المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في المكافأة بالصنائع - مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا

[ابن أبي الدنيا]

الفصل: ‌باب ما جاء في المكافأة بالصنائع

355 -

حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نا الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: صَعِدَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ فَوْقَ بَيْتِهِ فَأَشْرَفَ عَلَى جَارِهِ، فَقَالَ:«سَوْءَةٌ سَوْءَةٌ دَخَلْتُ عَلَى جَارِي بِغَيْرِ إِذْنٍ، لَا صَعِدْتُ فَوْقَ هَذَا الْبَيْتِ أَبَدًا»

ص: 109

‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُكَافَأَةِ بِالصَّنَائِعِ

ص: 109

356 -

حَدَّثَنِي مَهْدِيُّ بْنُ حَفْصٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالُوا: نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا»

ص: 109

357 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ:«بَعَثَنِي مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ، عَلَيْهِ أَجْرٍ مِنْ قِثَّاءٍ زُغْبٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْقِثَّاءَ، وَكَانَ عِنْدَهُ حُلْبَةٌ قَدْ قَدِمَتْ إِلَيْهِ مِنْ الْبَحْرَيْنِ، فَمَلَأَ يَدَهُ مِنْهَا فَأَعْطَانِيهَا، صلى الله عليه وسلم»

ص: 109

358 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ، قَالَ: أَخبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْهَدِيَّةَ رِزْقٌ مِنْ اللَّهِ عز وجل، فَمَنْ أُهْدِيَ لَهُ شَيْءٌ فَلْيَقْبَلْهُ، وَلْيُعْطِ خَيْرًا مِنْهُ»

ص: 109

359 -

حَدَّثَنَا ابْنُ جَمِيلٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: نا أَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدَيَّةَ تُذْهِبُ وَحْرَ الصَّدْرِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَإِنْ كَانَ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ»

ص: 109

360 -

حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنِي كَوْثَرُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ السَّخِيمَةَ»

ص: 110

361 -

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ الْهَمْدَانِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا، وَلَا تَمَارَوْا فَتَبَاغَضُوا»

ص: 110

362 -

حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، نا شَبَابَةُ، نا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْهَدِيَّةَ تَأْخُذُ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقَلْبِ»

ص: 110

363 -

حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، نا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: نا عَرْعَرَةُ بْنُ الْبِرِنْدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَيْزَارِ، عَنِ الْقَاسمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَهَادَوْا تَحَابَبُوا، وَهَاجِرُوا تُوَرِّثُوا أَوْلَادَكُمْ مَجْدًا»

ص: 110

364 -

حَدَّثَنَا ابْنُ جَمِيلٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: نا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَمَّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ:" إِنِّي لَأُهْدِي الْهَدَيَّةَ عَلَى ثَلَاثٍ: هَدَيَّةُ مُكَافَأَةٍ، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ يَفْضُلَنَا أَحَدٌ، وَمَنْ أَهْدَى بِقَدْرِ مَا يَجِدُ فَقَدْ كَافَأَ، وَهَدِيَّةٌ أُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ عز وجل لَا أُرِيدُ بِهَا جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، وَهَدِيَّةٌ أَرِيدُ بِهَا اتِّقَاءً، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ فِيَّ إِلَّا خَيْرٌ "

ص: 111

365 -

حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَالرُّوذِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: «تَرْكُ الْمُكَافَأَةِ مِنْ التَّطْفِيفِ»

ص: 111

366 -

حَدَّثَنَا ابْنُ جَمِيلٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ، نا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُولِيَ مَعْرُوفًا فَلْيُكَافِئْ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَذْكُرْهُ، فَمَنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ تَشَبَّعَ بِمَا لَمْ يَنَلْ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»

ص: 111

367 -

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ النَّسَائِيُّ، نا الْعَلَاءُ بْنُ هِلَالٍ الرَّقِّيُّ، نا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ الرَّقِّيُّ، نا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَامَ يَخْدُمُهُمْ بِنَفْسِهِ، فَقُلَنَا: تُكْفَى ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ»

ص: 111

368 -

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ الْبَصْرِيُّ، نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: نا حَبَابَةُ بِنْتُ عَجْلَانَ، عَنْ أَمِّهَا أُمِّ حَفْصٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ جَرِيرٍ، عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ وَدَّاعٍ الْخُزَاعِيَّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَهَادَوْا، فَإِنَّهَا تُضَعِّفُ الْحُبَّ، وَتَذْهَبُ بِالْغَوَائِلِ»

ص: 112

369 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْمَرْوَزِيُّ، نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَائِذِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدَيَّةَ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ تَذْهَبُ بِالسَّخِيمَةِ وَتُورِثُ الْمَوَدَّةَ»

ص: 112

370 -

حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ هِشَامٍ، نا شَاذَانُ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ «إِذَا أَهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ لَمْ يَرُدَّ الطَّبَقَ إِلَّا وَعَلَيْهِ شَيْءٌ»

ص: 112

372 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: كَانَ زِيَادٌ الْأَعْلَمُ يُهْدِي إِلَى ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَإِلَى يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، وَإِلَى يَزِيدَ الضَّبِّيِّ، قَالَ:«فَيُهْدِي إِلَى قَوْمٍ مُحْتَاجِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مُكَافَأَتِهِ» ، فَلَّمَا ظَهَرَ الْحَسَنُ جَعَلَ يُهْدِي لَهُ، وَيُهْدِي لَهُ الْحَسَنُ، فَقَالَ زِيَادٌ الْأَعْلَمُ:«أَتْعَبْنَا الشَّيْخَ»

ص: 112

373 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: كَانَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ يُهْدِي لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، فِيَقْبَلُ مِنْهُ، فَقَالَ لِمُحَمَّدٍ أَهْلُ بَيْتِهِ: هَذَا الرَّجُلُ يُهْدِي لَكَ وَلَا تُكَافِئُهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ:«مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُكَافِئَهُ إِلَّا نَظَرًا لَهُ، هَذَا كَذَا يُهْدِي لَنَا، وَلَا يُهْدَى لَهُ، فَلَوْ أَهْدَيْنَا إِلَيْهِ اجْتَهَدَ»

ص: 113

374 -

أَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ: نا أَبُو سَلَمَةَ الْغِفَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: أَقْبَلَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ يَوْمًا يَمْشِي وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَمَشَى عَنْ يَمِينِهِ، فَلَّمَا بَلَغَا دَارَ سَعِيدٍ الْتَفَتَ إِلَيْهِ سَعِيدٌ فَقَالَ:«مَا حَاجَتُكَ؟» قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي رَأَيْتُكَ تَمْشِي وَحْدَكَ فَوَصَّلْتُكَ، فَقَالَ سَعِيدٌ لِقَهْرَمَانِهِ أَبِي كَعْبٍ:«مَاذَا لَنَا عِنْدَكَ؟» قَالَ: ثَلَاثُونَ أَلْفًا، قَالَ:«ادْفَعْهَا إِلَيْهِ»

ص: 113

375 -

وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: " خَرَجَتْ لِأَبِي جَائِزَتُهُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَ خَاصَّتَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، فَفَعَلْتُ، فَقَالَ لِي:«تَذَكَّرْ هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ أَغْفَلْنَاهُ؟» قُلْتُ: لَا. قَالَ: «بَلَى، رَجُلٌ لَقِيَنِي فَسَلَّمَ عَلَيَّ سَلَامًا جَمِيلًا صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، اكْتُبْ لَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ»

ص: 113

376 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصِّمَّةِ الْمُهَلَّبِيُّ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو عُيَيْنَةَ بْنُ الْمُهَلَّبِ ذَاتَ يَوْمٍ فَتَبِعَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْأُسَيْدِيُّ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ الْتَفَتَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ. قَالَ:«مَا حَاجَتُكَ؟» قَالَ: جِئْتُكَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ. قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ» فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ جَرِيبٍ

ص: 113

بَابُ

⦗ص: 114⦘

الْجُودِ وَإِعْطَاءِ السَّائِلِ

ص: 113

377 -

حَدَّثَنَا زُهْيَرُ بْنُ حَرْبٍ الْعَامِرِيُّ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ونا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، نا مُنْكَدِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، ونا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ:«لَا»

ص: 114

378 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشِ بْنِ عَجْلَانَ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَا بِبُرْدَةٍ، قَالَ سَهْلٌ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالُوا: هِيَ الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ فِيهَا حَاشِيَتَاهَا. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي، جِئْتُ أَكْسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا وَإِنَّهَا لَإِزَارُهُ. فَجَسَّهَا رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . فَجَلَسَ مَا شَاءَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سأَلْتَهُ إِيَّاهَا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ سَائِلًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمَوْتُ. قَالَ سَهْلٌ: «فَكَانَتْ كَفَنَهُ»

ص: 114

379 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالٍحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَلِقَتِ الْأَعْرَابُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ مُنْصَرَفَهُ عَنْ حُنَيْنٍ، حَتَّى أَلْجَئُوهُ إِلَى شَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ، فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ، فَقَالَ:«رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاةِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، وَلَا تَجِدُونِي كَذُوبًا، وَلَا جَبَانًا، وَلَا بَخِيلًا»

ص: 114

380 -

حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، نا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ قُعُودٌ فِي الْمَسْجِدِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ دَخَلَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ مُرْتَدِيًا بِبُرْدٍ نَجْرَانِيٍّ عَلَى إِزَارِهِ، إِذْ لَحِقَهُ أَعْرَابِيٌّ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَبَضَ بِمَجَامِعِ الْبُرْدِ، ثُمَّ جَبَذَهُ إِلَيْهِ جَبْذَةً، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَحْرِ الْأَعْرَابِيِّ، فَالْتَفَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ الْمَالِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِشَيْءٍ

ص: 115

381 -

حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: نا أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِلَالٍ الْمَدِينِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ إِلَيْنَا، فَيَتَحَدَّثُ إِلَيْنَا فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ يَوْمَا فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَحِقَهُ أَعْرَابِيٌّ، وَعَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بُرْدٌ خَشِنٌ، فَجَذَبَهُ مِنْ خَلْفِهِ، حَتَّى احْمَرَّتْ عُنُقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، احْمِلْ لِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ، عَلَى بِعِيرٍ تَمْرًا، وَعَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا، فَإِنَّكَ لَا تَحْمِلُنِي مِنْ مَالِكَ، وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا، وَأَحْمَدُ اللَّهَ، حَتَّى تُقِيدَنِي مِمَّا صَنَعْتَ بِي» فَلَمَّا رَأَيْنَا الْأَعْرَابِيَّ، وَمَا صَنَعَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَثَبْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«عَزَمْتُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ، إِلَّا لَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ» فَبَقِينَا كَأَنَّا حُبِلَ بَعْضُنَا فِي أَثَرِ بَعْضٍ، قَالَ: وَأَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاحْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرٍ تَمْرًا، وَعَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا، وَقَدْ تَرَكْنَا لَكَ مَا صَنَعْتَ بِنَا»

ص: 115

382 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ. وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَانْطَلَقُوا قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَبَقَهُمْ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ:«لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا» ثُمَّ قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ» . وَكَانَ يُبَطَّأُ، فَمَا سُبِقَ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ

ص: 115

383 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ وَفْدَ هَوَازِنَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَقَدْ أَسْلَمُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَقَدْ أَصَابَنَا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَكَانَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ هُمْ أَرْضَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لَهُ: زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ وَيُكْنَى بِأَبِي صُرَدٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا فِي الْحَظَائِرِ عَمَّاتُكَ وَخَالَاتُكَ وَحَوَاضِنُكَ اللَّاتِي كُنَّ يَكْفُلْنَكَ، وَلَوْ أَنَّا مَلَحْنَا لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، أَوْ لِلنُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، ثُمَّ نَزَلَ مِنَّا بِمِثْلِ مَا نَزَلْتَ بِهِ، رَجَوْنا عَطْفَهُ وَعَائِدَتَهُ عَلَيْنَا، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ، ثُمَّ قَالَ:

[البحر البسيط]

امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ

فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَدَّخِرُ

امْنُنْ عَلَى بَيْضَةٍ اعْتَاقَهَا قَدَرٌ

مُمَزَّقٌ شَمْلُهَا فِي دَهْرِهَا غِيَرُ

أَبْقَتْ لَنَا الْحَرَبُ تَهْتَافًا عَلَى حَزَنٍ

عَلَى قُلُوبِهِمُ الْغَمَّاءُ وَالْغَمَرُ

إِنْ لَمْ تَدَارَكْهُمُ نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا

يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمَا حِينَ يُخْتَبَرُ

امْنُنْ عَلَى بَيْضَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا

إِذْ فُوكَ يَمْلَؤُهُ مِنْ مَحْضِهَا دُرَرُ

لَا تَجْعَلْنَا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ

وَاسْتَبْقِ مِنَّا فَإِنَّا مَعْشَرٌ زُهُرُ

إِنَّا لَنَشْكُرُ آلَاءً وَإِنْ كُفِرَتْ

وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدَّكَرُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَأَمْوَالِنَا فَلْتُرَدَّ عَلَيْنَا نِسَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا فَهُمْ أَحَبُّ إِلَيْنَا. فَقَالَ لَهُمْ:" أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، وَإِذَا صَلَّيْتُ لِلنَّاسِ الظُّهْرَ فَقُومُوا فَقُولُوا: إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبِالْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فِي أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا، فَسَأُعْطِيكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَسْأَلُ لَكُمْ " فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ قَامُوا، فَتَكَلَّمُوا بِالَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ» قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: وَمَا كَانَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهُوَ لَكَ، وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا، وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَمَا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا، وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا. فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: يَقُولُ الْعَبَّاسُ لِبَنِي سُلَيْمٍ: وَهَّنْتُمُونِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ مِنْكُمْ بِحَقِّهِ مِنْ هَذَا السَّبْيِ، فَلَهُ بِكُلِّ إِنْسَانٍ سِتُّ فَرَائِضَ مِنْ أَوَّلِ سَبْيٍ نُصِيبُهُ، فَرَدُّوا عَلَى النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ»

ص: 116

384 -

حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُسِرَ زَوْجُ ابْنَةِ خَدِيجَةَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَرْسَلَتْ بِقِلَادَةِ خَدِيجَةَ لِتَفُكَّ بِهَا زَوْجَهَا، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِلَادَةَ خَدِيجَةَ، فَقَالَ:«رُدُّوا عَلَيْهَا قِلَادَتَهَا، وَأَطْلِقُوا لَهَا زَوْجَهَا»

ص: 117

385 -

حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَبَّانَ الطَّائِيُّ، قَالَ: نا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: «لَا» ، وَمَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ

ص: 117

387 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: نا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ أَطْلَقَ كُلَّ أَسِيرٍ، وَأَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ، وَاللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْهَابَّةِ»

ص: 118

388 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، نا حُمَيْدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«لَقَلَّمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا عَلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا أَعْطَاهُ» ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، «فَأَمَرَ لَهُ بِغَنَمٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ» ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمُ، أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يُعِطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ

ص: 118

389 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، نا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ عُيَيْنَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ»

ص: 118

390 -

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ الْفَرْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ، فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ قَضَيْتُهُ» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَعْطَيْتَهُ، فَمَا كَلَّفَكَ اللَّهُ مَالَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفِقْ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالَا، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعُرِفَ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ لِقَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ:«بِهَذَا أُمِرْتُ»

ص: 118

391 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: نا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلًى لِفَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهَا الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ، وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ لِيَ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَرَوِيُّ مَعَنَى هَذَا الْحَدِيثِ: «السَّائِلُ يَسْأَلُ فِي الْحَمَالَةِ»

ص: 119

392 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، نا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أَمَيَّةَ قَالَ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مِنْ أَبْغَضِ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ أَعْطَانِي، ثُمَّ أَعْطَانِي، فَلَهُوَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ

ص: 119

393 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: نا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي، رَمَضَانَ فِيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» .

394 -

حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، نا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ

ص: 119

396 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَيَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالُوا: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: نا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَجْوَدَ، وَلَا أَنْجَدَ، وَلَا أَشْجَعَ، وَلَا أَوْفَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»

ص: 120

397 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلْيَنَ النَّاسِ، وَأَكْرَمَ النَّاسِ، وَكَانَ رَجُلًا مِنْ رِجَالِكُمْ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ ضَحَّاكًا بَسَّامًا»

ص: 120

398 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَا: نا أَبُو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانًا يُثْنِي عَلَيْكَ، قَالَ:«إِنِّي أَعْطَيْتُهُ دِينَارَيْنِ لَكِنَّ فُلَانًا قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا بَيْنَ الْعِشْرِينَ إِلَى الْمِائَةِ فَمَا يُثْنِي» قَالَ: قُلْتُ: فَلِمَ تُعْطِيهِمْ؟ قَالَ: «يَسْأَلُونِي وَيُرِيدُونَ أَنْ أَبْخَلَ، وَيَأْبَى اللَّهُ عز وجل لِي إِلَّا السَّخَاءَ» هَذَا لَفْظُ ابْنِ سُلَيْمٍ

ص: 120

399 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، نا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَأْبَوْنَ إِلَّا أَنْ يَسْأَلُونِي، وَيَأْبَى اللَّهُ عز وجل لِيَ الْبُخْلَ»

ص: 120

400 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي الْفَغْوَاءِ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:«بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَالٍ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ يَقْسِمُهُ فِي فُقَرَاءِ قُرَيْشٍ وَهُمْ مُشْرِكُونَ يَتَأَلَّفُهُمْ» ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ، دَفَعْتُ الْمَالَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَبَرَّ مِنْ هَذَا، وَلَا أَوْصَلَ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّا نُجَاهِدُهُ وَنَطْلُبُ دَمَهُ، وَهُوَ يَبْعَثُ إِلَيْنَا بِالصِّلَاتِ يَبَرُّنَا بِهَا "

ص: 120

401 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: نا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ قُرَيْشًا، أَصَابَتْهُمْ سِنَةٌ شَدِيدَةٌ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بِحِمْلِ نَوًى مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ:«اقْسِمْهُ فِي قَوْمِكَ» ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَبَى مُحَمَّدٌ إِلَّا صِلَةَ الرَّحِمِ، قَالَ مُصْعَبٌ:«بَعَثَ بِهِ إِلَيْهِمْ وَهُمْ أَشَدُّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ»

ص: 121

402 -

حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، نا عُمَرُ بْنُ فَرُّوخَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، احْتَجَمَ، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ دِينَارًا»

ص: 121

403 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نا ثَابِتٌ الْعَابِدُ، نا أَبُو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا قِسْمَةً، قَالَ: فَفَرَّ مِنْ النَّاسِ، فَتَبِعَهُ النَّاسُ، فَعَلِقَ ثَوْبُهُ بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ:«رُدُّوا عَلَيَّ ثَوْبِي، أَتَخَافُونَ بُخْلِي؟ لَوْ كَانَ مَا بَيْنَهُمَا مَالٌ لَقَسَمْتُهُ»

ص: 121

404 -

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: نا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ قَالَ:«مَا يَكُونُ عِنْدِي فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ»

ص: 121

405 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ سَائِلَا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عِنْدِهِ سَلَفٌ؟» قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: عِنْدِي قَالَ: «أَعْطِهِ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ» . ثُمَّ إِنَّ الْأَنْصَارِيَّ احْتَاجَ إِلَى سَلَفِهِ، فَرَجَعَ مِرَارًا كُلَّمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ أَتَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَكُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عِنْدَهُ سَلَفٌ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. قَالَ: «كُمْ؟» قَالَ: مَا شَئِتَ. قَالَ: «أَعْطِهِ ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ» فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا لِي أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«وَأَرْبَعَةٌ أَيْضًا»

ص: 122

406 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَجْزَةَ يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: لَمَّا انْتُهِيَ بِالشَّيْمَاءِ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أُخْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الرَّضَاعَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُخْتُكَ، قَالَ:«فَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟» قَالَتْ: عَضَّةٌ عَضَضْتَنِيهَا فِي ظَهْرِي وَأَنَا مُتَوَرِّكَتُكَ، قَالَ: فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَلَامَةَ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، ثُمَّ قَالَ:«هَاهُنَا» وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ وَخَيَّرَهَا، وَقَالَ:«إِنْ أَحْبَبْتِ فَعِنْدِي مُحَبَّةً مُكَرَّمَةً، وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أُمَتِّعَكِ وَتَرْجِعِي إِلَى قَوْمِكَ» قَالَتْ: بَلْ تُمَتِّعُنِي وَتَرُدُّنِي إِلَى قَوْمِي: فَمَتَّعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَدَّهَا إِلَى قَوْمِهَا، فَزَعَمَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ أَنَّهُ أَعْطَاهَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: مَكْحُولٌ وَجَارِيَةً، فَزَوَّجَتْ أَحَدَهُمَا الْآخَرَ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مِنْ نَسْلِهُمَا بَقِيَّةٌ بَعْدُ

ص: 122

407 -

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، نا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ الْأَسْوَدُ بْنُ وَهْبٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَسَطَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رِدَاءَهُ، فَقَالَ:«اجْلِسْ يَا خَالُ، فَإِنَّ الْخَالَ وَالِدٌ» قَالَتْ: وَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُ بِاسْمِهِ إِلَّا يَا خَالُ

ص: 122

408 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ أَيُّوبَ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ شَهِدَ مَعَهُ حُنَيْنًا قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ لَأَسِيرُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَةٍ لِي، وَفِي رِجْلِي نَعْلٌ لِي غَلِيظَةٌ إِذْ زَحَمَتْ نَاقَتِي نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَقَعُ حَرْفُ نَعْلِي عَلَى سَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَوْجَعَهُ. قَالَ: فَقَرَعَ قَدَمِي بِالسَّوْطِ، وَقَالَ:«أَوْجَعْتَنِي فَأَخِّرْ عَنِّي» قَالَ: فَانْصَرَفْتُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْتَمِسُنِي. قَالَ: قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ لِمَا كُنْتُ أَصَبْتُ مِنْ رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْأَمْسِ. قَالَ: فَجِئْتُهُ وَأَنَا أَتَوَقَّعُ، فَقَالَ لِي:«إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ أَصَبْتَ رِجْلِي أَمْسِ بِنَعْلِكَ فَأَوْجَعَتْنِي، فَقَرَعْتُ قَدَمَكَ بِالسَّوْطِ، فَدَعَوْتُكَ لِأُعَوِّضَكَ» قَالَ: فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِينَ نَعْجَةً بِالضَّرْبَةِ الَّتِي ضَرَبَنِي

ص: 123

409 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِوَفْدِ هَوَازِنَ: «مَا فَعَلَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ؟» قَالُوا: هُوَ بِالطَّائِفِ مَعَ ثَقِيفٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَخْبِرُوا مَالِكًا أَنَّهُ إِنْ أَتَانِي مُسْلِمَا رَدَدْتُ إِلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَأَعْطَيْتُهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ» فَأَتَى مَالِكٌ بِذَلِكَ فَخَرَجَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَدْرَكَهُ بِالْجِعْرَانَةِ أَوْ بِمَكَّةَ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَأَعْطَاهُ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَأَسْلَمَ، فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ. فَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ:

[البحر الكامل]

مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ بِوَاحِدٍ

فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ بِمِثْلِ مُحَمَّدِ

أَوْفَى وَأَعْطَى لِلْجَزِيلِ إِذَا اجْتُدِي

وَمَتَى تَشَأْ يُخْبِرْكَ عَمَّا فِي غَدِ

وَإِذَا الْكَتِيبَةُ عَرَّدَتْ أَبْنَاؤُهَا

بِالْمِشْرَفِيِّ وَضَرْبِ كُلِّ مُهَنَّدِ

فَكَأَنَّهُ لَيْثٌ عَلَى أَشْبَالِهِ

وَسْطَ الْهَبَاءَةِ خَادِرٌ فِي مَرْصَدِ

ص: 123

410 -

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ قَوْمًا أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ حَاجَةً، فَلَمَّا رَآهُمْ وَأَحَسَّ بِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ قَامَ لِيَدْخُلَ، فَلَحِقَهُ لَاحِقٌ مِنْهُمْ، فَتَعَلَّقَ بِثَوْبِهِ فَشَقَّهُ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ أَتَوْهُ وَقَدْ جَاءَهُ شَيْءٌ فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ لَهُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْنَا فِي حِلٍّ مِنْ تَخْرِيقِ ثَوْبِكَ، قَالَ:«هُوَ بِفَزَّتِي مِنْكُمْ»

ص: 124

411 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْبَادِيَةِ جَاءُوا، فَلَمَّا رَآهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ طَلِعُوا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ بَادَرَهُمْ لِيَدْخُلَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَلَحِقَهُ بَعْضُهُمْ فَجَبَذَهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ فَأَعْطَاهُمْ، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا لَهُ: اقْتَصَّ مِنَّا، قَالَ:«هِيَ بِفَزَّتِي مِنْكُمْ»

ص: 124

412 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَرْسَلَتِ امْرَأَةٌ ابْنَهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: ايْتِهِ فَأَقْرِهِ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَمِّي تَقُولُ لَكَ: اكْسُنِي، فَإِنْ قَالَ لَكَ: حَتَّى يَأْتِيَنَا شَيْءٌ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّهَا تَقُولُ لَكَ اكْسُنِي قَمِيصَكَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ:«حَتَّى يَأْتِيَنَا شَيْءٌ» ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهَا تَقُولُ لَكَ: اكْسُنِي قَمِيصَكَ، فَنَزَعَ قَمِيصَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] "

ص: 124

413 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ التَّيْمِيُّ، نا الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ نَدَبَةَ، نا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَسْأَلُهُ فَمَنَعَنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ أَسْأَلُهُ فَمَنَعَنِي، فَقُلْتُ: إِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ:«وَأَيُّ دَاءٍ شَرٌّ مِنَ الْبُخْلِ؟ مَا مِنْ مَرَّةٍ تَسْأَلُنِي إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ أَلْفًا، فَعَدَّ لِي ثَلَاثَةَ آلَافٍ»

ص: 124

414 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِبِلَالٍ وَهُوَ يُعَذَّبُ، وَكَانَتْ دَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي بَنِي جُمَحٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ:«أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ عز وجل فِي هَذَا الْمِسْكِينِ؟ حَتَّى مَتَّى؟» قَالَ: أَنْتَ أَفْسَدْتَهُ فَأَنْقِذْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:«أَفْعَلُ، عِنْدِي غُلَامٌ أَسْوَدُ أَجْلَدُ مِنْهُ وَأَقْوَى، عَلَى دِينِكَ، أُعْطِيكَهُ بِهِ» ، قَالَ: قَبِلْتُ، قَالَ:«هُوَ لَكَ» . فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه غُلَامَهُ ذَلِكَ، وَأَخَذَ بِلَالًا فَأَعْتَقَهُ. ثُمَّ أَعْتَقَ مَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ مِنْ مَكَّةَ سِتَّ رِقَابٍ، بِلَالٌ سَابِعُهُمْ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا، وَأُمُّ عُبَيْسٍ، وَزِنِّيرَةُ، وَالنَّهْدِيَّةُ وَابْنَتُهَا، وَجَارِيَةٌ مِنْ بَنِي مُؤَمَّلٍ، حَيٍّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ "

ص: 125

415 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ:" قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِابْنِهِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا بُنَيَّ، إِنِّي أَرَاكَ تَعْتِقُ رِقَابًا ضِعَافًا، فَلَوْ أَنَّكَ إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلَدَاءَ يَمْنَعُونَكَ وَيَقُومُونَ دُونَكَ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: «يَا أَبَهْ، إِنَّمَا أُرِيدُ مَا أُرِيدُ» ، قَالَ: " فَيُتَحَدَّثُ أَنَّهُ مَا نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إِلَّا فِيهِ وَفِيمَا قَالَ لِأَبِيهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ "

ص: 125

416 -

حَدَّثَنِي أَبِي رحمه الله نا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، نا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ رَجُلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ رضي الله عنه قَرَابَةٌ، سَأَلَهُ فَزَبَرَهُ وَأَخْرَجَهُ، فَكُلِّمَ فِيهِ، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فُلَانٌ سَأَلَكَ فَزَبَرْتَهُ وَأَخْرَجْتَهُ، قَالَ:«إِنَّهُ سَأَلَنِي مِنْ مَالِ اللَّهِ عز وجل، فَمَا مَعْذِرَتِي إِنْ لَقِيتُهُ مَلِكًا خَائِنًا؟ فَلَوْلَا سَأَلَنِي مِنْ مَالِي؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ»

ص: 125

417 -

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، نا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ كَثِيرٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ حِينَ جَهَّزَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُهَا وَيَقُولُ:«مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا فَعَلَ بَعْدَ هَذَا» يُرَدِّدُ ذَلِكَ مِرَارًا

ص: 126

418 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَرِيرٍ الْعَتَكِيُّ، نا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: نا السَّكَنُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، مَوْلًى لِآلِ عُثْمَانَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ، عَنْ فَرْقَدٍ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَثَّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ، فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجَيْشِ، فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجَيْشِ، فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ أَوْ بَعْدَ الْيَوْمِ»

ص: 126

419 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وهَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَا: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، نا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: نا عُثْمَانُ بْنُ نَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مَوْلَايَ عُثْمَانَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا فِي عُمَرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ، قَالَ: وَكُلُّ الْقَوْمِ بَعِيرُ زَادِهِ بَعِيرُ رَحْلِهِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عُثْمَانَ، فَإِنِّي كُنْتُ عَلَى بَعِيرٍ عَلَيْهِ زَادُهُ، وَكَانَ عَلَى بَعِيرٍ عَلَيْهِ رَحْلُهُ، قَالَ: فَجَاءَهُمْ سَائِلٌ فَسَأَلَهُمْ، ثُمَّ قَالَ:«إِنِّي وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُنْزِلَ حَاجَتِي هَذِهِ بِقَوْمٍ أَوْلَى أَنْ يَصْنَعُوا بِي مَعْرُوفًا مِنْكُمْ» ، فَدَعَانِي عُثْمَانُ، فَحَوَّلَ الزَّادَ عَلَى بَعِيرِ رَحْلِهِ، وَوَطَّأَ لِي خَلْفَهُ، وَأَرْدَفَنِي وَاسْتَحْمَدَ اللَّهَ عز وجل، وَدَفَعَ الْبَعِيرَ إِلَى السَّائِلِ

ص: 126

420 -

حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: " كَانَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ خَمْسُونَ أَلْفًا، فَخَرَجَ عُثْمَانُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: قَدْ تَهَيَّأَ مَالُكَ فَاقْبِضْهُ قَالَ: «هُوَ لَكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَعُونَةً لَكَ عَلَى مُرُوَّتِكَ»

ص: 127

421 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، نا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، " أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَجَازَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رضي الله عنه بِسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ، فَمَرَّ عَلَى أَخْوَالِهِ بَنِي كَاهِلٍ، فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَجْوَدُ؟ قَالُوا: مَالُ أَصْبَهَانَ، قَالَ: أَعْطُونِي مِنْ مَالِ أَصْبَهَانَ "

ص: 127

422 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ:«مَا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه حَتَّى بَلَغَتْ غَلَّتُهُ مِائَةَ أَلْفٍ، وَلَقَدْ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَعَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفًا دَيْنًا» ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ كَانَ عَلَيْهِ هَذَا الدَّيْنُ؟ قَالَ: «كَانَ تَأْتِيهِ حَامَّتُهُ مِنْ أَصْهَارِهِ وَمَعَارِفِهِ مِمَّنْ لَا يَرَى لَهُمْ فِي الْفَيْءِ نَصِيبًا فِيُعْطِيهِمْ، فَلَمَّا قَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَاعَ وَأَخَذَ مِنْ حَوَاشِي مَالِهِ حَتَّى قَضَى عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ يَعْتِقُ عَنْهُ كُلَّ عَامٍ خِمْسِينَ نَسَمَةً حَتَّى هَلَكَ، ثُمَّ كَانَ الْحُسَيْنُ يَعْتِقُ عَنْهُ خَمْسِينَ نَسَمَةً حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ بَعْدَهُمَا»

ص: 127

423 -

حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ: قُطِعَ بِرَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقِيلَ لَهُ: عَلَيْكَ بِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَذَكَرَ لَهُ حَاجَتَهُ، فَقَامَ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى أَهْلِهِ، فَمَرَّ بِقَطْعَةِ كِسَاءٍ أَوْ قَالَ: خِرْقَةٍ مَطْرُوحَةٍ - فِي كُسَاحَةٍ -، فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ - ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ عَلَّقَهَا بِيَدِهِ - قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ فِي نَفْسِهِ: مَا أَرَى عِنْدَ هَذَا خَيْرًا، فَلَمَّا دَخَلَ دَارَهُ رَأَى غِلْمَانًا لَهُ يُعَالِجُونَ أَدَاةً مِنْ أَدَاةِ الْإِبِلِ، فَرَمَى بِهَا إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: اسْتَعِينُوا بِهَذِهِ عَلَى بَعْضِ مَا تُعَالِجُونَ «، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِرَاحِلَةٍ مُقَتَّبَةٍ مُحَقَّبَةٍ، وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَ زَادًا»

ص: 127

425 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، عَنْ سَوَادَةَ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، أَنَّ رَجُلًا عَطِبَتْ رَاحِلَتُهُ، فَأَتَى أَمِيرَ الْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ فَلَمْ يَحْمِلْهُ، فَقِيلَ لَهُ: ايْتِ أَبَا جَعْفَرٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ:

[البحر الطويل]

أَبَا جَعْفَرٍ إِنَّ الْحَجِيجَ تَرَحَّلُوا

وَلَيْسَ لِرَحْلِي فَاعْلَمَنَّ بَعِيرُ

أَبَا جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ

صَلَاتُهُمُ لِلْمُسْلِمِينَ طَهُورُ

أَبَا جَعْفَرٍ ضَنَّ الْأَمِيرُ بِمَالِهِ

وَأَنْتَ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ أَمِيرُ «

فَأَمَرَ لَهُ بِرَاحِلَةٍ وَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ سَابِغَةٍ»

ص: 128

426 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الشَّيْبَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْعَنْبَرِيُّ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، كَانَ فِي سَفَرٍ لَهُ، فَمَرَّ بِفِتْيَانٍ يُوقِدُونَ تَحْتَ قِدْرٍ لَهُمْ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَقَالَ:

[البحر المتقارب]

أَقُولُ لَهُ حِينَ أَلْفَيْتُهُ

عَلَيْكَ السَّلَامُ أَبَا جَعْفَرِ

فَوَقَفَ وَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» . وَقَالَ:

وَهَذِي ثِيَابِي قَدْ أَخْلَقَتْ وَقَدْ عَضَّنِي زَمَنٌ مُنْكَرُ قَالَ: «فَهَذِي ثِيَابِي مَكَانَهَا، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ، وَعِمَامَةُ خَزٍّ، وَمِطْرَفُ خَزٍّ، وَتُعِينُكَ عَلَى زَمَنِكَ الْمُنْكَرِ» . قَالَ:

وَأَنْتَ كَرِيمُ بَنِي هَاشِمٍ

وَفِي الْبَيْتِ مِنْهَا الَّذِي يُذْكَرُ

قَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي، ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: «الَّذِي أَنْشَدَهُ هَذَا الشِّعْرَ الْحَزِينُ الْكِنَانِيُّ»

ص: 128

427 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَدَّاحَ، يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا عَرَضَ لِعَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الطَّيَّارِ فِي الْجَنَّةِ، صِلْنِي بِنَفَقَةٍ أَتَبَلَّغُ بِهَا إِلَى أَهْلِي، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَكَ. قَالَ:«فَرَمَى إِلَيْهِ بِرُمَّانَةٍ مِنْ ذَهَبٍ كَانَتْ فِي يَدِهِ، فَوَزَنَهَا الرَّجُلُ فَإِذَا فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ مِثْقَالٍ»

ص: 129

428 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا الصَّلْتُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ نَافِعٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغَطَفَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَمْسُونَ أَلْفًا، فَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:«قَدْ حَطَطْتُ عَنْهُ شَطْرَهَا، وَأَخَّرْتُهُ بِالشَّطْرِ الْآخَرِ إِلَى مَيْسُورِهِ» . قَالَ: فَجَزَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ خَيْرًا وَانْصَرَفَ، فَأَتْبَعَهُ ابْنُ جَعْفَرٍ رَسُوَلًا:«إِنِّي قَدْ طَيَّبْتُ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ»

ص: 129

429 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَسَأَلَهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ جَارِيَةٌ لَهُ تُعَاطِيهِ بَعْضَ حَوَائِجِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِلسَّائِلِ:«خُذْ بِيَدِهَا فَهِيَ لَكَ» ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: أَمَتَّنِي يَا سَيِّدِي، قَالَ:«وَيْحَكِ وَكَيْفَ ذَاكَ؟» ، قَالَتْ: وَهَبْتَنِي لِرَجُلٍ بَلَغَتْ بِهِ الْحَاجَةُ إِلَى الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ:«بِعْنِيهَا إِنْ شِئْتَ» ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: خُذْهَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ بِمَا أَحْبَبْتَ، قَالَ:«إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَكَ مِائَتَا دِينَارٍ» ، قَالَ: فَهِيَ لَكَ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ عَبْدُ اللَّهِ مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَقَالَ:«إِذَا نَفِدَتْ فَعُدْ إِلَيَّ» ، قَالَتْ لَهُ الْجَارِيَةُ: يَا سَيِّدِي، عَظُمَتْ مَؤُونَتِي عَلَيْكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:«حُرْمَتُكَ أَعْظَمُ مِنْ مَؤُونَتِكَ»

ص: 129

قَالَ:

⦗ص: 130⦘

430 -

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَال َ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ إِذَا أَتَاهُ الرَّجُلُ يَسْأَلُهُ أَعْطَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَالَ لَهُ:«اذْهَبْ فَخُذْ عَلَيَّ، إِلَى الْعَطَاءِ أَوْ إِلَى الْجُذَاذِ، وَائْتِنِي بِهِمْ أَضْمَنْ لَهُمْ»

ص: 129

431 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ، نا عُبَيْدُ بْنُ أَبِي الْوَسِيمِ الْجَمَّالُ، قَالَ: " أَتَيْنَا عِمْرَانَ بْنَ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ نَسْأَلُهُ فِي دَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَأَمَرَ بِالْمَوَائِدِ فَنُصِبَتْ، ثُمَّ قَالَ:«لَا حَتَّى تُصِيبُوا مِنْ طَعَامِنَا، فَيَجِبُ عَلَيْنَا حَقُّكُمْ وَذِمَامُكُمْ» ، قَالَ: فَأَصَبْنَا مِنْ طَعَامِهِ، فَأَمَرَ لَنَا بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ وَخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ نَفَقَةً لِعِيَالِهِ

ص: 130

432 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، نا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، نا سَوَادَةُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَهُوَ يَأْكُلُ طَعَامًا، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقَعَدُوا، فَقَالَ لَهُمُ الْحَسَنُ:«الطَّعَامُ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَإِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى رَجُلٍ مَنْزِلَهُ، فَقَرَّبَ طَعَامَهُ، فَكُلُوا مِنْ طَعَامِهِ، وَلَا تَنْتَظِرُوا أَنْ يَقُولَ لَكُمْ هَلُمُّوا، فَإِنَّمَا يُوضَعُ الطَّعَامُ لِيُؤْكَلَ» ، قَالَ: فَتَقَدَّمَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا، ثُمَّ سَأَلُوهُ حَاجَتَهُمْ، فَقَضَاهَا لَهُمْ

ص: 130

433 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْيَقْظَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيَ الْفَرَزْدَقُ حُسَيْنًا رضي الله عنه بِالصِّفَاحِ، فأَمَرَ لَهُ الْحُسَيْنُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ، فَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَعْطَيْتَ شَاعِرًا مُبْتًهِرًا أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ:«إِنَّ مِنْ خَيْرِ مَالِكَ مَا وَقَيْتَ بِهِ عِرْضَكَ»

ص: 130

434 -

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ: نا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ظِئْرٌ، كَانَ لَنَا قَالَ: قَدِمْتُ بِأَبَاعِرَ لِي عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا ذَا الْمُرُوَّةِ، أُرِيدُ الْمِيرَةَ مِنَ التَّمْرِ، فَقِيلَ لِي: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ فِي مَالِهِ، وَالْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما فِي مَالِهِ، قَالَ: فَجِئْتُ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ فَأَمَرَ لِي بِبَعِيرَيْنِ، أَنْ يُحْمَلَ لِي عَلَيْهِمَا، فَقَالَ لِي قَائِلٌ: وَيْلَكَ ائْتِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَجِئْتُهُ وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ بِالْأَرْضِ حَوْلَهُ عَبِيدُهُ، بَيْنَ يَدَيْهِ جَفْنَةٌ عَظِيمَةٌ فِيهَا خُبْزٌ غَلِيظٌ وَلَحْمٌ، فَهُوَ يَأْكُلُ وَهُمْ يَأْكُلُونَ مَعَهُ، فَسَلَّمْتُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ، مَا أَرَى أَنْ يُعْطِيَنِي هَذَا شَيْئًا. فَقَالَ: هَلُمَّ فَكُلْ، فَأَكَلْتُ مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى رَبِيعِ الْمَاءِ - مَجْرَاهُ - فَجَعَلَ يَشْرَبُ بِيَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَهُمَا، وَقَالَ:«مَا حَاجَتُكَ؟» فَقُلْتُ: أَمْتَعَ اللَّهُ بِكَ، قَدِمْتُ بِأَبَاعِرَ لِي أُرِيدُ الْمِيرَةَ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، فَذُكِرْتَ لِي فَأَتَيْتُكَ لِتُعْطِيَنِي مِمَّا أَعْطَاكَ اللَّهُ، قَالَ:«اذْهَبْ فَأْتِنِي بِأَبَاعِرِكَ» ، فَجِئْتُ بِهَا، فَقَالَ:«دُونَكَ هَذَا الْمِرْبَدُ فَأَوْقِرْهَا مِنْ هَذَا التَّمْرِ» ، فَأَوْقَرْتُهَا وَاللَّهُ مَا حَمَلَتْ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي، هَذَا وَاللَّهِ الْكَرَمُ

ص: 131

435 -

أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ، مَوْلًى لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ خُطَبَاءُ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا. قَالَ: فَحَضَرْتُ كَلَامَهُمْ رَجُلَا رَجُلَا، حَتَّى قَامَ ابْنُ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ أَعْظَمَ الْقَوْمِ قَدْرًا، وَأَكْبَرَهُمْ سِنًّا، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ خُطَبَاءَ قُرَيْشٍ قَدْ قَالَتْ فِيكَ فَاحْتَفَلَتْ، وَأَثْنَتْ فَأَطْنَبَتْ، فَوَاللَّهِ مَا بَلَغَ قَائِلُهُمْ قَدْرَكَ، وَلَا أَحْصَى مُطْنِبُهُمْ فَضْلَكَ، أَفَأُطِيلُ أَمْ أُوجِزُ؟ قَالَ:«بَلْ أَوْجِزْ» قَالَ: تَوَلَاكَ اللَّهُ بِالْحُسْنَى، وَزَيَّنَكَ بِالتَّقْوَى، وَجَمَعَ لَكَ خَيْرَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، إِنَّ لِي حَوَائِجَ أَفَأَذْكُرُهَا؟ قَالَ:«اذْكُرْهَا» . قَالَ: كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَنَالَ الدَّهْرُ مِنِّي، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَجْبُرَ كَسْرِي، وَأَنْ يَنْفِيَ فَقْرِي فَعَلَ. قَالَ:«وَمَا الَّذِي يَجْبُرُ كَسْرَكَ، وَيَنْفِي فَقْرَكَ» ، قَالَ: أَلْفُ دِينَارٍ، وَأَلْفُ دِينَارٍ، وَأَلْفُ دِينَارٍ. قَالَ:«هَيْهَاتَ يَا ابنَ أَبِي جَهْمٍ رُمْتَ مَرَامًا صَعْبًا. بَيْتُ الْمَالِ لَا يَحْتَمِلُ مَا سَأَلْتَ» . ثُمَّ أَطْرَقَ هِشَامٌ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ:«هِيهَ» . قَالَ: مَا هِيهَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ آلَيْتَ لَا تَقْضِي لِي حَاجَةً فِي مَوْقِفِي هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الْأَمْرَ لِوَاحِدٌ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل آثَرَكَ بِمَجْلِسِكَ هَذَا، فَإِنْ تُعْطِ فَحَقًّا أَدَّيْتَ، وَإِنْ تَمْنَعْ فَإِنِّي أَسْأَلُ الَّذِي بِيَدِهِ مَا حَوَيْتَ. إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْعَطَاءَ مَحَبَّةً، وَالْمَنْعَ مَبْغَضَةً، وَاللَّهِ لَأَنْ أُحِبَّكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْغِضَكَ. قَالَ:«وَأَلْفُ دِينَارٍ لِمَاذَا؟» قَالَ: أَقْضِي بِهَا دَيْنًا قَدْ أَحَمَّ قَضَاؤُهُ، وَقَدْ فَدَحَنِي حِمْلُهُ، وَأَضَرَّ بِي أَهْلُهُ. قَالَ هِشَامٌ:«فَلَا بَأْسَ تُنَفِّسُ كُرْبَةً مَعَ أَدَاءِ أَمَانَةٍ» . «وَأَلْفُ دِينَارٍ لِمَاذَا؟» قَالَ: أَزَوِّجُ بِهَا مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِي. قَالَ: «نِعْمَ الْمَسْلَكُ سَلَكْتَ، أَغْضَضْتَ بَصَرًا، وَأَعْفَفْتَ فَرْجًا، وَرَجَوْتَ نَسْلَا. وَأَلْفَ دِينَارٍ لِمَاذَا؟» قَالَ: أَشْتَرِي بِهَا أَرْضًا يَعِيشُ فِيهَا وَلَدِي، وَتَكُونُ أَصْلًا لِمَنْ بَعْدِي. قَالَ:«فَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِمَا سَأَلْتَ» . قَالَ: فَالْمَحْمُودُ عَلَى ذَلِكَ اللَّهُ عز وجل قَالَ: ثُمَّ أَدْبَرَ فَأَتْبَعَهُ هِشَامٌ بَصَرَهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْقُرَشِيُّ فَلْيَكُنْ مِثْلَ هَذَا. مَا رأيتُ رَجُلًا أَبْلَغَ وَأَوْجَزَ فِي مَقَالِهِ، وَلَا أَبْلَغَ فِي ثَنَاءٍ مِنْهُ. أَمَا وَاللَّهِ إِنَّا لَنَعْرِفُ الْحَقَّ إِذَا نَزَلَ، وَنَكْرَهُ الْإِسْرَافَ وَالْبُخْلَ، فَمَا نُعْطِي تَبْذِيرًا، وَلَا نَمْنَعُ تَقَتُّرًا، وَمَا نَحْنُ إِلَّا خُزَّانُ اللَّهِ عز وجل فِي بِلَادِهِ، وَأُمَنَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَإِذَا شَاءَ أَعْطَيْنَا، وَإِذَا مَنَعَ أَبَيْنَا، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ قَائِلٍ يَصْدُقُ، وَكُلَّ سَائِلٍ يَسْتَحِقُّ، مَا جَبَهْنَا قَائِلًا، وَلَا رَدَدْنَا سَائِلًا، فَسَلُوا الَّذِي بِيَدِهِ مَا اسْتُحْفِظْنَا أَنْ نُجْرِيَهُ لَكُمْ عَلَى أَيدِينَا، فَإِنَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ، إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ» . قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ أَبْلَغْتَ، وَمَا بَلَغَ فِي قَدْرِ عُجْبِكَ بِهِ مَا كَانَ مِنْكَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَذِكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ:«إِنَّهُ الْمُبْتَدِي وَلَيْسَ الْمُبْتَدِي كَالْمُقْتَدِي»

ص: 131

436 -

أَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَقَيْصِرَ السُّلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ أَذَيْنَةَ قَالَ: أَتَى أَبِي وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَنْشَدُوهُ فَنَسَبَهُمْ، فَلَمَّا عَرَفَ أَبِي قَالَ: " أَلَسْتَ الْقَائِلَ:

[البحر البسيط]

لَقَدْ عَلِمْتُ وَمَا الْإِشْرَافُ فِي طَمَعِي

أَنَّ الَّذِي هُوَ رِزْقِي سَوْفَ يَأْتِينِي

أَسْعَى لَهُ فَيُعَنِّينِي تَطَلُّبُهُ

وَلَوْ قَعَدْتُ أَتَانِي لَا يُعَنِّينِي

فَهَلَّا جَلَسْتَ حَتَّى يَأْتِيَكَ؟ "، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ جَلَسَ أَبِي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، وَتَنَبَّهُ هِشَامٌ عَلَيْهِمْ، فأَمَرَ بِجَوَائِزِهِمْ، فَفَقَدَ أَبِي، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأُخْبِرَ بِانْصِرَافِهِ، فَقَالَ:«لَا جَرَمَ، وَاللَّهِ لَيَعْلَمَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَيَأْتِيهِ فِي بَيْتِهِ» ، ثُمَّ أَضْعَفَ لَهُ مَا أَعْطَى وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ لَهُ فَرِيضَتَيْنِ، فَكُنْتُ أَنَا آخُذُهُمَا

ص: 132

437 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْأَسْلَمِيُّ، قَالَ: نا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَنَا بِالرَّصَافَةِ حِينَ قَدِمَ ابْنُ أُذَيْنَةَ عَلَى هِشَامٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: " أَلَسْتَ الَّذِي يَقُولُ:

[البحر البسيط]

وَلَوْ قَعَدْتُ أَتَانِي لَا يُعَنِّينِي؟ "

فَقَالَ: قَدْ خَرَجْتُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كَذَاكَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: أَتْبَعَهُ هِشَامٌ حِينَ انْصَرَفَ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَالُوا: أَقَلَّ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ

ص: 133

438 -

أَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ قَالَ: نا أَبُو السَّائِبِ قَالَ: أَرْسَلْتُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَسْأَلُهُ لَقْحَةً لِبَعْضِ أَهْلِنَا، فَإِنِّي لَجَالِسٌ إِذَا بِإِبِلٍ تُدْخَلُ، ثُمَّ إِذَا بِعَبْدٍ أَسْوَدَ مُعْتَمٍّ، فَقُلْتُ: يَا صَاحِبَ الْإِبِلِ، لَيْسَ هَذَا طَرِيقُكَ، قَالَ: فَنَاوَلَنِي كِتَابًا، فَإِذَا فِيهِ:«إِنَّكَ سَأَلْتَنَا لَقْحَةً فَجَمَعَتُ لَكَ مَا حَضَرَنِي، فَإِذَا تِسْعَ عَشْرَةَ وَرَاعِيهَا، وَهِيَ بُدْنٌ إِنْ رَدَدْتَ مِنْهَا شَيْئًا» . قَالَ: فَبِعْتُ مِنْهَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَتَأَثَّلْتُ مِنْهَا مَالًا

ص: 133

439 -

وَحَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ، نا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَأَلَ سَائِلٌ عَبْدَ الْأَعْلَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا إِزَارٌ، فَقَالَ:«الْزَمْ بِطَرَفِ الْإِزْارِ، ثُمَّ اجْذِبْهُ إِلَيْكَ» ، فَفَعَلَ، وَتَوَارَى عَبْدُ الْأَعْلَى بِبَابِ بَيْتِهِ، وَأَغْلَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ

ص: 133

440 -

وَحَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ، نا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَخَذَ عَبْدُ الْأَعْلَى عَطَاءَهُ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ وَعَلَيْهِ مِطْرَفٌ، فَعَدَلَ إِلَى بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غُدَانَةَ فَبَالَ فِي بَيْتِهَا، فَقَالَ:«يَا غُلَامُ، ادْفَعْ إِلَيْهَا عَطَاءَنَا» . قَالَتْ: وَالْمِطْرَفُ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ؟ قَالَ: «وَالْمِطْرَفُ»

ص: 133

441 -

وَحَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ أَبِي يُغَلِّسُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَتَاهُ مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ يَوْمًا حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَهُوَ يُرِيدُ الرُّكُوبَ إِلَى الْغَابَةِ إِلَى مَالِهِ، فَقَالَ: اسْمَعْ مِنِّي شِعْرًا. قَالَ: «لَيْسَتْ هَذِهِ سَاعَةُ ذَاكَ، أَهَذِهِ سَاعَةُ شِعْرٍ؟» فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا سَمِعْتَهُ، قَالَ:«فَأَنْشَدَهُ لِنَفْسِهِ» :

[البحر المديد]

يَا ابْنَ بِنْتِ النَّبِيِّ وَابْنَ عَلِيٍّ

أَنْتَ أَنْتَ الْمُجِيرُ مِنْ ذَا الزَّمَانِ

مِنْ زَمَانٍ أَلَحَّ لَيْسَ بِنَاجٍ مِنْهُ

مَنْ لَمْ يُجِرْهُمُ الْخَافِقَانِ

مِنْ دُيُونٍ حَفَزْنَنَا مُعْضِلَاتٍ

بِيَدِ الشَّيْخِ مِنْ بَنِي ثَوْبَانِ

فِي صِكَاكٍ مُكَتَّبَاتٍ عَلَيْنَا

بِمِئِينَ إِذَا عُدِدْنَ ثَمَانِ

بِأَبِي أَنْتَ إِنْ أَخِذْنَ وَأُمِّي

ضَاقَ عَيْشُ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ

قَالَ: فأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ ثَوْبَانَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لِي عَلَى الشَّيْخِ سَبْعُمِائَةٍ وَعَلَى ابْنِهِ مِائَةٌ، فَقَضَى عَنْهُمَا وَأَعْطَاهُمَا مِائَتَيْ دِينَارٍ سِوَى ذَلِكَ

ص: 134

442 -

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْعُكْلِيُّ، قَالَا: نا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سِنَانٍ يَذْكُرُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: قَدِمَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرَةَ، وَنَزَلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَفَرَّغَ لَهُ بَيْتَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ، وَقَالَ:«لَأَصْنَعَنَّ بِكَ كَمَا صَنَعْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، وَقَالَ:«كَمْ عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ؟» قَالَ: عِشْرُونَ أَلْفًا، قَالَ: فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَعِشْرِينَ مَمْلُوكًا، وَقَالَ:«لَكَ مَا فِي الْبَيْتِ كُلِّهِ»

ص: 134

443 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: نا أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: تَفَاخَرَ رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ هَذَا: قَوْمِي أَسْخَى مِنْ قَوْمِكَ، وَقَالَ هَذَا: قَوْمِي أَسْخَى مِنْ قَوْمِكَ، قَالَ: سَلْ فِي قَوْمِكَ، حَتَّى أَسْأَلَ فِي قَوْمِي، فَافْتَرَقَا عَلَى ذَلِكَ. فَسَأَلَ الْأُمَوِيُّ عَشَرَةً مِنْ قَوْمِهِ، فَأَعْطَوْهُ مِائَةَ أَلْفٍ عَشَرَةَ آلَافٍ عَشَرَةَ آلَافٍ. قَالَ: وَجَاءَ الْهَاشِمِيُّ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فَسَأَلَهُ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ، ثُمَّ أَتَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ:«هَلْ أَتَيْتَ أَحَدًا مِنْ قَوْمِي؟» قَالَ: نَعَمْ، عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ فَأَعْطَانِي مِائَةَ أَلْفٍ، فَأَعْطَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِائَةَ أَلْفٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، ثُمَّ أَتَى الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: هَلْ أَتَيْتَ أَحَدًا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، أَخَاكَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَأَعْطَانِي مِائَةَ أَلْفٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، قَالَ:«لَوْ أَتَيْتَنِي قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُ لَأَعْطَيْتُكَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لِأَزِيدَ عَلَى سَيِّدِي» ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا. قَالَ: فَجَاءَ الْأُمَوِيُّ بِمِائَةِ أَلْفٍ مِنْ عَشَرَةٍ، وَجَاءَ الْهَاشِمِيُّ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ وَسِتِّينَ أَلْفًا مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَقَالَ الْأُمَوِيُّ: سَأَلْتُ عَشَرَةً مِنْ قَوْمِي فَأَعْطَوْنِي مِائَةَ أَلْفٍ، وَقَالَ الْهَاشِمِيُّ: سَأَلْتُ ثَلَاثَةً مِنْ قَوْمِي فَأَعْطَوْنِي ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفٍ وَسِتِّينَ أَلْفًا، فَفَخَرَ الْهَاشِمِيُّ الْأُمَوِيَّ. قَالَ: فَرَجَعَ الْأُمَوِيُّ إِلَى قَوْمِهِ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْمَالَ فَقَبِلُوهُ، وَرَجِعَ الْهَاشِمِيُّ إِلَى قَوْمِهِ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْمَالَ، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوهُ، وَقَالُوا:«لَمْ نَكُنْ لِنَأْخُذَ شَيْئًا قَدْ أَعْطَيْنَاهُ»

ص: 134

444 -

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مَنْصُورٍ الْخُزَاعِيُّ، نا أَبُو سُفِيَانَ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَدِمَ أَعْرَابِيٌّ الْمَدِينَةَ يَطْلُبُ فِي أَرْبَعِ دِيَاتٍ حَمْلَهَا، فَقِيلَ لَهُ: عَلَيْكَ بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، عَلَيْكَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما، عَلَيْكَ بِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه، عَلَيْكَ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنهما، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى رَجُلًا يَخْرُجُ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، قَالَ: هَذَا أَحَدُ أَصْحَابِي الَّذِينَ ذُكِرُوا لِي، فَمَشَى مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَدِمَ لَهُ، وَمَنْ ذُكِرَ لَهُ، وَأَنَّهُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْهُ لَا يُجِيبُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ مَنْزِلِهِ قَالَ لِخَازِنِهِ:«قُلْ لِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ فَلْيَأْتِ بِمَنْ يَحْمِلُ لَهُ» ، فَقِيلَ لَهُ: ائْتِ بِمَنْ يَحْمِلُ لَكَ، قَالَ: عَافَا اللَّهُ سَعِيدًا، إِنَّمَا سَأَلْنَاهُ وَرِقًا، وَلَمْ نَسْأَلْهُ تَمْرًا، قَالَ:«وَيْحَكَ، ائْتِ بِمَنْ يَحْمِلُ لَكَ» ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَاحْتَمَلَهَا الْأَعْرَابِيُّ، فَمَضَى إِلَى الْبَادِيَةِ وَلَمْ يَلْقَ غَيْرَهُ

ص: 135

445 -

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَلَى عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ يَتَكَلَّمُونَ فِي حَمَالَاتٍ، وَكَانَ خَطِيبَهُمْ عَوْنُ بْنُ جَابِرٍ، وَكَانَ لَهُ لِسَانٌ جَيِّدٌ، فَتَكَلَّمَ عَوْنٌ وَذَكَرَ بَنِي أَسَدٍ وَقَرَابَتِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَكَانَ عِنْدَ عِيسَى: يَا بَنِي أَسَدٍ، إِنَّكُمْ لَتَكَلَّمُونَ كَأَنَّكُمْ نَزَلْتُمْ مِنَ السَّمَاءِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَوْنُ بْنُ جَابِرٍ فَقَالَ:«لَوْ نَزَلَ قَوْمٌ مِنَ السَّمَاءِ جُودًا أَوْ كَرَمًا لَكُنَّا النَّازِلِينَ مِنَ السَّمَاءِ، نَحْنُ بَنُو خُزَيْمَةَ، وَنَحْنُ بَنُو بَرَّةَ يَعْنِي ابْنَةَ مُرٍّ وَهِيَ أَمُّ أَسَدٍ وَإِنْ كُنْتَ لَجَدِيرًا أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي حَاجَتِنَا، فَأَلَّا - إِذْ لَمْ تَفْعَلْ - تَرَكْتَنَا وَالْأَمِيرَ» ؟ قَالَ: وَجَعَلَ عِيسَى يُسَرُّ بِمَا يُوَبِّخُ بِهِ الْحَسَنَ وَيُكَلِّمُهُ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُمْ عِيسَى بِالْمَالِ الَّذِي طَلَبُوهُ لِلْحَمَالَاتِ، وَكَانَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا "

ص: 136

446 -

وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: دَخَلَ سَعِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمَّا رَآهُ دَاخِلًا تَمَثَّلَ سُلَيْمَانُ: "

[البحر الكامل]

إِنِّي سَمَعَتُ مَعَ الصَّبَاحِ مُنَادِيًا

يَا مَنْ يُعِينُ عَلَى الْفَتَى الْمِعْوَانِ،

هَذَا وَاللَّهِ الْفَتَى فَمَنْ يُعِينُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«حَاجَتُكَ يَا أَبَا خَالِدٍ؟» قَالَ: دَيْنِي تَقْضِيهِ عَنِّي، قَالَ:«وَكَمْ دَيْنُكَ؟» قَالَ: عَلَيَّ ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، قَالَ:«فَقَدْ قَضَيْتُهَا عَنْكَ» ، قَالَ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ تُصِيبُهُ مُوتَةٌ نِصْفَ السَّنَةِ، فِيَكُونُ فِيهَا مَطْرُوحًا، وَيَصِحُّ نِصْفَ السَّنَةِ، فَإِذَا صَحَّ أَعْطَى وَأَطْعَمَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَأَتَاهُ مَنْ يَطْلُبُ نَيْلَهُ، قَالَ لَهُ: لَيْسَ عِنْدِي، وَلَكِنْ اكْتُبْ عَلَيَّ صَكًّا بِكَذَا وَكَذَا، فَيَكْتُبُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ وَيُشْهِدُ لَهُ، فَدَخَلَ بَنُو سَعِيدٍ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ أَبَانَا يُتْلِفُ مَالَهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الصِّكَاكَ لِمَنْ يَسْأَلُهُ، فَاحْجُرْ عَلَيْهِ، فَحَجَرَ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِبَنِيهِ:«اجْعَلُوا لَهُ شَيْئًا لِمَائِدَتِهِ» ، فَجَعَلُوا لَهُ شَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمَا يُصْلِحُهَا، فَجَعَلَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: يَا بَنِيَّ، إِنَّمَا هِيَ شَاةٌ فِي الْيَوْمِ وَيَسْتَقِلُّهَا، وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا أَرَادُوا أَنْ يُعَالِجُوهُ، فَعَزَّمُوا عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَتِ امْرَأَةٌ عَلَى لِسَانِهِ فَقَالَتْ: أَنَا رُقَيَّةُ بِنْتُ مِلْحَانَ سَيِّدِ الْجِنِّ، وَاللَّهِ لَئِنْ عَالَجْتُمُوهُ لَأَقْتُلَنَّهُ، فَإِنِّي لَوْ وَجَدْتُ مِنَ الْإِنْسِ أَكْرَمَ مِنْهُ لَعَلِقْتُهُ

ص: 136

447 -

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ، قَالَ: بَعَثَ مَرْوَانُ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَهُ عَبْدَ الْمَلِكِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ لَنَا مَالًا إِلَى جَنْبِ مَالِكَ بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْحِجَازِ، لَا يَصْلُحُ مَالُنَا إِلَّا بِمَالِكَ، وَمَالُكَ إِلَّا بِمَالِنَا، فَإِمَّا تَرَكْتَ لَنَا مَالَكَ فَأَصْلَحْنَا بِهِ مَالَنَا، وَإِمَّا تَرَكْنَا لَكَ مَالَنَا فَأَصْلَحْتَ بِهِ مَالَكَ، فَقَالَ لَهُ:«يَا ابْنَ مَرْوَانَ إِنِّي لَا أُخْدَعُ عَنِ الْقَلِيلِ، وَلَا يَتَعَاظَمُنِي تَرْكُ الْكَثِيرِ، وَقَدْ تَرَكْنَا لَكُمْ مَالَنَا فَأَصْلِحُوا بِهِ مَالَكُمْ»

ص: 137

448 -

قَالَ سُلَيْمَانُ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ عَوَانةَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: دَخَلَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَجَلَسَ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: عِفَّ عَنِّي، فَقَالَ الْوَلِيدُ: «

[البحر الطويل]

أَعِفُّ وَأَسْتَغْنِي كَمَا قَدْ أَمَرْتَنِي

فَأَعْطِ إِذَا مَا مِتُّ بَعْدِي أَوِ ابْخَلِ

فَإِنِّي امْرُؤٌ فِي الدَّارِ مِنِّيَ ثَرْوَةٌ

وَلَيْسَ شَبَا عَجْزٍ عَلَيَّ بِمُقْفَلِ

سَأَصْرِفُ عَنْكَ الْعِيسَ إِنَّ سَجِيَّتِي

إِذَا رَابَهَا رَيْبٌ كَسَلَّةِ مُنْصُلِ»

ص: 137

449 -

قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ عَوَانَةَ، قَالَ: أَقَامَ الْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامٍ بِبَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ سَنَةً، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

تَبِعْتُكَ إِذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غَبَاوَةٌ

فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أَلُومُهَا

رَدَدْتُ عَلَيْكَ النَّفْسَ حَتَّى كَأَنَّمَا

بِكَفَّيْكَ بُؤْسِي أَوْ لَدَيْكَ نَعِيمُهَا

فَمَا بِي وَإِنْ أَقْصَيْتَنِي مِنْ ضَرَاعَةٍ

وَلَا افْتَقَرَتْ نَفْسِي إِلَى مَنْ يَسُومُهَا

فَأَرْسَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَسُولًا يَرُدُّهُ، وَقَالَ:«اتْبَعْهُ حَتَّى تَرُدَّهُ عَلَيَّ، وَإِنْ بَلَغْتَ مَكَّةَ» ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ:«أَنِفْتَ مِنَ الْمُقَامِ بِبَابِي؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَنِفْتُ مِنَ الْمُقَامِ بِبَابِكَ، وَمَا عَنْكَ مَرْغَبٌ، وَلَكِنِّي أَطَلْتُ الْمُقَامَ وَلِي ضَيْعَةٌ وَعَلَيَّ دَيْنٌ، قَالَ:«كَمْ دَيْنُكَ؟» قَالَ: ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، قَالَ:«إِنْ شِئْتَ قَضَيْتُ دَيْنَكَ، وَإِنْ شِئْتَ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى مَكَةَ سَنَةً» ، قَالَ: اسْتَعْمِلْنِي عَلَى مَكَةَ سَنَةً فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ عَزَلَهُ

ص: 137

450 -

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ، فَنَادَاهُ:

[البحر البسيط]

دَعَوْتَ حَرَّانَ مَلْهُوفًا لِيَأْتِيَكُمْ

فَقَدْ أَتَاكَ بَعِيدُ الدَّارِ مَظْلُومُ

قَالَ: «مَنْ ظَلَمَكَ؟» قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخَذَ أَرْضًا لِي بِالْيَمَنِ، فَقَالَ:«اكْتُبُوا لَهُ إِلَى عَامِلِ الْيَمَنِ إِنْ أَقَامَ عِنْدَكَ شَاهِدَيْنِ ذَوَيْ عَدْلٍ فَارْدُدْ عَلَيْهِ أَرْضَهُ» ، ثُمَّ قَالَ لَهُ:«إِنِّي أَرَاكَ قَدْ كُلِّفْتَ فِي وَجْهِكَ هَذَا» ، قَالَ: كُلِّفْتُ زَادًا وَرَاحِلَةً، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا

ص: 138

451 -

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، نا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: قَدِمَ الزُّبَيْرُ الْكُوفَةَ وَعَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَامِلًا لِعُثْمَانَ، فَبَعَثَ إِلَى الزُّبَيْرِ بِسَبْعِمِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ:«لَوْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْكَ» ، فَقَبِلَهَا قَالَ سُلَيْمَانُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ مُصْعَبًا الزُّبَيْرِيَّ، فَقَالَ:" مَا كُنَّا نَرَى الَّذِي أَعْطَاهُ الْمَالَ إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكُنَّا نَقُولُ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ وَهُشَيْمٌ أَعْلَمُ "

ص: 138

452 -

قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ، نا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، نا ابنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيَّ ابْنُ عَمٍّ لِي مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخٍ لِي أَصَابَ دَمًا عَمْدًا، فَطَلَبْتُ إِلَى أَهْلِ الدَّمِ أَنْ يَقْبَلُوا مِنِّي الْعَقْلَ فَفَعَلُوا، فَأَسْلَمَتْنِي عَشِيرَتِي وَأَبَوْا أَنْ يَحْمِلُوا مَعِي، وَقَالُوا: إِنَّمَا نَحْمِلُ الْخَطَأَ، فَأَمَّا الْعَمْدُ فَلَا، فَقَدِمْتُ أَلْتَمِسُ الْمَعُونَةَ مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَمَرْتُ لَهُ بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ فَغَدَّيْنَاهُ مِنْهَا، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى خَيْرِ الْقَوْمِ وَسَيِّدِهِمُ ابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَخَرَجْنَا نَلْتَمِسُهُ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ نَجِدْهُ، فَخَرَجْنَا فَلَقِينَاهُ بِالْبَلَاطِ، فَقُلْتُ: عِنْدَكَ الرَّجُلُ، فَاسْتَوْقَفْنَاهُ، فَوَقَفَ وَاسْتَنَدَ إِلَى الْجِدَارِ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ ابْنَ أَخٍ لِي أَصَابَ دَمًا - فَقَصَّ قِصَّتَهُ - وَقَدِمْتُ أَسْتَعِينُ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى دِيَتِهِ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَبْدَأَ بِكَ، فَقَالَ:«وَاللَّهِ الَّذِي نَفْسُ حُسَيْنٍ بِيَدِهِ، مَا أَصْبَحَ فِي بَيْتِي دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَمَا غَدَوْتُ إِلَى السُّوقِ إِلَّا لِأَلْتَمِسَ الْعِينَةَ فِي بَعْضِ نَفَقَاتِنَا وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَكِنِّي أَرَاكَ رَجُلًا جَلْدًا وَقَدْ حَانَ حَصَادُ مَالِي بِذِي الْمَرْوَةِ عَيْنِ يُحَنَّسَ، فَاخْرُجْ إِلَيْهَا، فَقُمْ عَلَيْهَا بِعُمَّالِهَا، ثُمَّ احْصُدْ وَدُقَّ وَبِعْ، فَإِنَّهَا مُوَدِّيَةٌ عَنْكَ، وَلَا تَسْأَلْ أَحَدًا شَيْئًا» . فَقَالَ: أَفْعَلُ بِأَبِي وَأُمِّي، وَكَتَبَ إِلَى قَيِّمِهِ:«انْظُرْ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَصَادِ أَرْضِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ» ، فَخَرَجَ فَحَصَدَهَا، فَبَاعَ مِنْهَا بِعِشْرِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَدَّى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَاسْتَفْضَلَ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ

ص: 138

453 -

فَقَالَ الْمُقَنَّعُ مُقَنَّعٌ الْأَنْصَارِيُّ يَبْكِي حُسَيْنًا عليه السلام حِينَ قُتِلَ: «

[البحر السريع]

كَانَ إِذَا شُبَّ لَهُ نَارُهُ

يَرْفَعُهَا بِالسَّنَدِ الْمَاثِلِ،

كَيْمَا يَرَاهَا قَابِسٌ مُرْمِلٌ

أَوْ فَرْدُ قَوْمٍ لَيْسَ بِالْآهِلِ،

مَفَارِغُ الشِّيزَى عَلَى بَابِهِ

مِثْلَ حِيَاضِ النَّعَمِ النَّاهِلِ،

لَا تَسْتُرِي شُفْرًا عَلَى مِثْلِهِ

فِي النَّاسِ مِنْ حَافٍ وَلَا نَاعِلِ،

ابْنُ النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ الْمُصْطَفَى

وَابْنُ ابْنِ عَمِّ الْمُصْطَفَى الْفَاضِلِ»

ص: 139

454 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، نا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا: " إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: حَاجَةٍ مُجْحِفَةٍ، أَوْ حَمَالَةٍ مُثْقِلَةٍ، أَوْ دَيْنٍ فَادِحٍ "، وَأَعْطِيَاهُ، ثُمَّ أَتَى ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه فَأَعْطَاهُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: أَتَيْتُ ابَنَيْ عَمِّكَ، وَهُمَا أَصْغَرُ سِنًّا مِنْكَ، فَسَأَلَانِي وَقَالَا لِي، وَأَنْتَ لَمْ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: ابْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنهُمَا كَانَا يُغَرَّانِ بِالْعِلْمِ غَرًّا

ص: 139

455 -

حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الصَّيْرَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ زَائِدَةَ الْبِنْدَارُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: بَيْنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ جَالِسَانِ إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِمَا أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَهُمَا، فَلَمْ يُعْطِيَاهُ شَيْئًا، وَقَالَا: اذْهَبْ إِلَى ذَيْنِكَ الْفَتَيَيْنِ، وَأَشَارَا إِلَى الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَهُمَا جَالِسَانِ، فَجَاءَ الْأَعْرَابِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمَا فَسَأَلَهُمَا، فَقَالَا:«إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ فِي دَمٍ مُوجِعٍ، أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ أَمْرٍ مُفْظِعٍ، فَقَدْ وَجَبَ حَقُّكَ» ، فَقَالَ: أَسْأَلُ وَأَخَذَنِي الثَّلَاثُ، فَأَعْطَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةٍ خَمْسَمِائَةٍ، فَانْصَرَفَ الْأَعْرَابِيُّ فَمَرَّ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبَانَ وَهُمَا جَالِسَانِ، فَقَالَا: مَا أَعَطَاكَ الْفَتَيَانِ، فَأَنْشَأَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ:

[البحر المتقارب]

أَعْطَيَانِي وَأَقْنَيَانِي جَمِيعًا

إِذْ تَوَاكَلْتُمَا فَلَمْ تُعْطِيَانِي،

جَعَلَ اللَّهُ مِنْ وُجُوهِكُمَا نَعْلَيْنِ

سِبْتًا يَطَاهُمَا الْفَتَيَانِ،

حَسَنٌ وَالْحُسَيْنُ خَيْرُ بَنِي حَوَّاءَ

صِيغَا مِنَ الْأَغَرِّ الْهِجَانِ

فَدَعَا سُنَّةَ الْمَكَارِمِ وَالْمَجْدِ

فَمَا مِنْكَمَا لَهَا مِنْ مُدَانِي

ص: 140

456 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: نا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَمَّا كَانَ يَصْنَعُ أَبُوهُ مِنْ أَخْلَاقِهِ، فَقَالَ: كَانَ قَدْ جُبِلَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ: فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ:«تَمَنَّ عَلَيَّ وَاجْتَهِدْ فِي الْأَمَانِيِّ» ، فَقَالَ: بَكْرًا يَحْمِلُ رَحْلِي إِلَى أَهْلِي، وَحُلَّةً أَلْبَسُهَا يَوْمَ قُدُومِي عَلَى الْحَيِّ، وَبُرْدَةً أَمْتَهِنُهَا فِي سَفَرِي، وَنَفَقَةً تُبَلِّغُنِي إِلَيْهِمْ. قَالَ:«لَقَدْ قَصَّرَتْ بكَ نَفْسُكَ، فَهَلَّا سَأَلْتَنِي مَا أَمْلِكُ فَأُخْرِجُ لَكَ عَيْنَهُ» . قَالَ: فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ حُلَّةٍ، وَمِائَةِ نَاقَةٍ، وَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ "، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَمَّا الْأَحْجَارُ - يَعْنِي الْمَالَ - فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا، وَأَمَّا الْحُلَلُ فَوَاحِدَةٌ مِنْ ذَلِكَ تَكْفِينِي، وَأَمَّا الْإِبِلُ فَأَسُوقُهَا وَاللَّهِ إِلَى أَهْلِي، قَالَ: فَسَاقَ الْإِبِلَ، وَتَرَكَ الْمَالَ وَالْحُلَلَ، فَأَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ فَقُسِّمَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

ص: 140

457 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ خَالِدٍ الزَّيَّاتِ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ، فَتَحَمَّلَ عَلَيْهِ بَابْنِ عَبَّاسٍ لِيُؤَخِّرَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ:«هِيَ لَهُ يَا ابْنَ عَمِّ» ، قَالَ: مَا أَرَدْتُ هَذَا كُلَّهُ، قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ:«لَكِنِّي أَنَا أَرَدْتُهُ»

ص: 140

458 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: دَخَلَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ التَّيْمِيِّ، وَقَدْ أَخَذَتِ الْخَمْرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الوافر]

أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي

حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ،

وَعِلْمُكَ بِالْأُمُورِ وَأَنْتَ فَرْعٌ

لَكَ الْحَسَبُ الْمُهَذَّبُ وَالسَّنَاءُ،

كَرِيمٌ لَا يُغَيِّرُهُ صَبَاحٌ

عَنِ الْخُلُقِ الْكَرِيمِ وَلَا مَسَاءُ،

إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا

كَفَاهُ مِنْ تَعرُّضِهِ الثَّنَاءُ

قَالَ: وَعِنْدَ ابْنِ جُدْعَانَ قَيْنَتَانِ لَهُ، فَقَالَ:«انْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَخُذْ بِيَدِهَا» ، قَالَ: وَكَانَتَا أَحَبَّ مَالِهِ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ أُمَيَّةُ إِحْدَاهُمَا وَخَرَجَ، فَلَقِيَهُ فِتْيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُ: مَا صَنَعْتَ؟ دَخَلْتَ إِلَى شَيْخِنَا وَسَيِّدِنَا وَقَدْ عَمِلَ فِيهِ الشَّرَابُ، فَأَخَذْتَ إِحْدَى حَظِيَّتَيْهِ وَأَحَبَّ مَالِهِ إِلَيْهِ، ارْجِعْ فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ سَيُعَوِّضُكَ أَضْعَافَهَا، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ:«مَا الَّذِي رَدَّكَ إِلَيْنَا يَا أُمَيَّةُ؟» قَالَ: أَحَبَّتْ أَنْ تُؤْنِسَ أُخْتَهَا، قَالَ:«لَا، وَلَكِنْ قِيلَ لَكَ فَرَّقْتَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَأَحَبِّ مَالِهِ إِلَيْهِ، وَاللَّهِ لَتَأْخُذُنَّ بِيَدِ الْأُخْرَى» فَأَخَذَهُمَا جَمِيعًا وَخَرَجَ، وَهُوَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

عَطَاؤُكَ زَيْنٌ لِامْرِئٍ إِنْ حَبَوْتَهُ

بِفَضْلٍ وَمَا كُلُّ الْعَطَاءِ يَزِينُ،

وَلَيْسَ بِشَيْنٍ لِامْرِئٍ بَذْلُ وَجْهِهِ

إِلَيْكَ كَمَا بَعْضُ السُّؤَالِ يَشِينُ

ص: 141

459 -

حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ، نا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمَّارٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، قَالَ: مَرَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِنَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعِينَ فِي مَجْلِسٍ، فَقَالَ:«مَا تَذَاكَرُونَ؟» ، قَالُوا: أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ:«دَعُوهُ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ هَدَمَهُ اللَّهُ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَعَلَيْكُمْ بَابْنِ جُدْعَانَ، فَوَاللَّهُ مَا تُقُسِّمَ الشَّرَفُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ»

ص: 141

460 -

حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَدْرُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ يَزِيدَ بْنِ بَكْرٍ، قَالَ: سَأَلَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ مَرْوَانَ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَاعْتَلَّ عَلَيْهِ، فَقَدِمَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَهُوَ عَلَى الْكُوفَةِ، فَأَمَرَ لَهُ بِعِشْرِينَ أَلْفًا، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَأَتَى ابْنَ عَامِرٍ فَشَكَا إِلَيْهِ دَيْنَهُ، فَقَالَ: كَمْ هُوَ؟ قَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ، «فَقَضَاهُ عَنْهُ، وَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ أُخْرَى» ، فَقَالَ الْوَلِيدُ:

[البحر الطويل]

أَلَا جَعَلَ اللَّهُ الْمُغِيرَةَ وَابْنَهُ

وَمَرْوَانَ نَعْلَيْ بَذْلَةٍ لِابْنِ عَامِرٍ،

لِكَيْ تَقِيَاهُ الْحَرَّ وَالْقَرَّ وَالْأَذَى

وَلَسْعَ الْأَفَاعِي وَاحْتِدَامَ الْهَوَاجِرِ،

يَفِيضُ الْفُرَاتُ لِلَّذِينَ يَلُونَهُ

وَسَيْبُكَ يَأْتِي كُلَّ بَادٍ وَحَاضِرِ،

إِذَا عَبْدُ شَمْسٍ قَدَّمُوا رِفْدَ خَيْرِهِمْ

سَمَا فَعْلَا بِالْمَجْدِ فَخْرُ الْمُفَاخِرِ

وَإِنْ دَنِسَتْ أَحَسَابُ قَوْمٍ وَجَدْتَهُ

إِذَا مَا بَلَوْهُ طَاهِرًا وَابْنَ طَاهِرِ

قَالَ أَبُو زَيْدٍ: " الْبَيْتَانِ الْأَخِيرَانِ لَيْسَ مِمَّا سَمِعْتُ مِنْ بَدْرٍ، وَقَدْ قِيلَ: صَاحِبُ هَذَا الشِّعْرِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ "

ص: 142

461 -

حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: مَدَحَ ابْنُ قَيْسٍ الرُّقَيَّاتِ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ، فَقَالَ:

[البحر الكامل]

يَا بِشْرُ يَا ابْنَ الْجَعْفَرِيَّةِ مَا

خَلَقَ الْإِلَهُ يَدَيْكَ لِلْبُخْلِ،

جَاءَتْ بِهِ عُجُزٌ مُقَابَلَةٌ

مَا هُنَّ مِنْ جَرْمٍ وَلَا عُكْلِ

قَالَ: فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ: «احْتَكِمْ» . قَالَ: عِشْرِينَ أَلْفًا، قَالَ:«قَبَّحَكَ اللَّهُ لَكَ عِشْرُونَ وَعِشْرُونَ حَتَّى بَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ»

ص: 142

462 -

وَحَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " قَحِطَ النَّاسُ فِي زَمَنِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ، فَخَرَجُوا فَاسْتَسْقَوْا وَبِشْرٌ مَعَهُمْ، فَرَجَعُوا وَقَدْ مُطِرُوا. وَوَافَقَ ذَلِكَ سَيْلَا مِنْ اللَّيْلِ، فَغَرِقَتْ نَاحِيَةُ بَارِقٍ وَبَنِي سُلَيْمٍ، فَخَرَجَ بِشْرٌ مِنْ الْغَدِ يَنْظُرُ إِلَى آثَارِ الْمَطَرِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَارِقٍ، فَإِذَا الْمَاءُ فِي دَارِ سُرَاقَةَ بْنِ مِرْدَاسٍ الْبَارِقِيِّ وَسُرَاقَةُ قَائِمٌ فِي الْمَاءِ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، إِنَّكَ دَعَوْتَ أَمْسِ وَلَمْ تَرْفَعْ يدَيْكَ، فَجَاءَ مَا تَرَى، وَلَوْ كُنْتَ رَفَعْتَ يَدَيْكَ لَجَاءَ الطُّوفَانُ، فَضَحِكَ بِشْرٌ، فَأَنْشَأَ سُرَاقَةُ يَقُولُ:

[البحر الوافر]

دَعَا الرَّحْمَنَ بِشْرٌ فَاسْتَجَابَا

لِدَعْوَتِهِ فَأَسْقَانَا السَّحَابَا،

وَكَانَ دُعَاءُ بِشْرٍ صَوْبَ غَيْثٍ

يُعَاشُ بِهِ وَيُحْيِي مَا أَصَابَا،

أَغَرُّ بِوَجْهِهِ نُسْقَى وَنُحْيَى

وَنَسْتَجْلِي بِغُرَّتِهِ الضِّبَابَا "

ص: 142

463 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْأَرْطَبَانِيُّ، شَيْخٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْبَيْدَاءِ، عَمَّنْ رَأَى الْفَرَزْدَقَ يَسِيرُ فِي جِنَازَةِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ يَقُودُ فَرَسًا كَانَ بِشْرٌ حَمَلَهُ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِ عَقَرَ الْفَرَسَ وَأَنْشَأَ يَقُولُ: «

[البحر الطويل]

أَقُولُ لِمَحْبُوكِ السَّرَاةِ مُعَاوِدٍ

سِبَاقَ الْجِيَادِ قَدْ أَمَرَّ عَلَى شَزَرِ،

أَلَسْتُ شَحِيحًا إِنْ رَكِبْتُكَ بَعْدَهُ

لِيَوْمِ رِهَانٍ أَوْ غَدَوْتَ مَعِي تَجْرِي،

حَلَفْتُ بِأَنْ لَا تُرْكَبَ الدَّهْرَ بَعْدَهُ

صَحِيحَ الشَّوَى حَتَّى تَكُوسَ عَلَى الْقَبْرِ»

ص: 143

464 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْخَطَّابِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مِسْكِينٍ مُحَرَّرُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ رَأَى الْفَرَزْدَقَ وَقَدْ عَرَضَ لِطَلْحَةَ النَّدَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ جَوَادًا، وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ:

[البحر الطويل]

وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الْفُرَاتَيْنِ نَضَّبَا

فَأَصْبَحَ مُكْدَرًا عُبَابُهُمَا ضَحْلَا،

رَجَتْ فِي لِقَائِكَ النَّوَارُ وَأَهْلُهَا

رَبِيعَ فُرَاتٍ لَا بَكِيًّا وَلَا وَحْلَا،

يَدَاكَ تَفِيضَانِ السَّمَاحَةَ وَالنَّدَى

إِذَا مَا يَدٌ كَانَتْ عَلَى مَالِهَا قُفْلَا،

فَأَخَذَ طَلْحَةُ بِيدِ الْفَرَزْدَقِ حَتَّى أَدْخَلَهُ دَارَهُ، فَقَالَ:«خُذْ بِيَدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، خُذْ بِيَدِ هَذَا الْعَبْدِ زَوْجُهَا، خُذْ بِيَدِ هَذِهِ الْوَصِيفَةِ ابْنَتِهَا، ثلَاثةَ أَرْؤُسٍ بِثَلَاثَةِ أَبِيَاتٍ»

ص: 143

465 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ أَخِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ مُوسَى الْمَخْزُومِيِّ قَالَ: كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلًا حَسُودًا لِقَوْمِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَدَرَ إِلَيْهِ عُوَيْفُ الْقَوَافِي، فَقَالَ: كَمَا أَنْتَ وَمَا بَقَّيْتَ لَنَا بَعْدَ مَا قُلْتَ لِأَخِي بَنِي زُهْرَةَ؟ أَلَمْ تَقُمْ عَلَيْنَا السَّاعَةُ يَوْمَ قَامَتْ عَلَيْهِ؟ أَلَسْتَ الَّذِي يَقُولُ:

[البحر الوافر]

إِذَا مَا جَاءَ يَوْمُكَ يَا ابْنَ عَوْفٍ

فَلَا مَطَرَتْ عَلَى الْأَرْضِ السَّمَاءُ،

وَلَا سَارَ الْبَرِيدُ بِغُنْمِ جَيْشٍ

وَلَا حَمَلَتْ عَلَى الطُّهْرِ النِّسَاءُ،

تَسَاقَى النَّاسُ بَعْدَكَ يَا ابْنَ عَوْفٍ

ذَرِيعَ الْمَوْتِ لَيْسَ لَهُ شِفَاءُ

ثُمَّ قَالَ: اصْرِفْهُ، فَانْصَرَفَ، فَلَقِيَهُ الْقُرَشِيُّونَ وَالشَّامِيُّونَ، فَقَالُوا: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَلِي صَدَقَاتِهَا، مَا الَّذِي اسْتَخَرَجَ بِهِ مِنْكَ هَذَا؟ قَالَ: " وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي غَيْرُهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَانِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا أَعْطَانِي أَحَدٌ قَطُّ عَطِيَّةَ أَبْقَى عِنْدِي شُكْرًا، وَلَا أَدْوَمَ فِي قَلْبِي لَذَّةً مِنْ عَطِيَّةٍ أَعْطَانِيهَا، وَذَلِكَ أَنِّي قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أُرِيدُ أَنْ أَبْتَاعَ قَعُودًا مِنْ قِعْدَانِ الصَّدَقَةِ، وَمَعِي بِضَاعَةٌ لَا تَبْلُغُ الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرَ، فَإِذَا رَجُلٌ بِصَحْنِ السُّوقِ، جَالِسٌ عَلَى طَنْفَسَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إِبِلٌ مَعْطُونَةٌ - أَيْ مَحْبُوسَةٌ فِي الْعَطَنِ - فَظَنَنْتُهُ حِينَ رَأَيْتُهُ عَامِلَ السُّوقِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَثْبَتَنِي وَجَهِلْتُهُ فَقُلْتُ:«رَحِمَكَ اللَّهُ، هَلْ أَنْتَ مُعِينِي بِبَصَرِكَ عَلَى قَعُودٍ مِنْ هَذِهِ الْقِعْدَانِ تَبْتَاعُهُ لِي؟» قَالَ: نَعَمْ، أَمَعَكَ ثَمَنُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُهُ إِيَاهُ وَجَلَسْتُ طَوِيلًا، ثُمَّ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ:«رَحِمَكَ اللَّهُ، انْظُرْ فِي حَاجَتِي» ، قَالَ: مَا مَنَعَنِي مِنْكَ إِلَّا النِّسْيَانُ أَمَعَكَ حَبْلٌ؟ قُلْتُ: «نَعَمْ،» قَالَ: هَكَذَا افْرِجُوا، فَتَوَسَّعَ النَّاسُ لَهُ، فَقَالَ:«اقْتَرِنْ هَذِهِ وَهَذِهِ» ، فَمَا نَزَعَ حَتَّى «أَمَرَ لِي بِثَلَاثِينَ فَرِيضَةً أَدْنَى فَرِيضَةٍ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ بِضَاعَتِي» ، فَقُلْتُ: أَيْ رَحِمَكَ اللَّهُ، أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟ فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا وَهَزَّنِي وَشَتَمَنِي، ثُمَّ رَفَعَ طَنْفَسَتَهُ وَقَالَ:«شَأَنَكَ بِبِضَاعَتِكَ فَاسْتَعِنْ بِهَا عَلَى مَنْ تَرْجِعُ إِلَيْهِ» ، وَاللَّهِ لَا أَنْسَاهُ مَا كُنْتُ حَيًّا أَبَدًا، وَقَالَ عُوَيْفُ الْقَوَافِي يَمْدُحُهُ، وَهُوَ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ:

[البحر الكامل]

يَا طَلْحَ أَنْتَ أَخُو النَّدَى وَعَقِيدُهُ

إِنَّ النَّدَى إِنْ مَاتَ طَلْحَةُ مَاتَا

إِنَّ الْفِعَالَ إِلَيْكَ أَطْلَقَ رَحْلَهُ

فَبِحَيْثُ بِتَّ مِنَ الْمَنَازِلِ بَاتَا

ص: 144

466 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْيَقْظَانِ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، قَالَ: جَاءَ نُصَيْبٌ الشَّاعِرُ أَبُو مَحْجَنٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَحَمَلَهُ وَكَسَاهُ وَأَعْطَاهُ، فَقَالَ قَائِلٌ لَهُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ أَعْطَيْتَ هَذَا الْحَبَشِيَّ هَذِهِ الْعَطَايَا؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟ إِنَّمَا هِيَ رَوَاحِلُ تُنْضَى، وَثِيَابٌ تَبْلَى، وَثَنَاءٌ يَبْقَى»

ص: 145

467 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقِيَنِي إِيَاسُ بْنُ الْحُطَيْئَةِ، فَقَالَ:«يَا أَبَا عُثْمَانَ، مَاتَ وَاللَّهُ الْحُطَيْئَةُ وَفِي كِسْرِ الْبَيْتِ ثَلَاثُونَ أَلْفًا أَعْطَاهَا أَبُوكَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أَبِي فَذَهَبَتْ، وَبَقِيَ مَا قُلْنَا فِيكُمْ، وَذَهَبَ مَا أَعْطَيْتُمُونَا»

ص: 145

468 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالْحٍ، عَنْ سُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ، قَالَ: عَلِقَ مُوسَى شَهَوَاتُ جَارِيَةٍ بِالْمَدِينَةِ، فَطَلَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَبِيعُوهَا إِيَّاهُ فَبَاعُوهَا إِيَّاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ، وَأَجَّلُوهُ فِيهَا أَجَلَا، فَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ صَدِيقُهُ سَعِيدَ بْنَ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَأَتَاهُ فَحَدَّثَهُ بِقِصَّةِ الْجَارِيَةِ، فَقَالَ: إِنَّمَا خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ ثِقَةً بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، فَقَالَ: يَرْزُقُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ، فَانْطَلَقَ وَقَدِ انْقَطَعَ ظَهْرُهُ، فَأَتَى سَعِيدَ بْنَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:«ثَمَنُهَا عَلَيَّ، وَمَا يُصْلِحُكَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْمَئُونَةِ فِي السَّفَرِ عَلَيَّ» ، فَقَالَ مُوسَى:

[البحر الطويل]

فِدًى لِلْكَرِيمِ الْعَبْشَمِيِّ ابْنِ خَالِدٍ

بَنِيَّ وَمَالِي طَارِفِي وَتَلِيدِي

أَبَا خَالِدٍ أَعْنِي سَعِيدَ بْنَ خَالِدٍ

أَخَا الْعُرْفِ لَا أَعْنِي ابْنَ بِنْتِ سَعِيدِ

وَلَكِنَّنِي أَعْنِي ابْنَ عَائِشَةَ الَّذِي

أَبُو أَبَوَيْهِ خَالِدُ بْنُ أَسِيدِ

عَقِيدُ النَّدَى مَا عَاشَ يَرْضَى بِهِ النَّدَى

فَإِنْ مَاتَ لَمْ يَرْضَى النَّدَى بِعَقِيدِ

دَعُوهُ دَعُوهُ إِنَّكُمْ قَدْ رَقَدْتُمُ

وَمَا هُوَ عَنْ أَحْسَابِكُمْ بِرَقُودِ

يُعْطِي وَلَا يُعْطَى وَيُغْشَى وَيُجْتَدَى

وَمَا بَابُهُ لِلْمُجْتَدِي بِسَدِيدِ

فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ: عَبْدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَجَانِي، فَبَعَثَ إِلَى مُوسَى، فَسَأَلَهُ فَحَدَّثَهُ بِقَوْلِ الْعُثْمَانِيِّ وَقَوْلِهِ: يَرْزُقُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَا رَزَقَكَ اللَّهُ وَلَا إِيَّاهُ

ص: 145

469 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: حَجَجْتُ فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ فَوَافَقْتُ بِهَا سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَجَاءَ سَعِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْدِنِي عَلَى مُوسَى شَهَوَاتٍ هَجَانِي، فَقَامَ سَعِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى جَلَسَ مَعَهُ مَجْلِسَ الْخَصْمِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَهْجُهُ وَلَكِنَّهُ مَدَحَنِي، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: أَنْشِدُونِي مَا قَالَ، فَأَنْشَدُوهُ، فَقَالَ: مَا أَسْمَعُهُ هَجَاكَ، ثُمَّ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:«ارْفَعْ حَوَائِجَكَ» فَرَفَعَ إِلَيْهِ فِيهَا أَلْفَ أَلْفٍ «فَأَمَرَ لَهُ بِهَا» فَاسْتَكْثَرَهَا الْقَهْرَمَانُ، فَجَاءَ يُوامِرُ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تُبَخِّلَنِي؟ أَوَ أَسْتَكْثِرُهَا لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ

ص: 146

470 -

وَأَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأُوَيْسِيِّ، مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: قَدِمَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا، فَحَيَّاهُ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ فَحَيَّاهُ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ الثَّالِثَةَ فَحَيَّاهُ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ الرَّابِعَةَ فَتَأَذَّى بِهِ سُلَيْمَانُ، وَقَالَ:

وَشِفَاءٌ مِنْ الْمَعِيشَةِ كُورٌ

فَوْقَ أَصْلَابِ بَازِلٍ خَنْشَلِيلِ

فَاتِحًا فَاكَ لِلْمَعِيشَةِ تَلْقَى

كُلَّ يَوْمٍ عَلَى شِرَاكِ سَبِيلِ

قَالَ السَّهْمِيُّ: أَمَا وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِسَدِّ ذَلِكَ الْفَمُ، وَحَلِّ ذَلِكَ الرَّحْلِ، وَكَشْفِ ذَلِكَ الْغَمِّ لَأَنْتَ. قَالَ سُلَيْمَانُ:«أَمَا وَاللَّهِ لَأَصِلَنَّ رَحِمَكَ وَلَأَعُودَنَّ لَكَ إِلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ» قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَأَخْبَرَنِي الْحَكَمُ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ قَالَ الْبَيْتَيْنِ

ص: 146

471 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى الْعُكْلِيُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ قَالَ

⦗ص: 147⦘

: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ مَسْعُودٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي ذَكْوَانَ، نَزَلَ الطَّائِفَ وَكَانَ صَدِيقًا لِأَبِي سُفْيَانَ وَأَخًا، وَكَانَ لَهُ مَالٌ وَوَلَدٌ، فَذَهَبَ مَالُهُ، وَدَرَجَ وَلَدُهُ، وَأَتَى لِلشَّيْخِ عُمْرٌ، حَتَّى إِذَا اسْتُخْلِفَ مُعَاوِيَةُ أَتَاهُ بِالْخُلَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَامَ بِبَابِهِ سَنَةً وَبَعْضَ أُخْرَى لَا يَصِلُ إِلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ رحمه الله ظَهَرَ يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي رُقْعَةٍ:

[البحر البسيط]

يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُبْدِي بِنَا ضَجَرَا

لَوْ كَانَ صَخْرٌ بِعُرْضِ الْأَرْضِ مَا ضَجِرَا

مَا بَالُ شَيْخِكَ مَخْنُوقًا بِجِرَّتِهِ

طَالَ الطِّيَالُ بِهِ دَهْرًا وَقَدْ ضَجِرَا

وَمَرَّ حَوْلٌ وَنِصْفٌ مَا يَرَى طَمَعًا

يُدْنِيهِ مِنْكَ وَهَذَا الْمَوْتُ قَدْ حَضَرَا

قَدْ جَاءَ تَرْعَشُ كَفَّاهُ بِمِحْجَنِهِ

لَمْ يَتْرُكِ الدَّهْرُ مِنْ أَوْلَادِهِ ذَكَرَا

قَدْ قَسَرَتْهُ أَمُورٌ فَاقْسَأَنَّ لهَا

وَقَدْ حَنَى ظَهْرَهُ دَهْرٌ وَقَدْ كَبِرَا

نَادَى وَكَلْكَلُ هَذَا الدَّهْرِ يَعْرُكُهُ

قَدْ كُنْتُ بَابنِ أَبِي سُفْيَانَ مُعْتَصِرَا

فَاذْكُرْ أَبَاكَ أَبَا سُفْيَانَ إِنَّ لَنَا

حَقًّا عَلَيْهِ وَقَدْ ضَيَّعْتَنَا عُصُرَا

فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ دَعَا بِهِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ وَكَيْفَ عِيَالُكَ وَحَالُكَ؟ فَقَالَ: مَا يَسْأَلُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّنْ ذَبُلَتْ بَشْرَتُهُ، وَقُطِعَتْ ثَمَرَتُهُ، فَابْيَضَّ الشَّعْرُ، وَانْحَنَى الظَّهْرُ، فَقَدْ كَثُرَ مِنِّي مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَقِلَّ، وَصَعُبَ مِنِّي مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَذِلَّ، فَأَجِمْتُ النِّسَاءَ وَكُنَّ الشِّفَاءَ، وَكَرِهْتُ الْمَطْعَمَ وَكَانَ الْمَنْعَمَ، وَقَصُرَ خَطْوِي، وَكَثُرَ سَهْوِي، فَسُحِلَتْ مَرِيرَتِي بِالنَّقْضٍ، وَثَقُلْتُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَقَرُبَ بَعْضِي مِنْ بَعْضٍ، فَنَحُفَ وَضَعُفَ، وَذَلَّ وَكَلَّ، فَقَلَّ انْحِيَاشُهُ، وَكَثُرَ ارْتِعَاشُهُ، وَقُلِيَ مَعَاشُهُ، فَنَوْمُهُ سُبَاتٌ، وَفَهْمُهُ تَارَاتٌ، وَلَيْلُهُ هُفَاتٌ، كَمِثْلِ قَوْلِ عَمِّكَ:

أَصْبَحْتُ شَيْخًا كَبِيرًا هَامَةً لِغَدِ

تَزْقُو لَدَى جَدَثِي أَوْ لَا فَبَعْدَ غَدِ

أَرْدَى الزَّمَانُ حَلُوبَاتِي وَمَا جَمَعَتْ

كَفَّايَّ مِنْ سَبَدِ الْأَمْوَالِ وَاللَّبَدِ

حَتَّى إِذَا صِرْتُ مِنْ مَالِي وَمِنْ وَلَدِي

مِثْلَ الْخَلِيَّةِ سُبْرُوتًا بِلَا عَدَدِ

أَرْسَى يَكُدُّ صَفَاتِي حَدُّ مِعْوَلِهِ

يَا دَهْرُ قَدْنِيَ مِمَّا تَبْتَغِيهِ قَدِي

وَاللَّهِ لَوْ كَانَ يَا خَيْرَ الْخَلَائِفِ مَا

قَاسَيْتُ فِي أُحُدٍ دَكَّتْ ذُرَا أُحُدِ

أَوْ كَانَ بِالْفَرَدِ الْحَوْلِيِّ لَانْصَدَعَتْ

مِنْ دُونِهِ كَبِدُ الْمُسْتَعِصِمِ الْوَحَدِ

لَمَّا رَأَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ

تَقَلُّبَ الدَّهْرِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى بَدَدِ

وَأَبْصَرَ الشَّيْخُ فِي حَيْزُومِهِ نَقَعَتْ

مِنْهُ الْحُشَاشَةُ بَيْنَ الصَّدْرِ وَالْكَبِدِ

رَامَ الرَّحِيلَ وَفِي كَفَّيْهِ مِحْجَنُهُ

يُؤَامِرُ النَّفْسَ فِي ظَعْنٍ وَفِي قَعَدِ

إِمَّا جَوَارٍ إِذَا مَا غَابَ ضَيَّعَهَا

أَوِ الْمُقَامُ بِدَارِ الْهُونِ وَالْفَنَدِ

فَأَسْمَحَتْ نَفْسُهُ بِالسَّيْرِ مُعْتَزِمَا

وَلَوْ تَجَرْثَمَ فِي نَامُوسِهِ الْأَسَدِ

فَقَلْبُهُ فَرِقٌ وَمَأْقُهُ شَرِقٌ

وَدَمْعُهُ غَسِقٌ مِنْ شِدَّةِ الْكَمَدِ

لِنِسْوَةٍ عُرُبٍ أَوْلَادُهَا سُغُبٌ

كَأَفْرُخٍ زُغُبٍ حَلُّوا عَلَى ضَمَدِ

رَامَ الرَّحِيلَ فَدَارُوا حَوْلَ شَيْخِهِمُ

يَسْتَرْجِعُونَ لَهُ إِنْ خَاضَ فِي الْبَلَدِ

يَنْعَى أُصَيْبِيَةٌ فِقْدَانَ وَالِدِهِمْ

وَوَالِهًا وَضَعَتْ كَفًّا عَلَى كَبِدِ

قَالُوا: أَبَانَا إِذَا مَا غِبْتَ كَيْفَ لَنَا

بِمِثْلِ وَالِدِنَا فِي الْقُرْبِ وَالْبُعُدِ

قَدْ كُنْتَ تُرْضِعُنَا إِنْ دَرَّةٌ بَكُؤَتْ

عَنَّا وَتَكْلَؤُنَا بِالرُّوحِ وَالْجَسَدِ

فَغَرْغَرَ الشَّيْخُ فِي عَيْنَيْهِ عَبْرَتَهُ

أَنْفَاسُهُ مِنْ شَجِيِّ الْوَجْدِ فِي صَعَدِ

وَقَالَ يُودِعُ صِبْيَانًا وَنِسْوَتَهُ

أُوصِيكُمُ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ يَا وَلَدِي

فَإِنْ أَعِشْ فَإِيَابٌ مِنْ حَلُوبَتِكُمْ

أَوْ مِتُّ فَاعْتَصِمُوا بِالْوَاحِدِ الصَّمَدِ

فَبَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا، «وَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَكُسًى وَعُرُوضٍ وَحَمَلَهُ» ، فَوَافَى الطَّائِفَ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ دِمَشْقَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ:«وَأَرْبَعَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ هَذَا الشِّعْرِ أَنْشَدَنِيهَا أَبِي رحمه الله»

ص: 146

472 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَيْبٍ الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: نا رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي غِمَارِ النَّاسِ، فَشَقَّ عَلَى هِشَامٍ حِينَ دَخَلَ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ، فَقَامَ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ: أَصَابَتْنَا ثَلَاثَةُ أَعْوَامٍ: فَعَامٌ أَكَلَ الشَّحْمَ، وَعَامٌ أَكَلَ اللَّحْمَ، وَعَامٌ انْتَقَى الْعَظْمَ، وَعِنْدَكُمْ فُضُولٌ مِنْ أَمْوَالٍ، فَإِنْ كَانَتْ لِلَّهِ فَاقْسِمُوهَا بَيْنَ عِبَادِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِعِبَادِ اللَّهِ فَبِمَا تَحْبِسُهَا عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ لَكُمْ فَتَصَدَّقُوا، {إِنَّ اللَّهَ يُجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: 88] ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ:«مَا حَاجَتُكَ؟» قَالَ: لَيْسَ لِي حَاجَةٌ، فَكَتَبَ هِشَامٌ إِلَى عَامِلِهِ بِالْمَدِينَةِ:«أَنْفِقْ عَلَى مُقْحَمِي الْمَدِينَةِ» فَرَفَعَ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ

ص: 148

473 -

وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: نا عَمِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُرَيْبٍ الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا، يَتَحَدَّثُونَ، قَالُوا: سَمِعْنَا عَلِيَّ بْنَ أَصْمَعَ، يَقُولُ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَامِرٍ: «إِذَا طَلَبَتْ إِلَيَّ حَاجَةً فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ سِتْرًا، فَإِنْ يَكُنْ مَنْعٌ لَمْ يَلْقَكَ، وَإِنْ يَكُنْ نُجْحٌ أَتَاكَ»

ص: 149

475 -

وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: دَخَلَ الْفَرَزْدَقُ عَلَى عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ فِي دَارِهِ بِالزَّاوِيَةِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الْعَرَقُ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: «

[البحر البسيط]

لَوَلَا ابْنُ عُتْبَةَ عَمْرٌو وَالرَّجَاءُ لَهُ

مَا كَانَتْ الْبَصْرَةُ الْحَمْقَاءُ لِي وَطَنا

أَعْطَانِيَ الْمَالَ حَتَّى قُلْتُ يُودِعُنِي

أَوْ قُلْتُ أَوْدَعَ لِي مَالًا رآهُ لَنَا

فَجُودُهُ مُكْسِبٌ شُكْرًا وَمِنَّتُهُ

وَكُلَّمَا ازْدَدْتُ شُكْرًا زَادَنِي مِنَنَا

يَرْمِي بِهِمَّتِهِ أَقْصَى مَسَافَتِهَا

وَلَا يُرِيدُ عَلَى مَعْرُوفِهِ ثَمَنَا»

ص: 149

476 -

حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ السُّلَمِيُّ هَارُونُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِنُصَيْبٍ: هَرِمَ شِعْرُكَ، قَالَ:«لَا وَاللَّهِ وَلَكِنْ هَرِمَ الْجُودُ، لَقَدْ مَدَحْتُ الْحَكَمَ بْنَ الْمُطَّلِبِ بِقَصِيدَةٍ، فَأَعْطَانِي أَرْبَعَمِائَةِ نَاقَةٍ، وَأَرْبَعَمِائَةِ شَاةٍ، وَأَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ» قَالَ: وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ الْحَكَمَ بْنَ الْمُطَّلِبِ فَأَعْطَاهُ مَالَا، فَبَكَى الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ الْحَكَمُ:«مَا يُبْكِيكَ؟» قَالَ: وَاللَّهُ إِنِّي أَنْفَسُ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ مِثْلَكَ إِذَا مِتَّ

ص: 149

477 -

أَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ بَعْضُ وُلَاةِ الْمَدِينَةِ الْحَكَمَ بْنَ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ عَلَى بَعْضِ الْمَسَاعِي فَلَمْ يَرْفَعْ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ الْوَالِي: أَيْنَ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: «أَكَلْنَا لُحُومَهَا بِالْخُبْزِ» قَالَ: فَأَيْنَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ؟ قَالَ: «اعْتَقَدْنَا بِهَا الصَّنَائِعَ فِي رِقَابِ الرِّجَالِ» فَحَبَسَهُ، فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي السِّجْنِ بَعْضُ وَلَدِ نَهِيكِ بْنِ يَسَافٍ الْأَنْصَارِيِّ فَمَدَحَهُ، فَقَالَ:

[البحر الطويل]

خَلِيلَيَّ، إِنَّ الْجُودَ فِي السِّجْنِ فَابْكِيَا

عَلَى الْجُودِ إِذْ سُدَّتْ عَلَيْنَا مَرَافِقُهْ

تَرَى عَارِضَ الْمَعْرُوفِ كُلَّ عَشِيَّةٍ

وَكُلَّ ضُحًى يَسْتَنُّ فِي السِّجْنِ بَارِقُهْ

إِذَا صَاحَ كَبْلَاهُ طَمَا فِيضُ بَحْرِهِ

لِزُوَّارِهِ حَتَّى تَحُومَ غَرَانِقُهْ «

فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَهُوَ مَحْبُوسٌ»

ص: 149

478 -

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ عُمَارَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ لَهُ قَدْرٌ وَخَطَرٌ لَحِقَهُ دَيْنٌ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ نَخْلٍ وَزَرْعٍ، فَخَافَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ، فَشَخَصَ مِنَ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الْكُوفَةَ وَيَعْمِدُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ، وَكَانَ يَلِي لِهِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعِرَاقَ، وَكَانَ يَبَرُّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ يُرِيدُهُ، وَأَعَدَّ لَهُ هَدَايَا مِنْ طَرَفِ الْمَدِينَةِ، حَتَّى قَدِمَ فَيْدَ، فَأَصْبَحَ بِهَا وَنَظَرَ إِلَى فُسْطَاطٍ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ: الْحَكَمُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، فَلَبِسَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَتَلَقَّاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ فِي صَدْرِ فِرَاشِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ مَخْرَجِهِ، فَأَخْبَرَهُ بِدَيْنِهِ وَمَا أَرَادَ مِنْ إِتْيَانِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ الْحَكَمُ:«انْطَلِقْ بِنَا إِلَى مَنْزِلِكَ، فَلَوْ عَلِمْتُ بِمَقْدَمِكَ لَسَبَقْتُكَ إِلَى إِتْيَانِكَ» ، فَمَضَى مَعَهُ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ، فَرَأَى الْهَدَايَا الَّتِي أَعَدَّ لِخَالِدِ، فَتَحَدَّثَ مَعَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ:«إِنَّ مَنْزِلَنَا أَحْضَرُ عُدَّةً، وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَنَحْنُ مُقِيمُونَ، فَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا قُمْتَ مَعِي إِلَى الْمَنْزِلِ، وَجَعَلْتَ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْهَدَايَا نَصِيبًا» ، فَقَامَ الرَّجُلُ مَعَهُ، فَقَالَ: خُذْ مِنْهَا مَا أَحْبَبْتَ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُمِلَتْ كُلُّهَا إِلَى مَنْزِلِهِ، وَجَعَلَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى إِذَا صَارَ مَعَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَدَعَا بِالْغَدَاءِ وَأَمَرَ بِالْهَدَايَا فَفُتِحَتْ، فَأَكَلَ مِنْهَا، وَأَكَلَ مِنْهَا مَنْ حَضَرَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِبَقِيَّتِهَا تُرْفَعُ إِلَى خِزَانَتِهِ، فَقَامَ وَقَامَ النَّاسُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُلِ، فَقَالَ:«أَنَا أَوْلَى بِكَ مِنْ خَالِدٍ وَأَقْرَبُ مِنْكَ رَحِمًا وَمَنْزِلًا، وَهَا هُنَا مَالٌ لِلْغَارِمِينَ أَنْتَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مِنَّةٌ إِلَّا لِلَّهِ، تَقْضِي بِهِ دَيْنَكَ، ثُمَّ دَعَا لَهُ بِكِيسٍ فِيهِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ» ، وَقَالَ:«لَقَدْ قَرَّبَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْخَطْوَةَ فَانْصَرِفْ إِلَى أَهْلِكَ مُصَاحَبًا مَحْفُوظًا» فَقَامَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِهِ يَدْعُو لَهُ وَيَتَشَكَّرُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ، وَانْطلَقَ الْحَكَمُ يُشَيِّعُهُ فَسَارَ مَعَهُ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَكَأَنِّي بِزَوْجَتِكَ قَدْ قَالَتْ لَكَ: أَيْنَ طَرَائِفُ الْعِرَاقِ، بَزُّهَا وَخَزُّهَا وَعُرَاضَاتِهَا؟ أَمَا كَانَ لَنَا مَعَكَ نَصِيبٌ؟ ثُمَّ أَخْرَجَ صُرَّةً قَدْ حَمَلَهَا مَعَهُ فِيهَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا جَعَلْتَ هَذِهِ لَهَا عِوَضًا مِنْ هَدَايَا الْعِرَاقِ وَوَدَّعَهُ وَانْصَرَفَ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ: جَهِدْتُ بِنَوْفَلِ بْنِ عُمَارَةَ أَنْ يُخْبِرَنِي بِالرَّجُلِ فَأَبَى

ص: 150

479 -

قَالَ زُبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا أَجَازَ لَنَا: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمَّيْهِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَا: كَانَ الْقُرَشِيُّ إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُهُ خَلَعَ النَّعْلَ الْأُخْرَى، فَانْقَطَعَ شِسْعُ الْحَكَمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَخَلَعَ النَّعْلَ الْأُخْرَى وَمَضَى، فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ إِنْسَانٌ نُوِبِيٌّ فَسَوَّى الشِّسْعَ وَجَاءَهُ بِالنَّعْلَيْنِ فِي مَنْزِلِهُ، فَقَالَ لَهُ:«سَوَّيْتُ الشِّسْعَ؟» قَالَ: نَعَمْ، «فَدَعَا جَارِيَتَهُ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا فَدَفَعَهَا إِلَى النُّوبِيِّ» ، وَقَالَ:«ارْجِعْ بِالنَّعْلَيْنِ فَهُمَا لَكَ»

ص: 151

480 -

قَالَ: وَفِيمَا أَجَازَ لَنَا زُبَيْرٌ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي نَوْفَلُ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو مَالِكٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هَرْمَةَ لِعَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هَرْمَةَ يَمْدَحُ الْحَكَمَ بْنَ الْمُطَّلِبِ: «

[البحر الطويل]

تَصَبَّحَ أَقْوَامٌ عَنِ الْمَجْدِ، وَالْعُلَى

فَأَضْحَوْا نِيَامَا وَهْوَ لَمْ يَتَصَبَّحِ

إِذَا كُدِّحَتْ أَعْرَاضُ قَوْمٍ بِلُؤْمِهِمُ

نَجَا سَالِمًا مِنْ لُؤْمِهِمْ لَمْ يُكَدَّحِ

لِيُمْنِكَ إِنَّ الْمَجْدَ أَطْلَقَ رَحْلَهُ

لَدَيْكَ عَلَى خِصْبٍ خَصِيبٍ وَمَسْرَحِ»

ص: 151

481 -

وَزَعَمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيِّبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي ضَمْرَةَ، قَالَ: مَرَّ الْحَكَمُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بِسُوقِ الْغَنَمِ أَيَّامَ الْعِيدِ، فَعَرَضَ لَهُ حَرَسُ السُّوقِ فسلَّمُوا عَلَيْهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَرَدَّ عليهم السلام وَسَأَلَهُمْ عَنْ أَثْمَانِ الضَّحَايَا، فَذَكَرُوا أَنَّهَا غَالِيَةٌ وَأَنَّهَا بِثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ. فَالْتَفَتَ إِلَى مَوْلَى أَبِيهِ، عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ فَقَالَ:«اشْتَرِ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ شَاتَيْنِ مِمَّا يُشِيرُونَ لَكَ إِلَيْهِ» ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَهُ فَمَضَى

ص: 151

482 -

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ عِيَاضِ بْنِ حَمْنَنَ بْنِ عَوْفِ ابْنِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مَعْيُوفٍ الْحِمْصِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ حَضَرَ الْحَكَمَ بْنَ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ بِمَنْبِجَ، قَالَ: وَلَقِيَ مِنْ الْمَوْتِ شِدَّةً، فَقُلْتُ - أَوْ قَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ حَضَرَ - وَهُوَ فِي غَشْيَتِهِ: اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَانَ، يُثْنِي عَلَيْهِ، فَأَفَاقَ، فَقَالَ:«مَنِ الْمُتُكَلِّمُ؟» فَقَالَ الْمُتَكَلِّمُ: أَنَا، قَالَ:" فَإِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ يَقُولُ لَكَ: إِنِّي بِكُلِّ سَخِيٍّ رَفِيقٍ " قَالَ: فَكَأَنَّمَا كَانَتْ فَتِيلَةٌ أَطْفِئَتْ قَالَ الْقَاسِمُ: فَلَمَّا بَلَغَ مَوْتُهُ ابْنَ هَرْمةَ قَالَ شِعْرًا:

[البحر البسيط]

سَالَا عَنِ الْجُودِ وَالْمَعْرُوفِ أَيْنَ هُمَا

فَقُلْتُ إِنَّهُمَا مَاتَا مَعَ الْحَكَمِ

مَاتَا مَعَ الرَّجُلِ الْمُوفِي بِذِمَّتِهِ

يَوْمَ الْحِفَاظِ إِذَا لَمْ يُوفَ بِالذِّمَمِ

مَاذَا بِمَنْبِجَ لَوْ تُنْبَشْ مَقَابِرُهَا

مِنَ التَّهَدُّمِ بِالْمَعَرُوفِ وَالْكَرَمِ

ص: 152

483 -

وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْكِنَانِيُّ، قَالَ: قَدِمَ ابْنُ سَلْمٍ الشَّاعِرُ عَلَى حَرْبِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ يَمْدَحُهُ:

فَلَمَّا دُفِعْتُ لِأَبْوَابِهِمْ

وَلَاقَيْتُ حَرْبًا لَقِيتُ النَّجَاحَا

وَجَدْنَاهُ يَخْبِطُهُ السَّائِلُونَ

وَيَأْبَى عَلَى الْعُسْرِ إِلَّا سَمَاحَا

يُزَارُونَ حَتَّى تَرَى كَلْبَهُمْ

يَهَابُ الْهَرِيرَ وَيَنْسَى النُّبَاحَا

قَالَ ابْنُ سَلْمٍ: «فَأَرْسَلَ إِلَيَّ بِرِزْمَةِ ثيَابٍ وَبِكِيسٍ» ، فَوَضَعَ رَسُولُهُ الرِّزْمَةَ، وَعَذَرَهُ بِقِلَّةِ مَا أَرْسَلَ، وَقَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْكَ أَنْ أَعْلِمَكَ مَا بَعَثَ بِهِ، فَإِذَا نَهَضْتَ فَخُذْهُ مِنْ تَحْتِ فِرَاشِكَ، ثُمَّ وَضَعَ تَحْتَ فِرَاشِي أَلْفَ دِينَارٍ

ص: 152

484 -

حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: حَجَّ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا قَدْ وُلِّينَا هَذَا الْمَقَامَ الَّذِي يُضَاعَفُ لِلْمُحْسِنِ فِيهِ الْأَجْرُ وَعَلَى الْمُسِيءِ الْوِزْرُ، وَنَحْنُ عَلَى طَرِيقِ مَا قَصَدْنا، فَلَا تَمُدُّوا الْأَعْنَاقَ إِلَى غَيْرِنَا، فَإِنَّهَا تُقْطَعُ دُونَنا، وَرُبَّ مُتَمَنٍّ حَتْفُهُ فِي أُمْنِيَتِهِ، فَاقْبَلُوا الْعَافِيَةَ مِنَّا مَا قَبِلْنَاهَا مِنْكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَقَوْلَ لَوْ، فَإِنَّهَا قَدْ أَتْعَبَتْ مَنْ قَبْلَكُمْ، وَلَنْ تُرِيحَ مَنْ بَعْدَكُمْ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَ كُلًّا عَلَى كُلٍّ» ، فَاعْتَرَضَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْخَلِيفَةُ، فَقَالَ:«لَسْتُ بِهِ وَلَمْ تَبْعُدْ» ، قَالَ: فِيَا أَخَاهُ، قَالَ:«قَدْ أَسْمَعْتَ فَقُلْ» ، قَالَ: لَعَمْرِي، أَنْ تُحْسِنُوا وَقَدْ أَسَأْنَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُسِيئُوا وَقَدْ أَحْسَنَّا، فَإِنْ كَانَ الْإِحْسَانُ مِنْكُمْ فَمَا أَحَقُّكُمْ بِاسْتِتْمَامِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنَّا فَمَا أَحَقَّنَا بِمُكَافَأَتِكُمْ، قَالَ لَهُ عُتْبَةُ:«مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ يَلْقَاكُمْ بِالْعُمُومَةِ، وَيَخْتَصُّ إِلَيْكُمْ بِالْخُؤُولَةِ، كَثَرَهُ عِيَالٌ، وَوَطِئَهُ زَمَانٌ، وَبِهِ فَقْرٌ، وَعِنْدَهُ شُكْرٌ. فَقَالَ عُتْبَةُ:«أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْكَ، وَأَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، وَقَدْ أَمَرْتُ لَكَ بِغِنَاكَ، فَلَيْتَ إِسْرَاعِي إِلَيْكَ يَقَوْمُ بِإِبْطَائِي عَنْكَ»

ص: 152

485 -

أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْأُمَوِيِّ، قَالَ: دَخَلَ كُثَيِّرٌ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَرْضٌ لَكَ يُقَالَ لَهَا غُرَّبٌ، رُبَّمَا أَتَيْتُهَا وَخَرَجْتُ إِلَيْهَا بِوَلَدِي وَعِيَالِي، فَأَصَبْنَا مِنْ رُطَبِهَا وَمِنْ تَمْرِهَا شِرَاءً مَرَّةً، وَطُعْمَةً مَرَّةً، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُعْرِيَنِيهَا فَعَلَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ:«ذَاكَ لَكَ» ، فَنَدَّمَهُ النَّاسُ، وَقَالُوا: أَنْتَ شَاعِرُ الْخَلِيفَةِ وَلَكَ مِنْهُ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ، هَلَّا كُنْتَ سألْتَهُ الْأَرْضَ قَطِيعَةً؟ فَأَتَى الْوَلِيدَ، فَقَالَ: إِنَّ لِي إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَاجَةً، قَالَ: إِنَّكَ لَا تَسْتَمْكِنُ مِنْهُ، إِنَّمَا يُؤْتَى بِرْذَوْنُهُ فَيَرْكَبُهُ إِذَا انْصَرَفَ عَنْ مَكَّةَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ. قَالَ: أَجْلِسْنِي قَرِيبًا مِنْ الْبِرْذَوْنِ، فَأَجْلَسَهُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى الْبِرْذَوْنِ قَامَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ:«إِيهِ» ، وَعَرَفَ أَنَّ لَهُ حَاجَةً، فَقَالَ:

[البحر الطويل]

جَزَتْكَ الْجَوَازِيَ عَنْ صَدِيقِكَ نَضْرَةً

وَأَدْنَاكَ رَبِّي فِي الرَّفِيقِ الْمُقَرَّبِ

فَإِنَّكَ لَا تُعْطِي عَلَيْكَ ظُلَامَةٌ

عَدُوًّا وَلَا تَأْبَى مِنْ الْمُتَقَرِّبِ

وَإِنَّكَ مَا تَمْنَعُ فَإِنَّكَ مَانِعٌ

بِحَقٍّ وَمَا أَعْطَيْتَ لَمْ يُتَعَقَّبِ

قَالَ: «لَعَلَّكَ أَرَدْتَ غُرَّبًا؟» قَالَ: نَعَمْ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ:«اكْتُبُوا لَهُ بِهَا كِتَابًا» ، فَفَعَلُوا

ص: 153

486 -

وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: دَخَلَ كُثَيِّرٌ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ، فَأَنْشَدَهُ:

إِذَا ابْتدَرَ النَّاسُ الْمَكَارِمَ بَذَّهَا

عَرَاضَةُ أَخْلَاقِ ابْنِ لَيْلَى وَطُولُهَا

حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَأُعْجِبَ بِذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَقَالَ:«حُكْمَكَ يَا أَبَا صَخْرٍ» قَالَ: أَحْتَكِمُ أَنْ أَكُونَ مَكَانَ ابْنِ رُمَّانَةَ، وَكَانَ ابْنُ رُمَّانَةَ كَاتِبَهُ وَصَاحِبَ أَمْرِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ:«تَرَحًا لَكَ، وَمَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا وَلَا عِلْمَ لَكَ بِخَرَاجِهِ وَلَا بِكِتَابِهِ؟ اخْرُجْ عَنِّي» فَنَدِمَ كُثَيِّرٌ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:

[البحر الطويل]

عَجِبْتُ لِأَخْذِي خُطَّةَ الْغَيِّ بَعْدَمَا

بَدَا لِي مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَبُولُهَا

وَأَمِّي صَعْبَاتِ الْأُمُورِ أَرُوضُهَا

وَقَدْ أَمْكَنَتْنِي قَبْلَ ذَاكَ ذَلُولُهَا

وَأَنْتَ امْرُؤٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ عُمَارَةٍ

أَمُورٌ بِخَيْرَاتِ الْأُمُورِ فَعُولُهَا

فَلَمْ أَرَ رَكْبًا جَاءَنَا لَكَ حَاذِيَا

وَلَا خُلَّةً يَزْرِي عَلَيْكَ دَخِيلُهَا

ذَرَا اللَّهُ فِي أَرضِ ابنِ لَيْلَى بَنَاتِهَا

فَأَمْرَعَ جَوْفَاهَا وَبُورِكَ نِيلُهَا

فَقَالَ: «أَمَّا الْحُكْمُ فَلَا، وَقَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعِشْرِينَ أَلْفًا»

ص: 154

487 -

وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَ الْأَخْطَلُ الشَّامَ عَلَى بَعْضِ بَنِي أَمَيَّةَ فَامْتدَحَهُ، فَأُخْبِرَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، مُتَبَدِّيًا فِيمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَكَانَتْ جَدَّتُهُ - أَمُّ أَمِّهِ - تَغْلِبِيَّةً، وَعَبْدُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ، فَأَتَاهُ الْأَخْطَلُ فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:

[البحر الوافر]

فَمَنْ يَكُ سَائِلًا بِبَنِي سَعِيدٍ

فَعَبْدُ اللَّهِ أَكْرَمُهُمْ نِصَابَا «

وَأَمَرَ لَهُ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَنَاقَةٍ بِرَحْلِهَا» ، فَقِيلَ لَهُ: أَعْطَيْتَ أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا مَا أَعْطَيْتَهُ وَلَمْ تَسْتَمْدِحْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يُرْضِيهِ الْيَسِيرُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:«عَلَيَّ بِالْأَخْطَلِ» ، فَجَاءَ فَقَالَ:«إِنِّي أَعْطَيْتُكَ وَلَمْ آمُرْكَ بِشَيْءٍ، فَهِيَ لَكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَإِذَا بَدَا لَكَ فَتَعَالَ»

ص: 154

488 -

حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ الْقُرَشِيُّ الْمَكِّيُّ، قَالَ: " خَرَجَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُرِيدُونَ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ بِالشَّامِ، فَمَرُّوا قَرِيبًا مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَقَالُوا: لَوْ مِلْنَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَمَالْوا إِلَيْهِ فَحَبَسَهُمْ «ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ بِثَوْبٍ فِيهِ مَالٌ تَحْمِلُهُ عِدَّةٌ» وَقَالَ:«لَوْ كَانَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا أَرْسَلْنَا بِهِ إِلَيْكُمْ» ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: مَا نَحْتَاجُ إِلَى الذَّهَابِ فِي وَجْهِنَا، فِي هَذَا مَا نَكْتَفِي بِهِ، فَارْتَحَلُوا، فَلَمْ يَدْنُ مِنْهُمْ أَحَدٌ مِنْ غِلْمَانِهِ وَحَشَمِهِ يُعِينُهُمْ عَلَى رِحْلَتِهِمْ. فَلَمَّا وَدَّعُوهُ قَالُوا: لَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ بِرِّكَ وَإِكْرَامِكَ وَصَنِيعِكَ مَا أَعْجَبَنَا، وَلَكِنَّا رَأَيْنَا شَيْئًا أَنْكَرْنَاهُ عِنْدَ رِحْلَتِنَا، لَمْ يَدْنُ مِنَّا أَحَدٌ مِنْ غِلْمَانِكَ وَحَشَمِكَ فِيُعِينَنَا عَلَى رِحْلَتِنَا حَتَّى تَكَلَّفْنَا نَحْنُ ذَلِكَ، فَضَحِكَ، وَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَا يُعِينُونَ أَحَدًا عَلَى

1 -

رِحْلَتِهِمْ عَنَّا»

ص: 155