفَتِي هَذَا العَالِمَ (1) لَمْ أُخَالِفَهُ وَحْدِي؛ فَإِذَا اخْتَلَفْتُ أَنَا وَشَافِعِيٌ مَثَلاً فِي أَبْوَالِ مَأكُولِ الَّلَحْمِ، وقُلْتُ القَوْلَ بِنَجَاسَتِهِ يُخَالِفُ حَدِيثَ العُرَنِنِّينَ، وَيُخَالِفُ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:((صَلَّى فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ)) ؛ فَقَالَ هَذَا الجَاهِلُ الظَّالِمُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالحَدِيثِ مِنْ الشَّافِعِيِّ؟

قُلْتُ: أَنَا لَمْ أُخَالِفُ الشَّافِعِيَّ مِنْ غَيْرِ إِمَامٍ اتَّبَعْتُهُ، بَلْ اتَّبَعْتُ مَنْ هُوَ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ، أَوْ أَعْلَمَ مِنْهُ قَدْ خَاَلَفَهُ واسْتَدَلَّ بِالأَحَادِيثِ.

فَإِذَا قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ مِنْ الشَّافِعِيِّ؟ قُلتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِكَ وَأَحْمَدَ؟

فَقَدْ عَارَضْتُهُ بِمِثْلِ مَا عَارَضَنِي بِهِ، وسَلِمَ الدَّلِيلُ مِنْ المَعَارِضِ، واتَّبَعْتُ قَولَ اللهِ تَعَالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء:59] . انْتَهَى (2) .

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي إِرْشَادِ الفُحُولِ: ((وَعِنْدِي أَنَّ مَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْ تَتَبُّعِ الآيَاتِ القُرْآنيَِّةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، وجَعَلَ ذَلِكَ دَأْبَهُ، وَوَجَّهَ إِلَيْهِ هِمَّتَهُ، واسْتَعَانَ اللهَ عز وجل، واسْتَمَدَّ

(1) في المخطوط (العلم) والتصحيح من الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (3/142) .

(2)

الرسائل الشخصية (3/142، 143) ط: دار القاسم.

ص: 32

مِنْهُ التَّوْفِيقَ، كَانَ مُعْظَمُ هَمِّهِ ومَرْمَى قَصْدِهِ الوُقُوفَ عَلى الحَقِّ، والعُثُورَ عَلى الصَّوابِ، مِنْ دُونِ تَعَصُّبٍ لِمَذْهَبٍ مِنْ المَذَاهِبِ، [/19] وَجَدَ فِيْهِمَا مَا يَطْلُُبُهُ؛ فَإِنَّهُمَا الكَثِيرُ الطَّيِبُ، والبَحْرُ الَّذِي لا يَنْزِفُ، والنَّهْرُ الَّذِي يَشْرِبُ مِنْهُ كُلُّ وَارِدٍ عَلَيْهِ، وَالعَذْبُ الزُّلَالُ، والمُعْتَصَمُ الَّذِي يَأْوِيِ إِلَيهِ كُلُّ خَائِفٍ؛ فَاشْدُدْ يَدَيْكَ عَلى هَذا؛ فَإِنَّكَ لَإِنْ قَبِلْتَهُ بِصَدْرٍ مُنْشَرِحٍ، وَقَلْبٍ مُوَفَّقٍ، وَعَقْلٍِ قَدْ حَلَّتْ بِهِ الهِدَايَةُ، وَجَدْتَ فِيْهِمَا كُلَّ مَا تَطْلُبُهُ مِنْ أَدِلَّةِ الأَحْكَامِ الَّتِي تُرِيدُ الوُقُوفَ عَلى دَلَائِلِهَا كَائِنَاً مَا كَان.)) (1) .

وَقَالَ أَيْضَاً: ((التَّقْلِيدُ: العَمَلُ بِقَوْلِ الغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍِ؛ فَيَخْرُجُ العَمَلُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والعَمَلُ بِالإجْمَاعِ، ورُجُوعُ العَامِّيِّ إِلى المُفْتِي، ورُجُوعُ القَاضِي إِلى شَهَادَةِ العُدُولِ؛ فَإِنَّها قَدْ قَامَتْ الحُجَّةُ فِي ذَلِك)) انْتَهَى (2) .

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ؛ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ؛ فَلَهُ أَجْرٌ)) (3)

وَقَالَ البُخَارِيُّ: ((بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ وَتَكَلُّفِ الْقِيَاسِ))

{وَلَا تَقْفُ} ولَا تَقُلْ {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}

وسَاقَ حَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ [20/] بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ)) (4) .

(1) إرشاد الفحول (2/1059) بتصرف.

(2)

إرشاد الفحول (2/1081) .

(3)

أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم، إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (7352)، ومسلم: كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد، فأصاب أو أخطأ (1716) .

(4)

البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (9/100) ، تحقيق الشيخ زهير الناصر، والفتح (13/345) .

ص: 33

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: ((التَّوْفِيق بَيْن الْآيَة وَالْحَدِيث فِي ذَمِّ الْعَمَل بِالرَّأْيِ وَبَيْن مَا فَعَلَهُ السَّلَف مِنْ اِسْتِنْبَاط الْأَحْكَام، أَنَّ نَصَّ الْآيَة ذَمُّ الْقَوْل بِغَيْرِ عِلْم؛ فَخَصَّ بِهِ مَنْ تَكَلَّمَ بِرَأْيٍ مَحْمُود عَنْ اِسْتِنَاد إِلَى أَصْلٍ.

وَمَعْنَى الْحَدِيثَ: ذَمّ مَنْ أَفْتَى مَعَ الْجَهْل، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِالضَّلَالِ وَالْإِضْلَال، وَإِلَّا فَقَدْ مَدَحَ مَنْ اِسْتَنْبَطَ مِنْ الْأَصْل لِقَوْلِهِ:{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} فَالرَّأْي إِذَا كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى أَصْلٍ مِنْ الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة أَوْ الْإِجْمَاع؛ فَهُوَ الْمَحْمُود، وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَنِد إِلَى شَيْء مِنْهَا؛ فَهُوَ الْمَذْمُوم)) (1) .

قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: ((وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَصِيرَ إِلَى الرَّأْي إِنَّمَا يَكُون عِنْد فَقْد النَّصِّ، وَإِلَى هَذَا يُومِئ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيح إِلَى أَحْمَد بْن حَنْبَل سَمِعْت الشَّافِعِيّ يَقُول: ((الْقِيَاس عِنْد الضَّرُورَة)) وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ الْعَامِلُ بِرَأْيِهِ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْحُكْمِ فِي نَفْس الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الِاجْتِهَادِ؛ لِيُؤْجَرَ وَلَوْ أَخْطَأَ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ، وَابْنُ عَبْد الْبَرِّ فِي بَيَان الْعِلْم عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ، وَابْن سِيرِينَ، وَشُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ، [/21] ذَمِّ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ وَيَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة:((لَا يُؤْمِن أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُون هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْت بِهِ)) أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْن سُفْيَانَ وَغَيْره، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٍ وَقَدْ صَحَّحَهُ النَّوَوِي فِي آخِر الْأَرْبَعِينَ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَمْرو بْن حُرَيْث عَنْ عُمَر قَالَ:((إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمْ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا؛ فَقَالُوا بِالرَّأْيِ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)) فَظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ ذَمَّ مَنْ قَالَ بِالرَّأْيِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ مِنْ الْحَدِيثِ لِإِغْفَالِهِ التَّنْقِيب عَلَيْهِ فَهَذَا يُلَامُ، وَأَوْلَى مِنْهُ بِاللَّوْمِ مَنْ عَرَفَ النَّصَّ وَعَمِلَ بِمَا

(1) شرح ابن بطال (10/365) بمعناه. والمنقول من الفتح (13/352) .

ص: 34

عَارَضَهُ مِنْ الرَّأْي، وَتَكَلَّفَ لِرَدِّهِ بِالتَّأْوِيلِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَة ((وَتَكَلَّفَ الْقِيَاس)) وَاللَّهُ أَعْلَم)) (1) . انْتَهَى.

قَالَ فِي الاِخْتِيَارَاتِ لِشَيْخِ الإِسْلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ:

((وَأَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلى تَحْرِيمِ الحُكْمِ والفُتْيَا بِالهَوَى، وَبِقَوْلٍ، أَوْ وَجْهٍ مِنْ غَيرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيْحِ، وَيَجِبُ العَمَلُ بِمُوجِبِ اعْتِقَادِهِ فِيْمَا لَهُ وعَلَيْهِ إِجْمَاعَاً.

وَالوِلَايَةُ لَهَا رُكْنَانِ: القُوَّةُ والأَمَانَةُ؛ فَالقُوَّةُ فِي الحُكْمِ؛ تَرْجِعُ إِلى العِلْمِ بِالعَدْلِ بِتَنْفِيذِ الحُكْمِ. والأَمَانَةِ تَرْجِعُ إِلى خَشْيَةِ اللهِ تَعَالى، وَلا يَجُوزُ الاسْتِفْتَاءُ إِلا مِمَّنْ يُفْتِي بِعِلْمٍ وَعَدْلٍِ. وشُروطُ القَضَاءِ تُعْتبرُ حَسْبَ الإِمْكَانِ، وَيَجُِب تَوْلِيةُ الأَمْثَلِ [22/] فَالأَمْثَلُ، وعَلى هَذَا يَدُلُّ كَلامُ أَحْمَدَ وَغَيرُهُ، فَيُوَلَّى لِعَدَمِهِ أَنْفَعُ الفَاسِقِينَ، وأَقَلُّهُمَا شَرَّاً، وأَعَدَلُ المُقَلِّدِينَ، وأَعْرَفُهُمَا بِالتَّقْلِيدِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمُ والآخَرُ أَوْرَعُ قَدَّمَ فِيْمَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ ويَخَافُ الهَوَى فِيْهِ الأَوْرَعَ، وفِيْمَا يَنْدُرُ حُكْمُهُ ويَخَافُ مِنْ الاشْتِبَاهِ الأَعْلَمُ، وَيَجِبُ أَنْ يَنْصِبَ عَلى الحُكْمِ دَلِيلاً، وأَدِلَّةُ الأَحْكَامِ مِنْ الكِتَابِ والسُّنَّةِ والإِجْمِاعِ، ومِا تَكَلَّمَ الصَّحَابَةُ فِيْهِ إِلى اليَوْمِ بِقَصْدٍ حَسَنٍ.

وَالنَّبِيهُ الَّذِي سَمِعَ اخْتَلافَ العُلَمَاءِ وأَدِلَّتَهُم؛ في الجُمْلةِ عندُه مَا يَعْرِفُ بِهِ رُجْحَانَ القَوْلِ، ومَاكَانَ مُتَّبِعَاً لإمامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ المَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ أَوْ لِكَوْنِ أَحَدُهُمَا أَعْلَمُ وأَتْقَى فَقَدْ أَحْسَنَ، ولَمْ يَقْدَحْ ذَلِك فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَكَرِهَ العُلَمَاءُ الأَخْذَ بِالرُّخَصِ. ولا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مَعْ مَعْرِفَةِ الحُكْمِ اتِّفَاقَاً، وقَبْلُهُ يَجُوزُ عَلى المشْهُورِ إِلَّا أَنْ يَضِيْقَ الوَقْتُ؛ فَفِيْهِ وَجْهَان، أَوْ يَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ الحَقِّ؛ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ؛ فَفِيْهِ وَجْهَان؛ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلٍ.

والعَجْزُ قَدْ يُعْنَى بِهِ العُجْزُ الحَقِيْقِيُّ، وَقَدْ يُعْنَى بِهِ المَشَقَّةَ العَظِيْمَةَ، والصَّحِيْحُ الجَوَازُ فَي هَذَيْنِ الموْضِعَيْنِ)) انْتَهَى مُلَخَّصَاً (2) .

قَالَ البُخَارِيُّ: [/23] ((بَابُ الإِقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} قَالَ: أَئمَِّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا.

(1) الفتح (13/354) .

(2)

الاختيارات (5/556) .

ص: 35

وَعَنْ ابْنُ عَوْنٍ: ((ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي وَلِإِخْوَانِي؛ هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ، وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ)) . انْتَهَى (1) .

قَالَ الْكِِرْمَانِيُّ: ((قَالَ فِي الْقُرْآن ((يَتَفَهَّمُوهُ)) وَفِي السُّنَّة ((يَتَعَلَّمُوهَا)) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ فِي أَوَّلِ أَمْرهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْوَصِيَّةِ بِتَعَلُّمِهِ؛ فَلِهَذَا أَوْصَى بِتَفَهُّمِ مَعْنَاهُ وَإِدْرَاكِ مَنْطُوقِهِ. انْتَهَى)) (2) .

قَالَ الحَافِظُ: ((وَلَا يَرْتَابُ عَاقِلٌ فِي أَنَّ مَدَارَ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ عَلى كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَأَنَّ بَاقِي العُلُومِ، إِمَّا آلَاتٌ لِفَهْمِهَا وَهِيَ الضَّالَّةُ المطْلُوُبَةُ، أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهَا وَهِيَ الضَّارَّةُ المغْلُوُبَةُ)) . (3) . انْتَهَى.

وَاللهُ أَعْلَمُ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعَلى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلى يَوْمِ الدِّيْنِ (4) .

(1) صحيح البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (9/100) ، والفتح (13/305) .

(2)

الفتح (13/309) .

(3)

هدي الساري (1/3) .

(4)

انتهيت من مقابلته على النسخة الخطية وعلى الطبعات الثلاث في ضحى يوم السبت الموافق 4/8/1422هـ.

فما كان فيه من صواب فمن الله وحده المتفضل بالنعم والإحسان، وما كان فيه من خللٍ ونقص وزلل، فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأسأله المسامحة والغفران. وصلى الله وسلم على سيد ولد عدنان.

ص: 36

الفِهْرس

مقدمة المحقق......................................................................2

خطة التحقيق:

ترجمة المؤلِّف رحمه الله.............................................................5

* اسْمُهُ وَنَسَبُهُ:..................................................................5

* مَوْلِدُهُ ونَشْأَتُهُ:.................................................................5

* طلَبَهُ ُلِلعِلْمِ:....................................................................6

* شُيُوخُهُ:.......................................................................6

* صِفَاتُهُ الخَلْقِيَّة والخُلُقِيَّة:.........................................................8

* زُهْدُهُ وَوَرَعُهُ وَعِبَادَتُهُ:..........................................................8

* أعْمَالُهُ وَمَنَاصِبُهُ:................................................................9

* تَلامِيْذُهُ:.......................................................................9

* مُصَنَّفَاتُهُ:.....................................................................10

* وَفَاته:........................................................................13

* عَقِبَهُ:........................................................................14

الحديث عن الرسالة:

النُّسَخُ المطْبُوعَةُ:.................................................................15

النُّسْخَةُ الخَطِّيَةُ المعْتَمَدَةُ...........................................................16

عَمَلُ المحَقِّقِ:....................................................................16

النص المحقَّق......................................................................19

الفِهْرس..........................................................................37

ص: 37