الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وأما معجزة
انشقاق القمر
فهي - كما قال الخطابي - آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء، وذلك أنه ظهر في ملكوت السموات خارجا عن جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع، فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر. انتهى.
وهذه المعجزة دل عليها القرآن، قال الله - تعالى -:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} والمراد وقوع انشقاقه. ويؤيده قوله - تعالى - بعد ذلك: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} ، فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله:(انشق) وقوع انشقاقه، لأن الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة، فدل على أن المراد بالآية وقوع انشقاقه في الدنيا، كما دل عليه صريح الأحاديث الآتية.
وقد أجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه لأجل نبينا صلى الله عليه وسلم فإن كفار قريش لما كذبوه، ولم يصدقوه أعطاه الله - تعالى - هذه الآية العظيمة المتضمنة لثلاث حكم:
الأولى: دلالتها على وحدانية الله - تعالى - وأنه المتفرد بالربوبية
والإلهية، وأن هذه الآلهة التي يعبدونها من دونه باطلة، لا تنفع ولا تضر، وأن العبادة إنما تكون لله وحده.
وهذا على طريق القرآن من الاستدلال بتفرده - تعالى - بالخلق والتدبير على أنه هو المعبود وحده.
الثانية: دلالتها على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته حيث أراهم هذه الآية جوابا لاقتراحهم.
الثالثة: أنها دلت على ما أخبرت به الأنبياء من انشقاق السموات يوم القيامة.
قال بعض الأئمة: وجعل الآية فيه دون الشمس والنجوم، لأنه أقرب إلى الأرض، وكان فيه دون سائر أجزاء الفلك، إذ هو الجسم المستدير الذي فيه الانشقاق، فقبول محله أولى.
وقد جاءت أحاديث الانشقاق في روايات صحيحة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم: أنس بن مالك، وعبد الله ابن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعلي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وجبير بن مطعم، وعبد الله بن عمر، وغيرهم.
ففي الصحيحين من حديث أنس: " «أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر شقتين، حتى رأوا حراء بينهما» ".
وفي الصحيحين - أيضا - من حديث ابن مسعود قال: " «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا» ".
وروى الإمام أحمد من حديث جبير بن مطعم، قال:" «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد. فقالوا: إن سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس» ".
وعند أبي داود الطيالسي عن ابن مسعود في حديثه قال: " «فقالوا: انظروا ما يأتيكم به السفار "، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، قال: فجاء السفار، فأخبروهم بذلك» ".
وبالجملة، فالروايات بهذه الواقعة متعددة، وطرقها متعددة، وعلى وقوعها أجمع علماء الأمة وحفاظها، وتلقاه الخلف عن السلف. قال ابن عبد البر:
" قد روي هذا الحديث - يعني حديث الانشقاق - عن جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا، وتأيد بالآية الكريمة ".
وقال غيره: إن لهذا الحديث طرقا شتى بحيث لا يمترى في تواتره.
وأما قول النصراني: "
…
إنه من المحال يستفظعه العقل
…
" فجوابه أن العقل الصحيح المؤيد بنور الإيمان بالله، ورسوله، وأن الله على كل شيء قدير، لا يحيل ذلك، ولا يستبعده، فإن الله - تعالى - هو الذي خلق القمر وجميع المخلوقات، وهي في قبضته وتحت تصرفه،
أوجدها من العدم، وسيعيدها إليه، فلا يستبعد أن يخرق العادة فيها معجزة لرسوله، ودلالة على صدقه، كما جعل العصا حية، وأخرج الناقة من صخرة.
واعلم أن شبهة القائلين باستحالة الانشقاق دعواهم أن الأجرام العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام. وكذا قالوه في إنكارهم فتح أبواب السماء لنبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج. وما ذكرناه من عموم قدرة الله - تعالى - على جميع الممكنات دليل على عدم الإحالة.
وبمثل هذا أجاب العلماء، كقول أبي إسحاق الزجاج - وهو من متقدمي العلماء -: أنكر بعض المبتدعة - الموافقين لمخالفي الملة - انشقاق القمر، ولا إنكار للعقل فيه، لأن القمر مخلوق لله، يفعل فيه ما يشاء، كما يكون يوم القيامة، ويفنيه. انتهى.
ويكفي في الحجة على النصارى في ذلك رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، فإنهم يعترفون أنه رفع بجسمه فقد حصل برفعه الانخراق والالتئام الذي أنكروه، فبطل قولهم في إحالة الانشقاق، وبقي ثبوته من جهة النقل.
وقد قدمنا أنه بلغ مبلغ التواتر الذي لا يشك فيه، وإن أنكره أهل الكفر والعناد.
وأما قول بعض الملاحدة: لو وقع هذا لنقل متواترا، واشترك أهل الأرض كلهم في معرفته، ولم يختص به أهل مكة، لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة، فالناس فيه شركاء، والدواعي متوافرة على رواية كل غريب، ونقل ما لم يعهد. ولو كان لذلك أصل لخلد في كتب السير والتنجيم، إذ لا يجوز إطباقهم على تركه، وإغفاله، مع جلالة شأنه ووضوح أمره.
فأجاب عنه الخطابي وغيره بأن هذه القصة خرجت عن الأمور التي ذكروها، لأنه شيء طلبه خاص من الناس، فوقع ليلا، لأن القمر لا سلطان له بالنهار، ومن شأن الليل أن يكون الناس فسه نياما ومستكنين في الأبنية، والبارز منهم بالصحراء - إن كان يقظانا - يحتمل أنه اتفق أنه كان في ذلك الوقت مشغولا بما يلهيه من سمر وغيره.
ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراكز القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه، فيجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر الناس، وإنما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه، ولعل ذلك إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر.
وقد يكون القمر حينئذ في بعض المنازل التي يظهر لبعض الآفاق
دون بعض. كما يكون ظاهرا لقوم غائبا عن قوم كما يجد الكسوف أهل بلد دون أهل بلد آخر.
وكثيرا ما يحدث الثقات بعجائب يشاهدونها من أنوار ونجوم طوالع عظام، تظهر في الأحيان بالليل في السماء، ولا علم عند أحد منها.
فصل
وأما ما عدا ما تقدم من معجزاته صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته فكثيرة جدا، وبسطها يحتمل مجلدات، ولكننا نذكر من عيونها ومشهورها ما هو اللائق بما قصدناه من الاختصار.
فمن ذلك ما أخبر به من المغيبات المستقبلة في القرآن، من ذلك شيء كثير كقوله:
وقوله - تعالى -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} .... الآية.
وقوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} .... الآية.
وقال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}
…
الآية.
وقال للمسيح:.... {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} .
وقال: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} .
وقال: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ} .... .
وقال في اليهود:.... {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} .... الآية.
…
الآية.
…
الآية. وتقدمت القصة.
وقال في الوليد بن المغيرة: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}
…
إلى قوله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} . وقال عن أبي لهب: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} .... . فماتا كافرين.
وقال - تعالى -: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} .... .
وقال:
…
{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} .... .
…
.
وهذا كله وقع، وحصلت الغنائم الكثيرة، ودخلوا المسجد آمنين ودعيت الأعراب إلى قتال الروم وفارس.
وكان ذلك إخبارا من الله لرسوله باقتراب أجله حينئذ، وكذلك وقع، فما مات صلى الله عليه وسلم حتى دخل الناس في دين الله أفواجا، ولم يبق في بلاد العرب موضع لم يدخله الإسلام.
وقال عن المنافقين في أمرهم مع اليهود فيما وعدهم به من أنفسهم: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ} .... الآية. وكذلك كان.
وضرب الله لهم المثل بالشيطان:
…
{إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ}
…
. وقصتهم مشهورة في التفاسير والسير.
وفي الأحاديث الصحيحة مما أخبر بوقوعه فكان ما لا يحصى كثرة.
كما في صحيح البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: " «بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل، فشكى إليه الفاقة، ثم أتاه آخر، فشكى إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها. فقال: إن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله - قلت في نفسي: فأين ذعار طي الذين سعروا البلاد - ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى. قلت: كنوز كسرى بن هرمز؟ ! قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه ذهبا أو فضة يطلب من يقبله منه، فلا يجد أحدا يقبله منه ". قال عدي: " فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز. ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج الرجل ملء كفه ذهبا أو فضة فلا يجد من يقبله منه» ".
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «وستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها، فإن لهم ذمة ورحما» ".
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتى سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين، الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى»
وهذا أخبر به صلى الله عليه وسلم في أول الأمر وأصحابه في غاية القلة قبل فتح مكة، فكان كما أخبر، فإن ملكهم انتشر في المشرق والمغرب ما بين أرض الهند - أقصى المشرق - إلى بحر طنجة في المغرب، حيث لا عمارة وراءه.
وذلك ما لم تملكه أمة من الأمم، ولم ينتشر في الجنوب والشمال كانتشاره في المشرق والمغرب.
قال بعض العلماء:
لما كانت أمته أعدل الأمم انتشرت دعوته في الأقاليم التي هي وسط المعمور من الأرض.
وفي حديث جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر»
«فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لينفقن كنوزهما في سبيل الله» ". أخرجاه في الصحيحين.
وملك كسرى وقيصر أعز ملك في الأرض، فلم يبق للفرس ملك، وهلك قيصر الذي بالشام وغيرها، فلم يبق من وقت الفتوح العمرية من هو ملك على الشام ولا مصر ولا الجزيرة من النصارى، وهو الذي يدعى قيصر.
وقال في قيصر: " «ثبت الله ملكه» "، فثبت ببلاد الروم، وفي كسرى:" «مزق الله ملكه» "، فلم يبق له ملك.
وهذا كله يصدق بعضه بعضا.
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: " «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين»
…
" الحديث.
وهذا أخبر به حين كانت أمته أقل الأمم، ثم انتشرت في المشارق والمغارب، وكان كما أخبر، فإنه - ولله الحمد - لم تزل فينا
طائفة ظاهرة بالعلم والدين والسيف، فلم يصب هذه الأمة ما أصاب من قبلها من بني إسرائيل وغيرها، حيث كانوا مقهورين مع الأعداء، بل إن غلبت في قطر كان في قطر آخر طائفة ظاهرة لم يسلط على مجموعها عدو من غيرهم، ولكن وقع بينهم اختلاف وفتن.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى» "، فظهرت نار عظيمة على نحو مرحلة من المدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، ودامت نحو أربعة وأربعين يوما، وكانت تحرق الحجر، ولا تنضج اللحم، ورؤيت منها أعناق الإبل ببصرى.
وقد أطال المؤرخون في أخبارها بما لا يتسع له هذا الموضع.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بموت النجاشي يوم موته بالحبشة، وصلى عليه بأصحابه.
وأنه وأبا بكر وعمر وعثمان صعدوا أحدا، فتحرك الجبل، فضربه برجله، وقال له:" «اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيد» "، فاستشهدوا.
وأنه قال لسراقة بن جعشم: " «كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟» ". فألبسهما عمر له لما زال ملك كسرى في زمنه.
وأخبر بأن ابنته فاطمة رضي الله عنها أول أهله لحوقا به، فكان كذلك.
وأخبر بأن أشقى الأولين عاقر الناقة، والآخرين قاتل علي يضربه في يافوخة، فتبتل من دمها لحيته. فضربه الشقي ابن ملجم ضربة كذلك، فمات منها، رضي الله عنه.
وبأن عثمان يقتل ظلما، وبأن المدينة ستغزى، فكانت وقعة الحرة المشهورة على أهل المدينة من جيش يزيد بن معاوية.
وأخبر بوقعة الجمل، وصفين، وقتال عائشة والزبير لعلي رضي الله عنهم ولذلك «قال علي للزبير لما برز له يومئذ: أنشدك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنك تقاتله وأنت له ظالم "؟. فانصرف الزبير، وقال:" بلى، ولكني نسيت» ".
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن رضي الله عنه: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ". فكان كذلك يوم التقى مع معاوية.
وأخبر بقتل الحسين رضي الله عنه وأخبر ابن عمر أنه سيعمى لما رأى جبرائيل معه في صورة رجل، وأخبر بالخوارج الذين خرجوا على علي، وأن فيهم رجلا إحدى يديه مثل ثدي المرأة، فقاتلهم علي رضي الله عنه وأخرج ذلك الرجل من بين القتلى حتى رآه الناس بالوصف الذي وصفه صلى الله عليه وسلم.
وأخبر بالرافضة وبالقدرية، وبأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وبأنها كلها في النار إلا فرقة واحدة، وهم الذين على ما كان عليه هو وأصحابه صلى الله عليه وسلم.
وأخبر أنه ستكون لهم أنماط ويغدو أحدهم في حلة، ويروح في أخرى، وتوضع بين يديه صحفة، وترفع أخرى، ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة، ثم قال في آخر الحديث:" «وأنتم اليوم خير منكم يومئذ» ".
وقال: " «يكون في ثقيف كذاب ومبير» ". فرأوهما: المختار بن أبي عبيد الذي ادعى أنه يوحى إليه، والحجاج بن يوسف.
وأنذر بالردة التي وقعت بعد موته.
وبأن الخلافة بعده ثلاثون سنة ثم تكون ملكا. فكانت كذلك بمدة الحسن بن علي.
وقال: " «إن هذا الأمر بدأ نبوة ورحمة ثم يكون عضوضا، ثم تكون عتوا وجبروتا وفسادا في الأمة» ".
وأخبر بشأن أويس القرني، وأنه في أمداد اهل اليمن، وأن له أما هو بار بها، وأخبر عمر بصفته، وقال له:" «إن استطعت أن يستغفر لك فافعل» "، وأخبر بأنه مجاب الدعوة.
وأخبر بأمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، وبأنه سيكون في أمته ثلاثون كذابا يدعون النبوة.
وعنه صلى الله عليه وسلم: " «لو كان الدين بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس» ".
وأنه أخبر بالموتان الذي يكون بعد فتح بيت المقدس، وما وعد من سكنى البصرة، وأن أمته يغزون في البحر كالملوك على الأسرة.
وقال لسعد: " لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون ".
وأخبر أبا ذر بتطريده، فكان كما كان، وبموته وحده، وأنه يشهد جنازته طائفة من المسلمين.
وقال لعمر في سهيل بن عمرو: " «عسى أن يقوم مقاما يسرك،»
«يا عمر» ". فكان كذلك، قام بمكة مقام أبي بكر يوم بلغه موت النبي صلى الله عليه وسلم وخطب بنحو خطبته، وثبتهم، وقوى بصائرهم.
وأخبر صلى الله عليه وسلم بأشياء كثيرة وقعت في زمانه، كقوله في الرجل الذي أبلى مع المسلمين في الجهاد:" «إنه من أهل النار» ". فقتل نفسه.
وقال في حنظلة الغسيل: " «سلوا زوجته عنه، فإني رأيت الملائكة تغسله» ". فسألوها، فقالت: إنه خرج جنبا، وأعجله الحال عن الغسل.
وأخبر بالذي غل خرزا من خرز اليهود، فوجدت في رحله،
وبالذي غل الشملة، وبشأن كتاب حاطب إلى أهل مكة، وبقضية عمير مع صفوان حين ساره، وشارطه على قتل النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء عمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا لقتله، وأطلعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على السر أسلم.
وأخبر بالمال الذي تركه العباس عند أم الفضل بعد أن كتمه، فقال: ما علمه غيري وغيرها. فأسلم.
وأخبر بأنه سيقتل أبي بن خلف، فقتله.
وفي عتبة بن أبي لهب أنه يأكله كلب الله.
وعن مصارع أهل بدر. فكان كما قال.
وأخبر بقتل أهل مؤتة يوم قتلوا، وبينهم مسيرة شهر فأكثر.
وقال لخالد لما وجهه لأكيدر: إنك تجده يصيد البقر.
وأخبر بكثير من أسرار المنافقين وكفرهم وقولهم فيه وفي المؤمنين، حتى إن كان بعضهم ليقول لصاحبه: اسكت، فوالله لو لم يكن عنده من يخبره لأخبرته حجارة البطحاء.
وأعلم بصفة السحر الذي سحره لبيد بن الأعصم، وكونه في مشط ومشاطة في جف طلع نخلة ذكر، وأنه ألقي في بئر ذروان. فكان كما قال صلى الله عليه وسلم.
ووصف لكفار قريش بيت المقدس حين كذبوه في خبر الإسراء. ونعته لهم نعت من عرفه، وأعلمهم بعيرهم التي مر عليها في طريقه، وأخبرهم بوقت وصولها. فكان ذلك كله كما قال.
وأما ما أخبر به صلى الله عليه وسلم مما لم يقع إلى الآن فكثير جدا، وبحسب هذا النوع من معجزاته صلى الله عليه وسلم أن يكون المروي فيه ديوانا مفردا يشتمل على عدة أجزاء.
وفيما اشرنا إليه من نكت الأحاديث التي ذكرناها كفاية، وأكثرها في الصحيحين والسنن والمسانيد المشهورة.
وقد روى البخارى ومسلم وأبو داود عن حذيفة - رضى الله عنه - قال: " «قام فينا رسول صلى الله عليه وسلم مقاما، فما ترك شيئا يكون من مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، وقد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته، فأراه فأذكره، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم رآه» ".
وأخرج مسلم عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: " «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل، وصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، فنزل، وصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة، فأعلمنا أحفظنا» ".
ومن آياته كلام الشجر له، وسلامها عليه، وطواعيتها له، وشهادتها له بالرسالة.
أخرج البزار وأبو نعيم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أوحى الله إلي جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله» ".
وعن علي رضي الله عنه قال: " «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله» ". رواه الترمذي، وقال:" حسن غريب ".
وأخرج الحاكم في مستدركه بإسناد جيد «عن ابن عمر، قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأقبل أعرابي، فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين تريد؟ قال:
»
…
الحديث ". رواه الدارمي - أيضا - بنحوه.
«فعل بالأخرى كذلك. حتى إذا كان بالمنصف بينهما قال: التئما علي بإذن الله - تعالى - فالتأمتا» ". الحديث رواه مسلم.
ومن آياته وعجائب معجزاته حنين الجذع شوقا إليه صلى الله عليه وسلم. وقد روي عن جماعة من الصحابة من طرق كثيرة تفيد القطع بوقوعه.
فأخرج البخاري من طرق عن جابر رضي الله عنه " «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار: ألا نجعل لك منبرا. قال: إن شئتم. فجعلوا له منبرا. فلما كان يوم الجمعة رفع إلى المنبر، فصاحت النخلة فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكن، قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها» ".
قال القاضي: حديث حنين الجذع مشهور منتشر، والخبر به متواتر، خرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر، منهم:
أبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وسهل بن سعد، وأبو سعيد
الخدري، وبريدة، وأم سلمة، والمطلب بن أبي وداعة.
وقال البيهقي: " قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف ".
وقال الشافعي فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في مناقبه: " ما أعطى الله نبيا ما أعطى نبينا محمدا - عليه أفضل الصلاة والسلام -. فقيل له: أعطي عيسى إحياء الموتى، قال: أعطي محمد حنين الجذع حتى سمع صوته فهو أكبر من ذلك ".